وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 12 - سورة البقرة - تفسيرالآية 23 ، الإعجاز في القرآن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة البقرة.

الكون خَلْقُ الله والقرآن كلامه:

مع الآية الثالثة والعشرين، وهي قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ﴾

أيها الأخوة الكرام، هاتان الآيتان متعلِّقتان بالقرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، والسماوات والأرض تعبيرٌ قُرْآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، خلق الله جلَّ جلاله السماوات والأرض وأنزل على عبده الكتاب، فالكون خلقه والقرآن كلامه، بل إن القرآن في آيةٍ أخرى وضع في كفةٍ والكون في الكفة الثانية:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (1) ﴾

( سورة الأنعام: آية " 1 " )

وقال:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ (1) ﴾

( سورة الكهف: آية " 1 " )

أهم شيءٍ بعد خلق الكون هذا المَنهج الذي أنزله الله على سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

أهم شيءٍ بعد خلق الكون هذا المَنهج الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

أيها الأخوة الكرام، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾

( سورة الرحمن )

يواجهنا سؤال عن الترتيب في نظم هذه الآيات الأربع التي تشكل مطلع سورة الرحمن، أيعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ؟

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾

( سورة الرحمن )

قال علماء التفسير: هذا ترتيبٌ رُتَبِي، وليس ترتيباً زمنياً، أي لا معنى لوجود الإنسان من دون منهجٍ يسير عليه، لو أنَّك اشتريت حاسوباً بثلاثين مليون ليرة من النوع المُعَقَّد جداً، هناك حواسيب تضع عليها نقطةً من دم تعطيك سبعة وعشرين تحليلاً في كبسة زر واحدة، فإذا كان لدى صاحب الحاسوب مئة تحليل، وأجرة كل تحليل ألف ليرة، كان دخله اليومي مئة ألف، فهذا الحاسوب لو أن الشركة الصانعة لم ترسل لك تعليمات التشغيل، إنك إن استعملته من دون تعليمات عَطَبْته، وإن خفت عليه ولم تستعمله جَمَّدَت ثمنه، أليست هذه التعليمات في أهمية الجهاز نفسه ؟ هل تقل هذه التعليمات من حيث الأهمية عن الجهاز نفسه ؟ فالإنسان أعقد آلة في الكون، هو المخلوق الأول.

 

الشر مخلوق أودعت فيه الشهوات وتحرَّك من دون منهج الله عزَّ وجل:

طبيعة الإنسان فيه شهوات، أودع الله فيه الشهوات، هذه الشهوات قوى دافعة، حب الطعام، حب النساء، حب العلو في الأرض، حب الخلود، هذه كلها شهوات، هذه الشهوات من دون منهج مدمِّرة، وهي مع المنهج قوى خَيِّرة، كيف أن السيارة حينما يقودها إنسان متمرِّس تنقله إلى أهدافه بيسرٍ وراحة، أما حينما يقودها إنسان مُغْمَى عليه، أو سكران تودي به إلى الهاوية، والمركبة نفسها لم تتغير، الإنسان أعقد آلة في الكون أودع الله فيه الشهوات..

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾

( سورة آل عمران: آية " 14 " )

تحتاج هذه الشهوات إلى مِقْوَد، تحتاج إلى قناةٍ نظيفة تسري خلالها، فما هو الشر ؟ مخلوق أودعت فيه الشهوات لم يعبأ بمنهج الله، يريد المال أخذه عدواناً، يريد المُتعة فعلها اغتصاباً، يريد العلو في الأرض بَنى مجده على أنقاض الآخرين، هذا هو الشر، مخلوق أودعت فيه الشهوات وتحرَّك من دون منهج الله عزَّ وجل.

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾

( سورة القصص: آية " 50 " )

مهمة العقل البشري أن يكشف المُغَيَّبات من خلال الآثار:

أيها الأخوة، هذا الكتاب هو المنهج ولا معنى لوجود الإنسان من دون منهجٍ يسير عليه، لأنه في خطر من دون منهج، مركبة تنطلق بسرعة عالية في طريقٍ كلُّه منعطفات، وعن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق أيضاً، فإذا أطفئت المصابيح فالحادث حتمي، وأنت كذلك مركبة، الطريق كله منعطفات وعن يمينك وادٍ وعن يسارك آخر، فهذا المنهج هو النور الذي به تبقى على الطريق، ومن دون منهجٍ لا بدَّ من أن يقع الإنسان في الوادي، فلذلك:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ﴾

( سورة الرحمن )

القضية في هذه الآية: ما الذي يؤكِّد لك أن هذا الكلام كلامُ الله ؟ أتمنَّى على كل مؤمن مع أنه مؤمن إيماناً قطعياً بأن هذا القرآن كلام الله، لكن أتمنَّى أن تدقق وأن تبحث وأن تتأمل وحتى تمتلئ قناعةً بالدليل والتعليل أن هذا القرآن كلام الله، بادئ ذي بدء أودع الله جلَّ جلاله في الإنسان عقلاً، مهمة هذا العقل أن يعرف ما غاب عنه من خلال آثاره، هذا ملخص الملخص، مهمة العقل البشري أن يكشف المُغَيَّبات من خلال الآثار، فكل هذا الكون يدلُّ على الله، كل هذا الكون مظهرٌ لأسماء الله الحسنى، كل هذا الكون تجسيدٌ لأسماء الله الحسنى، إذاً طريق معرفة الله من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، وفي القرآن ألفٌ وثلاثمئة آيةٍ تتحدث عن مظاهر الكون، إذاً من خلال الكون تعرف الله عزَّ وجل.
عرفت ربك، وعرفت أن لهذا الكون خالقاً، وأن لهذا الكون مربياً، وأن لهذا الكون مسيراً، لكن هناك أشياء لا تراها بهذا الكون، لماذا خلقني ؟ مهما تفكَّرت في الجبال، في الأمطار، في البحار، لا تعرف لماذا خلقك ؟ لا بدَّ من اتصالٍ مباشر بين هذا المخلوق الأول وبين خالقِه العظيم، فالصلة بين الخالق العظيم وهذا المخلوق هو هذا القرآن.

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119) ﴾

( سورة هود: آية " 119 " )

لا بدَّ من كتابٍ يسير عليه الإنسان مع التفكُّر في خلق السماوات والأرض :

أوضح لك سبب خلقك:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (4) ﴾

( سورة السجدة: آية " 4 " )

بيَّن لك أصل المخلوقات من آدم، بيَّن لك ما بعد الموت، بيَّن لك مصائر الشعوب، بيَّن لك الجنة والنار، فأنت لا بدَّ من كتابٍ تفهم فيه التفاصيل، لو دخلت إلى بناء جامعي تستنبط من خلال التأمُّل بالبناء حقائق كثيرة، تقول: كان المهندسون على أعلى مستوى، كان المهندسون على اتصالٍ وثيق بإدارة الجامعة، حتى هيئوا القاعات، والمدرَّجات، والحدائق، وأبنية الطلاب، وهذه المخابر، وفيه وسائل التهوية من الدرجة الأولى، والقاعات بشكل مدرجات، وهي واسعة تتناسب مع عدد الطلاب في السنة الواحدة، فأنت من خلال التأمُّل في بناء الجامعة تستنبط أشياء كثيرة، لكن مهما تأمَّلت لن تستطيع أن تستنبط النظام الداخلي للجامعة مهما تأمَّلت في الأقواس، وفي القاعات، وفي المدرجات، وفي الأبنية، وفي الساحات، وفي الحدائق، وفي الملاعب، لن تستطيع أن تستنبط كم كُلية في هذه الجامعة ؟ ولن تستطيع أن تستنبط من هم عمداء الكليات، وما نظام الترفيع، وكيف يقبل الطلاب في هذه الجامعة ؟ لا بدَّ من كُتَيِّب يشرح لك ذلك، هناك شيء خاضع للتأمُّل، وهناك شيء خاضع للإعلام، فأنت أولاً تستنتج أن أموالاً طائلة أنفقت على أبنية هذه الجامعة، هذا بالتأمل، وتستنبط أن هؤلاء المهندسين على أعلى مستوى، كما تستنبط أن هؤلاء المهندسين على اتصال شديد بإدارة الجامعة حتى جاءت خططهم متوافقةً مع حاجات الجامعة، هذا كله تستنبطه بالتأمُّل والتفكُّر، أما أن تعرف كم كلية في الجامعة ؟ من هم عمداء الكليَّات ؟ ما النظام الداخلي ؟ ما شروط القبول ؟ هذا لا بدَّ له من كتيب، لا بدَّ له من نظام، إذا تأمل الإنسان في الكون عرف أن لهذا الكون خالقاً فقط، عرف أن لهذا الكون مربياً يمدُّ مخلوقاته بما يحتاجون، عرف أن لهذا الكون خالقاً عليماً، وخالقاً حكيماً، وخالقاً غنياً، وخالقاً قديراً، وخالقاً رحيماً، هذا كله تستنبطه بالتأمل، أما لماذا خلقت ؟ لا بدَّ من أن تعرف هذا بشرح يأتيك من قبل الله عزَّ وجل، لماذا جاء بك إلى الدنيا ؟ ما الطريق الأمثل للسعادة في الدنيا والآخرة ؟ هل هناك آخرة ؟ من يقول لك هذا ؟ الله جلَّ جلاله، ولذلك لا بدَّ من كتابٍ تسير عليه مع التفكُّر في خلق السماوات والأرض، لا بدَّ من منهجٍ يُعَرِّفُك بحقيقة الكون، بحقيقة الحياة الدنيا، بحقيقة الإنسان، بالطريق الموصل إلى السلامة والسعادة، بالطريق الذي يحقق الهدف من وجودك، هذا كله في الكتاب الكريم.

 

مهمات العقل ثلاث:مهمات العقل ثلاث:

لقد بعث الله رسولاً ، ولكن بإمكان كل إنسان أن يدَّعي أنه رسول الله، كيف يعرف الناس أن هذا الإنسان بالذات هو رسول الله ؟ لا بدَّ من معجزة، لا بدَّ من أن يأتي هذا الرسول بعمل لا يستطيعه أي فرد من أبناء البشر لأنه من عند خالق البشر وحده، فالذي يجعل من العصا ثعباناً مبيناً هذا فوق طاقة البشر، والذي يجعل البحر طريقاً يبساً هذا فوق طاقة البشر، والذي يُلْقى في النار فلا يحترق بها هذا إذاً رسول، فربنا عزَّ وجل من أجل أن يعطي هذا الرسول دليلاً على أنَّه رسول أجرى على يديه المُعجزات، أولاً الكون كله يدل على الله، الله عزَّ وجل الحقيقة الكبرى في الكون، الكون كله يدلُّ على الله، وأنبيائه ورسله ومعجزاتهم تدل على أنهم رسل وأنبياء، أما القرآن فما الذي يؤكد لك أنه كلام الله ؟
لو جاءك وارد أن هذا القرآن من صنع محمد، كان عبقرياً، وكان ذكياً، وفصيحاً، وأديباً فنظم هذا الكتاب وأوهمنا أنه كلام الله، ما الدليل القطعي الذي لا يدعُ مجالاً للشك ؟ ما الدليل القطعي أي أن درجته مئة في المئة تؤكد أن هذا القرآن كلام الله ؟ الجواب: إعجازه ، الإعجاز، الدليل على وجود الله الكون، والدليل على صدق الأنبياء والرسل المعجزات، والدليل على أن هذا القرآن كلام الله إعجازه، فمهمات العقل الثلاث: أن يعرف الله من خلال الكون، وأن يعرف النبي من خلال المعجزة، وأن يعرف كلام الله من خلال الإعجاز، الآية الكريمة:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) ﴾

المُعجزات شهادة الله للناس جميعاً أن هؤلاء الرُسُل هم رسله :

إعجاز القرآن دليل على أنه كلام الله عزَّ وجل، طبعاً هذه بعض الأدلة، وهناك أدلة كثيرة، قبل أن آتي بالدليل أطرح السؤال التالي: هل شهد الله لرسله أنهم رسله ؟ هل شهد الله لهم بذلك ؟ أنت كإنسان تلتقي بشاهد يقول لك: أنا أشهد أن لفلان مع فلان مئة ألف ليرة، لأنه أداها له أمامي، فإن يشهد لك إنسان على أمر ما قضية سهلة جداً، تلتقي أمامي معه وينطق تسمع بأذنك شهادته، أما كيف يشهد الله لك أن هذا الإنسان رسوله ؟ ما تعريف شهادة الله لرسله أنَّهم رُسُله ؟ جواب ذلك أن: شهادة الله لرسله تكون عن طريق المعجزات، فالمعجزة بحدِّ ذاتها شهادة الله لرسله أنهم رسله، يقول إنسان: أنا رسول الله، ما الدليل ؟ يقول: هذه العصا، الآن هي عصا، يلقيها أرضاً فإذا هي ثعبانٌ مبين، نَزَعَ يده فإذا هي بيضاءٌ للناظرين، يتكلم في مهده وهو صغير ! عمره ساعات، فهذه معجزة:

﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) ﴾

( سورة مريم )

وقال:

﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) ﴾

( سورة الأنبياء )

انشق الجبل فخرجت منه النَّاقة تلك معجزة صالح لثمود، فالمُعجزات شهادة الله للناس جميعاً أن هؤلاء الرُسُل هم رسله.

 

شهادات من الله جلّ جلاله أن هذا القرآن كلامه:

هنا سؤال يطرح نفسه علينا: هل شهد الله لنا أن هذا القرآن كلامه ؟ طبعاً هناك مئات الشهادات، إحدى هذه الشهادات: أن في القرآن أمراً ونهياً ووعداً ووعيداً، فإذا طبَّقت الأمر قطفت ثماراً يانعة، وإن وقعت في النهي دفعت ثمناً قد يكون غالباً باهظاً، فحينما يقول الله عزَّ وجل:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) ﴾

( سورة النحل: آية " 97 " )

الحياة الطيِّبة التي يحياها المؤمن شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه.

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (124) ﴾

( سورة طه: آية " 124 " )

المعيشة الضَنْك التي يحياها المعرض عن ربه شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه، حينما يأتي المرابي فيخسر ماله كله دفعةً واحدة، دمار ماله كله شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه لأن الله يقول:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾

( سورة البقرة )

حينما يأتي المُتَصَدِّق فيدفع الصدقة فيضاعف الله له أمواله أضعافاً كثيرة، مضاعفة المال له شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه، هذا أكبر دليل على أن هذا القرآن كلامه.

 

يحالفك التيسير حينما تبني حياتك على العطاء وتؤمن بالله:

إذا طَبَّقت الأمر وانتهيت عما نهى الله عنه، ترى أن الأحداث كلَّها تجري وفق منهج الله، وتحيا حياةً طيبة:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) ﴾

( سورة الليل )

متى تجد التيسير ؟ ترى التيسير عجيباً فكل شيء مُيَسَّر، الإشارات كلها خضراء، أي الطريق سالك، لا تقف أبداً، يحالفك التيسير حينما تبني حياتك على العطاء، وتؤمن بالله، وتتقي الله فلا تعصيه.

﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

صار التيسير لنا قريناً في كل شؤون حياتنا، وحينما نقطف ثمرة أي أمر تَعَبَّدْنا به الله فهذه الثمرة هي في الحقيقة شهادة الله للمؤمن أن هذا القرآن كلامه، وحينما يرتكب الإنسان معصيةً فالثمن الذي يدفعه شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه، هذا نوع من أنواع الإعجاز.

في هذا القرآن آيات ولو كانت من كلمتين إلا أن دلالتها مؤكدة ومعناها محقق:

لو كنت في غرفة تطل على ميناء بحري، وقال شخص لك: أنا مدير الميناء، وكل هذه البواخر بإمرتي حتى المُغادِرة، فرأيت باخرة ضخمة جداً بدأت تُغادر الميناء، فمن أجل أن تتأكد أنه فعلاً مدير الميناء، تقول له: هل بإمكانك أن توقف هذه الباخرة ؟ يقول لك: نعم، يتصل بها فإذا هي تقف، قلت له: أعدها إلى الميناء، قال لك: سأُعيدها، اتصل بها: أعادها إلى الميناء، فلما وقفت هذه الباخرة العملاقة التي حمولتها مليون طن، وقفت ثم عادت، معنى ذلك أن كلامه صحيح، والدليل إيقاف هذه الباخرة الضخمة وعودتها إلى الميناء، إنسان واقف في الميناء وقال لك: أنا مدير الميناء العام ! فقلت له: أحقاً ما تقول ؟ فقال: أنا معي الدليل، قلت له: هذه الباخرة الضخمة التي أقلعت الآن وسارت باتجاه الغرب، هل بإمكانك أن تعطيها أمراً فتقف ؟ يقول لك: نعم، أعطاها أمراً فوقفت، هل بإمكانك أن تعيدها إلى الميناء ؟ قـال لك: نعم، أعطاها أمراً آخر فرجعت، معنى هذا أن كلامه صحيح، ماذا أردت من هذا المثل ؟ أردت أن ترى أن في هذا القرآن آيات ولو كانت مثل هذه الآية من كلمتين أو أكثر: 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾ 

( سورة البقرة )

إلا أن دلالتها مؤكدة، ومعناها محقق، وهي دليل قاطع، فأنت مثلاً قد تجد شخصاً معه مئة مليون، غُرِّمَ بمبلغ من المال يقدر بمئة وثمانين مليوناً، بسبب ارتكابه غلطة بسيطة، فهل من المعقول أن يفقد إنسان ماله كله دفعة واحدة ولا يبقى لديه شيء ؟ نعم ! قال الله تعالى:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾

( سورة البقرة )

ثلاث كلمات في الآية، مطبوعة بحرف صغير:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾

( سورة البقرة )

معنى ذلك أن الذي أنزل هذا الكتاب وأمر فيه ما أمر ونهى فيه عما نهى هو الذي دمَّر ماله.

كل وعد في القرآن وكل وعيدٍ وكل أمرٍ وكل نهيٍ حينما تُطَبِّقه تقطف ثماره :

اصطلح أحدهم مع الله عزَّ وجل، فتغيرت أموره بعد أن اصطلح مع ربه، شعر بسعادة، شعر بطمأنينة، شعر بتوفيق، أموره ميَسَّرة، الطرق كلها سالكة، صار بيته جنة، يقرأ الآية:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) ﴾

( سورة النحل: آية " 97 " )

هذه الآية الصغيرة هي من عند الذي جعل حياته طيبة، جعل بيته سعيداً، جعل أولاده أبراراً، جعل عمله موفقاً، شيء دقيق جداً، فكل وعد في القرآن، وكل وعيدٍ، وكل أمرٍ، وكل نهيٍ، حينما تُطَبِّقه تقطف ثماره، قطف ثماره دليل أنه كلام الله.
أحد الناس أشرك بالله فامتلأ قلبه خوفاً:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ (151)﴾

( سورة آل عمران: آية " 151 " )

هذا الخوف الذي أكل قلب هذا الخائف دليل على أن هذا القرآن كلام الله، هذا أحد الأدلة، هذه شهادة الله لنا أن هذا القرآن كلامه.

إذا قرأت كلام الله آيةً آية تجد أن الأحداث كلها تتحرك وفق منهج الله :

المسلمون في البدايات، عشرات الألوف في الجزيرة، بدو رُحَّل متخلّفون بالمقياس الحضاري، ليس عندهم علم، ولا جامعات، ولا أجهزة، ولا تطوِّرات، ولا تكنولوجية، كيف استطاعوا أن يفتحوا المشرقين وأن يصلوا إلى أطراف الدنيا، وأن يصلوا إلى مسافة قريبة من باريس، وإلى مشارف الصين، وأن تدين لهم الدنيا من أطرافها ؟ سرّ ذلك أنهم أقاموا الدين في قلوبهم وترجموه عملاً وسلوكاً ! قال الله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (55) ﴾

( سورة النور: آية " 55 " )

معنى ذلك أن هذا القرآن كلامه:

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي (55)﴾

( سورة النور: آية " 55 " )

أيها الأخوة، إذا قرأت كلام الله آيةً آية تجد أن الأحداث كلها بدءاً من المجرَّات إلى السماوات، إلى الأمطار، إلى البحار، كُلُّها تتحرك وفق هذا المنهج، لذلك فإن وقوع الوعد والوعيد شهادة الله لنا أن هذا القرآن كلامه، قال تعالى:

﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ (39) ﴾

( سورة يونس: آية " 39 " )

قال علماء التفسير: التأويل وقوع الوَعْد والوعيد.

 

الإيمان و الإخلاص سببان رئيسان للنصر :

أيها الأخوة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون الواحد منا صادقاً، فإذا تعامل مع الله بصدق فو الله يرى العجب العُجاب، والله يرى الشيء الذي لا يُصَدَّق، لأن هذا القرآن كلامه سبحانه، الله عزَّ وجل قال:

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾

( سورة الصافات )

لا يمكن ومن رابع المستحيلات أن تكون جندياً لله وأن تُهْزَم، ذلك مستحيل، فإذا لم تنتصر فاعلم أن جُنْدِيَّتك لله قد اختلت، إن لم تنتصر فاعلم علم اليقين أن جنديتك لله قد اختلت، دعا إنسان إلى الله فلم تنجح الدعوة ومُنعت، فيقول: الأمر ليس بيدي ؟ نقول له: لا، اقرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) ﴾

( سورة غافر )

هل تجد أدق من هذا الكلام ؟

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (51) ﴾

( سورة غافر )

معنى ذلك حينما تكون مؤمناً حقاً وحينما تكون مخلصاً حقاً لا بدَّ من أن تنتصر، ما من إلهٍ إلا الله، ليس في الوجود إلا الله عزَّ وجل.

 

الله وحده فعالٌ لما يريد:

الله تعالى هو الفعال وحده:

﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)﴾

( سورة البروج )

الله وحده فعالٌ لما يريد، أما الإنسان قد يُريد آلاف الأشياء، وقد يحال بينه وبين ما يُريد، ولكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً:

﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ﴾

( سورة يس )

إذاً:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ (23) ﴾

أخواننا الكرام، أحياناً يكون للإنسان قضية في القضاء ومضى عليها ثماني سنوات مثلاً، ودفع مئات الألوف للمحامي، يقول له المحامي: نجحت الدعوى، كيف ؟ يقول له: وجدت اجتهاد بمحكمة النقض لصالحك، هل من المعقول أن أربع كلمات مطبوعة بمجلة تملأ قلب المحامي ثقة أن الدعوى نجحت.
القرآن أمامك، كلام رب العالمين، كلام خالق السماوات والأرض، الذي خلق مجرةً تبعد عنا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية هو الذي أنزل هذا الكتاب، هذا الكتاب من عند خالق الكون، فأيهما أشدُّ مصداقيةً عندك ؟!! اجتهاد محكمة النقض قد ملأ قلبك سروراً، يقول لك: ربحنا الدعوى، كيف ربحتها ؟ هل ظهر الحكم ؟ لا، ولكن المحامي طمأنني، المحامي قال لي: هناك اجتهاد في محكمة النقص لمصلحتك.
إذاً: إن إنساناً اجتهد اجتهاداً صادراً عن محكمة النقص، وطبع في المجلة، واطلع عليه المحامي، وبلّغ الموكل به، وقال له: ربحنا الدعوى، فأفرحَ الموكل، فكيف إذا صدر الوعد من الله تبارك وتعالى لك أيها المؤمن ؟ فأيهما يبعث الأمل والرجاء والطمأنينة في قلب صاحبه ؟ أقرار محكمة ؟ أم وعد خالق السماوات والأرض ومن بيده الأمر كله ؟

 

آيات من القرآن الكريم تؤكِّد أن الأمر بيد الله :

قال تعالى:

 

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) ﴾

( سورة فاطر )

بيده ملكوت السماوات والأرض:

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

( سورة الأعراف )

وقال:

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) ﴾

( سورة الكهف )

وقال:

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) ﴾

( سورة الفتح: آية " 10 " )

وقال:

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) ﴾

( سورة الزمر )

وقال:

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ﴾

آياتٌ كثيرة تؤكِّد أن الأمر بيد الله.

قضية القرآن الكريم قضيةٌ مصيرية فهو منهج الله سبحانه :

إذا كان خالق الكون طَمْأنك وقال لك: أنت ما دمت مؤمناً ولك عملٌ طيب فلك عندي حياة طيبة، بكل الأحوال، في كل الظروف، في كل المناسبات، في كل الأقاليم، بأي بلد، بأي نظام، ما دُمْتَ مع الله، فالله معك.

 

كن مع الله تَرَ الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه؟ ثم من يعطي إذا ما منعك ؟
* * *

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولُذ بحمانا واحتمِ بجنابنـا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
* * *

أيها الأخوة الكرام: قضية هذا القرآن الكريم قضيةٌ مصيرية، هذا منهج الله، هذه تعليمات الصانع، لو كان عندك حاسوب وتعطَّل ولك جار تحبه حباً لا حدود له يعمل في بيع الخضر مثلاً هل تكلفه بأن يصلحه لك مع حبك الشديد له ؟ هذه ليست مهنته، تبحث عن الخبير، تبحث عن الوكالة، فلماذا في شؤون سعادتك الأبدية لا تبحث عن الخبير ؟

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾

( سورة فاطر )

كلَّما تقدَّم العلِم تطابق مع القرآن :

أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (24) ﴾

" لم، ولن "، لم لنفي الماضي، ولن للنفي على التأبيد أي المستقبل:

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (24) ﴾

لم تستطيعوا أن تفعلوا في الماضي، ولن تستطيعوا أن تفعلوا بالمستقبل، والدليل: أنه مضى على إنزال هذا القرآن أكثر من ألفٍ وأربعمئة عام، هل استطاع العِلم كله في الأرض أن يأتي بشيءٍ يُناقض هذا القرآن ؟ بالعكس كلَّما تقدَّم العلِم تطابق مع القرآن، يعني:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) ﴾

( سورة الرحمن )

أين هذا البرزخ ؟ يلتقي البحران البحرُ الأحمر والبحر الأبيض في قناة السويس، وجد عُلَماء البحار أن للبحر الأحمر كثافةً وله مقومات، وله مكونات، وله درجة ملوحة تختلف عن البحر الأبيض، ويلتقي البحر الأبيض بالمحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق، ومكونات المحيط الأطلسي وكثافته وملوحته تختلف اختلافاً بيّناً عن كثافة وملوحة ومكونات البحر الأبيض، ويلتقي البحر الأحمر بالبحر العربي في مضيق باب المَنْدَب.

بعض الأدلة عن إعجاز القرآن الكريم:

قال تعالى:

﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) ﴾

هذه الآية لم تُفَسَّر إلا بعد اختراع السُفُن الفضائية، فقد وجِدَ عن طريق التصوير الفضائي العالي خط بين كل بحرين ـ خط وهمي ـ هو فرق كثافة، فرق لون، فلما بحثوا وجدوه، لذلك أسلم أحد علماء البحار على ضوء فهمه دلالات هذه الآية، هذا من إعجاز القرآن الكريم، الأرض ؛ كانت قناعة الناس أن الأرض مُنْبَسِطة لكن الله عزّ وجل قال:

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ﴾

( سورة الحج )

لماذا لم يقل بعيد ؟ مع أن بعيد أقرب للذهن ؟ إنك كلما ابتعدت عن إحدى نقاط الكرة صار هناك عُمْق:

﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ﴾

( سورة الحج )

بالنسبة للكرة العمق هو البعد عندما تكون المسافة بعيدة جداً، أما المسافة القصيرة فإن الخط مستقيم، أنت إذا ذهبت إلى دوما مثلاً تجد أن الخط مستقيم، أما إذا ذهبت إلى أمريكا سوف تدور نصف دائرة بالضبط، فصار البعد في الكرة هو العمق، هذا كلام خالق الكون.

 

أدلة أخرى عن إعجاز القرآن الكريم:

يركب أحدهم الآن سيارة فخمة جداً أو يركب طائرة من أحدث الطائرات تُقِل ستمئة وستين راكباً أو يركب باخرة تُقِل مليون طن، يقرأ قوله تعالى:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ﴾

( سورة النحل: آية " 8 " )

أين الخيل والبغال والحمير ؟ أنا أركب سيارة فخمة جداً ثمنها أربعة وعشرون مليوناً قال:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

إذاً هو كلام خالق الكون:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

وأنت في الطائرة:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

وأنت في سيارة فخمة:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

وأنت في يختٍ ضخمٍ:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

من إعجاز القرآن العلمي:

لو أنَّه من كلام النبي عليه الصلاة والسلام لاكتفى بالقول: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، انتهى، هذا الذي كان في عهد النبي، أما لأنه كلام خالق الكون:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

حينما يصعد الإنسان إلى أعالي الطبقات، طبعاً يقلُّ هناك الأوكسجين، لذلك تضخ الطائرات ثمانية أمثال حجمها من الهواء ليكون الضغط فيها كالضغط في الأرض، تلاشى هذا الضغط لسبب أو لآخر لا بد من هبوط الطائرة في أي مكان في الأرض وإلا يموت الركاب جميعاً، فهذا هو الضيق الذي يَحْصَل للإنسان إذا ركب طائرةً مُخَلْخَلَة، قال تعالى:

﴿ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ (125) ﴾

( سورة الأنعام: آية " 125 " )

هل صعد إنسان واحد في عهد النبي إلى السماء ؟ الآن صعدنا إلى السماء، هذا من إعجاز القرآن العلمي.
ما كانوا يستطيعون قياس المسافات البعيدة، الآن تُقاس المسافة بين الأرض والقمر بالمليمتر عن طريق أشعة الليزر، وتجد الآن أجهزة مع المهندسين يضعُها أمام الحائط فتكشف له على الشاشة المسافة بالمليمترات، تُرسل هذه الأشعة إلى الجدار وترجع فتقيس المسافة، بعد اختراع هذه الأشعة ـ أشعة الليزر ـ أمكن قياس الأبعاد بدقةٍ متناهية، فاكتُشف أن أعمق نقطةٍ في الأرض اليابسة غور فلسطين، وقد جاءت الروايات التاريخية تشير إلى أن المعركة الشهيرة التي جرت بين الروم والفُرس كانت في غَوْر فلسطين، وقد قال الله عزّ وجل:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ (4) ﴾

( سورة الروم )

في الآية إعجازان: إعجاز علمي، وإعجاز إخباري، كيف يشهد الله لنا أن هذا القران كلامُه ؟ عن طريق الإعجاز.

أدلة أخرى عن الإعجاز العلمي للقرآن:

اكتشف الآن أنه ما من شيءٍ في الكون إلا وهو ذرات، والذرات كهارب تدور في مدارات متعددة حول نويّات، أن ترى هذا الخشب جامداً وكذلك هذا الحجر ولكن كل شيءٍ يدور هذا نظام الذرة، نظام الذرة كالمجرة، قال تعالى:

﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) ﴾

( سورة الأنبياء: آية " 33 " )

﴿ كُلٌّ﴾

هذه تفيد الشمول المُطْلَق:

﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) ﴾

( سورة الأنبياء: آية " 33 " )

بعد أن اكتشفت الذرة وجِد أنه ما من عنصر ؛ الحجر البازلتي، الحجر، الخشب، الصخر، الماء، الهواء إلا وهو ذرات وكهارب على مدارات حول نويّات، هذا العنصر الصُلب مثلاً يحوي على مداره الخارجي ثلاثة كهارب، هذا عنصر غازي عليه أربعة كهارب، بين عنصرٍ غازي وعنصر صلب الفرق كهروب واحد فقط، هذا شيء يعرفه مَن درس فيزياء في الكتاب المقرر لطلاب الشهادة الثانوية، يعرف هذا الشيء، شيء طبيعي، قال:

﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) ﴾

( سورة الأنبياء: آية " 33 " )

المرأة لا علاقة لها إطلاقاً بنوع الجنين ونوع الجنين يتحدد من الذكر:

اكتُشف الآن أن جنس الجنين يتحدَدُ من الحوين لا من البويضة، والمرأة لا علاقة لها إطلاقاً بنوع الجنين، فهذا الذي يُطَلِّق امرأته لأنها أنجبت له بنتاً أحمق وجاهل، لأن امرأته لا علاقة لها إطلاقاً بنوع الجنين، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) ﴾

( سورة النجم )
من نطفة فقط، كون الجنين ذكر من الزوج، كونه أنثى من الزوج، يوجد بالمورثِّات كروموزونات و Y وX ، الـ X ذكر و الـ Y أنثى.
على كلٍ:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) ﴾

( سورة النجم )

وقال:

﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ﴾

( سورة السجدة: آية " 5 " )

الآية التالية هي النظرية النسبية التي جاء بها أينشتاين وملأت الدنيا صياحاً وضجيجاً:

قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾

(سورة الحج: آية " 47" )

اكتشف العلماء الآن مدلولات بعض الآيات الحسابية، وبيان ذلك في الفقرة التالية: نحن نعدُّ السنوات عن طريق القمر، يدور القمر حول الأرض دورةً كل شهر، لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر وقسنا المسافة بينهما لعرفنا نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، عن طريق القانون الرياضي نعرف المحيط من نصف القطر، كشفنا محيط الدائرة، (يدور القمر حول الأرض دورةً كلَّ شهر) × 12 (يعطينا ما يقطعه القمر حول الأرض في سنة)× 1000 يعطينا ما يقطعه القمر حول الأرض في ألف عام هذه هي المسافة، لو قسَّمناها على الزمن، ﴿ وَإِنَّ يَوْماً ﴾ اليوم أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة، والدقيقة ستون ثانية، لو ضربنا أربعاً وعشرين × ستين × ستين وقسَّمنا المسافات الكيلو مترية التي يقطعها القمر في دورته حول الأرض في ألف عام على عدد ثواني اليوم لوصلنا إلى سرعة الضوء في الدقيقة: مئتين وتسعة وتسعين ألفاً وثمانمئة واثني عشر كيلو متر في الثانية، هذه النظرية التي ملئوا بها الدنيا صياحاً وضجيجاً ـ النظرية النسبية التي جاء بها أينشتاين ـ في هذه الآية:

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾

( سورة الحج )

الإحكام الحسابي من الإعجاز في القرآن :

قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾

( سورة الطارق )

السماء كل ما علاك فهو سماء، كيف وصف الله السماء كلَّها بكلمةٍ واحدة ؟

﴿ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾

ثبت الآن أن كل كواكب الكون تدور حول بعضها في مساراتٍ مغلقة، ومعنى مسار مغلق: أي أن هذا الكوكب يرجِع إلى النقطة الأولية التي انطلق منها، قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) ﴾

( سورة الطارق )

طبعاً آيات إعجاز القرآن الكريم لا تعدُّ ولا تحصى، هذه نماذج، من منكم يصدِّق أننا إذا نسبنا عدد كلمات البر في القرآن إلى عدد كلمات البحر في القرآن لكانت تساوي نسبةَ البرِّ إلى البحر بالتمام والكمال ؟ من يصدق أن عدد كلمات الملائكة بعدد كلمات الشياطين ؟ وأن كلمات الدنيا بعدد كلمات الآخرة ؟ هذا الإحكام الحسابي شيء لا ينتهي، موضوع ثانٍ.
والله أيُّها الأخوة، والله الذي لا إله إلا هو لو تأمَّلت هذا القرآن من خلال إعجازه لآمنَت كلُّ خليّةً في جسمك، كل خليّة، ولآمنت كل قطرةٍ في دمك أن هذا القرآن كلام الله، قد يقرأ الإنسان في الجريدة خبراً أو تصريحاً لمدير مؤسسة مؤلفاً من خمس كلمات، أن هناك احتمالاً بالسماح باستيراد السيارات، ينخفض سعر كل سيارة مئتي ألف ليرة بسبب خمس كلمات في جريدة وتصريح غير مؤكد، هل من المعقول أن ينخفض السعر مئتي ألف ليرة لكل سيارة لورود تصريح مقداره خمس كلمات في جريدة.

 

يهجر القرآن حينما تُهْجَر أحكامه وحينما يبقى تراتيل:

يوجد في القرآن الكريم العدد الكبير من الأوامر والنواهي أو الوعود، والناس في واد وهذا القرآن في واد:

﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) ﴾

( سورة الفرقان )

قرؤوه في المناسبات، قرؤوه في التعازي، قرؤوه وتلوه في الإذاعة ولكنهم هجروا أحكامه.
المُصْحَف في مقدَّمة المحل التجاري، وتوضع آيات كثيرة:

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) ﴾

( سورة الفتح )

فَهم الفتح المبين أن يربح فقط، وبخط عريض واضح كتب على واجهة المحل:

﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾

وترى سلوك صاحب المحل في وادٍ والقرآن في واد، يوضع المصحف أمام السائق في السيارة وهي تنطلق من مكان إلى مكان لا يُرضي الله أبداً، يهجر القرآن حينما تُهْجَر أحكامه، حينما يبقى تراتيل، و قرئ القرآن الكريم في باريس على أنه فلكلور شرقي، قُرئ في باريس في حفل كبير لا على أنه كلام الله، لا على أنه منهج الله، بل على أنه فلكلور شرقي، هكذا:

﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) ﴾

( سورة الفرقان )

لتعلم يا أخي أن حياتنا وسعادتنا بهذا الكتاب، حياتنا وفلاحنا في تطبيق هذا الكتاب، القرآن الكريم منهج كامل، اختصر الناس الدين لخمس عبادات شعائرية، ولكن في الدين غض بصر، وصدق، و أمانة، ووفاء بالوعد، وإخلاص، اقرأ القرآن، ستمئة صفحة من عند خالّق الأكوان ألا ينبغي أن نقرأه وأن نستمع إلى تفسيره وذاك هو الحد الأدنى.

النار ودرجات غليانها:

قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا (24) ﴾

هذه في الماضي:

﴿ وَلَنْ تَفْعَلُوا (24) ﴾

بالمستقبل:

﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ﴾

النار أيها الأخوة، وما أدراك ما النار ! الشموس، أبدأ الكلام الآن عن شموس حمراء اللون، والنجوم البعيدة بيضاء، انظروا إليها في الليل تجدوها بيضاء، ويوجد الآن ثقوب سوداء، يمر الكوكب المُلتهب بمرحلة الاحمرار إلى الابيضاض إلى السواد، وكل مرحلة تتضاعف فيها الحرارة ملايين المرَّات، شمسنا حمراء حيث أنها في البدايات، ولكن هناك شموساً بيضاء تنكمش وتصبح بيضاء اللون، وبعد ألف عام تصبح هذه الشمس سوداء، وهناك ثقوب فيها ضغطٍ عالٍ جداً، لو دخلت الأرض أحد هذه الثقوب لأصبحت بحجم البيضة مع وزنها نفسه، ورد في صحيح:

((أمر الله تعالى أن يوقد على النار ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليه ألف عام حتى ابيضت ثم أوقد عليه ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة ))

[للبزار من حديث أنس وهو ضعيف ]

الإنسان يعيش في زمن سينقضي بالموت وبعدها سيُحاسب على كل حركةٍ وسكنةٍ:

إذا وضعت الحجر البازلتي وهو آخر العناصر انصهاراً فإنه يذوب في النار:

﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (24) ﴾

هل تعلم يا أخي أن أهل الخبرة يصنعون أرض الأفران الآن من الحجر الأسود أي البازلتي، قلَّما ينصهر هذا الحجر، أما في نار جهنم فهو يصبح سائلاً، لو أن الأرض أُلقيت في الشمس لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، حرارة الشمس في ظاهرها ستة آلاف درجة، وفي أعماقها عشرون مليون درجة، هذه شمس الأرض الحمراء وليست السوداء، الحمراء عشرون مليون درجة، قال:

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ﴾

قال الله عزّ وجل :

﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ﴾

( سورة البقرة )

هذا كلام خطير يا أخوان، كلام خطير جداً، الكلام الخطير تسمعه فتبدأُ متاعبك، أنت مسؤول، أنت تعيش في زمن سينقضي بالموت، وبعدها تُحاسب على كل حركةٍ وسكنةٍ، وعطاءٍ ومنعٍ، وزواجٍ وطلاقٍ، وغضبٍ وتربيةٍ، كله مُحَاسب عليه، فإذا كان معك دليل أن هذا القرآن ليس كلام الله فأتني به ؟ أما إذا كانت الأدلة كلُّها تقول على أنه كلام الله فماذا تفعل ؟!

لن يستطيع أعداؤنا أن ينتصروا علينا إلا إذا تركنا هذا القرآن :

لو قرأ أحدهم بلاغاً بمنع التجوّل وتحت طائلة إطلاق الرصاص ، قرأه ثم لم يتحرك ولم يدخل إلى بيته فإنه يكون مجنوناً ، فإذا خالف هذا البلاغ فإنه يُقتل ، فإذا قرأه وقال : والله الخط جميل ، والله التوقيع جيد ، انظروا إلى الحبر لونه جيد جداً ، الورق ثمين جداً ، وغير متوفر ، من أين أتوا به ؟ إذا انصرف عن مضمون البلاغ ، وتوجَّه إلى جزئياتٍ ليس لها علاقة بمضمون البلاغ إطلاقاً فإنه يكون أحمق ، هذا القرآن منهج لكنا نقرؤه على الأموات ، نقرؤه في المناسبات ، نقتنيه تحفة من المتحف ، علماً أنَّه منهج للتطبيق ، للعمل به .
رأى سيدنا عمر رجلاً يقرأ القرآن ويبدو أنه لا يعمل به ، فقال : " قتلهم الله إنما أنزل هذا القرآن ليُعْمَل به أفتخذت قراءته عملاً ؟ أفتخذت قراءته عملاً ؟ " يجب أن تعمل به لا أن ترتزق منه ، هذا منهجنا وهذا كلام ربنا .
لن يستطيع أعداؤنا أن ينتصروا علينا إلا إذا تركنا هذا القرآن ، هذا ما قاله أحد كبار الوزراء في بريطانيا قال : " مادام هذا الكتاب بين أيديهم لن تستطيعوا أن تنتصروا عليهم " ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))

[ البخاري عن عثمان ]

خيركم ، وقال الله عزّ وجل :

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ﴾

( سورة الفرقان )

الجهاد الدعوي من أعظم أنواع الجهاد :

سمَّى ربنا تعلم القرآن وتعليمه جهاداً كبيراً ، هذا الجهاد الدعوي من أعظم أنواع الجهاد ؛ أن تُرَسِّخ معاني هذا الكتاب ، أن تُقنع الناس بأحقية هذا القرآن ، أن تحملهم على تطبيق أحكامه ، أن تحملهم على اتباع أمره ونهيه ، هذا هو الذي نريده ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن نوَفَّق في درسٍ قادم إلى متابعة هذه الآية :

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَل

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور