وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 14 - سورة الأنعام - تفسير الآيتان 47-48 ، تطبيق الحكم الإسلامي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة الأنعام .


تأديب الله تعالى للمؤمن :


 مع الآية السابعة والأربعين، وهي قوله تعالى:

﴿  قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ(47) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 كما يتوهم بعض الجهلة أن المصائب تأتي عشوائياً، والعوام لهم كلمة؛ أن الرحمة خاصة والبلاء يعم، وهذا الكلام لا أصل له في الدين.  

﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾ قد يأتي بَغْتة كما قال عليه الصلاة والسلام، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.  ))

[ مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ]

 أحياناً يأتي البلاء فجأة، خثرة في الدماغ تسبب شللاً، ترك منصبه، وتجارته، وبيته، ونشاطاته، وسفره، واستمتاعه بالحياة، انتهى كل شيء، أحياناً حادث ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾ هناك عذاب بينك وبين الله، وهناك عذاب مُهين تحت سمع البشر ونظرهم، يعني هناك عذاب يكون بينك وبين الله، ولعل الله أحياناً يُكرّم عبده المؤمن بتأديبٍ بينه وبينه، بين الله وبين المؤمن، 

مثلاً: كيف يؤدَّب المؤمن؟ بالحجب أحياناً، له مكانته، وله سمعته، وله احترامه بين الناس، ولكن يصلي فلا يشعر بشيء، يقرأ القرآن فلا يتأثر، يذكر الله فلا يبكي، يُكسَر، بالتعبير المألوف يُضام، هذا تأديبٌ بينك وبين الله، لكن أحياناً الإنسان يُفضح على رؤوس الأشهاد، يُشهًّر به، يصبح قصة:

﴿  ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (44) ﴾

 

[ سورة المؤمنون  ]


مستحيل أن يهلك من كان مع الله :


 لي تشبيه لطيف: الحياة مسرح، هناك خشبة مسرح، وهناك مقاعد للمشاهدين، فالإنسان إذا كان مستقيماً له مع مقاعد المشاهدين مقعد، يرى المسرح وما عليه من مشكلات، ومن أزمات، ومن فضائح، ومن قهر، لكن إن لم يكن الإنسان مستقيماً جُرّ إلى خشبة المسرح، وصار قصة بين الناس، لذلك بعض العارفين بالله يقول: " اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني " .

 فلذلك ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ يعني مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يهلك من كان مع الله، لأنه إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟

﴿  قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ(51) ﴾

[  سورة التوبة  ]

 ومعية الله تعني الحفظ، والنصر، والتأييد، والتوفيق .

﴿  إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(51) ﴾

[  سورة غافر  ]


أدلة من القرآن الكريم تبين أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع عملك الصالح :


 وقال :

﴿  أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾

[  سورة الجاثية  ]

﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقال :

﴿ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْ ۖ وَهَلْ نُجَٰزِىٓ إِلَّا ٱلْكَفُورَ (17) ﴾

[  سورة سبأ ]

 هذه قواعد، الله عز وجل يقول :

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ﴾

[  سورة إبراهيم  ]

يعني هذا كلام خالق البشر، في أي مكان كنت، في أي بلد، في أي نظام، بلد متخلف أو متقدم، بلد قمعي أو غير قمعي، بلد فقير أو بلد غني، من أي فئةٍ كنت، من أي طائفةٍ كنت، من أي شريحةٍ كنت، من أي طبقةٍ كنت، في أول الزمان، في آخر الزمان، يجب أن تعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى لن يُضيّع عليك عملك الصالح .

﴿  وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍۢ ۚ كُلُّ ٱمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

[  سورة الطور  ]

 هذه أكبر ضمانة، هذه الآيات ﴿أم حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾


أدلة من الحياة اليومية عن انتقام الله سبحانه وتعالى من الظالم :


 زارني طبيب، وقصّ علي قصة ملخصها: أن امرأة جاءته مع زوجها تشكو ورماً خبيثاً في صدرها، لكن هذا الورم متقدم جداً في مراحله الأخيرة، فغضب هذا الطبيب ـ لإخلاصه ـ من زوجها، قال له: لو جئتني قبل أشهر عديدة، قبل سنة، احتمال الشفاء كبير جداً، الآن وصل إلى أقصاه، قال لي: قلت له: أنت مجرم في حق زوجتك، قالها بينه وبين الزوج، قال له : لا، نحن عند فلان، ولنا عنده سنة وزيادة، ولم يقل: إنه ورم خبيث، قال: إنه التهاب، ثم همس في أذني أن طالب الطب يعرف أنه ورم خبيث، ولكن أراد هذا الإنسان أن يستبقيه عنده ليبتزّ ماله، أوهمه أنه التهاب، ويعطيه أدوية التهاب وكورتيزون، وهكذا، قال لي: الزوج فجأة وقع على الأرض، كأنه طفل، وناجى ربه، قال له: يا رب إذا كنت موجوداً فانتقم منه، ربط انتقامه بوجوده لا بعدله، موجوداً، يقسم هذا الطبيب أنه جاءه بعد أحد عشر شهراً شاب لطيف، قال لي: دخل العيادة متهالكاً، قال له: من الأخ ؟ قال له: أنا زميلك فلان، الطبيب نفسه، وقد أُصيب بورم خبيث في صدره أقسم بالله، قال لي: بحسب خبرتي الطبية كأن هذا الورم بدأ من أحد عشر شهراً، من يوم دعا هذا الزوج عليه،  الله كبير .

 أيها الإخوة، إنسان آخر ذهب إلى مطار دمشق، أراد أن يُظهِر براعته في قيادة السيارات، فكان هناك جرو صغير على طرف الطريق، وفي أيام الشتاء، والطريق المعبد أكثر دفئاً من التراب، ولونه أكثر دكنةً من لون التراب، ويمتص أشعة الشمس أكثر، فاستطاع هذا السائق الماهر أن يقص يدَيّ هذا الكلب الصغير دون أن يُميته، ببراعةٍ في القيادة فائقة، وأطلق ضحكة هستيرية، يقول الذي معه: في السبت القادم بعد أسبوع، في المكان نفسه تعطلت مركبته، ويحتاج إلى تبديل عجلة، قال لي: رفع المركبة على الرافعة، وفك العجلة، ففسدت هذه الرافعة، فوقعت السيارة على العجلةِ، والعجلة على يديه، فهُرِستا من الرُّسغ، فأُخِذ إلى المستشفى، ولا بد من قطع يديه، وقُطِعت يداه إلى الرُّسغين، كما فعل بالجرو قبل أسبوع، الله كبير .


الأنبياء الكرام ابتلاهم الله عز وجل ولكن ابتلاء الأنبياء ابتلاء كشف :


 كلما ازددت معرفة بالله ازددت خوفاً منه ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً﴾ الآن دققوا ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ لا بد من ذكر هذه الحقيقة أيها الإخوة، كل واحد منا وصل إلى سمعه ألف قصة من فصلها الأخير، والقصة من فصلها الأخير لا معنى لها إطلاقاً، فلان دُهس، فلان انتحر، فلان مرض، لكن كل واحد منا أيضاً عنده عدة قصص يعرفها من أول فصل حتى آخر فصل، يُدهش لعدل الله، يُدهش لحكمته، يُدهش لقوته، يُدهش لانتقامه أحياناً .

 أنا أنصح نفسي وأنصحكم معاً أن تقيس القصص الكثيرة التي تعرفها من فصلها الأخير، على القصص القليلة التي تعرفها من كل فصولها، كل هذه القصص التي تعرفها من آخر فصل والتي لا معنى لها تُقاس على عدة قصص تعرفها من أول فصل حتى آخر فصل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ .

 لكن طبعاً أتمنى عليكم ألا تفهموا كلامي مُعمَّماً، والتعميم من العمى، الأنبياء الكرام ابتلاهم الله عز وجل، لكن ابتلاء الأنبياء ابتلاء كشف، لا تظهر كمالاتهم إلا بالمصائب أحياناً، بالطائف ظهر من هو النبي، والمؤمن يُبتلى ليزداد قرباً من الله، وليزداد رفعة عند الله، أما الحديث عن القوم الظالمين فموضوع ثالث، أنا إذا ذكرت أن المصائب تنال الظالم، بمعنى أن هذا إنسان خرج عن منهج الله، وتطاول على عباد الله، وبنى مجده على أنقاض الخلق، عندئذٍ استحق عقوبة الخالق :

﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) ﴾

[  سورة الأنعام  ]


القرآن الكريم نذير لأن فيه مشاهد من يوم القيامة :


 لذلك الإمام القرطبي رحمه الله تعالى حينما قرأ قوله تعالى :

﴿  وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ ۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ(37) ﴾

[  سورة فاطر ]

 الله تعالى يقول: ﴿وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ ما النذير ؟ قالوا: القرآن الكريم هو النذير، لأن فيه مشاهد من يوم القيامة، مصير الإنسان إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها، فالقرآن نذير، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما ذكر في أحاديثه الصحيحة أن المؤمن يرى مقامه في الجنة عندما يأتيه ملك الموت، فيقول: لم أرَ شراً قط، وينسى كل المتاعب التي عاشها في الحياة، وأن الذي يموت على غير الإيمان، ويرى مكانه في النار يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا، فكما أن القرآن بما فيه من مشاهد يوم القيامة يُعد نذيراً، كذلك كلام النبي عليه الصلاة والسلام يُعد نذيراً.

(( يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. ))

[ صحيح مسلم ]

وقد شرح أكثر من ذلك، فقال: سن الأربعين نذير ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ فمن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، والإنسان إذا سافر إلى مكان ومضى ثلثا الوقت تتغير خطته بعد ثلثي الوقت، يقطع بطاقة العودة، يشتري الهدايا، يفكر في العودة. 

إذاً: من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، لذلك من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار.

وقال القرطبي أيضاً: سن الستين نذير، وصل إلى ما قبل النهاية العظمى، معترك المنايا بين الستين والسبعين .

 إخواننا الكرام، بربكم، سؤال محرج، هل يمكن أن نستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما لا نهاية؟! مستحيل، مستحيل، هناك بوابة خروج، أحياناً تأتي من الكبد، أحياناً من المعدة، أحياناً من الدماغ، أحياناً خثرة، أحياناً فشل كلوي، أحياناً أزمة قلبية، أحياناً... أحياناً...يعني أنواع الأمراض لا تعد ولا تحصى، هذه الأمراض التي سماها النبي مرض الموت، ويُسمى الآن بوابة الخروج، كيف يخرج الإنسان من الدنيا ؟ بمرض، أو بحادث، لذلك الحديث الذي يقصم الظهر : 

((  بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً ، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً؟ أَوْ غِنًى مُطْغِياً؟ أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً؟ أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً؟ أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً؟ أَوْ الدَّجَّالَ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

[  الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]


المصائب أيضاً من النذير :


 سؤال واضح، كما قلت قبل قليل: مستحيل أن نستيقظ كل يوم كاليوم السابق، في يوم من الأيام سيكون هناك طارئ جديد في حياتنا، طارئ على الجسم جديد لم يكن، يبدأ بمراجعة الطبيب، بتحاليل، بتصوير، بعملية جراحية، بعد هذا ينتهي بنعوة، إذا كان مرض الموت طبعاً، ولو كان نبيّاً، ولو كان صالحاً، هذه بوابة الخروج، وأيّ مرض آخر غير مرض الموت له دواء، لكل داء دواء

(( لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذْنِ اللهِ عزَّ وجلَّ. ))

[ صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله ]

 كلام واضح، فصار النذير القرآن الكريم، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام، وسن الأربعين، وسن الستين .

 الآن الشيب: هو نذير، ولحكمة بالغةٍ بَالغةٍ بالغَة الإنسان بعد الخمسين أو الستين يشكو من متاعب كثيرة، متاعب في معدته، متاعب في حركته، في عظامه، في مفاصله، يضعف بصره، يضع طقم أسنان في فمه، كأن هذه التبدلات رسائل لطيفة من الله: أن يا عبدي قد اقترب اللقاء بيننا، فهل أنت مستعد له؟ تجد الإنسان حينما يأتي الموت وقد عانى من متاعب الحياة ما عانى، صدِّقوا ما أقول: يشتاق إلى لقاء الله عز وجل، أما إذا كان في أعلى درجة من الصحة والنشاط ويُؤخًذ فجأة قد يكون هذا الانتقال صعباً عليه .الشيب: وهو نذير.

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

* * *

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شــنيع

لو كان حبك صادقاً لأطـعته  إن المحب لمن يحب مطيــع

* * *

 ثم إن المصائب من النذير، لفت نظر، الأمور كلها على ما يرام، فجأة هناك في البيت مشكلة، مشكلة في الصحة، في العمل، مع الابن، في العلاقات العامة، مع رئيسه في العمل، هذه المصيبة أيضاً رسالة من الله، يعني الآن تُستخدم كلمات جديدة، يعني يقع انفجار يقولون: هذه رسالة وصلت، الرسالة دائماً شفهية أو كلامية، الآن هناك مصطلح في الأخبار: يُعد تفجير بناء رسالة من جهة إلى جهة، الرسالة وصلت، إذاً المصيبة أحياناً رسالة من الله، رسالة؛ أن يا عبدي قد قرب اللقاء .


المرسلون يبشرون المؤمن وينذرون غير المؤمن :


 من معاني النذير موت الأقارب ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ المرسلون يبشرون المؤمن، وينذرون غير المؤمن، الآن: 

﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا﴾ لا تتوهموا أن إيماناً بلا عمل ينفع، في مئتي موضع في كتاب الله: 

﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـَٔابٍۢ(29) ﴾

[ سورة الرعد  ]

﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ يعني آمن وطبّق، آمن وانضبط، آمن وأعطى، آمن واتقى، آمن وتحرك، آمن ووقف موقفاً مشرِّفاً، ما لم يكن هناك موقف، حركة، التزام، انضباط، فالإيمان لا قيمة له إطلاقاً ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ .

 أيها الإخوة، دققوا في هاتين الكلمتين، والله الذي لا إله إلا هو لا تعدلهما السماوات والأرض، 

﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أنت الآن هنا، وهذا المستقبل، وهذا الماضي ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ في المستقبل ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما فات، لا يخشى مما هو آت، ولا يحزن على ما فات، ماذا بقي من سعادة الدنيا ؟ لذلك قال تعالى:

﴿ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًۢا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) ﴾

[  سورة طه  ]

 في الآية الثانية: 

﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) ﴾

[ سورة البقرة ]

اجمع الآيتين من يتبع هدى الله عز وجل ـ دقق ـ لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ملك، في أي وقت كنت، في أي مكان، في أي زمان، أنت في رعاية الله، وعناية الله، وحفظ الله، وتوفيق الله، ونصر الله، وتأييد الله .

 حسناً، أريد أن أقول كلمة: أصحاب الأخدود الذين أحرقهم الملك الظالم الذي ادّعى الألوهية البطّاش، انتصروا أم لم ينتصروا؟ أنا أقول لكم: انتصروا، مع أنهم حُرِّقوا، انتصروا نصراً مبدئياً كما قال عنه العلماء، نصر مبدئي ، يعني ماتوا على الإيمان، قد تكون ضعيفاً في عصر معين ، ما بيدك شيء، والكافر قوي، ويقهر هذا الضعيف، لكن أتمنى أن أوضح فكرة، هذه الدنيا مهما امتدت، ومهما طالت، ومهما قوي الإنسان فيها، ومهما اغتنى فيها، ومهما تحكّم بأهلها، ومهما علا شأنه في الأرض فلا بد من أن يموت، لأن كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، 

وأن الليل مهما طال      فلا بد من طلوع الفجر، 

وأن العمر مهما طال        فلا بد من نزول القبر .

الدنيا قيمتها أمام الآخرة صفر فهي ليست مقياساً :


 الفرق بين الدنيا والأبد فرق بين لا شيء وكل شيء بالضبط، إنسان يعيش ستة وثمانين عاماً، ما شاء الله ! لو تعيش مليار مليار مليار مليار سنة قيمة هذا الأمد الطويل بالنسبة إلى الأبد صفر، فإذا كان الإنسان في الدنيا لم يأخذ حقه، كان مقهوراً، مظلوماً، أحرق ملك أصحاب الأخدود، والآن في بلاد المسلمين تأتي قنبلة فتميت مئة شخص، هذا اسمه نصر مبدئي، يعني بلد محتل يأتي قصف فيموت إنسان مؤمن مستقيم فرضاً، عقيدته صحيحة، مات على الإيمان، الأكمل أن ننتصر نصراً تقليديّاً فنسترجع الأرض، ونقهر من احتل أرضنا، نتمنى ذلك، لكن إن لم يحصل ؟ الدين مفتوحة أبوابه على مصارعها، أقوى مثل أصحاب الأخدود ، أثنى الله عليهم ، وقد حُرٍّقوا، أنا لا أقول لكم أن نستسلم، لكن أنت حينما ترى أنك ضعيف لا تملك شيئاً، ماذا تفعل؟ اٍجهَدْ أن تقوّي المسلمين، أما إذا قُهرت وكنت على حق فأنت من أهل الجنة، وأنت منتصر نصراً مبدئياً، هذا المعنى : 

﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ إذاً: الدنيا قيمتها أمام الآخرة صفر، لذلك هي أحقر من أن تكون عطاء أو إكراماً لإنسان، بل هي أحقر من أن تكون عقاباً، الدليل أن الله يعطيها لمن لا يحب أحياناً، أعطاها لفرعون الذي قال :

﴿  فًقًال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24) ﴾

[  سورة النازعات  ]

 وأعطاها لفرعون الذي قال :

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ (38) ﴾

[  سورة القصص  ]

 وأعطاها لقارون الذي قال :

﴿  قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِۦ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ(78) ﴾

[  سورة القصص  ]

 وأعطاها أيضاً لسليمان الحكيم، أعطاها لعبد الرحمن بن عوف، إذاً: مادامت الدنيا قد أُعطِيت لمن يحب الله ولمن لا يحب إذاً فهي ليست مقياساً على الإطلاق . 

((  كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ  ))

[ الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]


إذا هان أمر الله علينا هُنّا على الله :


 يعني أنت حينما تحكم علاقتك بالله، وحينما تخطب ود الله، فأنت عند الله كبير جداً، ولو كان عملك في المجتمع في الدرجة الدنيا، قد يكون حاجباً لكن قُلامة ظفره تعدل ألف إنسان كبير، غني قوي، عاصٍ، فاسق.

﴿  يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13) ﴾

[  سورة الحجرات ]

 لذلك هذا الوقت عصيب جداً، أقول وأعيد: إنها حرب عالمية ثالثة مُعلَنة على الإسلام، هدفها إفقار المسلمين، ثم إضلالهم، ثم إفسادهم، ثم إذلالهم، ثم إبادتهم، وهذه الحقيقة المُرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح، والله موجود، وفعال: 

﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ(14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ(15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(16) ﴾

[  سورة البروج ]

 لكن إذا هان أمر الله علينا هُنّا على الله.


لا تستطيع قوة مهما طغت وبغت أن تفسد على الله هدايته لخلقه :


 إخوتنا الكرام، كلمة من القلب إلى القلب، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستطيع قوة مهما طغت وبغت أن تفسد على الله هدايته لخلقه، هذا الإسلام شيء لا يُصدق، كلما قمعته يزداد قوة، أوضح مثل أنك إذا أردت أن تطفئ النار بالزيت ماذا يحصل؟ تزداد النار اشتعالاً .

 لذلك الآن أكبر دين في العالم في النمو هو الإسلام، لكن ما الذي حصل يا إخوان؟ الذي حصل أنه قبل الأحداث الأخيرة كان الغرب قد خطف أبصار أهل الأرض، عالًم غني، قوي، ذكي، جميل جداً، جامعات، قٍيَم، أقول لكم، وأنا واقعي : رائعة جداً، الحرية غير سهلة، الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، العولمة، العولمة احترام جميع الأديان ، هذه كلها قيم مطروحة هناك، لذلك الغرب خطف أبصار المسلمين ، وصار الذي معه بطاقة خضراء green card كأنه دخل إلى الجنة، بعد الأحداث الأخيرة هنا الإنجاز، بعد الأحداث الأخيرة سقط الغرب كحضارة، وبقي قوة غاشمة، أليس كذلك ؟ لم يبقَ على الساحة الآن إلا الإسلام ، لم يبقَ غيره، على ساحة القيم والمبادئ لم يبقَ إلا الإسلام ، وهذه فرصة لا تُعوّض، هذا الوقت وقت المسلمين، لأن في الإسلام خلاص العالم، العالم كله محتاج إلى الإسلام، لأن كل النظم الوضعية أصبحت في الوحل، ولم تحقق للإنسان سعادته ولا سلامته، فلهذا الأنظار جميعاً تتجه إلى المسلمين، أما المسلمون أمامهم خيار صعب، لا يستطيعون أن ينشروا دينهم إلا بشروط ثلاثة؛ أن يُحسنوا فهمه أولاً .

 واحد أراد أن يسلم في مصر، فالتقى بشيخ تقليدي، أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر حتى خرج من جلده، ورفض الإسلام، هذا التعقيد غير معقول، فالتقى بشيخ جليل، فقال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، انتهى الأمر .

 نحن الآن بحاجة إلى تبسيط الدين، لا يكون الدين ألغازاً، وأحاجي، ومتاهات وأراء، واجتهادات ، وأدلة، وأدلة مناقضة حتى يستسلم الإنسان، ما هذا الدين؟! الدين كالهواء يجب أن تستنشقه ببساطة، هذا هو الدين، الدين لا يستطيع أحد في الأرض أن يحتكره، لا جماعة، ولا فئة، ولا مذهب، ولا طائفة، ولا عصر، ولا مصر، حاجتنا إلى الدين كحاجتنا إلى الهواء، هذا الدين، فلذلك لا بد من تبسيطه، ولا بد من عقلنته، ولا بد من تطبيقه .


على المسلمين أن يُحسنوا فهم دينهم وتطبيقه وعرضه حتى ينتصروا :


 لذلك العالم الذي التقى بالجالية البريطانية الإسلامية، قال: أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب، على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهُوًّة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لأن في الإسلام خلاص العالم، ولكن بشرط ـ الآن دققوا ـ أن يُحسن المسلمون فهم دينهم، وأن يُحسنوا تطبيقه، وأن يُحسنوا عرضه ، هكذا .

 مرة كنت في أمريكا، وجاءني سؤال من أخت كريمة، قالت لي: أنا طبيبة، وأنا أضطر أن أصافح الأطباء في المستشفى، وحينما لا أصافحهم أقع في حرج شديد، فما الحل؟ بل ما حكم مصافحة المرأة للرجل ؟ طبعاً الجواب واضح، حرام، لقول النبي : 

((  إِنٍّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ  ))

[ الترمذي والنسائي عن أميمة بنت رقيقة  ]

 لكن أردت أن أنقل لها هذا الحكم بطريقة أخرى، قلت لها: الملكة إليزابيث لا يصافحها إلا سبعة رجال، لعلو مقامها في القانون البريطاني، وكذلك المرأة المسلمة لا يستطيع مصافحتها إلا سبعة من محارمها بحكم القانون القرآني، فقبلت هذا الجواب.

 أنت أحياناً بحاجة إلى عرض جيد، مرة قال لي أحدهم: معقول أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل؟ ما هذا الظلم؟ قلت له: ما قولك مليار وثلاثمئة مليون إنسان في الأرض يدخلون في ثاني أكبر عبادة في الإسلام بشهادة امرأة واحدة، كيف؟ إذا رأت امرأة مسلمة الهلال، وأبلغت القاضي الشرعي، وكان هناك  اتفاق بين كل المسلمين في الأرض أن يصوموا في يوم واحد، يصوم مليار وثلاثمئة مليون في الأرض بشهادة امرأة واحدة .

 إنسان ترك مئة مليار مثلاً، جاءه مولود بعد موته، ومات من توّه، فإذا قال: واع، يأخذ المبلغ كله، أو ثلاثة أرباعه، وإذا لم يصدر منه صوت لا يأخذ شيئاً، من التي تشهد أنه خرج منه صوت أو لم يخرج؟ القابلة، تتحول مئات الملايين بشهادة امرأة واحدة .

 أما إذا جريمة جنسية، والله عز وجل أعطى المرأة الحياء والخجل والخفر لا نكلفها عقود معينة مالية، قضايا بعيدة عن اهتمامها، الشرع ما كلفها أن تكون وحدها مسؤولة في الشهادة، فلما عرضت هذا الكلام صار مقبولاً .

 مشكلتنا الآن أن هناك حرباً على الدين، عندما تقول: تطبيق الحكم الإسلامي ننسى الإسلام كله إلا قطع اليد فقط ، فقط ؟ ننسى الإسلام كله، العدل، التضامن، التعاون، إلا قطع اليد .

 فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً متعاونين، وأن نكون على قلب واحد وأن نتحرك حركة وفق منهج الله، فلعل الله أن ينصرنا إن شاء الله عز وجل. 

﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور