وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 14 - سورة الأعراف - تفسير الآيتان 31 - 32 ، الزينة ـ خذوا زينتكم عند كل مسجد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الواحدة والثلاثين، وهي قوله تعالى :

﴿  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31) ﴾

[ سورة الأعراف ]


مقدمة بين يدي الآية :


1 – الكونُ مسخَّر للإنسان :

 أيها الإخوة، الإنسان كما تعلمون هو المخلوق الأول رتبة، لأنه حمل الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض، لذلك سخر الله له :

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(13) ﴾

[  سورة الجاثية ]

2 – العلمُ هو غذاءُ الجانب العقلي في الإنسان :

 هذا الإنسان فيه جانب عقلي، الجانب العقلي غذاؤه العلم، وفيه جانب نفسي قلبي غذاؤه الحب، وفيه جانب مادي غذاؤه الطعام والشراب.

 لذلك يُقال: إن الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية لا يزيد عن علم وفلسفة وفن، العلم: ما هو كائن، العلوم: فيزياء، المادة والطاقة وتحولاتهما، كيمياء، رياضيات، فلك، علوم طبيعية، نبات، حيوان، طب، جيولوجيا، علم طبقات الأرض، تاريخ، جغرافيا، والعلوم لا تعد ولا تحصى، هي في الحقيقة دراسة الظواهر، الظواهر النفسية: علم نفس، الظواهر الاجتماعية: علم اجتماع، الظواهر المادية: علوم فيزياء، وكيمياء، وما شاكل ذلك . 

3 – تعريفُ العلمِ :

 تعريف العلم بشكل جامع مانع: علاقة ثابتة بين متغيرين، يعني قانون، حقيقة مُطّردة تطابق الواقع، عليها دليل، إن لم تطابق الواقع ليست علماً، بل هي جهل، وإن افتقرت إلى الدليل، فهي تقليد، وإن لم تكن قطعية فهي ظن، وهم، شك .

 إذاً: علاقة بين متغيرين، مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل

4 – تعريفُ الفلسفة :

 أما الفلسفة: ما يجب أن يكون، العلم ما هو كائن، الفلسفة ما يجب أن يكون، وقد يؤكد الفلاسفة هناك فلسفة الوجود، وجود الله عز وجل، وفلسفة المعرفة، وفلسفة القيم. 

5 – تعريفُ الفنِّ :

 أما الفن: كل ما هو ممتع، بدءاً من الشعر، الشعر أدب، والأدب فن، وقال العلماء عن الشعر: "حَسَنه حسن ، وقبيحُه قبيح " ، والنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه كما أنه قَالَ : 

((  إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا  ))

[ البخاري عن ابن عمر  ]

 هناك فنون مقبولة في الدين، وهناك فنون مرفوضة، فنون مسموح بها، وفنون محرمة، الخط فن، الشعر فن، الأدب فن، رسم النباتات ما فيه شيء، رسم الكائنات الحية عليه إشكال، الفن بعضه سمح به الشرع، بعضه حرّمه الشرع .

 الآن هذه المقدمة من أجل كلمة: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ﴾


يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ


1 – الجانب الجمالي في شخصية الإنسان :

 عند كل إنسان حاجة جمالية، الإنسان يروق له البيت الجميل، يحتاج إلى الجمال، يروق له الطريق النظيف، النبي الكريم أمَر أن نُميط الأذى عن الطريق، 

 يروقه المركبة الجديدة : 

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

[  سورة النحل  ]

 تروقه الثياب الجميلة .

 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : 

((  إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ ))

 

[ أبو داود عن أبي الدرداء ]

 تروقه الحديقة، قال الله عز وجل :

﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) ﴾

[  سورة النمل ]

 بل : 

((  إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمال  ))

[  رواه مسلم عن ابن مسعود رضي اللّه عنه  ]

2 – كل حاجة جمالية لها قناة نظيفة تسري من خلالها :

 والحاجة إلى الجمال حاجة أساسية، لكن ما مِن حاجة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قنوات نظيفة، إذا جمّل الإنسان بيته، وجنة المؤمن داره، جمّل بيته، جمّل ثيابه، نظّف مركبته، فرضاً، عنده محل تجاري نظيف، مطلي، الحاجات في أماكنها، فيه نظام، فنحن نحب الجمال، نحب الكمال، نحب النوال، هذه فطرتنا.

 لكن الشيء المؤلم لماذا الطرف الآخر يعتنون جداً بمدنهم، وحدائقهم، وأبنيتهم، ومؤسساتهم، ودور عبادتهم، والمسلمون مقصرون في هذا، الفوضى والقبح منفّران، والنظام والجمال والأناقة مسعدان.

 أنا لا أقول: الجمال بالشيء الغالي، لكن يمكن أن تطلي الغرفة طلاء لطيفًا مريحاً هادئاً رخيصاً جداً، يمكن أن تشتري أثاثاً متناسباً مع الطلاء، هناك تناسب، فالحاجة الجمالية حاجة أساسية جداً.

 أحيانا إذا سافر الإنسان نزل في فندق من خمس نجوم، يدفع عشرة أضعاف الأجور، أو عشرين ضعفاً مقابل النظافة والجمال، أليس كذلك ؟ لكن يقابل ذلك معاصٍ وآثام. 


المعاني المستنبطة من قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ 


 على كلٍ الآية الكريمة: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ المعاني التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآية : 

المعنى الأول : الاغتسالُ ولُبسُ الثياب النظيفة المتناسبة :

 أن ترتدي ثياباً جديدة ونظيفة إذا أتيت إلى بيت من بيوت الله، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان له ثياب يرتديها في المناسبات، وفي المسجد، وحينما يلتقي الوفود، وكل إنسان مؤمن، والمؤمن سفير الإسلام، يمثل الدين، إذا دُعي إلى حفل، إذا جاء إلى المسجد، وكان ثيابه نظيفة، أقول: نظيفة، أقول: ألوانها معقولة فقط، أنا لا أطالبك بأكثر من ذلك، أنت مسلم، أحياناً تناسب الألوان، والألوان الهادئة، والثياب التي ليس فيها تقليد للغرب، الآن هناك من يشتري ثياباً فيها صور، فيها كلمات بالإنكليزية، لو يعلم الذي اشترى هذه الثياب ماذا تعني هذه الكلمات لخرج من جلده خجلاً . 

((  لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم  ))

[  أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس  ]

 ثياب نظيفة، غُسل الجمعة واجب، يعني أنا أريد أن أقول باختصار: لماذا الجانب الجمالي ضعيفًا في حياة المسلمين؟ مع أنهم أتباع سيد الخلق، وحبيب الحق، وكان يُعرَف بريح المسك، وكان يعتني بثيابه، وكان يقول: (فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ) على كلٍ، من معاني هذه الآية أن تأتي إلى بيت من بيوت الله بزينة، قالوا: الزينة الثياب النظيفة .

 والله حدثني أخ قال لي: أنا مغرم بحضور الدروس في المساجد، حضر درساً، وفي نهاية الدرس أُقيمت الصلاة، فلما سجد شم رائحة من جورب الذي أمامه خرج منها من جلده، قال لي: والله ما عدت آتي إلى هذا المسجد من شدة انزعاجي.

 فلما يكون الإنسان نظيفاً معطَّرًا، اغتسل، قلّم أظافره، رَجّل شعره، اعتنى بهندامه، هذا من العبادة: 

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ هذا معنى . 

المعنى الثاني : التستُّر وعدم التعرِّي :

 المعنى الثاني: كان الناس قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يطوفون بالبيت عُراةً، فحُملت هذه الآية على أن نرتدي ثياباً تستر عوراتنا، يعني دائماً البشر فريقان، فريق يبالغ في الستر، وهم المؤمنون، وفريق آخر يبالغ في التعري وهم الفسَقة، والشيطان يأمر بالتعرّي .

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

 فكلما اقتربت من أهل الإيمان كانت الثياب سابغة، وساترة، فحملوا هذه الآية أن ترتدي ثياباً فضلاً عن أنها نظيفة ومعقولة، أن ترتدي ثياباً تستر عورة الإنسان . 

المعنى الثالث : الزينةُ ما فوق الستر :

 وقال بعض العلماء: " الزينة ما فوق الستر " .

 يعني قد تكون غرفةُ الإنسان مطلية طلاء جيدًا، نظيفة، وجميلة، لكن زيّنها بمنظر طبيعي، زينها بآية، بخطاط كبير، زينها بزهور طبيعية، أو غير طبيعية، زينها بزاوية جمالية، الزينة عند بعض علماء التفسير تزيد على قوام الشيء .

 قد يكون الإنسان نظيفًا، وقد اغتسل، ويرتدي ثياباً جميلة، إذا كان خاطباً يضع وردة حمراء مثلاً، هذه الوردة زيادة، أحيان يضع عطرًا، الزينة تزيد على قوام الشيء . 

المعنى الرابع : الزينةُ هي الطيبُ :

 وبعضهم قال: " الزينة هي الطيب " ، وطِيب الرجال له رائحة، وليس له لون، بينما طِيب النساء له لون وليس له رائحة، لأن المرأة إذا تعطّرت وخرجت من بيتها، ولفتت النظر برائحتها الفواحة تلعنها الملائكة حتى تعود . 


الحدُّ الأدنى في فهم هذه الآية :


لكن الحد الأدنى من فهم هذه الآية: أن ترتدي ثياباً لا تؤذي بها أحداً في المسجد، يعني القصاب له ثياب خاصة، يرتديها أثناء العمل، الدابة فيها دم، فيها دهن، والدهن له رائحة، والحداد له ثياب خاصة، ثياب زرقاء، وعليها شَرَر، وعليها رائحة الفحم، وكل حرفة لها ثياب، لا ينبغي أن تأتي بهذه الثياب إلى المسجد، لأن هذه الثياب تؤذي من حولك، فالحد الأدنى في الفهم لهذه الآية: أن ترتدي ثياباً لا تؤذي مصلياً، أن تكون نظيفة، وأن تكون ساترة، وأن تكون إلى حد ما جميلة.

 أيها الإخوة ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾


تفسيرُ علماءِ القلوبِ لهذه الآية :


 بعض علماء القلوب فسّروا هذه الآية تفسيراً آخر، أحياناً يزور إنسان قريبه، ومعه هدية، هذه الهدية إذا زار قريبه المريض وقدّمها له، كأن معه شيء جميل، معه هدية، يعني بعضهم قال: أنت أردت أن تأتي إلى المسجد فهل عملت عملاً صالحاً لوجه الله ؟ هل أطعمت جائعاً ؟ هل كسوت عارياً؟ هل رعيت يتيماً؟ هل دللت إنساناً؟ هل أنفقت من مالك؟ هل جئت إلى بيت من بيوت الله ومعك هدية، معك زينة؟ الإنسان يفتخر بالهدية، إذا دخل بيتًا ومعه هدية حملها وأساريره منطلقة، حملها وعنده ثقة بنفسه، معه هدية، هذا أيضاً معنى آخر، يعني ائتِ بهدية إلى الله، وهدية الله أن تكون في خدمة خلقه. 

والعمل الصالح قرض حسن لله عز وجل .

﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)﴾

[  سورة البقرة ]

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ إخواننا الكرام، الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح، يسلم بالاستقامة، لكن لا يسعد إلا بالقرب من الله، والإنسان إذا اقترب من الله، اقترب من الرحيم، اقترب من العليم، اقترب من الحكيم، اقترب من الجميل، المؤمن جميل، جميل بأفعاله، بكلامه قيل للعباس: << أيّكما أكبر أنت أم رسول الله؟ عمه أكبر منه سنًّا، فقال لهم: هو أكبر مني، وأنا وُلدت قبله >>


الجمال يعم البدن والخُلق والمعاملات :


 نحن مِن ضعف تفكيرنا نظن الجميل في الشكل فقط، قد يكون الكلام جميلاً، جمال الرجل فصاحته، وأحيانا يكون الاعتذار جميلاً، وأحياناً يكون في المشي جمال، وهناك مشي مع الكِبْر، وأحياناً هناك جلسة على المقعد بأدب، إنسان يجلس ويباعد بين رجليه هكذا، أو يضع رجلاً فوق رجل استعلاءً، هناك جلسة جميلة، وهناك حركة جميلة، وهناك مشي جميل، وهناك استقبال جميل، وهناك وداع جميل، وهناك إغلاق باب بنعومة، أحيانا يركب الإنسانُ سيارة عامة، ويمسك الباب ويغلقه بقوة شديدة، فيخرج صاحب المركبة من جلده من قوتها، أغلقه بهدوء، بهدوء، وأحياناً هناك مشي مع جَلبة لا تحتمل .

 دخل رجل ليصلي مع النبي الكريم ليلحق معه الركعة الأولى فأحدث جَلَبة في المسجد فقال له : 

((  زادك الله حرصاً ولا تعد  ))

 

[ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة  ]

 قد يكون الإنسان ساكناً في بيت في طابق ثالث، أحب أن يصلي قيام الليل، يجب أن يوقظ البناية كلها بالحركة والضجيج .

 لذلك هناك حركة جميلة، وهناك كلام جميل، وهناك استقبال جميل، يأتيك ضيف تقول له: تفضل هل هناك موضوع معين؟ أهلاً وسهلاً نورت، أنا مشتاق إليك، هناك استقبال جميل، وهناك وداع جميل، وهناك إقامة مأدبة مع جمال. 


النبي عليه الصلاة والسلام قمة الجمال الأدبي :


 يعني الجمال واسع جداً، المؤمن قمة في الجمال، قمة في الأدب، قمة من الحياء: 

(( كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا. ))

[ صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري  ]

الموضوع واسع جداً، أنا أؤكد لكم أن المؤمن قمة في الجمال، قمة في الأدب، قمة في الاعتذار، قمة في الحديث، يستمع، وتراه يصغي للحديث بقلبه وبسمعه، ولعله أدرى به.

 أحياناً يشكو لك إنسان أن ابنه سيء، فتقول أنت عن ابنك: والله عندي ابن الله يرضى عليه لا مثيل له، هذا الموطن موطن مواساة، لا موطن افتخار عليه بابنك. 

((  عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  ))

[  رواه مسلم  ]

 منتهى الأدب، الجمال واسع جداً، وأعظم جمال جَمال الروح، أعظم جمال التواضع، أعظم جمال الحكمة، أعظم الجمال العطف على الآخرين، من علامات نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه .

 قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : 

((  أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ ، قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : فَسُمْنِي بِهِ ، قَالَ : قَدْ قُلْتُ ، أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : قُلْتُ : لَا ، إِذًا يَغْبِنُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَبِدِرْهَمَيْنِ ، قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْأُوقِيَّةَ ، قَالَ : قُلْتُ : فَقَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : قَدْ رَضِيتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قُلْتُ : هُوَ لَكَ ، قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ  ))

[  أخرجه أحمد عن جابر  ]

 سيد الخلق بأعلى مقام، النبي الأول، والرسول الأول يداعب شاباً، ساومه عليه، بدرهم، بدرهمين، بثلاثة، قال له: بعته، فلما وصلوا المدينة أعاد له الجمل فقال له: خذه وهذه ثلاث دراهم.

يدخل الإنسان بيته فيصبح عيدًا، وهناك إنسان يخرج من بيته فيصبح عيدًا، في الحالتين عيدٌ، لكن البطولة في الدخول لا في الخروج. 

 والله يا إخوان الموقف الكامل يملؤك سعادة وكمالاً، تكون في البيت محبوبًا، تحب أهلك، تحب أولادك، محسن، بين أن تعيش العمر نغصاً، وعداوة، وبغضاء، وتراشق تهم، وسباب، وتكسير زجاج، وخبط أبواب، ومسبات دين، البيت كتلة من الشقاء، من البعد عن الله، وبين أن تكون قريبًا من الله، يصبح دخولك عيدًا.

 معظم الشباب الآن إذا أحب أن يمزح مع زوجته يقول لها: أريد أن أطلقك، أو أريد أن أتزوج امرأة ثانية، لا مزح له إلا بهذين الموضوعين المزعجين، فهو قليل ذوق، يجب أن تشعر بالطمأنينة.

 حكت له السيدة عائشة عن أبي زرع وأم زرع، كان الحديث طويلاً، وممتعاً جداً، وكان يصغي لها، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، يحمل أكبر دعوة في الأرض، يصغي لها، لكنها قالت لها بعد أن انتهت القصة: غير أنه طلقها، فقال لها: 

(( يا عائشةُ ! كنتُ لك كأبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ ، إلا أنَّ أبا زرعٍ طلَّق ، و أنا لا أُطلِّقُ . ))

[ أخرجه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها ]

 هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام .

كلمة جمال واسعة جداً، يمكن أن يكون جمال الجسم لما تغتسل، رائحته الطيبة، امرأة في الجاهلية من أعلام الجاهلية، نصحت ابنتها قبل الزفاف فقالت لها: والماء أطيب الطيب المفقود، إذا ما عندك عطر إطلاقاً اغتسل فقط، ثبت أن لكل واحد رائحة عطرة لجلده، ويتميز بها، للتأكد لك ابن صغير، إذا تحمم ضمه وشمه، فيه رائحة جميلة جداً، الجلد له رائحة جميلة، والماء أطيب الطيب المفقود، بدءاً من أن تكون نظيفاً مروراً بنظافة الثياب، ثم بأناقة الثياب، ثم بنظافة البيت، وجمال البيت.

نظافة وجمال، أنا لا أقول أبداً: بيت غالٍ، إطلاقاً، يمكن أن يكون بيتك متواضعاً جداً، والفرش متواضع جداً، لكن فيه لمسات جمالية، فيه تناسق، فيه ذوق، وفضلاً عن بيته مركبته، يغسلها، أحياناً محله التجاري .

 والله مرة كنت بمحل تغيير زيت السيارة غير معقول، كأنك جالس بصالة في فندق، وهو محل تغيير زيت، الآن ببعض البلاد معامل فيها مناطق جميلة جداً، فيها نظافة، فيها أناقة، لأن الإنسان يعيش عمرا واحدا .

 أنا أدعو إلى أن يكون الجمال عنصرًا أساسيًا في حياتنا، لكن أهل الفسق والفجور لا يفهمون الجمال إلا جمال المرأة المتبذلة، وإلا أن يغوص في حمأة الجنس، يقول لك: إن الله جميل يحب الجمال، هذا الكلام كلمة حق أُريد بها باطل .

 أيها الإخوة ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾


وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا 


1 – لابد من الاعتدال حتى في المباحات :

 هذا أمر إباحة ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ ثبت الآن أن الإنسان مبرمج ومُصمَّم على الاعتدال، إذا كان معتدلاً أجهزته تكفيه مدى الحياة، كل أعضائه، وأجهزته، وحواسه، يمكن أن تكون معه إلى آخر أيامه، بشرط الاعتدال في الطعام والشراب، وحتى في المباحات، ففيها اعتدال، أخي مباح، الإسراف في المباح له مضاعفات خطيرة. 

مرة قيل أن هذه المادة الفلانية التي تحلي بها الطعام من دون أن يكون لها حريرات مسرطنة، فردوا على هذا الكلام: أي شيء إذا أسرفت به مسرطن، أي شيء، كأن هذا الإنسان بأجهزته وأعضائه وحواسه مصمم على الاعتدال، فإذا بالغ، وإذا أسرف وقع في شر عمله . 

2– بين الإسراف والتبذير :

 أيها الإخوة، الإسراف في المباحات، والتبذير في المعاصي والآثام، أيُّ مال أنفقته في حرام فأنت مبذّر، مضطر أن أقول هذا الكلام: شراء الدخان تبذير، ليس إسرافاً.

﴿  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً(27) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

 أيُّ شيء محرم شراؤه تبذير، أما أيّ شيء حلال الأخذ منه أكبر من الحد المعقول إسراف، فالإسراف في المباحات والتبذير في المعاصي والآثام. هناك شيء آخر، مقولة لطيفة : لو أنفقت مثل أُحدٍ ذهباً في حِلٍّ لما كنت مسرفاً .

يعني رجلٌ من أهل الغنى أقام عقد قران لابنته، وأنا حضرت هذا العقد، دعا ألف إنسان، واتفق مع مطعم لتقديم الطعام، كل إنسان كلف ألف ليرة، المبلغ مليون، وهناك أناس حضروا، وانتقدوه انتقاداً شديداً، أنا تريثت، ثم علمت أن هذا الطعام لم تذهب حبة رز هباءً، وُضع في المعلبات، وفي الأواني، وأُصلح شأنه، أُضيف له اللحم، ووُزّع على معاهد، وعلى مياتم، وأكلوا منه حوالي عشرين يوما، ودفع مليون ليرة لتزويج الشباب فوق المبلغ، لم يكن هناك إسراف ولا بحبة رز، فقالوا : لو أنفق مثل أحد ذهباً في حلٍّ لما كنت مسرفاً، ولو أنفقت درهماً واحداً في حرام لكنت مسرفاً، وبالأصح كنت مبذراً .

 لذلك الإسلام دين الفطرة ، قال عليه الصلاة والسلام : 

((  أشدكم لله خشية أنا ـ سيد الخلق ـ أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء آكل اللحم ، هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي  ))

[  البخاري عن عائشة  ]

 إسلامنا وسطي، إسلامنا دين الفطرة ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ولا تسرفوا في أي شيء. 

3 – الغرق في المباحات وقوعٌ في حبائل الشيطان :

 إخواننا الكرام، لكن لابد من تعليق: إذا غرق الإنسان في المباحات فقد وقع في حبائل الشيطان، كيف؟ الشيطان دائماً يزيّن للإنسان -والعياذ بالله- الكفر، فإن رآه على إيمان زين له الشرك، فإن رآه على توحيد زين له الكبائر، إن رآه على طاعة زين له الصغائر، إن رآه على ورع زين له البدع، إن رآه على سنة زين له التحريش بين المؤمنين، هذا الشيخ لا يفهم، اتركه، فإن رآه على استقامة آخر ورقة بيد الشيطان ليصرف الإنسان عن عبادة الرحمن المباحات، يغرق في المباحات، ثم يأتيه الموت فجأة، عندئذٍ يضطر أن يقول :

﴿  يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) ﴾

[  سورة الفجر  ]

 تصور بيتاً تسكنه مستأجِراً، ونظام الإيجار في بلد ما أن المستأجر يُطرد في أية ثانية، من دون إنذار، ولا يُسمح له بأخذ شيء من هذا البيت، اشترى الثريات، السجاد، أبداً، يخرج بثيابه، الساعة الثالثة والنصف بالليل، لو كان في بلد هكذا نظام الإيجار فيه، وأحدهم دخله كبير، هل من العقل أن يفرش هذا البيت، ويشتري الثريات، السجاد، الأثاث، أجهزة الكهرباء، وبأي لحظة يكون خارج البيت؟ ولا يُسمح له بأخذ شيء؟ هذا مجنون، وعنده بيت على الهيكل، لكنه بعيد، بدخلك الكبير؟ اكسُ هذا البيت، رمم هذا البيت، افرش هذا البيت، اطلِ هذا البيت، فلذلك الذي يضع كل البيض في سلة واحدة مغامر ومقامر.

 إذاً: إحدى أوراق الشيطان أن نغرق في المباحات . 

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ المسرف ضيّع عليه خير الآخرة، إن أسرف في المباحات انشغل بها عن الطاعات، وإذا فعل المحرمات حجبته عن قيوم الأرض والسماوات ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.


الأصل في الأشياء الإباحة : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ


﴿  قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

1 – الأصل في الأشياء الإباحة :

 هذه الفواكه تملك ثمنها، الله خلقها لك، لمَ لا تشتريها؟ تملك ثمنها، وأولادك توّاقون إليها، لمَ لا تشتريها ؟ أخي عندهم أكل، الأكل قوت، أما هذه فهي فاكهة، وقد قال الله عنها :

﴿  لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57) ﴾

[  سورة يس  ]

 الشيء الجميل خلقه الله جميلاً، وسمح التعامل معه، إذاً: لا تقل: أنا لا أتزوج، من أنت ؟ الزواج سنة، الأنبياء تزوجوا، وهو شيء لا يعيق هدفك الأخروي .

2 – البطولة في العمل الصالح لا في الامتناع عن المباح :

  أيها الإخوة، مرة ثانية: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ﴾ يعني البطولة لا أن تمتنع عن المباحات بل أن تعمل الصالحات، وهناك فرق كبير بين أن تمتنع عن المباحات فتشعر بالحرمان الدائم، وبين أن تفعل الصالحات فتتألق عند الله عز وجل، هذا المفهوم الإيجابي للإيمان، يعني الزهد أن تزهد في الآخرة، الزهد المحرم أن تزهد في الآخرة، أما الذي يسعى للآخرة فهذا طموح كثيراً. 

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لهم ولغيرهم .

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾

[ سورة البقرة ]

3 – نِعم الدنيا المادية لجميع الناس ، ونعم الآخرة للمؤمنين خاصة :

 هناك كفار يتفننون في الطعام والشراب، عندهم بيوت فخمة جداً، مركبات فخمة جداً، يتزوجون نساء جميلات جداً، عندهم أذواق في النزهات، وفي السهرات، وفي الحفلات .

 لذلك الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل، الآخرة وعد صادق، لذلك قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لهم وحدهم يوم القيامة، أما في الدنيا لهم ولغيرهم، لذلك الله أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه، وبالتالي أعطى سليمان الملك وهو يحبه.

﴿  قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35) ﴾

[  سورة ص  ]

 ما دام الله قد أعطى المُلْكَ لمن يحب، ولمن لا يحب، إذاً ليس المُلْكُ مقياساً، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه، أعطاه لعبد الرحمن بن عوف، وهو يحبه، إذاً: المال ليس مقياساً، لا يعد الفقير أقلَّ قيمة عند الله، ولا الغني أكبر قيمة، سيدنا عبد الرحمن بن عوف قال: ماذا أفعل إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء، ماذا أفعل؟ كان تاجراً مراً قال: والله ما استقليت ربحاً، ولا بعت ديناً، تعلموا هذا الدرس، ولا بعت ديناً:  

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لهم، الآن الطلاب في أثناء العام الدراسي كلهم دارسون، الامتحان لم يأتِ بعد، كلهم مثل بعضهم، يتمتعون بكل الميزات، أما عند الامتحان فيكرم المرء أو يهان . 

4 – الطيبات من الرزق معها طاعة لله ، وسعادة بالعيش :

 هناك رأي آخر، الآية دقيقة، يعني هذه الطيبات من الرزق معها طاعة لله، معها إقبال على الله، معها سرور إيماني، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : 

((  من أصبح منكم آمنا في سربه  ))

[  رواه البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن  ]

 هذا أمن الإيمان، أنت مستقيم على أمر الله، وعندك شعور أن الله يحبك، وأنك لم تعصِه، وأنك تحب عباده المؤمنين، وأنك في خدمتهم، ولم تبنِ مجدك على أنقاض الخلق، ولا بنيت أمنك على إخافتهم، ولا غناك على فقرهم، ولا حياتك على موتهم، ولا عزك على ذلهم، عندك إحساس أن الله يحبك، هذا الإحساس مريح جداً، هذا إذا ضُمّ إلى ما سمح الله لك من طعام وشراب، وصحة وزواج، يكون هذه الحالة نادرة وخالصة للمؤمنين، يعني مؤمن جمع بين الراحة النفسية وبين النِّعم التي أنعم الله بها عليه . 

﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وهناك قول: في الدنيا يمتاز على أهل الدنيا الذين انغمسوا في هذه المتع أنه موصول بالله عز وجل، فصلة المؤمن سعادة من الداخل، ومتعة من الخارج . 

﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور