- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (038)سورة ص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللغة أو البيان آية من آيات الله الدالة على عظمته:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الأول من سورة ص.
بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)﴾
صاد حرف من حروف الهجاء، أشار بعض المفسرين إلى أن في ذكر هذا الحرف لفت نظر للإنسان، أي يا أيها الإنسان هل فكرت في هذه الحروف التي تخرج من فمك؟ هل فكرت في هذا الجهاز الصوتي الذي أودعه الله فيك؟ الله جلّ جلاله يقول:
﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
من ثمانية وعشرين حرفاً تتكلم آلاف الكلمات، في بعض معاجم اللغة أكثر من ثمانين ألف مادة، والمادة كما تعلمون تتفرع إلى كلمات كثيرة، عين لام ميم مادة، يوجد فعل ماض، فعل مضارع، فعل أمر، اسم فاعل، اسم مفعول، اسم مكان، اسم زمان، اسم تفضيل، اسم آلة، صفة مشبهة باسم الفاعل، يوجد فعل ثلاثي، رباعي، خماسي، سداسي، يوجد فعل مجرد، فعل مزيد، كلها مادة واحدة، ثمانون ألف مادة في بعض معاجمنا، وأصل كل هذه الكلمات ثمانية وعشرون حرفاً.
الإنسان يُعَبر عن معان دقيقة جداً من خلال اللغة، واللغة مكونة من ثمانية وعشرين حرفاً، فلك أن تَعُد اللغة أو البيان آية من آيات الله الدالة على عظمته، فالصاد تفخيم السين، سين صاد، والطاء تفخيم التاء، والضاد تفخيم الدال، حروف انفجارية، حروف صفير، حروف همس، مقاطع، حروف لين، حروف ساكنة، حروف متحركة، حروف مَبنَى، حروف معنى، حروف مد، حروف صوت، اللغة من آيات الله الدالة على عظمته، اللغة أداة اتصال بين أفراد النوع، لولا اللغة كيف بإمكانك أن تُعَبر؟ أن تنقل مشاعرك وأفكارك لبني البشر؟ شيء صعب، بكلمة واحدة يفهمها الناس جميعاً، يفهمون مرادك.
الله عز وجل شاءت حكمته أن يخلق الأشياء من مواد بين أيدينا:
على كل ليس القصد أن نغوص في معاني اللغة، وفي فلسفة اللغة، وفي تفسيرها النفسي والاجتماعي والبيولوجي، الهدف أن الإنسان حينما يتكلم كل حرف - كما قال علماء اللغة وعلماء الطب أو علماء التشريح- كل حرف تصنعه سبعة عشر عضلة، فكلمة من خمسة أحرف، وجملة من خمس كلمات، وكلمة من خمس جمل، ومحاضرة من آلاف الجمل، هذا اللسان يتحرك، تارة يلتصق بسقف الحلق، تارة يُؤَنف، تارة يفلطح، تارة يلتصق بأسفل الفم، تارة يأتي بين الأسنان وأنت لا تدري، فربنا عز وجل يقول: ﴿ص﴾ أي هذه الآية الدالة على عظمة الله عز وجل.
هناك معنىً آخر هو أن الله عز وجل شاءت حكمته أن يخلق الأشياء من مواد بين أيدينا، لماذا خلق الإنسان من طين؟ الطين بين أيدينا، هل هناك جهة في الكون تستطيع أن تجعل هذا الطين إنساناً؟ مئة وأربعون مليار خلية في الدماغ هذه استنادية سمراء لم تُعْرف وظيفتها بعد، أربعة عشر مليار خلية قشرية تتم فيها المحاكمة، والتفكر، والتذكر، والتصور، والتخيل، والاستدلال، والاستنتاج، والمقايسة، ومركز السمع، والبصر، والرؤية، والحركة، والإدراك. وهناك قلب، وأوعية، وشرايين، وأوردة، وأعصاب حس، وأعصاب حركة، وعضلات ملساء مخططة، وعظام، ومفاصل، أشياء معقدة جداً لا يزال العلم حتى الآن عاجزاً عن إدراك عظمة خلق الإنسان، هل في الأرض كلها جهة تستطيع والطين بين أيدينا؟
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
هذه البيضة موادها الأولية بين أيدينا، ما يأكله الدجاج تراه بعينك ماذا يأكل؟ هل في الأرض كلها جهة تستطيع أن تصنع من طعام الدجاج بيضة؟ الحليب نشربه كل يوم، مواده الأولية بين أيدينا، ماذا تأكل البقرة؟ تأكل حشيشاً، هل في الأرض كلها جهة تستطيع أن تصنع من الحشيش حليباً؟ كل مشتقات الحليب مادة أساسية لحياتنا، هذا هو الإعجاز.
الإعجاز في الخلق:
ربنا عز وجل شاءت حكمته أن يصنع شيئاً مواده الأولية بين أيدينا، نحن عاجزون ولكن الله جلّ جلاله يتجلى على الشيء فيجعله شيئاً بالغ التعقيد، عظيم النفع.
هذه الزهرة التي تُبْهج النفوس من التراب، الألوان، تناسب الألوان، الرائحة العطرة من أين جاءتها؟ اللون الأصفر مع اللون الأخضر، تدرّج ألوانها، دقة تصميمها، روعة شكلها، من أين جاءت؟ من التراب، هذا هو الإعجاز، النبات شيء معجز، الحيوان الصغير، بيضة لا تبتعدوا كثيراً كيف تصبح بعد أيامٍ عدَّة صوصاً؟ كائن يتحرك، يرى، يسمع، يُصوّت، يأكل، جهاز هضم، جهاز تنفس، جهاز دوران، جهاز عضلي، جهاز عصبي، عينان، أذنان، من بيضة، كيف تحولت هذه البيضة إلى هذا الصوص؟ هذا هو الإعجاز، طعام الدجاج يصبح بيضة، والبيضة تصبح صوصاً. والإنسان نقطة من ماء مهين يصبح كائناً سوِيّاً، الأجهزة التي في الإنسان لا يستطيع الإنسان أن يعقلها، المعجزة أن تكون معافىً سليماً، حينما نستمع من بعض الأطباء الكرام عن أعراض المرض نسبة كذا ارتفعت، ونسبة كذا هبطت، معناها أن الإنسان حينما يشعر أنه بصحة جيدة معناها آلاف الأجهزة وآلاف النسب الدقيقة جداً هي منتظمة في دمه، وفي عضلاته، وفي غدده الصماء، هذا هو الإعجاز. كل هذه الأمثلة مهدتُ بها لهذا المثل، و(ص) هذا الحرف بين أيديكم، هو بين أيديكم وأمثاله بين أيديكم، الحروف الهجائية كلها بين أيديكم اصنعوا قرآناً، فيه نظام تشريعي كامل، نظام صحي كامل، إخبار عن الماضي، إخبار عن المستقبل، آيات دالة على عظمته، بيان، وبلاغة، وعلم، وخبر صادق، وحكم، وأمر ونهي، وحلال وحرام، وحكمة وموعظة، وتاريخ ومستقبل، كله في هذا الكتاب، هذا هو الإعجاز، أي إذا تجلى ربنا على الحروف صارت قرآناً، تجلى على الطين صار إنساناً، تجلى على هذه المواد أصبحت وروداً وأزهاراً، تجلى على هذه النطفة فصارت إنساناً سوياً كاملاً.
الذي أردت أن أمهد لكم به هو أن القرآن من هذه الحروف، وهذه الحروف بين أيديكم.
العلماء أوردوا حول كلمة (ذي الذكر) معانيَ كثيرة:
1 ـ ذي الذكر أي أنك إذا قرأته وطبقته رفع الله لك ذكرك:
فأول معنى أن هذا القرآن ذي الذكر أي ذي الشرف، أي إذا قرأته أيها الإنسان تشرف بين الناس، إن الله رفع بهذا القرآن أقواماً ووضع به آخرين، إذا تعلمت تلاوته تَشْرف بين الناس، إذا فهمت معانيه تشرف بين الناس، إذا طبقته تحلّق في سماء القرب، من أي طريق أخذته يعلو بك القرآن،
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
الإنسان قد يكون خاملاً، مغموراً، لا أحد يعرفه، فإذا قرأ القرآن، إذا تعلّم القرآن، إذا تلا القرآن، إذا أحكم القرآن، إذا فهم معاني القرآن، إذا طبق القرآن رفعه الله في أعلى عليين،
(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
2 ـ ذي الذكر أي ذي الشرف بذاته لا لغيره :
شيء آخر: ذي الذكر أي ذي الشرف بذاته لا لغيره، المعنى الأول أنك إذا قرأته، إذا تلوته، إذا جوّدته، إذا فهمت معانيه، إذا طبقته رفع الله لك ذكرك، كبار قرّاء القرآن الكريم لهم حرف كغيرهم، ولكن الناس ينسون حرفهم، ويلتفتون إلى تمكنهم من كلام الله عز وجل، لذلك إذا أردت أن ترتفع فتعاهد هذا الكتاب تلاوة وفهماً وتطبيقاً، هذا معنى قوله تعالى:
المعنى الثاني: ذي الذكر أي شريف بذاته، أي فيه من الإعجاز اللغوي والبياني والأدبي، فيه من الإعجاز العلمي والتشريعي والتاريخي والإخباري الشيء الذي لا يصدق، معنى إعجاز: أي يعجز البشر لو اجتمعوا عن أن يأتوا بآية منه، وقد تحدى الله البشر بهذا فقال:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾
فهو يُشَرِّف من تعلمه وهو شريف بذاته، هذا المعنى الثاني من معاني:
3 ـ ذي الذكر أن به ذكراً لكل ما تحتاجه:
ومعنى ذي الذكر أيضاً أن فيه ذكراً لكل ما تحتاجه، مستنبط هذا من قوله تعالى:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
كتاب تام كامل، تام في عدد الموضوعات التي عالجها، وكامل في طريقة المعالجة، أي تام وكامل، منهج كامل لا يحتاج إلى منهج آخر، لهذا أية زيادة أو أي حذف كفر بالقرآن الكريم لأنه كلام الله عز وجل، كل ما تحتاجه في شأنك مع الله، في شأنك مع أهلك، في شأنك مع الناس، في زواجك، في بيعك، في شرائك، في مهنتك، في حرفتك. بل إن العلماء يقولون: إن في القرآن الكريم إشارات بليغة إلى أصول العلوم كلها، إلى الأصول لا إلى التفاصيل، حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
هذه إشارة لطيفة إلى علم الذرة، كل مادة خلقها الله عز وجل لو حللتها لوجدتها تنتهي إلى ذرات، والذرة نواة وكهارب وكهرباء، هذا للذكر.
4 ـ ذي الذكر أي فيه ذكر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى:
وبعضهم قال:
بالمناسبة الإنسان بعقله يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً، لكن من هذا الخالق؟ ما اسم هذا الخالق؟ لماذا خلق؟ ما الحكمة من خلقه؟ هذا جاء في القرآن الكريم، قال لك الله عز وجل:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ
﴿
5 ـ ذي الذكر أي فيه ذكر لما عجز العقل عن إدراكه:
بيَّن لك من خلق؟ ولماذا خلق؟ وماذا بعد الخلق؟ وماذا بعد الموت؟ هذا كله بيّنه الله عز وجل، إذاً فيه ذكر لما عجز العقل عن إدراكه، الشيء الذي أدركه العقل بذاته شيء جيد، لكن كل ما عجز العقل عن إدراكه جاء القرآن وذكره لهذا العقل، فهناك تكامل بين التفكر العقل في السماوات والأرض وبين تلاوة القرآن، العقل له مهمة والنقل له مهمة، العقل يتأمل في الخلق فيستنبط بعض الحقائق، والعقل يقرأ القرآن فيكمل به ما فاته بعقله.
6 ـ ذي الذكر أي فيه تذكير لك أيها الإنسان بمهمتك:
الحديث عن كتاب الله حديث يطول، وكل إنسان بنفسه تصور عن هذا الكلام بقدر تأمله في هذا الكلام، بقدر حضوره مجالس العلم، بقدر اهتمامه بهذا الكلام، اهتمامك واستماعك وتأملك يحددان حجم معرفتك بهذا الكلام.
الكافر موقفه من كلام الله عز وجل موقف المكذب المتأبي المستكبر:
﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)﴾
﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)﴾
المؤمن موقفه من كلام الله عز وجل موقف المصدِّق، موقف المستأنس، موقف المُقبل، موقف المهتم، موقف المعتقد، لكن الكافر موقفه من كلام الله عز وجل موقف المكذب، المتأبي، المستكبر،
القرآن الكريم كلام هداية ورشد فنظامه نظام نفسي:
أحياناً يتخيل الكافر أنه إذا تأبت نفسه عن هذا الكلام، يقول: هذا الكلام لا يصلح لهذا الزمان، هذه غيبيات، كنت مرة قال أحدهم: يقول فلان يحمل رتبة علمية عالية: القرآن ليس علمياً، ليس فيه علم، بعضهم قال: ليس موضوعياً في تناسق آياته، هذا الذي يُجَرِّح في كلام الله يتوهم أن ليس في القرآن موضوعات موحدة، من قال لك إن كلام الله كلام مدرسي أو كلام جامعي؟ كلام هداية ورشد، نظامه نظام نفسي، فتارة يصف لك مشهد من مشاهد يوم القيامة، وتارة يَلْفت نظرك إلى آية من آيات الله عز وجل، وتارة يبيّن لك حكماً شرعياً، وتارة يُتحفك بخبر تاريخي، وأخرى يخاطب عقلك، ومرة يخاطب قلبك. القصد أنك إذا قرأت هذه السورة أن تنتقل من الضياع إلى الهدى، من الشرود إلى الوجدان، من الشقاء إلى السعادة، فنظامه نظام نفسي، ومن قال لك إنه كتاب جامعي لابدّ من فصول؟ هذا الذي يقول ذلك يتوهم أنه فصل عن بني إسرائيل، فيه فهرس، فصل عن الزكاة، فصل عن الصيام، طبيعة النفس لا ترتاح لهذه التقسيمات الجافة، لكن السورة هي هداية متكاملة من أمر إلى نهي إلى موعظة إلى حُكم إلى خبر إلى آية إلى مثل إلى شاهد هكذا،
بقدر ما ينطوي قلب المؤمن على حبّ للنبي بقدر ما ينطوي قلب الكافر على كره له:
حال المؤمن مع القرآن حال التعظيم، حال التصديق، حال الهداية، وحال الحب لمن أُنزل عليه، هو الذي أنقذنا، هو الذي هدانا، هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، هو الذي عرّفنا بربنا، هو الذي عرفنا بالفضائل، هو الذي كان أسوة لنا، فبقدر ما ينطوي قلب المؤمن على حبّ للنبي عليه الصلاة والسلام بقدر ما ينطوي قلب الكافر على بغض له، يظهر هذا من فلتات لسانه، من استهزائه، من سخريته أحياناً، يظهر هذا إذا ذَكر النبي باسمه فقط، هذا استخفاف بالنبي عليه الصلاة والسلام،
حال الكفار:
لكن هذا الذي ادّعى أنه فوق هذا المستوى، ادّعى أنه رجل علم، يتكلم بعض الأشخاص كلمة أشعر أنها تقطر كِبراً، وكأن الدين شيء صغير وهو عظيم جداً، أنا رجل علم، وإذا كنت رجل علم!! القرآن الكريم لو أمضيت كل حياتك في فهم دقائقه ما أحطْتَ بها، النبي عليه الصلاة والسلام إنسان يمضي سنوات طويلة لينال مرتبة علمية إذا هو فهم بعض الأحاديث الشريفة.
يا أيها الأمّي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء
* * *
الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام كلما تقدم العلم كشفوا جانباً من عظمته، كشفوا جانباً من أن هذا الذي جاء به كيف جاء به، لم يكن هناك معطيات حينما كان النبي كيف جاء به؟
يا أيها الأمّي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء
* * *
قال: هؤلاء الكفار الذين هم في عزة، في تأبٍّ وشقاق لمن أُنزل عليه القرآن، أهلكنا قبلهم أمثالهم، أهلكنا قبلهم أقواماً كثيرين تطاولوا، وتكبروا، وكذبوا، وسخروا، ولكن حينما جاء وقت العقاب، وقت البلاء لو رأيتهم يا محمد:
﴿
أنا أعرف والله أناساً كثيرين يأتيهم مرض عضال فإذا هم كالأطفال، يصيحون، يولولون، يصرخون بويلهم، يلدمون وجوههم لمرض أوهمهم أن الأجل قريب، أين شخصيتك القوية؟ أين كِبرك؟ أين استخفافك بالدين؟ أين احتقارك للمؤمنين الصادقين؟ أين كل هذا؟ لذلك:
يوم القيامة ليست الساعة ساعة خلاص هذه الساعة ساعة عقاب:
هذه ما معناها:
حال الكافر وهو على فراش الموت بعد فوات الأوان:
إنسان أمضى كل حياته يكسب مالاً من طرق غير مشروعة، عن طريق الملاهي والقمار حتى جمّع ثروة طائلة تقترب من ألف مليون، جاءه ملك الموت، وطالت فترة نِزاعه، أولاده أحضروا له بعض أهل العلم، سأل أحدهم: ماذا أفعل؟ فقال له هذا الرجل والله هو صادق فيما يقول، قال له: لو أنفقت هذه الملايين التي تقترب من ألف مليون أنفقتها كلها لا تنجو من عذاب الله، أين كنت حينما كنت شاباً؟ أين كنت حينما كنت متألقاً؟ لماذا غفلت عن الله عز وجل؟ لماذا نسيت أمر الله؟ لماذا نسيت هذه الساعة؟
﴿
هنا الحقيقة ليس العجب أن يأتيك رسول من عند الله عز وجل قد أُنزل عليه كتاب، العجب ألا يأتي الرسول، لأن خالق الكون كامل ومن لوازم كماله ألا يدع خلقه بلا أمر ونهي، أب كامل، من لوازم كمال الأب تقريباً للمعنى إذا رأى الأب ابنه منحرفاً يسكت الأب؟ لا، لكن الأب الكامل دائماً ينصح أولاده، يأمرهم وينهاهم، يُقدم لهم النصائح، الإرشادات، البيان، التوضيح، النصح، لابدّ من ذلك، فهم قالوا:
النبي سيد البشر تجري عليه كل خصائص البشر:
أدلة تؤكد على وحدانية الله سبحانه:
﴿ وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)﴾
العُجاب أبلغ من العجيب، تقول: طويل وطُوّال، من بلغ حداً في الطول مُفرطاً يقال له: طُوّال، عجيب وعُجاب، أي شيء لا يصدق إله واحد للعالم كله؟! طبعاً، ألا ترى الانسجام؟ ألا ترى الوحدة؟ ألا ترى أن الكون كله ينطلق من مبادئ ثابتة؟ من بنية واحدة؟ الإنسان مثلاً، الآن معمل في كندا يصنع دواءً مسكناً يُشحن إلى أستراليا، يأتي طبيب في أستراليا يصف هذا الدواء لمريض يعاني من آلام في الرأس تسكن آلامه، ماذا نستنبط من هذا؟ أن الذي خلق الإنسان في كندا هو الذي خلقه في أستراليا، الخالق واحد، البنية واحدة، الخصائص واحدة، يتعلم طبيب جراح تشريح الجسم البشري في فرنسا ويعمل في الهند، حينما يفتح البطن يقول لك: هنا يوجد شريان، يوجد هنا وريد، هنا يوجد عصب حسي، هنا يوجد عصب حركي، هنا غدة، انتبه الغدة، درست هذا في فرنسا فكيف طبقته في الهند؟ لأن البنية واحدة، ألا ترى أن لهذا الكون خالقاً واحداً؟ بل إن هناك تشابهاً في بعض الأجهزة بين الإنسان والحيوان، الخروف ما منكم واحد إلا وقف عند القصاب، فيرى الكليتين، والمعدة، والمري، والأمعاء الدقيقة، والأمعاء الغليظة، الكبد، القلب، العضلات، الدماغ ولكن هناك فرق في الدماغ، لكن يوجد تشابه كبير بين خلق الحيوان وخلق الإنسان معناه أن الخالق واحد.
بل إن هذا التوافق بين بنية الطعام وبين بنية أجهزة الإنسان، هذا الحليب لهذا الإنسان، القمح غذاء كامل، سوق القمح غذاء كامل للحيوان، التبن غالٍ جداً، الغذاء الأول للحيوان، من صَّمم هذا؟ سوق القمح للحيوان، الثمرة للإنسان، ألا ترى هذا التوافق!
حياة الجاهلية:
﴿
الكافر يفسر كل صدق واهتمام وحرارة إيمانية بالمنافع المادية:
﴿
تعجب الكفار من إنزال الوحي على محمد عليه الصلاة والسلام:
يقولون: شخص - قلتها لكم مرة سابقاً- داعية شاب تحلق الناس حوله، وأعجبوا به من إخلاصه وصدقه، فزعزع مكانة الكبار، فمرة أراد بعض الكبار أن يسفهه فحضر مجلسه، فلما انتهى مجلسه قال له: يا هذا ما سمعنا بهذا، قال: هل حصّلت العلم كله؟ قال: لا، فقال: هذا من الشطر الذي لم تُحصله،
﴿ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)﴾
الآن الآيات دقيقة جداً، يقول الله عز وجل:
إن آمنت أن القرآن كلام الله من خلال إعجازه تؤمن أن الذي جاء به هو رسول الله:
أحد أكبر الأسباب التي يسوق الله العذاب من أجلها هو أن يعود الإنسان لعبوديته:
شيء آخر،
أعرف رجلاً أصيب مركز تنبه الرئتين النومي بتلف، لا يستطيع أن ينام، إذا نام يموت فوراً، جاءه ابنه من أمريكا ومعه دواء نادر، هذا الدواء عليه أن يأخذه كل ساعة، يضطر أن يأخذه الساعة التاسعة، والساعة العاشرة، نام الساعة العاشرة، أربعة منبهات يصحو الحادية عشر، أربعة منبهات يصحو الساعة الثانية عشرة، أربعة منبهات يصحو الساعة الواحدة يأخذ حبة، الساعة الثانية حبة، الساعة الثالثة حبة، الساعة الرابعة حبة، الساعة الخامسة حبة، الساعة السادسة حبة حتى يستيقظ، فإذا نام يموت، لأن مركز تنبيه الرئتين النومي في الجملة العصبية تخرب، في الإنسان عشرات الغدد الصماء لو تغير معيارها. مركز توازن السوائل لو اختل الإنسان يدع مكتبه التجاري، يدع تدريسه، يدع عيادته، يدع متجره، يدع كل شيء، يجب أن يبقى بين الصنبور والمرحاض، يشرب عشرين ثلاثين لتراً من الماء في اليوم ويبولهم، هذا إذا تخرب مركز السوائل فقط، يا ترى مركز توازن السوائل، مركز التوازن يحتاج إلى أدوات يتحرك على أساسها، ثلاث قنوات لو تخربت الإنسان لا يقف عندئذ، لا يستطيع أن يقف وحده، عاد طفلاً، الإنسان إذا عصى الله على ماذا يعتمد؟!!
الكفار لو عرفوا أن القرآن كلام الله لما شكوا في رسالة النبي:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عند؟
* * *
من أنت؟ كلام خالق الكون، عندما الإنسان تحدثه نفسه ألا يقبل آية، أو لا يقبل حكماً يكون أحمق، هذا ليس كلام بشر، هذا كلام خالق البشر، دقيقة الآية:
تعريف العبد:
﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)﴾
بإمكانهم أن يمنعوا عن النبي رحمة الله عز وجل؟ الله عز وجل إذا أعطى أدهش، وإذا أعطى لا ينتظر تزكية أحد، ولا يرد على اعتراض أحد، إذا أعطاك الله، الله لا يعبأ لا بتزكية الناس ولا بذمهم، سيان، هو أعطاك وانتهى الأمر.
﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)﴾
ليمنعوا عنك الوحي، تفضلوا امنعوا عنه الوحي، لو أنهم ملكوا السماوات والأرض فارتقوا في السماوات ومنعوا عن النبي الوحي والقرآن إذاً هم آلهة، هم عبيد ضعاف،
والحمد لله رب العالمين