وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 68 - الكرك - جامعة مؤتة – رمضان شهر القرآن
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغُرِّ الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا ربَّ العالمين .

الشباب قوة الأمة ومستقبلها :

 هناك بعض المسلّمات ، هناك بلاد متحضرة بقيمٍ أخلاقية سماوية ، وهناك بلاد متطورة ، ما كل دولةٍ متطورة متحضرة ، لذلك الجامعات في الدول المتطورة شيء ، والمتحضرة شيء آخر ، لكن يلفت النظر أن هناك جامعاً وجامعة ، الجامع مذكر لفظي ، والجامعة مؤنث لفظي ، والرجال قوامون على النساء في القرآن ، ينبغي أن تستمد الجامعات في بلاد المسلمين من قيم هذا الدين العظيم ، من مبادئه البطولية ، فلذلك أقول دائماً : يوجد تعاون وتنسيق بين المؤسسات التي تُعنى بالمبادئ والقيم ، يجب ألا يكون هناك تناقض ، مثلاً طالب كل حياته يقرأ القرآن ، في آدم وحواء ظهر أن الإنسان أصله قرد ، يقع في إشكال كبير ، هذه اسمها : فصام شخصيات ، إذا كان يتعلم من علم عنده قطعي ، وفيه نظريات ، طبعاً الآن أُلغيت هذه ، منذ سنتين أُلغيت النظريات المنهجية في الجامعات الأمريكية كمبدأ ، بقي لها طابع تاريخي فقط ، وبالتعاون والتنسيق ينمو الجميع بها ، فلذلك الدول المتحضرة فيها مبادئ وقيم ، والمتطورة فيها تكنولوجيا عالية جداً ، والبطولة أن نجمع بينهما ، الجامع والجامعة مذكر ومؤنث ، فعلى الجامعة أن تستمد من مبادئ هذه الأمة العريقة والتي كانت أولى الأمم في الحياة كل شيء .
 أما الشباب فالمفهوم المألوف هو بين سن الثامنة عشرة والأربعين ، أما في الإسلام مادام لك هدف أكبر منك فأنت شابٌ حتى لو كنت بالتسعين ، ومادامت أهدافك محدودة جداً ؛ طعام ، وشراب ، ومنزل ، ومركبة ، أنت شيخٌ بالمعنى السلبي في الأربعين ، مادام لك هدف أكبر منك أنت شابٌ دائماً ، وريح الجنة في الشباب ، والشباب أمل الأمة ، والشباب مستقبل الأمة ، فلذلك :

((ما من شيءٍ أحبُّ إلى الله تعالى من شابٍ تائب))

[ورد في الأثر]

((إن اللهَ يُباهي بالشابِّ العابِدِ الملائكةَ ، يقولُ : انظُروا إلى عَبْدِي ترك شهوتَه من أَجْلِي ، أَيُّهَا الشَّابُّ أنت عندي كبعضِ ملائكتي))

[ورد في الأثر]

 الشباب قوة الأمة ، أمل الأمة ، مستقبل الأمة ، الشباب بشكل أو بآخر محرّك المركبة ، المركبة بلا محرّك لم تعد مركبة ، والشيوخ الربانيون قطاع خاص ليسوا قطاعاً عاماً ، هؤلاء هم الذين يقودون هذه المركبات ، والطريق المعبّد والسالك والرائع هو شرع الله عز وجل ، فالأمة تتقدم بقوة شبابها ، وبتوجيه شيوخها الربانيين ، على منهج الله خالق السماوات والأرض ، لكن نحن هؤلاء الشباب أولادنا ، فلذات أكبادنا ، لهم مطالب متواضعة جداً ، هذا الشاب يحتاج إلى مسكن ، ستون متراً ، وزوجة ، وفرصة عمل ، لو حققت للشباب أشياء ثلاث متواضعة ، فرصة عمل ، ومسكن ، وزواج ، أذكر شخصاً في بلد إسلامي اشترى أراض ، وبنى أبنية ، كل بناء عبارة عن عشرة طوابق ، كل طابق أربع شقق ، كل شقة ستون متراً ، إذا كانت أجرتها عشرين ألفاً يقدمها للشاب بألف ليرة ، هذا شجع على الزواج ، أكبر مشكلة في الأرض العنوسة والبطالة ، وهاتان المشكلتان مترابطتان ، يوجد عنوسة لوجود بطالة ، المال إذا ثُمّر هذا الذي حرمه الله عز وجل ، البطولة أن الأعمال تنمّي الأموال ، شركة مركبات في فرنسا ، مئتا شركة تعمل لها ، كم عامل يوجد؟ عندما المال يلد المال الأموال تتفاقم بأيد قليلة ، وتُحرم منها الكثرة الكثيرة ، وينشأ طبقات ، طبقة حاقدة وطبقة مترفة ، أما إذا كانت الأموال قد سُحبت من الأعمال فيوجد توزع طبيعي لهذا المال ، هذه كلها قضايا كبيرة ، كل كلمة في هذه القضايا تحتاج إلى جلسة خاصة .

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :

 لكن من هو الشاب؟ هو إنسان له هدف أكبر منه ، ولا أبالغ في التسعين شاب ، كان لدينا عالم جليل بلغ السابعة والتسعين ، كان منتصب القامة ، حاد البصر ، أسنانه في فمه، مرهف السمع ، إذا رأى شاباً يقول له : يا بني أنت كنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدك تلميذي ، فلما سُئل : يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ قال : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكِبر ، من عاش تقيّاً عاش منعماً برحمة الله ، لذلك أقول : هذا الشاب يحتاج إلى فرصة عمل ، وزوجة ، وسكن ، هناك مشروع في بعض البلاد ، يقول لك : المنزل بستين ألفاً ، سعره الأساسي مئتا ألف ، باعوه بستين ألفاً للشباب تقسيطاً ، أربعة أبنية أو خمسة ، وكل بناء عشرة طوابق ، والطابق عشر شقق ، كأنه أسس آلاف الأسر ، هذه الأعمال الكبيرة ، لي أنا عبارة دقيقة : الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، نكون قد دفعنا لله ليس على شكل فردي ، عشوائي ، غير محقق به ، بشكل مدروس ، بشكل مؤسسي.

الحاجة للعلم حاجة وجودية وليست حاجة تكميلية :

 الآن الكائنات كما نعرفها ، جماد ، نبات ، حيوان ، إنسان ، الجماد له وزن ، حجم، طول ، عرض ، ارتفاع ، أبعاد ثلاث ، النبات يزيد عليه بالنمو ، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، أما الإنسان فهو المخلوق الأول المكرّم المفضل المكلّف ، أودع الله فيه جهازاً إدراكياً ، هذا الجهاز الإدراكي هو العقل ، يُغذّى بطلب العلم ، وكل إنسان عزف عن طلب العلم هبط مستواه إلى مستوى لا يليق به ، استمع إلى القرآن الكريم كتاب خالق الأكوان ، قال :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[سورة المنافقون]

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

[سورة الفرقان]

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[سورة النحل]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[سورة الجمعة]

 الحاجة للعلم حاجة وجودية ، ليست حاجة تكميلية ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، بلا علم : (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) ، بلا علم : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) ، بلا علم : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) ، بلا علم : (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) .

السنن زمرتان :

1 ـ سنن الدفع إلى الله :

 الآن النشاط العلمي بالأرض ينتهي بالقانون ، القانون نهاية العلم ، قانون التمدد ، قانون التجمد ، نهاية العلم القانون ، ماذا يقابل القانون في الدين ؟ يقابل القوانين في الدين السنن، قال تعالى :

﴿ اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43)﴾

[سورة فاطر]

 قوانين بمصطلح إسلامي ، السنن قانون ، علاقةٌ مقطوعٌ بها بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل ، علاقةٌ مقطوعٌ بها بمعنى التصور ، الصحة ثلاثون بالمئة هذا وهم ، خمسون بالمئة شك ، سبعون بالمئة ظن ، تسعون غلبة ظن ، القطع مئة بالمئة ، علاقةٌ مقطوع بها بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل ، يقابل القانون في الإسلام والدين السنن ، (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43))

، لذلك السنن زمرتان ، سنن الدفع إلى الله ، وسنن التحذير الردع ، أما سنن الدفع إلى الله ففيها أربعة مستويات ، الهدى البياني ، بمعنى محاضرة ، طلاب متفوقون مؤمنون صادقون ، الهدى البياني إلقاء محاضرة ، ندوة تلفزيونية ، خطبة جمعة ، كتاب تقرؤه ، مجلة إسلامية تتصفحها ، معنى الهدى البياني أنك أنت مرتاح ليس لديك أي مشكلة ، في منزلك ، في عملك ، في صحتك ، ليس لديك قضية مُقلقة ، طلبت العلم اقتداءً ، هذا شيء راق جداً ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، والإنسان يظل عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، الهدى البياني أرقى شيء ، الهدى البياني الموقف الكامل فيه :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾

[سورة الأنفال]

 من دون علم أموات ، (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) ، من دون علم (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) ، من دون علم لا سمح الله ولا قدّر : (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) ، كلها أوصاف كتاب الله ، خالق الأكوان ، فلابد من طلب العلم ، وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 الهدى البياني أرقى شيء ، أنت في منزلك تتابع قضية إسلامية ، قضية دينية ، قضية فكرية ، قضية اجتماعية ، قضية صحية ، هذا شيء راق جداً ، بيان ، تكلّم ، لقاء ، محاضرة ، ندوة ، مناقشة ، الهدى البياني الموقف الكامل الاستجابة ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ، يحييكم من دون علم ، (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) ، (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) ، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) ، (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) ، بمعنى دابة وضعنا فوقها كتاب الفيزياء النووية ، إذا سألناها بعد حين : ماذا فهمتِ من هذا الكتاب الذي حملته ؟ لا تفهم شيئاً ، لذلك البطولة أن نفهم ، أن نتحرك ، الهدى البياني هكذا ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ، الاستجابة أرقى رد فعل للإنسان ، وعي ، فهم لمصلحته ، إذا لم يستجب هل يُلغى ؟ الرب لا يُلغي ، شخص عادي ليس لديه رحمة ، ليس لديه عطف ، إذا لم يدرس يرسب فقط ، أما الأب فوضع آخر ، إذا ابنه لم يدرس يحاسبه ، يتابعه ، يغريه بهدية ، يعاقبه أحياناً ، هذه التربية ، فالهدى البياني قضية فكرية ، نظرية ، وحي ، قرآن ، سنة ، محاضرة قيّمة ، أما التأديب التربوي فشبح مصيبة ، الآية دقيقة :

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

[سورة السجدة]

 يوجد هدف ، يوجد مصيبة هادفة ، هذا التأديب التربوي ، بالهدى البياني ينبغي أن نستجيب ، وبالتأديب التربوي ينبغي أن نتوب ، يوجد لدينا إكرام تفاضلي ، أحياناً الإنسان يُغرى بشيء لم يتوقع أن يناله ، هذا الإكرام التفضلي مهمته الشكر ، بالهدى البياني الاستجابة ، بالتأديب التربوي توبة ، بالإكرام التفضّلي شكر ، لا هذه ولا هذه ولا تلك ، إذاً يوجد قصم ، انتهى ، لذلك الهدى البياني ، والتأديب التربوي ، والإكرام الاستدراجي أو التفضلي ، والقصم ، هذه سنن الدفع إلى الله .

2 ـ سنن الردع :

 لدينا سنن معاكسة ، الردع ، المصائب ، لكن الأنبياء يصابون بالمصائب :

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[سورة المؤمنون]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

[سورة الملك]

 الابتلاء علة وجودنا ، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) ، الإمام الشافعي سُئل : هل ندعو بالتمكين أم بالابتلاء ؟ قال : لن تمكّن قبل أن تبتلى ، النبي ابتلي ، قال :

((لقَد أوذيتُ في اللَّهِ وما يؤذي أحَدٌ ، ولقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ ، ولقد أتَت عليَّ ثالثة ومالي ولِبلالٍ طعامٌ يأكلُهُ ذو كبِدٍ إلَّا ما وارى إبِطُ بلالٍ))

[أخرجه الترمذي]

 الابتلاء علة وجودنا ، مثلاً إنسان دخل إلى الجامعة ، وقال : لا يوجد امتحان ، هذا الطالب مجنون ، هل يوجد في الأرض جامعة من دون امتحان ؟ يقابلها في الحياة الابتلاء، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) ، فالابتلاء البطولة ليس ألا تُبتلى ؛ بل أن تنجح في الابتلاء ، والنجاح ضمن إمكانياتك ، والدليل :

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾

[سورة البقرة]

 ضمن الإمكانيات ، إذاً الابتلاء قدرنا ، والابتلاء لابد منه ، والابتلاء طريقنا إلى الله عز وجل ، والابتلاء طريقنا إلى الجنة ، والنبي الكريم يقول :

((لقَد أوذيتُ في اللَّهِ وما يؤذي أحَدٌ ، ولقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ ، ولقد أتَت عليَّ ثالِثةٌ وما لي ولِبلالٍ طعامٌ يأكلُهُ ذو كبِدٍ ، إلَّا ما وارى إبِطُ بلالٍ))

 إذاً الردع ، المصائب للأنبياء كشف ، وللمؤمنين دفع ورفع ، ولغير المؤمنين ردع وقصم .

التوحيد نهاية العلم :

 لذلك نقول : إن فحوى دعوة الأنبياء ، الفحوى المضمون ، بمعنى الله عز وجل أرسل رسلاً ، وأرسل أنبياء .

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)﴾

[سورة غافر]

 فحوى دعوة الأنبياء :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[سورة الأنبياء]

 هذه من تفيد استغراق أفراد النوع ، بمعنى دخل مدرس لصف ، أعجبه هذا الصف ، فقال : لكل طالب هدية مني ، لكن يوجد طالبان غائبان فاتتهم هذه الهدية ، أما إذا قال : ما من طالبٍ في هذه الشعبة إلا وله هدية ، فضمت الغائبين ، دقق في الآية : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25))

، كأنه جمع الله في هذه الآية فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، من آدم إلى يوم القيامة .
 نقطتان كبيرتان : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) ، نهاية العلم التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، هو المعطي ، هو المانع، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، ألا ترى مع الله أحداً ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد كلمة الإسلام الأولى ، لا إله إلا الله ، بمعنى لا مسيّر ، لا معطي، لا مانع ، لا معزّ ، لا مذل ، إلا الله ، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) ، العبادة هي المطلوبة من الإنسان :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[سورة الذاريات]

إلزام الله ذاته العلية بهداية خلقه :

 لدينا عبادة شعائرية ؛ صلاة ، صوم ، زكاة ، هذه معروفة ، هذه عبادة شعائرية ، أما العبادة الأساسية التي تصلح بها العبادة الشعائرية ، أو العبادة الأساسية التي تقطف ثمار العبادة الشعائرية فهي العبادة التعاملية ، حقوق الآخرين ، واجباتك ، حقوقك ، رعاية الأولاد ، تربية الأولاد ، بر الوالدين ، تواصل الرحم ، بنود قد تصل إلى عشرة آلاف بند ، تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، فحوى دعوة الأنبياء والمرسلين كلمتان : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25))

 فلذلك : ( لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه) هذه ملخص الملخص ، وكأن الأقوياء في الأرض يشبهون وحوشاً مخيفة ، كاسرة ، مفترسة ، لا ترحم ، هذه الوحوش مربوطة بأزمة محكمة بيد الله ، فأنا علاقتي مع الوحوش أم مع من يملكها ؟ الحقيقة الدقيقة علاقتي مع من يملكها ، لأن هذا الذي يملكها لو أرخى الحبل للوحش يأكلني ، إذاً أنا علاقتي مع مالك الوحوش ، فلذلك الآية تقول :

﴿مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾

[سورة هود]

 إذا جاءت على بعد لفظ الجلالة بمعنى أن الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه ، وبالعدل بينهم .
 حفظ الله لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وأساتذتكم الكرام ، أعلى وظيفة أراها في الحياة أستاذ الجامعة مع نخبة من الطلاب ، فأرجو الله أن يكونوا هؤلاء النخبة قادة للأمة ، والحمد لله ربِّ العالمين .
المذيع :
 جزاك الله كل خير ، إذا سمح لي الشباب أن أشكر أستاذنا وشيخنا الدكتور راتب ، ونتمنى أن نكون قريبين لبعض ، نعم القلوب قريبة ، ولكن نحن نحبكم بالله ، أنا وطلابي . . .

النهوض بالشباب يجب أن يكون همنا الأول دائماً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ملاحظة واحدة ، أنا أستاذ جامعي من ثلاثة وثلاثين عاماً ، إذا دعيت إلى جامعة أجد نفسي ، طوال حياتي لم أرد دعوة جامعية ، أنا منذ ثلاثة وثلاثين عاماً أستاذ في كلية التربية في جامعة دمشق ، إذا دعتني جامعة أجد نفسي فيها .
المذيع :
 ما شاء الله ، معلومتي عنك دكتور أنك طبيب . .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ، أنا أحمل دكتوراه في التربية ، من كثرة موضوعاتي العلمية في الطب توهمني البعض أنني طبيب ، قلت له : لا ، أنا لست طبيباً .
المذيع :
 أنت طبيب القلوب وللروح أيضاً ، وأذكر قبل عامين عندما أتيت كنت أنا آنذاك عميداً لشؤون الطلبة ، فكان الطلاب يقولون : ليتك يا دكتور تلقي لنا محاضرات شهرية ودورية، وهذا هو النجاح ، وهذا الطبيب الحقيقي ، الذي فعلاً يحبه الطلبة ، وبالذات الشباب ، وأنا أشكرك على الأفكار التي طُرحت ، يوجد فكرتان رئيستان لشبابنا ، أن العلم يفترض أن تعطيه كل ما عندك حتى يعطيك ويقويك ، وهذا قول أستاذنا وشيخنا ، بالإضافة نتمنى فعلاً أن يوحّد أهل الخير جهودهم ، لعل وعسى أن ينهضوا بالشباب ، سواء كان في قضايا الزواج ، أو في قضايا الجانب العلمي ، فأتمنى أن نكون فعلاً دعوة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الطرف الآخر يتعاونون تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، ونحن بيننا خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة ولا نتعاون ، أو نتنافس ، بل نتقاتل .
المذيع :
 دكتور إذا سمحت لي أنا تخصصي أستاذ تاريخ ، ودائماً أتحدث لطلابي للأسف عندما أتحدث عن اليهود ، اليهود كل ما يعملونه هو للصهاينة ، وبالتالي يتبرعون لمدارسهم وحياتهم ، أيضاً الآن الشيعة بغض النظر إن كنا نتفق أو نختلف معهم - أنا أضرب دائماً مثالاً لطلابي إن كانوا دراسات عليا أو بكالوريوس - الشيعي يقول : أنا الخبز أرسله لإيران ، هل يا ترى نحن كأهل سنة ودعوة لدينا صندوق زكاة موحد ؟ الحقيقة هي دعوة جميلة ، ونتمنى فعلاً أن يعمل عليها الجميع لننقذ شبابنا ، ونساعد شبابنا ، وجزاك الله كل خير ، وشكراً . . .

التفوق في حياتنا تفوق فردي لا جماعي :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ملاحظة ، لدينا تفوق فردي بحياتنا كمسلمين ، تفوق جماعي لا يوجد ، وهذا خطأ كبير ، ويوجد أمر إلهي :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[سورة المائدة]

 البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ، لا يوجد تعاون ، يوجد تنافس ، لكن تقبل دعوتكم لسنة ، التلبية فرض ، لذلك النبي قال :

((من دُعي فلم يلبِّ فقد عصى أبا القاسم))

[ورد في الأثر]

المذيع :
 أستاذنا الدكتور شكراً لمداخلة الأستاذ الدكتور سليمان الصرايري ، لكن الاستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي اسمح لي بسؤال بسيط لو تكرمت ، ذكرت بأن العلم من خلال القرآن الكريم ، والدفع إلى الله عز وجل من خلال القرآن الكريم ، والرد على بعض الصالحين والعلماء . .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والكون ، وحي السماء ، قوانين الأرض .
المذيع :
 نعم سيدي ، ورد عن بعض الصالحين والعلماء أنهم كانوا يقرؤون القرآن الكريم في رمضان قراءتين ، القراءة الأولى قراءة تعبّد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وقراءة تدبر .
المذيع :
 كما نعلم الحديث النبوي الشريف ، والقراءة الأخرى قالوا إنهم كانوا يقرؤونه قراءة تدبر ، يختمون القرآن في رمضان خمس مرات أو ست قراءة تعبد ، وكان يختم في ستة شهور القرآن الكريم قراءة تدبر ، كيف يعيننا شهر رمضان على هذه القراءة ؟

حاجة كل إنسان إلى قراءة القرآن قراءة تدبر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نحن بحاجة اليوم إلى تدبر؛ لأنّ كل آية قانون :

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)﴾

[سورة الأنعام]

 بكلمتين وضح الله علاقته بالخلق ، بمعنى يا عبادي منكم الصدق ومني العدل ، تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم ، هناك آيات جامعة مانعة ، والله هناك آيات تحتاج لشرحها يومين أو ثلاثة ، كلام الله لا تنقضي عجائبه ، هناك الكثير من الأشياء الدقيقة يكون فهمها سابقاً ؛ تعالوا - أنا أستاذ لغة عربية - مثلاً فعل أمر مبني على حذف النون ، ولكن لا يخطر في بالنا أن معنى تعالوا : اصعد إلينا ، أنت غارق في وحل البشر ، اصعد إلى وحي السماء ، هناك كثير من القضايا :

﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)﴾

[سورة القصص]

 قرآن ، الوجه هل هو ذات الله ؟ لا ، كل شيء هالك ، أكبر معمل تنتهي الدنيا ينتهي المعمل ، أكبر معمل في الأرض ، أكبر بناء ينتهي ، أما هنا (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) إلا عمل ابتغي به وجه الله ، معنى سياقي ، لدينا في البلاغة معنى سياقي ، وسباقي ، ولحاقي.
المذيع :
 دكتور لماذا نُقبل في رمضان على قراءة التعبد أكثر من قراءة التدبر ، ما الذي يعيننا على أن نقرأ القرآن قراءة تعبد أكثر من قراءة التدبر حتى لو قرأنا صفحة واحدة وليس كله؟

حق تلاوة القرآن :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 التعبد أريح لنا ، أما التدبر ففيه سؤال ، ثلاثمئة وستون آية في كل آية : يا أيها الذين آمنوا ، كل آية تحتاج إلى جلسة ، هل أنت كذلك ؟ لذلك :

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِه أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)﴾

[سورة البقرة]

 ما حق التلاوة ؟ أن تقرأه قراءةً صحيحة وفق قواعد اللغة ، لو قلت في الصلاة : إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ ، قراءة باطلة .
 قراءة القرآن قراءة صحيحة ، ثم مجوّدة إن أمكن ، ثالثاً : فهمه ، رابعاً : تدبره .

الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله :

 أنا لدي آيات كونية تفكر ، آيات تكوينية نظر ، آيات قرآنية تدبر ، والآيات هي القنوات السالكة إلى الله ، والدليل :

﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[سورة الجاثية]

 الكونيات تفكر :

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾

[سورة آل عمران]

 وأفعاله نظر :

﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)﴾

[سورة النحل]

 آية ثانية :

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[سورة الأنعام]

 الأولى للترتيب على التراخي ، والثانية على التعجيل ، والقرآنية تدبر ، القنوات الثلاثة الوحيدة السالكة لمعرفة الله هي الآيات ، كونية ، تكوينية أفعاله ، قرآنية كلامه .
المذيع :
 بارك الله فيكم فضيلة الدكتور ، ورد حديث عن بعض الصالحين قالوا : عندما يبدؤون القرآن يجهزون أنفسهم لتلاوته ، ومنهم ذكر هذا الدعاء قال : عندما يبدأ بقراءة القرآن أو قبل أن يبدأ يقول : اللهم عظم رغبتنا في القرآن واجعله نوراً لأبصارنا ، وشفاءً لصدورنا ، وذهاباً لهمومنا ؛ اللهم جمّل به وجوهنا ، وزيّن به ألسنتنا ، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، عندما كانوا يريدون أن يبدؤوا بتلاوة القرآن الكريم كانوا يهيئون أنفسهم وكأنهم مقبلون على شيء عظيم .

الدين الإسلامي للجميع مصمم من عند الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله شيء جميل جداً ، القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ، الكون قرآنٌ صامت ، والقرآن كونٌ ناطق ، والنبي الكريم قرآن يمشي ، ما لم ير المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم لا يندفعون إلى التطبيق ، نحتاج مثلاً أعلى معاصراً يعيش معنا ، ظروفنا ، ضغوطنا ، إغراءاتنا ، الشخصية الإسلامية المعاصرة أقوى في التأثير من التاريخية ، ماذا لدينا ظروف سلبية إيجابية عاشها وانتصر عليها :

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[سورة الكهف]

 النبي بشر ، لكنه انتصر على بشريته ، وسما بنفسه إلى الله ، هذا الدين للجميع من دون استثناء ، مصمم من عند الله ، وكل إنسان يتوهم أنه فوق طاقته يكذب القرآن بقوله تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) .
المذيع :
 دكتور هل تسمح لنا فقط أن نأخذ سؤالين من الإخوة الحضور الذين رفعوا أيديهم ، لا نريد أن نأخذ كثيراً من وقتك ، لأن وقتك ثمين .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا في خدمتكم . . .
المذيع :
 تداخل الدكتور بلال يرفع يده ، تفضل دكتور بلال .
الحضور :
 مساء الخير ؛ أعطاكم الله العافية جميعاً ، فضيلة الشيخ بارك الله فيك على هذه المحاضرة القيّمة التي تسعدنا ، عندما بدأت في المحاضرة قلت : الرجال قوامون على النساء ، التفسير إذا تكرمت ؟

القوامة قيادة حكيمة لأن المرأة والرجل متكاملان وليسا متساويين :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 القوامة أولاً لا غلاظة ، ولا سيطرة ، وليست تحكماً ، القوامة قيادة حكيمة ، القوامة الهو عز وجل جعل المرأة والرجل متكاملين لا متساويين ، هو قراره حكيم ، قيادته فيها قوة ، هي لديها عاطفة ، هو يسكن إلى عاطفتها الجياشة ، وهي تسكن إلى قيادته الحكيمة ، هما متكاملان ، ونحن عندما نلغي المساواة المطلقة بينهما نكون قد أفلحنا ، لها خصائص ، خصائص المرأة الجسمية ، والنفسية ، والفكرية ، والاجتماعية ، كمالٌ مطلقٌ للمهمة التي أُنيطت بها ، وخصائص الرجل الفكرية ، والجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمال مطلق للمهمة التي أُنيطت بها ، للتوضيح ، إذا كان لديك خمسون راكباً تريد نقلهم إلى العقبة في العيد تحتاج إلى بولمان ، لديك خمسة أطنان من الإسمنت تحتاج إلى شاحنة ، أيهما أفضل ؟ كلمة ليس لها معنى ، لنقل الإسمنت تحتاج إلى شاحنة ، فالله عز وجل أعطى لكل طرف خصائص يتميز بها تناسب حياته ، فلذلك المرأة كالرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، مكلّفةٌ كما هو مكلّف ، مشرفةٌ كما هو مشرّف ، مسؤولةٌ كما هو مسؤول ، ولكن من حيث الخصائص ، خصائص المرأة الجسمية ، والنفسية ، والفكرية ، والاجتماعية ، كمالٌ مطلقٌ للمهمة التي أُنيطت بها ، وخصائص الرجل الفكرية ، والجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمال مطلق للمهمة التي أُنيطت بها ، ولا تقل المرأة عن الرجل من حيث الكرامة ، والحقوق ، والواجبات .
المذيع :
 سؤال آخر أستاذنا العلّامة الأستاذ عيسى عبيسات ، تفضل أستاذ عيسى .
الحضور :
 تشرفنا دكتور بهذه المحاضرة القيّمة ، وبهذه المعلومات القيّمة من حضرتك ، أنا من خلال كلامك ومحاضرتك التي هي محاضرة عن العلم ، أريد أن أستفسر ؛ ذات مرة هناك شيخ من شيوخ الدعوة ، يقول لي : أنا أدرس الدبلوم وعندما أكمله أريد أن أتوقف عن العلم وأقضي وقتي لله ، نحن لله لا نختلف وكل حياتنا لله ، ولكن هل يجوز أن يوقف علمه وهو طالب شريعة، أنت طالب دبلوم ، بالطبع علمك ليس كعلم طالب البكالوريوس ، فأنا عندما نصحته قال لي : أريد أن أعتكف في المسجد ، وأفرّغ وقتي لله ، فهل هذا كلامه صحيح أم لا ؟

العمل الصالح ثمن الجنة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اسأله : ماذا يعني لله ؟ إذا اعتزل الناس وجد العمل الصالح ؟ لأن العمل الصالح ثمن الجنة ، البطولة أن تكن مع الناس في سرائهم وضرائهم ، كن موجهاً لهم ، مساعداً لهم :

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾

[سورة الأنعام]

﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[سورة المؤمنون]

 العمل الصالح ثمن الجنة ، هذا يحتاج إلى مجتمع ، لو أن شخصاً اعتكف هذا أصبح عابداً ، أما العالم فيعيش مع الناس ، يحمل هموم الناس ، يعيش مشكلاتهم ، يضع حلولاً، الأنبياء هل يوجد نبي بقي لوحده ؟ لو بقي النبي في الغار هل يصبح نبياً ؟ الغار مرحلة، لابد من أن تعيش مع الناس ، أن تعيش همومهم ومشكلاتهم ، لا أن تغرق في وحلهم ، لدينا وحل ، ولدينا برج عاجي ، وبرج عاجي أخلاقي ، هناك برج عاجي فكري هذا ليس له علاقة بالمشكلات كلها ، هذا يعيش أجواءه الخاصة ، لدينا برج غير عاجي ، انخراط بوحل البشر ، نحن نحتاج إلى برج عاجي أخلاقي ، أن تترفع عن سقطات الناس ، وأن تعيش في برجٍ أخلاقي.
الحضور :
 دكتور طلب أخير لو سمحت ، في هذه الظروف أنت شخص عالم وعلّامة ، وبالطبع أنت مقامك عند الله كبير ، أرجو أن تدعو لنا أن يفك رب العالمين عنا هذه الجائحة وأن يفرج علينا جميعاً .

فيروس كورونا جند من جنود الله ليحثنا على العودة إليه سبحانه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا كان هناك دولة عظمى ، ودولة تناوئها ، ترسل لها رسالة ، عرض عسكري مثلاً، طيران وصواريخ ، هذه الرسالة من الله لأهل الأرض قاطبةً :

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[سورة طه]

 لأن الناس غرقوا في وحل الأرض ، مصالح وشهوات ، لا يوجد مبادئ ، ولا يوجد قيم ، والأقوياء يتحكمون بالضعفاء ، الله أرسل رسالة مفادها : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14))

، الله عنده خيارات لا تعد ولا تحصى ، أكبر حاملة طائرات في العالم فيها خمسة آلاف عنصر ، فيها سلاح نووي ، يرسل قائدها إلى رئيسه : أنقذنا الموت يومياً من هذا الفيروس ، ما هذا الفيروس ؟ إنه جند من جنود الله ، ولكن هذا لا يتحرك إلا بمشيئة الله ، لو أن الله عز وجل تركنا له يوجد نقص في الألوهية ، إليه يرجع الأمر كلُّه فاعبده وتوكل عليه ، لو أسلمك إلى غيره ولو كان فيروساً لا يستحق أن تعبده ، ولكن يوجد حساب دقيق ، إليه يرجع الأمر كلُّه ، أي أمر في القارات خمس من آدم إلى يوم القيامة يرجع له ، متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، إليه يرجع الأمر كلُّه ؛ لأنّ الشرك بالله الخفي يعمل إحباطاً شديداً ، لا يتخلى عن عباده المؤمنين ، ولا عن عباده الصادقين ، ولا عن الذين ينفعون أهل الأرض ، كله في حسابه .
المذيع :
 دكتورنا الفاضل سؤال أخير من الدكتورة بتول الطراونة ، وبعدها إن شاء الله كلمة ختامية لأستاذنا الدكتور سليمان الصرايري عميد شؤون الطلبة ، دكتورة بتول الطراونة سؤال ثم ننتقل إلى أستاذنا سليمان ، تفضلي دكتورة بتول .
 يظهر أن هناك مشكلة في النت ، دكتور سليمان الصرايري عميد شؤون الطلبة ، كلمة ختامية في هذا اللقاء إذا تكرمت .

خاتمة وتوديع :

الدكتور سليمان الصرايري :
 حقيقة الشكر متواصل إلى كل القائمين على هذه الحلقة النقاشية ، وعلى رأسها شيخنا الجميل الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وأيضاً أشكر أخواننا وزملاءنا في المركز ، الذين قدموا كل يد العون والمساعدة لمركز القدرات الذاتية للتدريب والاستشارات ، أيضاً أشكر أخانا المقدم الموجود دائماً في المقدمة ، ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن نعود إلى مؤسساتنا ، وإلى طلابنا ، وطلابنا يعودون إلينا في جامعاتنا ، حتى نستطيع أن نتشرف ونسمع ، ويكون هناك من الحضور الكبير من أجل الإفادة والاستفادة ، أعطاه الله الصحة والعافية حتى يفيد ...
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ملاحظة ، هذا موقعي في الانترنت ، يدخله في اليوم مليونا زائر ، فيه عشر لغات، ويتجدد يومياً ، هذا بين أيديكم ، على سبعة مقاسات للآيباد ، والهواتف كلها ، وكل الحواسيب ، هذا عشرون ألفاً من ستة مليارات موقع ، بما فيها جوجل ، هذا بين أيديكم ، فيه عشر لغات .
المذيع :
 نعيد الرابط أنا أتمنى ذلك ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 موسوعة النابلسي فقط ، وأنت تركب مركبتك تستطيع أن تسمع درساً بكامله من الموسوعة الصوتية ، وأنت تحضّر موضوعاً مهماً جداً تفتح موسوعة النصوص ، يوجد ملف للتعديل ، وملف ليس للتعديل ، وكله بالمجان ، بارك الله فيكم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور