وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 63 - سورة الأنعام - تفسير الآية 145 ، منع الله فائدة ـ منع الله تأديب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والستين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الخامسة والأربعين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :

﴿  قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(145)  ﴾

[ سورة الأنعام ]


التحليل والتحريم بيد الله وحده :


 أول حقيقة أن التحريم والتحليل بيد الله وحده، وأن الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرّم شيء إلا بدليل قطعي في ثبوته وقطعي في دلالته، وأن الأصل في العقائد والعبادات الحظر، فلا تُشرّع عبادة ولا تُضاف عقيدة إلا بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، والتحريم والتحليل من شأن الله، لذلك هذا المتسرع بالتحريم، أو المتسرع بالتحليل، هو إنسان يفتري على الله، والله عزوجل يقول : 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 لذلك كان السلف الصالح من العلماء يتحرّجون كثيراً عن أن يقولوا: حرام ، بشكل متسرع ، يقول : لا أرتاح له، ينبغي تركه، الأَولى تركه ، أما إذا كان هناك نص واضح يحرم فالقضية واضحة جداً . 


ما أسهلَ التحريم عن جهل وما أصعب الحكم بالدليل !!!


 هناك شيء آخر: أن كل إنسان يستطيع التحريم ولو كان جاهلاً، لأن التحريم لا يكلف إلا أن تقول حرام، بينما لا يستطيع إلا العالم الكبير المتعمق أن يعطي رخصة بالتحليل مع الدليل، وعوّد نفسك : 

((  إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم  ))

[ ورد في الأثر ]

 والنصيحة الدقيقة أن الدين مصيري، يعني مستقبل الحياة الأبدية، متعلق لفهمك للدين وتطبيقك له، لذلك لا تقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، لكن قبل أن نمضي في شرح هذه الآية هناك أصلان كبيران للتحليل والتحريم، وُجدا في آية قرآنية، الله عز وجل:

﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

 فأي شيء تنتفع به بميزان الشرع، وبميزان القرآن والسنة الأصل فيه أنه حلال، وأي شيء خبيث يفسد عليك سلامتك وسعادتك بميزان القرآن والسنة والشرع هو حرام، فالحرام ما كان خبيثاً، والحلال ما كان طيباً، أي شيء تطيب النفس به فهو حلال، وأي شيء خبيث يحرم النفس السعادة فهو حرام، لعل حرام من أن النفس إذا اقترفت هذا الشيء تُحرم من السعادة، لأن الله سبحانه وتعالى في الأصل خلق عباده ليسعدهم، فأسباب سلامتهم، وأسباب سعادتهم منوطة بمنهج الله عز وجل فالله عز وجل ﴿َيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ﴾ لكن هناك آيات فيها تفاصيل .

 هذه الآية موضوع هذا الدرس : 


الحلال والحرام من الأطعمة :


﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ﴾ طبعاً هنا محرمات الأطعمة، الآية اليوم متعلقة بمحرمات الأطعمة، وقرأت نشرات كثيرة ببساطةٍ بالغة أن هذا الشراب حرام ، وأن هذا حرام ، وهذا الجبن حرام بتسرع، أنا أتمنى ألا نسارع إلى التحريم إلا بدليل قطعي ، وألا نسارع إلى التحليل إلا بدليل قطعي. 


لا تقبل حكما إلا بالدليل


 هناك شيء آخر ينبغي أن أنوه إليه : إنسان اتصل بي هاتفياً، وقال لي : دُعيت إلى بيت، وقدموا لي بيره بلا كحول، فأبيت أن أشربها ورعاً، فقالوا لي : إنني أبحتها في درس، مع أنني ذكرت أنه لا ينبغي أن تشربها، وأتيت بالدليل.

 فأحياناً قد ينقل إليكم فتاوى لا أصل لها، الطرف الآخر من باب الإحراج يقول: شيخك أحله في درس عام، مثلاً، ما الدليل ؟ قل له أين الدليل؟ أين الشريط؟ أين الشاهد؟ لأنه يُفتَرى على علماء كثيرين فتاوى والله ما قالوها إطلاقاً، لكن الطرف الآخر ما عنده قيد، الطرف الآخر دابة فلتانة، تقول ما تشاء.

 فأيضاً أن تقبل كلاماً منقولاً من دون دليل هذا مرفوض (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) أنا لا أتكلم الآن عن حكمها، إلا أنه لأن الدين عظيم فإياكم أن تأخذوه نقلاً سريعاً من دون دليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، وأنا أتمنى على كل طالب علم ألا يقبل، ولا مني شيئاً إلا بالدليل، وألا يرفض شيئاً ولو رفضه كبار الأشخاص إلا بالدليل، لأن الدليل يجعلك فقيهاً، من دون دليل تكون تابعاً أعمى، عوّد نفسك أن تسأل عن الدليل، إذا كان هناك تحريم، هناك تحليل ما الدليل؟ وأنت إذا أكثرت من معرفة الدليل نما عندك ما يسمى بالفقه المنهجي، لأن هذا دين، والدين متعلق بالآخرة، متعلق بالمصير، متعلق بجنة يدوم نعيمها أو بنار لا ينفد عذابها، وأنا لست مع من يحرم تسرعاً، أيضاً على شبهة، على مقالة قرأها على كلمة سمعها، حرام، لا، لا التحريم ينبغي أن يكون متسرعاً، ولا التحليل ينبغي أن يكون متسرعاً لأن كبار العلماء السابقين الأعلام كانوا يتورعون عن أن يقولوا عن شيء محرم  وليس هناك دليل قطعي على تحريمه ، لكن يقول لك : يغلب على ظني أنني لا أحب أن أفعله . 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾


لا تبنى الأحكام على الحالات النادرة والشاذة :


 لعل هذا ينقلني إلى موضوع جانبي :

 لو فرضنا أن إنسانًا وقع في خطر، طفل خُطف مثلاً في الطريق، في طريقه إلى المدرسة، هل هذا يمنع أن أرسل أولادي إلى المدرسة، هذه حالة نادرة، إذا كان هناك خطر لا يزيد عن 1 % هذا لا ينبغي أن يُتخذ مبدأ، وإذا كان هناك حادثة ذُكرت، وقد تكون غير صحيحة، وقد تكون غير واقعية، وقد يكون فيها مبالغة كبيرة، لا ينبغي أن أبني حركاتي في الحياة على حالات نادرة جداً، تقع أو لا تقع، وإن وقعت وقعت بنسبة ضئيلة جداً، يعني أوضح من ذلك ركوب الطائرة في احتمال أن تسقط، هل يمنعني هذا الاحتمال ألا أركب الطائرة ، يمكن أن يموت الإنسان في الطريق، أو في مركبة، أو في بيته ، فأنا لا أبني منهج الإسلام على حالات نادرة جداً لا تقع . 


التوفيق بين آية الأنعام وآية المائدة :


 الآية : 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 يعني بعضهم يتساءل: هذه الآية حددت أربعة أشياء محرمة ﴿مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ وفي آية أخرى في سورة المائدة :

﴿  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) ﴾

[  سورة المائدة ]

 كيف نوفق بين هاتين الآيتين؟ آية تحدد المحرمات من الأطعمة بأربعة أصناف فقط، وآية بالعشرة، العلماء قالوا: هؤلاء الذين يجدون تناقضاً بين الآيتين ما عرفوا ما الإيجاز وما الإطناب، وما عرفوا ما الإجمال وما التفصيل، من أساليب اللغة الإيجاز والإطناب، والإيجاز والتفصيل، فالله عز وجل في مواطن في القرآن يوجز، وفي مواطن يفصل، فالمنخنقة داخلة في الميتة ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ داخلة في الميتة، وهي كلها حيوانات ماتت بطرق، إما بوخز، أو بتردٍّ، أو بنطيحةٍ ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ و﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ تبقى المحرمات في أصولها . 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ واحد. 

﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ اثنان . 

﴿أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ﴾ ثلاثة . 

﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 أيها الإخوة، هناك إيجاز شديد: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ﴾


علاقة المحرَّم بالنتيجة علاقة علمية :


 ماذا نستنبط ؟ نستنبط استنباطًا دقيقًا جداً، وهو أن الشيء المحرم علاقته بنتائجه علاقة علمية، الشيء المحرم خبيث، تخبث به النفس، يضر النفس، يحجبها عن سلامتها وعن سعادتها وأن الشيء الحلال تطيب به النفس، وتحلو به النفس، تسمو به النفس، تسعد به النفس، هذا أشد أنواع الإيجاز، كل أنواع الطيبات حلال، وكل أنواع الخبائث حرام هذا إيجاز شديد جداً، التفصيل أوسع . 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ هذا أوسع، الأوسع والأوسعُ : 

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ هذه أوسع .

 كما ذكرت لكم في دروس سابقة أن كل أنواع الكسب الحلال تنتظمها كلمتان: (منفعة متبادلة) وأن كل أنواع الكسب الحرام تنتظمها كلمتان: (منفعة بنيت على مضرة) الآن نحن في هذا الدين العظيم القرآن هو المصدر الأول للتشريع، وكلام النبي الصحيح هو المصدر الثاني، لأن الله عز وجل يقول : 

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) ﴾

[ سورة النور  ]

 ما قال: أطيعوا الله ورسوله، وفي آيات أخرى : 

﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ(46) ﴾

[  سورة الأنفال  ]

 أما في هذه الآية ملمح دقيق: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ استقلالاً .

 هناك من يتوهم أن أي شيء جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن في كتاب الله فهو باطل، لا، يقول الله عز وجل :

﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[  سورة الحشر  ]

 تشريعنا يأتي من كتاب الله، ومن سنة رسول الله، النبي الكريم مشرّع، وقد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، فالذي جاء به النبي إذا ثبت أنه كلامه الصحيح، فمن رده فقد كفر.

إذاً: القرآن هو المصدر الأول، وكلام النبي العدنان هو المصدر الثاني .

 الآن هناك تفصيل : 

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ﴾ تفصيل الميتة هي : 

﴿الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾ إلا إذا أسرعتم، و﴿ ذَكَّيْتُمْ ﴾


لماذا الدم المسفوح خاصة ؟


 أما الدم: الدم ففيه كل عوامل المرض، والدم أفضل مستنبت للجراثيم، فيه كل عوامل المرض، كل عوامل المرض في دم الإنسان، لكن الدم هنا وُصف بأنه مسفوح، الدم الذي في الجسم يدور ويجري دم طاهر، لماذا؟ لأن هناك ثلاث مصافٍ تصفيه، المصفاة الأولى الكليتان، وإفراز الكليتين هي الشوائب الضارة التي في الدم، الدم يمر في الكلية في اليوم خمس مرات، والطريق في الكلية يزيد عن مئة كم،  في الكلية مليون نفرون، هذه الكلية تصفي الدم من حمض البول، من الشوائب، من الأملاح الزائدة، من السموم، كل شيء مؤذٍ في الدم تطرحه الكلية، إذاً الدم الذي يجول في الأوعية هذا الدم طاهر، لأن هناك مصافٍ ثلاث، المصفاة الأولى الكليتان، المصفاة الثانية الرئتان، هذا الزفير النفس الذي تطرحه فيه ثاني أوكسيد الكربون، وثاني أوكسيد الكربون ناتج عن احتراق السكر بالأوكسجين، المحصلة ثاني أوكسيد الكربون، لذلك يُنقى الدم بالرئتين، ويُنقى بالكليتين، وينقى بالغدد العرقية، في الإنسان ملايين مملينة من الغدد العرقية، والعرق فيه حمض البول، لذلك الاغتسال واجب شرعي، يعني أقلّ اغتسال كل أسبوع مرة، والأَولى كل يوم مرة، لأنك حينما تغتسل تزيل عن جلدك مفرزات الغدد العرقية، فما دام الدم يجري في الجسم فهو طاهر، أما إذا سُفح تعطلت تصفيته، وازدادت فيه الجراثيم، والدم أكبر مستنبت للجراثيم . 


الحكمة من التذكية الشرعية :


لذلك ذكرتُ تذكية الذبيحة في الدروس السابقة، وأن القلب مهمته بعد الذبح إخراج كل الدم من العروق، فإذا ذبح وفق الطريقة الإسلامية بأن قُطعت أوداج الدابة، وبقي رأسها موصولاً، الرأس الموصول يحقق الأمر الاستثنائي بضربات القلب، القلب ينبض بأمر ذاتي 80 ضربة، أما بأمر استثنائي يأتيه من الرأس عن طريق الغدة النخامية إلى الكظر، ثم إلى القلب يرتفع النبض إلى 180 نبضة، إذاً اللحم المُذكّى هو اللحم الذي خرج منه الدم كلياً، بينما اللحم غير المذكى هو اللحم الذي بقي الدم فيه، والدم نجس تعطلت تصفيته .

 قال بعض علماء: لا، هناك معنى آخر مخالف، الدم المحرم هو الدم المسفوح، ودم الإنسان في جسمه وهو يجري دم طاهر، هناك تصفية: الكليتان، والرئتان، والغدد العرقية . 


إخراج الكبد والطحال من جملة الدم المحرم :


 لكن بعضهم قال: هذا الدم في الجسم يتجمع، ويتماسك إلى أن يصبح جهازاً ، الكبد دم، الطحال دم ، فهذا الذي تجمع وشكل عضواً في الجسم لا يقبل إلا الدم الطاهر، لذلك النبي الكريم قال : 

((  أحلت لنا مَيْتتان : السمك والجراد ، ودمان : الكَبِد والطحال  ))

[ رواه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عمر  ]

 كيف أن البطيخ ماء مجمد من دون براد، ماء مجمد، لأنه 97 % من قوام البطيخ الأحمر ماء 3 %، كل هذه الألياف، والأطعمة الحلوة، كذلك الكبد دم، الكبد أكبر مستودع للدم، أكبر مستودع للسكر، للشحوم الثلاثية، لكل البروتينات، هو مستودع غذائي، ومستودع للدم، وكل شيء يأتي الدم من الأمعاء، والطعام مصيره إلى الكبد هو المستودع والخزان، والكبد يقوم بـ 500 وظيفة، والكبد أخطر أعضاء الجسم، والنبي قال: (أحلّ لكم دمان: الكَبِد والطحال) .

 إذاً: الدم المسفوح مستثنى منه الدم الذي يجري في العروق، وهو ليس طعاماً يؤكل، لكن تنويهًا بأن الدم الذي في العروق طاهر، لأنه هناك تصفية .

 أما التنويه الثاني فالدم المسفوح هو المحرم، الدم المجمد على شكل عضو كالكبد والطحال هذا حلال أكله، وهو استثناء من النبي الكريم، والنبي مشرّع . 


إخراج السمك والجراد من جملة الميتة المحرمة والحكمة في ذلك :


﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ الآن نحن نأكل السمك الميت، كيف نأكله؟ قال السمك له حالة استثنائية، السمك حينما تصطاده ويخرج من الماء ينتقل كل دمه إلى غلاصيمه، وكأنه ذُبح تماماً، من علّم النبي هذا الاستثناء؟ السمك حينما تصطاده ينتقل دمه كله إلى غلاصيمه، وكأن السمكة ذُبحت، وخرج منها دمها، وقلما تجد في لحم السمك نقطة دم، أبداً ، والجراد ليس فيه دم إطلاقاً، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول : 

((  أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانَ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ  ))

[  ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عُمَر  ]

 الجراد ليس فيه دم أصلاً ، والحوت أي السمك حينما يصطاد ينتقل دمه إلى غلاصيمه . 

(وَأَمَّا الدَّمَانِ ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) هذا استثناء، إذاً هنا النبي مشرّع ، إذاً كأن القرآن أعطاك الكليات، أما التفاصيل فجاءت في السنة، الاستثناءات جاءت في السنة .

 أيها الإخوة ، نتابع هذه الآية : 


معنى قوله : فَإِنَّهُ رِجْسٌ 


﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ أريد أن أوضح لكم بمثل بسيط :

 يعني كل بيت يحتاج إلى مكنسة لكنس الغبار، والقاذورات، والأوساخ، هل يمكن أن تؤكل المكنسة؟ لا تؤكل، مهمة هذه المكنسة تنظيف البيت من القاذورات، هذا أصل الفكرة .

الآن الخنزير، كيف أن الإنسان يستمتع أشد الاستمتاع باللحم المشوي الطازج، ويراه سيد الطعام، الخنزير مشكلته أن سيد الطعام عنده الفطائس، واللحوم المتفسخة، يعني مغرم بأكل الجرذان، بأكل الخنازير الميتة، بأكل الجيف، هذه مهمته، مصمم من الداخل بعصارات هاضمة فعالة جداً، فالخنزير له فائدة، لكن لا أن نأكله، تماماً كالمكنسة لها فائدة بالبيت، لكن لا لكي نأكلها .

 مرة قال لي إنسان: كيف الصلاة في القطب؟ والله سؤال يحيّر! ستة أشهر ليل، يريد أن يقول لي:

نصوم ستة أشهر، أو نصوم ستة أشهر مستمرة، النهار هناك ستة أشهر، في دائرة معينة في القطب يستمر الليل ستة أشهر، والنهار ستة أشهر، الأرض تدور بمحور مائل، فالشمس تأتي إلى هنا فقط، فإلى أن يصبح المحور هكذا عندنا ستة أشهر، الدائرة القطبية ليل دامس، وستة أشهر نهار، كيف الصلاة هناك؟ وكيف الصوم؟ فمرة أجبته عن هذا السؤال :

 قلت له: صعد أحدهم إلى سقيفة البيت، والارتفاع متر وعشرة، هكذا حاني الظهر دائماً، قال لي : كيف أقف في هذا المكان يا أستاذ؟ هذا المكان ليس للوقوف، هذا المكان لوضع الأشياء التي لا نستخدمها في حياتنا، مصمم لحاجات لا تستعملها توضع في هذا المكان، فإذا صعدت إلى هذا المكان سقفه لا يحتمل، من قال لك: إن هذا المكان من أجل أن تسكن فيه ؟ 

 فلذلك قضية لحم الخنزير، لماذا خلقه الله عز وجل؟ خلقه الله عز وجل لأهداف رائعة جداً، أحياناً تموت قطة في الفلاة، يموت كلب، يموت حمار أحياناً، من دون خنزير تبقى المنطقة لـ 200 متر لا تُحتمل رائحتها، هذا الخنزير مُغرم أشد الغرام بلحم الجيف والفطائس، يأتي الأوربيون يربونه في مزارع ، ويحبون أكله تماماً .

لي صديق كان معي على مقعد الدراسة، انتهى به الأمر إلى أن يدرس في الاتحاد السوفيتي قديماً، درس الطب، وصار عميد كلية الطب، حدثني مرة أن بعض المواد التي درسها أثر أخلاق الحيوان الذي نأكله في أخلاقنا .

الخنزير يأتي أنثاه أمام الناس، لا يستحي، لها طباع الحيوانات، الجمل لا يمكن أن يسمح لأحد أن يراه مع أنثاه، السمك كذلك، وهناك دراسات لطيفة جداً كل حيوان كيف وضعه مع أنثاه، أشد أنواع الحيوانات إباحية وتفلتاً هو الخنزير، أساساً نحن نستخدم كلمة خنزير للرجل الذي لا دين فيه، أو لرجل لا يغار على عرضه، أو لرجل يرضى الفاحشة في أهله، أو لرجل ديوث، نقول له: أنت مثل الخنزير، فهذا الخنزير مهمته أن يأكل الجيف والفطائس، وكل حيوان ميت، ومغرم بتناول الجرذان، طعامه المفضل الجرذان، هذا ليس لكي نأكله .

 لكن هناك كلام آخر، هناك كلام من دون تفاصيل إطلاقاً، لاحظ نفسك لو دخلت إلى عيادة طبيب يحمل شهادة عالية جداً من بلد كبير في الطب، لا تفكر أبداً أن تطالبه بالتعليل إطلاقاً دون أن تشعر، شهادته العالية، وسمعته الطيبة تجعلانك تخضع له من دون تعليل .

 لذلك مرة ذهب إنسان إلى بلاد الغرب، إلى أمريكا بالذات، هو عالم شرق أوسطي مسلم، يحمل دكتوراه في الشريعة، ذهب إلى بلاد أمريكا، و التقى بعالم أمريكي، هداه الله إلى الإسلام، جرى الحديث عن لحم الخنزير، فهذا العالم الشرق أوسطي أراد أن يعرض له رأيه في تحريم لحم الخنزير، الدودة الشريطية، وتأثر الإنسان بطباع هذا الحيوان، وما إلى ذلك، بعد ساعة من الشرح ابتسم هذا العالم الغربي قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه .

 لذلك مرة في موضوع التعدد، في ندوة في إذاعة بريطانية حول التعدد، من ضمن الندوة جرى اتصال مع أستاذة في جامعة القاهرة، لأنها دكتورة، وأنثى سألوها عن التعدد، أجابت إجابة ما رأيت إجابة أعمق منها، قالت: كيف أدلي برأي في التعدد، وقد سمح الله به ؟ من أنا حتى أدلي برأيي، لأن الله عزوجل قال :

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) ﴾

[  سورة الأحزاب ]

 إذا كنت مؤمناً، إذا كنت ترى أن هذا الكون يدل على الله، وفيه من آيات الله ما لا يوصف، وهذا الإله أنزل لنا كتاباً فيه أدلة قطعية على أنه كلامه، وقال لك : 

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ﴾ سمعاً وطاعة يا رب، لذلك قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، من هنا تعد علة أي أمر أنه أمر فقط، أمر على العين والرأس .

 في التعامل اليومي أحياناً رئيس جمهورية، أو ملك، لقوته في شخصيته وحرصه على مصالح الأمة لا أحد يناقش قراراته، هكذا أمر لنطبق مثلاً، التطبيق هو الهم الأول، أما المناقشة لا تكون لإنسان موثوق به، دائماً هكذا . 


قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً 


 إذاً : 

﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ﴾ طبعاً هذه محرمات الأطعمة فقط، لا تتوهموا أن كل المحرمات أربعة، هذه محرمات الأطعمة فقط ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ تفاصيل الميتة ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾

﴿أَوْ دَمًا﴾ والتفصيل مستثنى منه الدم الذي يجري في العروق لأنه طاهر، ومستثنى الدم الذي شكّل عضواً في الجسم كالكبد والطحال، أما الدم المسفوح فهو نجس .

 لي صديق ذهب إلى بلاد في شرق آسيا بعيدة ليشتري اللحم، فلما طلب أن يُذبح على الطريقة الإسلامية رفعوا السعر، قال لهم: لماذا ؟ قال: هذه الدابة فيها 8 كغ دم، فإذا أمرت أن تذبح وفق الطريقة التي تطلبها الدم كله يخرج منها نخسر نحن .

 لذلك الآن في العالم الغربي شيء لا يحتمل، الدم يُجمد، ويوضع في الأمعاء، ويؤكل كأكلة نفيسة جداً، الدم عندنا محرم، لأن كل عوامل المرض في الدم، كل أسباب المرض في الدم، والدليل: أن أكبر مستنبت للجراثيم هو الدم، بالمخابر كيف يستنبتون الجراثيم؟ بالدم، لذلك الدم مُحرم، ماذا أقول لكم ؟ 

 البقر صممه الله عز وجل حيواناً نباتياً، في بريطانيا أطعموه مسحوق الجيف، وأطعموه الدم المجفف فجن البقر، وجنون البقر من جنون البشر، اضطروا أن يحرقوا 3 ملايين بقرة ثمنها 33 مليار جنيه إسترليني، وكنت أقول دائماً: جنون البقر من جنون البشر، ومن علامات قيام الساعة أن الإنسان المتألِّه يغير خلق الله، يغيرون خلق الله، والآن مع الأسف الشديد يطعمون الدجاج أحياناً دمًا مجففًا، يطعمونه طحين الجيف أحياناً، هذا كله مخالف يجب أن تطعمه الطعام الذي صممه الله له .

 لذلك الأمراض التي تستشري، وارتفاع نسب السرطانات ما الذي يدريك أن معظمها يأتي من مخالفة أصل تصميم الله عز وجل . 


أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ


﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ يعني شيء خبيث، كيف أن النّجَس خبيث . 


أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ


﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ أحياناً الطعام طيب ومذبوح وفق الطريقة الإسلامية، لكن قُدم بشكل شركي، الدابة التي تُذبح على الأنصاب، أو تُذبح تأليهاً لإنسان على أقدام إنسان، هذه دابة ما أريد بها وجه الله عز وجل، أحيانا يكون الإنسان في جلسة في طعام على معصية، على ظلم، على تجاوز حدود، أيضاً الطعام الذي يرافقه الفسق والفجور ينبغي ألا تأكله ولو كان في الأصل حلالاً، رحمة الله عز وجل واسعة ، قال : 


الكليات الخمس : الدين – النفس – العقل – العرض – المال :


﴿فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ نحن عندنا أولويات، أول شيء في الأولويات الدين، بعده الحياة، بعده العقل، العِرض، المال، هذه مقاصد الشريعة الإسلامية، فالإنسان يضحي بحياته من أجل دينه هذا الشهيد، ويضحي بماله من أجل عِرضه لو إنسان قُطّاع طريق أوقفوه وخيروه بين أن يدفع مئة ألف أو أن يغتصبوا امرأته أمامه، كمثل افتراضي، وكان ضعيفًا، ولا يملك شيئًا ينبغي أن يدفع المئة ألف يضحي بماله من أجل عرضه، يضحي بماله من أجل عقله، يضحي بحياته من أجل دينه، هذه المقاصد الشرعية الخمس . 


الضرورات تبيح المحظورات : فَمَنْ اضْطُرَّ


﴿فَمَنْ اضْطُرَّ﴾ يعني تناول لحم الخنزير حرام ، لكن الحياة أَولى، فإذا كاد إنسان أن يموت من الجوع يقيناً لا توهماً، وبينه وبين الموت شعرة، وأمامه لحم خنزير فبإمكانه أن يأكل .


الضرورات تُقَدَّر بقدَرِها :


 لكن الضرورة تقدر بقدرها: ﴿فَمَنْ اضْطُرَّ﴾ حفاظاً على حياته ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾

﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ يعني ما أكل فوق حاجته ﴿وَلَا عَادٍ﴾ عاد إلى هذا الأكل بلا ضرورة، كلاهما محرم، والإنسان أحياناً متى يُضطر إلى أن يأكل؟ إذا افتقد الطعام الشرعي، أو الطعام موجود ، لكن أُجبر على أكله وإلا يفقد حياته .

 أنا أذكر مرة أني قرأت في التاريخ عن سلطان غاشم، طاغية، غير مسلم، أراد إذلال العلماء، فجمعهم في مكان أمام جمهور كبير من الناس، وجاء بلحم الخنزير، وأمرهم أن يأكلوا، طبعاً بعضهم أكل، هو مغطى بالفتوى﴿فَمَنْ اضْطُرَّ﴾ وإلا فهناك قتل، لكن عالمًا كبيرًا جداً، وهو من أكبر علماء البلد، مشهور بالورع والتقى، ولشدة مكانته في الناس خادم هذا الطاغية قدّم له لحم ضأنٍ، وهمس في أذنه: يا سيدي كل ولا تخف، هو لحم ضأنٍ، فلم يأكل، وقتله السلطان، قال له: يا بني، هذا عند الناس لحم خنزير، أنا سأضحي بحياتي حفاظاً على مكانة العلم، اللحم ضأن، لكن لشدة حفاظه على مكانة العلم رفض أن يأكل، وقتله السلطان . لذلك : 

﴿فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ طبعاً هذا الكلام يذكرني بقصة، سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسل سرية، صحابيان جليلان وقعا في أسر مسيلمة الكذاب، جاء بهما بين من حوله من المقربين، وقال للأول: أتشهد أني رسول الله، لأنه جاء بالقرآن، قال: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، قال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال له: والله ما سمعت شيئاً، فقطع رأسه، جاء دور الثاني، قال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك رسول الله، الآن بلغ النبي الخبر، فماذا قال؟ قال: أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله، نحن هبط قلبنا الآن على الثاني، قال: وأما الثاني فقد قبِل رخصة الله.

 أرأيت إلى عظمة هذا الدين! ما كلفك فوق ما تطيق، يعني هناك حد أدنى أنت ناجٍ به، وأنت معافى عند الله، والله قبِلك، الحد الأدنى أن تقول: أشهد أنك رسول الله ، لأن ثمة قتلاً ، والحد الأعلى أن تقول : ما سمعت شيئاً .

كنت مرة في تركيا ، وألقيت هذا الدرس على جمع غفير، وقلت: أما الأول فقد أعطاه الله مليون دولار، وأما الثاني فقد أعطاه الله مليون ليرة تركي، للتوضيح يعني، الحد الأدنى له أجر، والأقصى له أجر .

 هناك أشياء في الدين كثيرة فيها تفاوت، يمكن أن تأخذ الأجر الأكبر، ولك أن تأخذ الأجر الأصغر، سيدنا الصديق أعطى كل ماله، قال: أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله، وإنسان أعطى نصف ماله، سيدنا عمر ، وإنسان بخل بماله . 

﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

((  إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه  ))

[  رواه أحمد في مسنده والبيهقي ، عن ابن عمر الطبراني ، عن ابن عباس وعن ابن مسعود  ]

 يعني هناك إنسان يتفلسف أحياناً، يقول لك: أنا في السفر لا أقصر، هذا سفر، لست منزعجاً، النبي قصر، وهو أورع منك (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه)

((  أشدكم لله خشية أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء ، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي))

[  البخاري عن عائشة  ]

 لا تزاود على رسول الله، هو سيد الخلق، سيد ولد آدم، أخشانا لله، أقربنا إلى الله، أشدنا ورعاً، فالذي سمح به خذه ولا تخف، والذي نهانا عنه ابتعد عنه، أما أن تزاود هذا من شيم المنافقين.

 قال تعالى : 

﴿فَمَنْ اضْطُرَّ﴾ حفاظاً على حياته، من الهلاك لأنه لم يجد طعاماً يأكله، أو حفاظاً على حياته لأن إنساناً أجبره على أن يأكل هذا اللحم وإلا يُقتل .

 والله بالمقابل حدثني أخ يعني وفد إلى بلد بعيد، والطعام لحم خنزير، والذي يقدم الطعام من بلادنا، فلما جاء هذا الوفد، فطبخ لهم طعاماً شرعياً، لحم ضأن، بعض أعضاء الوفد أبى إلا أن يأكل لحم الخنزير، ليثبت أنه لا يعبأ بدينه، هذا موضوع ثانٍ، بالعكس، هناك من قدم لك الطعام الشرعي، وهو يعلم أن الخنزير محرم في دينك، فجاء باللحم الضأن وطبخه، وقدمه لهذا الوفد، إلا أن واحداً منهم يأبى إلا أن يأكل لحم الخنزير . 

﴿ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ هذا تحريم ما يؤذينا . 


التحريم التربوي :


 عندنا تحريم آخر تحريم تربوي، الشيء المُحرّم لا يؤذي، لكنه عقاب من الله عز وجل، قال تعالى :

﴿  وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(146)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 أحيانا ابنك يخالف بعض القواعد الأساسية، أو لا يدرس، تحرمه المصروف، مباح له أن يأخذ منك مبلغاً من المال يصرفه، تمنعه ما لا يضره، لكن تمنعه عقاباً له، التحريم الأول تحريم منع ضرر، العلة أو العلاقة بين المحرّم والنتائج علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، أما القسم الثاني تحريم تأديب.

 يعني مثلاً: أن يذهب الابن مع أهله إلى النزهة هذا شيء طبيعي، وشيء مباح، وشيء حلال ، لماذا يعاقب الأب أحياناً ابنه بحرمانه من الذهاب إلى النزهة، النزهة مباحة، مع أمه وأبيه، لكن يعاقبه بشيء سُمح له به .

 الإبل والنعام والبط والإوز هي ذو ظفر﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ حُرّم على اليهود لا لأنه خبيث ، لكن تحريم حرمان، وتحريم تأديب، وتحريم عقاب، أحياناً تقلّ الأمطار، هذا تقنين، هل هذا التقنين الذي من عند الله تقين عجز أم تقنين تأديب؟ تأديب .

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21) ﴾

[  سورة الحجر ]

 فتقنين الله عز وجل تأديب، هذا التحريم بالذات على اليهود تحريم تأديب وعقاب لا تحريم منع إيذاء، التحريم الأصلي هو تحريم الخبائث، أما هذا تحريم تأديب، وفي آية أخرى : 

﴿  فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً(160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) ﴾

[  سورة النساء  ]


فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ:


 ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ الآن من حق الطالب أن يتمتع بالدفء، أحياناً يكون الصف شرسًا جداً، يُعاقب بنزع المدفأة بالشتاء، هذا يقع أحياناً، نقول: هذا منع تأديب، لا منع شيء ضار، المدفأة ليست ضارة في الصف، مفيدة، ولها ضرورة أساسية . 


إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا


 شيء آخر: الشحوم كلها كانت محرمة ﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا﴾ شحوم الأمعاء، أو ما جاء في الظهر ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ ليّة الخروف مرتبطة بعُجب الذنب . 


علة تحريم هذا النوع التأديب :


﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فالتحريم الذي جاء على بني إسرائيل تحريم عقاب وتأديب ، الأشياء المحرمة نافعة ، لذلك قال الله عز وجل في آيات كثيرة : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) ﴾

[  سورة البقرة ]

 الشيء الذي تطيب به النفس، وتحلو به النفس هو طيب وحلال .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور