وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 51 - سورة الأنعام - تفسير الآية 125 ، إن أراد الهدى هيأه له وإن أراد الضلال سمح له به
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والخمسين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الخامسة والعشرين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(125) ﴾

[ سورة الأنعام  ]


معاني كلمة( يُرِدْ )


 أيها الإخوة الكرام، كلمة ﴿يُرِدِ﴾ دقيقة جداً، هناك من أساء فهمها، فكل معصية يرتكبها الإنسان تُعزَى عند الجَهلة إلى أن الله أراد له هذه المعصية، وهذا سوء ظنٍّ بالله، وقد عاب الله على بعض الناس سوء ظنهم به .

﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) ﴾

[  سورة الفتح  ]

﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) ﴾

[  سورة آل عمران ]

 إذاً أحد الأسباب المُهلِكة سوء الظن بالله، وحسن الظن بالله ثمنه الجنة، وحسن الظن بالله دليل معرفته، لكن ما معنى كلمة : 

﴿يُرِدِ﴾ أولاً: أيها الإخوة، لا يليق، ولا يُقبَل في ألوهية الله أن يقع في ملكه ما لا يريد، لكن الإرادة هنا بمعنى سمح، عبّر العلماء علماء العقيدة عن هذه الحقيقة بأنه أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ، يعني إذا وقعت جريمة، أو وقع اختلاس، أو وقعت جريمة زنا، لولا أن الله سمح لها أن تقع لما وقعت، لكنه سمح لها لحكمة بالغة مع أنه لم يأمر بالذي وقع، ولم يرضَ الذي وقع، لم يأمر، ولم يرضَ، ما المعنى الدقيق؟ الإنسان مُخيّر، هويته كائن مخير جميع الكائنات مُسيرة . 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[  سورة الأحزاب ]

 فالإنسان والجن مخيرون، وما سوى ذلك مسيرون، لذلك لا يقع الفساد إلا من كائن مخير، أُودعت فيه الشهوات، فتحرك بدافع من شهواته من دون هدىً من الله .

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

[  سورة القصص  ]

 يعني سيارة لها محرك قوي، وهناك طريق ينبغي أن تبقى عليه، وهناك مقود بيد السائق، السائق شرب الخمر، فقَد الوعي، تفلّت منه المقود، وقع في الوادي، هذا الذي حصل تماماً، السيارة فيها محرك، المحرك يندفع بها بسرعة عالية، والطريق واضح المعالم، لكن الذي يقود هذه المركبة خالف النظام، وشرب الخمر، فغاب عن الوعي، وتفلّت منه المقود، وقع في الوادي .

 إذاً ما الشر؟ الشر كائن متميز، اصطفاه الله من بين كل الخلائق ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ قال: أنا لها يا رب، لكنه تخاذل في حملها، واتبع شهوته، وعمي بصره، وصمّت أذنه فوقع في متاهة وهلاك .

 إذاً الله عز وجل أراد بمعنى أن هذا الكائن هويته مخير، فإذا اختار شيئاً، وأصرّ عليه نبّهه الله، لفت نظره، أسمعه كلاماً، نصحه إنسان، قرأ مقالة، رأى عبرة، رأى قصة، أصرّ على هذه الشهوة، يبدو من الحكمة البالغة أن تخرج هذه الشهوة من نفسه يسمح له أن يقع في هذه الشهوة، ولكن ليس على حساب أحد، والكلام دقيق، الله عز وجل ينسق معنى ينسق ؛ أي :

﴿  وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 يعني إنسان اختار أن يسرق، وأصر على هذا الاختيار، وجاء من يحذّره، بقي مصرّاً، وأصبحت هذه الشهوة حجاباً بينه وبين الله، لابد من أن تخرج هذه الشهوة يسمح الله أن يسرق، لكن على من تكون سرقة ماله حكمة له، ومعالجة وتنبيهاً وتأديباً، لذلك الظالم سوط الله ينتقم به، ثم ينتقم منه، وأوضح آية:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) ﴾

[  سورة القصص  ]

 إذاً الإنسان مخير، ولكن لا يستطيع أن يصبّ اختياره على من يشاء، مُخيّر لا على حساب أحد، مخير بتنسيق الله عز وجل.

إذاً معنى أراد أي: لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغةٍ، سمح الله للإنسان الذي منحه حرية الاختيار أن يفعل ما يختار، أن يفعل ما يختار لا على من يختار، ولكن على من يختاره الله، الظالم سوط الله، ينتقم به، ثم ينتقم منه ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .

 إذا قلت: أراد الله لهذه السرقة أن تقع، أي: لأن الذي أراد السرقة إنسان، وهو مخير، والاختيار علة تكليفه، وقد كُلِّف، ومع أنه كُلّف أُعطي الاختيار، لكن لا يصبّ اختياره على من يشاء.

 قَالَ عليه الصلاة والسلام : 

(( إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ  ))

[  أخرجه الترمذي عن أنس ]

 يجب أن تعتقد أن ثمة عدالة مطلقة، وحكمة مطلقة، فالذي وقع أراده الله، لهذا قالوا: لكل واقع حكمة، وقد يكون المُوقِع مجرماً .

 أحداث أيلول وقعت، سمح الله لها أن تقع، أي أراد الله أن تقع، لحكمة بالغةٍ بالغة نعرفها أو قد نعرفها بعد حين، واجتياح بعض البلاد الإسلامية سمح الله به لحكمة بالغةٍ بالغة، نعرفها الآن أو بعد حين، لكن لأن الشيء وقع أراده الله، وإذا أراد الله شيئاً وقع، أراد بمعنى سمح، فإذا كان الذي وقع شراً نقول: سمح، ولم يأمر، سمح ولم يرضَ، هذا معنى كلمة الإرادة، الله عز وجل يريد الخير، لكن يسمح لاختيار الإنسان أن يقع تفريغاً لقلبه من هذه الشهوة، كي يكون قريباً من التوبة من بعدها . 


موقف الناس من معنى الهداية

 أما الهداية فهذا الموضوع أيها الإخوة خاض فيه الناس كثيراً، هناك موقفان متطرفان، تأباهما العقيدة السليمة، الموقف الأول: كلما رأيت إنساناً ضالاً تقول لم يأذن الله له بالهدى، وإذا عاتبت إنساناً ضالاَ يقول لك: لم يهدني الله بعد ، لم تأتِ الهداية، يرتاح من المسؤولية، يفعل ما يشتهي بأعلى درجة من الاختيار، وهو يعلم عليم اليقين أنه مخير، وأنه ما فعل الذي فعله إلا باختياره، ومع ذلك إذا عاتبته على تقصيره في أداء العبادات، أو في الطاعات يقول لك: لم يأذن الله لي أن أهتدي، هدايتي بيد الله، هذا فهم متطرف، وفهم جبري، وما شلّ الأمة الإسلامية في أواخر عصورها إلا بهذه العقيدة الجبرية .

 جاؤوا بشارب خمر لسيدنا عمر، فقيل له: لماذا شربت الخمر؟ قال: إن الله قدر عليّ ذلك، أي هو شيء قديم معناها، والإنسان دائماً يميل إلى أن يعزي خطأه إلى الله .

 الطالب الذي لم يدرس فلن ينجح، لكنه يقول مطمئنًا: إن الله ما أذن لي، وهذا ترتيب سيدك، هو أكبر كسول، لم يدرس، ولم يداوم، ولم يقرأ، في النهاية يقول لك: إن الله لم يأذن لي أن أنجح، وهكذا .

 الصفقة الخاسرة، والبضاعة الفاسدة يقول صاحبها: لم تُبَعْ، لمَ لم تقل: لم تحسن شراء البضاعة، لم تحسن الدراسة في السوق، لم تدرس التكاليف، لم تدرس المنافسة، لم تدرس النوعية، أهملت البحث في النوعية، والمنافسة، والجدوى، والربح، والأسعار، واشتريت متواكلاً على الله، وبعد هذا تقول: الله ما أذن أن تُجبَر، هذا ترتيب سيدك، هذا من الدجل الذي لا يرضي الله عز وجل .

 لا يمكن أن يكون القضاء والقدر تفسيراً لكسل الإنسان، ولتقصيره، ولعدم أخذه بالأسباب، إذاً الهدى أول فكرة أساسية، قال الله تعالى :

﴿  إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)  ﴾

[  سورة الليل  ]

 ألزم الله ذاته العليّة بهداية الإنسان، وإن أتت كلمة(على) قبل لفظ الجلالة فمعنى ذلك أن الله ألزم ذاته العليّة بها ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ هداية العباد على الله عز وجل.

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)﴾

[  سورة النحل ]

 أي: وعلى الله تبيان سبيل القصد، يوجد هداية إلى الأهداف، ويوجد هداية إلى الوسائل ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ الأهداف ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ أي وعلى الله بيان سبيل القصد، الآن :

﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) ﴾

[  سورة البقرة ]

 معنى آخر: معنى ذلك أن أحداً من البشر لا يستطيع أن يهدي واحداً من البشر، لأن البشر مخيرون ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ .

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾

[  سورة القصص  ]

﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)﴾

[  سورة هود  ]

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 أي أن الناس مخيرون، والنبي وظيفته التبليغ فقط، لكن هناك آية ثانية :

﴿  وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(73)  ﴾

[  سورة المؤمنون  ]

 يعني فحوى دعوتك إلى الصراط المستقيم هداية كاملة مطلقة في كمالها لمن اختارها، فحوى الدعوى هداية صحيحة، كاملة ، مطلقة، أما موقف الناس منها بحسب اختيارهم .

 يعني عم النبي عليه الصلاة والسلام عاصره، أبو بكر رضي الله عنه اختار الهداية على يد النبي عليه الصلاة والسلام، أما عمه أبو لهب لم يختر الهداية، ما اختار، والدليل : 

﴿  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)  ﴾

[  سورة الإنسان  ]

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[  سورة الكهف ]

 المعنى الأول: أن الهداية كدلالة، كبيان، كتوضيح، كمعجزات، كأدلة، كآيات كونية، تكوينية، قرآنية، الهداية كمضمون على الله، الله عز وجل هدى العباد، أي أبلغ العباد الحقَّ .

 أول فكرة: يعني الله تولى إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الآيات في الكون، كل شيء في الكون يدل عليه .

 الآن هيّأ لك ملَكاً يلهمك الخير، وهيّأ لك شيطاناً يحركك، تتحرك، واحد يدعوك إلى الشر من أجل التحريك، واحد يدعوك إلى الخير من أجل الخير، وهناك أشخاص، وهناك معالجات، وهناك أفعال، وهناك هموم، وهناك مصائب، وهناك أحزان، كل ما يسوقه الله للإنسان من أجل هدايته، بدءاً من الكون، من آياته الكونية، ومن آياته التكوينية، أفعاله، ومن أنبيائه ورسله، والدعاة الصادقين الذين سمح الله لهم أن ينطقوا بالحق، ومن أفعاله، ومن التربية النفسية التي يرسلها الله للإنسان ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ الهداية من عند الله . 


موقف الناس من الهداية نفسها


الآن موقف الإنسان منها، إما أن يقبلها، وإما أن يرفضها، لأنه مخير، الآن :

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ بعد أن تولى الله هداية الخلق يكون موقف الإنسان من هذه الهداية إما الاستجابة، أو عدم الاستجابة .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[  سورة الأنفال  ]


الهداية الأولى هداية البيان والتعريف 


 الهداية الأولى: أن الله تولى الهداية بنفسه، تولى نشر الحق، تولى إنزال الكتب، تولّى تكليف الأنبياء، تولى معونة الدعاة إلى الله، تولّى التربية النفسية، تولّى إرسال الأدوية والمصائب، يعني كل ألوان الهداية من عند الله، الهداية الأولى هداية البيان والتوضيح، هذا على الله عز وجل، الكون، العقل، الفطرة، الكتب السماوية، الأنبياء، الرسل، المصائب، التربية النفسية، الحوادث، كل شيء تراه عينك من أجل أن تهتدي إلى الله، هذه على الله، تولاها الله عز وجل، الدليل: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ .


الهداية الثانية : هداية التوفيق 


 الآن أنت مخير لك أن تستجيب، أو ألا تستجيب، إن استجبت فهناك هداية ثانية .

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)﴾

[  سورة فصلت  ]

 لم يستجيبوا ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ .

 الفتية، فتية أهل الكهف :

﴿ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾

[  سورة الكهف  ]

 الهدى الثاني: هداية التوفيق ، الهدى الأول: هداية البيان والتعريف، والإنسان قَبِلَ هذه الهداية، ويقول: يا رب أعني، يا رب نوّر قلبي، يا رب فهمني هذا الكتاب، يا رب ألهمني العمل الصالح، بعد أن قبِل الإنسان دعوة الله عز وجل من خلال أنبيائه، أو رسله، أو كتبه أو الدعاة إلى الله، قبل الدعوة.

 هناك هداية ثانية هداية التوفيق، الآن الله عز وجل يختار لك أفضل زوجة تعينك على بلوغ الجنة، يختار لك أفضل مهنة تعينك على دخول الجنة، يختار لك مهنة فيها دخل جيد، لكن فيها وقت معقول تطلب العلم، هذا كله بتقدير الله عز وجل، أنت حينما قبلت دعوة الله عز وجل، الآن الله عز وجل يوفقك في كل شؤونك إلى ما يحقق هدفك، فأمور المؤمن التفصيلية بدءاً من صحته، إلى زواجه، إلى عمله، إلى مكانته، هذه كلها معونة من الله عز وجل، أوضح شيء: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ أي: هدى التوفيق.

 تماماً أنت في طريقك إلى حلب، والطريق ليس فيه لافتات إطلاقاً، افتراضاً، وأنت أمام طريقين متشابهين، من أين تذهب؟ يقف رجل أمام هذا المفرق، تسأله: من أين حلب؟ يقول لك: من الطريق الأيمن، تقول له: جزاك الله خيراً، فما دمتَ قبِلت دلالته يقول لك: انتظر هناك منعطف خطر بعد حين، وهناك تحويلة بعد 3 كم، وهناك دورية جمارك، انتبه بعد حين، لما قبلتَ دلالته أعطاك التفاصيل، لو أنك سألت هذا الإنسان، وقال لك: الطريق إلى حلب هو الطريق الأيمن، قلت له: أنت كذاب، هل بالإمكان أن يقدم لك التفاصيل؟ هذه هي الضلالة: 

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(93) ﴾

[  سورة النحل ]

 لأن هذا الإنسان رفض دعوة الله كلياً، إذاً رفض التوفيق إليها، رفض التفاصيل، رفض البيان التفصيلي، كله وقف، ما دمت رفضت دعوته أصلاً إذاً لن تجد التفاصيل التي تعينك على الهداية، رفضت طريق الهداية كله أنت .

لذلك هناك هداية بيان، هذه على الله، وحتى أطمئنكم، لو أن في الإنسان مثقال ذرة من خير الله عز وجل يُسمعه الحقَّ ، الدليل :

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) ﴾

[  سورة الأنفال  ]

 هذه آية مُسكتة، لو أن في الإنسان واحدًا بالمليار من خير فلا بد من أن يسمعه الله الحق.

 يعني إنسان يعيش في أقصى مدينة في أمريكا، والمدينة غارقة في الانحلال، وفي قلب رجلٍ رغبة في الهداية، يدخل الجيش، وينضم إلى القوات الأمريكية الذاهبة إلى الخليج مثلاً، ويسكن إلى جانب رجل مؤمن، وطليق باللغة الإنكليزية، ويتحاوران، ويهتدي عن طريقه، ويرجع مسلمًا. يعني لمجرد أن ينطوي قلبك على طلب للهداية يتولاك الله ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ أما لو أن الله أسمعهم: ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ .

 والله التقيت مرة مع مندوب شركة فحدثته قليلاً عن الله عز وجل، ما إن بدأت بالحديث حتى قال لي: هذه الموضوعات لا تعنيني إطلاقاً، ولا أعبأ بها، ولا أبالي بها، لا يعنيني إلا امرأة جميلة، ومنزل واسع، وسيارة فارهة، ما تذوقت في حياتي هذه الآية كما تذوقتها بعد سماعي كلامه: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ .

 إذاً أول هداية: هداية البيان، المضمون، الفحوى، هذه على الله، أنت مخير، إن قبِلتها زادك هدًى.

 جاءت هداية ثانية، اسمها هداية التوفيق، وإن رفضتها حُجِبت عنك التفصيلات، وهذا هو معنى الضلالة ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾


فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ


 عرضنا عليك الحق، إن قبِلته فهناك آلاف النصائح، وآلاف التوضيحات، وآلاف التفسيرات ، وإن رفضته أسكتنا: 

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾   الآن لأن الله عز وجل فطرك، برمجك ، بالتعبير الحديث (وَلَّفك) جَبَلك على الحق، فأيّ أمر إلهي يتوافق مع فطرتك ترتاح .

 يعني مركبة من موديل 2006، مصممة أعلى تصميم، أردت أن تركبَها في الوعر، حيث الصخور، والأكمات، والتراب، والرمل، طبعاً ستجد أصواتًا، وتكسيرًا، وبطئًا، فلما نقلتها إلى الطريق المعبد كشفت ميزاتها، ارتاحت وأراحتك، فهذه المركبة مصممة للطريق المُعبّد، أنت مصمم لا تسعد ولا تطمئن إلا إذا أطعت الله عز وجل، فإذا عصيته يختل توازنك، وتصبح عنيفًا، وغيرَ منطقي، تكيل بمئة مكيال، ردود فعلك قاسية جداً، أسوأ زوج، أسوأ عامل، أسوأ موظف، أسوأ مدير عام، عندك خلل في التوازن الداخلي، لأنه لما عصيت الله عز وجل خَدَشتَ فطرتك، معك كآبة، معك سوداوية، معك سوء ظن، معك عداوة وبغضاء، تصرفات حمقاء، والله الذي نراه في العالم من حمق، والله يكشفه طفل مسلم، لكثرة ما في العالم من حمق، من البعد عن الله عز وجل .

 إذاً: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ لأن منهج الله عز وجل متوافق مع الفطرة، والله عز وجل قلبك بيده، وهذا شيء دقيق جداً، قال النبي عليه أتم الصلاة والتسليم: (إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ) لماذا ؟ حينما تختار الخير يملأ الله قلبك طمأنينة، وسعادة، وتفاؤلاً، وشجاعة، وأمناً، تدخل في عالم آخر لا تعرفه سابقاً، تقول: أنا أسعد الناس .

 والله لقد قال لي أحدهم والله بعد أن أدّى الحج قال لي: والله ليس في الأرض من هو أسعد مني، إلا أن يكون أتقى مني. طبعاً استدرك نفسه، فأنت بشكل آلي؛ عندما تطيع الله عز وجل تسعد، وتطمئن، وتستقر، وتشعر بالأمن والراحة، والسكينة، والطمأنينة، هذه: ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ﴾ تحصيل حاصل . 


وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ


﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ الذي قال له: أنت كذاب لمن يقف على مفترق الطرق، طبعاً سكت، ولم يستطيع أن يتكلم، وكل المعلومات المفيدة أُغلقت عنه، تحذيراً له ـ هنا النقطة الدقيقة ـ لماذا قلوبنا بين أصبعين من أصابع الرحمن؟ حتى يعيننا على الخير، وحتى يحذرنا من الشر، فإذا أردت التوبة تشعر براحة لا توصف، وإذا أردت عملاً لا يرضي الله تشعر بضيق تكاد تتمزق، كأنك إنسان غير طبيعي، بل يصبح الإنسان شرساً إذا فعل شراً انقطع عن الله، وعادى فطرته، فطرته عذبته بالكآبة، والضيق ، والوسواس، وسوء الظن والتشاؤم، واليأس . 

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ معنى: ﴿يُرِدِ اللَّهُ﴾ هذا الإنسان أراد، ولأنه مخير الله سمح له أن يفعل ما يريد، هذا معنى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ﴾ الآية دقيقة جداً، معنى: ﴿مَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ﴾ أن الإنسان أراد الهدى لما أراد ذلك، ولأنه مخير، ولأن الأمر بيد الله سمح الله أن يهتدي، فلما قبِل الهدى أعطاه تفاصيل كثيرة جداً هذه الهداية الثانية، والإنسان الآخر رفض الهدى فحجب عنه التفاصيل ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ يعني الإنسان أراد الضلالة، لأنه مخير سمح الله له أن يضله .الآن هناك آية توضح ذلك : 

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) ﴾

[  سورة الصف  ]

 قال العلماء: إذا عُزي الإضلال إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري بالضبط، كيف؟  مثلاً: طالب بالجامعة، لم يداوم، لم يؤدِّ الامتحان، جاءه إنذار تلو الإنذار، عشرة إنذارات، لم يجب على هذه الإنذارات ، صدر قرار بترقين قيده، وأرادت الجامعة فصله، لأنه أصر على ترك الجامعة، فإرادة الجامعة تجسيد لإرادته، المعنى دقيق، معنى: ﴿يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ لأن الإنسان اختار الضلال، ولأن الفعل بيد الله، سمح الله له أن يحقق اختياره . 


يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء


﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي، لأنه ما عرفنا ضيق الصدر مع الصعود في طبقات الجو العليا إلا في العصر الأخير، قبل 25 عاما أو 30 عاما ، أما 1400 عام فهذه الآية ما معناها ؟ 

طبعاً الإنسان لما يصعد يشعر بضيق صدر، وأحياناً يخرج الدم من فمه وأذنيه، لكن الطائرات التي نركبها تُضخ بالهواء ثمانية أمثال حجمها حتى يكون الضغط على ارتفاع 43 ألف قدماً مساوياً للضغط في الأرض، وحينما يفسد جهاز ضغط الهواء يجب أن تهبط هبوطاً اضطرارياً، ولو فوق البحر وإلا يموت الركاب.

﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الهداية من الله هداية البيان، والتوضيح، والكون، والعقل، والفطرة، والأنبياء، والرسل، والكتب، والدعاة، والمعالجات، والمصائب، والمعالجة النفسية، والرؤى، هذه كلها تربية إلهية، هذه على الله ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ أنت مخير، إن اخترت الهدى جاءتك هداية ثانية، هداية التفاصيل، والتوفيق، وإن اختار الإنسان الضلال، وأصر عليه سمح الله به لأنه مخير، مُنعت عنه التفاصيل والوسائل، الآن هناك هداية ثالثة

﴿  سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)  ﴾

[  سورة محمد  ]

 هدايةُ بيان، وهدايةُ توفيق، وهدايةُ جزاء ، إلى الجنة، تفضل ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُم ﴾﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ في الدنيا، ذاقوا طعمها، وقد قيل: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. 

 أيها الإخوة الكرام، لماذا كانت القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن؟ لصالح الإنسان، إذا اتخذت قراراً سليماً بالتوبة والاستقامة، يمتلئ القلب سعادة، وطمأنينة، وثقة، ورضاً، وأمناً، وبِشراً، وإذا اتخذ الإنسان قراراً خاطئاً بارتكاب المعاصي والآثام يمتلئ القلب خوفاً، وضعفاً، وتضعضعاً وتشاؤماً وإحباطاً، يكافئك الله على القرار الصحيح بسعادة، ويحذرك الله بعد أن تتخذ القرار الخاطئ بشقاء .

 ومعنى: ﴿يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ﴾ يعني هو عرض عليه الحق فرفضه، حُجبت عنه التفاصيل، ولأنه مخير سمح له أن يفعل ما يريد ، هو مخير.

﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ إن الإيمان يرفع الإنسان إلى أعلى عليين، والبعد عن الله عز وجل كأن على الإنسان نجاسات .

تصور إنساناً دخل الحمام، واغتسل، وتطيب، وتعطر، ولبس ثياباً نظيفة، ومشى في الطريق، فإذا ببركة مياه آسنة، مياه مالحة، مياه سوداء، وفيها أناس يغوصون ويضحكون، ويلعبون، والمياه السوداء عند أنوفهم، وفوق رؤوسهم، هم غارقون في ملذاتهم، هذا الذي اغتسل، وتطيب، وتعطر، وارتدى أجمل الثياب، يتمنى أن يكون معهم ؟ .

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) ﴾

[  سورة هود  ]

 الأمور كلها واضحة، والله واضحة كالشمس الآن ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ والله أيها الإخوة إن المؤمن ينطوي على سعادة لو وُزّعت على أهل بلد لكفتهم، ينطوي على شعور بالأمن، شعور بالرضا، شعوب بالقرب من الله، ينطوي على شعور أنه في ظل الله، وأنه في رعاية الله، وفي حفظ الله، وفي توفيق الله، وفي تأييد الله، وفي نصر الله، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك ؟ أشياء دقيقة جداً، هذه الآية أيها الإخوة من أدق الآيات : 

﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور