وضع داكن
20-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 28 - التربية الإجتماعية -15- أدب العطاس
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الأخوة الكرام مع الدرس الثامن والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، وسنتابع الآداب التي أدّب بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه ، والآداب اليوم هي أدب العطاس والتثاؤب .

للأدب طريقان طريقٌ تعلُّمي وطريقٌ ذوقي :

 أريد أن أبيّن هذه الحقيقة وقد ذكرتها من قبل ولكن في إعادتها فائدة كبرى ، الأدب له طريقان ، طريقٌ تعلُّمي ، وطريقٌ ذوقي ، فكلّ إنسان اتصل بالله عزَّ وجلَّ ومن خلال هذه الصلة يكافئه ربنا بأن يمنحه خلقاً حسناً ، فالأخلاق الأصيلة الحقيقيّة التي يمكن أن تكون سبباً في سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة هي أخلاقٌ مكتسبة من الله عزَّ وجلَّ ، هذه الأخلاق لا علاقة لها إطلاقاً بالأخلاق التجاريّة .
الأذكياء دائماً وبحكم ذكائهم يسلكون سلوكاً مقبولاً محموداً لينتزعوا إعجاب الناس وليحققوا مصالحهم .
 أي أنّ الشيء الذي تسمعونه أحياناً : فلان يفعل هذا من أجل الانتخابات ، ليس عنده رغبة في الإصلاح ، ولا في السلام مثلاً ، ولكن من أجل الانتخابات يفعل هذا ، معنى ذلك أنّ الأفعال البشريّة من الأشخاص الذين لا يعرفون الله سبحانه وتعالى أفعال معلولة بالمصالح ، وهذه الأخلاق تتفوق أوروبا بها كثيراً ، تتحدّث عن حقوق الإنسان وهي أكبر جهة في الأرض تنتهك حقوق الإنسان ، تراعي حقوق الحيوان وهي تهضم حقوق الشعوب .
 الإنسان أحياناً بذكائه يتصرَّف تصرُّفاً محموداً ومقبولاً ، هذا التصرُّف أيها الأخوة لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، هذا التصرُّف أساسه الذكاء ، وهدفه المصلحة ، إما الإعجاب المعنوي كانتزاع إعجاب الآخرين ، وإما المصالح الماديّة ، وهذا خارج نطاق دروسنا كلّها ، فالأذكياء دائماً لهم تصرُّفات مقبولة في انتزاع إعجاب الآخرين وهي ليست عبادة وليس هذا من الدين ، الأخلاق الأصيلة التي تسعد صاحبها إلى الأبد أخلاقٌ اشتُقَّت من اتصال العبد بربّه هذه واحدة .
 هناك أسلوب ذوقي أساسه الصلاة ، وإذا كان الذوق العام ضعيفاً ، والاتصال ضعيف تأتي هذه الدروس لنذكر فيها ما فعله النبي وما لم يفعله ، وهذا أسلوب تعليمي أساسه التبيين ، كان النبي إذا عطس مثلاً فعل كذا ، أو إذا رأى من أصحابه شيئاً قال : كذا ، هذا أسلوب تعليمي بياني ، وهناك أسلوب إشراقي .

الكمال نوعان كمال إشراقي وكمال بياني :

 يمكن لك أن تتأدّب بآداب الإسلام مرّتين ، مرّةً باتصالك بالله عزَّ وجلَّ ، وعندي في ذلك شواهد كثيرة ، فأحياناً تجد إنساناً موصولاً بالله يوضع في ظرف معيّن فيتصرّف وفق الحكم الشرعي وهو لا يعلم الحكم الشرعي أصلاً ، وأنا أعلم علم اليقين أنّه لا يعلم الحكم الشرعي لكنّ الكمال الذي اشتقّه من الله عزَّ وجلَّ أملى عليه أن يفعل كذا وكذا ، ولا مجال لذكر كثير من الشواهد في ذلك .
 الآداب إما انضباط ذاتي ، أو انضباط خارجي ، فالإنسان بوعيه يقول : هذه لا يجوز فعلها ولا أفعلها ، وهذه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وهذا شيء جيّد أيضاً ، فقد تلقيت دروساً في العلم وعرفت سلوك النبيّ الكريم ، والأسلوب الصحيح الكامل ، وبوعيك انضبطت ، لكن لو اتصلت بالله عزَّ وجلَّ تشتقُّ من الله الكمال ، وهذا الكمال هو الكمال الإشراقي .
 هناك كمال بياني أساسه التعلُّم والتعليم والتذكُّر والوعي والسيطرة على الذات ، وهناك كما ذكرنا كمال إشراقي ، لكن المواقف التي تعجب الناس أحياناً من الأجانب والكفّار ، وهذه بالتأكيد لا علاقة لها إطلاقاً بالدين ، قضيّة ماديّة إما لهدف انتزاع إعجاب الآخرين ، أو لهدف آخر هو تحقيق مصالح معيَّنة ، والدليل على ذلك هذا الذي يتخلّق بأخلاق أساسُها الذكاء وحينما تضرب مصالحه ينقلب إلى وحش ، فكلّ نعومته تختفي ، وقد ذكرت هذا في خطبة الجمعة الماضية .
 بدأت الخطبة هكذا ، الإنسان له حاجات أساسيّة ، فعنده حاجةٌ إلى الحب وهي حاجة أساسيّة أن تُحِب وأن تُحَب ويستوي في ذلك كلّ الناس ولو كانوا غير مؤمنين ، وعندك حاجة إلى التقدير ، أن يقدِّرك الناس ، وعندك حاجة إلى الأُنس ؛ تأنس بالمجتمع ، وعندك حاجة إلى التقوّي بالآخرين والاحتماء بهم ، وعندك حاجة إلى الأمن ، فهذه كلّها حاجات اجتماعيّة ، وعندك حاجة إلى اقتباس أفكار الآخرين ومنجزاتهم ومعارفهم .
 مجموع هذه الحاجات الحب ، والتقدير ، والأُنس ، والأمن ، والتقوّي ، والاستنصار ، واقتباس المعارف والعلوم والمكتسبات ، كل هذه الحاجات وبمجموعها تولّد الدافع الاجتماعي .

الدافع الاجتماعي في الإسلام أساسه العبادة والتقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بخدمة خلقه :

 الإنسان بفطرته يميل إلى المجتمع ، إلى أن ينخرط فيه ، وأن يندمج مع المجتمع ، ويميل إلى الالتقاء مع الناس ، وفي الوقت نفسه هناك دافعٌ فرديّ ، ونزعةٌ انعزاليّة .
 لو أنّ هناك دافعاً اجتماعياً وآخر فردياً ، واصطدم الدافع الاجتماعي بالمصالح الشخصيّة فتجد الإنسان المقطوع عن الله الذي لا يعرف الله يركل بقدمه كل دوافعه الاجتماعيّة ويغتصب هذا الشيء ليحقق مصلحته ، فيأخذ بيتاً ليس له ، فأين سمعته ؟!! فقد أعارك البيت يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين ومن غير أن تدفع له إيجاره فسكنت فيه ثماني سنوات ، وقلت لصاحبه بعد ذلك : هذه المحاكم أمامك ؟ فأين هي سمعتك وخوفك على مكانتك ؟!! فعندما تحققت المصلحة الماديّة ركل سمعته الاجتماعيّة بقدمه ، هذا هو الإنسان قبل أن يعرف الله .
 لكن ماذا فعل الإسلام ؟ الإسلام غذّى الدافع الاجتماعي ، غذّاه ولكنّه صعّده وسما به ، فقد جعل الإسلام الدافع الاجتماعي أساسه العبادة ، أساسه التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ ، وأساس الدافع الاجتماعي في الإسلام التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، فكل ما لدى المؤمن من اجتماعيّات وميول اجتماعيّة هدفها التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، إذاً الدافع الاجتماعي عند المؤمن هو الله فقد سما به وصعّده فأصبح دافعاً نبيلاً قال تعالى :

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾

( سورة الإنسان )

 أصبح دافعه دافعاً سامياً هدفه أن تأخذ بيده إلى الله ، فتلتقي مع أخيك وتقوم بدعوته وتأخذه لنزهة وتخدمه وتعاونه ، من أجل هدفٍ واحد وهو أن تأخذ بيده إلى الله ، فأين الثرى من الثريا ، أين الدافع الاجتماعي عند الكافر وأين الدافع الاجتماعي عند المؤمن ؟
 شيءٌ آخر النشاط الاجتماعي عند المؤمن وفق قنوات نظيفة ، فلا يوجد اختلاط ، ولا تبادل أو تجاوز للحدود ، فالنشاط الاجتماعي أساسه القنوات النظيفة التي شرعها الله عزَّ وجلَّ ، لا يوجد كذب ، أو مجلس يسفك فيه دمٌ ، أو يُنتهك فيه عِرضٌ ، أو يُغتصبُ مالٌ فهذه المجالس محرَّم أن تجلس فيها ، فقد جعل لك كلّ النشاط الاجتماعي نظيفاً وضمن قنوات نظيفة .
 شيء آخر حينما يفسد المجتمع وتنحلُّ فيه القيم وتداس فيه المبادئ عندئذٍ يأمرك الإسلام أن تعتزل هذا المجتمع ، قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه :

(( الوحدة خيرٌ من جليس السوء .))

[الحاكم والبيهقي عن أبي ذر]

 إذاً قضيّة الآداب قضيّة مهمة جداً ، أي أنّ الآداب هي المظهر الصارخ للمؤمن ، فالمؤمن أديب في حركاته ، وسكناته ، وجلوسه ، وطعامه ، وشرابه ، وسائر تصرُّفاته .

آداب العُطاس :

 الآن ندخل في آداب العُطاس :

(( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 في رواية أخرى :

(( فليقُل هو يغفر الله لنا ولكم ))

[أبو داود والترمذيّ عن سالم بن عبيد الله الأشجعي]

 كلمات : " الحمد لله " ، "يهديكم الله ويصلح بالكم " ، "غفر الله لنا ولكم " ، كلمات طيّبة جداً تبعث الأُنس والمودّة .
 العاطس يقول : الحمد لله ، أو الحمد لله ربِّ العالمين ، أو الحمد لله على كلِّ حال أي أنّ العاطس عليه أن يحمد ، ويقول صاحبه : يرحمك الله ، فيجيب العاطس : يهديكم الله ويصلح بالكم ، أو يغفر الله لنا ولكم .
 هنا سنذكر نقطة هامة جداً ، قيل : لا يشمّت العاطس إذا لم يحمد الله ، أي يوجد شيء اسمه تأديب ، فيوجد أدب وهناك تأديب ، فالإسلام يوجد فيه تصرُّفات واقية .

(( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ ))

[مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه]

(( عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الأخَرَ فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي . قَالَ : إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ ))

[البخاري عَنْ أنسَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 الأب أحياناً يعمل مكافأة لمن أدّى صلاة الفجر ، أو لمن قرأ القرآن ، أو يعمل مكافآت لمن حضر معه مجلس العلم ، فيقدِّم له هديّة صغيرة فإذا اعترض الآخر قال له : لقد حضر معي الدرس أو حفظ جزءاً من القرآن ، فالعطاء ينبغي أن يكون مرتبطاً بالإنجازات ، على حين الأب الجاهل يعطي ويمنع بلا سبب ، أي العطاء مِزاجي والمنع مِزاجي ، فلا يوجد قيم للعطاء والمنع ، أو يعطي لسبب يكتمه فلم نستفد من هذا العطاء ، ولكن ينبغي أن يربط العطاء والإكرام والهديّة بسبب ديني .

كن إيجابياً فهذا أفضل أسلوب في التعامل :

 سمعت عن سلفنا الصالح كانوا إذا حفظ الطالب القرآن أقاموا له احتفالاً ضخماً وقدّموا له الهدايا ، فيقدم له أثمن الأشياء ، والآن يوجد شيء من هذا القبيل .
 فالابن يأتي بالمرغِّبات والمكافآت والتشجيع ، ودائماً أيُّها الأخوة أسلوب التشجيع أعظم بكثير من أسلوب التقريع ، فمثلاً الأب مع ابنه ، يمكن للابن أن يغلط آلاف الأغلاط ولكن إذا رأى الأب من ابنه موقفاً جيّداً فقال له : والله لقد سررت منك يا بني وقد كبرت في عيني كثيراً ، فخذ الموقف الجيِّد وقم بالثناء عليه تجد الطفل تشجّع وبادر إلى عمل موقف جيّد ثانٍ وثالثٍ ، فأسلوب الترغيب أفضل بكثير من أسلوب الترهيب ، أسلوب الثناء والمديح أفضل من أسلوب التقريع ، أسلوب الهديّة والمكافأة أفضل من أسلوب العقاب والتأنيب ، فدائماً كن إيجابياً .
 ذكرت في إحدى المرّات أتمنّى أن أُعيده عليكم ، فالدعوة إلى الله أرقى أسلوب لها هذا الأسلوب ، لو فرضنا لدينا عشرة محلاّت تجاريّة ، وهذه المحلاّت فيها بضائع ممنوعة ، وبضائع مغشوشة ، وأسعار غير معقولة ، وأنت وزير للتموين فأرسلت الموظفين لكتابة الضبط ولقمع هذه المخالفات ، فقاموا بإغلاق المحلاّت وبختمها بالشمع الأحمر وأرسلوا أصحابها إلى السجون ، هذا الأسلوب اسمه أسلوب القمع .
 هناك أسلوب آخر راقٍ جداً اسمه التدخُّل الإيجابي في السوق ، قم بفتح محلٍ بجوار المحلاّت العشرة المخالفة وقم ببيع أحسن البضاعة ومن أجود الأنواع وبأرخص الأسعار ، وبأطيب المعاملة ، فستجد كلّ الزبائن جاؤوا إلى هذا المحل للشراء منه ، وباقي المحلاَّت إذا لم يقلِّدوك سيخسرون ويفلّسون ، هذا الأسلوب اسمه أسلوب التدخُّل الإيجابي فطبقّوه على الدعوة إلى الله .
 لا تنتقد أحداً ، ولا تطعن بأحد ، دع الناس وقدِّم أنت الإسلام بشكل إيجابي فقط ، كن مثالياً وطبِّق الدين تطبيقاً حقيقياً ، وادعُ إلى الله بشكل إيجابي ، من دون مهاترات ، ومن دون طعن ، ومن دون تقريع ، ومن دون تحجيم ، ومن دون غمز أو لمز ، ومن دون عدوانيّة فكل هذه الأساليب في الدّعوة لا تُجدي ، قدِّم الإسلام بالشكل الإيجابي وفي أبهى صورة ، قدِّم أجمل ما في الدين ، وانتقِ أجمل حديث واشرحه ، اشرح آية وكن مثالياً وبذلك ينتهي الأمر .
 توجد أساليب كثيرة أساسها العطاء لا النقد ، فكذلك الأب أو المربّي يفلح كثيراً مع أولاده لو آثر الترغيب على الترهيب ، والمكافأة على العقوبة ، والثناء على التقريع ، فليكن المربّي إيجابياً ، حتى الرجل مع زوجته ، أليست لها ميزة واحدة ؟!!

التعامل مع الآخرين يحتاج إلى صفة الموضوعيّة :

 أحد ملوك الأندلس وهو ابن عبّاد له قصّة بالغة الشهرة ، فقد أحبّ جارية وتزوّجها وأصبحت ملكة ، وبعدما صارت حروب الطوائف وجاء ابن تاشفين من شمال إفريقيا ، وردَّ الأعداء ، ووحّد الدويلات الأندلُسيّة ، وضع ابن عبّاد في السجن وكان ملكاً فافتقر ، وكانت زوجته التي كانت جارية من قبل أن يتزوّجها وتصبح ملكة قد حنّت لحياتها الفقيرة ، فطلبت منه طيناً لتمشي عليه وتخوض فيه ، فعجن لها المسك والكافور وقت أن كان في عزّه وقال لها : دوسي في هذا الطين ، هذا هو الطين ، ولما افتقر أعرضت عنه وأهملت شأنه ، فتألّم ، وفي ذات مرّة قالت له : لم أر منك خيراً قط ، فقال لها : ولا يوم الطين ؟!!
 أحياناً تقول الزوجة لزوجها : لم أر منك يوماً طيباً أو أبيضَ ، فيقول لها : ولا يوم ؟!! هذا كلام فيه مبالغة ، يجب أن يكون الإنسان واقعياً ، فأساساً التعامل مع الآخرين يحتاج إلى صفة الموضوعيّة ، فلا تُلغِ ميزات الآخرين فتكون غير واقعي وتكون ملحفاً وظالماً ، العوام وحدهم ليست عندهم حالة وسط ، ليس عندهم سوى لونين الأبيض والأسود ، فإذا أحبّوا بالغوا ، وإذا كرهوا عادوا ، أما المؤمن فوسطيّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :

(( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .))

[الترمذي وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة]

 يطلق الناس على ذلك : شعرة معاوية " ، فقد كان شديد الذكاء ، فقد وردته رسالة من عبد الله بن الزبير يقول له فيها : أما بعد فيا معاوية إنّ رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام . ـ من يخاطب ؟ يخاطب أمير المؤمنين دون ألقاب وهو أحد أفراد الرعية ـ وكان ابنه يزيد بجواره فقال له : اقرأ . فلما قرأ غضب . فقال له سيّدنا معاوية : ما ترى يا يزيد ؟ فقال : أرى أن ترسل له جيشاً أوّله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه . فقال له : غيرُ ذلك أفضل يا بني ، فكتب : أما بعد ، لقد وقفت على كتاب ولد حواريِّ رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كُلُّها هيِّنة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض وما فيها . فأتى الجواب : أما بعد ، فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلَّك من قومك هذا المحل . فقال لابنه يزيد : يا بني ، من عفا ساد ، ومن حَلُم عظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .

على الإنسان أن يكون منصفاً :

 أنت أحبب حبيبك هوناً ما ، فمثلاً تجد أحد الأشخاص يأتي لخطبة فتاة فأسمع عنه مديحاً من أسرة الفتاة عن صفاته وكأنّه ولي وعارف بالله ، وشديد الفهم ، وورع ، وبهذا المديح أصبح قطباً للأقطاب ، وبعد ذلك يترك ابنتهم فيقولوا عنه إنّه لا يصلّي ، وماله من حرام ، وأهله ليسوا على ما يرام ، وهو مصروع ويصاب بالإغماء ، أصبحت كل العيوب فيه مرّة واحدة ، فلا تجد حلاً وسطاً بالمرّة ، فهل إذا أحببت انكببت عليه بكلياتك ، وإذا أبغضت عاديته عداءً شديداً نعوذ بالله من ذلك ، لذلك :

(( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .))

[الترمذي وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة]

 كن موضوعياً ، أيها الأخوة الكرام يقع بين اللونين الأبيض والأسود أكثر من مئة لون رمادي ، فالنبي الكريم رأى صهره زوج ابنته أسيراً في صفوف المشركين ، جاء ليحاربه ، فكان يجب أن يقتله ، فما تعني كلمة محارب ؟ أي جاء ليقتل ، فماذا قال النبي عن صهره ؟

(( سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْراً لَهُ قَالَ : وَعَدَنِي فَوَفَى لِي ))

[البخاري عَنْ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 أي كان صهراً ممتازاً ، وهو مشرك وجاء ليحارب ، ووقع أسيراً ، فيمكن كلمة : ما ذممناه صهراً أمالت له قلبه ، ويمكن أن تكون هذه الكلمة سبب إسلامه ، وقد أسلم بعد ذلك فهل الإنصاف قليل ؟ هذا مشرك جالس مـع الأسرى وجاء ليقتل ولم ينسَ النبي فضائله أنّه كان صهراً ممتازاً ، وكان زوجاً رائعاً .
 كن منصفاً ، قد تجد موظفاً تحت إمرة رئيس دائرة من الدوائر وتأخر قليلاً فينهره قائلاً : اليوم تأخرت عن العمل . أليس لهذا الموظّف ميزة ، فقط يتكلّم عن نواقصه ، فهذا المدير العام الذي يتتبع نواقص الموظفين ويتغافل عن ميّزاتهم من أسوأ المديرين .
 جَاءَ أَبَا بَكْرَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ رَاكِعٌ ، فَرَكَــعَ دُونَ الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْــهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ :

(( أَيُّكُمِ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَـى الصَّفِّ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ : أَنَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ ))

[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]

 هذا هو الأدب النبوي ، فلماذا ركض ؟ لحرصه على الصلاة خلف رسول الله ولحرصه على العبادة ، إذاً يثنى عليه .

إدارة الناس فن :

 إذا كنت ربَّ أسرة ، أو مدير مدرسة ، أو مديراً لدائرة ، أو مديراً لمشفى ، أو معمل ، وترأس عدداً من الموظّفين ، فإيّاك أن تتغافل عن ميّزاتهم ، فإذا أردت أن تحاسب إنساناً أو تلفت نظره لشيء أو توجّهه فقد يأتي كلّ يوم متأخّراً . فقل له : أنا معجب بأمانتك وإخلاصك ولكن هناك تأخر منك ، أصبح هناك توازُن فقد عرِفت ميّزاته وحاولت أن تصلح له عيوبه ، كذلك الأب مع أولاده ، يكون الابن له عدّة مميزات وله عدّة نقائص ، فيظلّ الأب دائماً مركّزاً على النقائص ، بعد ذلك تجد الابن ضجراً ويقول : أليست لي ولو ميزة واحدة ؟!! فدائماً ذكِّر أولادك بميّزاتهم وقل لابنك : أنا معجب يا بني باستقامتك ، أو معجب باجتهادك ، أو أنا مسرور لطاعتك لوالدتك ، فدائماً ذكِّر ابنك بميزاته حتى يميل لك ، فلا تحاول انتقاده إلا بعد أن تذكِّره بميزاته فهذه من أروع وسائل التربية ، وستجد هذا الابن قد لان ، ويقول في نفسه : معنى ذلك أن أبي يعرف مميّزاتي ، ولم يضع تعبي معه ، فيعرف محبّتي وإخلاصي ولكن هناك تقصير ، فهذه يا بني يجب أن لا تفعلها .
 هكذا المعلِّم ، والطبيب مع من حوله ، إذا كان مديراً لمشفى ، أو كان مسؤولاً عمن حوله ، فقد قال النبيّ الكريم :

(( .. زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ ))

[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]

 ذكرت لكم عن كتاب أُلِّف في أمريكا عنوانه " كيف تؤثِّر في الآخرين وتكسب الأصدقاء " ، للمؤلِّف دايل كارينجي ، وطبع منه خمسة ملايين نسخة ، وهو من أوسع الكتب انتشاراً ، فقام عالم كبير من الأزهر من مصر وأخذ كل القواعد المذكورة في الكتاب وقام بتخريجها على آيات وأحاديث ، أي أنّ كلّ هذه القواعد الذي استنبطها المؤلِّف بذكائه وتجربته هي أصول إسلاميّة .
 أذكر هذا المثل لكم وهو مذكور في الكتاب أنَّه لا يحقُّ للمدير العام أن ينتقد موظّفاً قبل أن يثني على فضائله ، فجاء العالم الأزهري بالحديث الشريف :

(( .. زَادَكَ اللَّهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ ))

[أبو داود عَنِ الْحَسَنِ رَضِي اللَّه عَنْه]

 الحقيقة أيها الأخوة الكرام إنّ إدارة الناس فن ، فقد تكون مديراً لمعمل وناجحاً في إدارتك ولكنّك غير ناجح في أسرتك ، فالنجاح في الأسرة شيء هام جداً ، فإدارة الأسرة فن ، وإدارة مؤسسة فن ، وإدارة الدوائر الحكوميّة فن ، وأن تكون مديراً عاماً محبوباً ومرغوباً في الوقت نفسه لا بدَّ لها من الجهد والخبرات ، ومن الأساليب التربوية .

لن يسعد الإنسان إلا إذا رأى ابنه كما يريد :

 تحدثنا عن تربية الأولاد ، وقلنا إنه يجب أن تعرف ميزات ابنك وأن تنمّيها له وبعد ذلك قم بمحاسبته ، بعض الآباء يقولون : هذا شيء طبيعي أن يكون الابن أميناً ، لا ليس طبيعياً أن يكون أميناً ، فابنك أمين لم يأخذ قرشاً واحداً من دون إذنك فأثنِ على أمانته وأشعره بأنّك تعرف أنّه أمين ، وامنحه الثقة بنفسه ، فدائماً العظماء يمنحون الثقة للناس .
 لكن من لديهم قيادة مركزيّة ، ليس لديهم ثقة بأحد فلا ينجحون في إدارتهم ، فكل شيء بداخله ، فإذا قلت لابنك : أوصل هذا المبلغ لفلان من الناس وقد يكون مبلغاً كبيراً ، وأنت قد غامرت بذلك لكن عندما يوصله يشعر بنشوة لوثوقك به ، وأنّك واثق من أمانته وحرصه وحكمته ، فأرجو أن يلهمنا الله سبحانه وتعالى الصواب .
 إذا نجحنا في تربية أولادنا فهذا شيء عظيم جداً ، فقد كنت منذ يومين مع بعض الأخوة وتكلّمت بكلمة دقيقة فقلت : لو وصل الإنسان إلى أعلى درجات النجاح المادي وكان ابنه شقياً فهو لن يسعد أبداً وسيشقى بشقائه .
 سمعت عن شاب في مصر عمره دون الأربعين عاماً يملك مبلغاً من المال يحتفظ به في المصرف ويبلغ أربعة آلاف مليون دولار ، وهو أغنى رجل في مصر ، ولكن حتى لو وصل إنسان إلى هذا المستوى من الثروة ، أو في المرتبة الثانية حصل على أعلى شهادة في العالم كالبورد في الطب بأمريكا ، والأكريجيه بفرنسا ، أف . آر . إس ، بانكلترا وهي أعلى الشهادات ، أو في المرتبة الثالثة حققت كلّ أهدافك الماديّة وكان ابنك شقياً فو الله تشقى أنت بشقائه ، فلا تسعد ولن تسعد إلا إذا رأيت ابنك كما تريد ، فانظر ما أعظم القرآن الكريم عندما ذكر دعاء المؤمنين :

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) ﴾

( سورة الفرقان )

 أي إذا كان ابنك منضبطاً بالشرع ، يصلّي ، ولا يكذب مثلاً ، وكان باراً بك فهذا شيء جميل جداً ، فتنام قرير العين ، وتعرف كلّ رفاقه ، فليس له رفيق سيئ الخلق ، أو معصية ارتكبها ، فهذا من نعم الله العظمى .

الأولاد أمانة في أعناق آبائهم :

 أيُها الأخوة الكرام اجتهدوا في تربية أولادكم فالمكسب معكم كمن يضع ماله في خزانة ، فلا تقل لم يتبقَ لي شيء ، ففي أية لحظة تجد مالك محفوظاً ، أو من عنده خزانة من الحديد ووضع فيها رزماً من المال ، ويقول لك لا يوجد معنا شيء من المال فقد افتقرنا ، لا لم تفتقر فخزانتك مليئة ومعك مفتاحها ، وهذا كلّه ملكك ، وكل إنسان يربّي ابنه فهذه التربية استثمار له ، أحياناً أقوم بزيارة أحد أخواننا في محله التجاري فأجد ابنه ملء السمع والبصر ، وهذا الأخ يذهب للمحل في الساعة الثانية عشرة ويعود للبيت الساعة الثانية ظهراً ، وابنه في المحل من الساعة الثامنة صباحاً حتى آخر الدوام .
أعرف أخاً عنده محل للأقمشة ، وفقه الله بابن أمين إلى أقصى درجة ومنضبط ويدرس الحقوق في الجامعة وله ميول أدبيّة وقائم بأعمال المحل ، بنهاية الأمر لن تجد مثل ابنك ليحل محلّك وهذا الكلام لكل أصحاب المصالح ، فمن يملك محلاً تجارياً عليه بتربية ابنه وتعليمه وأن يأتي به للعمل عنده ، فالعلم لا يطعم خبزاً الآن ولكنّه ضروري .
 كان عندي طالب حصل على مئتين وأربعين علامة في البكالوريا فسألته : هل دخلت كليّة الطب ؟ فقال لي : لا بل زراعة ، فسألته : لماذا ؟ فقال لي : لا أريد الطب فأبي يملك أراضي زراعيّة فمن يقوم بها غيري ، وأنا أولى الناس في رعايتها واستثمارها وزارعتها ، لم أجد أعقل منه ، فهو حاصل على مجموع كبير يؤهِّله لدخول الطب ، والطب طريقه طويل جداً ، ولكنّه رأى أن عمله مع والده بالأرض أفضل .
 يجب أيها الأخوة الكرام أن تخططوا لأبنائكم ، فيعاونك في مشروعاتك وعملك ، فالإنسان يجب أن يأخذ ابنه جزءاً كبيراً من اهتماماته ، وأن يفكر بتزويجه ولو في بيت صغير ، وأن يعينه ، لأنّ الأولاد أمانة في رقبة آبائهم .
 كلمة أقولها دائماً لو ربى الإنسان أولاده تربية عالية وقام بتزويجهم واطمأنَّ عليهم ووضع رأسه ثمَّ مات فهو بهذا العمل سيدخل الجنّة ، أحياناً تجد أماً صالحة ربّت خمس بنات على الحياء والأدب والخلق والصلاة ، وزوّجتهم من أصهار ممتازين ، واعتنت بهم ، وكلّما ولدت بنت منهنّ مكثت عندها أسبوعاً لخدمتها ومعاونتها وتوجيهها ، وبعد ذلك توفاها الله فهذه تذهب للجنة فقد قامت بمهمتها أعلى قيام ، حتى لو لم يكن للإنسان أي عمل صالح فأسرته عمل صالح ، إذا رعى أولاده وربّاهم تربيةً صحيحة وأنشأهم تربيةً إسلاميّة وزوّج أولاده ذكوراً وإناثاً فقد أدّى رسالته ، وكأنّ الجنّة أصبحت مفتّحةً له ، فهذا ليس كلامي أيّها الأخوة بل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال :

(( من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما حتى يزوجهما أو يموت عنهما فأنا كفيله في الجنّة . فقال له أحدهم : ومن كان عنده بنت واحدة ؟ فقال له : وبنتاً .))

[ورد في الأثر]

بعض آداب العطاس والتثاؤب :

 من السنّة عند العطاس وضع منديل على الفم والتخفيض من الصوت ما أمكن :

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَه ُ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 الثوب لخروج رذاذٍ من الفم ، أو إذا كان بالفم أكل يشمئز الناس من ذلك ، أو كان هناك إبريق من الماء أو صحن من الطعام ، أو صحن فواكه ، فيضع الإنسان يده والأولى أن يضع ثوبه أو منديلاً على فمه أثناء العطاس هكذا علمنا النبيّ صلى الله عليه وسلم .

(( التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ ُ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 التثاؤب مع صوت شيء لا يحتمل إطلاقاً ، أحياناً يكون في الصلاة ويفتح فمه ويتثاءب بصوت عالٍ لا يحتمل إطلاقاً وهو أمر قبيح للغاية وكما قال تعالى في كتابه العزيز :

﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) ﴾

( سورة لقمان )

 التثاؤب يجب أن يكون من دون صوت ، صورة من غير صوت ويداً من فوقها ، أما أن تحدث صوتاً عالياً فهذه مشكلة في التثاؤب ، وكذلك مشكلة من عنده زكام ويعطس كثيراً .

(( أَنَّ رَجُلا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . ثُمَّ عَطَسَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّجُلُ مَزْكُومٌ ُ))

[أبي داود عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه]

 أحياناً يحرج الأخ ، فإذا عطس مرة يقولون له : يرحمك الله ، ويعطس ثانيةً وثالثة ويقولون له : يرحمك الله ، فليتمهلوا قليلاً عليه فهو مزكوم ومتضايق منها كثيراً .
 مثل من يشرب كأساً من الماء ويكون معه أشخاص كثيرون والكل يقولون له : هنيئاً ، هنيئاً ، هنيئاً ، فأراد أن يشرب مرّة أخرى فخرج بعيداً عنهم ورجع فقالوا له : شفيتم ، شفيتم ، شفيتم .

المرأةُ الشّابة الأجنبيّة لا تُشمّت :

 هذه البروتوكولات إذا زادت عن الحد أصبحت مشكلة ، فإذا لاحظت أنّ أخاك مزكوم فقل له مرّة واحدة وانتهى الأمر ، أما أن تشمِّته في كلَّ مرّة فهذا غير معقول .

(( يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلاثاً فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ ُ))

[ابن ماجة عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنه]

 لو كان أخوك مصاباً بالزكام وعطس ففي المرة الثالثة قل له : يرحمك الله ، ثم اسكت ، أو إذا كان بينهم فاصل زمنيّ فليُشمَّت مرَّةً واحدة فقط .

(( كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ ، فَيَقُولُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه]

 كان صلّى الله عليه وسلّم فطناً فهذه ليست بعطسة ولكنها تعاطس من أجل أن يقول لهم يرحمكم الله وهو نبيُّ هذه الأمّة ، فيقول لهم : يهديكم الله .
 أخواننا الكرام المرأةُ الشّابة الأجنبيّة لا تُشمّت ، فإذا كنت في دائرة حكوميّة وعطست امرأة فلا تقل لها يرحمك الله فهذا غير وارد على الإطلاق ، فهذا جهل بالفقه ، فقد قال ابن الجوزي : روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنّه كان عنده رجل من العُبّاد ، فعطست امرأة ، فقال لها العابد : يرحمك الله ، فقال الإمام أحمد : عابدٌ جاهل ، يقصد بأنّه جاهل بكراهية تشميت المرأة الأجنبيّة كراهة تحريميّة ، فامرأة شابّة وعطست فليس لك أيّة علاقة بها على الإطلاق هذا عن العُطاس .

الله تعالى يحب العطاس لأنه ينشط الإنسان ويكره التثاؤب لأنه دليل تعب وملل :

 أما التثاؤب :

(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْـرَهُ التَّثـَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 التثاؤب دليل تعب ودليل ملل ، أما العطاس فينشِّط الإنسان ، فيصحو من نعاسه وتعبه ، أنت تقول له : يرحمك الله ، أما العوام فيقولون : صحّة ، فما هذه الكلمة ؟ ليس لها أيّ معنى ، فالأم الجاهلة تقولها لولدها ، ولكن لو قالت له : يرحمك الله ، فهذا شيء جميل جداً أن نتكلّم بكلمات المسلمين .
أحدهم عمل أُحجية فقال : عندما كان النبي الكريم يتثاءب هل كان يضع يده اليمنى أم اليسرى ؟ فأجابه الآخر : لم يمر علي ذلك ، أي اليدين يضع ؟ فقال له : النبيّ لم يتثاءب قط ، اللهمّ صلِّ عليه ، ما تثاءب النبيّ قط ، وقد قال العلماء : إذا غلب على الإنسان التثاؤب فليذكر أنّ النبي ما تثاءب ، وإذا ذكر ذلك يذهب عنه التثاؤب ، كما قال العلماء : لو تثاءبت في الصلاة ضع يدك على فمك أثناء الصلاة .

(( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلا يَقُلْ : هَاهْ هاهْ فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ ))

[أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه]

 الفائدة التي قلتها قبل قليل : مما يروى عن السلف أنّه من ملكه التثاؤب وتخيّل بذاكرته أنّه عليه الصلاة والسلام لم يتثاءب قط يذهب عنه التثاؤب بإذن الله ، وهذا هو علاج التثاؤب .

بعض أحاديث من السُّنة النبوية عن آفات اللسان :

 بإنهاء موضوع العُطاس والتثاؤب تنتهي الآداب التي ينبغي أن تُلقِنها أبنائك وطلاَّبك ـ إن كنت معلِّماً ـ وهي أساسيّةً جداً في تربية الأولاد ، وننهي هذا الدرس بحديثٍ سريعٍ عن آفات اللسان كما وردت في كتاب "منهج القاصدين " وهو ملخَّص " إحياء علوم الدين " ، فقد شعرت أنّ هذا الموضوع لا يكفي لدرس فقمت بترميمه بموضوع آخر واخترته لكم من هذا الكتاب .
 الإمام الغزالي يقول :" آفاتُ اللسان كثيرة متنوِّعة ولها في القلب حلاوة ، ولها بواعث من الطبع ، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت ".
 الآفات لها حلاوة ، وأقول لكم دائماً إنّ التكليف مخالف للطبع ، فمن الأشياء الممتعة أن تتحدَّثوا عن أشخاص وعن أعمالهم ومشاكلهم وفضائحهم ، ولماذا طلّق زوجته ولماذا لم يطلِّقها وكيف ضبطها ؟ فالإنسان لديه رغبة في أن يستمع إلى القصص ، فعندما يجلس الإنسان في المجلس ويكون فيه غيبة أو نميمة فهي ممتعة جداً ، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت .
 لنذكر أولاً فضيلة الصمت ، تجد المؤمن صامتاً ليس صمتاً ينمَّ عن البلاهة ، تجد شخصاً صامتاً لأنّه لم يفهم شيئاً من الحديث ، ولكن صمت المؤمن صمت انضباط ، وسكوت عبادة ، فإذا كان هناك موضوع فيه غيبة فلا يتكلَّم بكلمة واحدة وهذا الصمت يربك المجلس ، فألاحظ عندما يتكلَّم شخص على أحد الأشخاص ولم تتجاوب معه ولم تقل له أكمل الكلام أو معقول فعل ذلك فلان ؟ ولكن إذا بقيت صامتاً ، فهذا السكوت من دون أي تعبير إطلاقاً يحرجه ، ومعنى ذلك أنّه قد عرف ذنبه فيقوم بتغيير الحديث أو يسكت ، فالصمت في مثل تلك الموضوعات فضيلة والحديث النبوي الشريف :

((من يضمن لي ما بين لحييه ـ أي لسانه ـ وما بين رجليه أضمن له الجنّة .))

[البخاري عن سهل بن سعد]

 معنى ذلك أنّ الإنسان يؤتى من آفات اللسان ، ومن آفات الفرج ، الحديث الآخر أرويه لكم كثيراً :

(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))

[أحمد والبيهقي عن أنس بن مالك]

 هذا حديث أساسي ، وعندما سأل سيِّدنا معاذ سؤالاً غريباً :

(( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ .... ثُمَّ قَالَ النبي : أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ . فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ))

[الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّه عَنْه]

 اللسان وحده يكفي لدخول النار ، والحديث الآخر :

(( من كفَّ لسانه ستر الله عورته ))

[ابن أبى الدنيا عن ابن عمر]

(( ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ))

[رواه الطبراني عَنْ عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه]

 أبو الدرداء يقول :" أنصت أُذُنيك من فيك ، فإنّما جُعُلت لك أُذنان وفمٌ واحد ، لتستمع أكثر مما تتكلّم ".
 عوّد النفس أن تأخذ ولا تعطي ، فالأذكياء يستمعون ولا يتكلّمون ، ومن كثُر كلامه كثُر خطؤه .

من آفات اللسان :

1ـ الكلام فيما لا يعنيك :

 أول آفة أيّها الأخوة الكلام فيما لا يعنيك .

(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .))

[الترمذي عن أبي هريرة]

2ـ الخوض في الباطل :

 الآفة الثانية الخوض في الباطل ، فإذا كان الحديث عن المعاصي ، والمقاصف ، والحفلات ، والأفلام ، والسهرات ، والأعراس ، وعن الموبقات ، فإذا تكلَّمت عن هؤلاء فهذه آفة كبيرة للسان ، وسأذكر لكم الآفات باختصار شديد ففي الأصل حول كل آفة عدد كبير من الصفحات .
 الآفة الأولى : أن تخوض فيما لا يعنيك ، والآفة الثانية : أن تخوض في الباطل .

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللـَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنه]

 أي كلمة واحدة .

3ـ التقَعُّر في الكلام والتشدُّق وتكلُّف السجع :

 الآفة الثالثة : التقَعُّر في الكلام والتشدُّق وتكلُّف السجع ، وقد تكلمنا سابقاً عن التقعُّر ، فليس من الآداب النبويّة التكلُّف والتقعُّر والفيهقة .

4ـ الفحش والسبُّ والبذاءة :

 الآفة الرابعة : الفحش والسبُّ والبذاءة .

(( إيّاكم والفُحش فإنَّ الله لا يُحبُّ الفُحش ولا التفحش ))

[ الطيالسي وأحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.]

 لا يمكن أن يكون مؤمن فاحشاً ، يقول لك : عشت معه ثلاثين سنة ولم أسمع كلمة تجرح الشعور أو تُخجل أبداً ، فممكن أن تعبِّر عن كل المعاني المشكلة بعبارات لطيفة ومهذّبة فالله تعالى أعاننا على البيان ، فالقرآن يعلّمك ، فهل ذكر القرآن وتكلَّم عن اللواط ؟ نعم فقد قال تعالى :

﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ﴾

( سورة المعارج )

 هذا هو الدليل أو كما قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) ﴾

( سورة النساء)

 كلام لا يجرح ولا يحرج ، في بعض كتب الفقه تجد فيها الكثير من الألفاظ المحرجة ، وعندما تُدرَّس لطلاَّب صغار أو لبنات يحدث إحراج كبير ، فيها المسميات بأسمائها ، ولكن القرآن الكريم والنبي كنّى والكناية من علامات الذوق الرفيع وكذلك البلاغة .

(( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ]

5ـ الغناء :

 الآفة الخامسة : الغناء ، وهي من آفات اللسان ، فالغناء والقرآن لا يجتمعان أبداً :

(( الغناء ينبت النفاق ))

[ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود]

6ـ المزاح :

 الآفة السادسة : المزاح ، أما اليسير منه إذا كان صادقاً فلا شيء عليه ، وهو بعكس ذلك ضروريّ ، فالنبي كان يمزح ، كن مرحاً ، وكن متفائلاً ، ولطيفاً ، واجعل الجو جواً ممتعاً ، فيوجد جو كهنوت وآخر رحموت ، الرحموت مليء بالرحمة والأُنس ، والكهنوت فيه قسوة .

7ـ السخرية والاستهزاء :

 الآفة السابعة : السخرية والاستهزاء ، فالسخرية والاحتقار الاستهانة ، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك ، قالت للنبي الكريم : قصيرة ، فقال لها :

(( لقد قُلتِ كلمةً لو مزجت في مياه البحر لمزجته .))

[أبو داود عن عائشة رَضِي اللَّه عَنْها]

 فإيّاك أن تعير مخلوقاً ، لأن من عيّرَ أخاه ابتلاه الله .

8ـ إفشاء السّر والكذب في القول واليمين :

 الآفة الثامنة : إفشاء السّر ، والكذب في القول واليمين .

9ـ الغيبة :

 الآفة التاسعة : الغيبة :

(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ :... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ...))

[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَ]

 الأعراض : يعتقد بعض الناس أنّها النساء ، ولكنّها هي موضع المدح والذّم من الإنسان أي سمعتك ، فهذا هو عرضك ، فكلمة عرض لا تعني امرأة ، الإنسان له جانب اجتماعي وجانب معنوي ، فإذا اعتديت على سمعته واتهمته بعدم الفهم مثلاً أو بعدم النظافة ، أو قلت عنه إنّه حرامي دون أن تتأكّد من ذلك فماذا فعلت بقولك ؟ فقد اعتديت على عرضه ، أي على سمعته .

(( صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ولا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنـَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ))

[الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنه]

 هذا الحديث يقصم الظهر ، فضحه الله في بيته ، فالله ستّار .

الله ستار يحب الستر :

 ذكرت لكم قصّة عن رجل تزوّج وبعد مدة قصيرة وجد امرأته حاملاً في خمسة أشهر ، ومعنى ذلك أن الحمل ليس من صلبه ، وكان خطيب المسجد الذي يصلّي فيه هذا الرجل قد رأى رسول الله في المنام وهو يقول له : قل لجارك فلان أنّه رفيقي في الجنّة ، فما هذه البشارة ؟ فطرق باب جاره وكان سمّاناً ، فقال له : عندي لك بشارة من رسول الله واستحلفه بالله ماذا فعلت ؟ فقال له : والله لقد تزوّجت امرأة وكانت في الشهر الخامس من حملها ، وكان بإمكاني فضحها أو سحقها أو أن أطلقها أو أركلها برجلي إلى الطريق ، ولكنني شعرت بأنني يمكنني أن أجعلها تتوب فأحضر لها قابلة في البيت لتوليدها ، وحمل الطفل وذهب به إلى جامع الورد وعندما كان الإمام يصلّي وضعه خلف الباب ، وبعد ما انتهت الصلاة بكى الولد وتجمّع من حوله الناس وكأنّه ليس له علاقة به فقال : خيراً ماذا هناك ؟ فقالوا له : انظر هذا طفل ، فقال لهم : أعطوه لي فسأكفله ، وكفله أمام الحي ، وسترها وربّاها وحفظها وتركها عنده ، فالله ستار ، كثير الستر .
 سيّدنا عمر سئل ذات مرّة ، وقال السائل : لي أخت قد زنت مع شخصٍ وأُقيم عليها الحد وهو الجلد ، وتابت توبة نصوح وحسن إسلامها ، وقد جاءها الآن خاطب ، أأذكر له ما كان منها ؟ فقال له : والله لو ذكرتَ له ما كان منها لقتلتك ، لشدة تأثّر سيّدنا عمر .

لا تحمروا الوجوه :

 الإنسان إذا تاب وتعرف عنه أنّ له قصّة سيّئة فلا تذكِّره بها أليس عندك أدب ؟ فقد تغيَّر وتبدَّل وتاب وارتقى ونسي ذلك العمل ، وما زال يذكِّره بها ، فتعلّموا من سيِّدنا يوسف عليه السلام عندما قال :

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور