- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والسبعين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية التاسعة والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(159)﴾
الإسلام دين التوحيد ونبذ التفرقة :
الحقيقة هذا الدين العظيم إنما أنزله الله على نبيه الكريم ليوحدنا، لا ليفرقنا، ليؤلف قلوبنا لا ليُوقِع بيننا العداوة والبغضاء، فأيّ إنسان يحقق حقيقة هذا الدين بأن يجمع الناس دون أن يفرقهم، بأن يقرب بينهم دون أن يباعد بينهم، هذا الإنسان يتحرك وفق منهج الله، والذي يريد أن يجعل هذا الدين طوائف، وشيعاً، وأحزاباً، وفئات، وتيارات، واتجاهات، بحيث تغدو وحدة الأمة ممزقة، بحيث يكون شرخٌ كبيرٌ بين شرائحها، كل إنسان يفرق، ولا يجمع، يوقع بين الناس العداوة والبغضاء، يُحزّب، ويتعصب، وينحاز انحيازاً أعمى، هذا الإنسان يتحرك بخلاف منهج الله .
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾
الصراط واحد :
أيها الإخوة، يقول الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
الصراط واحد، الحق واحد، الخط بين نقطتين واحد، لو رسمنا خطاً آخر يأتي فوقه تماماً، يجب أن نؤمن أن هذا الدين الأصل فيه أن يكون واحداً، أن يكون جامعاً، أن يكون أصلاً، فأيّ إنسان جعله دينين، أو طائفتين، أو اتجاهين، أوقع شرخاً في صفوف الأمة، قال :
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
معنى الشيع :
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾
﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83) ﴾
على الخير، يعني اجتماع الناس على شيء، حق كان أو باطل، خير كان أو شر، يقال: هذه شيعة فلان، فالدين ينبغي أن يكون شيعة واحدة، ولاء واحداً، اتجاهاً واحداً.
أيها الإخوة، هكذا أصل الدين، وهكذا جاء به النبي الكريم، وهكذا أراده رب العالمين، ولكن حينما نجعل من الدين أداة تفرقة .
جاءني سؤال قالت لي إنني شافعية، امرأة متقدمة في السن، بالثمانين، إنني شافعية، وزوجي حنفي، هل يجوز ذلك ؟ يا لطيف! صار المذهب ديناً.
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾
أيها الإخوة، آية دقيقة جداً يجب أن لا تغيب عن أذهاننا إطلاقاً ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾
نظرية : << فرِّق تَسُدْ >> :
ماذا فعل فرعون ؟ :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا
فرق تسد، ماذا يفعل الأعداء بنا؟ أينما حلوا، يفرقوننا إلى شيع، في العراق، في أيّ مكان، سنة، وشيعة، وعرب، وأكراد، ألا ترون ذلك؟ يعني مصلحة العدو أن يفرقنا، ونحن قوتنا في وحدتنا، قوتنا في تضامننا، قوتنا في اجتماعنا.
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
إنها مرحلة التماسك والتضامن :
بماذا وصف الله عز وجل التفرقة في القرآن الكريم؟ بأنها كفر، لذلك أيها الإخوة، ما من مرحلة في حياة المسلمين هم في أمس الحاجة إلى وحدتهم، وتضامنهم، وتماسكهم، وإزالة الفرقة بينهم كهذه المرحلة، وأقول دائماً: إن أعداءنا وضعونا في سلة واحدة ، فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد.
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
الدعوة إلى العصبية والتفرقة من الكبائر :
لذلك أيها الإخوة، أقول دائماً: لا يجوز أن يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، أية كلمة تضاف على كلمة مؤمن دعوة إلى العصبية، يعني أحياناً كَزَلّة لسان يقول لك: طالب علم أجنبي، إن كان من بلد آخر يوصف بأنه طالب علم أجنبي، المؤمن صفة جامعة شاملة ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
الحق لا يتعدد :
الآن :
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
هناك معنى آخر :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ
النور مفرد، والظلمات جمع ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾
إذاً: هذا الدين جاء ليجمع لا ليفرق، جاء ليوحد المصدر التشريعي مصدر الأمر والنهي في الأفعال الأساسية، جاء هذا الدين ليوحد القلوب .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
وما لم تشعر بأخوّتك للمؤمن فلست مؤمناً، وما لم يكن انتماؤك لمجموع المؤمنين فلست مؤمناً، أن تنتمي إلى فقاعة صغيرة، إلى جماعة صغيرة، وترى أنها وحدها على حق، وما سواها على باطل، هذا هو التعصب، هذا هو الأفق الضيق، هذا الذي لا يرى أحداً مثله.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم
هذا الذي يزكي نفسه، ولا يرى أحداً مثله، ويزدري كل من حوله، ويعلو وحده، ويبني مجده على أنقاض الآخرين، هذا ليس من الدين في شيء، ما أخر المسلمين إلا تفرقهم، ولا جعل أعداءهم يطمعون فيهم إلا مِن فرقتهم، وليس مع سلاحهم من عدو أمضى من إثارة الفرقة بينهم، ومع العدو ورقة وحيدة رابحة إثارة الفتن الطائفية.
ويقول بعض زعماء العالم الغربي بالحرف الواحد: " أنا لا يعجبني أن يكون العالم 200 دولة، أتمناه 5000 دولة، والله يتمنون في كل بلد إسلامي كل محافظة دولة، كل محافظة يتمنونها دولة مستقلة، وهذا ما يفعلونه في العراق، قد تنتهي هذه الحرب الأهلية بتقسيم العراق، وهذا من خططهم، هذه ورقة رابحة وحيدة .
بالمناسبة أيها الإخوة، يعني إذا كانت فئة من المؤمنين حققت نصراً رائعاً ينبغي أن تعتز بهذا النصر إن كنت مؤمناً، ولو لم يكن قد جرى على مَن هم على شاكلتك، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ(1) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(2) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(3) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) ﴾
أثبت الله للصحابة الكرام فرحهم بنصر الروم، بين المسلمين وبين الروم الذين هم أهل الكتاب قواسم مشتركة كثيرة جداً، أليس كذلك؟ قرآن، أنا أُذكّر بالقرآن .
التفرقة في الدين مخالفة لمنهج الله :
أيها الإخوة، الذي يفرق في الدين يتناقض مع منهج الله، ومع وحي السماء، والتفرقة تأتي من اتباع الهوى .
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
الهوى يفرق، والدين يجمع، الآخرة تجمع، والدنيا تفرق، لا تفرقة بين المؤمنين إلا بسبب الأهواء أو الدنيا، يتنافسون على الدنيا فيتفرقون، أو يتنافسون بالبدع التي أضافوها على الدين فيتفرقون .
الدين كالماء أصلاً وأهمية :
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
لماذا جلّت حكمته جعل الماء لا لون له، ولا رائحة له، ولا طعم له؟ هذه صفات الماء، كعنصر أساسي قاسم مشترك لكل الكائنات الحية الماء، فإذا كان للماء لون خرج عن صفته، أو للماء طعم، أو له رائحة، لم يعد ماء، لذلك لأن الدين لنا كالماء، لأن الدين لنا كالهواء، ينبغي أن يكون الماء صافياً حتى يسمى ماء .
هذا هو واقع المسلمين للأسف :
أما هناك دين كذا، وهناك دين كذا، وأكثر المسلمين حتى في بلاد المهجر هذا المسجد للجماعة الفلانية، وهذا المسجد لجماعة فلان، وهذا المسجد لمن يأتي من شرق آسيا، ولا يقبلون واحداً يأتي من الشرق الأوسط، وهذا مسجد لمن يأتي من بلاد الحرمين، وهذا المسجد لمن يأتي من بلاد الشام، أرأيتم إلى التفرقة في الشرق الأوسط ؟ لو ذهبت إلى أقصى البلاد التفرقة على أشدها هناك، وقد يصل الأمر إلى الاقتتال في المسجد على وقت الإفطار، وعلى جهة القبلة، وعلى بدء الصوم، هؤلاء مسلمون؟ الأقليات في كل أنحاء العالم يتعاونون، لأنهم أقلية، إلا الأقليات الإسلامية، أينما ذهبت الفرقة تمزقهم، والتعصب يمزقهم .
أنا متألم جداً أيها الإخوة، متألم من واقع المسلمين، فُرّقنا، شُتتنا، كل جماعة تتهم الجماعة الأخرى، إلى متى هذه الفرقة ؟
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
فــــــيم وإلى متى؟!
أيها الإخوة، الماء لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة، وهو القاسم المشترك بين كل الكائنات الحية، ولأن الدين حاجتنا إليه كحاجتنا إلى الماء، يجب أن يكون صافياً لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة.
الأصل عندنا الكتاب والسنة .
(( تركت فيكم شيئي ما إن تمسكتم لهما فلن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنة رسوله ))
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
من خصائص الدعوة الخالصة :
1 – الاتباع لا الابتداع :
أنا مضطر أن أقول: هناك دعوة إلى الله خالصة، من خصائصها الاتباع لا الابتداع، اتبع لا تبتدع.
2 – التعاون لا التنافس :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة: التعاون .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ
لا التنافس .
3 – الاعتراف بفضل الآخرين :
ومن خصائص الدعوة إلى الله الخالصة: الاعتراف بفضل الآخرين، كان بعض الشيوخ في هذه البلدة الطيبة قبل خمسين عاماً، كل شيخ يأخذ نخبة من إخوانه إلى بقية الشيوخ ليعرفهم عليهم، يعني نحن من أسرة واحدة، دعوتنا واحدة، وما لم نكن كذلك لا يرضى الله عنا، أنت لك أم، ليس معنى ذلك أن أيّ أم أخرى فاسدة، لك أم تنتمي إليها، هذا لا يمنع أن تكون معظم الأمهات أمهات ملتزمات، حريصات على أولادهم، أما أحياناً يُبرمَج الإنسان أنه غير هذه الجماعة لا يوجد، وما سوى ذلك ضلال بضلال، يحصل عنده كبر واستعلاء، ورغبة بأن يبحث عن أخطاء الآخرين، يصبح همه الأول القنص، وكلما عثر على غلطة تمسك بها، وكبّرها، وأشاعها بين الناس .
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ
قال: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾
والله سافرت إلى بلد بعيد شرقاً، هالَني أن في هذه المدينة التي يعد فيها المسلمون أكثر من 700 ألف، كل طرف يتهم الطرف الآخر بالفسق والفجور والاختلاس، معقول؟! أنا لا أتكلم من فراغ أيها الإخوة، أنا أتكلم من واقع مرير، والعدو يتمنى هذا الواقع، ويكرس هذا الواقع، ويعمق هذا الواقع، كي يستطيع أن يسيطر على كل هؤلاء المتفرقين ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾
﴿ ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾ ﴾
ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون
﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
الحسنة لعلكم تتوهمون أنها مؤنث حسن، هنا لا، تقول عالم وعلّامة، علامة مؤنث يعني؟ فهّامة مؤنث؟ بحّاثة مؤنث؟ هذه تاء المبالغة
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾
إذًا: ارتبطت العشر بالحسنة لا بالمثل، يعني عمل عظيم أن تقدم شيئاً للأمة، أن تقدم علماً، أن تقدم إحساناً، أن تؤلف القلوب، أن تلبي حاجات الآخرين :
﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ
﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا
أيها الإخوة ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾
(( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحِيمٌ، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشَرَةً إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ
قال شُراح الحديث: يرتفع ثواب الحسنة من عشرة أمثال إلى سَبْعِمِائَةٍ مثل إلى مليون مثل، بحسب نية صاحبها.
(( نية المؤمن خير من عمله ))
ونية الكافر شر من عمله، كل شيء فعله يتمنى أكثر من ذلك، كل شيء فعله الكافر يتمنى أكثر من ذلك، لا بد من أن نكفر بالكفر، أرأيت إلى الكفر ماذا فعل ؟
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2) ﴾
الكفر بالكفر قبل الإيمان بالله :
هذا الذي يهدم، لا يدع شيئاً صالحاً للحياة، بلا سبب، والذين يُنكَّل بهم لا علاقة لهم بالموضوع إطلاقاً، ألا ترون كل يوم؟ لذلك هذا هو الكفر، وما لم نكفر بالكفر لم نؤمن بالله.
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا
لن يكون الإيمان صحيحاً إلا إذا كفرنا بادئ ذي بدء بالطاغوت
تنبيه مهم :
لكن هناك تحفُّظ ( وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا)
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾
هناك أناس أيها الإخوة يسعدون أيّما سعادة إذا أطعموا البهائم، يطعمون الطيور أحياناً، هو في قمة السعادة، والآية التي تؤكد هذا المعنى :
﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ
والله مرة أمسكت مجموعة سنابل نبتت من حبة قمح واحدة، عددتها فإذا هي 35 سنبلة، عددت حبات سنبلة واحدة فإذا هي خمسون حبة، ضربت خمسة بـ17 1350 حبة من حبة واحدة ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
أيها الإخوة:
﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161) ﴾
لا تقوم الحياة إلا بالدين :
يعني هذا الدين تقوم به الحياة، يعني مستحيل أن تصلح الحياة بنظام الردع، من يكون مع هذا العامل في الساعة الثانية ليلاً وهو يعجن العجين، إن لم ينظف يديه؟ من يكون مع هذا البائع إن رأى في الزيت فأرة فأخرجها، وباع الزيت للناس؟ من يكون معه ؟
قال عبد الله بن عمر لأحد الرعاة ممتحنا:
يعني لا تستقيم الحياة إلا بالإيمان، إلا بهذا الدين، الدين يردع، ويخلق في الإنسان وازعاً.
أوضح مثل لذلك: رمضان في أيام الصيف، تدخل إلى البيت الساعة الثانية ظهراً ، تكاد تموت من العطش، وأنت في البيت وحدك، والنوافذ مغلقة، وفي الثلاجة ماء بارد، لا تستطيع أن تضع في فمك قطرة واحدة، هذا الدين، لذلك ما من أداة قمع أو ردع أو انضباط كالدين .
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا﴾
معنى : قِيَمًا
المعنى الأول :
المعنى الأول: فيه قيم عالية جداً .
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ـ والآن هناك جاهلية أشد ـ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ))
﴿دِينًا قِيَماً﴾
المعنى الثاني :
المعنى الآخر: يعني ديناً فيه قِوام حياتنا، وفيه قيم رفيعة، وهذا الدين من القيام أي يقوم فيصلح حياة الناس، من هو القائم على هذه الأسرة؟ الأب، يعنيه صلاحها، يعنيه تأمين حاجاتها، يعنيه تربية أولاده، من القيام، ومن القيمة، ومن القِوام .
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
﴿دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾
﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا
بالمناسبة: كلمة إسلام بالمفهوم الواسع تعني الاستسلام لمنهج الله، لذلك ما من نبي في القرآن الكريم من دون استثناء إلا وُصف بأنه مسلم، فالإسلام بالمفهوم الواسع هو أن تستسلم لمنهج الله، أن تخضع له، والإنسان عند الموت لا بد من أن يكون مسلماً، والدليل أكفر كفار الأرض حينما أدركه الغرق قال:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
لذلك: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
أهمية الصلاة في الإسلام ومنزلتها فيه :
الصلاة غرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، الصلاة الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال، الشهادة تنطق بها مرة، والصيام يسقط عن المريض أو المسافر، والحج يسقط عن الفقير والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير، ماذا بقي؟ الفرض الوحيد المتكرر الشهادة مرة واحدة، الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، لذلك أول ما يُسأل المرء يوم القيامة عن دينه الصلاة، فإن صحت صح عمله .
وجوب الإخلاص في العبادات والنسك :
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾
﴿وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
(( والشَّرُّ ليسَ إليكَ ، والمَهْديُّ مَن هدَيتَ ، أَنا بِكَ وإليكَ ، لا مَنجا مِنكَ ولا مَلجَأ إلَّا إليكَ ، تبارَكْتَ وتعالَيتَ ))
قائم بك، وقصدي أنت، إلهي أنت مقصودي، ورضاك مطلوبي .
وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163) ﴾
صورة المسلمين في أعين أعدائهم وسببُ ذلك :
أيها الإخوة، هذا منهج الله عز وجل، والله الذي لا إله إلا هو لشدة ما أرى من تباين بين حقيقة هذا الدين الواحد، الموحد، الذي يجمع ولا يفرق، الذي يؤلف ولا يباعد، الذي هو قوام حياتنا، وقوام استقامتنا، وقِوام سلامتنا، وقوام سعادتنا، هذا الذي ترونه الآن مما يجري على ساحة بلاد المسلمين بسبب تركنا لهذا الدين، وإن البغاث بأرضنا يستنسر، كل كلامهم أننا متخلفون، أننا إرهابيون، أننا قتلة، أننا فقراء، أننا جهلاء، لأننا تركنا هذا الدين .
كيف الطريق إلى النصر ؟
والحل الأمثل في الدين، كما لو أن مدينة تشرب ماء ملوثاً، فشت فيها الأمراض والأوبئة، والقائمون على هذه المدينة أناس فهموا أنه لا بد من إنشاء مستشفيات، واستخدام أطباء، وشراء أدوية، كل هذا العمل لا يجدي، أوقفْ الماء الملوث قبل كل شيء، والآن مهما سعينا، ومهما تحركنا كي نرد قوة الأقوياء لا نستطيع، لكن نستطيع إذا اصطلحنا مع الله أولاً، واستسلمنا لمنهجه، وأقمنا الدين في بيوتنا، وفي أعمالنا، وبعدئذٍ نعدّ لأعدائنا القوة المتاحة، فالنصر عندئذٍ حتمي، هذه سنة الله في خلقه
آيتان :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
الشرط الأول، الشرط الثاني :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم
أنصركم إذا آمنتم بي الإيمان الذي يحملكم على طاعتي، ثم أعددتم العدة المتاحة فقط، والباقي عليّ، ولا سبيل آخر، هذه والله ما أعتقد به، وألقى الله به، ما من سبيل آخر، أما على ما نحن عليه من تفلت، نساء كاسيات عاريات، بنوك، ربا، ملاهٍ، نوادٍ ليلية، اختلاط ، مناسبات، عرس مختلط ، تصوير، كل المعاصي والآثام ، ويا رب انصرنا، ويا رب بدد جمعهم، يا رب اجعل تدميرهم في تدبيرهم، ادع ما شئت، فعند الله قوانين، وسنن ، عند غزو العراق هل من جامع في العالم الإسلامي إلا وصلى، ودعا القنوت، فهل وجدنا ثمرة؟ لا والله، لذلك الحل الوحيد، الصلح مع الله أولاً ، ثم أن تعد لهؤلاء ما تستطيع، طالب ادرس، صانع عمّق خبرتك، حسّن بضاعتك، اجعلها في متناول الجميع، أستاذ جامعي تابع دراستك، علم طلابك، يمكن أن تفعل مليون شيء في هذه الظروف الصعبة لتقوية الأمة، وحينما نأخذ بالجهاد، والجهاد كما ترون حجّم أكبر قوة بالشرق الأوسط، ألم يحجمها؟ الجهاد بإمكانات متواضعة جداً حجمها، بالإخلاص .
لذلك أيها الإخوة ، الطريق سالك إلى النصر، والكرة في ملعبنا، والنصر بأيدينا إن عرفنا سنة الله عز وجل، كل واحد يطبق الإسلام في بيته، ليبحث في أهله هل من خطأ؟ هناك خروج لا يليق بمؤمنة؟ هناك كسب مال حرام؟ هناك علاقة مشبوهة؟ هناك شيء لا يرضي الله؟ هناك احتفال فيه فسق وفجور؟ ليبحث كل منا .
سيدنا صلاح الدين واجه 27 دولة أوربية، وانتصر عليها نصراً عزيزاً لأنه طبق منهج الله، بدأ بالتعليم، هذا حيّ المدارس كله من نتائج صلاح الدين الأيوبي، بدأ بتعليم جيل مؤمن، أزال كل المنكرات، وأعد العدة المناسبة، وانتصر، هذا الذي أمامنا، ولا سبيل آخر إلا إليه.
والحمد لله رب العالمين