وضع داكن
29-03-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 19 - أحكام الله ضمان لسلامة الإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة و السـلام على سـيدنا محمد الصـادق الوعد الأمين .

التناقض في أفكار الكفار:


أيها الإخوة ؛ في سورة يونس عليه السلام آية ، هي قوله تعالى :

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة يونس الآية : 15]

الملمح في هذه الآية أن الذين لا يرجون لقاءنا ، لا تعجبهم أحكام القرآن يريدون تبديل أحكامه ، وهذه المشكلة الأولى الآن مع العالم الإسلامي ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء الآيات : 73 – 74 ]

أيها الإخوة الكرام ، أعداء المسلمون يسمحون بالمظاهر الإسلامية ، بالمساجد ، بتلاوة القرآن ، بكل شيء لا يتعلق بمنهج الحياة ، لكن منهج الحياة يجب أن يكون كما يتصورونه ، لذلك المشكلة الأولى التي مع المسلمين هي تبديل منهجهم وشريعتهم ، هنا قال تعالى :

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾

[ سورة يونس الآية : 15]

الناس رجلان :

هنا وقفة ، الناس رجلان ...
- إما أنه رجل يرجو لقاء الله عز وجل ، ويعمل له ، ويسعى إليه ، ويجهد في سلامته بعد الموت ، إذاً هو يرجو لقاء الله أن يموت على الإيمان ، أن يموت موحداً لله عز وجل ، مطبقاً لمنهجه .
- أو أن هناك آخر ليس ضرورياً أن يقول : ليس هناك آخرة ، لكن في حركاته وسكناته لا يرجو إلا الدنيا ، ولا يفكر إلا فيها ، ولا يسعى إلا إليها ، ولا يعبأ كثيراً ما إذا كانت حركته مطابقة للشرع أو لا ، لا يريد إلا الحياة الدنيا الآخرة ليست داخلةً في حساباته .
هذا يزعجه ما في الدين من أحكام ، يزعجه الحجاب ، يزعجه تحريم الربا ، يزعجه تحريم الاختلاط ، يزعجه النظام الإسلامي في كسب الأموال ، فكل شيء من أحكام لا يقبله ، لأنه لا يرجو لقاء الله عز وجل ، أراد الدنيا ومصالحه في الدنيا ، ورغباته في الدنيا ، وشهواته في الدنيا ، لذلك لا يرجو لقاء الله عز وجل ، إذاً لا يقبل أحكام الله عز وجل .
قبل أيام مرت الآيات :

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 44]

والآية الثانية :

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 45]

والآية الثالثة :

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 47]

العبرة بالمضمون لا بالشكل :


فالعبرة أيها الإخوة الكرام لا بالمظاهر الدينية ، العبرة بالالتزام الديني ، إذا أردنا أن ينظر إلينا الله عز وجل بالعطف والرحمة ، والتأييد والنصر فيجب أن نقيم الإسلام في حياتنا ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33]

من أجمل ما في هذه الآية أنه مادامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام قائمةً فيهم ، في بيوتهم ، وفي أعمالهم ، وفي أفراحهم ، وفي أتراحهم ، وفي كسب أموالهم ، وفي إنفاقها ، وفي تربية أولادهم ، فهم في بحبوحة من عذاب الله ، قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33]

الأحكام القرآنية ضمانا لسلامة الإنسان :

إذاً يتضح أن هذا الذي لا يرجو لقاء الله عز وجل لا يحتمل هذه الأحكام ، ويراها حداً لحريته ، بل هي في الحقيقة ضمان لسلامته ، وفرق كبير بين أن تفهم أحكام الله عز وجل ضماناً لسلامتك ، وبين أن تفهمها حداً لحريتك ، الذي يرجو الله واليوم الآخر يراها ضماناً لسلامته ، والذي لا يرجو إلا الدنيا يراها حداً لحريته ، لذلك ورد في بعض الأحاديث .
عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ : مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَ عَنْهُ ؟ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ))

[ أخرجه ابن ماجه ]

إنسان يرجو لقاء الله ، وإنسان لا يرجو لقاء الله .
أريد أن أؤكد على ناحية دقيقة جداً ، أنه لا تجد في العالم الإسلامي كله من ينكر الآخرة بلسانه ، لكن لو دققت في سلوك الناس تجد معظم المسلمين لا يفكرون بالآخرة ، هذا الذي يغتصب بيتاً ، أو يغتصب مالاً ، أو يغتصب شركةً كيف تراه يؤمن بالآخرة ؟ مستحيل ، لو آمن بالآخرة ، وأن هناك حساباً دقيقاً ، وأن هناك إلهاً عادلاً ، وأن هناك من يأخذ من الظالم للمظلوم لا يقبل أن يأكل مالاً ليس له .
أيها الإخوة الكرام ؛ العبرة لا بالتكذيب القولي ، ولكن بالتكذيب العملي ، وهو أشد أنواع التكذيب .
شيء آخر ، يقول الله عز وجل :

﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾

[ سورة يونس الآية : 15]

المشكلة أن الإنسان يتصور إذا كان خاضعاً لقانون أن هذا القانون من وضع البشر ، وقد تكون معركة بين عقلين ، فإذا كان واضع القانون ذكياً فقد يكون من يطبق عليه القانون أذكى منه ، فبأسلوب أو بآخر يلغي مفعول هذا القانون بالتفاف حوله ، هذا يقع في العالم كله ، لكن من عظمة الله عز وجل أن التشريع الإسلامي ليس من عند البشر ، بل من عند خالق البشر ، لذلك جميع البشر يخضعون لهذا التشريع ، أي تشريع ، ولو افترضنا جدلاً ليس في الإسلام صيام ، والجهات الرسمية أرادت من أجل صحة المواطنين أن تفرض الصيام ، هل تستطيع أن تحمل الناس جميعاً ولو في بيوتهم ؟ مستحيل ، ما من شيء ، وما من نظام في الأرض يمكن أن يطبق بحذافيره إلا إذا كان من عند الله ، لأن الله معكم أينما كنتم ، معك في بيتك ، في خلوتك ، في جلوتك ، إذاً بشكل دقيق لا يمكن أن ينجح تشريع إلا إذا كان من عند خالق البشر ، لأن الذي وضع التشريع معك في كل مكان هو عليك رقيب ، هو لك بالمرصاد ، يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور ، لذلك هنا قال تعالى :

﴿ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾

[ سورة يونس الآية : 15]

لو تتبعنا الآيات التي تبين حدود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 15]

هذا حد نبينا عليه الصلاة والسلام ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، يخاف إن عصى الله عذاب يوم عظيم ، هذا حد ، الحد الثاني قال تعالى :

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 188]

الحد الثالث قال تعالى :

﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾

[ سورة الجن الآية : 21]

الحد الرابع ، قال تعالى :

﴿ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 188]

فلأن لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فمن باب أولى لا أملك ذلك لكم ، فإذا كان قمة البشر لكم أعلى مخلوق بين البشر يخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم لكم ولا يعلم الغيب لكم ولا يملك لأحد نفعاً ولا ضرا ، فهذا مقام العبودية ، قال تعالى :

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾

[ سورة النجم الآية : 10]

وقد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام سدرة المنتهى ، وأوحى إلى عبده ما أوحى ، ومع ذلك يخاف إن عصى الله عذاب يوم عظيم .
إذاً حينما ترى أن حدود الشرع قيوداً لك فاعلم أن الطريق طويل أمامك ، حينما تتوهم أن حدود الشرع قيود ، أما حينما تفهم الحدود ضماناً لسلامتك فأنت فقيه ، ودائماً وأبداً لا يعنينا كثيراً الأطر الخارجية ، الآن الأبنية الإسلامية شيء يلفت النظر ، أنا دخلت مسجدًا في الدار البيضاء كلّف ألف مليون دولار ، فوق البحر ، فن المغرب في هذا المسجد ، يوجد عندنا أطر إسلامية ، أما هل التعامل اليومي إسلامي ؟ طريقة البيع والشراء ، استثمار الأموال إسلامي ؟ تربية الأولاد إسلامي ؟ ما يعرض على الشاشة إسلامي ؟ هنا المشكلة :

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 73]

لا يتخذونك خليلا إلا إذا تخليت عن دينك ، ورضيت أن تطبق مناهجهم في كل شيء ، مناهجهم الاقتصادية والاجتماعية والعلمية :

﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء الآية : 74]

هذه الآية أيها الإخوة تمثل جهود الطرف الآخر منذ نشوء الإسلام ، وإلى يوم القيامة ، المعركة معركة تبديل منهج ، إذا بدلنا نتخذ أخلاء لهم ، وإن لم نبدل فنحن إرهابيون .
هذه المشكلة القائمة ، وكلما تمسكنا بإسلامنا ، وبتعاليم ديننا ، وبقرآننا أعطينا لله عز وجل سببًا أن ينصرنا ، لو دعونا الله ليلاً نهاراً ، في الحرب السابقة التي شنت على العراق لا يوجد مسجد في العالم الإسلامي إلا قنت في الصلوات ، و دعا الله عز وجل أن ينصر المسلمين ، ومع ذلك لم ينصرهم ، هذا الجواب ، أو هذا الموضوع يجاب عنه : ما لم نغير ، ما لم نبدل ، ما لم نقِم أمر الله في بيوتنا ، وفي أعمالنا فلا نستطيع أن نطالب الله أن ينصرنا .
لذلك أنا كنت أدعو ، وأقول :
اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك ، عندئذ نستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، وأمامنا جهاد نفسي ، جهاد النفس والهوى ، و ليس في الأرض جهة تمنعك أن تجاهد نفسك وهواك ، ليس في الأرض جهة تمنعك ، ولا تسائلك لماذا كنت صادقاً ؟ لماذا كنت أميناً ؟ لماذا كنت عفيفاً ؟
طرائق الجهاد النفسي مفتوحة على مصارعها ، والجهاد الدعوي من يمنعك أن تعلم أولادك مبادئ الإسلام ؟ من يمنعك أن تعلم من حولك مبادئ الإسلام ؟ والجهاد الدعوي أبوابه مفتوحة على مصارعها .
بقي الجهاد البنائي ، من يمنعك أن تكون الأول في اختصاصك ؟ الأول في صناعتك ؟ الأول في تجارتك ؟ الأول في زراعتك ؟ من يمنعك أن تكون منتجاً ؟
الجهاد النفسي ، والجهاد الدعوي ، و الجهاد البنائي متاح لكل مسلم ، ولا تستطيع جهة في الأرض أن تمنعك منه ، ولا أن تسائلك : لمَ فعلت كذا ؟ فالطريق أمامنا طويل ، وكل واحد منا ينبغي أن يسلكه ، فلعل الله سبحانه و تعالى يرحمنا.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور