وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة فاطر - تفسير الآيات 16 - 24 مقامات العبودية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 

 

الافتقار إلى الله من مقامات العبودية:


 أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس السابع من سورة فاطر.

وصلنا في الدرس الماضي إلى الآية الخامسة عشرة، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(16)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ ..

ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الله سبحانه وتعالى بعد أن بيَّن أنه هو الذي خلقنا من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلنا أزواجاً، هو الذي جعل البحرين هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج، هو الذي أولج الليل في النهار، وأولج النهار في الليل، الذي فعل هذا كله هو الله جلّ في علاه، أما أنتم أيها العباد فأنتم فقراء، والافتقار إلى الله مقام عليٌّ جداً، هو مقام العبودية، حينما تتأكد من أنك لا شيء، وأن الله كل شيء، حينما ترى ضعفك، وجهلك، وافتقارك إلى الله عز وجل فقد تحققت من مقام العبودية. 

فالإنسان - كما قلت لكم في الدرس السابق - كلما ازداد افتقاراً إلى الله أمده الله، إن افتقر في العلم أمده الله بالعلم، إن افتقر في القوة أمده الله بالقوة، وما يقع الإنسان في مشكلة في الأعم الأغلب إلا بسبب أنه اتكل على نفسه، لأنه من اتكل على الله كفاه الله كل مؤنة، ومن اتّكل على نفسه أوكله الله إليها، وربما كانت هذه الحقيقة حقيقة أساسية جداً في الدين، لأن الإنسان بين أن يعتدّ بنفسه، وبين أن يفتقر إلى الله عز وجل، وقد مرّ بكم في التاريخ الإسلامي أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله حينما افتقروا إلى الله في بدر نصرهم نصراً عزيزاً مؤزراً، وحينما قالوا في أنفسهم: لن نغلب من قوة، خذلهم الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

[ سورة التوبة ]

وهذه القصة مع شقيها، حينما افتقروا في بدر نصرهم الله نصراً عزيزاً مؤزراً، وحينما اعتدوا بقوتهم في حُنين تخلى الله عنهم، وأوكلهم إلى أنفسهم، وولوا مدبرين، هاتان الحادثتان الأولى والثانية درس لنا على مدار الدوران. 

أيها المؤمن؛ إن افتقرت إلى الله فأنت شيء ثمين، إن افتقرت إلى الله أمدك الله بالعلم، أمدك بالقوة، أمدك بالحكمة، أمدك بالصبر، أمدك بالتماسك، أمدك بالجلد، وإن قلت: أنا لي خبرة:

﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)﴾

[ سورة القصص ]

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)﴾  

[ سورة القصص ]

لذلك حينما قالوا: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، نهاية العلم التوحيد، ألا ترى مع الله أحداً، أن تعرف من أنت، أنت لا شيء، لكنك بالله كل شيء، أنت لا تعلم، لكنك إذا افتقرت إلى العليم صرت أعلم العلماء، أنت ضعيف، بالله قوي، أنت فقير، بالله غني، فهذا الموضوع تمّ شرح بعضه في الدرس الماضي، وتمّ شرحه تفصيلاً في درس جامع العثمان في مقام الافتقار إلى الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ .

 

الاستغناء والتوكل على النفس مآله الفشل والإخفاق:


كل إنسان له مهنة، له حرفة، له اختصاص، عنده ملكات، عنده قدرات، فحينما يتوجه إلى ذاته، ويعتمد عليها، ويتكل عليها، يتخلى الله عنه، ويكله إلى نفسه، ويقع في شر عمله، ويعرف حقيقته الضعيفة، وحينما يعتمد على ربه، ويتوكل عليه، يُمده بقوة منه، وبعلم، وبحكمة، وبثبات، وبجلد، وبتماسك، فإذا أردت كل شيء فافتقر إلى الله في كل شيء، وإذا أردت الإخفاق، إذا أردت أن تفاجأ في وقت عصيب جداً أنك ضعيف، بعد أن ظننت أنك قوي فاعتمد على نفسك.

 

الإنسانُ بَيْنَ اتخاذ الأسباب وبين تأليهها:


مرة ثانية: خط دقيق جداً بين الشرك والمعصية، ألا تأخذ بالأسباب فهذه معصية، وأن تأخذ بها وتعتمد عليها هذا شرك، لكن الإيمان أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد على رب الأرباب، لأنه أنْ تبقى في منطقة ضيقة جداً، وفي خط رفيع هذه بطولة، أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها هذا منزلق خطير، يقع به معظم الناس، يقول لك من خلال كلامه: أنا متمكن، أعددت لكل شيء عُدَّته، أنا أملك خبرة طويلة في هذا المجال، هذه كلها كلمات الاعتداد بالنفس. وقد يفاجأ الخبير بموقف خطير، وحينما يطمئن الإنسان من جهة يأتيه الله من جهة طمأنينته، هذا تحدثت عنه في الدرس الماضي بفضل الله عز وجل، لكن أريد أن أؤكد أن كل إنسان إن افتقر إلى الله في حرفته أمده الله، كذلك في زواجه إذا استعان بالله ألهمه الله البحث عن زوجة صالحة، وإن كانت عنده زوجة ليست كما يريد أصلحها الله له، العبرة أن تكون مع الله، أن تكون شديد الصلة بالله، أن تكون حَسَن الصلة بالله، العبرة أن تكون ربانياً، حتى تشعر أن الله عز وجل يُمِدك بكل شيء، الله عز وجل مع المؤمن المفتقر، ويتخلى عن المعتد بنفسه، والمستغني عن الله، كلكم يعلم قوله تعالى: 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

[ سورة العلق  ]

حينما يرى نفسه قوياً ربما طغى، حينما يرى نفسه غنياً ربما طغى، الطغيان يتأتى من الاعتداد بالنفس، وليس من السهل أن تفتقر إلى الله، هذا يحتاج إلى جهد كبير، مرتبة الافتقار مرتبة عالية جداً، هي مرتبة العبودية، مرتبة أن تعرف من أنت، أنت لا شيء، لكنك بالله كل شيء، أنت ضعيف، لكنك بالله قوي، أنت فقير، لكنك بالله غني، الإنسان أخرق، لكنه بالله حكيم، إذا أردت الحكمة، سداد الرأي، صواب القول، ثبات الجنان، التوازن، إذا أردت العلم، القوة، الصبر فافتقر إلى الله.

 

الله وحده هو الغني الحميد:


الآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ ..هو وحده الغني، هو تفيد القصر، هو وحده الغني، أنتم لستم أغنياء، لكن الله عز وجل غني حميد، مع أنه غني لا يعامل عباده إلا معاملة يحمدونه عليها، هذا معنى غني حميد، الإنسان إذا اغتنى تَرَفع، وتعالى، وتكبر، يتذلل إذا كان بحاجة إلى الخلق، فإذا استغنى عنهم يستعلي عليهم، هذا شأن الإنسان، لكن شأن الواحد الديان أن الله عز وجل مع أنه غني يريد من عباده أن يُقْبلوا عليه، يطلبهم، مع أنه غني عنهم. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: 

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))

[ صحيح مسلم ]

أتمنى على كل أخ كريم لو أنه كان طبيباً، قبل أن يضع يده على هذا المريض يقول: يا رب، إني تبرأت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك يـا ذا القوة المتين،  يرى كيف أن الله يلهمه التشخيص الصحيح، وكيف أن الله عز وجل يجري الخير على يديه، لو أن القاضي قبل أن يدقـق في قضية استعان بالله، لو أن المدرس قبل أن يلقي درساً استعان بالله، لو أن التاجر قبل أن يعقد صفقة استعان بالله، لو أن المهندس قبل أن يرسم مخططاً استعان بالله، لو أن أي إنسان واجهته مشكلة واستعان بالله، لرأى أن الله عز وجل يمده بالحل المناسب، وبالرأي الصائب، وبالموقف الحكيم، وما الحمق والخطأ إلا حالة بُعْد عن الله عز وجل، فالإنسان كلما استعان بالله عز وجل أعانه، وإذا استنصره نصره، الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ((... يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ...)) لكن الإنسان حتى لا يتوهم أنه مطلوب يا أخي، الكون كله مسخر للإنسان، هو مطلوب، كأن الله يريد منه أن يؤمن لئلا يظن أنه بحجم أكبر من حجمه، لئلا يظن أن الله عز وجل بحاجة إليه، قال: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ .

 

إيّاك أن تمنّ على الله في شيء فإن الله لا ينتفع بشيء منك:


﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)﴾

[ سورة الحجرات ]

أي يجب أن تشعر أنك مطلوب من قبل الله عز وجل، وأن الله يحب أن تهتدي، وأن الله حريص على سعادتك، وأن الله خلقك ليسعدك، لكن في الوقت نفسه يجب ألا تشعر أنك إذا اهتديت نفعت الله عز وجل،لا، ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هذا الشعور أحياناً ينتاب من أجرى الله على أيديهم الخير، يظنون أنهم أشخاص مهمون، وأنهم أحد أركان الدعوة إلى الله، الله عز وجل يستغني عن أي إنسان، إياك أن تمَّن بعملك على الله عز وجل، إياك أن ترى عملك، فربما كان عملك الصالح حجاباً بينك وبين الله، ربما كان عملك الصالح إذا أجرى الله على يديك الخير، وشعرت أنك إنسان مهم جداً هذه بداية الانزلاق، هذه بداية أن تستغني عن الله عز وجل، فكلما ازددت معرفة بالله ازددت معرفة بضعفك، وفقرك، وحاجتك إليه، وكلما شعرت بهذا الافتقار فأنت في المكان الصحيح، أنت في مقام العبودية، ومقام العبودية هو المقام الأمثل للمؤمن: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يجب ألا يشعر أي إنسان أنه مهم جداً، وأن الحياة متوقفة عليه، العوام تقول: النبي مات والأمة من بعده دبَّرها الله، فهذا الشعور بالافتقار شعور صحيح، أما الشعور بالأهمية والخطورة شعور مَرَضي، فينبغي أن تبقى مفتقراً إلى الله عز وجل.

 

أكثر الناس افتقاراً إلى الله أكثرُهم عبودية له:


بالمناسبة قلت لكم في درس سابق: ما من مخلوق على وجه الأرض أكثر افتقاراً إلى الله، وتواضعاً لله، وانصياعاً لأمر الله، واتكالاً على الله من رسول الله، وبالمقابل ما من مخلوق أعزه الله، ورفع ذكره، ورفع شأنه كرسول الله صلى الله عليه وسلم، عملية فيها مفارقة عجيبة: كلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة، كلما ازددت افتقاراً ازددت غنىً، كلما ازددت ضعفاً أمام الله عز وجل ازددت قوة عند الناس، لكن أهل الدنيا إذا استعلوا على من دونهم تذللوا لمن فوقهم، قد يستعلون ويتغطرسون على من دونهم، لكنك لو تراهم أمام من هم أعلى منهم، رأيتهم أذلّ من الشاة، لكن المؤمن يُمَرغ رأسه على أعتاب الله عز وجل، يتذلل إلى الله، يفتقر إليه، لكن الله يرفع شأنه بين الناس، ويعلي قدره، ويرفع ذكره، مفارقة دقيقة، العلاقة ليست طردية بل عكسية، كلما ازددت افتقاراً زادك الله علواً، كلما ازددت تواضعاً زادك الله عزاً، كلما تخليت عن صفات الربوبية، وتحققت بصفات العبودية، رفع الله لك ذكرك، وأوطأ عَقِبك، وكلما قلت أنا وأنا هويت.

 

أربع كلمات مهلكات:


كلكم يعلم أن هناك أربع كلمات مهلكات: أنا ولي وعندي ونحن:

﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)﴾

[ سورة النمل  ]

فأهلكهم الله عز وجل. 

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾

[ سورة الأعراف ]

إبليس، أهلكه الله عز وجل.

﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)﴾

[ سورة الزخرف ]

لي: أهلكه الله عز وجل، ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ أهلكه الله عز وجل، أربع كلمات مهلكات: أنا ونحن ولي وعندي، لا تقل: لي، الملك لله، قل: هي لله في يدي، سئل أعرابي يـقود قطيعاً من الإبل: لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لله في يدي، وهذا البيت لله في يدك، يمكن أن تُضْطر إلى بيعه، وأنت في أتمّ درجات عقلك، لو أن خللاً أصاب عضواً خطيراً في جسمك، وثمن إصلاح هذا الخلل يقابل ثمن هذا البيت، تبيعه وأنت راضٍ، قل: هذه المركبة لله في يدي، وهذه الدكان لله في يدي، وهذه الحواس الخمس التي أكرمني الله بها، قل: اللهم مالك الملك، من يضمن أن يستمر بصره حتى نهاية حياته؟ من يملك السمع والبصر والفؤاد؟ من يملك هذا اللسان؟ من يملك هذه الأعضاء؟ الله جلّ في علاه. فقل: 

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾

[ سورة آل عمران  ]

إذا عرفت من المالك تواضعت له، أي جهاز في جسم الإنسان لو أصابه خلل لأصبحت حياته شقاءً، هذا الجهاز بيد من؟ بيد الواحد الديان، لذلك النبي الكريم كان يقول: عن ابن عمر:

قَلَّما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقومُ من مجلِسٍ حتى يدعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَواتِ لِأَصحابِهِ اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا.

[ الكلم الطيب  : خلاصة حكم المحدث : حسن :  أخرجه الترمذي ]

﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(16)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ .

 

لا تحمل نفس وزرَ أخرى:


الآن آية جديدة فيها حقيقة خطيرة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ..هذا مبدأ خطير جداً في الدين، وزْر بمعنى حِمْل، الوازرة الحاملة. ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ..أيّة نفس لا تحمل حمل غيرها، كل نفس تحمل حـملها، أي كل إنسان محاسب على أعماله، ولن يحاسب الإنسان على أعمال غيـره، ولا يتحمل تبعة غيره، هذا المبدأ مبدأ أساسي يورث حالتين: يورث قلقاً وطمأنينة في الوقت نفسه، المنحرفون الذين يتكلون على أن فلاناً أغراهم بهذه المعصية، هم لا ذنب لهم، يأتي هذا الكلام ليقلقهم، لن يحاسب عنك أحد، لن تستطيع أن تعزو ذنبك إلى أحد، لن تستطيع أن تحمِّل الآخرين أخطاءك، أخطاؤك لا يحملها أحدٌ عنك.


  الإنسان مختارٌ وهو ابنُ ذاتِه:


لا تقل: أنا ربيت في بيئة سيئة، الإنسان ابن بيئته، وابن محيطه، وابن أسرته، وابن وراثته، ولكنه في الأصح وفي الأعم الأغلب هو ابن ذاته، وابن اختياره، فإياك أن تعزو ذنبك إلى الآخرين. سيدنا عمر حينما جاءه رجل، وقد ألقي القبض عليه بتهمة شرب الخمر، فقال له: << والله يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك، فقال رضي الله عنه: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >> أنت لست مضطراً، أنت مخير.


  علاقة الإنسان مع الله:


أيها الإخوة الأكارم؛ لا تستطيع أن تتفلت من عقاب الله، أنت في قبضة الله، فإياك أن تعزو ذنبك إلى الآخرين، فلان دلني على الشر، أنا ليس لي ذنب، لا أنت مخير، ولك عقل، ألم تسمعوا أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل سرية، وأمَّر عليها أنصارياً، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: 

(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَـالُوا: بَلَى قَالَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَـعْضٍ- بعضهم أجرى المحاكمة التالية- قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الـطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. ))

[ صحيح البخاري  ]

لا تقبل شيئاً من دون دليل من كتاب أو سنة، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، ألم تسمعوا أن هذا الإنسان الذي حدّث عنه النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عن أم سلمة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. ))

[ صحيح البخاري  ]

طليق اللسان، قوي البيان، ناصع الحجة، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام في خصومة مع إنسان، وأدلى بدلوه، وتكلم، وبيَّن، وفصَّل، لو أن النبي قال له: معك الحق، من يقول له: معك الحق؟ سيد الأنبياء، المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، لو أن النبي قال لإنسان: معك الحق، وليس معه الحق قال: ((فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلا يَأْخُذْهَا)) علاقتك مع من إذاً؟ مع الله وحده، مع الله وحده، لن تنجو من عذابه ولو أقرّ لك النبي بأنك على حق، إن لم تكن على حق، حديث من البخاري.. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلا يَأْخُذْهَا )) إذاً: لا تستطيع أن تُحمِّل أحداً وزرك، لا تستطيع أن تنجو من ذنب فعلته باختيارك، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي لا تحمل نفسٌ حمل نفسٍ أخرى، لن تحاسب نفس عن نفس، لن يعاقب إنسان مكان إنسان، هذه حقيقة، حقيقة أساسية جداً ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ .. لا تحمل نفس حمل نفس أخرى، كل إنسان محاسب بعمله.

 

توجيهٌ لطيف لآيةٍ قرآنية:


أما حينما يتوهم بعضهم أن الله عز وجل حينما قال: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ هؤلاء الضالون المضلون، إذا كان الإنسان فاسداً مفسداً، ضالاً مضلاً، فعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِ شَيْءٌ. ))

[ سنن الترمذي  ]

الإنسان يحمل تبعة ذنب إنسان آخر إذا دله عليه، من دون أن ينجو الإنسان الآخر من تبعة ذنبه، صار عندنا حسابان، مرتكب الذنب لا بد من أن يحاسب لأنه مخير، أين عقله؟ لكن الذي أفسده ودله عليه يحاسب مرتين، فكل إنسان يدل على شر يحاسب عن كل من اقترف هذا الشر، من دون أن ينجو أصحاب الأعمال الشريرة من تبعة أعمالهم.

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ حينما يوهم الإنسان نفسه أن المسؤول عن عمله فلان، هكذا ربانا والدنا، أنت أين عقلك؟ الأب محاسب عن ابنه قبل أن يَبْلغ، فإذا بلغ يُحَاسب كل إنسان على عمله، فالذي يعزو أخطاءه لأبيه، أو لمعلمه، أو لمدرسته، أو لجماعته، أو لبيئته، أو لوراثته، هذا الإنسان يتنصل من ذنب لاصق به، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ .

 

على الإنسان ألا يعزو أخطاءه للقدر:


إياك أن تعزو ذنباً، أو تقصيراً، أو انحرافاً، أو معصية إلى جهة ما، الناس ألِفوا أن يعزو أخطاءهم إلى القضاء والقدر، ما رأيت واحداً في حياتي يعمل عملاً صالحاً يقول لك: يا أخي إن الله قدر عليّ هذا العمل الصالح، لا، العمل الصالح ينسبه لنفسه، يقول: أنا فعلت، أما إذا وقع في معصية فإنه يقول: الله مقدرٌ عليّ ذلك، هذا هو عين الخطأ، لماذا في الأعمال الطيبة تعزوها إلى نفسك؟ ولماذا حينما تزل قدمك وينحرف سلوكك تعزو هذا إلى القدر؟ 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام  ]

هذا أشدّ أنواع الكذب، أن تعزو أخطاءك إلى الله، أن تقول: الله مقدرٌ عليّ هذه المعصية، ليس لي ذنب، يا رب إن سيئاتي من قضائك، لا ذنب لي، هذا هو عين الجهل، وهذا الكلام لا ينجي صاحبه يوم القيامة، العبرة أن يكون الكلام مقبولاً أو مسموعاً، هذا كلام غير مسموع.

 

الإنسان مخير في كل ما كُلِّف به ومُسيّر لتحقيق ما اختار:


﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

أنت مسؤول. 

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[  سورة الحجر  ]

أنت مسؤول في حدود ما كُلِّفت، أنت مخير فيما كُلِّفت به، كُلفت بأركان الإسلام، مخير، كُلفت بأركان الإيمان، مخير، كُلفت بغض البصر، مخير، كُلفت بكسب المال الحلال، مخير، كُلفت بأداء الصلوات، مخير، أنت مخير في حدود ما كُلفت به، أما الشيء الذي لا خيار لك به فلست محاسباً عليه، لست محاسباً لماذا كنت ابن فلان، هذا شيء أنت بـه مسيَّر، هو لمصلحتك، ولكن لا يحاسب الإنسان على شيء لا خيار له به، فأنت مخير في كل ما كُلفت، ومُسير لتحقيق ما اخترت، ثم بدفع ثمن ما اخترت.

 

لا تنفع قرابةٌ ولا نسبٌ يوم القيامة:


﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ ..ألم تقرؤوا قول الله عز وجل: 

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)﴾

[ سورة المسد  ]

من أبو لهب؟ عم النبي الكريم، ألم تقرؤوا؟ سلمان منا آل البيت.. أنا جد كل تقي، ولو كان عبداً حبشياً..

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قد أذْهبَ اللَّهُ عنْكم عبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وفخرَها بالآباءِ مؤمنٌ تقيٌّ وفاجرٌ شقيٌّ والنَّاسُ بنو آدمَ وآدمُ من ترابٍ. ))

[ صحيح الترمذي ]

هذه عظمة الإسلام. << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية >> ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، الذي يرفعك طاعة الله عز وجل: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ .

﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ .

((  عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يـَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا فِي ثـَلاثَةِ مَوَاطِنَ فَلا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا عِنْدَ الْمِيزَانِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعـِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ:﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِه،ِ أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ.  ))

[  ضعيف أبي داود ]

لو رأى الرجلُ أمَّه يوم القيامة هل يعرفها؟ أمه! أقرب الناس إليه، رأى زوجته، رأى أخته، رأى أخاه، رأى جاره، رأى شريكه: ((فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا فِي ثَلاثَةِ مَوَاطِنَ فَلا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِه،ِ أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ)) في هذه المواطن الثلاث نظراً لشدة الهول لو أن الإنسان وقعت عينه على عين أمه لا يعرفها لشدة الهول، قال: "وفيما سوى ذلك يعرف بعضنا بعضاً" قد تلتقي الأم بابنها، تقول له: يا بني، جعلت لك صدري سقاءً، وحجري وطاءً، وبطني وعاءً، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم؟ هل تعطيني شيئاً من حسناتك؟ يقول هذا الابن لأمه: ليتني أستطيع ذلك يا أماه، إنني أشكو مما أنت منه تشكين. ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بيّن أن الذي يغتاب الآخرين يوم القيامة يقف هذا الإنسان مع الذي اغتابه، يقول هذا الذي اغتيب: يا رب، اطلب لي مظلمتي من فلان؟ لقد اغتابني، فلابد من أن يعطيه من حسناته، فإذا فنيت حسناته طَرح عليه سيئاته، فهذا الذي يهرف بما لا يعرف، ويطعن، ويتكلم على الناس بغير بينة، وبغير علم، وينهش أعراض الآخرين، هذا سوف يقف موقفاً صعباً يوم القيامة، سوف يُضْطر إلى أن يتخلى عن كل حسناته، وسوف يأخذ كل سيئات هؤلاء الذين اغتابهم، فقبل أن ينطق اللسان يجب أن تكون وقّافاً عند الكتاب والسنة..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

[ سورة الحجرات ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

[ سورة الحجرات ]

 

لن يُحاسَب أحدٌ عن أحدٍ:


﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ نفس مثقلة ﴿إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ ..

الآن هناك معنى دقيق جداً وهناك حقيقة مهمة، قبل أن نبدأ بها لابدّ من تعليق آخر متعلق بالآية السابقة: إذا توهم الإنسان أن أحداً من الناس سيحاسب عنه، وأن تبعة أعماله ربما تحمّلها زيد أو عبيد، إذا قرأ هذه الآية فإن طمأنينته الموهومة سوف تتبدد، وإذا كان الإنسان مستقيماً، وحوله بيئة سيئة جداً، وكان يخشى متوهمًا أن يصيبه الله بعذاب، لا لشيء إلا لأنه مع هؤلاء ليطمئن إذا قرأ هذه الآية: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لن يحاسب ابن عن أبيه، ولن يحاسب أب عن ابنه إذا نصحه، وقدم له كل ما ينبغي، لن تحاسب زوجة عن زوجها، إذا أدت ما عليها، ولن يحاسب زوج عن زوجته، إذا نصحها فلم ترعوِ، لن يحاسب إنسان عن إنسان، ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ هذه الآية تبعث القلق فيمن توهَّم أن أحداً سيحاسب عنه، وتبعث في النفس الطمأنينة فيمن خاف أن يؤخذ المطيع بذنب العاصي.  


البلاء لا يعمّ إلا إذا ترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:


لكن حينما يُقال: البلاء يعم، هناك توضيح دقيق جداً هو أن البلاء يعم إذا كفَّ الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحريق متى ينتشر؟ إذا رأى أحد أن الحريق في آخر الشارع، وأنه بعيد عن بيته، إذاً لا علاقة له به، فرجع للبيت ونام، إن لم يسهم هذا الجار في إطفاء الحريق، ربما وصل الحريق إلى بيته، فإذا ظهرت فتنة في المجتمع الإسلامي، ولم ينطلق المسلمون إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه الفتنة توسعت وتوسعت حتى دخلت بيوت المسلمين، ما من بلاء انتشر إلا بسبب ترك الفريضة السادسة. 

قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الفريضة السادسة لقوله تعالى: 

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

[  سورة آل عمران  ]

فحينما نكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ربما تحملنا تَبِعة غيرنا، لأننا عصاة في هذه الحالة، إذا قال الإنسان: أنا لا شأن لي بهذا، أنا عليّ من نفسي، حينما يمكنك أن تنصح أخاك المؤمن ولا تنصحه عمّ البلاء، ووصل إليك، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ .

 

من لم يفكر في ملكوت السماوات والأرض ويتعرف إلى الله لن تجدي معه نصيحة:


 أما دقة الآية: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ ..قبل ذلك، من هذا الذي يرعوي؟ من هذا الذي يتعظ؟ من هذا الذي يستفيد؟ من هذا الذي يستجيب؟ الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّمَا﴾ أداة قصر، أي إنذارك يا محمد لا يجدي مع كل الناس، وهذا الكلام موجه لنا أيضاً، لو أنك التقيت بإنسان لا يعرف الله أبداً، ما خطر في باله مرة أن يتعرف إلى الله، ما معنى قولك له: إن الله حرم هذا الشيء وحلله؟ إن الله يغضب. يقول لك: ما شأني بهذا الكلام؟ لن تستطيع أن تنصح إنساناً إلا إذا كان على معرفة بالله عز وجل، مثلاً لو جاء طبيبٌ جرّاح كبير إلى بلدنا، من الذي يهتم بهذه الزيارة؟ الأطباء، لو جاء عالم جليل، من يهتم به ويعرف قدره؟ من كان على شاكلته، فالإنسان كيف يستجيب؟ إن لم يفكر في ملكوت السماوات والأرض، ويتعرف إلى الله، ويتصل به لن تجدي معه نصيحة.. ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ﴾ ..الله جلّ في علاه لا يُرى، ولكن آثاره بادية للأنظار، كما قال هذا الأعرابي ببساطة: "البعر يدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟"، أنت أمام كون معجز، أمام آيات لا تنقضي.

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾

[ سورة الذاريات  ]

لو نظرت إلى جسمك لانتهت حياتك قبل أن تنقضي آيات جسمك، لو نظرت إلى طعامك، لو نظرت إلى ما فوقك، إلى ما تحتك، إلى السماء والأطيار، والنجوم والكواكب، إلى البحار والأسماك، إلى الأنهار، إلى الجبال، إلى النباتات، إلى الحيوانات، إلى الألوان، إلى المشمومات، إلى المبصرات، لرأيت العجب العجاب، ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ﴾ مثلاً: إنسان ما عرف في حياته شيئاً عن النظام العسكري، قل له: هذا أمر من عميد، يقول لك: ما معنى عميد؟ لكن الذي ينخرط في السلك العسكري يعرف ما معنى عميد، ومعنى لواء، هذه الرتب يعرف حجمها بالضبط، وماذا تفعل، لن تستفيد، لن تتعظ، لن تخشى، لن تستجيب إلا إذا كنت على معرفة دنيا بعظمة الله، معرفة ما عنده من إكرام، وما عنده من عقاب، وما عنده من جنة أو نار..﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ .

 

الفالح من زكّى نفسه وذكّرها بربها:


يبدو أنه:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)﴾

[  سورة الشمس  ]

أنت في الدنيا من أجل أن تزكي نفسك، أنت أمام أحد خيارين، إما أن تزكي نفسك فتسعد إلى الأبد، وإما أن تدسّيها فتشقى إلى الأبد: 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾

[  سورة الشمس  ]

إذا غمستها في الآثام والمعاصي فقد أفسدتها، وقد أضللتها، وقد أشقيتها، وقد أبعدتها عن منبع السعادة، وقد أهلكتها، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ لكن بين قوسين ما قال الله عز وجل: قد أفلح من تعلم كيف يزكيها؟! ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي أن تتعلم كيف تزكي النفس دون أن تزكي نفسك فهذا شيء لا قيمة له إطلاقاً، ﴿وَمَنْ تَزَكَّى﴾ إذا الإنسان تفكر في ملكوت الله، صلى الصلوات الخمس، غضّ بصره عن محارم الله، تقصى أن يكون دخله حلالاً، أنفق المال في وجوهه، طهَّر نفسه من المعاصي والآثام، من الشك والشرك، ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ ..

﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)﴾

[  سورة الروم  ]

القضية لك، لك وحدك، أي إذا كنت محباً لذاتك، محباً لوجودك، محباً لاستمرار وجودك، محباً لكمال وجودك، محباً لسلامة وجودك، فزكِّ نفسك، لأنه..﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ((... يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا... )) .

 

المصير إلى الله وحده:


﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ ..المصير إلى الله، سوف نحاسب عن أعمالنا، وعن مواقفنا، وعن عطائنا، وعن منعنا، وعن غضبنا، وعن لهونا، وعن حزننا، وعن كل شيء نفعله. 

 

الكافر أعمى:


الآن يوجد آيات دقيقة جداً، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ ..ما من تشبيه أروع من هذا التشبيه، المؤمن بصير، والكافر أعمى، انظر إلى الأعمى، بإمكان طفل صغير أن يضحك عليه، لـو أن طفلاً قال لأعمى: على يمينك يوجد حفرة، فاتجه نحو اليسار الحفرة نحو اليسار وقع فيها، الأعمى أي إنسان يتلاعب به، فلذلك الكافر أعمى، أيُّ مجلة، أي مقالة، أي نظرية، أي محاضرة تجدها قلبت عقله، لأنه ليس عنده أساس، كقشة في مهب الريح، لأنه أعمى، كما قلت قبل قليل: الأعمى لا يرى شيئاً، أما البصير ربنا عز وجل شبه المؤمن بالبصير، على بينة من ربه..

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾

[ سورة البقرة  ]

أنت في النور، أنت بصير، أنت متمتع بعينين حادتين، أما الكافر فأعمى..

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)﴾

[ سورة محمد  ]

الأعمى قد يقع في حفرة، قد يصطدم بأكمة، قد تزل قدمه بشيء زلق، قد تلدغه حشرة، قد يقع في شرّ عمله، لأنه لا يرى شيئاً، فربنا عز وجل يقول: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ ، المؤمن بصير، الكافر أعمى.

 

النور واحد والظلمات متعدِّدة:


﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ﴾ ..الظلمات هي الباطل..﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾. .والنور هو الحق، والنور مفرد، والباطل جمع، هناك أباطيل، هناك أكاذيب، هناك عشرات المذاهب الوضعية الضالة المضلة، الباطل متعدد، كما أنه بين نقطتين لا يمر إلا خط مستقيم واحد، لـكن بين هاتين النقطتين يمر آلاف بل مئات ألوف الخطوط المنحنية والمنكسرة، لكن لا يمرّ إلا خط مستقيم واحد..

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[  سورة الأنعام  ]

فالحق واحد، الحق لا يتعدد، الباطل يتعدد ويختلف، إذاً: ﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ﴾ الحق نور، والباطل ظلمات، كلام لا معنى له، دغدغة للشهوات، رغبة في فعل الموبقات، هذه الرغبة الجامحة تُفَلْسف بنظريات، تُقولب بمقولات، لأنه باطل..﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ فالأعمى والبصير، الكافر والمؤمن، الظلمات والنور، الحق والباطل، ربنا شبه الحق بالنور، واضح،

(( عنَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ . ))

[ صحيح الجامع الصغير ]

والباطل..﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ وكلكم يعلم كيف أن بعض النظريات الوضعية عاثت في الأرض فساداً، وانحرفت بالإنسانية إلى مصير سيئ، ثم تهاوت كبيت العنكبوت، بشكل لا يصدق، هذا هو الباطل..﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾ .

 

المؤمن في سكينة وظلّ ظليل:


قال: ﴿وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾ ..المؤمن في سكينة، وكأنه في ظلّ ظليل، والكافر في نار متأججة، وكأنه بركان، قلق، لأنه خرج عن فطرته، لأنه خرج عن طبيعته، عن جبلته، لماذا المؤمن مرتاح؟ لأن حركته اليومية توافقت مع فطرته، اطمأنت نفسه..﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ .

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) ﴾

[ سورة المعارج  ]

هو لما اتصل لم يبقَ هلوعاً، ولا جزوعاً، ولا منوعاً، فالظل تعبير عن جزاء العمل الطيب، اتصال بالله، وسكينة، وطمأنينة، وتجلٍّ، وراحة، والبعد عن الله قلق، واضطراب، وحسد، وحقد، وطمع، واستعلاء، وكبر، ثم يأتي الموت يفاجئ الإنسان. 

 

المؤمن حيٌّ


إذاً: من أروع تشابيه القرآن أن المؤمن بصير، والكافر أعمى، والحق نور، والباطل ظلمات، وجزاء العمل المؤمن في ظل ظليل، والكافر في نار مستعرة، أما كملخص المؤمن حيّ، والكافر ميت..﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ ..المؤمن حيّ، عرف الله، وعرف سرّ وجوده، وعرف أين المصير، وعرف حقيقة الدنيا، وعرف حقيقة الآخرة، وعرف مهمته في الدنيا، حيّ، وعمل الأعمال الصالحة التي تنفعه في الدنيا والآخرة، بالضبط مثل المؤمن بين الكفار كالحي بين الأموات، ربنا عز وجل قال: 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[  سورة المنافقون  ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[  سورة الجمعة  ]

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان ]

مثله كمثل الكلب.. 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)﴾

[ سورة الأعراف ]

غارق في حبّ الدنيا إلى قمة رأسه، إذاً أربعة تشابيه رائعة، المؤمن بصير، الكافر أعمى، ألا ترى معي أيها الأخ الكريم أنك حينما تلتقي مع إنسان بعيد عن الله ويرى أن البطولة في كسب المال الحرام، ويرى أن البطولة في اقتناص اللذات المحرمة، ويرى أن البطولة في غش الناس، والتلاعب عليهم، ألا ترى أنه أعمى؟ وأن الله سوف يحاسبه حساباً عسيراً؟ وسوف يدمره قبل أن يدمر ماله؟ أنت تراه أعمى. 

أنا أقول لكم هذا الكلام: المؤمن الصادق يشعر أن الذين كفروا بالله، وابتعدوا عنه، ولم يعبؤوا بشرعه، يراهم عميان، يراهم يتحركون في طريق هلاكهم، يراهم كالأعمى يخبط يميناً ويساراً من دون علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، المؤمن بصير، الكافر أعمى، الحق نور، الباطل ظلمات، حالة المؤمن النفسية في ظلّ ظليل..عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( عَجِبْتُ لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا. ))

[ صحيح مسلم ]

إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، فأنت بصير، في مكان منير، وفي ظلّ ظليل، إذاً أنت حيّ، والكافر أعمى، وفوق أنه أعمى في ظلمات بعضها فوق بعض، وفي نار مستعرة، إذاً: هو ميت القلب، المؤمن حيّ، والكافر ميت، المؤمن في ظلّ ظليل، والكافر في نار مستعرة، على فوهة بركان، المؤمن في أنوار الحق، والكافر في ظلمات الباطل، المؤمن بصير، والكافر أعمى، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ(19)وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ(20)وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ(21)وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ، هذا ميت، أنى له أن يسمع؟ 

 

دعوة الدين إلى الحياة:


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾

[ سورة الأنفال  ]

دعوة الدين إلى الحياة، الإنسان ميت ما لم يؤمن، كيف تقول ميت يا أستاذ؟ ميت، وهو في أشد حالات نشاطه ميت، كلام سيدنا علي: << يا بني! العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا كميل مات خزان المال وهم أحياء - وهم في أوج حياتهم أموات - والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، الناس ثلاثة، عالم، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم >> .

 

لا يُعامَل المسيء كما يعامَل المحسن:


﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ .. بالمناسبة حينما يأتي القرآن بموازنة، هناك موازنات رائعة جداً:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية ]

إذا توهمت لثانية واحدة أن الله يمكن أن يُعَامل المسيء كما يعامل المحسن، أن يُعَامل العاصي كما يُعَامل التائب، أن يُعَامل المستقيم كما يُعَامل المنحرف، فأنت لا تعرف شيئاً..﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ..

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾

[ سورة القلم  ]

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[ سورة السجدة  ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[ سورة القصص  ]

إياك أن تظن أن العاصي يمكن أن يستوي مع الطائع، أن المحسن يستوي مع المسيء، أن المؤمن يستوي مع الكافر، لا! أين الثرى من الثريا؟ 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

أنا أطمئن المؤمنين أنت إذا عرفت الله، واستقمت على أمره لابد من أن يكرمك الله عز وجل، بطريقة أو بأخرى، لابدّ من أن تشعر أن عملك محفوظ عند الله، لن يَتِركم أعمالكم.

 

تعريف بالنذير:


﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ .. هذه (إنْ) حرف نفي، أي ما من أمة إلا وُجِد فيها نذير ينذرها.

والنذير كما تعلمون أشياء كثيرة: قال بعض المفسرين: حين يعاتب الله الإنسان الضال يوم القيامة يقول الله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ﴾ من هو النذير؟ حينما قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ العلماء قالوا: النذير هو القرآن؛ نذير، بيان توضيحي فيه كل شيء، تعليمات الصانع، تحذيرات، صور مستقبلية، مشاهد لم تقع بعد، إخبار عما مضى، إخبار عما سيكون، فيه كل شيء، فيه أمر، فيه نهي، فيه وعد، فيه وعيد، فيه حلال، فيه حرام، فيه تاريخ الأقوام السابقة، فيه ما سيكون في المستقبل البعيد والقريب، فيه نبأ ما قبلكم، خبر ما بعدكم، حكم ما بينكم، هذا كلام الله، هو النذير، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام هو النذير، والشيب هو النذير، وموت الأقارب هو النذير، والمصائب هي النذير، المصيبة نذير، ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ للمؤمنين ﴿وَنَذِيرًا﴾ للمعرضين ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ(24)وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ - بالمعجزات، بالدلائل- وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ(25)ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور