وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 20 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 44 - 51 ، في الآخرة يتحقق اسم العدل كاملاً ، في الجنة المؤمن تتضاعف سعادته - والكافر في النار تتضاعف آلامه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة والأربعين، وهي قوله تعالى :

﴿  وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44) ﴾ 

[ سورة الأعراف ] 


أسماء الله الحسنى محققة كاملة في الدنيا إلا اسم العدل فمحقق كاملا في الآخرة :


أيها الإخوة، أسماء الله تعالى كلها حُسنى، وكلها مُحقَّقة في الدنيا، اسم الرحيم تراه في خلق الله، كيف ترحم الأم ابنها، والعجماوات كيف ترحم أبناءها، اسم الحكيم، اسم اللطيف، اسم القوي، اسم القدير، اسم الجبار، كل أسماء الله الحسنى محققة في الدنيا إلا اسم العدل، محقق في الدنيا جزئياً، ويُحقَّق تحققاً كاملاً يوم القيامة، الدليل :

﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلْأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(27) ﴾ 

[  سورة الروم ] 

﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15) ﴾ 

 

[ سورة طه  ] 


الدنيا دار عمل ، والآخرة دار جزاء :


إذاً: الله عز وجل في الدنيا يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، لكنّ الدنيا ليست دار جزاء، إنما دار عمل، ليست دار تشريف إنما هي دار تكليف .

من الممكن لإنسان يعاني ما يعاني وهو على طاعة الله، ويموت، ويمكن لإنسان يفعل كل الجرائم ويموت دون أن يُصاب بشيء .

إياكم أن تتوهموا أن الدنيا دار جزاء، إنها دار ابتلاء، إنها دار عمل، إنها دار كدح، أما الآخرة فهي دار جزاء، دار تكريم، دار إعطاء العبد الذي أطاع الله كل ما يشتهي .

﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا  وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ 

[  سورة ق  ] 

فلذلك، النقطة الدقيقة جداً: أنّ اسم العدل ليس مُحققاً كلياً في الدنيا، مُحققٌ تحقيقاً جزئياً، أي أنّ الله يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ولكنّ الحساب الختامي يوم القيامة :

﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ  ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾ 

[  سورة آل عمران ] 


هذه حال المؤمن حين يرى أعداءه في النار :


إن المؤمن حينما يرى أصحاب المال في النار، حينما يرى الطغاة في النار، حينما يرى العصاة في النار، حينما يرى المجرمين في النار، حينما يرى الذين بنوا مجدهم على أنقاض الناس في النار، حينما يرى الذين بنوا غناهم على إفقار الناس، بنوا عزّهم على إذلال الناس، بنوا قوتهم على إضعاف الناس، حينما يراهم في النار تتحقق سعادته التامة، لماذا؟ لأنه كان يعيش وعداً ووعيداً، فأصبح الوعد والوعيد حقيقة، كان يعيش وعداً ووعيداً، فإذا بالوعد يتحقق، وبالوعيد يتحقق .

 فالكافر أيضاً حينما يرى المؤمن الذي كان يحتقره، وكان يزدريه، وكان يراه محدوداً، وكان يراه ضيّق الأفق، وكان يراه مُغفلاً، وكان يراه مُتزمّتاً، وكان يراه يعيش في أوهام، إذَا بهذا المؤمن الذي كان يزدريه في الدنيا في الجنة تتضاعف آلامه في النار، كلام دقيق، حينما يرى المؤمنُ الكبراءَ، كبراء المجرمين، الذين ملكوا الأرض، وتصدروا الشاشات، وتبجحوا، وتوعّدوا، واستكبروا، وتغطرسوا، وعاشوا في نعيم لا يوصف حينما يراهم في النار، ويكون وعيد الله لهم قد تحقق، وأصبح واقعاً، عندئذٍ ما الذي يحصل؟ تتضاعف سعادة المؤمن بتحقق وعيد الله، ويتضاعف عذاب الكافر بتحقق وعد الله للمؤمن.

يعني المؤمن إذا رأى الكُبَراء في الدنيا الذين حاربوا الدين، ووقفوا في خندق معادٍ للدين، هذا المؤمن حينما يرى أعداء الله في الأزلِّين، في نار جهنم يحمد قراره في الإيمان، يحمد استقامته، يحمد إيمانه، يحمد علمه، يحمد ورعه، يحمد خوفه من الله، تتضاعف سعادته، وحينما يرى الكافر الذين كان يزدريهم، هم في نعيم مقيم تتضاعف عذاباته في الآخرة.

إذاً: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾  يعني تراءى الفريقان، وهناك آية أخرى تبين ذلك :

﴿ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍۢ لَّهُۥ بَابٌۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ ﴾ 

[  سورة الحديد ] 

لو دخل زائر إلى عيادة طبيب، للتقريب، ورأى العيادة ممتلئة، وكل مريض يجب أن يدفع ألفي ليرة، وعددُ المرضى خمسون، بألفين، 100 ألف ليرة كل يوم، ذهب هذا الزائرُ فسأل الطبيب، هل مِن طريقة أن أعمل مثلك، وافتح عيادة، هو لا يقرأ ولا يكتب، اذهب وارجع إلى المدارس، وادخل الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، واحصل على 230 نقطة، وادخل كلية الطب، وخذ الدبلوم، والماجستير، والدكتوراه، وسافر إلى بلاد بعيدة، واجلس ثماني سنوات، وحصّل على البورد، وافتح عيادة ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾ .

شيء مضحك، إنسان ما قدم شيئًا يتمنى ممن بذل حياته في سبيل شيئًا؛ أن يكون مثله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ﴾  هذا شيء بدأ في الدنيا ﴿فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾  السور من طرف المؤمنين ﴿فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ 

﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ  ۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ ٱلْأَمَانِىُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ(13) ﴾ 

[  سورة الحديد  ] 

كنا بحيٍّ واحد، كنا بمدينةٍ واحدة، كنا بسوقٍ واحد ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾  فُتنتم بالدنيا، بمالها، بنسائها، بمناصبها، فتنتم بزخرفة الحياة الدنيا، كانت موازينكم مادية، تعبدون العملة من دون الله، تعبدون الدرهم والدينار، كنتم عبد الخميصة، كنتم عبد الفرج، كنتم عبد البطن، كنتم عبيد شهواتكم ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ﴾  بالمؤمنين، المؤمن الذي استقام، والتحق بمسجد، وطلب العلم، هذا يجب أن تُدمَّر آخرته، الوضع العام ضد الدين، ينتظرون أن تقع المصيبة بالمؤمن، وهو في حفظ الله ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾  تنتظرون أن يُدمَّر المؤمن كي ترتاحوا، تنتظرون أن هذه الفتاة المحجبة لن تتزوج، إلا إذا سفَرَت، وتفلتت، فكل إنسان منحرف يتربص بالمؤمن، يتمنى أن يقع، يتمنى أن يُدمّر، يتمنى أن يُحبَط ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾  في الدنيا ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ﴾  بالآخرة . 

زعم المنجم والطبيب كلاهما   لا تبعث الأموات قلت إليـكما

إن صح قولكما فلست بخاسر   أو صح قولي فالخسارة عليكما

[ أبو العلاء المعري ] 

﴿وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾  يعني المال شيء كبير جداً عندكم، والمرأة شيء كبير جداً، والبيت الفخم، والمركبة الفارهة ، والأموال الطائلة، والسفر، والسياحة، هذا كان دينكم ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾  الشيطان قال لك: الله لا يحاسبك، من أنت أمامه ؟ لن تُحاسب .

﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ  ۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) ﴾ 

[  سورة إبراهيم  ] 

ولكنكم فتنتم أنفسكم في الدنيا، وتربّصتم بالمؤمنين، وارتبتم بوعد الله ووعيده ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾  عاش بالأمنيات ﴿حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾  الشيطان: لن تُحاسَبوا، الله غفور رحيم . 

﴿  فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(15) ﴾ 

[  سورة الحديد  ] 

إذاً: في الجنة، أو في الآخرة المؤمن تتضاعف سعادته، لأنه يرى مصير الكفار المجرمين، المنحرفين، العصاة، الذين تفننوا في قتل البشر، وفي إذلال البشر، وفي إفقار البشر، وفي إضلال البشر، واستعلوا، وتغطرسوا .

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً  ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) ﴾ 

[  سورة فصلت ] 

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ﴾  الكافر لمّا رأى المؤمنين في الجنة تضاعف شقاؤه في النار، أنا كنت أظنهم جُهلاء، كنت أظنهم أغبياء، الحقيقة هم الأذكياء.

﴿  فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) ﴾ 

[  سورة المطففين  ] 

كانوا يتغامزون .

﴿  وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30) ﴾ 

[  سورة المطففين  ] 

كانوا يزدرون المؤمنين . 


فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ


1 – لعنةُ الله على الكافرين نوعٌ من العذاب :

﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾  اللعنة هي البعد، أكبر عقاب يُعاقب به الإنسان أن الله يلعنه .

﴿  كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15) ﴾ 

[  سورة المطففين  ] 

﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾  الله أبعدهم عن ذاته العليّة، أبعدهم عن جنته، أبعدهم عن رحمته، أبعدهم عن النظر إلى وجهه الكريم، أبعدهم عن رضوانه .

2 – الوعدُ أصبح واقعا :

أيها الإخوة، النقطة الدقيقة أنّ الذي كان وعداً أصبح واقعاً، وأنّ الذي كان وعيداً أصبح واقعاً، أنت في الدنيا أمام إنسان مُرابٍ ولا يعبأ، يزدري آية الربا، ثم يقول: من قال: إن الله سيحاسبني؟ أموالي تضاعفت أضعاف مضاعفة، هذا المُرابي الوقح، المُستعلي، الذي يتباهى بأنه يعصي الله، وأمواله تزيد، حينما تُدمَّر أمواله كلها يحصل للمؤمنين توازن، أنّ هذا الوعد للمؤمنين بالرزق .

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾ 

[  سورة البقرة ] 

وأن وعيد الكفار بالمحق: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ .

يعني بشكل عام حتى في الدنيا تحقُّقُ الوعد والوعيد يريح المؤمن، ويُتعِب الكافر، أنت من؟ أنت إنسان تعلّقتَ بوعد الله، دققوا :

﴿  أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾ 

[  سورة القصص  ] 

هل يستويان؟ إنسان وعده خالق السماوات والأرض بالجنة، وإنسان أوعده الله بالنار، هل يستويان؟

لذلك أيها الإخوة ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ .


فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ


من هم الظالمون ؟

1 – الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ

من هم الظالمون ؟ قال :

﴿  الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ  وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ(45) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

أخ له أخٌ آخر، التحق بجامع، يخوِّفه، يحذّره، يتهم روّاد المساجد بتهمٍ باطلة، ما لها أصل أبداً، ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾  هم بالأصل صدوا أنفسهم عن سبيل الله، ولم يكتفوا أنهم صدوا أنفسهم، صدوا غيرهم عن سبيل الله، سبحان الله! تجد غير المؤمن همُّه الأول أن يبعِد الناس عن الدين، إن التحق بمسجد يخوفه، وإن أدى زكاة ماله يخوفه من الفقر، وإن وصل رحمه: عليك من نفسك، وإن عملَ عملاً صالحاً، أي حركة يتحركها المؤمن ابتغاء مرضاة الله، الكافر وغير المؤمن يخوّفه، يحذّره، يسفّه له عمله ويعظّم له عمل أهل الدنيا .

2 – وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا

﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾  شيء غير واضح، يعني جهة قوية تحتل بلاداً من أجل ثرواتها فقط، تدَّعي أن فيها أسلحة دمار شامل، تدّعي أنها جاءت من أجل الحرية والديمقراطية، يعني الشيء المُعلَن غير حقيقي، فيه كذب، فيه دجل، الشيء المُعلَن غير حقيقي ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ 

لذلك أهل الدنيا حتى فرعون ماذا قال ؟

﴿ يَٰقَوْمِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَٰهِرِينَ فِى ٱلْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ (29) ﴾ 

[  سورة غافر  ] 

يذبِّح بني إسرائيل، يذبّح أبناءَهم، ويستحيي نساءَهم، قال: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾  الكذب قديم، والدّجل قديم، والتزوير قديم، يعلن شيئًا، ويخفي شيئاً آخر، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

 بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ  

[  رواه الترمذي عن أبي هريرة  ] 

كل شيء مُعلَن يفعل عكسه، فلذلك مَن هم الظالمون ؟ 

﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾  ويصدون الآخرين، يصدون أنفسهم، ويصدون غيرهم، فهو ضال مُضِل، فاسد مُفسِد .

﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾  الأمور ليست واضحة، كل أهدافهم القذرة والخسيسة تُغطَّى بكلمات برّاقة، يعني المنافق: مَرِنٌ، والفتاة المتبذّلة: متحضِّرة، والذي يأكل المال الحرام: ذكي، والغارق في الشهوات: يعيش وقته، ويلبّي حاجاته الأساسية. 

﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾  الحياة مُرّة، التعبير عنها براق، مثلاً: أرض مغتصبة شُرِّد شعبها، يقول لك: أزمة الشرق الأوسط، ليس فيه معنى اغتصاب، إنسان يدافع عن دينه، يقول لك: أصولي، هذه المصطلحات مدروسة دراسة عميقة جداً، تؤدي معنى معاكس لواقعها ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ .

3 – وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ

لأنه كفر بالآخرة استغنى عن طاعة الله، لأنه كفر بالآخرة فعل كل شيء مُحرَّم، لأنه كفر بالآخرة بنى حياته على الأخذ .

لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب ﴿وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ .

آية أخرى :

﴿  وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74) ﴾ 

[  سورة المؤمنون  ] 

﴿  وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 


بين أهل الجنة وأهل النار حجابٌ : وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ 


بين أهل الجنة والنار حجاب، لكن هذا الحجاب من جهة المؤمنين حجاب رحمة، ومن جهة أهل النار حجاب عذاب، هذا الحجاب لا يمنع الرؤية، حتى تتضاعف السعادة للمؤمنين، ويتضاعف الشقاء للمجرمين . 


وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ


﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾  الأعراف جَمعُ عُرف، وهو عُرف الديك، أعلى مكان في الديك، يبدو أن بين الجنة والنار مكاناً مرتفعاً جداً عليه رجال .

﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ 


يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ


يرون أصحاب الجنة بسيماهم، سِمة الطُّهر، سِمة العفاف، سِمة النور، سِمة الجمال، سِمة الرضا، سِمة المحبة، وأنت في الدنيا، المؤمن لو لم تكلمه من أدبه، من إشراق وجهه، من تواضعه، من معاملته الطيبة، من صدقه، من أمانته، من عفافه، من إنصافه تعرفه مؤمناً، له سمات، والكذوب له سمة، والجبار، والخسيس، والدنيء تعرفه غير مسلم، له سيماء .

في الآخرة قال: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾  يعني مكان مرتفع مشرف على أهل الجنة وعلى أهل النار . 


وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ


﴿يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾  أن هنيئاً لكم ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾  هناك إنسان حضر احتفالاً، قُدِّمت جائزة ثمينة جداً للأول، قال له: هنيئاً لك، لكن لم يُتَح له ذلك .

﴿  وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(47) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 


ما صفاتُ أصحاب الأعراف :


من هم أصحاب الأعراف ؟ الله عز وجل قال :

﴿  فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7) ﴾ 

[  سورة القارعة  ] 

إلى الجنة .

﴿  وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) ﴾ 

[  سورة القارعة  ] 

إلى النار .

﴿  وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10) نَارٌ حَامِيَةٌ(11) ﴾ 

[  سورة القارعة  ] 

لكنّ أصحاب الأعراف تساوت حسناتهم وسيئاتهم، لو أنّ الحسنات غلبت لكانوا من أهل الجنة، لو أن السيئات غلبت لكانوا من أهل النار، أما أصحاب الأعراف فتساوت حسناتهم وسيئاتهم، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، يعني في تجارته كان مستقيماً، أما في بيته وعلاقاته الاجتماعية فما كان مستقيماً، أو في بيته مستقيم أما تجارته فيها ربا، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، مع زوجته لطيف جداً، ومع أي امرأة لطيف، ما عنده موانع، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لا يصوم إلّا أنه يحب الخير، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، هؤلاء يجلسون على مكان مشرف على أهل الجنة وعلى أهل النار، فإن اتجهوا إلى أصحاب الجنة قالوا: ﴿أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ﴾  قسراً ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ 

الشيء الثالث: 

﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ(48) ﴾ 

 الآن في جهنم كبراء:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا  لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(123) ﴾ 

 

[ سورة الأنعام  ] 

هناك أشخاص عاديين بجهنم، وهناك أشخاص كبراء، كانوا كبار المجرمين في الدنيا .

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾  هذا الكبير في النار كان حوله تجمّع كبير جداً، وأحلاف، تنظيمات، أحزاب، تعاون، تواطؤ، إمكانيات، هؤلاء الكُبراء في النار، كانوا قد جمعوا الناس حولهم، فأصحاب الأعراف نادوا هؤلاء الرجال، لأنهم: ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾  في الدنيا أحلاف، أوربا كلها مع الدولة المعتدية الكبرى من أجل البترول، قبولها لجرائم القطب الأول دليل التملّك، دليل الخوف، وفقدت مصداقيتها .

في الدنيا أحلاف، وتجمعات، وأحزاب، وطوائف، وتكتلات، أما في الآخرة :

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94) ﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 

كل هذه التجمعات لا تغنيهم، لذلك: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾  أين جمعكم في الدنيا ؟

أحياناً يُعاقَب إنسان، يقول لك: جاءني مئة تلفون من أجله، هناك ضغوط، وتكتلات، وتجمعات، ووساطات، وأحلاف، وأحزاب، وطوائف في الدنيا، أما في الآخرة فلا شيء من هذا القبيل ﴿جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ 

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ 

﴿  أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ  ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(49) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 


أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ


كنتم تحتقرون المؤمنين، كنتم تزدرونهم، كنتم تظنون أنهم محدودو التفكير، أنهم مُغفّلون، أنهم متزمّتون، أنهم ضيّقو الأفق، أنهم يتعلقون بالأوهام، بالغيبيات، بما وراء الطبيعة، بكتاب ليس من عند الله، توّهموه من عند الله .

﴿أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾  قال لإن أصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم لأنهم تمنوا أن يكونوا في الجنة مع أصحاب الجنة، ولأنهم ازدروا أهل النار الآن رجحت حسناتهم .

إن الإنسان غير الملتزم أحياناً له أخ ملتزم، وأخ غير ملتزم، يقول لك: والله الملتزم أشرف وأقوى، وأنا أحبه أكثر، والثاني ليس ملتزماً، لكن والله أحتقره، لأنه عظّم المؤمن، المستقيم، الأخلاقي، هذه ميزة. 


ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ


الله عز وجل أَكرمَ أهل الأعراف فقال: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ 

إذاً: هم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم، حينما ﴿َنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ فقالوا ﴿أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾  ثم هؤلاء أصحاب الأعراف ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾  كبراء أهل النار.

مثلاً: الذي سبّب حرباً عالمية ثالثة انتهت بخمسين مليون قتيل، ومئة مليون مصاب، من هؤلاء الكُبراء، الذي أمر بإلقاء قنبلة على هيروشيما ونكزاكي، وقتل 300 ألف في كل مدينة في ثلاث ثوانٍ، هؤلاء كبراء، الذي قاد حرباً عالمية ثانية، الذي قاد حروباً خلّفت المآسي، مليون قتيل، وأربعة ملايين مُشرّد، ومليون معاق، هؤلاء الذين يتخذون قرارات، هؤلاء كبراء أهل النار، يقال لهم: 

﴿مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾  ﴿أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾  

﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ  قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50) ﴾ 

[ سورة الأعراف  ] 


جوابا على طلبات أهل النار : إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ


انتهى التكليف، انتهى العمل الصالح، انتهى التسامح، انتهى العفو ﴿قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾  أنت في الدنيا قد تُعين إنساناً منحرفاً، قد يكون قريبك، طلب منك مساعدة فتلبّيه، أمّا في الآخرة فلا تكليف، هناك زواجر، هناك أوامر ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ .


ما صفات هؤلاء الكافرين المحرومين؟


مَن هم؟ قال:

﴿  الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً  وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(51) ﴾ 

[  سورة الأعراف  ] 

والله يا إخوان، حضرت مؤتمراً للعبادات في واشنطن، المؤتمر غريب، عبادات فقط، لا محاضرات، ولا إلقاء كلمات، 18 ديناً في الأرض، كل دين عرض عباداته، صدقوني ولا أبالغ فقط الدين الإسلامي كان الأذان خشعت له الأبصار، وبعضهم بكى، ثم جاء طبيب فقرأ صفحة من كتاب الله من سورة آل عمران، وجاء طبيب آخر شرح هذه الصفحة، له 8 دقائق في الدين.

1 – الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا 

﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ 

ما هو اللهو واللعب ؟

ما هو اللهو؟ أن تنشغل بالخسيس عن النّفيس، عندك كتاب مُقرّر، الفحص بعد أسبوع، يُبنَى على نجاحك تعيينك بمنصب له دخل جيد، تتزوج، تشتري بيتاً، تنجب أولاداً، تركت الكتاب المقرر، وأخذت كتاب قصة إباحية، أمضيت فيها الأيام الأربعة، اشتغلت عن النفيس بالخسيس، غُصت في أعماق البحر، تركت اللؤلؤ، وجئت بالأصداف، أمضيت الوقت كله في لعب النرد، كان من الممكن أن تحضر مجلس علم، لكنك اشتغلت عن النفيس بالخسيس، هذا اللهو.

أما اللعب: إذا عملت عملاً لا جدوى منه إطلاقاً، تابعت مثلاً لعباً معيناً، تابعت شيئاً ما فيه نفعٌ ولا ضر.

فلذلك اللهو واللعب، اللهو: اشتغلت بشيء خسيس عن شيء نفيس، واللعب: لم تحقق هدفاً لا إيجابياً ولا سلبياً، يقول لك: سنمضي الوقت أو نقتل الوقت ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ 

2 – وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

الدنيا كبيرة جداً عند أهل الدنيا، يعني يعبد المال من دون الله، يعبد المرأة من دون الله، قال لي واحد: لا أستطيع أن أغض بصري لو ونش لا يغيرني لا يمسكني عن امرأة، لا أقدر .

﴿اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾  رأوها بحجم أكبر من حجمها .

هناك قصة وقعت في الشام لموظف في سوق الحميدية، يجمع قمامة المحل ويضعها بعلبة فخمة جداً، يغلّفها بورق غالٍ جداً، يضع عليها شريطاً حريرياً لمّاعاً جداً، يضعها على الرصيف، يأتي إنسان يظن فيها مطيف ماس، يحملها، ويمضي سريعاً، يتبعه، بعد 200 متر يفك الشريط، 200 متر يفك الورق، 200 متر يفك العلبة، فتخرج قمامة المحل فيسب ويلعن، هكذا الدنيا، تكتشف الحقيقة عند الموت، المال لا قيمة له .

﴿  كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25) ﴾ 

[  سورة الدخان  ] 

القيمة لِمَا بعد الموت، الغنى والفقر بعد العرض على الله . 


فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا


﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا﴾  معنى ننساهم: أبعدناهم عن المعالجة، فإذا عالج الله شخصاً كلما أخطأ ساق له شدة، يشكر الله عز وجل، لأنه ضمن العناية المشددة، وإذا كان الله يتابعك فاشكر الله، معنى ذلك أنك قابل للشفاء، معنى ذلك أنك دخلت في سلّم المعالجة، لكن مَن هؤلاء الأشقياء الذين أوتوا الدنيا من أوسع أبوابها، وهم في أشد أنواع المعصية.

﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) ﴾ 

[  سورة الأنعام  ] 


وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ


﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾  جحدوا آيات الله الكونية، الكون، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال والأنهار، وجحدوا آياته التكوينية، أفعاله، كالزلازل، والبراكين، وجحدوا معجزات الأنبياء، ما صدقوها، ولم يعبؤوا بها، وجحدوا آياته القرآنية .

﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ .


خاتمة :


أيها الإخوة الكرام، هذه الآيات التي شُرحت في هذا اللقاء الطيب من أجل أن تعرف ماذا ينتظر المؤمنين يوم القيامة، يعني المؤمن حينما يتحقق اسم الله (العدل)  تتضاعف سعادته، والكافر حينما يلقى الوعيد الذي وعده الله عز وجل تتضاعف آلامه . 

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور