وضع داكن
25-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 37 - وسائل تربية الأولاد -7- التربية بالملاحظة - 1 الآباء قدوة لأبنائهم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في السلسلة الثانية، وفي الوسائل الفعالة في تحقيق أهداف التربية.

أولاد الإنسان هم قدره شاء أم أبى:

 تحدثنا في دروس سابقة عن التربية بالقدوة، وعن التربية بالتلقين والعادة، وعن التربية بالموعظة، وها نحن ننتقل إلى التربية بالملاحظة، قد لا أبالغ إذا قلت إن الملاحظة من أخطر وسائل التربية، فالأب الغافل عن حالة ابنه، عما يقرأ ابنه، عمن يصاحب ابنه، عن ذهاب ابنه وإيابه، الغافل عن أحوال ابنه قد تنتهي به الأمور إلى ضياع الولد، والذي يضبط هذا الموضوع أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (6) ﴾

(سورة التحريم )

  بالمناسبة أولاد الإنسان هم قدره، شاء أم أبى، رضي أم لم يرضَ، أعجبه أم لم يعجبه، هم قدره، فإما أن يسعد بهم وإما أن يشقى بهم، أشياء كثيرة في حياة الإنسان يتخلى عنها، يلغيها من حياته، أتعبته فألغاها، أزعجته فألغى وجودها، وابنك يبقى ابنك، ماذا تعمل ؟ فإما أن تربيه فتسعد به، وإما أن تهمله فيكون سبب شقاء والديه، وهذه الآية تنطلق من هذا المعنى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) ﴾

 

(سورة التحريم )

علينا تربية أولادنا وفق منهج الله تعالى:

 الآن سيدنا علي بن أبي طالب ماذا فهم من هذه الآية ؟ قال:

﴿ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً (6) ﴾

  أي أدبوهم وعلموهم.
 قال سيدنا عمر رضي الله عنه: " أي تَنْهَونهم عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهم بما أمركم الله به، فيكون بذلك وقاية بينهم وبين النار."
 أتيتكم بفهم سيدنا علي وفهم سيدنا عمر، أي أن تربيهم وفق منهج الله، الآن حينما يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾

 

(سورة طه)

  معنى ذلك أنه قد يُفهم أن هناك تقصيراً في أداء الصلوات، وأن سيدنا عمر حينما طعن قبل أن يتوفاه الله عز وجل من قبل هذا العدو (ابن ملجم) وغاب عن الوعي، ثم صحا، قال رضي الله عنه: هل صلى المسلمون الفجر ؟ ما الذي أقلقه ؟ صلاة المسلمين !! وأنا دائماً أتساءل قد يأتي الأب إلى البيت مساءً يسأل زوجته: هل تناول الأولاد طعام العشاء ؟ تقول له: نعم. هل كتبوا وظائفهم ؟ تقول له: نعم. أكلوا وأدوا واجباتهم المدرسية، كم أباً من مئة أب يسأل زوجته: هل صلى الأولاد العشاء قبل أن يناموا ؟ هنا المشكلة !!

 

بعض أسباب زيادة الرزق:

 

 

 قال تعالى:

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾

(سورة طه)

 لم يقل واصطبر عليهم، أي واصطبر حتى تكون صلاتهم مقبولة عند الله، واصطبر على الصلاة حتى تصبح صلاة حقيقية، واصطبر على الصلاة حتى تؤدى كما أمر الله، واصطبر على الصلاة حتى تكون أداة اتصال بينهم وبين الله:

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾

 

(سورة طه)

 يوجد بالآية ملمح قد يغفل عنه معظم الناس:

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ (132) ﴾

 

(سورة طه)

  أي بيت يصلي فيه أفراد الأسرة هذا بيت مرزوق، البيت إما أن يكون قبراً، وإما أن يكون مسجداً، إما أن يذكر الله فيه، وإما أنه سيذكر الشيطان فيه، بيت فيه أدوات اللهو، فيه مسلسلات، وتمثيليات، وفضائيات وما إلى ذلك، وليس فيه ذكر لله، احرص على أن يكون بيتك بيتاً تؤدى فيه العبادات، هذا الكلام أتمناه لكل واحد منكم، وأتمناه لنفسي، من حين لآخر ما الذي يمنع أن تؤدى الصلاة جماعة في البيت ؟ أن يستيقظ أهل البيت جميعاً ليؤدوا الصلاة، هذا هو الكمال، فكلما أديت الصلاة في البيت كان هذا البيت أقرب إلى الله، وكان هذا البيت مشمولاً برعاية الله، محفوفاً بعناية الله، بيت مرزوق، بين قوسين الإنسان يتمنى الرزق الوفير، فمرة سألني أخ: كيف أرفع مستوى رزقي ؟ قلت له: بأن تؤدَّى الصلوات في البيت ! طبعاً صلوات الفرض تؤدى في المسجد، أما النوافل فتؤدى في البيت، ويؤدى السنن والوتر، أن تصل رحمك يزيد الله في رزقك، أن تكون أميناً فالأمانة غنىً، أن تكثر الاستغفار فالاستغفار يزيد في الرزق، أن تكثر الصدقة فالصدقة تزيد في الرزق.

 

أسباب أخرى تزيد في الرزق:

 

 هناك أسباب كثيرة تزيد في الرزق:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) ﴾

(سورة الجن)

 الاستقامة تزيد في الرزق:

 

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (96) ﴾

 

(سورة الأعراف)

  تقوى الله والوقوف عند حدود الله يزيد في الرزق:

 

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12) ﴾

 

(سورة نوح)

  الاستغفار يزيد في الرزق، والصدقة تزيد في الرزق، صلة الرحم تزيد في الرزق، إتقان العمل يزيد في الرزق، أداء الصلوات في البيت يزيد في الرزق:

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ (132) ﴾

 

(سورة طه)

الفرق بين الأمر التكليفي والأمر التأديبي:

 أيها الأخوة يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما من حديث طويل من هذا الحديث:

(( والرجلُ راعٍ في أهلِهِ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ))

[ متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما ]

  مداخلة طريفة: أحياناً يترنم الإنسان بكلمة مسؤول كبير، لو دقق في معناها لانخلع قلبه خوفاً، لو دقق في معناها لارتعدت فرائصه، مسؤول كبير أي سوف تسأل سؤالاً كبيراً، سوف تسأل عن كل شيء:

 

((لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ))

 

[الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه]

  هذه أسئلة لا بد منها، من هذه الأحاديث أيضاً:

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ))

 

[أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ]

  لدينا أمر تكليفي وأمر تأديبي، الأمر التأديبي أن تأمر ابنك بالصلاة لسبع سنين، حتى إذا كلف بها كان قد ألفها، أن تأمر ابنتك بالحجاب قبل أن تكلف بالحجاب، هذه سماها العلماء عبادة تأديبية، تؤدب أولادك على الصلاة والصيام، وتؤدب بناتك على الحجاب قبل سن التكليف، فإذا جاء سن التكليف كان الأولاد متقبلين لهذا الذي أمر الله به، وهذا الدرس، أيضاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ))

 

[الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

تعلق الصغار بمثل عليا شيء حتمي:

 لا زلنا في الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى التربية، يقول عليه الصلاة والسلام:

((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن.))

[الطبراني عن علي]

  لعل معاهد تحفيظ القرآن التي أكرمنا الله بها تنطلق من هذا الحديث:

 

((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن.))

 

[الطبراني عن علي]

  آل بيته أولئك الذين كانوا حول النبي من قرابته ومن صحابته، كيف كانت أخلاقهم، لا بد من أن تقص على أولادك سير أصحاب رسول الله، وسير أهل بيت رسول الله، لأنهم فعلاً أبطال، هناك كتب كثيرة حول أصحاب رسول الله، لا أقبل بيت مسلم ليس فيه كتاب من سير صحابة رسول الله، كتاب السيرة يبعث في النفس القدوة، الطفل أيها الأخوة في سن معينة يبحث عن مثل أعلى، فإن لم تقدم له أصحاب رسول كمثل عليا، تلقف ما على الشاشة من مثل ليست عليا ولكنها دنيا، قد يجعل لاعب كرة مثله الأعلى، قد يجعل ممثل أو ممثلة قدوته الكبرى، هذه مشكلة كبيرة، تعلق الصغار بمثل عليا شيء حتمي، هذا قدر الصغار، حتى بعض الأمثلة في الجاهلية (كل فتاة بأبيها معجبة ) طبيعة الطفل يتعلق بمثل أعلى، فأنت إن قدمت له مثلاً أعلى تعلق به فكان قدوته، وإن أهملت أن تقدم له المثل الأعلى هو يختار عشوائياً مثلاً أعلى، ما من خطر على الطفل يفوق صاحباً سيئاً، هذا الصاحب السيئ مدمر، ليس للابن وحده بل للأسرة كلها، فإما أن تقدم له مثلاً أعلى وإما أن يتعلق هو عشوائياً بمثل أعلى.
 مرة التقيت مع أخ في مكان معه ابنه وصديقا ابنه، فسألته عن ذلك فقال: أنا اخترت له صديقيه لأنه لا بد من صديق، أنا أحسنت اختيار صديق ابني، حتى يتلقف ابنه من صديقه الكمال، انتقى صديقين منضبطين من تربية أسرية جيدة، فجعلهما صديقي ابنه، لذلك أهم شيء عند الأب أن يختار هو صديق ابنه، الطفل يحتاج إلى صديق، الطفل يحتاج إلى رفيق، الطفل يحتاج إلى مثل أعلى، لذلك حينما يكون في المناهج قصص بطولات في التعليم الإعدادي لا تصدق كم هي تؤثر في الطفل، أن هناك مثلاً أعلى أمامه يقتدي به، والحقيقة علامة إيمان المؤمن أن مثله الأعلى رسول الله، والدليل:

 

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) ﴾

 

(سورة الأحزاب )

النبي عليه الصلاة والسلام واقعي:

 أنا أقول دائماً الإنسان له شخصية يحبها، ويتمنى أن يكونها، وفي حياته شخصية يكرهها، ويكره أن يكونها، وفي حياته شخصية يكونها، أي هو نفسه، أنت لك شخصية، وهناك نموذج من الشخصيات تتمنى أن تكونها، وهناك نموذج من الشخصيات تشمئز أن تكونها، البطولة أن تسأل ابنك ماذا تتمنى أن تكون ؟ بالتعليم الابتدائي دائماً الموجه التربوي إذا زار مدرسة ودخل إلى أحد الصفوف هناك سؤال تقليدي منذ خمسين سنة، يوقف أحد الصغار ويسأله: يا بني ماذا تتمنى أن تكون ؟ بحسب قيم المجتمع يقول له: طبيب، أستاذ، أو طيار. مرة زار موجه تربوي مدرسة قريبة من الحدود، وأوقف طالباً وسأله: ماذا تتمنى أن تكون ؟ فقال له: مهِّرب يا أستاذ، هذا مثله الأعلى، أخطر شيء المثل الأعلى، هذا معنى حديث رسول الله:

((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن.))

[الطبراني عن علي]

  من الأحاديث أيضاً ما رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد:

 

(( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة (أي شبيبة أي شباب ) متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، (كان عليه الصلاة والسلام مضيافاً ) فظن أننا اشتهينا أهلينا ))

 

[البخاري عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]

  أدرك كيف أن النبي واقعي، أتاه شاب وأقام عنده عشرين يوماً لا شك أنه حنَّ إلى أهله.

 

(( فسألنا عمن تركنا في أهلينا فأخبرناه ))

 

[البخاري عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]

 قال له: مثلاً هل أنت متزوج يا بني ؟ قال نعم. قال له: كم ولداً عندك ؟ فالإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( المرء حيث أهله، والمرء حيث رحله ))

 

[البخاري عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]

  أي معلق بأهله ومعلق بماله، إن كان ماله بالميناء تجده مشوشاً، يا ترى البضاعة سليمة ؟ هل عليها من خطر مثلاً ؟ لم يستطع تخليصها عنده مشكلة أيضاً:

 

(( المرء حيث أهله، والمرء حيث رحله، فظن أننا اشتهينا أهلينا فسألنا عمن تركنا في أهلينا فأخبرناه، وكان رفيقاً رحيماً، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ))

 

[البخاري عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]

 هذا توجيه النبي.

 

جوانب من عظمة شخصية النبي عليه الصلاة والسلام:

 

 الحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام كماله في أعلى درجة، النبي الكريم يسع الكبار والصغار، وهذا من جوانب عظمة شخصيته عليه الصلاة والسلام، ما دنا منه أحد إلا ظن أنه أقرب الناس إليه، أنت لا تستطيع أن تفعلها، كلما التقيت بإنسان يظن هذا الإنسان أنه أقرب الناس إليك، بل إن من جوانب عظمة رسول الله أن الطفل إذا جلس معه النبي الكريم تنازل إليه، النبي كان يمشي في الطريق يرى صبيان يقول السلام عليكم يا صبيان، كان إذا أطفال يلعبون دخل معهم في اللعب، جرى معهم، كان يدعو الصبيان إلى ركوب ناقته، هذا أمر عجيب، الشخصية العظيمة التي قادت أمة كانت ترعى الغنم فأصبحت تقود الأمم، هذا الشخص العظيم كان مؤنساً للصغار، لقد أخبرنا أنه في الجنة باب يدخله من يفرح الصبيان، لأن الصبيان يعنون المستقبل، فلذلك:

(( صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ))

[البخاري عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]

  هكذا وجههم، الأب في هذا الدرس ينبغي أن يكون دقيقاً في ملاحظته لابنه، يلاحظ ذهابه وإيابه، في التأخر، أين كنت ؟ تحدث الابن رواية يجب أن يتحقق صدقها، ولو كلفه التحقيق أن يذهب إلى مكان معين، وجد مع ابنه قلماً من أين هذا القلم ؟ أعطاني صديقي إياه ينبغي أن يتصل الأب بوالد صديق ابنه، هل ابنك أعطى ابني هذا القلم أم أخذه خلسة ؟ الإنسان إن لم يحقق تقدم له روايات مقبولة، والأطفال يكونون أحياناً أذكياء، يعرف نمط أبيه فيقدم له روايات مقبولة دائماً، يتعلم الكذب والأب يقبل لأنه لا همة له كي يحقق !!
 التربية تحتاج إلى جهد، لو وجدت مع ابنك خمس ليرات وأنت لم تعطه إياها، وقدم لك فجأة رواية، فإذا حققت والتحقيق كلفك أن تذهب إلى مدرسته، وتسأل أستاذه أو زميله، فهذا يحتاج إلى جهد، أما إذا قبلت هذه الرواية فعندها سيألف الكذب ويعتاد عليه، لا بد من التحقيق، الابن إذا علم أن أية رواية تقدم لأبيه لا بد من أن يحقق فيها ساعة إذاً سوف يعد للمئة قبل أن يكذب على أبيه، هذه هي الملاحظة، يجب عليك أنت أن تكون أعيناً !! أن تكون أعيناً وآذاناً، وأن تستشف ماذا يخبئ ابنك.

 

عدم وجود الانحراف ضمن الأسرة إلا بسبب غفلة الآباء :

 

 أحياناً تذهب البنت إلى المدرسة، أنا أقول كلاماً يعتصر له القلب، وتعود ظهراً، لو أن الأب ذهب إلى المدرسة لاكتشف أن البنت لم تداوم منذ خمسة أيام، الآن يوجد مشكلة كبيرة جداً، يوجد تسيب، يوجد إهمال، يجب أن يكون هناك اتصال مستمر بين البيت والمدرسة، ينبغي أن يكون هناك ملاحظة، جاء ولم يأكل إطلاقاً، لماذا لم يأكل ؟ معنى هذا أنه أكل بالطريق، من أطعمه ؟ مع من ذهب ؟ من دفع ثمن الطعام ؟ من هو صديقه ؟ أو جاء متعباً !! أو الشمس أثرت في وجهه، مع أنه كان في المدرسة، معنى هذا أنه لم يكن في المدرسة بل كان في ملعب ؟ لو لم أكن أعلم أن هناك آلافاً بل عشرات الآلاف من حالات الانحراف الخطير عند الأبناء والآباء في غفلة، أساساً لا انحراف في أسرة إلا بسبب غفلة الآباء، لا يوجد انحراف ضمن الأسرة إلا بسبب غفلة الآباء، لا يوجد انحراف مالي أو أخلاقي أو جنسي إلا بسبب غفلة الآباء، والله أيها الأخوة في هذه الأيام يحتاج الأب إلى دقة تفوق أية دقة، يقلب المحطات فظهرت محطة فالأب فوراً قلبها إلى محطة ثانية، الطفل جالس !! بعد الثانية عشرة أوى الأب إلى فراشه والأم كذلك، هناك من استيقظ وفتح وقلَّب ووصل إلى هذه المحطة، ثم انتهى الأمر إلى فاحشة في البيت، هذا بسبب غفلة الآباء، طبيب يعالج مريضاً أصابته أزمة قلبية، رأى الساعة الواحدة، معنى هذا أن أولاده عادوا إلى البيت، وفي غرفة النوم فيلم لا يرضي الله فضرب نفسه من شدة القلق، فذهب فوجد الفاحشة في البيت.
 أنا لا أقول لكم كلاماً من فراغ، من قصص عرضت علي، من اتصالات هاتفية وصلتني، قد يكون هناك انحراف خطير جداً والأب غافل، والأم غافلة، فلا بد من دقة بالغة، لا بد من حرص شديد، لا بد من متابعة.

من ملاحظات النبي في التربية الاجتماعية:

 الآن من ملاحظات النبي في التربية الاجتماعية، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قـَالَ: فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلامِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

  هذا توجيه اجتماعي، إن وجدت ابنك يطرق باباً ويقف أمامه هكذا أي مواجهة، قل له: لا يا بني ليس هذا من أدب رسول الله، ضع يدك على المنبه وأعطِ ظهرك للبيت، لو فتحت امرأة الباب فجأة لا ترى إلا ظهر رجل أو ظهر شاب، أنت مع ابنك، أكل بشماله نبهه، أحياناً يوم الجمعة يأتي الأطفال مع آبائهم، يأتي طفل بثياب قصيرة، هذا شيء مخالف:

 

(( الْفَخِذُ عَوْرَةٌ ))

 

[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ]

  أحياناً تأتي بنت بثياب غير محتشمة، لكنها صغيرة جداً، لا بد من أن تؤدبها بأدب الإسلام، وإن كانت صغيرة يجب أن تتكلم لا أن تسكت، أحياناً تطيش يد الغلام في الطبق فالنبي عليه الصلاة والسلام ينهى عن ذلك وسيأتي هذا بعد قليل، النبي عليه الصلاة والسلام رأى خاتماً في يد رجل فنزعه فطرحه:

 

(( أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 

[مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  انظر إلى هذا الأدب والورع، لما انتقده النبي نزع الخاتم وألقاه في الأرض، يوجد ملاحظة، تجد الشخص جالساً وبنت أخيه تلبس الثياب الضيقة !! كيف حالك يا عماه ؟ كيف حال أبيكِ ؟ يتحدث معها مطولاً، أما الثياب الضيقة فلا مشكلة بها أبداً، لا يوجد ملاحظة أبداً، ولا حديث ولا نصح، لا يا عماه فأنتِ ابنة أخي وهذا الشيء خلاف الشرع، هذا الأمر غير مناسب، وأنتِ الآن آثمة لأن الله عز وجل قد أمرك بالحجاب، لما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستحق غضب الله:
 لما أرسل الله ملائكة لإهلاك قرية قالوا: يا ربنا إن فيها رجلاً صالحاً قال: به فابدؤوا !! قالوا: ولمَ ؟ قال: لأن وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً.
 حينما نكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ننتهي عند الله.

 

معنى التربية بالملاحظة:

 

 أخواننا الكرام أريد أن ننتبه لمعنى التربية بالملاحظة، أي أن تكون يقظاً متنبهاً تلاحظ كل شيء على ابنك، وأن تقدم له الملاحظات، والتوجيهات، أن تلاحظ، وأن تقدم له ملاحظات، أن تنتبه، وأن تقدم لفت نظر، أن تكون يقظاً وأن توقظ ابنك، أن تتلقى معلومات عن ابنك، وأن تقدم له معلومات، هذا معنى التربية بالملاحظة، نشاط مزدوج، تراقب فتقع على شيء، تقدم له العلاج والتوجيه والنصح، هناك أكثر من ذلك !! ثم تتابع هل استجاب أم لم يستجب ؟ ثم تكافئ إذا استجاب، أو تؤدب إذ لم يستجب، محور الدرس أن تتلقى معلومات، وأن تقدم توجيهات، وتتابع الأمر فتكافئ أو تعاقب، هذا محور الدرس.

((سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكـَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ (أي في وعاء الطعام، كأن يكون هناك قطعة لحم مثلاً فيأخذها ويأكلها ) فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ ))

[البخاري عن وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ ]

  مرة كنا في دعوة، ابن غير منضبط، والأب غافل، واضعين أكلة اسمها كباب هندي، فهذا الابن لقطهم جميعاً وأكلهم، كم هو الأب محاسب ؟ وكيف أن الابن لا يتلقى أي توجيه ؟ صاحب البيت يكاد يذوب، طعام الضيوف، القضية سهلة أكلهم واحدة تلو الأخرى:

 

(( وَكـَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ))

 

[البخاري عن وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ ]

 النبي وجهه ولم يكن غافلاً.

 

سبب خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

 

 قد يكون طفل مثلاً ذاهباً إلى بيت فيه النظافة بالغة، وقد يكون أثاث هذا البيت فاتحاً، يصعد إلى الأثاث بحذائه غير النظيف، صاحب البيت يفور ويتمزق والأب غافل، يجب أن تلاحظ ويجب أن تقدم ملاحظة، يجب أن تنتبه وأن تلفت النظر، أن تَعلَم وأن تُعلِّم، وفي حديث آخر:

(( أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْماً وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْراً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ))

[أبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ]

  معنى هذا أن النبي واعٍ، يقظ، يتابع كل شيء، والله سمعت قصة مؤثرة جداً، لعلي قلتها لكم، سائق سيارة على خط الشام يريد أن يذهب إلى الشام، جاءه شاب وشابة ركبا معه وقالا له: انتظر قليلاً ستأتينا حقيبة، انتظر هذا السائق، بعد حين جاء رجل رث الهيئة يحمل حقيبة كبيرة على رأسه، فالشاب ضربه على صدره !! لأنه قد تأخر قليلاً، لماذا تأخرت ؟ فأخذ الحقيبة ووضعها ثم انطلقوا، بعد حين ربما في عاليه قالت له الشابة: (ربما زوجته ) كيف ضربت أباك ؟ فأوقف السائق السيارة وقال له: يا ولد هذا أبوك ؟ انزل هذا مالك، لربما يحدث معنا حادث، انظر إلى هذا الإنسان، انظر إلى هذا الإنسان على بساطته وقف موقفاً رائعاً.
 مرة كنت في فندق في رحلة عمل، فجاء رجل مع فتاة يريد أن يحجز فقال له: من هذه ؟ فارتبك، قال له: معي. قال له: ما معنى معك ؟ أين دفتر العائلة ؟ والله هذا شيء جميل، لو كان كل الناس بهذه الدقة، كل الناس ينضبطون، كل الناس يحاسبون، نكون بخير، لما قال الله عز وجل:

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (110) ﴾

 

(سورة آل عمران)

  سبب خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ارتكبت المعاصي في وضح النهار، وعلى قارعة الطريق ولا أحد يتكلم، ترتكب المعاصي في وضح النهار وهذا من علامات آخر الزمان، على قارعة الطريق ولا أحد يتكلم، إذاً فقد فقدت الأمة خيريتها، وأصبحت أمة كأي أمة لا وزن لها عند الله، وأوضح دليل قوله تعالى:

 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾

 

(سورة المائدة )

على الإنسان ألا يمدح شخصاً لا يعرف عنه شيئاً إطلاقاً:

 إذا قال المسلمون على شاكلة ما قال أهل الكتاب نحن أمة محمد فالجواب:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾

(سورة المائدة )

  أيضاً روى البخاري:

 

(( أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَاراً، إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحاً لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَداً قَالَ وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ وَيْلَكَ ))

 

[البخاري عَنْ عَبْد ِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ]

  أحياناً تحضر عقد قران يقوم أحد المتكلمين فيثني على هاتين الأسرتين التقيتين الورعتين العريقتين، وهو لا يعلم عنها شيئاً، هذا عقد قران عقد في دمشق، عقد الرجال في مكان ما، فتكلم المتكلمون عن هاتين الأسرتين العريقتين الدمشقيتين، عرس النساء كان في فندق، وزعت فيه الخمور، وأُتي بالراقصات، وجاء المصورون، وصوروا الناس شبه عرايا، والصور نشرت في بيروت، هاتين الأسرتين العريقتين التقيتين، لا تمدح يا أخي إن لم تعرف فلا تمدح، والله مرة كنت فني عقد قران أثنى فيه المتكلم على العريس ثناء يفوق حد الخيال، وأنا بحكم قرابتي أعرف أنه يزني، وله انحراف خطير جداً، أين تضع مكانتك الدينية وتمدح شخصاً لا تعرف عنه شيئاً إطلاقاً ؟

 

(( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَاراً إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحاً لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَاَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَداً ))

 

 

[البخاري عَنْ عَبْد ِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ]

  إن كان أحدكم مادحاً لا محالة لو مدحت إنساناً ملَكاً، تقياً وورعاً وصاحب دين، أحسبه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً، سيدنا الصديق لما استخلف سيدنا عمر جاء من يخوفه بالله عز وجل: كيف تولي علينا رجلاً شديداً قاسياً ؟ قال: أتخوفونني بالله ؟ إن سألني الله عز وجل أقل: يا رب وليت عليهم أرحمهم، هذا علمي به فإن غير وبدل فلا علم لي بالغيب.

 

 

بعض ملاحظات النبي الكريم في التربية الدعوية وأخذ الناس بالرفق:

 

 والله أنا أُسأل كثيراً بأمور الزواج، أقول له أخ يحضر في المسجد، لا يوجد عندي خبر سيئ عنه أبداً، هذا علمي به، أنا لا علم قطعي لي، من خلال علاقتي معه لهذه السنوات لا خبر سيئ له عندي، أحسبه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً، بل يريد أبلغ من ذلك، لا يوجد عندي أبلغ من ذلك، فإذا مدحت فقل هكذا. أيضاً ما روى الإمام أحمد في مسنده:

(( قَالَ: حَمَلَنِي أَبِي بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا شَيْئاً سَمَّاهُ، قَالَ: فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ الَّذِي نَحَلْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَشْهِدْ غَيْرِي، ثُمَّ قَالَ: أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إِذاً ))

[أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

  النبي لم يسكت، نحن لا نتكلم أي كلمة، مجاملات، ومجاملات، يأتي إنسان ويحرم البنات: والله نعم ما فعلت، ما هذا الكلام ؟ أنت خالفت السنة، خالفت منهج الله عز وجل، خالفت منهج المواريث.

 

(( لَا تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ ))

 

[الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  اشرب في الإناء ثلاث مرات، في جلسة كانت الأدوات قليلة فوضعوا شراب الليمون في وعاء كبير، فجاء أحدهم وشربهم كلهم وحده، فقالوا له: أين السنة ؟ ثلاث دفعات !! فقال لهم: أعطوني اثنتين أخريين فيصبحوا ثلاثاً، فالنبي لاحظ أن الشرب دفعة واحدة كالبعير تماماً، هل تلاحظون كيف أن النبي يلاحظ ؟ يلاحظ ويوجِّه، درسنا تلقٍّ وإلقاء، أخذ معلومات وإعطاء معلومات، ملاحظة دقيقة وإبداء ملاحظة، هذه تربية فعالة جداً مع أولادك، ومع من حولك من أخوانك، مع أصحابك وأصدقائك، من ملاحظاته في التربية الدعوية وأخذ الناس بالرفق:

 

(( قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ ))

 

 

[البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْهم]

  هل رأيتم الرفق، وفي رواية (فإنه ليس مالك ولا مال أبيك ) فالنبي قال: حق فإنه مال الله.

 

 

بعض حقوق المرأة في الإسلام كما وردت في السُّنة الشريفة:

 

 الحلم:

(( أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَى عائشة فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتِ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ الِنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ))

[ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ]

  سيد الخلق وحبيب الحق لما زوج فاطمة سألها فإن لم توافق لا ينعقد زواج، أرأيت إلى حقوق المرأة في الإسلام، أنتم تحضرون عقود قران، ماذا يفعل كاتب المحكمة ؟ ينتقل إلى غرفة أخرى ليسأل الفتاة، هل أنت راضية عن هذا الزوج وهذا المهر، فإن قالت: لا، لا يتم هذا الزواج، فهذه أدبت أبيها:

 

((... قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ الِنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ))

 

[ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ]

  إن لم تقل نعم لا ينعقد العقد:

 

(( أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً))

 

[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  مما ورد في الأثر أن:

 

(( امرأة أخرى جاءت النبي عليه الصلاة والسلام قالت: أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال فإن أصيبوا أثيبوا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك الأجر، فقال عليه الصلاة والسلام: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج والاعتراف بحقه يعدل ذلك.))

 

[البزار والطبراني عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

  أي يعدل أجر المجاهدين في سبيل الله، وقليل منكن من تفعله.

 

الطفل مرآة أهله:

 

 أيها الأخوة الكرام هذا بعض ما ورد في السنة النبوية الصحيحة من أسلوب في التربية، الملاحظة، يلاحظ ويقدم ملاحظة، وهذا شأن الأب وشأن الأم وشأن المربي، قد تجد طفلاً صدقوني عندما أوزع يوم الجمعة هذه الحلوى على الصغار أشاهد العجب، طفل تأبى نفسه، عفيف لا يأخذها، ألح عليه، أدعوه وقد يذهب، فأكلف من يتبعه ليعطيه هذه القطعة، هذا نموذج، طفل ثان ٍيأخذها ويبتسم ويشكرني، أيضاً مؤدب يشكرني، طفل ثالث عينه بها لا يرى أحداً يأخذها ويمشي، طفل رابع لا يهتم للشخص بل يريد فقط أن يأكلها، طفل خامس يأتي مرتين أو ثلاثاً، هذه هي التربية، الفرق كبير جداً، الفرق صارخ، طفل مربى على العفة، والله عندما أجد طفلاً يأبى أن يأخذ هدية أو يأخذ شيئاً أتأكد أن له أماً وأباً صارمين، وقويين، وربوه تربية عالية، أما من حقه أن يتأبى ولكن إن أخذ فلا شيء عليه، وطفل ثان ٍلطيف رقيق يثني ثناء طيباً، شكراً يا أستاذ سلمت يداك، الثالث عينه بالأكلة لا يرى أحداً، الرابع محتال، والله لقد مر قبل الآن، أحياناً يأتي ثلاث مرات، هل ترون الفرق بين التربيتين ؟ فهذا الطفل مرآة أهله، الحقيقة أن الطفل سفير أهله حتى لباسه، حتى انتقاء ألوان ثيابه، حتى نظافته، حتى سلوكه، حتى أدبه، فهو مرآة أهله، فأنا أقول هنيئاً لأسرة تربي أبنائها، والله أيها الأخوة ليس على وجه الأرض شيء أثمن من طفل مربى:

(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ.))

[أحمد عن عقبة بن عامر]

 ما من شيء أحب إلى الله من شاب نشأ في طاعة الله، مرة دخل أحد أخواننا إلى بقالية قرب الجامع، وقد وقف طفلان من طلاب المعهد والله إن وقفتهم وأدبهم واضح جداً، وطفلان آخران كلام وضحك وحركات غير معقولة، يمد يده على البضاعة، قال لي: الفرق واضح جداً بين طفل منضبط وطفل غير منضبط، والله أحياناً بالمعهد نجد أمّاً تسأل عن ابنها وقد توصله بنفسها، وتنتظره ساعتين أو ثلاثاً على الباب لتعيده إلى البيت بإشرافها، هذه أم مثالية، وهناك أمهات والله يلفتن النظر بحرصهن على أولادهن، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذا الدرس النفع لكل المؤمنين.
في الدرس القادم نتابع ماذا على المربي أن يفعل كي يلاحظ وكي يقدم الملاحظة ؟ وهذا الدرس عنوانه التربية بالملاحظة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور