وضع داكن
29-03-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 31 - الإيمان بالله واليوم الآخر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
أيها الإخوة الكرام، في سورة المؤمنون آية، هي قوله تعالى:

﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) ﴾

( سورة المؤمنون )

 أي منحرفون، قضية أن يعصي المسلم، متى يعصي ربه ؟
الحقيقة أنك حينما تؤمن بالله واليوم الآخر معاً، من خلال هذه الآية يتضح أن الذي يؤمن بالله، لكن لا يؤمن أن الله سيحاسبه حساباً دقيقاً.

 

﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) ﴾

 

( سورة الصافات )

 لا يؤمن أن أية معصية يرتكبها بالدنيا متعلقة بحقوق العباد سوف يحاسب عنها يوم القيامة، هذا لا يستقيم على أمر الله، البشر تواضعوا على أن الضمير، الضمير المسلكي، التربية البيتية، الإحساس الإنساني، في النهاية الإنسان يقترف كل الموبقات ويأكل أموالاً ليست له، ويعتدي على أعراض لا تحل له، كيف نوفق بين إيمانه وهذه المعاصي ؟
الحقيقة التي لا ريب فيها أنه ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن كركني الإيمان بالله واليوم الآخر، يعني كلمات ثلاث:
أنت حينما تؤمن أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه، هذه قاعدة، والذي أراه أن الرادع الوحيد للإنسان من أن يعتدي على حقوق الآخرين هو إيمانه باليوم الآخر.
 يروى أن رجلا اضطر إلى ثلاثمئة ألف ليرة كقرض، سأل أناساً كثيرين، إلى أن عرض عليه أحدهم أن يرهن له شيئًا، فهذا عنده مزرعة ثمينة جداً شيئًا رهنها له على هذا المبلغ، بعد سنوات أدَّى هذا الرجل هذا المبلغ وقال له: ردَّ لي المزرعة، قال له: كل واحد حقه معه، المزرعة بالملايين، فصاحب هذه المزرعة من شدة ألمه أصابته أزمة قلبية، وتوفي بها، الذي اغتصب المزرعة له قصة، هذا الذي أصابته أزمة قلبية قبل أن يموت أوصى ابنه أن تسير الجنازة أمام محل هذا المغتصب، وأن تقف الجنازة أمام المحل، وأن يخرج ابنه من بين صفوف المشيعين، ويدخل إلى محل هذا الإنسان المغتصب، ويعطيه رسالة كتبها أبوه قبل أن يموت، ماذا كتب في الرسالة ؟ أنا ذاهب إلى دار الحق، إن كنت بطلاً فلا تلحق بي، وسأقاضيك هناك، يروى أن هذا الإنسان المغتصب بلغت منه هذه الرسالة مبلغاً أنه أعاد المزرعة إلى الورثة.
إخواننا الكرام، الشيء الواقعي والعملي أنك حينما تخاف من محاسبة الله يوم القيامة تستقيم على أمره، والناس اخترعوا قيما لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، أنت الآن مع بني البشر، مع إنسان قوي، علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، إذا ضبطك بمخالفة، وأنزل بك أشد العقاب ترتدع، فكيف مع الواحد الديان ؟
لذلك أن مضطر أن أقول: إن هناك إيماناً باليوم الآخر إن كان صحيحاً لا بد من أن يردعك عن أن تأكل درهماً من حرام.
رأي النبي تمرة على السرير قال:

(( يا عائشة لولا أني أخشى أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة لأكلتها ))

 ترى المسلمين الآن يغتصبون الأراضي، يغتصبون البيوت، يغتصبون الشركات، يقترضون ولا يؤدون، يقول له: هذه المحاكم، والله الذي لا إله إلا هو لو أن هذا المسلم آمن الإيمان الذي أراده الله باليوم الآخر لا يستطيع أن يغتصب قرشاً واحداً، أنا موقن أن هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، أو يعتدي على أعراضهم، أو هذا الذي يظلم إنساناً ضعيفاً ليس له أحد لو أنه آمن واحدا بالمئة باليوم الآخر لما فعل هذا.
 إذاً هناك حالة جديدة اسمها التكذيب العملي باليوم الآخر، التكذيب القولي مستحيل، لا تجد في العالم الإسلامي من يجرؤ على أن يقول: ليس هناك آخرة، التكذيب القولي غير موجود، لكن التكذيب العملي يعني أن سلوك هذا الإنسان لا يتناسب مع ما يدعيه أنه مؤمن باليوم الآخر. :
طالب يقول لك: سوف أنال الدرجة الأولى، ولا يدرس إطلاقاً مع رفاقه ومع أحبابه، في نزهات، وسهرات، وطعام وشراب، ونوم حتى الساعة الحادية عشرة، ثم الذهاب إلى نزهة، هذا السلوك لا يتناسب مع ما يدعيه هذا الطالب.
 فلذلك إخواننا الكرام، هنا ليس ثمة مجاملة، ما دام اليوم الآخر غير داخل في حساباتك اليومية فلن تستقيم على أمر الله، وهذه الآية:

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

 إذاً التفسير الأول لمن يعصي الله: إيمانه باليوم الآخر إيمان غير صحيح، والمثل الذي أضربه كثيراً، ذكرته مئات المرات:
أنت مواطن، وراكب مركبة، والإشارة حمراء، ويقف الشرطي، وإلى جانبه شرطي على دراجة نارية، وإلى جانبهما سيارة فيها ضابط شرطة، وأنت مواطن من الدرجة الخامسة، هل يمكن أن تتخطى الإشارة الحمراء ؟ مستحيل، لكن تتخطاها في الساعة الثالثة ليلاً، لأن علم واضع القانون لا يطولك، لأنه ليس هناك شرطي، أو إن كنت أقوى من واضع القانون، لا تعبأ به، أما إذا كنت مواطن عادي، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، مستحيل أن تتخطاها.
هذا التعامل العادي مع إنسان، فكيف مع الواحد الديان ! تؤمن أن الله معك ؟ ويراقب وهو بالمرصاد ؟.

 

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) ﴾

 

( سورة النساء )

 وأن هذا عبد لله، وأن هناك يوما يحاسب فيه الإنسان على ما قدمت يداه، قال :

(( ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط))

[ أخرجه أحمد في مسنده عن عائشة ]

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

( سورة الحجر )

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾

( سورة الزلزلة )

 يجد إنسان أحياناً نملة في المغسلة، يفتح الصنبور فتغرق هذه النملة، هو محاسب عليها، إنه كائن يسبح الله، أحياناً ينتظر إلى أن تبتعد عن مصب الماء، يحاسب على هذه مكافأة، يجب أن تؤمن، هذا كلام خالق الأكوان،

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾

 أحياناً في أيام الشتاء تدخل الشمس إلى الغرف، فإذا كنست الغرفة ترى في أشعة الشمس ذرات غبار عالقة في الهواء، هذا أصغر شيء يمكن أن تراه عينك،

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

 سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعظه، وأن يوجز، فتلا عليه هذه الآية قال كفيت، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( فقه الرجل ))

 أنت حينما تراقب الله عز وجل في كل حركاتك وسكناتك، وحينما تستحي من الله أن تكذب كذبة، أو أن تأكل لقمة من حرام عندئذٍ نقول: إنك مؤمن باليوم الآخر.
إخواننا الكرام، الإيمان باليوم الآخر مهزوز عند الناس، إيمان ضبابي، إيمان غير واضح، أنت ممكن كتاجر ومستورد ألا تكتب بالحسابات، صفقة استوردتها و لها وثائق في المالية لا تستطيع التهرب، لو كشفوا أنك أغفلت صفقة استوردتها أهدرت حساباتك، وكلفت بضريبة عالية جداً، لاحظ نفسك مع البشر، مع من يطولك علمه، ومع من تطولك قدرته فقط، ألا تستحي من الله ؟ أنت مع إنسان منضبط تخاف، كلنا جميعاً، إذا كان الإنسان قوياً، ويطولك علمه، وتطولك قدرته لا يمكن أن تعصيه، ألا ترى أن الله معك دائماً

 

﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾

 

( سورة الحديد )

 ألا ترى أنك في قبضته دائماً.
هذه الآية تكفي أيها الإخوة،

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

فأنت حينما ترى إنسانا يعصي الله، ولا يعبأ اعلم علم اليقين أنه ليس مؤمناً باليوم الآخر، ولو ادعى أنه مؤمن، الذي لا يؤمن يعصي، والذي يعصي ليس مؤمناً، وحينما لا تؤمن بأحد أكبر أركان الإيمان أنت لست مؤمناً، أما الناس جميعاً على وجه الأرض فيؤمنون بالله كخالق، لكن الذي يؤمن باليوم الآخر يستقيم على أمره، فلذلك الله عز وجل قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾

( سورة البقرة الآية: 62 )

 آمن بالله من هؤلاء الإيمان الذي يحمله على طاعته.

 

﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 62 )

 الذي يرعه من أن يؤذي مخلوقاً.

 

﴿وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 62 )

 هذا هو الدين، فأنا أتمنى أن أركان الإيمان لا تقبلها بشكل ضبابي، طبعاً الجنة حق، والنار حق، لكن أعمال الإنسان لا تتناسب أبداً مع إيمانه بالجنة والنار.

 

﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ﴾

 

( سورة البقرة )

 إذاً أيها الإخوة، الإنسان بحاجة إلى مراجعة معتقداته، هذا الذي يأكل المال الحرام قولاً واحداً ليس مؤمناً باليوم الآخر، اذهب إلى بيروت، أضرب هذا المثل:
في الذهاب وجدت على الحدود تفتيشا دقيقا للعائدين إلى بلدهم، على مستوى أن كل حاجة يحاسبون عليها، الآن أنت في بيروت، أعجبتك سلعة، أول خاطر يأتيك هذه لا أستطيع إدخالها، كلما أعجبك شيء تقول: هذا لا أستطيع إدخاله، لما رأيت بعينك كيف يحاسب الإنسان على مقتيناته وبضاعته حاجة حاجة، ويدفع أمثالها ثلاثة أضعاف، لأنه تجاوز القانون، أنت هناك لا تستطيع أن تأخذ شيئاً، لست واثقاً من إدخاله.
إذاً قضية الإيمان بالآخرة تأتي في الدرجة الثانية بعد الإيمان بالله، وما لم يكن إيمانك بالآخرة في مستوى إيمانك بالله لا يمكن أن تستطيع الله، أما ما يقال: فلان ضمير حي على المئة ألف، على المليون لم يعد ضميره حيا، يفكر بها، ويقول لك: يا أخي بلوى عامة: أين بقيت الآخرة ؟
فلذلك إخواننا الكرام، السلف الصالح ورعهم كان شديدا، النبي e يقول:

(( يا عائشة لولا أني أخشى أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة لأكلتها ))

 ، هكذا حاسب نفسه، ولو أنّ كل واحد منا آمن باليوم الآخر الإيمان الحقيقي لردعه الإيمان عن أن يأكل درهماً حراماً.
إذا كان عندك دواء انتهى مفعوله، وجاء طفل طلبه، وثمنه 800 ليرة، غيَّرتَ التاريخ وبعته إياه، أنت بهذه الطريقة مؤمن باليوم الآخر ؟ مستحيل، ما مِن حرفة تنجو من الخطأ.
أقسم لي بالله طبيب، أنا أثق بورعه، قال لي: والله أستطيع أن أجعل المريض يبيع بيته، وهو راضٍ عن ذلك، بالإيهام طبعاً، أنت حينما تتقي الله، وتعلم أن الله يعلم ما تفعل، ممكن أن يستقيم الطبيب، وممكن ألا يستقيم، الصيدلي كذلك، والمحامي كذلك، إذا أوهمت الموكل أن الدعوى ناجحة، ومعك ثماني سنوات، ممكن أن تأخذ منه مئات الألوف، بعد هذا تتهم القاضي بالرشوة وترتاح، أنت مؤمن باليوم الآخر ؟ لا والله، والله ما مِن إنسان يغش إلا وهو عملياً ليس مؤمناً باليوم الآخر،

((من غشنا فليس مني ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

 حياتنا مفعمة بالكذب والتدليس، والغش واغتصاب الأموال، والعدوان، لذلك الله عز وجل تخلى عنا، هذا شيء واضح جداً.
هذه الآية أيها الإخوة تعني أنه ما لم نؤمن باليوم الآخر إيماناً حقيقياً يقينياً لا نستقيم على أمر الله، وإن لم نستقم على أمر الله فلسنا على شيء، أقل كلمة في اللغة لأقل شيء هي شيء.

 

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 68 )

 ويا أيها المسلمون، لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، إن لم تُقِمْ هذا الكتاب لا تعبأ بإيمانك إطلاقاً، هذه الحقيقة المرة، وأنا أرى أنها أفضل مرة من الوهم المريح

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور