وضع داكن
18-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 38 - وسائل تربية الأولاد -8- التربية بالملاحظة - 2 مهام الأب أو المربي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في سلسلة دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في السلسلة الثانية التي تتحدث عن الوسائل الفعالة في تربية الأولاد.

مهام الأب أو المربي:

 سبق أن تحدثنا عن التربية بالقدوة، وعن التربية بالتلقين والتعويد، وعن التربية بالوعظ، وعن التربية بالملاحظة، ولا زلنا في الملاحظة.

1ـ مهمة الأب الأولى ملاحظة الجانب الإيماني في الولد وأن يصحح له عقيدته:

 أيها الأخوة الكرام مهمة الأب أو المربي الأولى ملاحظة الجانب الإيماني في الولد، ماذا يتلقى هذا الولد، أو هذا الطفل، أو هذا الابن، أو هذا الطالب، من الأفكار والمبادئ والتصورات والاعتقادات ؟ أخطر شيء في حياة الإنسان فلسفته، أو عقيدته، فإما أن يتلقاها من مصادر صحيحة:

 

(( ابن عمر، دينك دِينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

 

[ كنز العمال عن ابن عمر ]

  وإما أن يتلقاها من مصادر مشبوهة، أو منحرفة، أو ضالة، أو مضللة، وهذا جانب خطير جداً في حياة الابن، فهذا الأب الغافل عن ابنه قد يستقي فكراً إلحادياً، وقد يستقي فكراً فيه إنكار لجوانب الدين الأساسية، وقد يستقي فكراً أساسه التفلت من منهج الله عز وجل، فلا بد من أن يجلس الأب مع ابنه وأن يحاوره، ليرى كيف يفكر ؟ كيف يحكم ؟ ما المبادئ التي ينطلق منها ؟ ما القيم التي تتحكم فيه ؟ من أين استقى هذه الفكرة ؟ من خالط حتى كانت هذه أفكاره ؟ ما المؤثر الثقافي ؟ ما المورد الفكري ؟ ما التغذية العقائدية التي تغذيه ؟ يعني الإنسان حينما يعتقد خطأ يتصرف خطأ، هكذا سمعت عن إنسان أنكر السنة، فلما أنكر السنة خالف كل توجيهات النبي لأنه لم يعتقد أنها صحيحة، لأن السنة فيها أحاديث ضعيفة فأنكر السنة بأكملها، وسلك سلوكاً غير صحيح، لا بد من أن تلاحظ عقيدة ابنك، جانبه الإيماني، هل هو مؤمن بأن الله كامل، واحد، موجود، عدل، حكيم، أم أن له اعتراضاً على الذات الإلهية، قد يرى إنسان بنظر قاصر أن هناك مجاعات في الأرض، وأن هذه الدول الإسلامية فقيرة جداً، ومقهورة، وذليلة، وثرواتها منهوبة، مع أنها مسلمة، وأن الطرف الآخر غني، قوي، متعجرف مع أنه كافر، قد يختل توازنه.

 

على الآباء والأخوة المربين أن يجلسوا مع أولادهم وأن يحاوروهم:

 

 

 أنا أنصح الأخوة الآباء والأخوة المربين أن يجلسوا مع أولادهم وأن يحاوروهم، فلعل عقائد زائغة تسربت إليهم، لعل تصورات خاطئة اعتقدوها، لعل فكراً هجيناً على الإسلام صدقوه، لعل ضلالاً براقاً مزيناً اعتقدوه، هذه مهمة الأب الأولى أن يصحح عقيدة ابنه، الحقيقة أن الأب أب، لكن في مصادر تغذية كثيرة في حياة الابن، المدرسة، الأصدقاء، المعلم أحياناً، المعلم التائه، أحياناً وسائل الإعلام، أحياناً المجلات والصحف، أدوات النشر، أدوات نقل المعرفة، هذه كلها ربما تضلل، ربما تقلل من قيمة الدين، ربما تعظم الانحراف، ربما تطرح أطروحات لا علاقة لها بمنهج الله عز وجل، يكفي أن يعتقد الابن أن الاختلاط ضروري، هذه مشكلة كبيرة، يكفي أن يعتقد الابن أن إطلاق البصر في الفتيات لا شيء فيه، إنسانة أين أذهب ببصري ؟ حينما ترى أن ابنك يعتقد شيئاً ليس في الكتاب ولا في السنة فهذه بادرة خطيرة، ربما تلقاها من صديق، من معلم، من مجلة، من مقالة، من فيلم أحياناً، من مسلسل، قد تستقي فكراً أو عقيدة دون أن تشعر، إذاً مهمة الأب الأولى أن يلاحظ ما المبادئ والأفكار التي يعتنقها ابنه ؟ ما الكتب والمجلات والنشرات التي يقرؤها ابنه ؟ ما الرفقاء والقرناء الذين يصاحبهم ؟ هل ينتمي إلى جماعة معينة، أو إلى فئة ضالة، أو إلى أصدقاء لهم فكر شاذ ؟ يجب أن تلاحظ عقيدته، أن تلاحظ كتبه، أن تلاحظ انتماءاته، وأن تلاحظ أصدقاءه، وهذه هي التربية بالملاحظة، يعني ينبغي أن يكون للأب عشر أعين، أن يكون للأب عيوناً يلاحظ بها ابنه، هذا الذي لا بد من أن يكون في هذا الدرس.
 الآن فضلاً عن أن يلاحظ عقيدة ابنه، مبادئ الابن، التصورات، الأصدقاء، الكتب، المجلات، النشرات، الجماعات التي ينتمي إليها، مع من يجلس، مع من يعتقد، قد يكون الأب في غفلة عن ابنه صدقوني فإذا هو ينتقل من دين إلى دين، وهذا حدث، وقد يكون في غفلة عن ابنه فإذا هو ينتقل من جهة إسلامية صحيحة إلى جهة إسلامية أخرى منحرفة أثناء الغفلة فلا بد من أن تلاحظ، أول شيء ينبغي أن تلاحظ الجانب الإيماني، العقيدة، هل ظنه بالله ظن حسن ؟ هل يعتقد بالآخرة ؟ هل يعتقد أن الدنيا دار ابتلاء أم دار جزاء ؟ هل يرى الغني هو السعيد أم يرى المؤمن هو السعيد ؟

2ـ ملاحظة الجانب الأخلاقي عند ابنه:

 الشيء الثاني أيها الأخوة ينبغي أن يلاحظ الجانب الأخلاقي، هل يكذب الابن ؟ هل يدلس ؟ هل يلف ويدور ؟ هل يحتال ؟ ماذا يفعل ؟ هل هو صادق وواضح أم يسير سيراً منكسراً ؟ واضح أم يكذب ؟ واضح أم يبالغ ؟ واضح أم يتملق ؟ أيضاً ينبغي أن تلاحظ الجانب الأخلاقي، ولاسيما الصدق، ثم ينبغي أن تلاحظ الجانب الأخلاقي ولاسيما الأمانة، الأمانة أيها الأخوة لا تتجزأ، يعني أعطيته مبلغاً من المال ليشتري شيئاً ينبغي أن يرد لك الباقي مهما يكون صغيراً، هذه الأمانة، تعطيه أنت المبلغ الذي تريد، لكن إذا كلفته بعمل ينبغي أن يأتي بالحساب الدقيق وبالبقية الباقية، هل وجدته يصرف مصروفاً لم تعطه إياه، قد يشتري حاجة ثمينة غالية، قد يأتي كل يوم من المدرسة ولا يأكل، حسناً أين تأكل إذاً ؟ تناول الطعام في مطعم، أنت لم تعطه المبلغ الذي يتيح له أن يأكل كل يوم في مطعم، معنى هذا عنده دخل آخر، هو طالب من أين هذا الدخل ؟ هذه مهمة الأب، أن يلاحظ أنه كل يوم يأتي ليأكل وهو جائع جداً، له أيام ثلاثة لا يأكل في البيت، بقي لأيام ثلاثة يتأخر، اسأل المدرسة هل داوم ؟ لعله لم يداوم، هذا الذي أتمناه، يجب أن تلاحظ الجانب الإيماني، عقيدته، أفكاره، تصوراته، حسن ظنه بالله، ينبغي أن تلاحظ الكتب التي يستقي منها، الأشخاص الذين يأخذ منهم، الجمعيات التي ينتمي إليها، هذا الفكر الذي لم يعجبك من أين استقاه ؟ من غذاه به ؟ هذا الجانب الإيماني، ثم الجانب الأخلاقي أن تلاحظ صدقه، وأن تلاحظ أمانته، هل يأخذ ما ليس له.

 

3ـ ملاحظة ضبطه للسانه:

 الشيء الثالث: ينبغي أن تلاحظ ضبطه للسانه، لو عنده صديق هل في كلامه انحراف ؟ هل في كلامه كلمات بذيئة ؟ هل في كلامه مزاح رخيص ؟ هل إذا كان يتحدث مع أخوته له كلمات لا تستعملها هذه الأسرة ؟ يعني هل هو منضبط في لسانه ؟ ينبغي أن تلاحظ أمانته، وصدقه، وضبط لسانه.

 

 

4ـ ملاحظة الجانب الإرادي لابنه:

 الآن ينبغي أن تلاحظ إرادة ابنك، هل يستطيع، أو هل يملك إرادة قوية تعينه على تطبيق ما يتعلم ؟ أم أنه يجاملك ويتملق إليك و يثني على توجيهاتك ولا يطبقها ؟ والحقيقة مع الأسف الشديد النفاق فيما مضى كان يظهر عند الراشدين، أما الغريب الآن بدأ النفاق يظهر عند الصغار، وجدت هذا في بلاد بعيدة جداً، الابن يعرف نمط أبيه، أبوه متدين، إذاً يوهمه أنه يقرأ القرآن، يوهمه أنه يستقي فكراً إسلامياً من صديق له، وهو عكس ذلك، بدأ النفاق يتسرب إلى الصغار، يتملق أباه، يثني على أبيه، يصلي أمامه فقط، يوهمه أنه يحب الله، متدين، وهو على النقيض من ذلك.
 والله أخ أطلعني على دراسة أجراها في جالية إسلامية بعيدة جداً، التقى مع الصغار وبطريقة ذكية جداً وصل إلى خبايا نفوسهم، ثم كشف أن نسباً متفاوتةً بينهم بعضهم ينحرف، بعضهم يشرب الخمر، بعضهم يدخن، بعضهم يتلقى المخدرات أحياناً، والآباء في غفلة ولا يعلمون شيئاً، لم أجد أباً أو معلماً أضعف من هذا الذي ينحرف ابنه وهو لا يدري.
 والله مرة سافرت إلى الخليج، وأب كريم من أصدقائي المخلصين أوصاني أن أتفقد ابنه هناك، والله وصلت إلى هناك، وشاهدت الذي لا يسر أبداً، غارق في المخدرات، لا يعمل إطلاقاً، له صويحبات، والله لو علم الأب حال ابنه لمات من توه من شدة حرصه عليه، في غفلة.

 

 

من استقام على أمر الله حفظ الله له صحته ومستقبله وشبابه:

 

 

 أنا أقول لكم أيها الأخوة كلاماً والله لن تسعدوا، ولن تستقروا، ولن تقر أعينكم إلا إن كان أولادكم كما تتمنون، وأسباب الانحراف كثيرة وواسعة جداً، أسباب الانحراف في كل مكان، أقول لكم هذه الكلمة لا يمكن أن يضبط الإنسان من خارجه الآن، أينما تحرك هناك الفساد والانحراف، لابدّ من أن يضبط من داخله، لابدّ من أن تقوي إيمانه، لابدّ من أن تقوي خشيته من الله، لابدّ من أن تقوي عقيدته، أنه كلما استقام على أمر الله ارتقى عند الله، وحفظ الله له صحته ومستقبله وشبابه وعمله وما إلى ذلك.
 هل يضعف أمام الشهوة ؟ هل تضعف إرادته أمام معصية أو شهوة يعني تسره ؟ بعد أن لاحظ جانبه الإيماني، وبعد أن لاحظ جانبه الخلقي، ولاسيما الصدق والكذب وضبط العين والجوارح، لا بد من أن يلاحظ الجانب الإرادي، هل يفعل ما يعتقد ؟ هل عنده إرادة على أن يطبق الذي سمعه ؟ ما الذي يمنع، وأقول لكم هذا بصراحة أن تدخل إلى غرفة ابنك وأن تتفقد حاجاته، أنت أب لك مطلق الصلاحية ماذا يقرأ ؟ ماذا تحت الفراش من مجلات ؟ وجدت عنده قرصاً مدمجاً شاهد هذا القرص، وجدت له دفتراً انظر ما كتب، من يراسل ؟ ماذا يقرأ قبل أن ينام ؟ يعني لا بد من أن تتفقد أحواله، كتبه، دفاتره، محفظته، خزانته، مقتنياته، يعني والله في هذين الأسبوعين عدة آباء شكوا إلى بعض المعاهد أنهم يجدون في ثنايا حاجيات أولادهم أشياء لا تسر أبداً أخذوها من أصدقائهم، أين الأب ؟ يجب أن تكون يقظاً، واعياً، مدققاً، محققاً، لا ينبغي أن تخفى عليك خافية من أحوال ابنك، لأنه ابنك ينبغي أن تلاحظ أيضاً تحصيله العلمي، أن تتصل بالمدرسة، علامات المذاكرات، في أي مادة مقصر، لا بد من أستاذ خاص أحياناً، أما أن تنسى أن تتابع أموره التحصيلية إلى نهاية العام حتى يقول لك المدرس والله رسب، وما في أمل أبداً بالنجاح، ومن الصعب أن تتلافى هذا الخطأ، ينبغي أن تتابع تحصيله من أول العام، لا بد من زيارات كل شهر مرة إلى المدرسة على الأقل، لا بد من أن تتصل بها الهاتف يحل مشكلة كبيرة، اسأل المدير ليعطيك مستوى الطالب عند معلميه ولو بالهاتف، يجب أن يشعر الطالب أنه مراقب من أهل.

أعظم عمل أن تقدم لهذه الأمة شباباً مؤمنين صادقين ومتفوقين:

 والله حدثني شخص له أخ يدرس في ألمانيا، تأتي الرسائل أنه نجح إلى الصف الثالث والرابع والخامس، ثم فاجئهم أنه حصل على الشهادة العليا، يعني له أخ على شيء من الحكمة والذكاء، فتح الإنترنت على نتائج هذه الجامعة فإذا أخاه لم ينجح إطلاقاً، كل هذه الرسائل غير صحيحة، كلها كذب، الأب يفرح ويبلغ أقرباءه ابني نجح الحمد لله، وهو في سذاجة وسعادة فارغة، فعن طريق المعلوماتية الإنترنيت وجد أن ابنه لم ينجح، الآن القضية سهلة جداً، تفتح موقع الجامعة، قسم الطلاب، أسماء الناجحين، قد تجد أن هذا الذي أوهم أهله أنه ناجح لم ينجح، وفي آباء سذج يصدقون كل ما يقال لهم، ثم يذيعون، ثم يبالغون، والابن غارق في المعاصي والآثام هناك، ويبتز أموال أبيه وحقوق أخوته دون أن يشعر، لا تكن ساذجاً، يجب أن تدقق، وأن تحقق، وأن تراقب، وأن تتابع.
 موضوع هذا الدرس الملاحظة، يجب أن تلاحظ ثم أن تقدم ملاحظة، أن تلاحظ أحوال ابنك الإيمانية، أحوال ابنك الخلقية، أحوال ابنك الإرادية، أحوال ابنك العلمية، ثم أن توجه، يعني أحياناً يعطيك الابن معلومات كلها مغلوطة عن وضعه في المدرسة، واليوم الأستاذ أثنى علي كثيراً، وسألني من أبوك ؟ كله كذب، واليوم أخذت علامة تامة، واليوم صفقوا لي مثلاً، والأب في سذاجة يصدق ويفرح ويتحدث للناس، لو أن الأب انتقل إلى المدرسة فجأةً وسأل عن علامات ابنه يجده أخذ أصفاراً، أنا الذي ألاحظه أن الحقيقة تأتيهم بعد فوات الأوان، خلال سنة بأكملها لم يخطر في بال الأب أن يزور مدرسة ابنه، ولا أن يسأل، ما الذي يمنع أن تأخذ هاتف أستاذ ابنك، الآن الحياة معقدة جداً، لكن الهاتف يحل مشكلات كثيرة، ما الذي يمنع أن تأخذ هاتف أستاذ ابنك، بكل لطف تسأله من حين لآخر عن أحواله ؟ كيف انضباطه ؟ كيف أخلاقه ؟ كيف دراسته ؟ كيف وظائفه ؟ كيف تحصيله ؟ كيف تسميعه ؟ كيف مذاكراته ؟ عندما يشعر الطفل أن الأب يتابع، في معهدنا ـ والفضل لله عز وجل ـ نرسل استمارة للأب، هذه الاستمارة فيها جدول الصلاة، يجب أن يملأ الأب الأوقات التي صلاها ابنه، الأب مضطر أن يراقب ابنه هل صلى الفجر ؟ هل صلى العشاء ؟ هذه السبعة أيام كل يوم في خمس فراغات، ثم يسأل كيف يعامل أمه وأباه ؟ ثم يسأل كيف يعامل أخوته وأخواته ؟ ثم يسأل هل يقدم خدمات لأسرته ؟ ثم يسأل ما الأعمال الصالحة التي فعلها هذا الأسبوع ؟ هذه الاستمارة ينبغي أن تكون متبادلة بين الأهل وبين المعلم، ليس هناك من عمل أعظم من أن تقدم لهذه الأمة شباباً مؤمنين، صادقين، متفوقين.

التعاون مع الزوجة ضروري لملاحظة ما يفعله الابن وحده في الغرفة:

 وبعاداته الخاصة، وبعلاقاته الحميمة.
 طفل صغير لا أذكر في اللاذقية أم في إدلب أم في بيروت قال لي: أنا يا أستاذ لا أحتمل ما أشاهد في الأخبار، ماذا أفعل ؟ يا الله طفل عمره إما ست أو سبع سنوات، لا يحتمل ما يشاهد، من قهر، ومن قتل، ومن ضرب، قال: ماذا أفعل ؟ قلت له: إن أعداءنا تعلموا فغلبوا وأنت اجتهد وخذ الدرجة الأولى كي تكون قوياً تنتصر أمتك على أعداءها، كل إنسان له مهمة بالحياة، فالأعداء اعتمدوا على العلم، وعلى التعاون، وعلى القوة، فأملوا إرادتهم على الضعفاء، ونحن ما لم نعتمد على الإيمان أولاً، أنا أتكلم مع طفل صغير، أقول له اجتهد وخذ الدرجة الأولى كي تكون متفوقاً، كي تسهم في بناء هذه الأمة.

5ـ الانتباه لعادات ولده الخاصة ولعلاقاته الحميمة:

 أيها الأخوة ينبغي أيضاً أن تلاحظ كل شيء، يعني يجب أن تتعاون مع زوجتك على ملاحظة ما يفعله الابن وحده في الغرفة، في غرف لها نوافذ والبلور شفاف هذا شيء له هدف تربوي، كنت مرة في تركيا، في مبيت طلاب ضخم جداً، ما في باب يمكن أن يقفل أبداً بكل البناء، يعني أي باب يفتح بأي لحظة، هذه لها معنى، يعني أحياناً في بعض الصفوف بالمدارس لها نوافذ بلور شفاف، يعني أي إنسان يمر أمام الصف يرى ما بداخل الصف هل يوجد فوضى ؟ هل الأستاذ يدرس أم لا يدرس ؟ يعني أيضاً يجب أن يكون وضع الطفل تحت المراقبة، أما أن يكون له غرفة ويقفل الباب قبل أن ينام، ماذا يفعل بالليل ؟ أنا أقول لكم أشياء دقيقة جداً من أجل أن تكون يقظاً، يجب أن تلاحظ أن ابنك هو ثمرة فؤادك، أن ابنك هو استمرارك، أن ابنك هو خليفتك، أن ابنك هو ثروتك، أن ابنك هو جنتك ونارك أحياناً قد يسبب شقاء الأسرة بأكملها، والله تأتيني اتصالات من بعض الأمهات يعني طفل منحرف أربك الأسرة بأكملها، طفل منحرف أشقى أسرة بأكملها، منحرف، ولا ينصاع، ويأتي بعد منتصف الليل، ويتطاول على أمه وأبيه، ويضرب أخوته، ولا يصلي، ولا يداوم في المدرسة، والعياذ بالله، هذا هو البلاء الأكبر، كيف قلت لكم في دروس سابقة ينبغي أن تكتشف الانحراف قبل أن يتفاقم، لكن الأب الساذج متى ينتبه ؟ بعد أن تقع الطامة الكبرى، بعد أن يخسر ابنه، وبعد أن ينحرف ابنه انحرافاً شديداً عندها يصيح، ويستجير، ويدعو.

 

6ـ الاهتمام بالجانب الصحي لابنه:

  أيها الأخوة قال لي أخ: ابني شرب كأس عصير أو كأس حليب مع أطعمة أخرى قال لي: ذهب إلى المستشفى فوراً، قد يكون في محلات بضاعتها سيئة في بيض فاسد، في طعام غير جيد، فينبغي أن تلاحظ أيضاً وضع ابنك الصحي، يجب أن ترشده إلى أن يأكل في البيت، طعام البيت لا يعلو عليه طعام، طعام البيت نظيف، والله في معلومات، والله لو اطلعتم عليها ماذا يجري في المطاعم، مثلاً يكفي أن موظفاً في مطعم يحمل فيروس التهاب الكبد الوبائي، هذا مرض مميت، وحتى الآن ما له دواء، وهذا الإنسان بالمطعم ليس مصاباً بهذا المرض ولكن يحمل هذا الجرثوم، ويكفي أن يذهب إلى دورة المياه، ثم لا ينظف يديه تماماً وتبقى آثار فضلاته تحت أظافره، ويكفي أن يقدم الطعام لرواد المطعم يمكن أن يصاب ثلاثمئة إنسان من رواد هذا المطعم لوجود جرثوم يحمله هذا الموظف الذي لا يعتني بنظافة يديه، يعني أحياناً تجد الابن يزداد وزنه بشكل غير معقول في سن مبكرة، قد يلتهم من الطعام ما يؤذيه، قد يتعود أن يأكل في الطريق دائماً، وطعام الطريق فيه مشكلات كثيرة جداً، يعني الأب الناجح يهيئ لأولاده الطعام الذي يحبونه في البيت ويأكل مع أفراد أسرته، والله حدثني أخ توفي رحمه الله، قال لي: لمدة عشرين أو ثلاثين سنة مع دقات ساعة الإذاعة البريطانية يتناولون طعام الغداء مجتمعين، شيء جميل جداً أن يكون الاجتماع على مائدة الطعام.

  من أروع ما يكون في الأسرة أن يجتمع أفراد الأسرة على طعام على وجبة واحدة الحد الأدنى، هي الظهر أو المساء، يتبادلون أطراف الحديث، يسأل الأب ابنه عن أحواله، عن دارسته، عما رأى في المدرسة، يستمع إلى أولاده، إلى زوجته، يأكلون بهدوء، يعني هذه الحياة المعقدة كل شيء سريع هذا مزعج، أنا أتمنى أن يكون هناك وعي صحي، يعني مثلاً في شراب كيميائي، وفي كأس لبن، وفي شيء طبيعي، يمكن أن تستبدل كل شيء كيميائي بشيء طبيعي، أن تشرب الشراب الطبيعي، والأسعار متقاربة، يمكن أن تستبدل كل شيء محفوظ بالعلب بشيء طازج، ينبغي أن تهتم ماذا تأكل، في مأكولات مؤذية، في مأكولات مسرطنة، في أطعمة تدعو إلى السمن بشكل غير معقول، فلا بد من توعية صحية في البيت، والوعي الصحي لا يحتاج إلى طعام غالٍ، لكن يحتاج إلى طعام مدروس، أيضاً الأب مهمته أن يعتني بصحة أولاده، أكثر الأمراض الذي يعاني منها الإنسان في مستقبل أيامه بدأت معه في سن مبكرة من أخطاء في التغذية، في أطفال لا يهتمون بالرياضة إطلاقاً والرياضة لها أثر كبير في صحة الإنسان، كنت أقول دائماً ينبغي أن تعتني بإيمانه، وبعقله، وبنفسه، وبعلاقاته الاجتماعية، وبإرادته، وبتحصيله العلمي، وبصحته، وبعاداته الخاصة، وبعلاقاته الحميمة.

 

7ـ الاهتمام بالجانب النفسي لابنه:

  الجانب النفسي هل عنده خجل ؟ الخجل مرض، الحياء فضيلة، لكن الخجل مرض، الخجول لا يستطيع أن يعبر عن حاجاته، ولا عن أفكاره يضطرب، لكن الحياء، قد يستحي الإنسان من معصية، يستحي أن يراه أحد في شيء لا يرضي الله عز وجل، فالحياء من الإيمان، لكن الخجل من الشيطان، هل يخاف ؟ هذا الأب وهذه الأم، يعني أقول سامحها الله تخيف ابنها إما من المجهول، أو من عفاريت، أو من شياطين، أو من بعبع، هذا كله كلام لا أصل له، فينشأ الطفل يخاف من الظلام، أحياناً تسجنه في الحمام يخاف من كل شيء مغلق، فأساليب الأم الجاهلة في التخويف بأشياء موهومة هذه تورث الخوف العام، إذاً ينبغي أن تنتبه الأم إلى أنها حينما تخيف ابنها بأشياء موهومة قد تغرس فيه عقدة الخوف، أحياناً الطفل عنده شعور بالنقص، لا يستطيع أن يتكلم، لأنه كلما تكلم يقول له أبوه اخرس، اخرس أنت لا تفهم، على مرتين ثلاث لا يستطيع أن يتكلم ولا بكلمة، أياماً المعلم يقول له أنت غبي مثلاً، أنت لا تفهم، هذه الكلمات تحطم، فالتوجيه الخاطئ، والقمع، والكلام السيئ، والوصف الشنيع للطفل يجعله يتحطم، الطفل يحتاج إلى تشجيع، تكلم كلمة لا مانع هذا الصواب، أنا عندي قاعدة بالتربية ليس العار أن تكون جاهلاً العار أن تبقى جاهلاً، ليس العار أن تخطئ العار أن تبقى مخطئاً، فأنت حينما تقمع وتقسو بالكلام، تتهم بالغباء، تقمعه أمام أخوته البنات، أمام أقربائه، أمام أمه أحياناً، فالطفل ينشأ على الشعور بالنقص، ليس واثقاً من نفسه أبداً، دائماً خائف.
 في أخطاء كثيرة جداً يرتكبها المربي أحياناً، الأم والأب والمعلم، أكثر الصفات التي تبغضها في الابن أحياناً بسبب الأب، في أب قمعي ويقسو بالكلام ولا يعبأ بكرامة ابنه، ولا بشخصيته، قد يقسو عليه أمام أخوته، أمام أخواته البنات، قد يضربه ضرباً مبرحاً أمام أخواته، فبعد أن ينتهي الضرب يشمتون به، يتألم أشد الألم، من الخطأ الشنيع أن تؤدب ابنك أمام أحد، فيما بينك وبينه، وقد يقبل الابن أن يؤدب فيما بينه وبين أبيه، فالشعور بالنقص سبب القمع، التحقير والإهانة، أو الدلال المفرط كل شيء يأتيه إلى الفراش لا يفعل شيئاً، ينشأ اتكالياً، قد يتلقى خدمات من أمه وأبيه لكن بعد أن يكبر تعود أن يتلقى خدمات باستمرار، لا أحد يخدمه، يصبح اتكالياً، عبئاً على الناس، فيجب أن تربيه تربية استقلاليةً يعتمد على نفسه، أحياناً الدلال المفرط يسبب شعوراً بالكسل والقعود، أحياناً اليتم، فقد الأب فقد الدعم، أو يتم الأم، أحياناً الفقر الشديد، الفقر قدر، لكن في فقر كسل بصراحة، فقر القدر أنا أحترم هذا الفقر، فقر الكسل، لما الأب يتقن عمله تماماً ويربح ويطعم أولاده، ويلبسهم ويلبي حاجاتهم يكون قد رفع معنوياتهم، وأحياناً الطفل يسلك سلوك غضب شديد جداً بسبب الضغط، الإنسان كلما ضغط ينفجر في النهاية.

 

 

8ـ الاهتمام بالجانب الاجتماعي لابنه:

  ثم إن هناك جانباً اجتماعياً، يعني علاقته مع الآخرين طيبة، مواعيده صحيحة، صادق معهم، مؤنس أم انعزالي، اجتماعي، لطيف، يراعي شعور الآخرين ويحترم مشاعرهم أم لا يعبأ بأحد، يجب أن تلاحظ الجانب الاجتماعي.

 

 

9 ـ الاهتمام بالجانب الروحي لابنه:

 ثم يجب أن تلاحظ الجانب الروحي، له خشية من الله، هل يصلي بخشوع ؟ هل يقرأ القرآن ؟ جوانب لا تعد ولا تحصى، جانب الخشوع، جانب الإرادة، والجانب النفسي، والجانب الاجتماعي، وجانب الدين، وجانب الخلق، وجانب التحصيل العلمي، هذه هي الملاحظة، يعني الأب كله أعين، كله إدراك، كله متابعة، ويعطي التوجيهات، وعلى الله الباقي، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.

 

 

كلما ارتقى الأب في جانب المعرفة كان أقدر على الملاحظة:

 

 أيها الأخوة، يعني أنا والله أحياناً أتألم، يأتينا طفل إلى المعهد بأخلاق سيئة جداً يكذب، ويضرب، ويؤذي، أين أمه وأبوه ؟ ما في اهتمام، عاداته سيئة جداً، يعني قد يرتكب أخطاء فاحشة جداً عند الآخرين، ولا يعبأ، قد يلقي بحاجاته الخاصة جداً في مكان عام، أو في بيت كان في ضيافته، فأين الأب والأم ؟ أين التوجيه المستمر ؟ أين المتابعة ؟ أين الملاحظة ؟ فضلاً عن كل ذلك ينبغي أن تلاحظ عبادته، صلواته، صيامه، قد تكتشف أنه لم يصم برمضان، لم يكن جائعاً، والصيام طويل، معنى ذلك أنه غير صائم، هل تابعت السبب ؟ ناقشته، بينت له حكم الشرع، الصيام فريضة، الله عز وجل يثيب الصائم، يغفر له ذنوبه، يعني أرجو الله سبحانه وتعالى أن يترجم هذا الدرس إلى واقع، ينبغي أن تلاحظ عقيدته، كتبه، مجلاته، أصدقاءه، مصادره الثقافية، مصادر التغذية عنده، ينبغي أن تلاحظ أيضاً أخلاقه، صدقه، أمانته، ضبطه لعلاقاته، ينبغي أن تلاحظ إرادته، ينبغي أن تلاحظ تحصيله العلمي، ينبغي أن تلاحظ واقعه الاجتماعي مع الآخرين، ينبغي أن تلاحظ نفسيته، عنده شعور بالنقص، عنده كآبة، عنده عدم ثقة بنفسه، ينبغي أن تلاحظ صحته، عبادته، كل شؤون حياته.
 كلما ارتقى الأب في جانب المعرفة كان أقدر على الملاحظة، يعني لو فرضنا مثلاً للتوضيح أن أباً ضعيفاً جداً في اللغة قال لابنه: اقرأ لي هذه الصفحة، قد يرتكب الابن عشر أخطاء والأب لا يعرف أنه أخطأ، فكلما ارتقت ثقافة الأب العلمية، والدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، صار مربياً، هذا الكلام موجه للمعلم والأب معاً.
 سمعت عن أم بكندا أعطت ابنها قطعة سكاكر، بعد ثلاثمئة متر سألته: أين الورقة ؟ قال: رميتها، فعادت معه ثلاثمئة متر، إذا كل عمودين في خمسين متر كم عمود قطعت ؟ ستة عواميد، قالت له: خذها وضعها في سلة المهملات.
 والله دخلت بيتاً في أستراليا يعني شيء لا يصدق، الحذاء على الطاولة، شيء العقل لا يصدقه، أشياء غير معقولة إطلاقاً لا يوجد تربية، ولا نظام، ولا ترتيب للثياب، ولا ترتيب للحاجات، قد يكون إهمال من الأب والأم، فهذه العادات السيئة تزعج جداً، البيت المضطرب يوتر الأعصاب، الحاجات الكثيرة بالبيت توتر الأعصاب، الفوضى بالبيت توتر الأعصاب، دائماً في ضغط نفسي، في ضجر، أما البيت المرتب مريح جداً، البيت النظيف مريح، الحاجات المتناسقة مريحة جداً.
 أيها الأخوة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس معبراً عن حاجة أساسية لنا جميعاً في تربية أولادنا، لا حظ كل شيء، واضبط كل شيء، وفاجئ ابنك في أي حين وتابع كتبه، ورسائله، وحاجاته الأساسية، ومقتنياته، استمع إليه أحياناً، ماذا يقول على الهاتف ؟ كيف يحادث أصدقاءه على الهاتف ؟ هذا كله أنت مطالب به لأنك أب، ولأن الله سبحانه وتعالى منحك سلطة على ابنك ليس فوقها سلطة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور