وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة يس - تفسير الآيات 45-65 ، السعيد من اتعظ بآيات الله عز وجل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. 


على الإنسان أن يتقي عذاب الدنيا بطاعة الله عز وجل:


 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس من سورة يس.

وصلنا في الدرس الماضي من حيث التفصيلات إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)﴾ الحقيقة ربنا جلّ جلاله ذكر لنا بعض الشُّبه التي يتعلق بها المعرضون، فحينما يُدْعَوْن إلى طاعة الله. كلمة ﴿اتقوا﴾ التقوى من الوقاية، والوقاية لا تكون إلا من الخطر، فالإنسان كيف يتقي عذاب الدنيا؟ الدنيا فيها مزلات، وفيها متاعب، وفيها آلام لا يعلمها إلا الله، قد يسأل سائل: لماذا جعل الله عز وجل طبيعة الحياة الدنيا قائمة على الهموم والأحزان والمشكلات والأمراض وضيق ذات اليد؟ إن هذه المضايقات كلها من أجل أن يعود الإنسان إلى الله عز وجل، فحينما يُقال لهذا الكافر: ﴿وإذا قيل لهم اتقوا﴾ أي اتق عذاب الدنيا بطاعة الله:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

اتقِ عذاب النفس بالتوحيد، اتقِ الكفر بالإيمان، اتقِ العقاب بالطاعة، الإنسان إذا دُعِي إلى طاعة الله من أجل أن يقيه الله عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

 

من كان معذباً في الدنيا ولم يكن يعرف الله دخل في عذاب آخر في الآخرة:


﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ ، هناك تفسيرات كثيرة لما بين أيديكم وما خلفكم، لكن أدق هذه التفسيرات وأقربها إلى المنطق: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ في الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَكُم﴾ في الآخرة، الإنسان إذا كان معذباً في الدنيا، ولم يكن يعرف الله عز وجل، فإذا جاء الموت هل انتهى عذابه؟ لا والله، دخل في عذاب آخر. 

 

على الإنسان أن يتقي عذابات الدنيا المادية والمعنوية:


هناك عذابان: عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، وهناك جنتان: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، فهذه دعوة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ أي اتق أنْ تكون ذليلاً، اتق أن تكون متألماً، اتق أن تكون قلقاً، اتق أن تكون هائماً على وجهك، معذباً، مشتتاً، اتق كل عذابات الدنيا المادية والمعنوية: ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ ما ينتظر الإنسان بعد الموت من آلام، من شقاء، من ندم شديد، من حريق في جهنم، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لأن رحمة الله خير مما يجمعون. 

 

اتق المحارم تكن أعبد الناس:


الإنسان أحياناً يكون في كسب الرزق يبحث عن رزقه، أحياناً يتجاوز كسب الرزق إلى الجمع، يدخل في عالم الجمع، فالله قال: 

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

[ سورة الزخرف ]

لأن كل الذي تجمعه في الدنيا لن تأخذه معك إلى الآخرة، سوف تدعه في الدنيا شئت أم أبيت، فربنا عز وجل قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي أنا أرحمكم في الدنيا بحياة هانئة، مستقرة، هادئة، مطمئنة، فيها رضا، وفيها سرور، وأرحمكم في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض، وثمن هاتين الرحمتين مجتمعتين أن تتقوا مابين أيديكم وما خلفكم، أن تطيعوني، لذا اتق المحارم تكن أعبد الناس:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

أدق مقياس لنجاح الإنسان هو طاعته لله عز وجل، قال هؤلاء - أهل الدنيا- حينما أعرضوا عن الله عز وجل، وامتلأت نفسهم بالشهوات الخبيثة، أصبحت الشهوات حجاباً بينهم وبين الله، لأن حبك الشيء يعمي ويصم، وحبّ الدنيا رأس كل خطيئة، إذاً هم هنا كما قال الله عز وجل:

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)﴾

[ سورة البقرة ]

 

كل إنسان محاط بآيات الله وهو في غفلة عنها لأن الشهوة حجاب بينه وبين الله:


﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)﴾ والله أيها الأخوة إن الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل، إن الآيات الكونية، أو الآيات التي تتحدث عن أفعال الله عز وجل، أو آياته النفسية لا تعدّ ولا تحصى:

وفي كل شيء له آية            تدل على أنه واحد

[ لبيد بن ربيعة ]

* * *

 حياتك كيف بدأت؟ وكيف تنمو؟ وما الأحداث الكبرى التي جاءت؟ ولماذا جاءت؟ وما الحكمة من مجيئها؟ هذه آيات دالة على وجود الله، وعلى وحدانيته، وعلى كماله، أحياناً بعض الشدائد التي يسوقها الله عز وجل للإنسان يلقي في روعه أن هذه الشدة من أجل كذا، هذه آية، ما حولك من آيات دالة على وجوده، وعلى كماله، وعلى وحدانيته، هذه أيضاً آيات، فالآيات هي العلامات الدالة على وجوده، والدالة على كماله، والدالة على وحدانيته، وما أكثر الآيات؛ في نفسك آيات، في الآفاق آيات، في الكون آيات، في طعامك آيات، في شرابك آيات، في أفعال الله آيات، فيما يعامل الله به عباده آيات، أنت محاط بالآيات، بل أنت غارق بها، لكن هذا البث المستمر يحتاج إلى جهاز استقبال، إذا لم يستقبل الإنسان هذه الآيات أنّى له أن يؤمن بها؟ قد يكون في وسط الآيات، وقد يكون غارقاً بالآيات، وقد تكون الآيات من حوله بشكل عجيب، ومع ذلك هو في عمى وفي غفلة، لأن الشهوة حجاب بينه وبين الله، وهذا مصداق قوله عز وجل في أول السورة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)﴾ هنا جعلنا بمعنى تحصيل حاصل.

حينما أعرض الإنسان عن الله عز وجل أصبحت الشهوات كالأغلال قيدته، وعطلت حركته، وأعمت بصيرته، إذاً هو في عمى عن سعادة الدنيا، وفي عمى عن سعادة الآخرة.

 

آيات الله يسوقها للإنسان لحكمة أرادها هو:


 إذاً: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)﴾ الإنسان إما أن يُرْحم في الدنيا والآخرة، وإما أن يُعَذب في الدنيا وفي الآخرة.

﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)﴾ ..أنا هذا الموضوع لا أحبّ التفصيل فيه لكن كلكم يعلم أن ما يجري حولنا من أحداث إن هي إلا آيات صارخات:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل  ]

ما يجري من زلازل، من أمطار غزيرة أحياناً، من مجاعات، كل هذه الآيات إنما هي يسوقها الله عز وجل لحكمة بالغة، وفوق هذا وذاك يُلْقي ربنا في روع المؤمن أن هذه الظاهرة من أجل كذا لقوله تعالى:

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾

[ سورة التغابن ]

إلى سرّ المصيبة. 

 

امتحان الله عز وجل الغني بالغنى والفقير بالفقر:


الآن الشبهة الثانية: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(47)﴾ الله عز وجل أغنى الغني وأمره أن يعطي الفقير، وأفقر الفقير لحكمة أرادها، وأمره أن يتجمل، وأن يتعفف، فحكمة الله عز وجل لا يلغيها التكليف، أو التكليف لا يلغي حكمة الله عز وجل، لا حكمة الله يلغيها التكليف، ولا التكليف يلغي حكمة الله، إذاً حينما يُؤمر الغني أن يعطي الفقير فلحكمة بالغة أرادها الله عز وجل، الغني امتحن بالغنى والفقير امتحن بالفقر، والأغنياء أوصيائي والفقراء عيالي ومن منع مالي عيالي أذقته عذابي ولا أبالي: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)﴾ .

 

استهزاء الكفار بالموت وهو أسرع مما يتيح للإنسان أن يوصي:


الآن هناك استهزاء بليغ، أي: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ متى: حرف استفهام أو اسم استفهام، لكن الاستفهام هنا خرج عن قصده الأصلي إلى استفهام إنكاري يشبه الاستهزاء، أي متى؟ متى يوم القيامة ؟ متى الوقوف بين يدي الله عز وجل ؟ متى الجنة ؟ متى النار ؟ هذا ليس استفهاماً عادياً، استفهام إنكار واستفهام استهزاء: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)﴾ أي الله عز وجل قادر أن يجعل الموت أعجل من أن تُوَّصي، أسهل شيء يفعله الإنسان أن يقول كلمة: البيت لفلان، التوصية سهلة جداً، ومهمة جداً، وضرورية جداً، ومع ذلك قد يأتي الموت بأسرع مما يتيح الموت للإنسان أن يوصي قال: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ صرخة واحدة تزهق أرواحهم. 

 

العاقل من يعدّ عدته قبل أن يدركه الموت:


﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ(50)﴾ دقق في الرجوع إلى البيت، الإنسان يخرج من البيت ويرجع، يسافر ويرجع، يسافر للدراسة أربع سنوات ويرجع، يسافر يقيم ببلد عشر سنوات ويرجع، يغترب ويرجع، موضوع الرجوع للبيت أمل كل إنسان، لكن الميت إذا خرج من بيته لا يرجع، لا يعود إلى بيته، بيته، أثاث بيته، مقتنيات بيته، ما أودعه في هذا البيت من قطع نفيسة جداً، مقتنياته الخاصة، مملكته، مكتبه، مزرعته، قصره: ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ معنى ذلك أن الإنسان عليه أن يعدّ العدة لهذه الساعة التي يغادر دون أن يرجع، يغادر بلا عودة، خروج بلا عودة. 

 

لا ينفع الإنسان يوم القيامة إلا القلب السليم:


كنت أقول للأخوة الأكارم: الإنسان يدخل إلى المسجد ليصلي أو ليحضر مجلس علم، لكن لابدّ له من أن يدخل مرة ليُصلى عليه، والبطولة أن تُعِد لهذه الصلاة، الإنسان يخرج من بيته قائماً، ولابد من أن يخرج مستلقياً مرة واحدة عند الموت، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:

الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر     والعمر مهما طال لابد من نزول القبر

[ صالح بن محمد بن عبد الله ]

* * *

أيها الأخوة الأكارم؛ هذه الآية الإنسان عندما يفكر بهذه الواقعة التي لابد من أن تقع، ابتعدت أو اقتربت، طالت أو قصرت، يكون بأعلى درجات الذكاء، وأعلى درجات العقل، لأن هذه الساعة لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 

(( أكثروا ذكر هاذم اللذات؛ فما ذكره عبد قط وهو في ضيق، إلا وسعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة، إلا ضيقه عليه. ))

[ أخرجه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني ]

مفرق الأحباب، مشتت الجماعات. 

(( عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزى به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس  . ))

[ الطبراني رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه  ]

و من عدّ غده من أجله فقد أساء صحبة الموت. 

 

من أُخذ إلى الله عز وجل انتهى اختياره وختم عمله:


﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ سبحان الله! قد يموت الإنسان بعد مرض طويل، وقد يبقى عشر سنوات في الفراش، ويحار فيه الأطباء، ويتمنى أقرب الناس له أن يموت، وأن يخفف الله عنه، وهذا القلب ينبض، وقد يقف القلب لأتفه سبب، قد يموت الإنسان وكأنه خُطِف، وقد يموت بعد معاناة طويلة، فيا ترى من أدراني أن نهاية أجلي ستكون بعد معاناة طويلة أو انتقال مفاجئ؟ موت الفجأة أو الفجاءة فالإنسان مادام ممكن أن يموت بعد معاناة طويلة، ممكن أن يموت فجأة، إذاً موت الفجأة الإنسان إذا ما كان مستعداً، ما كان تائباً، ما كان ضابطاً أموره، مؤدّياً الحقوق، مؤدّياً الواجبات، موت الفجأة مصيبة كبيرة، لأنه مغادرة بلا استعداد، فربنا عز وجل يشير إلى ذلك: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ﴾ تأخذهم إلى الله، وإذا أُخِذ الإنسان إلى الله عز وجل انتهى اختياره، وخُتِم عمله، وتعطل كل شيء. 

 

جدال الكفار في شأن البعث و الرسالة:


﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ بعض العلماء قال "يخصمون في شأن البعث والرسالة"، يا ترى يوجد موت أم لا يوجد موت؟ بوجد آخرة أم لا يوجد آخرة؟ يوجد جنة أم لا يوجد جنة؟ ما هو دليلك؟ ماذا قال لك؟ هذا القرآن ليس لهذا الزمان!! إنسان يتناقش مع إنسان بأحقية الموت فجاء ملك الموت وخطفه فمجيء ملك الموت ونقله إلى الآخرة أبلغ جواب على مناقشته.

مرة خبير أجنبي يتناقش مع بعض المرافقين، الخبير الأجنبي لا يؤمن بوجود الله إطلاقاً، يتناقش مع بعض المرافقين، فجاء ذكر لفظ الجلالة وأن الأمر بيد الله، فامتعض امتعاضاً شديداً جداً وقال: إن هذا كله خرافة، وبقدرة قادر دخل طرف ثوبه في عجلة مع شريط فارتطم بالسقف ونزل ميتاً، أي الموت أسرع من ذلك وهو يناقش بوجود الله عز وجل فوقع له حادث جعله من أهل الآخرة مباشرة، قصص كثيرة جداً أثناء المناقشة جاءت الصيحة فأخذتهم ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ .

 

وهم يخصمون: آية لها عدة معان:


﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ المعنى الأول: يختصمون في شأن البعث، وشأن الآخرة، وشأن الموت، وشأن ما بعد الموت. 

وهناك معنى آخر: هم في تجارتهم، وفي خصوماتهم، وفي قضاياهم، وفي منازعاتهم، وفي قيلهم وقالهم، وفي تحزباتهم، في هذه المعمعة يأتي ملك الموت فيخطف هذا الإنسان، وقد يخطفه وهو في قضية مرفوعة إلى القضاء، يظهر قرار صغير: تُشطب الدعوى لموت المدّعي، اثنتا عشرة سنة دعوى كلفت مئات مِئات الألوف، ومحامين، وقضايا، ومذكرات، وانتقلت من محكمة لمحكمة لقاضي، آخر شيء تشطب الدعوى لوفاة المدعي: ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ(49)﴾ فالموت هو نهاية كل حي. 

 

مادامت مغادرة الإنسان سريعة فعليه أن يستعدّ لهذا اليوم:


قال: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)﴾ أعرف رجلاً وهو في محله التجاري، انحنى رأسه ففارق الحياة، قال الأطباء: سكتة دماغية، غائص في أمور التجارة إلى أقصى حد، بائع وشار، شفهي دون عقود، بقي أهله سنوات وسنوات بعد وفاته وهم يخلصون هذه العلاقات المالية، ما تمكن أن يقول مَنْ شريكه؟ ولا تمكن أن يقول إنَّ شريكه له هذه النسبة؟ ولا تمكن أن يقول هذا البيت لمَنْ؟ دافع دفعات، وقابض قبضات، وعامل شركات، كله شفهي، بقي أهله سنوات طويلة وهم يحلون هذه المشكلات، أي: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)﴾ مادامت المغادرة سريعة وقد تكون فجائية فلابد من الاستعداد لهذا اليوم، عين العقل أن تستعد لهذا اليوم، والإنسان لا يقول: أنا مازلت صغيراً، أنا شاب، أحداث الموت تؤكد أن الموت لا يفرق بين شاب وشيخ، هناك رجل أعرفه عمره حوالي 32 سنة، شاب في ريعان الشباب، له زوجة صار معها تشمع كامل في الكبد، وصار معها استسقاء، فالأطباء يخففون عنه أن موتها قريب، انتهت، وأنَّ أجلها انتهى وانتهت حياتها، موضوع ساعات، موضوع أيام، وكان موظفاً، أنا كنت حاضراً مرة فدخل الآذن وقال: مات، فقلنا له: ماتت؟ فقال: لا، مات زوجها، نحن اعتقدنا أن الزوجة توفت، لكن المفاجأة أن الزوج توفي، عمره 32 سنة هو ينتظر وفاتها فإذا هو يسبقها. 

 

العاقل من يحتاط للموت قبل مجيئه:


إذاً أحداث الموت سريعة جداً تأتي بسبب أحياناً وأحياناً بلا سبب، رجل خلّف مبلغاً فلكياً، حوالي ألف مليون، أحد الورثة نصيبه من هذا الإرث كان تسعين مليوناً، فسعى ليلاً نهاراً ليُحصّل هذا المبلغ، وبقي ستة أشهر يسعى سعياً حثيثاً لتجميع هذا المال، لأخذه، دخل إلى الحمام وهو يغسل يديه وقع ومات، ولم يقبض درهماً من هذا المبلغ، الموت سريع جداً، لذلك الإنسان العاقل يحتاط للموت قبل مجيئه، السمكة العاقلة لما سمعت الصياد يقول: إنه سيعود ليصطاد هذه السمكات قال: السمكات ثلاثة؛ كيسة وأكيس منها وعاجزة، أما أكيسهن فإنها ارتابت وتخوفت، وقالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها، خذوا هذه القاعدة، والأقل عقلاً حين وقوعها، والغبي الجاهل لا يحتاط لا قبل وقوعها ولا أثناء وقوعها ولا بعد وقوعها، هذا العاجز، لهذا قال عليه الصلاة والسلام: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ . ))

[ الترمذي : حكم المحدث : صحيح ]

الحقيقة الأماني لا أعتقد واحداً إلا ويتمنى أن يكون من أهل الجنة، لكن ربنا عز وجل لا يتعامل مع عباده بالأماني إطلاقاً لقول الله عز وجل:

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾

[ سورة النساء ]

 

ربط الرجاء بالسعي والعمل وأي رجاء بلا عمل تمنيات باطلة:


لذلك: الله يغفر لنا، الله عز وجل كريم، إن شاء الله الله يغفر لنا، إن شاء الله الله يسامحنا، الله يدخلنا الجنة، هذا الكلام إذا لم يكن معه عمل، قد يقول قائل: ما الدليل على ذلك؟ اسمعوا الدليل: ربنا عز وجل لخص القرآن كله في آية واحدة:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

انتبهوا الآن:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف ]

الله عز وجل بهذه الآية ربط الرجاء بالسعي والعمل، وأي رجاء بلا عمل تمنيات باطلة لا شأن لها عند الله إطلاقاً قال: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾ أي لا يشرك بالعبادة أي ليطع الله وحده، والطاعة لله وحده تجعل الطريق إلى الله سالكاً، هذه الاستقامة. 

 

الاستقامة والعمل الصالح أساس الإيمان:


أما الذي يدفعك إلى طريق الإيمان: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ الاستقامة تمهيد للطريق، والعمل الصالح حركة على هذا الطريق، فأي رجاء من دون عمل فهو رجاء الكسالى ورجاء المتمنين، والتمنيات كلها لا شأن لها عند الله إطلاقاً.

 

للصور نفختان: نفخة لا تُبقي حياً ونفخة لا تُبْقي ميتاً:


﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)﴾ الأجداث جمع جدث وهو القبر، معنى ينسلون؛ فلان له نسل أي شيء خرج منه، كيف أن هذا الطفل يخرج من بطن أمه فهو من نسلها، وكأن القبر رَحِم يخرج منه الميت كما يخرج الجنين من بطن أمه. 

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ هناك نفختان للصور: نفخة لا تُبْقي حياً ونفخة لا تُبْقي ميتاً، جميع الأحياء يموتون في النفخة الأولى، وبعد حين تُنْفخ النفخة الثانية فيبعث الله كل الأموات: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ طبعاً هذه النفخة الثانية.

 

حشر الناس يوم القيامة للحساب:


﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)﴾ .

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة ]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة  ]

﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ فيقول الملائكة: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)﴾ النقطة الدقيقة أيها الأخوة أن الإنسان يسمع في الدنيا أنه يوجد آخرة، ويوجد جنة، ونار، وحساب، وعذاب، وصراط مستقيم فوق جهنم، ونفخة بالصور أولى، ونفخة ثانية، وحوض، وصحف نشرت، هذا كله يسمعه، الويل لمن لا يصدقه. 

 

الويل لمن لا يأخذ أحداث يوم القيامة مأخذ الجد:


تستمع في القرآن إلى الجنة والنار، والناس وهم في جهنم يتصايحون، وهم يصرخون فيها، وأهل الجنة ونعيمهم على سرر متقابلين، هذه المشاهد والصور في الجنة والنار، وهذا الوعد الذي وعد الله به عباده المؤمنين وعباده الكافرين، هذه كلها أخبار لم تقع بعد، مادام الله هو المُخبر، خالق الكون هو المُخبر، فالويل لمن لم يصدقها، الويل لمن لا يعبأ بها، الويل لمن لا يأخذها مأخذ الجد.

 

عذاب النفس يوم القيامة أصعب من عذاب الحريق لأنها ضيعت فرصتها الأبدية:


﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ .. شخص يعيش بالعام الدراسي ويعتقد أن الأمور من دون امتحان، كله دعاية لا يوجد امتحان، ولا يوجد شيء، لكن عندما يُقرع جرس الامتحان، ويدخل مع الطلاب، وتوزع أوراق الأسئلة، ولا يفهم شيئاً يكتبه، يوجد كفالة عليه، ويوجد بعثة، ويوجد مشكلات، عندئذ يحق الحق: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)﴾ الله يحمينا من الخزي والعار يوم القيامة، كل الخلق بين يدي الحق، وأعمال الخلق كلها مسجلة تُعْرض عليهم بأدق تفاصيلها، أي الإنسان عندما يعاين عمله السيئ يذوب، لذلك ورد: "إن العار يلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب" ، أي عذاب الحريق لا يحتمل، والعذاب الذي لا يقل عنه عذاب النفس، حينما تشعر أنها ضيعت الآخرة كلها، ضيعت فرصتها الأبدية الوحيدة، خسرت نفسها. 

 

فرق كبير بين من يذهب إلى الله وفداً وبين من يأتيه مهاناً:


﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)﴾ أنت راقب أحياناً ببعض صور المجرمين، ملامح صور المجرم حينما يُصور وهو في قفص الاتهام، أولاً: وجههم كالح، ثانياً: بصره كسير، عينه للأرض، لا يستطيع أن ينظر في المصور، هذه لحظة الندم، ومشاعر الندم مشاعر مؤلمة جداً، أحياناً الإنسان ببعض حالات الندم ينتحر، لا يحتمل شعور الندم: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)﴾ والله عز وجل قال:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[  سورة القصص ]

هناك مسافة كبيرة جداً بين إنسان يُطْرق بابه، يُلْقى القبض عليه، تُكَبل يداه، مهاناً، معذباً، وبين إنسان يُطْرق بابه فتأتيه بطاقة دعوة بيضاء، مذهبة، وفيها عبارات الشكر والامتنان لو أنه حضر الدعوة، فيذهب في الوقت المناسب فيجد الاستقبال الحار، والمكان المريح، والطعام الطيب، والمؤانسة، والابتسامة، والتكريم، والهدايا، شتان بين من يذهب إلى الله وفداً وبين من يُساق مجرماً، فرق كبير.

 

إذا لم يكن الإيمان باليوم الآخر أحد ركائز الإنسان فمشكلته كبيرة جداً:


لذلك أحد العلماء سئل: كيف القدوم على الله؟ قال: أما المؤمن فكالغائب يُرَد إلى أهله، وأما الكافر فكالعبد الآبق ردّ إلى مولاه. 

تلاحظون ملاحظة أن ربنا عز وجل في أكثر الآيات يقول: آمن بالله واليوم الآخر. أي إذا لم يكن الإيمان باليوم الآخر أحد ركائز تصوراتك، أحد ركائز عقيدتك، أحد ركائز حركتك في الحياة فالمشكلة كبيرة جداً، قبل أن تفعل شيئاً، قبل أن تأخذ، قبل أن تعطي، قبل أن توافق، قبل أن تغضب، قبل أن تضرب، قبل أن تُطَلِّق، قبل أن تتزوج، قبل أن تشارك، قبل أي حركة، تصور أنك واقف بين يدي الله عز وجل، وهو يسألك: لماذا فعلت كذا يا عبدي؟ الشهوات انتهت، الميزات المتع انتهت، المباهج انتهت، بقيت المسؤولية. 

 

كل إنسان محاسب يوم القيامة على عمله:


لذلك الميت حينما يُشَيَّع في الجنازة، يشيع إلى قبره، ورد: "إن روحه ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة عليّ"

الكافر الذي أعطاه الله مالاً فأنفقه على ملذاته، وعلى شهواته، يسأله الله يوم القيامة يقول له: عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ سؤال كبير!! عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَه؟ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟ ))

[ صحيح الترغيب: حسن صحيح ]

والله أيها الأخوة؛ لو واحد منا سيسأل من قِبَل إنسان مهم لا ينام الليل، لو قيل له: تعال إلينا بعد يومين فقط، لا ينام الليل، لأنه سيسأل ماذا قال؟ ماذا تكلم ؟ ماذا فعل؟ لا ينام، يقول: ما غفلت، إذاً رب العالمين رافع السماوات بغير عمد سوف تقف بين يديه، وسوف يسألك عن كل أعمالك، ولا تستطيع أن تكذب أبداً.. الآن بعد قليل تأتي الآية: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾ كيف بك أيها الإنسان إذا عُرِضت عليك أعمالك كلها عمل عَمل، لماذا فعلت كذا؟ 


  حشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة:


فيا أيها الأخوة؛ نصيحة لوجه الله عز وجل أنصح بها نفسي قبلكم، قبل أن تفعل شيئاً تصور أنك واقف بين يدي الله عز وجل، ويقول لك: يا عبدي لماذا فعلت كذا؟ أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ لا يوجد كذب، قال: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، قال: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، يقول لعبد آخر: أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ قال: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين لثقتي أنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، يقول: أنا الحافظ لأولادك من بعدك. 

يُحْشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة: فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام فيقال: خذوه إلى النار، حسابه سريع جداً، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال، فيقال:  خذوه إلى النار، فريق جمع المال من حلال وأنفقه في حرام، حرام حَرام إلى النار، حلال حرام إلى النار، حرام حلال إلى النار، بقي الصنف الرابع؛ وفريق جمع المال من حلال وأنفقه في حلال قال: هذا قفوه فاسألوه هل تاه بماله على عباد الله؟ هل قال أصحابه: يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا؟ هل شغله ماله عن فرض صلاة؟ عن مجلس علم؟ عن عمل صالح؟ عن واجب ديني؟ فالنبي الكريم كان بليغاً قال: فما زال يُسأل ويُسأل، انتظر، انتظر، قائمة أسئلة، فتركه يُسأل وذهب، فما زال يُسأل ويُسأل.  

 

كل عمل يعمله ابن آدم محفوظ عند الله عز وجل:


إذاً: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(54)﴾ أي دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء هذا المستوى تُسأل عنه..، قشة نزعتها من المسجد وضعتها في جيبك ما قيمة هذا العمل؟ قال تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

نملة أثناء الوضوء حاولت ألا تغرق بالماء، نملة صغيرة أنقذتها من الغرق، هذا العمل محفوظ عند الله عز وجل، فما قولك بما هو فوق ذلك؟ 

(( دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. ))

[ متفق عليه عن عبد الله بن عمر ]

امرأة تدخل النار من أجل هرة، وامرأة أخرى يُغفر لها من أجل كلب سقته كاد يموت عطشاً: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ هذا هو القرآن الكريم.

 

لا يرقى الإنسان إلى الخالق سبحانه إلا إذا طبق كل آية سمعها:


أحد الأعراب سأل النبي الكريم وقال: "عظني وأوجز- أو لا تطل- فتلا عليه الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾ فقال هذا الأعرابي: قد كُفِيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فَقُهَ الرجل" .

أيها الأخوان؛ تعليق على هذه الآية كل واحد منا يعرف من القرآن والحديث أضعاف أضعَاف أضعاف ما هو مطَبِّق له، فالمشكلة ليست في زيادة العلم، المشكلة في تطبيق ما تعلم، ماذا عَمِلت بما عَلِمت؟ هنا المشكلة، أما نتعلم نتعلم، كل درس أحلى من الثاني، أخي والله الدروس حلوة، ليس هنا القصيد، المشكلة ماذا عَمِلت فيما علمت؟ إذا الإنسان وطّن نفسه كما فعل الصحابة ألا ينتقل من آية إلى أخرى حتى يطبقها يرقى إلى الله سريعاً، رقي بدرجات سريعة جداً، لا تنتقل من شيء حتى تطبقه: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)﴾ فالفوز كل الفوز، والنجاح كل النجاح، والفلاح كل الفلاح، والعقل كل العقل، والذكاء كل الذكاء، أن تكون من أصحاب الجنة. 

 

وصف أصحاب الجنة:


اسمعوا الآن وصف أصحاب الجنة: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)﴾ قال العلماء: "مشغول بإكرام الله له، مشغول بضيافة الله له، مشغول في هذا النعيم المقيم، مشغول في النظر إلى وجه الله الكريم" ، ورد في بعض الأحاديث: إن المؤمن ينظر إلى وجه الله يوم القيامة لأنه عن جرير بن عبد الله:

(( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ. ))

[ صحيح البخاري ]

فيغيب خمسين ألف عام من نشوة النظرة، يوجد بالجنة حور عين، ألم يقل أحد الصحابة لزوجته عندما طلبت منه شيئاً، قال: "اعلمي يا أمة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك"

 

أعلى شعور للإنسان يوم القيامة النظر إلى وجه الله الكريم:


يوجد في الجنة حور عين، يوجد أنهار من عسل مصفى، يوجد ثمار قطوفها دانية، الفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة، يوجد أنهار من لبن لذة للشاربين، يوجد لبن لم يتغير طعمه، يوجد جنات تجري من تحتها الأنهار: 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾

[ سورة الحاقة ]

وأبلغ من كل ذلك أن تنظر إلى الله عز وجل، ومع هذه النظرة إحساس بأن الله راض عنك، وهذا أعلى شعور وأشد المشاعر إسعاداً للإنسان. 

 

الجنة أساسها الطلب والدنيا أساسها العمل:


﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)﴾ أي على الأرائك يوجد إكرام ما بعده إكرام؛ ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ أي زوجته التي في مستواه فإن كانت في الدنيا زوجته في مستواه كانت زوجته يوم القيامة، وإلا فله زوجة تكون رفيقته في الجنة: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)﴾ .

 بالمناسبة نظام الجنة نظام يختلف اختلافاً كلياً عن نظام الدنيا، نظام الدنيا بالسعي، ونظام الجنة بالطلب، أنت في الدنيا لا يمكن أن تصل إلى شيء إلا ببذل جهد واضح، هذا السعي، إن الله كتب عليكم السعي في الدنيا، فتحتاج إلى مهنة، إلى عمل، إلى كسب مال، إلى شراء بيت، إلى تجهيز البيت، إلى زواج، إلى مهر، شراء بيت في مصيف يحتاج إلى مال، إلى جهد إضافي، فكل شيء تناله في الدنيا نظير تعب وجهد حقيقي، لكن في الجنة يكفي أن يخطر في بالك شيء ليتحقق فوراً، الجنة أساسها الطلب، الدنيا أساسها العمل. 

 

إكرام الله عز وجل للإنسان في الآخرة يفوق كل إكرام:


قال: ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)﴾ أي ما يَدْعون، أي ما يطلبون، أي طلب يطلبه المؤمن يتحقق فوراً، إذاً هو مشغول بإكرام الله له، ومشغول بنعيمه مع زوجته، ومشغول بما يُقَدم له من طعام نفيس، وفاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفوق كل هذا تأتي قمة السعادة ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)﴾ أي إكرام الله له يفوق كل إكرام، أحياناً تدخل إلى بيت تجد فيه طعاماً طيباً، لكن صاحب الدعوة مقطب، تقطيب صاحب الدعوة يُذهب لذة الطعام، لكن إذا دخلت إلى بيت، وأجلست على أريكة وثيرة، قُدِم لك الشراب البارد، جاء الطعام النفيس، جاءت الفواكه، ودائماً صاحب البيت يقول: أهلاً وسهلاً، شرفتنا، نورتنا، إيناس صاحب البيت لا يقل إسعاداً لك عن الضيافة التي يقدمها لك، فربنا عز وجل في هذه الآيات الثلاثة: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾ مشغول بنعيمه المقيم، ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ(58)﴾ ..

 

أعظم شيء يذوقه الإنسان يوم القيامة أن يكون محجوباً عن ربه:


لكن أعظم شيء يذوقه الإنسان يوم القيامة أن يكون عن ربه محجوباً:

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾  

[ سورة المطففين  ]

الحجاب من أشد أنواع العذاب.

 

فرق كبير بين إنسان في ضيافة الرحمن وإنسان مُبعد عن الله:


﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)﴾ ..إنسان في ضيافة الرحمن، خالق الكون يسلم عليه ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)﴾ أنت إذا شخص سلم عليك ذو شأن تصبح أسبوعاً وأنت فرح ؛ صافحني، وتصورت معه؛ انظر الصورة، ذو شأن، فإذا سلّم عليك النبي بالمنام تبقى أشهراً - إذا كنت مؤمناً طبعاً - وأنت في نشوة هذا المنام، هذه الرؤيا الصادقة، فكيف وخالق الكون يقول لك: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)﴾ خالق الكون يسلم عليك، أما المجرم: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)﴾ ابتعدوا عنهم، أي عظم مجروم لا يوجد به خير أبداً،  كل حركاته بالمال، لا يتحرك حركة إلا بأجر باهظ، تُحس أنه يذبحك بهذا الأجر، هكذا أهل الدنيا، شيء لله لا يوجد، غادر الدنيا ولم يترك عملاً صالحاً واحداً، حتى لو خدم له عمولة، ماذا ستعطينا؟ حتى خدماته بغير اختصاصه يريد عليها أجرة، هذا الذي لا يتحرك إلا بالأجر الباهظ وكل شيء حاسبه...، الله عز وجل لم يقل ذلك، قال:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾

[ سورة البقرة ]

 

أي عمل صالح للإنسان هو قرض لله عز وجل:


يا أخوان؛ أي عمل صالح هو قرض لله عز وجل، خدمت إنساناً، علَّمت إنساناً، عاونت إنساناً، نصحت إنساناً، دللت إنساناً، أي بذلت من وقتك، من جهدك، من طاقاتك، من فكرك، من عضلاتك، من مالك، هذا كله قرض حسن لله عز وجل، أنت لو بذلت خدمة، بذلت لإنسان شيئاً، أعطاك ثمنها سعراً باهظاً، لو فرضنا معك حاجة ثمنها عشر ليرات بعتها بمئة ليرة، بعتها بألف، لكن لو أنك أقرضتها لله عز وجل لجاءتك السعادة الأبدية مقابلها، فلذلك أخسر إنسان هو الذي يتقاضى عن أعماله الصالحة أجراً: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)﴾ هذا هو الشقاء، بيته اشتراه بعشرين ألفاً صار ثمنه 25 مليون، بيته بالجنة، لا، ليس بيته بالجنة، هذا سوف يغادر الدنيا إلى دار الحساب، والحساب الدقيق، فالبطولة أن تبني قصراً في الجنة، البطولة أن تحتل عند الله مقعد صدق، البطولة أن تكون من أصحاب الجنة، أن تكون في شغل متفكهاً، أنت وزوجتك في ظلال على الأرائك، أما إذا الإنسان حصّل على الدنيا ولم يعبأ إن كان من حلال أو حرام، ولم يعبأ أكان مستقيماً أم منحرفاً، ثم جاء ملك الموت فهو في خسارة كبيرة. 

 

نصيحة خالق الكون للإنسان ألا يتحرك بوسوسة من الشيطان:


الآن العتاب الإلهي: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ (60)﴾ الشيطان ماذا يعمل؟ قال: إنما يأمر بالفحشاء، الشيطان يخوفك، يقول لك على الله ما لا تعلم، يخوفك من العمل الصالح، من طاعة الله عز وجل، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)﴾ خالق الكون نصحك في القرآن كله وأنت تتحرك بوسوسة منه، أنت راقب الناس خصوماتهم داخل فيها الشيطان، معظم حالات الطلاق أساسها الشيطان، تجد الشيطان يحمس الزوج يكرهه بزوجته، ويحمس الزوجة تكرهه بزيادة، تجد البيت جحيماً، لأن فيه شيطاناً، لو في البيت صلاةً لما صار هذا الشيء، لو فيه قرآن ما صار هذا الشيء، لو كان فيه طاعة لله ما صار هذا الشيء، لأن الرحمن يكون قد دخله. 

 

الناس نوعان شيطاني ورحماني:


الناس نوعان: شيطاني أو رحماني، الشيطاني يتحرك بدافع الشيطان، اضربه مثلاً، كُلْ ماله، دائماً في دوافع عدوانية، المؤمن يقول لك: سامحه، عاونه، اعف عنه، فهنيئاً لمن يتحرك بإلهام الملك، والويل لمن يتحرك بوسوسة الشيطان، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(61)﴾ هناك أدلة، أنت عندما ترى إنساناً تدمر نتيجة كسب المال الحرام، أو العدوان، أو الانحراف الأخلاقي، دُمِّرَ وفضح، أفلس مثلاً، أو حُكم، أو سجن، أو أعدم، قل: هذا من عمل الشيطان. مسافة كبيرة جداً بين إنسان رحماني يهتدي بهدي الله عز وجل وبين إنسان الشيطان يؤزه أزاً. 

 

من تمسك بكتاب الله وسنة نبيه فلن يضل أبداً:


﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ يا رب كيف نعبدك؟ قال: ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ هذا منهج، القرآن فيه كل شيء، والسنّة فيها كل شيء، أنت عندك الكتاب والسنة، ما إن تمسكنا بهما فلن نضل أبداً، معك منهج من خالق الكون، معك تعليمات الصانع، معك دستور، مع قانون، معك مفتاح السعادة، معك مفتاح السلامة، معك نور مبين، معك حبل متين، معك حصن حصين هو كتاب الله، انظر الآية ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ كيف يا رب؟ ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ .

 

السعيد من يقرأ القرآن الكريم ويتعظ بآياته:


﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)﴾ ..ألم تر أمماً دمرها الله عز وجل؟ شعوباً فسقت فأهلكها الله عز وجل؟ أمما ذات حضارة عريقة انتهت وطويت صفحاتها؟ أين هم؟ هم أسرى أعمالهم، الله عز وجل قال:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾

[ سورة غافر ]

الفراعنة مضى على دمارهم 6000 عام، وكل عام فيه 365 يوم، باليوم مرتان، والخير لأمام، ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾ .

﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)﴾ الآن العالم الشرقي والعالم الغربي يعاني من أمراض الانحرافات الأخلاقية، الآن هناك مليون إصابة إيدز بالغرب، بينما من يحمل المرض يقدر عددهم بعشرين مليون حامل لمرض الإيدز، والتقدير بعام ألفين أن يكون عدد الإصابات 15 مليون إصابة غير الحاملين لهذا المرض، مرض مخيف أساسه الانحراف، ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا (62)﴾ أمماً، شعوباً، قروناً، ﴿أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)﴾ هذا هو الجزاء. 


  فرق كبير بين من صدق الله عز وجل وبين من كذب بالقرآن الكريم:


أيها الأخوة الكرام؛ هذا كلام خالق الكون، هذا الكلام لم يحصل بعد، ربنا عز وجل رحمة بنا ذكره لنا قبل أن يقع كي نتلافى هذه الأخطار الوبيلة، لذلك السعيد يقرأ القرآن ويتعظ بآياته لعل الله عز وجل ينجيه من مغبة تقصيره أو انحرافه، فشتان بين من صدق الله عز وجل واتقى النار، وبين من كذب بهذا القرآن فجاء بهذا الموقف العصيب الحرج وقيل له: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)﴾ ..

 

السعيد من جعل عمله وفق الشرع والشقي من حاد وانحرف ودفع الثمن باهظاً:


الإنسان أحياناً يكون طليق اللسان، ذكي جداً، يتمكن من أن يقنع الناس بموقفه المنحرف، فهذه الطلاقة، وهذا الذكاء، وهذا اللسان الذرب، وقوة الحجة لا تنفعه يوم القيامة إطلاقاً، مصدر قوة الكافر أحياناً طلاقة لسانه، وفلسفته، وتعمقه، يقنع أنه هو على حق، فربنا عز وجل في هذا الموقف العصيب قال: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)﴾ أي تُعرض أعمال الإنسان عليه عملاً عملاً، ولسانه معقود: ﴿نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)﴾ فلذلك يا أخوان قبل أن تفعل شيئاً تصور أنك واقف بين يدي الله عز وجل، وهذا اليوم لابد من أن يأتي مهما طال الأمد، لابد من أن نقف جميعاً لنُسأل عن كل أعمالنا، فالسعيد من جعل عمله وفق الشرع، والشقي من حاد وانحرف ودفع الثمن باهظاً.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور