وضع داكن
25-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 35 - وسائل تربية الأولاد -5- التربية بالموعظة - 1 الكلمة الصادقة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في سلسلة من دروس تربية الأولاد في الإسلام، بل لازلنا في السلسة الثانية التي تتعلق بالوسائل الفعالة التي يمكن أن تربي بها ابنك إن كنت أباً أو تلميذك إن كنت معلماً.

كلمة (موعظة) لا تبدو محببة إلى الناس أحياناً مع أنها جاءت في القرآن الكريم:

 تحدثنا عن التربية بالقدوة، ثم تحدثنا عن التربية بالتلقين والتعويد، وها نحن أولاء ننتقل إلى أسلوب ثالث هو التربية بالموعظة، ولكن قبل أن أتابع الحديث لا بد من وقفة عند كلمة الموعظة.
 أيها الأخوة، لا تبدو هذه الكلمة محببة إلى الناس أحياناً مع أنها جاءت في القرآن الكريم قال تعالى:

﴿ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) ﴾

( سورة النساء: الآية 63)

 وقال:

 

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ (13) ﴾

 

( سورة لقمان)

 ما الذي جعل هذه الكلمة تفقد بريقها في هذا العصر ؟ ولماذا كانت كلمةً رائعةً جداً في نصوص القرآن الكريم وفي السنة المطهرة ؟ السبب بسيط.

 

للكلمة الصادقة شأن كبير لأن الأنبياء جاؤوا بها:

 

 أيها الأخوة، الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة، الطغاة جاؤوا بطائرات وصواريخ وقنابل نووية وأقمار صناعية وحاملات طائرات ومدمرات، الطغاة جاؤوا بأسلحة فتاكة فرضوا بها إرادتهم على بقية الشعوب، الأنبياء بماذا جاؤوا ؟ بشكل مختصر جاؤوا بمخترعات ؟ لا، جاؤوا بالكلمة لكن بالكلمة الصادقة، بالكلمة التي تعبر عن واقع، بالكلمة التي تعبر عن معاناة، بالكلمة التي تعبر عن تجربة، جاؤوا بكلمة مفعمة بالصدق، جاؤوا بكلمة مفعمة بالصدق والإخلاص، جاؤوا بكلمة ليس بينها وبين واقع المتكلم أية مسافة، المسافة منعدمة بين كلمة الواعظ وبين واقع الواعظ، لذلك كان لهذه الكلمة شأن كبير، والله عز وجل يقول:

﴿ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (25) ﴾

( سورة إبراهيم)

 بالمقابل يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

 

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 حينما قالت السيدة عائشة عن أختها صفية وكانت قصيرةً إنها قصيرة، قال:

 

(( لقد قلت كلمةً لو مزجت بمياه البحر لمزجته. ))

 

[أبو داود عن عائشة رضي الله عنها]

 الأنبياء جاؤوا بالكلمة فقط، ولكن هذه الكلمة مشحونة بكم هائل من الصدق، من الإخلاص، من الواقعية، لذلك بالكلمة قلبوا وجه التاريخ، بالكلمة غيروا المفهومات في العالم، بالكلمة نشروا الفضيلة في شتى بقاع الأرض، الآن لعل الناس كفروا بالكلمة أصلاً لأنه يوجد حالات جديدة، الكلام عكس الواقع، الكلام في واد والواقع في واد، الذي يعظ لا يتعظ، والذي يلقي مواعظه لا يتأثر بها، والذي يأمر لا يأتمر، والذي ينهى لا ينتهي، نشأت حالة يمكن أن نسميها انفصال شخصية، في موقف معلن وموقف حقيقي، في شيء تفعله في خلوتك لا تفعله في جلوتك، في شيء تكنه في مكنونك لا تبوح به في كلامك، هذه الازدواجية سقطت معها الموعظة، لذلك أي متكلم في أي مكان، في الجامعة، في المسجد، في درس، في محاضرة، يقول لك: أنا لا أعظ، وكأنه يستحي بأن يعظ، أنا لا أعظكم أنا أتكلم بالواقع، أنا أتكلم بتفكير مفتوح، أنا أتكلم بتفكير مسموع.

 

فقدان الموعظة مدلولها القرآني في عصر النفاق والازدواجية والكذب والتزوير:

 لأن كلمة الموعظة فقدت مدلولها، طبعاً هذه حقيقة، في اللغة الكلمة كالكائن الحي تولد وتنمو وتترعرع وتشيخ وتموت، وقد تولد في حالة وتنتقل إلى حالة، من منكم يطرب لكلمة استعمار ؟ لا أحد، لأن كلمة استعمار معناها أن قوة غاشمة احتلت أرضاً ونهبت الثروات وقهرت الأمة وأذلتها وجعلت أعزة أهلها أذلة، هذا معنى كلمة استعمار، لكن الله عز وجل قال:

 

 

﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61) ﴾

 

( سورة هود)

 الاستعمار يعني إعمار الأرض، أرض فيها منشآت، فيها مستشفيات، فيها معاهد، فيها جامعات، فيها طرق، فيها أبنية سكنية جميلة، فيها حدائق، فيها متنزهات، هذا معنى الاستعمار لغوياً، لكن هذه الكلمة ولدت رائعة، ثم أخذت مفهومات أخرى فأصبحت منفرة كذلك كلمة عصابة، النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر رفع يديه إلى السماء داعياً ربه قال:

 

(( اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ ))

 

[مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه]

 العصابة في أصل اللغة جماعة الخير، أما هي الآن جماعة اللصوص، اختلف المعنى، ما معنى كلمة جرثومة ؟ أصل الشيء، شاعر كبير يمدح خليفة عظيماً يقول له: أنت جرثومة الدين والإسلام والحسب، لو أن الخليفة فهم معناها كما نفهمها اليوم لقطع رأسه فقبلها كمديح، الجرثومة أصل الشيء.
 الكلمة أحياناً تولد وتنمو وتترعرع ثم تهرم وتشيخ وتموت، أنا فيما أرى ـ مع التحفظ ـ كلمة الموعظة كلمة قرآنية ونبوية ورائعة وعظيمة، وهي التي جاء بها الأنبياء، ولكن لأن الناس في هذا العصر، في عصر النفاق والازدواجية والكذب والتزوير فقدت الموعظة مدلولها القرآني، لذلك ينبغي أن نعود إلى المدلول القرآني.
 أنا أقول لكم أشياء كثيرة، كلمة (إن شاء الله) فقدت مدلولها القرآني، يعني أنت حينما تريد أن لا تأتي تقول إن شاء الله، وحينما تريد أن لا تدفع ما عليك تقول تعال الخميس أدفع لك إن شاء الله، لكن معناه القرآني ليس كذلك، أنت حينما تكون جازماً في تلبية الدعوة أو في دفع ما عليك تقول إن شاء الله لأن الإنسان لا يملك الغيب، قيل من عد غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت، هذه مقدمة لا بد منها لموضوع الموعظة.

 

الصدق المطابق بين الأقوال والأفعال يعيد للموعظة ألقها و حيويتها:

 الحقيقة الله عز وجل يقول:

 

 

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ (13) ﴾

 

( سورة لقمان)

 أنا أستمع إلى أخوة كرام يعتزون بآبائهم يقول لي: أبي وعظني مرةً يا بني إياك أن تفعل هذا، الموعظة كلمة لكنها مشحونة بطاقة من الإخلاص والحب، لذلك الموعظة يجب أن نعيد لها ألقها، أن نعيد لها حيويتها، عن طريق الصدق المطابق بين الأقوال والأفعال، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ (46) ﴾

 

( سورة سبأ)

 قال:

﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ (34) ﴾

( سورة هود

 إذاً الموعظة يقابلها كلمة النصح، والدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله ؟

 

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))

 

[متفق عليه عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ]

جمع الدين في كلمة واحدة النصيحة:

 كلمة مضغوطة، جمع الدين في كلمة واحدة النصيحة، تنصح إذا بعت، تنصح إذا اشتريت، تنصح إذا تكلمت، تنصح إذا تحركت، في كل حركاتك وسكناتك أنت ناصح أمين، إني لكم ناصح أمين هذه صفة الأنبياء، لذلك من الأسماء المتداولة نصوح صيغة مبالغة لاسم الفاعل نصح، ناصح نصوح.

﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) ﴾

( سورة الأعراف)

 القدوة أن تفعل شيئاً مطابقاً لقولك هذا أول درس، التلقين أن تلقن الصغير وأن تعوده على طاعة الله، أما الموعظة إلقاء كلام يسمى نصيحة، يسمى توجيهاً، يسمى إرشاداً، يسمى موعظة، تقدم حقائق أو خبرات أو حِكماً إلى من حولك، الله عز وجل يقول:

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾

 

( سورة ق)

 لذلك يوم القيامة أهل النار وهم في النار يقولون:

 

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾

 

( سورة الملك)

كلمة صادقة يمكن أن تغير مجرى حياة إنسان:

 مرة أخ من أخواننا قبل أن يهتدي إلى الله جاء به قريبه إلى درس علم، إلى هذا الدرس في جامع الحاجبية، قصة قديمة جداً، أقسم لي بالله بعد أن اهتدى إلى الله أنه حضر الدرس ولم يسمع منه كلمة واحدة، الدرس في واد وهو في واد آخر.

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾

( سورة ق)

 إلقاء السمع طريق الهداية أحياناً، لا تزهد بالموعظة لعلها تفت الصخر، لعلها تقلب إنساناً رأساً على عقب، يروى أن بشر الحافي أحد العارفين بالله كان تائهاً وشارداً، وكان قاطع طريق، وكان سارقاً، سبب هدايته رجل طرق بابه، فتح غلامه، قال له: قل لسيدك إن كان سيداً فليفعل ما يشاء، وإن كان عبداً فما هكذا تفعل العبيد، قال له: يا سيدي بالباب رجل يقول لك كذا، خرج فلم يجده فتبعه حافياً وكانت هدايته على يده.
 أحياناً كلمة تغير مجرى حياة إنسان لكن كلمة صادقة، والله عندي عشرات القصص حول إنسان سبب هدايته نصيحة صادقة، أمام الناس فضيحة، لكن بينك وبينه نصيحة، إذا تكلمت بكلام صادق مخلص واضح مدلل بالأدلة من قلب حاضر بإخلاص شديد ربما فعلت هذه النصيحة فعلها الكبير لذلك قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ﴾

 

( سورة ق)

 وقال:

 

﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) ﴾

 

( سورة الذاريات)

فقدان الأمة خيريتها لتركها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

 لذلك هذه الأمة لماذا فقدت خيريتها ؟ هي بقناعتي أمة كأية أمة، وليس لها أي ميزة، لأن هؤلاء الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه بماذا أجابهم الله ؟ قال:

﴿ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾

( سورة المائدة)

 نحن إذا عذبنا بذنوبنا إذاً نحن أمة كأية أمة شاردة عن الله عز وجل لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) ﴾

 

( سورة الذاريات)

 لذلك هذه الأمة خيريتها من قوله تعالى:

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 العلماء قالوا: علة خيريتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فإذا آمن الإنسان بالدنيا ولم يؤمن بالآخرة، وإذا آمن الإنسان بزيد أو عبيد ولم يؤمن بالله رب العالمين، وثم لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر، علة الخيرية انتهت، علة الخيرية أخذت، إذاً فقدنا خيريتنا، شيء جميل أن نعتز بهذه الآية، هناك آيتان كبيرتان:

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 وأيضاً:

 

﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْل الله جميعاً (103) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 معنى ذلك فقدنا خيريتنا لأننا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

أمة محمد عليه الصلاة والسلام تقسم إلى قسمين ؛ أمة التبليغ وأمة الاستجابة:

 

 قسم العلماء أمة محمد عليه أتم الصلاة والتسليم إلى أمتين أمة التبليغ وأمة الاستجابة، الأمة التي استجابت هي خير أمة أخرجت للناس والأمة التي لم تستجب تبلغ، فإما أن تستجيب وإما أن لا تستجيب، قال تعالى:

﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) ﴾

( سورة الذاريات)

 وقال:

 

﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) ﴾

 

( سورة عبس)

 وقال أيضاً:

 

﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) ﴾

 

( سورة ق)

 وقال:

 

﴿ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) ﴾

 

( سورة هود)

 قال تعالى:

 

﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (232) ﴾

 

( سورة البقرة)

عليك أن تعظ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس:

 كيف تتعظ ؟ ما سبب اتعاظك ؟ إذا كنت مؤمناً بالله واليوم الآخر، لذلك الذي لا يتعظ، ولا يتأثر، ولا يتحرك، ولا يعبأ، ولا يبالي، لأنه لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، آمَنَ بالدنيا، وآمن بالأشخاص، وآمن بالشركاء، وهذه الصفة الجامعة المانعة لأهل الفساد، لم يؤمن بالله لكنه آمن بأشخاص أقوياء، لم يؤمن بالآخرة ولكنه آمن بالدنيا فقط.
 لا تستغرب أن أباً يجلس مع أولاده ويقدم لهم حقائق، كنت سأقول مواعظ بدلتها بحقائق لأنني أشعر أن هذه الكلمة الآن ضعيف تأثيرها، أما حينما تجلس إلى إنسان وتحدثه بحقيقة، وقد يتوقف على فهم الحقيقة سعادته، ونجاحه، وسلامته، إذاً ينبغي أن تعظ لا تسكت، لذلك قالوا: الساكت عن الحق شيطان أخرس.
 يروى أن أحد حكام مصر خديوي كان دخل في حرب مع دولة، أظنها السودان، قصة قديمة قبل خمسين أو ستين عاماً، والحرب اشتدت، بلغه أنه إذا قُرئ كتاب ( صحيح البخاري) ينتصر، فاستدعى شيخ الأزهر وقال له: ماذا نفعل ؟ قال: لا بد من قراءة كتاب ( صحيح البخاري)، فاختار شيخ الأزهر عشرة علماء كبار ليقرؤوا (صحيح البخاري) فلعل الله سبحانه وتعالى ينصر المسلمين، قُرئ (صحيح البخاري)، والمعارك تزداد سوءاً، والخطر يزداد اقتراباً، فجاء الخديوي إلى الأزهر غاضباً فقال: إما أن هذا الكتاب الذي بين أيديكم ليس (صحيح البخاري) وإما أنكم لستم علماء، فقال له أحد الأشخاص: أنت السبب، ما سبق أن إنساناً تجرأ وقال للخديوي أنت السبب، فاضطرب الخديوي وخرج من الأزهر إلى قصره، هؤلاء العلماء الذين سمعوا ما قاله هذا الشخص أقاموا عليه النكير، بمعنى أنك أهلكتنا بهذه الكلمة، ماذا عليك لو بقيت ساكتاً، بعد ساعتين استدعي هذا الذي تكلم، وودعوه على أنه ميت مقتول، فلما استدعاه الخديوي قال له: أعد علي ما قلت، قال له: أنت السبب، قال: ولمَ ؟ قال: لأن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري يقول: إن لم تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر يدعُ صلحاؤكم فلا يستجاب لكم.

 كره بالحديث، قال له: ماذا أفعل ؟ قال: أغلق أماكن اللهو، أغلق حوانيت بيع الخمر، أغلق الملاهي، قال له: هكذا تريد أوروبا، قال له: ما ذنب علماء الأزهر وما ذنب صحيح البخاري إذاً ؟ المنكرات قائمة، لذلك يروى أنه استجاب له.

 

أساليب الموعظة:

1ـ أول أسلوب في الموعظة أسلوب فيه مودة واسمه النداء الإقناعي أو التحذيري:

 أنت لا تعرف أحياناً كلمة بأدب، صالحة، صادقة، قد تفعل المستحيل، أول شيء بالموعظة يوجد أسلوب فيه مودة اسمه النداء الإقناعي أو التحذيري:

 

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ (13) ﴾

 

( سورة لقمان)

 لا تقلل من كلمة يا بُنَيَّ، يا أخي، يا حبيبي، يا بَنِيَّ، يا ابنتي، يا زوجتي، إذا بدأت بالنداء النداء يقرب القلب، لذلك الله استخدم النداء في آيات كثيرة جداً، قال تعالى:

 

﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ (53) ﴾

 

( سورة الزمر)

 وقال:

 

﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) ﴾

 

( سورة العنكبوت)

 وقال أيضاً:

 

﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) ﴾

 

( سورة هود)

 وقال تعالى:

 

﴿ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً (5) ﴾

 

( سورة يوسف)

 وقال:

 

﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) ﴾

 

( سورة البقرة)

أسلوب النداء يسهل دخول الموعظة إلى النفس:

 أرأيت إلى أسلوب الموعظة أن يبدأ بالنداء إما تحذيراً أو إقناعاً، يا بني إن الله اصطفى لكم الدين إقناع، يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك، يا بني اركب معنا، يا بني لا تشرك بالله. لذلك الواعظ، الأب، المعلم، الموجه، إن استخدم كلمات النداء المحببة يدخل إلى قلوب المستمعين، الآن أكثر الدعاة أيها الأخوة الأحباب، أيها الأخوة الأكارم، أيها الأخوة المؤمنون، هذا الكلام يسهل دخول الموعظة إلى النفس، سوف نسميه النداء الإقناعي أو التحذيري.

 

﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 وقال:

 

﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) ﴾

 

( سورة الأحزاب )

في القرآن نداء للأقوام إما فردي أو جماعي:

 أنت لاحظ الأب الشكور يكثر من النداءات نداء إقناعي أو نداء تحذيري، بالقرآن في نداء للأقوام، قال تعالى:

﴿ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ (54)

( سورة البقرة)

 وقال:

 

﴿ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (20) ﴾

 

( سورة المائدة)

 وقال:

 

﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) ﴾

 

( سورة غافر)

 يوجد نداء فردي ونداء جماعي.

 

﴿ يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (30) ﴾

 

( سورة الأحقاف)

 الجن حينما خاطب صلحاؤهم عامتهم.

 

الله تعالى وجَّه نداءً إلى المؤمنين في القرآن وكذلك إلى أهل الكتاب:

 الآن الله سبحانه وتعالى خاطب المؤمنين بثلاثمئة آية:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (153)﴾

 

( سورة البقرة)

 وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ (102) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ (24) ﴾

 

( سورة الأنفال)

 القرآن فيه نداء إلى أهل الكتاب:

 

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (64) ﴾

 

( سورة آل عمران)

 وقال:

 

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ (15) ﴾

 

( سورة المائدة )

 وقال:

 

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (68) ﴾

 

( سورة المائدة ) 

توجيه الله سبحانه النداء في القرآن إلى الناس جميعاً:

 خاطب الناس أجمعين:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) ﴾

( سورة البقرة)

  وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)﴾

 

( سورة النساء)

  وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) ﴾

 

( سورة الحج)

 هذا أسلوب النداء الإقناعي أو النداء التحذيري، هذا النداء الإقناعي أو التحذيري يجعل مودة بين المتكلم والمستمع، والأب ينبغي أن يكثر من النداء الأبوي يا بني، يا ابنتي، ويخاطب أيضاً زوجته.

 

الله تعالى لم يخاطب الكفار إطلاقاً في القرآن إلا في آية واحدة يوم القيامة:

 

 لكن لو لاحظتم لم يخاطب الكفار ولا بآية في القرآن الكريم، خاطب المؤمنين بثلاثمئة آية، خاطب أهل الكتاب، خاطب الناس عامةً، خاطب الأقوام، خاطب الأفراد، خاطب الأنبياء، لكن القرآن الكريم لم يخاطب الكفار إطلاقاً إلا في آية واحدة يوم القيامة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ (7) ﴾

( سورة التحريم

 لأنهم ليسوا أهلاً أن يخاطبهم الله عز وجل، قياساً على هذه الحقيقة يوجد شخص مجرم لمجرد أن تخاطبه فأنت تحترمه، هو أقل من أن تخاطبه، هو أحقر من أن تخاطبه، والدليل على ذلك قول الله عز وجل:

 

﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ (65) ﴾

 

( سورة يس)

 الكذاب الدجال لا يخاطَب، يعاقب فقط.

 

2ـ الأسلوب الثاني في الموعظة هو الأسلوب القصصي:

 بالموعظة عندنا أسلوب آخر هو الأسلوب القصصي، والله أيها الأخوة، أنا ما وجدت أسلوباً أفعل في النفس كأسلوب القصة، أنا أذكر أن إنساناً اتصل بي من مدينة اسمها لوس أنجلوس في أمريكا لا أعرفه قال لي: أنا اسمي فلان، قال: أنا لي عمل لا يرضي الله عز وجل من أشد الأعمال سوءاً، قلت: ما هو ؟ كان يعمل في تصنيع الأفلام الإباحية، قال لي: لكن تبت بسبب شريط لك استمعت إليه خمسين مرة، لما ذهبت إلى هناك بعد عام التقيت به في واشنطن، قلت له: ما هي النقطة في الشريط التي فعلت فيك فعل التوبة ؟ قال لي: قصة رويتها لنا.

 

القصة أفعل أسلوب في التأثير و أفعل أسلوب في الإفساد:

 القصة لها تأثير أيها الأخوة لأن القصة تتغلغل في خطوط دفاع الإنسان، كل إنسان يوجد عنده قناعات، وعنده أفكار، وعنده تصورات، وهذه الأفكار والقناعات والتصورات عبارة عن سدود لا يسمح لإنسان أن يخترقها، إلا القصة تستطيع أن تخترق هذه السدود وهذه الحدود اختراق تسلل، لذلك كما أنها أفعل أسلوب في التأثير فهي أيضاً أفعل أسلوب في الإفساد، أنت ممكن أن توصل إلى إنسان معين فكرة لا يمكن أن يقبلها مباشرةً أبداً، مستحيل أن يقبلها، أما من خلال قصة يقبلها.
 الإنسان إذا قرأ القصة وتأثر بها، تسلسلت وراء خطوط دفاعه، لذلك يمكن أن تصلح إنساناً بقصة ويمكن أن تفسده بقصة، الله عز وجل خالق الأكوان المربي الحكيم قال:

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ (3) ﴾

( سورة يس)

 معنى أحسن القصص بالمقابل في أسوأ القصص، كما أن هناك قصصاً جيدة هناك قصص سيئة، قال تعالى:

 

﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا (101) ﴾

 

( سورة الأعراف)

  وقال:

 

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ (120) ﴾

 

( سورة هود)

الله تعالى قصّ على سيد الخلق قصة نبي دونه ليزداد قلبه ثبوتاً:

 سيد الخلق إذا قص الله عليه قصة نبي دونه يزداد قلبه ثبوتاً.

﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ﴾

( سورة الأعراف)

  وقال:

 

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) ﴾

 

( سورة طه)

  وقال:

 

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) ﴾

 

( سورة الذاريات)

  وقال:

 

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) ﴾

 

( سورة البروج)

  إذاً القصة أيها الأخوة ـ أنا مضطر أن أقول هذه الكلمة ـ هناك آلاف القصص تعرفها لكنك تعرف القصة الأخيرة منها، وهذا خطأ كبير أن ترويها لأنها غير متناسبة، لا تروِ قصة إلا إذا عرفتها من بدايتها حتى نهايتها، تجد عظمة الله، عدل الله، رحمة الله، حكمة الله عز وجل.

قصص تروي عدل الله عز وجل:

  مرة استوقفني إنسان قال لي: يوجد رجل نزل إلى محله التجاري، تراشق اثنان بالرصاص، جاءته رصاصة طائشة، فدخلت في عموده الفقري فشلته فوراً، قال لي: ما ذنبه ؟ هذه قصة من آخر فصل، قال لي: جاء ليرتزق، جاء ليفتح محله التجاري، عنده أولاد، لكني لا أعلم الجواب أنا مؤمن بعدل الله، مؤمن بحكمة الله، مؤمن برحمة الله، أما هذه القصة لا أملك تفسيرها، أخ كريم يسكن تحت هذا الرجل الذي أصابته رصاصة وشلته، بعد عشرين يوماً من حديث إلى حديث قال لي: والله لنا جار مغتصب بيت أولاد أخيه، وما تركوا طريقاً ليستميلوه كي يرجع لهم البيت ولم يقبل، حتى وسطوا أحد علماء دمشق، توفي رحمه الله، استدعاه وقال له: يا بني هذا البيت لأولاد أخيك وهم أيتام، وهم في أمس الحاجة إليه، رفض أن يعطيه إياهم بتعنت، يقول لهم الشيخ: يا بني هذا عمكم لا تشتكوا عليه في القضاء، اشكوه إلى الله، هو نفسه في اليوم التالي نزل إلى محله التجاري في الساعة التاسعة تقريباً، استمع إلى إطلاق رصاص، مد رأسه ليرى فجاءت رصاصة طائشة شلته فوراً.
 ألم يقل لهم اشكوه إلى الله عز وجل، هذه القصة عرفنا بدايتها ونهايتها، هذه عندما تُروَى تظهر عدل الله عز وجل.
 سمعت قصة من أخ رجوته أن يرويها لي لكن لم تأتِني بعد، لكن يمكن أن أدلي لكم بمختصرها:
 رجل على شيء من المال تبرع بمليون ليرة واشترى أرضاً ليقام عليها مسجد ودفع مليون ثاني، له زوجة، وله بنتان وثلاثة أولاد، اتفقوا جميعاً على أن يقيموا عليه دعوى في القضاء على أنه سفيه، ورتبوا شهادات كلها كاذبة، زوجته ادعت أنه فقير وأنه لا يعطيها، والابن ادعى والبنت، فالقاضي صدق هؤلاء، كلها شهادات متوافقة، فأصدر قراراً باسترداد المبلغين، القصة وقعت قريباً لا تصدق، كل ما عدا الأب خلال أربعة أشهر كانوا تحت التراب بين حادث سيارة وبين مرض خبيث وعاد المال له.

 

قصص تبين أن بطش الله شديد:

 

 أحياناً الله يبطش، قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾

( سورة البروج)

  رجوته أن يأتيني بها بالتفصيل، فإذا جاءتني أرويها لكم بشكل مفصل، شيء لا يصدق، شباب في مقتبل العمر له ابن طبيب والثاني مهندس والأم والبنات تآمروا جميعاً على اتهامه بالسفه، والقاضي رأى الروايات كلها متقاربة فحكم باسترداد المبلغين، والله سبحانه وتعالى دمرهم جميعاً.

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾

 

( سورة البروج)

  على كل أنا أتمنى على كل أخ له دعوة إلى الله في قصص أحياناً تفعل فعل السحر، اكتبها واروها بشكل دقيق.
 والله جاءني اتصال هاتفي من ألمانيا قبل أيام إنسان قاتل استطاع بشكل عجيب أن ينجو من عقوبة القتل بألمانيا، لا يوجد دليل، لكن كل من حوله يعلمون أنه قتل زوجته، انتقل إلى بيت جديد، في البيت يوجد شجرة يبدو أنها تعيق حركة أهل البيت، في البيت صحن مثل فتحة سماوية، جاء بمنشار كهربائي، داخل في الشجرة رصاصة من الحرب العالمية الثانية، المنشار الكهربائي دفع الرصاصة بعنف إلى صدره ودخلت في قلبه فقتلته فوراً، الرصاصة استقرت في هذه الشجرة منذ عام ألف وتسعمئة وأربعين، كل من حوله يعلم أنه هو الذي قتل زوجته لكن لا يوجد دليل قوي، ظنوا أنه موت طبيعي وهو ظن أنه نجا، انتقل إلى بيت والبيت فيه شجرة فيها رصاصة مستقرة منذ الحرب العالمية الثانية:

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾

 

( سورة البروج)

 الإنسان ينبغي أن يتعظ، والله أيها الأخوة لو لم يكن هناك كتاب ولا سنة لكانت أفعال الله، لو تتبعتها في هدوء وبتقصٍ وتأمل لوجدتها كتاباً وسنة.

 

3ـ الأسلوب الثالث الوصايا:

  الأسلوب الثالث الوصايا أن تقدم وصية، يعني أنا أَلِفت أن أقرأ لكبار العلماء وصية لبناته أو وصية لأولاده، فيمكن النداء الإقناعي والتحذيري، والقصة، والوصايا والتوجيهات التي يمكن أن تكون حقائق ثابتة من بعدك.

 

اعتماد التنوع بين مخاطبة القلب والعقل أو الجمع بينهما في نص واحد:

 أيها الأخوة، كلما ارتقى الإنسان ينبغي أن تأتي مع مواعظه أدلة مقنعة قطعية عقلية واقعية نقلية فطرية، يوجد أدلة فطرية، يوجد أدلة واقعية، يوجد أدلة نقلية، يوجد أدلة عقلية، كلما أكثرت من الأدلة النقلية والعقلية والواقعية والفطرية كلما كانت موعظتك أقوى، وكلما ابتعدت عن الخرافة والتهويل والتضخيم والمبالغة تكون الموعظة أقوى، وكلما وافقت بين مخاطبة العقل ومخاطبة القلب كانت الموعظة أولى، ينبغي أن تخاطب العقل تارةً والقلب تارةً أخرى لكن الله سبحانه وتعالى في آية واحدة خاطب القلب والعقل معاً بقوله:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) ﴾

 

( سورة الانفطار)

  ما غرك بربك الكريم خاطب قلبه، الذي خلق فسواك فعدلك خاطب عقله، الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، ولا يعقل أن تكتفي بمخاطبة عقله، كما أنه لا يعقل أن تكتفي بمخاطبة قلبه، لا بد من أن تجمع بين مخاطبة العقل ومخاطبة القلب، إذاً من أساليب الموعظة أن تستخدم النداء الإقناعي أو النداء التحذيري، وأن تستخدم القصة بكل فصولها، وأن تكون واقعية، ثم أن تستخدم أسلوب الوصية، ومع كل هذه الأساليب ينبغي أن تعتمد الدليل والتعليل، وكلما كان الدليل أقوى ومتنوعاً من نقلي إلى عقلي إلى فطري إلى واقعي كان التأثير أقوى، وأن تعتمد التنوع بين مخاطبة القلب والعقل أو الجمع بينهما في نص واحد كما فعل القرآن الكريم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور