وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 59 - سورة الأنعام - تفسير الآيتان 136 – 137 ، الكيل بمكيالين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس التاسع والخمسين من دروس سورة الأنعام ومع الآية السادسة والثلاثين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(136)  ﴾

[ سورة الأنعام ]


نموذج من تناقضات المشركين : الكيل بمكيالين :


 أيها الإخوة الكرام، يُرينا الله عز وجل نموذجاً من تناقضات أهل الشرك والكفر، يرينا الله عز وجل نموذجاً من الكيل بمكاييل عديدة، لأن الله عز وجل حينما قُسِّم البشر في قرآنه إلى مؤمنين وإلى غير مؤمنين، المؤمنون منضبطون بمنهج الله، محسنون إلى الخلق، يسعدون في دنياهم وأخراهم، بينما الشاردون الكفار المشركون العصاة، هؤلاء تفلتوا من منهج الله، وأساؤوا إلى الخلق، فشقوا في الدنيا والآخرة، من صور فسادهم وانحرافهم وتناقضاتهم والمفارقات في سلوكهم، أن هؤلاء الشركاء ﴿جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ﴾


معنى : ذرأ 


﴿ذَرَأَ﴾ أي خلق ﴿ ذَرَأَ ﴾ أي بث ﴿ ذَرَأَ ﴾ أي نشر، مما خلق الله ، من أي شيء خلقه ؟ قال : 


ما هو الحرث ؟ 


 ﴿مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ﴾ ما هو الحرث؟ هو النبات، والنبات في النهاية هو الثروة الأولى في العالم القديم، إذاً هو المال، والمال قوام الحياة، فهذا المال جعل المشركين جزءاً منه لله، وجزءاً منه للأصنام، يعني بزعمهم ما كان لله يُعطى للفقراء والمساكين، وما كان لشركائهم الأصنام يعطى لمن يخدمون الأصنام، ومن يقومون على رعاية أبنيتها، وحاجات هذه الأصنام، ومن يزور هذه الأصنام، من الخدم والحُجّاب، وما إلى ذلك، هم قسموا أموالهم، وقسموا أنعامهم، يعني المال هو زراعة أو أنعام، هذا وضع يُعبّر عنه في الوقت القديم : 

﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ﴾ الحرث بالضبط النبات، ولأن النبات ينقلب في النهاية إلى مال، يعني جعلوا مما ذرأ الله لهم من الأموال الناتجة عن الزراعة، كأن تقول مثلاً: رعينا الغيث، الغيث هو المطر، والغيث لا يُرعى، لكن الغيث يسبب إنبات النبات، والنبات هو الذي رعيناه، هذا يسمونه مجازًا عقليًّا: التعبير عن الشيء بسببه، أو التعبير عن الشيء بنتيجته، أو التعبير عن الكل بالجزء، أو الجزء بالكل .

﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) ﴾

[  سورة البقرة ]

 الأصابع لا تدخل، إصبعة واحدة، عُبّر عن الجزء بالكل، عُبّر عن المكان بمن على المكان .

﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) ﴾

 

[ سورة يوسف  ]

 القرية لا تُسأل، اجتمع مجلس الوزراء، يعني الكراسي فقط، المقصود من على الكرسي من الوزراء، هذا مجاز عقلي بحث في البلاغة، نعبر عن الشيء ببعضه، أو عن الشيء بكله، أو عن المكان، أو عن الزمان بمن في المكان ومن في الزمان ... إلخ .

 إذاً : 

﴿وَجَعَلُوا﴾ هم شرّعوا، هم قالوا، هم بينوا ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا﴾ خلق. 

﴿مِنْ الْحَرْثِ﴾ أي من الأموال التي حُصّلت من الزراعة، والحرث: مكان النبات معنى آخر ، لكن الذي يعني هنا الحرث هو النبات . 

﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ ﴾ الأنعام من أثمن أموال القدماء. 

﴿الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ نصيبًا لله يعطى للفقراء والمساكين، ونصيبًا للأصنام يُعطى لمن يخدم هذه الأصنام .

 الآن : 

﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾ كيف؟ يعني جعلوا أرضاً للفقراء والمساكين وأرضاً للأصنام، فإذا شحّت المياه سقوا بالماء القليل الأرض التي للأصنام،  وإذا قالوا هذه الأنعام نصفها لله ونصفها لشركائهم، فإذا ماتت دابة من التي لشركائهم عوضوها من الذي لله، فأخذوها من هنا، وضموها إلى هنا، فما كان لله يصل إلى شركائهم، وما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، هذه تناقضاتهم، هذا الكيل بمكيالين، طبعاً بزعمهم . 

﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ﴾ الأصل شركاؤهم، فأي تلف يصيب الزرع وأي تلف يصيب الأنعام يُؤخذ ما يقابلها من الذي لله، وأي تلف لله من الذي لله لا يُعوّض، أي تلف من المال أو من الأنعام للذي لله لا يعوض . 


من إسقاطات هذه الآية اليوم : 


1 - التحايل على الزكاة :

 أيها الإخوة، هذا الوضع كيف يُسقَط اليوم؟ عند الإنسان ديون ميتة، ولا أمل أن يحصّلها فيقلبها إلى الزكاة، هذه واقعة، ديون تجارية عادية، والذين عليهم الديون لا يدفعون، وهم أغنياء، فبحركة بسيطة يحيلها كلها إلى الزكاة، فصار الزكاة حلاًّ للمشاكل، تُحل به كل المشاكل، أحياناً بضاعة كاسدة لا يحتاجها الفقير أبداً توزع زكاة، يعني ثياب أولاً فاضحة، لا تلبسها المرأة الفقيرة، أو أشياء لا يحتاجها الإنسان كثيراً، فكل شيء كاسد عندهم هذا يحوّل إلى الزكاة، والأغرب من ذلك ـ وصدقوا أيها الإخوة ـ أنه جاءنا مرة أحذية كل فردة برقم، مستحيل أن تُستخدم، 40 ـ و43 ، فلما سُئلت بعد حين: إن شاء الله استلمتم البضاعة؟ قلت: وضعتها في المكان المناسب، والله في الحاوية، في المكان المناسب، أحياناً الثياب: عتيقة، غير مقبولة تُوزّع زكاة، وجميع البضاعة الكاسدة التي عفا عليها الزمان، والذي مضى شكلها توزع زكاة .

 على كلٍ هذا من إسقاطات هذه الآية على واقع المسلمين اليوم، يجب أن يحل بالزكاة كل مشاكل التجارة والصناعة، يعني يريد أن يكرم موظفًا نشيطًا يعطيه من الزكاة، هذا موظف عندك يستحق تعويضات من المصاريف لا من الزكاة، يحل مشاكله في علاقاته مع من حوله بمال الزكاة، يحل مشاكله مع الديون بمال الزكاة، فما كان لله هذا يصل إلى كل هموم التاجر، أما أن يدفع زيادة على الزكاة قرشاً واحداً لا يدفعه، مع أن الله عزوجل يقول :

﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) ﴾

[  سورة البقرة ]

 إيتاء الأموال على حب الله، أو على حب المال إما بإخلاص شديد، أو بتعلق شديد بالمال على ﴿ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾

 لذلك ورد في بعض الأحاديث : 

((  إنّ في المالِ حَقّاً سِوَى الزكاةِ  ))

[  الترمذي عن فَاطِمَةَ بِنْت قَيس وهو ضعيف ]

 لذلك على كلٍ الزكاة فريضة، وتُحل بها مشكلات المسلمين، وفي بعض الإحصائيات أن زكاة بعض أموال الأغنياء تُحل بها مشكلات أهل الأرض، وكأن نظام الزكاة نظام من عند الخالق، يعني لو حسبت الدخل القومي لأمة، ولو حسبت ما يستحقه الفقراء من هذه الأموال، هذه الأموال تكفي لا لإطعام الفقراء، لإنشاء مشاريع تستوعب كل الطاقات العاطلة الفقيرة .

 الحقيقة أن الزكاة من أكبر أهدافها لا أن تُمِدّ الفقير بطعام يوم أو بألف ليرة، هدف الزكاة أن تغني الفقير مدى العمر، وتهيئ له عملاً، وأعظم أسلوب في إنفاق الزكاة أن يغدو قابض الزكاة بعد حين دافعَ زكاة .

 وصدقوا أيها الإخوة أن أخًا طلب قرضاً من محسن، المحسن استجاب له، والقرض بسيط جداً، اشترى دراجة كي يوزع بها أكياس نايلون على بعض المحلات في الريف، والله بعد حين رد القرض، ودفع زكاة ماله .

 الزكاة مهمتها أن تغني الإنسان على مذهب طوال عام، أو على مذهب آخر طوال العمر، معنى طوال العمر أي أن تهيئ له عملاً، آلة، مركبة، مكان بيع، هكذا الزكاة، توزَّع كي يُحوّل قابض الزكاة إلى دافع الزكاة، أما أن تُحل بالزكاة مشكلات التجار، أن تُحوّل الديون الميتة إلى فقرات من الزكاة، أما أن تُنفَق كل البضائع الكاسدة والتي لا تُشترى، ولا تُباع، حتى لو أنك حولت بعض الألبسة إلى الزكاة هناك ضوابط، تُسجَّل هذه الألبسة بسعر السوق، أو سعر الكلفة أيهما أقل، يعني هذه القطعة من الثياب كلفتها ألف ليرة، قبل سنتين أو ثلاثة كان مبيعها 1500 مضى شكلها، ومضى رغبة الناس بها، الآن لو عرضتها للبيع لا يُدفع لك إلا 300 ليرة ثمن هذه القطعة، فأنا أقول لإخواننا التجار إياك ثم إياك ثم إياك أن تسجلها على الله بألف ليرة بكلفتها، يجب أن تسجلها بسعر السوق بـ300 فقط .

 لذلك حينما تقيّم بضاعتك كي تدفع عنها الزكاة تقيّمها بكلفتها أو بسعر السوق أيهما أكثر؟ بمعنى أنه عندك بضاعة موادها الدولية اشتريتها قبل ارتفاع سعر الدولار، فتُباع في السوق الآن بعد ارتفاع الدولار بزيادة بالمئة 30، فإذا دفعت منها زكاة مالك يجب أن تسجل على الله بسعر كلفتها أو بسعر السوق أيهما أكثر، أما إذا أخذت منها من هذه البضاعة قسماً لدفع الزكاة يجب أن تسجلها بسعر كلفتها أو سعر السوق أيهما أقل، يعني لصالح الفقير .

فطبعاً هذا الموضوع علاقته بحياتنا، أن باب الزكاة، هذا الباب يمكن أن يستوعب كل مشكلاتنا .

2 – دفع الفوائد الربوية للضرائب :

 الآن إذا وضع ماله في مؤسسة ربوية، وإيداع المال في هذه المؤسسات حرام بالأساس، لكن يتجاهل أن الإيداع حرام، فيأتي بهذه الفوائد ليدفعها ضرائب، متوهماً أنها ظالمة، أنت حينما دفعت هذه الفوائد ضرائب معنى ذلك أنك أخذتها، وانتفعت بها، ولو لم يكن لك حساب في هذا المصرف الربوي لا بد من أن تدفع الضرائب شئت أم أبيت، فإذا أخذت هذه الفوائد، ودفعتها ضرائب معنى ذلك أنك قبضتها وانتفعت بها .

 يعني هناك مخالفات أيها الإخوة، في أكثر المؤسسات يعطون ربحًا ثابتًا، التاجر يعطي ربحًا ثابتًا، ويقول لك: هذا أريح لي، الألف مثلاً نعطي عليها مئة ليرة في السنة، في الشهر عشر ليرات فرضاً، والمستثمر أيضاً ظالم، لا يقبل الخسارة أبداً، يجب أن يستعيد ماله كما سلمه تماماً، فالمستثمر لا يعرف الله، ويتقي الله، والمستثمَر عنده المال أيضاً مهما بلغت أرباحه يعطي النسبة الثابتة التي هي أقرب شيء إلى الربا.

 لذلك إذا عمل إنسان في التجارة، ولم يكن متفقهاً في حقائق الدين الفقهية وقع في الحرام شاء أما أبى . 

فهؤلاء المشركون تتلف دابة من مال الله لا تُعوّض، تتلف زراعة من مال الله لا تُسقى، يتلف مال لله لا يُعوّض، يتلف مال للشركاء يُؤخذ من مال الله، تتلف الأنعام للشركاء تُؤخذ أنعام بدلاً منها من مال الله، تُسقى أرض للشركاء، ولا تُسقى أرض لله ، إذاً الآية دقيقة جداً : 

﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

 يعني إذا كان الإنسان منصفاً ارتقى عند الله، فإن لم يكن كذلك سقط من عين الله، طبعاً هذه:

﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22) ﴾

[ سورة النجم ]

كما ورد في القرآن الكريم، ثم يقول الله عزوجل :

﴿  وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(137)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 أي شركاؤهم الذين أشركوهم مع الله .

3 – عبادة لغير الله من نوع آخر : طاعةُ غير الله في معصية الله : 

 إخواننا الكرام، يعني كإسقاط على واقعنا، هناك من يعبد غير الله، فإذا واجهته بهذه الحقيقة يعني أرعد وأزبد، أنا أعبد غير الله ؟! أنا لا أقول لك: إنك جعلته إلهاً، وصليت له، لكنك تعامله كإله، تستجيب لأمره ولو كان فيما يغضب الله، ونحن كوننا مسلمين نقول في العيد: الله أكبر، وفي الصلوات: الله أكبر، هذه الكلمة الأولى تفتتح الصلاة بـ الله أكبر، لكن في الواقع أنت حينما ترضي مخلوقاً، وتعصي خالقاً ما الذي رأيته؟ رأيت أن إرضاء هذا المخلوق أكبر عندك من إرضاء الله، إذاً أنت لم تقل: الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، أنت حينما تطيع زوجتك في معصية، ولا تطيع الله عز وجل فيها معنى ذلك أنك توهمت أن إرضاء الزوجة أهم عندك من إرضاء الله، أطعتها وعصيت الله .

لذلك صحابي جليل طُلب مِنه من أهله نفقة لا يملكها، وهو لا يأخذ مالاً حراماً لينفقه على أهله، فقال لزوجته: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلّت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك.

 الله أكبر، من هنا قال الله عزوجل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) ﴾

[  سورة التغابن  ]

 أي هذه كما قال علماء التفسير: عداوة مآل، ليست عداوة حال، الزوجة محبوبة، أما إذا ضغطت على زوجها من أجل أن تتباهى على قريناتها فكسب زوجها مالاً حراماً إرضاء لزوجته، وحينما يحاسبه الله على ذلك  يوم القيامة حساباً عسيراً يرى أن كل هذا الشقاء الذي شقي به بسبب زوجته، فتكون عدوة له في نهاية المطاف: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ والابن إذا أعطيته ما يشتهي، وسمحت له أن يذهب إلى حيث يشاء، وأن يفعل ما يشاء، أو البنت حينما تطلق لها حريتها، ولا تعلمها أمر دينها فإذا استحقت دخول النهار تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ﴾ .

 إذاً : 

﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ﴾ لكن بربكم، والكلام دقيق لو أن إنساناً جاهلياً أخذ ابنته التي كالوردة، وفي عمر الزهور، عمرها أربع سنوات، أخذها بعيداً في الصحراء، وحفر لها حفرة، وألقاها في الحفرة، وردم فوقها الرمال، وهي تقول: أبي أَبي، هل من جريمة أكبر من هذه الجريمة ؟ قال تعالى :

﴿  وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)  ﴾

 

[ سورة التكوير  ]

 لكن صدقوا والله، أن الإنسان إذا ربى ابنته، وأرخى لها العنان، ولم يسألها لا أين ذهبت، ولا من أين أقبلت، لا على علاقاتها، ولا على اتصالاتها، ولا على هندامها، ولا على إبراز مفاتنها، ولا على أصدقائها الذين يتصلون بها، ويعد هذا حضارة، وروحاً رياضية وتربية رائعة، فحينما تفسق هذه الفتاة، وتنحرف، وتقع في الفاحشة بسبب عدم اهتمام أبيها بها، أو بسبب تفلتها على علم أبيها، هذه والله جريمة أكبر بكثير مِن وأْدها هي صغيرة، الدليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، قال تعالى :

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 حينما تسمح لابنتك أن تُفتن بالشباب، وأن تقيم علاقة معهم وتعد هذا رقياً في علاقتك بها، وأنت أعطيتها حريتها، وأنت لا تسألها عن شيء فتزلّ قدمها فتألف المعاصي والآثام، وقد يُفتضح أمرها في النهاية أنت الذي ورطتها، وأنت الذي سببت لها هذا الضياع ، لذلك قال تعالى ، ودققوا في هذه الآية ، وهذه الآية من أدق الآيات ، قال تعالى : 

﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33)﴾

[  سورة النور ]

 بربكم هل في العالم الإسلامي كله أب يمكن أن يجبر ابنته على البغاء، على الزنا؟ مستحيل ! ما معنى الآية ؟ معنى الآية أنه كلما جاء خاطب عضلتها، بحثت عن عيوبه، وضخّمت العيوب، ورفضت الخاطب، وأنت مرتاح مع زوجتك، ولا تعبأ ببناتك ولا بمستقبل بناتك، تضع العراقيل تلو العراقيل أمام زواجهن، ولا تعبأ بمن يخطبها، هذا فقير، أنت لما خطبت أمها ألم تكن فقيراً؟ يريد الأب الآن أن يوازن بينه وبين صهره، أنت عمرك 56 سنة، وحصّلت أموالاً طائلة، وساكن بالشام، وبيت كبير، ومركبتك إلى جانبك تريد خاطباً لابنتك أيضاً عنده بيت ملك بالشام، وعنده سيارة ، وعنده دخل كبير، من أجل أن تتباهى به .

 خطب أحدهم فتاة، الأب واعٍ جداً، قال له: عندك بيت يا بني ؟ قال له: عندي، هات ورقة الطابو، كل شيء بالدليل، فجاء له بورقة الطابو، تمام، ماذا تعمل؟ قال له عندي معمل، لك ؟ قال له: لي، ائتني بالترخيص، جاء بالترخيص، عندك سيارة ؟ عندي، ائتني برخصتها، كل شيء باسمه، فوافق، وعد هذا الزواج ناجحًا جداً، ومرة وهو في محله التجاري يأتي خطيب ابنته، وعنده أصدقاؤه، فعرّفهم عليه على أنه خطيب ابنته، أحدهم احمرّ وجهه، أحد أصحابه، قال له: هذا ليس بمسلم، هو من دين آخر، طبعاً لا يجوز في الشريعة، قال له: أنت لست مسلماً؟ قال له: أنت لم تسألني عن ديني أبداً، الآن الأب يريد الغنى والمال، أما قضية الدين قضية ثانوية جداً .

لذلك مرة كنت أمشي في أحد أسواق دمشق، واستوقفني أحد التجار، ودعاني إلى مكتبه، وجلست عنده دقائق، سألني عن شاب خطب ابنته، وهو على مستوى كبير من الغنى والشكل، كل صفات الدنيا متوافرة فيه، قال لي: لكن ليس فيه دين أبداً، ما قولك ؟ قلت له: أنت حينما تقرأ القرآن الكريم، قال لي: نعم ، بعد أن تنتهي من قراءته ماذا تقول؟ قال لي: أقول : صدق الله العظيم، ما معنى صدق الله العظيم؟ أي أنت مصدق لله فيما يقوله ، الله عزوجل قال :

﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 والله ـ طبعاً ـ جاملني، وغادرت مكتبه، وسمعت بعد حين أنه زوّج ابنته لهذا الشاب لأنه غني، وعنده كل وسائل الراحة الدنيوية، ثم بلغني أنه بعد حين اختلفا ، فتح باب المركبة، وركلها بقدمه، وتم الطلاق بينهما.

 حينما يقول الله عزوجل: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ﴾ يعني فقير، ليس هناك عبد الآن، هناك شعوب مستعبدة، أما الأفراد فلا يوجد ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾

 لذلك إخواننا الكرام، نحن حينما نبتغي أن نزوج فتياتنا لإنسان مؤمن اطمئن، إن كان فقيراً فسيغنيه الله عز وجل، لذلك قالوا: زوّجْ ابنتك للمؤمن، إن أحبها أكرمها، والحالة الثانية لا سمح الله: وإن لم يحبها لم يظلمها، يعطيها حقها، لأنه يخاف الله عزوجل .

 وشيء آخر : 

((  النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته  ))

[ رواه أبو عمر التوقاني عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر  ]

 الزواج رق، فالمؤمن يخاف الله، وإذا كان المؤمن فقيراً يغنيه الله، وإذا كان المؤمن فقيراً، ووالد الفتاة ميسور الحال، ما الذي يمنع أن تعين هذا الشاب؟ ما الذي يمنع؟ لماذا تريد أن تضع أموالك في الأولاد الذكور فقط ؟ البنات لهم عند الله حق كبير، يعني ما الذي يمنع أن تخصص بيتاً متواضعاً لابنتك؟ فإذا جاء خاطب عُرض عليه البيت مع الفتاة، إذاً يأخذها بلا تردد، أنت بهذه الطريقة أعنت الشباب .

إخواننا الكرام ، الآن أنا أقول لكم، وكلامي دقيق وواضح: ما من عمل أعظم عند الله الآن في زمن الفتن، في زمن النساء الكاسيات العاريات، في زمن الفضائيات، في زمن الإنترنت، في زمن المجلات، في الزمن الذي لم يبقَ للزوج من مفاتن امرأته شيء، كله في الطريق، في هذا الزمن الصعب الذي يسهم في تزويج الشباب، في التساهل معهم، في تأمين المأوى لهم، في التخفيف من النفقات، هذا إنسان يقوم بعمل بطولي .

 نحن أيها الإخوة معنا أرقام والله أنا متأكد منها، لكن والله لن أستطيع البوح بها، لأنكم لا تصدقون هذا الرقم، عدد بيوت الدعارة في دمشق الرقم لا يصدق، فالعلاقة بين الذكر والأنثى إما أن تكون بقناة نظيفة هي النكاح، فإن وضعت العراقيل، وابتغينا المظاهر، وأصررنا على نفقات معينة، وعلى حفلات معينة، وعلى وسائل معينة، كانت فوق طاقة الشباب فبارت سوق الزواج، وراجت سوق الزنا، فإما أن يكون نكاح، أو أن يكون سفاح، الدليل، الدليل من عند سيد المرسلين ، قال : 

((  إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض  ))

[  أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة  ]

 إخواننا الكرام ، حينما تكون النساء محجبات، والفتن نائمة، والمرأة بأثوابها السابغة وهي ملكة، وحينما لا نرى في الطريق شيئاً يثير، ولا في الشاشة شيئاً يثير، ولا في الانترنيت شيئاً يثير، ولا في أي شيء شيئاً يثير، يمكن أن نتساهل في بعض حاجات الزواج، أما في زمن النساء الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، في زمن أن طرق الحرام مفتوحة على مصاريعها، لا بد من أن نعظم الحلال، ولا بد من أن نتساهل فلذلك نحن على خطر، على خطر أن تحوّل مدن بأكملها إلى بيوت دعارة، لأن طرق الزواج مغلقة، هناك نفقات باهظة، يجب أن يقدّم ماساً لأن الذهب شعبي، أما قرية في غوطة دمشق تتخذ قرارًا أن المهر خاتم زواج وساعة فقط، وغرفة واحدة، إن لم نفعل ذلك نحن أمام خطر انحلال المجتمع، والذي أعرفه والله أيها الإخوة من انحرافات في بنية المجتمع المسلمة لا تصدق بسبب وضع العراقيل، الذي جاء بهذا الموضوع: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ أنت حينما تضع العراقيل، وهذا ما عجبك دخله، وهذا طلب أن يُسكنها بالريف، وهذا مدخل بيتهم غير لائق، تجد أشياء عجيبة جداً، الأب مرتاح جداً، ليس عنده مشكلة، بيته جاهز، زوجته أمامه، طعامه جاهز، ثيابه جاهزة، أما هذه الفتاة المؤمنة المحجبة الحافظة لكتاب الله تنتظر شاباً مؤمن يسعدها، وتحقق هدفها في الحياة من خلاله، لأنه ثبت في علم النفس أن دافع الأمومة أكبر دافع في الجنس البشري، الفتاة تريد أن تكون أماً فقط ، فإذا طلبت الزواج من أجل أن تكون أماً فقط، لا أن تكون خادمة عند أخيها، وعند زوجة أخيها الظالمة .

والله حدثني أخ عنده أخت كبيرة بالسن، وزوجته شابة، مرة وهو جالس طبعاً يبالغ في تكريم زوجته، ويبالغ في إهانة أخته، فمرة ركلها بقدمه أمام زوجته، قال لها: هاتِ كأس ماء، وزوجته جالسة، وهي في سن ابنتها، سافر إلى حلب، في الطريق قُطعت رجله التي ركل بها أخته من أعلى الفخذ في حادث سيارة، الله كبير، لذلك الذي عنده أخوات بنات وعانسات إكرامهن قربى إلى الله، وتوقيرهن، وإكرامهن، وتأمين حاجاتهن، والله لا يعلم إلا الله كم ينال هذا الشاب عند الله من أجر عظيم.

 إخواننا قصة ذكرتها كثيراً لكم ، لكن من المناسب أن أذكرها، امرأة عندها عرج 8 سنتيمترات بين الرجل والثانية، هذه قصة طريفة ، يعني اشترت حذاء الفردة الأولى 8 سم، والثانية صفر، فلما لبست هذا الحذاء توازنت، وكل ثيابها نازلة إلى الأرض، فخُطبت، وأُعجب بها الخاطبون، متى كُشفت ؟ يوم العرس، فالحماية لا يمكن أن تبقيها، لقد احتالت عليهم، وأمرت ابنها بتطليقها، الابن شهم، مع أن ثمة خطأ كبير في البنت، لكن ما أراد أن يكسر خاطرها، قال لها: والله لا أطلقها، وأنا راضٍ بها، والله القصة رويت لي ممن أثق بهم، في سنوات معدودة بلغت ثروته مئات الملايين، هو يعمل في التجارة ، لكنها كانت تجارة متواضعة جداً، فجزاء هذه الفتاة التي ما كسر خاطرها، ولا خيّب ظنها، أكرمه الله إكراماً لا حدود له .

 الدنيا بطولات كلها ، فأنا أقول لكم: الآن نحن بحاجة إلى أن نتحرك، لا أن نصمت، لا أن نتكلم فقط، أنا أتمنى أن يقدم الآباء كل التسهيلات للشباب، وأتمنى من أولياء الشباب أن يقدموا كل التسهيلات لأولادهم، هذا الذي كان أبوه قبل خمسين سنة عصاميًّا الآن ليس هناك عصامي، يحتاج الابن إلى معونة من والده، يحتاج إلى دفعة للأمام، أنا أصرّح بأعلى صوتي: لا بد من حل مشكلات الشباب، لأن الورقة الرابحة بأيدينا هي الشباب، ولأن مستقبل أمتنا في الشباب . 


قتل الولد خشية الفقر : وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ


﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ ﴾ إن كانوا فقراء قال هؤلاء الأولاد عبء عليكم، وإن كانوا أغنياء هؤلاء الأولاد يقاسموكم أموالكم، وإن كانوا بنات فضيحة وعار، من قال إن الفتاة فضيحة وعار؟!

 يا إخوان، محبة البنت لأبيها عجيبة، محبة وولاء، واحترام، وتقدير، وخدمة في أعلى مستوى، فإكرام البنت أحد أكبر القربات إلى الله، ومن جاءه بنت فأحسن تربيتها فله الجنة، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الجنة إلى أبد الآبدين، بسبب أنك ربيت فتاة مؤمنة طائعة، ثم زوجتها لشاب مؤمن يحفظ لها دينها، هذه الحياة، الأبوة رسالة، هنا: ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ﴾ بالعضل

 كلما جاء خاطب نخلق له مشكلة، وهناك نموذج ـ والعياذ بالله ـ إذا تزوجت ابنته يطلق امرأته، وقد طُلقت المرأة لأن البنت تزوجت من دون رضا أبيها، أب مُتعنِّت، فأنا أقول: الأب الكامل يهتم بتزويج بناته قبل كل شيء، طبعاً هؤلاء المشركون زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم، قيل: إن كانوا فقراء خوفوهم من أنهم يأتون بعبء فوق عبئهم المادي، وإن كانوا أغنياء الأولاد يقاسمونهم أموالهم، وإن كانت فتاة بكلام شركي خاطئ تجلب لهم العار، ربِّها، أحسن تربيتها .

الآن الآية الكريمة :

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) ﴾

[  سورة الإسراء  ]

 صدقوا أيها الإخوة منذ خمس وثلاثين في الدعوة ما أفتيت بإسقاط جنين أبداً، أنا قناعتي أنه لمجرد أن تُلقّح البيضة بدأت الحياة، لذلك أنت حينما تُجهض امرأة كأنك قتلت نفساً بغير حق، أما كلامي دائماً لكل من يسألني حول إسقاط الجنين لأن الأولاد كُثر، والوقت صعب، والدخل محدود، والبيت صغير، أقول لهم: لعل هذا الذي تريد أن تتخلص منه يكون داعية كبيراً، يكون عالماً جليلاً، يكون مصلحاً اجتماعياً، يكون قائداً فذاً، هذا هدية من الله ، لذلك الآية: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ لا تقتل ابنك لفقر متوقع بعيد، الآن البيت بمليونين، هذا إذا كبر بعد عشرين سنة صار ثمن البيت 8 ملايين، ولا يملك 8 ملايين، إذاً يلجأ إلى الإجهاض، والإجهاض قتل النفس: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ ﴾

 أصر أحدهم على أن يسقط الجنين أول سنة، وثاني سنة، السنة الثالثة حملت زوجته جاءت بثلاثة توائم، ما استفاد شيئًا .

أيها الإخوة ، نعيد ثانية : 

﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ﴾ مفعول به ﴿أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ شركاؤهم الذين أشركوهم مع الله عزوجل زينوا لهم قتل أولادهم، التزيين يحتاج إلى قوة كبيرة، لأن محبة الولد متغلغلة في أعماق النفس، فأن تدفع أباً لقتل ابنه أو لوأد ابنته يحتاج إلى تزيين من أعلى مستوى، كيف زينوا لهم قتل أولادهم؟ أنتم فقراء، فإذا أنجبتم أولاداً تضيفون هماً إلى همكم، هذا الفقر الواقع .

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (151)﴾

[ سورة الأنعام  ]

﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ من فقر واقع ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ أما الأغنياء أنتم في بحبوحة، فالأولاد يحتاجون إلى زواج، وإلى بيوت، وإلى معامل وإلى سيارات، دعك من هذا، واكتفِ بزوجتك، إن كان غنيًّا يخوّفه الشريك الذي أشركه مع الله بفقر متوقع ، قال : 

﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ إذا كان الفقر واقعاً ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ وإذا كان الفقر متوقعاً: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ﴾


الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله :


 إخواننا الكرام، الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، أنا سافرت إلى جنوب السودان، وكان الوفد الذي كنت فيه أول وفد عربي يزور جنوب السودان من 40 عامًا، الذي رأيته بعيني شيء لا يصدق، أطفال عراة من الفقر، جائعون، جهلاء، قال لي بعض من كان في الوفد: إنهم يأكلون كل شيء إلا السيارة، ويأكلون كل شيء في الماء إلا الباخرة، وكل شيء في الجو إلا الطائرة، من الفقر، فقلت في نفسي هذه الكلمة، طبعاً الحرب الأهلية استمرت 40 سنة، 20 مرحلة، و20 ثانية، قلت في نفسي: والله لو جاءني خاطر أن هؤلاء الصغار مسلمون أم مسيحيون لاحتقرت نفسي، إنهم عباد لله، والإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، يعني الإنسان ملعون لو أنهى حياة إنسان . 

(( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يسفك دماً  ))

[  البخاري عن ابن عمر  ]

 ملعون إذا أدخل على قلبه الخوف، ملعون إذا ابتز ماله، ملعون إذا غشه، الإنسان بنيان الله، أنت حينما تعرف أن الإنسان هو المخلوق الأول، وأنه بنيان الله تعد للمليون قبل أن تؤذي هذا الإنسان، قبل أن تحتال عليه، قبل أن تغشه .

 والله هناك أخٌ من إخواننا عنده معمل حلويات للصغار، يقول لي كلمة تأثرت لها كثيراً، قال لي: هذا الطفل يأخذ من أبيه عشر ليرات للمدرسة يشتري بها قطعة حلويات تناسب سنه، هل يعقل أن أشتري المواد الغذائية التي انتهى مفعولها، وأصبح ممنوعاً بيعها؟ أما عن طريق المعامل تباع، وتُستهلك، ولا أحد يسأل على ذلك، معقول أن أطعم هؤلاء الصغار مواد غذائية انتهت مدة صلاحيتها ؟ قال لي: والله أشتري المواد من أعلى مستوى، حتى إذا أطعمت هذا الصغير قطعة حلويات بعشر ليرات يأكل غذاء نافعاً لجسمه ، قال لي: والله يرزقني رزقاً كبيراً .

 هؤلاء عباد الله، فإنسان إذا مؤمن يعد للمليون قبل أن يغش مؤمناً، أومسلماً أو كافراً 

((  من غش فليس منا  ))

[  أخرجه الترمذي عن أبي هريرة  ]

 وقال في رواية : 

((  من غشنا فليس منا  ))

[  أخرج الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود  ]

 ورواية: (من غش فليس منا)

 إذاً: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾


عامل الناس كما تحب أن يعاملوك :


 فهؤلاء المشركون الذين أشركوا مع الله آلهة زينوا لهم قتل أولادهم، وكالوا بمكيالين، والشيء التالف من مال الله لا يعوض، والشيء التالف من مال الأصنام يؤخذ من مال الله، والإنسان المؤمن منطقي، والمؤمن يكيل بمكيال واحد، أحاديث كثيرة، كيف تحب من أهل صهرك أن يعاملوا ابنتك؟ عامل الصهر كما تحب، دائماً عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، كيف تحب أن يعاملك موظف وأنت أمام طاولته؟ أن يقول لك تعال بعد غد، والأمر ينتهي بثانية، أم تحب أن ينجز لك عملك؟ هذه قاعدة لو طبقناها لحلت كل مشكلاتنا،عامل زوجة ابنك كما تتمنى أن تُعامَل ابنتك في بيت زوجها، عامل شريكك كما تحب أن يعاملك، عامل جارك كما تحب أن يعاملك، عامل أولادك كما تحب أن يعاملك أبوك، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك .

 فلذلك هذا الدرس يبين خللاً كبيرًا في حياة المشركين، في تفكيرهم، في معتقداتهم في سلوكهم، في مكاييلهم، والله عزوجل قدم لنا صورة .

 لذلك إخواننا الكرام، ما لم يكن هناك بون شاسع بين المؤمن وغير المؤمن هذا الدين لا يؤتي ثماره، نحن نتوهم أن المؤمن يصلي، لا يكفي، الصلاة عبادة، وفرض، المؤمن يصوم، والمؤمن يحج، ويأتي بعمرة، ويدفع زكاة ماله، لا، الدين وأنا أعني ما أقول، هكذا الرقم 500 ألف بند، والصوم والصلاة والحج والزكاة خمسة بنود، في العلاقة بالزوجة، العلاقة بالأولاد، بكسب الأموال، بإنفاق الأموال، بحمل هموم المسلمين، بتكوين علاقات طيبة مع الآخرين، الدين منهج كامل، فنحن حينما فهمناه عبادات شعائرية تراجعنا، فإذا فهمناه: أن ترك دانِقٍ من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، هذا قول قاله أحد العلماء، أن تستر، أن تقدم خدمة لأخ، أن تسهم في تزويج شاب بفتاة . 

أنت كمؤمن تقصّى أخواتك المؤمنات من أقربائك، هذه في سن الزواج، هذه محجبة حافظة لكتاب الله، لك رفقاء شباب يبحثون عن زوجات دلهم على هذه القريبة، لك أجر كبير.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور