وضع داكن
16-04-2024
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 17 - أفضل العبادات
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم على النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ مستمعينا الكرام أهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا السلام عليكم ومرحباً بكم ، حياكم الله شيخنا الكريم وأهلاً بكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم هذه الإذاعة الكريمة .
المذيع :
 جزاكم الله عنا أفضل الجزاء ، أفضل العبادات عنوان هذا اللقاء ، هل هناك مستمعينا الأكارم عبادات أفضل بأجورها أو بمنزلتها عند الله عز وجل من عبادات أخرى ؟ وهل للزمان دور بذلك ؟ فعبادات معينة في زمان معين هي خير من غيرها ، حول هذا تدور حلقتنا مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، السؤال العام لهذه الحلقة هل هناك تمايز وتفاضل بين العبادات بل كلهم سواء ؟

العبادة علة وجود الإنسان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 لابد من مقدمة العبادة علة وجود الإنسان ، أي سبب وجوده ، غاية وجوده ، لقوله تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[سورة الذاريات]

 العبادة علة وجود الإنسان الأول رتبة ، والمفضل والمكرم بمنهج خالقه ، قال تعالى :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾

[ سورة فاطر]

 الجهة الوحيدة الخبيرة بما يسعد الإنسان وما لا يسعده هو الله عز وجل ، فإذا خضعت لمنهج خالق السماوات والأرض ضمنت السلامة والسعادة والاستدامة ، فالبطولة والنجاح والتفوق أن تخضع لتعليمات الصانع ، وأبسط دليل اقتنيت مركبة غالية جداً ، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، فإذا فهم هذا التألق من قبل صانع المركبة أنه تألق تحذيري يوقف المركبة ويضيف الزيت ، أما إذا فهمه خطأً تألقاً تزيينياً احترق المحرك ، كنت بحاجة إلى لتر زيت صرت بحاجة إلى محرك جديد ، فالبطولة والذكاء والنجاح والتفوق أن تخضع لتعليمات الصانع حرصاً على سلامتك وسعادتك واستمرارك .
 في الأرض الآن ثمانية مليارات إنسان ما فيهم واحد يتمنى المرض ، ولا يتمنى القهر، ولا يتمنى الفقر ، بل يتمنى السلامة والسعادة والاستمرار ، وهذه الأهداف الكبرى لكل إنسان على وجه الأرض لا تتحقق إلا إذا خضعت لتعليمات الصانع ، هذه من مسلمات الحياة .

العبادة نوعان ؛ تعاملية وشعائرية :

 لذلك العبادة نوعان ، عبادات تعبدية ؛ كالصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة ، وعبادات تكوينية ، عبادات في المعاملات أي الإنسان ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية أولاده ، من يعاشر ، من يصاحب ، الحرفة التي يختارها ، مئات البنود ، فإذا اخترت تفاصيل حياتك وفق منهج الله في زواجك ، وفي إنجابك ، وفي تربية أولادك ، وفي اختيار حرفتك ، وفي اختيار طريقة معاملاتك ، وفي موقفك من الطرف الآخر ، بنود تفصيلية أنا أقول بالعبارة الموجزة تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية ، فأنت السالم والسعيد والمتألق والمتفوق والناجح والرابح ، لكن يوجد مفهوم قبل أن نتابع ، مفهوم النجاح والفلاح ، النجاح أحادي ، قد تنجح بجمع المال ، أو قد تنجح باعتلاء منصب لمدة طويلة ، أو أن تنجح في صحتك ، أما الفلاح فشمولي ، أن تنجح مع الله معرفة وعبادة وطاعة ودعوة ، أن تنجح في اختيار زوجتك ، أن تنجح في بيتك ، أن تنجح في عملك ، مجموع هذه النجاحات يشكل فلاحاً ، ولم ترد في القرآن ولا مرة كلمة نجاح ، بل ورد الفلاح قال تعالى :

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾

[ سورة البقرة]

 الآن علة وجودنا الوحيدة العبادة ؛ عندنا عبادات شعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة ، وعندنا عبادات تعاملية ، التعاملية بالمئات بل بالألوف ، بنود حياة متعددة جداً ، تفاصيل الحياة ، اختيار الزوجة ، تربية الأولاد ، خروج البنات ، الأجهزة في البيت، يوجد أجهزة منضبطة ، وأجهزة مفتوحة ، السهرات ، اللقاءات ، النزهات ، المؤمن يطبق منهج الله في كل تفاصيل حياته ، ماذا يكسب ؟ سلامة وسعادة وتألقاً واستمراراً ، والموت عند غير المؤمن نهاية كل شيء ، ينتهي الغنى عند الموت ، والقوة عند الموت ، والتألق عند الموت ، إلا أن المؤمن الموت نقطة في طريق تألقه المستمر ، فالبطولة أن تعرف الله ، أن تعرف منهجه ، أن تطيعه .
المذيع :
 في ظل هذا الكلام وهذا التأصيل للعبادات ، ولخلق الإنسان ، وشقيها التعاملي بين الناس ، والشعائري في العبادات مع الله ، هل هناك فضل لعبادة على أخرى ؟ مثلاً هل الصلاة أجرها يفوق القرآن أو أن الصيام أجره يفوق الذكر والدعاء أم لا يوجد هذا التفضيل بين العبادات؟

لكل عبادة وظيفة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 كل عبادة لها وظيفة ، أنت إذا كان عندك خمسة أمتار مكعبة من الرمل ، تحتاج إلى شاحنة ، إذا عندك عشرة ركاب تحتاج إلى باص ، أيهما أفضل ؟ لا يوجد أيهما أفضل ؟ كل موقف له عبادة خاصة ، هذه حياة متشعبة ، أنت بحاجة إلى علاقة مع الله إذاً إلى الصلاة ، بحاجة إلى علاقة مع من حولك تحتاج إلى فهم اجتماعي ، علاقتك مع الآخرين ، الصدق والأمانة والتلطف والتراحم ، فكل جانب له عبادة خاصة ، عبادات متنوعة ، عندنا عبادات شعائرية ؛ كالصلاة والصوم والحج والزكاة والنطق بالشهادة ، وعندنا عبادات تعاملية ، أخطر شيء بحياة الإنسان اختيار زوجته وحرفته ، لأنهما ملتصقتان به طوال حياته ، فبطولة الإنسان أن يختار زوجة صالحة ، تسره إذا نظر إليها ، تحفظه إذا غاب عنها ، تطيعه إن أمرها .
 اختار حرفة فيها عطاء للناس ، يوجد ملهى له دخل فلكي ، وحرفة دخلها أقل ، لكن فيها نفع للناس ، مع هذه الحرفة الشريفة لك مع الله خط ساخن ، أما الحرفة المنحرفة فتنقطع عن الله عز وجل ، أذكر أن هناك ملهى في الشام ضخماً جداً ، عند صاحب هذا الملهى ابنتان ، البنت لا تأكل من مال أبيها ، تعمل معلمة في قرية ، وتأكل من مالها ، تؤمن أن مال أبيها حرام، البطولة أن يكون المال حلالاً ، والبطولة أن يكون وفق منهج الله ، إن كنت وفق منهج الله أنت في حفظ الله ، في رعاية الله ، في توفيق الله ، في سعادة لا توصف ، لو كشف الغطاء هذا الذي يطيع الله أسعد إنسان .

اللذة والسعادة :

 الآن اللذة غير السعادة ، اللذة حسية تحتاج إلى وقت وإلى مال وإلى صحة ، ولحكمة بالغة بالغة في البدايات لا يوجد مال يوجد صحة ووقت ، في الوسط لا يوجد وقت يوجد مال وصحة ، في النهاية يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة ، هذه الدنيا لا تصفو لإنسان ، ما سمح الله لها أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة ، سمح لها أن تمده بلذة آنية منقطعة ، أما السعادة فأن تنعقد لك مع الله صلة ، لأن الله أصل الجمال والكمال والنوال ، اتصلت بالرحيم أنت رحيم ، بالحكيم عندك حكمة ، بالعدل عندك إنصاف ..
 أحياناً يكون أب يوجد عنده ابنتان مثلاً إحدى البنتين زوجها غني جداً ، والثانية زوجها فقير جداً لكنه مستقيم ، لو احتفل بالغني وقع الأب في خطأ كبير ، أما حينما يعدل بينهما فيحس بسعادة لا توصف ، بل إذا كرم المستقيمة المحجبة ، الصادقة الأمينة ، المصلية الصائمة، وعامل الأخرى معاملة لا يبعدها عنه لكن لا يميزها على الفقيرة ..
المذيع :
 شيخنا في العبادات الشعائرية بين العبد وبين ربه الأحكام الشرعية والفرض والسنة ، الآن الفرض هو فرض أمر الله كل مسلم ذكراً أو أنثى أن يقوم به كالصلوات الخمس والصيام والحج من استطاع إليه ، الآن هذه الفريضة على الجميع ، الآن نتحدث عن الشق الآخر عن النوافل عن الأعمال الصالحة كالقرآن ، كقيام الليل وما شابه ، هل كل الناس تستطيع أن تقوم بكل هذه العبادات دكتور أم يفتح الله على البعض في أبواب ما ويغلق في أبواب أخرى ؟

من أدى الصلاة بفرائضها وسننها ومحسناتها يكون قد أدى العبادة كاملة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عندنا حد أدنى وحد أقصى ، من صلى الفرائض أدى الذي عليه ، لكن من صلى السنن ، مرة أنا كنت في سفر ، وجدت صاحب المركبة يشغلها قبل أن تمشي ، كأن السنة القبلية هيأت نفسك للصلاة .. عندنا سنة قبلية وسنة بعدية من أجل صحة الفريضة يوجد تأهيل ويوجد خروج بهدوء من العبادة ، الحكم الإلهية دقيقة جداً ، الإنسان إذا أتم الصلوات بفرائضها وسننها ومحسناتها يكون قد أدى العبادة كاملة ، لكن يوجد أحوال صعبة بسفر معين ، إقلاع طائرة ، قد تكتفي بالفريضة لسبب طارئ وليس دائماً .
المذيع :
 أحياناً بعض الناس يفتح عليه مثلاً في الصلاة يصلي العشاء ، ويقيم ما فتح الله عليه من الليل ، ويصلي صلاة الضحى ، والبعض الآخر بالكاد يصلي الفريضة ، لكن هذا الذي بالكاد يصلي يفتح عليه بكثرة الذكر والتسبيح ، وصاحب القيام ليس من أهل الذكر ، هل يمكن أن نفسرها بأن الله يفتح بعض الفرائض في السنن والنوافل على الناس في عبادات ما ؟

بطولة الإنسان أداء العبادات مع الأولويات :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 سوف أعطيك جواباً من صحابي جليل ؛ ابن عباس كان معتكفاً في رمضان في مسجد رسول الله فإذا به يرى إنساناً كئيباً ، قال له : مالي أراك كئيباً ؟ قال : ديون لزمتني لا أطيق سدادها ، قال : لمن ؟ قال : لفلان ، قال : أتحب أن أكلمه لك ؟ قال : إذا شئت ، الآن ابن عباس الصحابي الجليل في مسجد النبوة وفي رمضان ، فقال له أحدهم وأنا أسميه فضولياً : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ قال : لا والله ، ولكنني سمعت صاحب هذا القبر ، والعهد به قريب ، ودمعت عيناه ، "والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا ". عنده أولويات ، يوجد عبادة ويوجد معاملة ، يوجد عبادة ويوجد إكرام إنسان مضطرب ، يوجد عبادة ويوجد عمل صالح ، يوجد عبادة ويوجد نشر دعوة ، لا بد من فهم الأولويات في حياتك ، العبادة عبادة ، يوجد شخص يحتاج نصحك ، يحتاج إلى إلقاء درس في جامع ، يحتاج إلى زيارة هذا الابن في بيته لخلاف مع زوجته على وشك الطلاق ، فلا بد من إدراك الأولويات في الحياة ، فالبطولة لا بأداء العبادات فقط ، بل بأداء العبادات مع الأولويات ، من هنا إصلاح ذات البين هذه عبادة ، خلاف بين زوجين عنده خمسة أولاد ، لا يوجد وقت لدي لأحكم بينهما ، هذه أهم من أي عبادة مثلها ، أفضل من أي عبادة نفل أن تصلح بين اثنين ، لابد من سلم الأولويات .
المذيع :
 هنالك نصوص كثيرة تتحدث عن فضائل العبادات ، سرور تدخله على مسلم من أحبّ الأعمال إلى الله ، كل حرف من القرآن بعشر حسنات ، والله يضاعف لمن يشاء ، أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، أعنِّ على نفسك بكثرة السجود ، يحتار الإنسان أيها أفضل حينما يسمع هذه النصوص ، كيف يفترض ؟ ممكن نتوسع حول هذا الموضوع ، هناك نصوص شرعية تتحدث عن فضائل العبادات ، هناك نصوص تحث على الصلاة والصيام يحتار الإنسان أي عبادة يغتنمها ، كيف نوازن بين هذه الفضائل دكتور ؟

الاستمرار صفة أساسية للعبادة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أهم نقطة في هذا اللقاء الطيب :

(( عن عائشة رضي الله عنها : سَدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَمُوا أنْ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ))

[البخاري]

 العمل الدائم يعمل حالة اسمها التراكم ، أما إنسان جاءته ومضة وتابع حياته غير المنضبطة ، لابد من استمرار ، الاستمرار صفة أساسية للعبادة ، صلواته مستمرة ، قد يتألق بالصلاة والصلاة الثانية غير متألق ، لكن هو أدى الصلاة ، بقي له خط ساخن مع الله ، مادمت أنت في طاعة لك مع الله خط ساخن ، من هذا الخط تستمد الهدى ، التوفيق ، الحفظ ، كل ثمار العبادات تأخذها إذا استمرت العبادات ، استمرار فيه تألق ، وفيه فتور ، ولكن لا يوجد معصية ، الإنسان بين التألق وبين الفتور ، أما غير المؤمن فبين الطاعة والمعصية ، عندما عصى انقطع عن الله عز وجل وفقد الثقة ، فلابد من الاستمرار ..

(( عن عائشة رضي الله عنها : سَدِّدُوا وقارِبُوا، واعْلَمُوا أنْ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها وإنْ قَلَّ))

[البخاري]

 هذا يحقق التراكم ، من دون تراكم لا يوجد عبادة .
المذيع :
 أنت تشير شيخنا أن كل عبادة لها أثر نفسي على الإنسان ؛ القرآن ، الدعاء ، الذكر، إذا حافظ على هذه العبادة قطف هذه الثمار النفسية ؟

لكل عبادة أثر على الإنسان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نوّع العبادات لا يوجد مانع ، قراءة قرآن يومية ، قيام ليل ، ركعتان قبل الفجر ، دقق:

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))

[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]

 أي أعظم وقت الله عز وجل ينتظرنا لحل مشكلاتنا :

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))

[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]

 أي قبل الفجر بنصف ساعة :

(( إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم إلي السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ حتى يطلع الفجر))

[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة]

 ما قولك ؟ خالق الأكوان ، رب العالمين ، رب الأرض والسماء ، بيده كل شيء ، بيتك بيده ، أولادك بيده ، الأقوياء بيده ، الطغاة بيده ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ؟ كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ إذا الله معك يخدمك عدوك دون أن يشعر ، وإن لم يكن معك تطاول عليك أقرب الناس إليك .
المذيع :
 شيخنا نحن على أبواب العشر من ذي الحجة هذه الأيام المباركة ، والتي نسأل الله عز وجل أن يبلغنا هذه الأيام ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام ، يعني أيام العشر، قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ))

[ البخاري عن ابن عباس ]

 ما الذي يمكن للإنسان أن يختلف في حياته حتى يغتنم هذا الزمان المبارك ؟

من وصل إلى الله وصل إلى كل شيء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الحقيقة يوجد عبادة مستمرة ؛ صلوات خمس ، غض بصر ، ضبط شاشة ، هذه عبادات مستمرة على مدى العام ، لكن رمضان شهر استثنائي ، فيه ترك الطعام والشراب ، فيه ترك الحلال ، هذا إكرام لله ، أنت في البيت في أيام شهر آب ، والحر لا يحتمل ، ولا يوجد أحد معك إطلاقاً ، لا تقدر أن تضع في فمك قطرة ماء ، هذه عبادة تؤكد لك حبك لله ، تؤكد لك إيمانك بوجوده ، أنت في البيت وأمام البيت بناء ، والبناء فيه شرفة ، خرجت امرأة متفلتة في لباسها ، هل تستطيع أن تملأ عينيك من محاسنها كمؤمن ؟ لا تقدر ، تغض بصرك ، من يراك إلا الله ؟! هذه عبادات تعاملية تؤكد إيمانك بالله عز وجل .
 قال لي أخ : سافرت إلى المغرب بمؤتمر ، دخل إلى فندق خمس نجوم ، سمع ضجيجاً بساحة الفندق ، راقصة ترقص فأغلق الستار من يراه وحده ؟ الطاعة لله عز وجل تعطيك ثقة بأن الله يحبك ، وإذا أحبك الله ملكت الدنيا والآخرة ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ...

فلو شاهدت عيناك من حسننـــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطــابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولو ذقت من طعم المحبــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمت غريبــاً واشتياقــــــــاً لقربــنــا
فما حبنا سهل وكل من ادّعـــــى  سهولته قلنا له : قــــد جهلتنـــــــــا
***

 النقطة الدقيقة جداً أنت إذا وصلت إلى الله وصلت إلى كل شيء .. ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ..
 وإذا استطعت أن تحصل على صلة بالله ولم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني أنا أتحدى أن يكون وضعك بخلاف ذلك .
المذيع :
 سنأخذ مجموعة من المشاركات ثم نأخذ مقترحاً بأن يزيد بأيام العشر من ذي الحجة من أعماله الصالحة سواء بالعبادات التعاملية أو الشعائرية ...
معنا اتصال داود تفضل ..
 يوجد حديث عن رسول الله : امرأة مهنتها غير جيدة سقت كلباً ، دخلت الجنة ، وامرأة صوّامة قوّامة حبست قطة ما أطعمتها إنها في النار ، كان كفار قريش يحترمون الأشهر الحرم ويوقفون القتال فيها ، نحن نقاطع أخواننا ، الحالات الاجتماعية بيننا غير جيدة ، تعاملنا مع بعض على أتفه الأسباب نقاطع بعضاً ، والله سمى قطيعة الرحم بالفساد ، إذا دعي الله وحده لا نعبده ، وإذا دعي أي شيء ثان نعبده ، لا نعطي حقوقاً ولا واجبات ولا نحترم بعضاً ..

على الإنسان أن يعطي كلّ ذي حق حقه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم . والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ))

[ أخرجه الإمام أحمد عن شداد بن أوس ]

 يصلي والكعبة صورتها بأحلى مكان ، ومعه سبحة وعطر ، هذه كلها لا تقدم ولا تؤخر ، ضبط الشاشة ، ضبط اللسان ، ضبط الدخل ، ضبط الإنفاق ، تربية الأولاد ، هذه أشياء ترقى بها عند الله ، هذا ابنك من له غيرك ؟ إذا لم يصلِّ ، فقط كتب وظيفته ، صلى العشاء ؟ إذا ما اهتممت بدينه ، اهتممت بمستقبله ، ما أعنته على أن يستقيم على أمر الله ، ما وجهته ، ما نصحته ، ما جلست معه ، ماذا يقول لك ؟ خرجت من البيت قبل أن يستيقظوا وعدت بعد أن ناموا ، أنت لم تعد أباً إذاً ، لا بد من جلسة مع أولادك ، كل يومين مرة ، تسأله عن أحواله ، عن ماذا تكلم الأستاذ ، لعل أستاذه أستاذ ملحد ، أعطاه معلومات كلها غلط ، فأنت أب ، لذلك أنا كنت مرة في أمريكا بعهد كلينتون ، قلت كلمة يمكن أعدتها ألف مرة : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض كرئيس أمريكا ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وارتقيت إلى أعلى مرتبة ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس . ابنك استمرارك ، الذي يهمل أولاده أهمل نفسه ، شقي بشقائهم ، مستحيل أن تسعد وهم أشقياء ، فلذلك يجب أن تؤتي كل ذي حق حقه ، الزوجة لها حق ، والأم لها حق ، والابن له حق ، والبنت لها حق ، أحياناً يكون هناك ظلم شديد ، تكلمت قبل قليل زوجة زوجها غني كبير ، وله وجاهة كبيرة ، يُعتنى بها عناية فائقة ، والأخرى زوجها صاحب دين ، لكن مرتبته أقل تهمل ، تموت من القهر ، عندما يكون هناك عدل ، إنصاف ، رحمة ، تَسعد وتُسعد ، العدل اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ، العدل بين البنات ، بين الأولاد ، بين الأقرباء، له أخت لا يهتم لها إطلاقاً ، بعيدة في طرف المدينة ، وزوجها فقير ، الأخت الغنية كل يوم عندها ، محترمة ، مبجلة ، هذا ظلم ما بعده ظلم ، لذلك عندما يكون هناك ظلم يوجد حجاب عن الله عز وجل ، مادام هناك حجاب فهناك خطأ ، وطغيان ، وأكل مال حرام ، وإطلاق بصر ، شاشة مضبوطة ، صلة رحم محققة ، رحمة ، بر والدين ، تزوج نسي أمه نهائياً ، لا يريدها صارت عبئاً عليه ، عندنا أخطاء لا تعد ولا تحصى ، لذلك :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فإذا كنا ملياري مسلم ليست كلمتنا هي العليا ، هذه حقيقة مرة أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع :
 شيخنا نحن على مشارف العشر من ذي الحجة نتساءل ماذا نفعل هل من جدول مقترح ؟

ما يجب على الإنسان فعله في أيام العشر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لابد من حقيقة دقيقة متعلقة بهذا الدرس الطيب ، أول حقيقة : الأقربون أولى بالمعروف ، الأقربون نسباً وسكناً وحاجة ، هذه حقيقة بالعمل الصالح بهذه الأيام .
الشيء الثاني : أفضل المعروف إغاثة الملهوف .
 الشيء الثالث : ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر ، هذه ثلاث حقائق متعلقة بهذا الدرس ، لكن نحن بهذا الموسم نصلي قيام الليل كل يوم ولو قبل الفجر ، نقرا القرآن كل يوم ، نضبط الشاشة ضبطاً شديداً جداً ، الشاشة أكبر خطر على إيمان الإنسان ، إذاً ضبط الشاشة وقيام الليل وقراءة القرآن وغض البصر .
المذيع :
 شيخنا طالما يتبادر على ذهن الإنسان في هذه الأيام أيام العشر أن يصوم وأن يكثر من القرآن والذكر ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الصيام أكمل ، أكمل شيء صيام عشرة أيام ، أما هو مقبول كحد أدنى صيام يوم عرفة ، هذا يوم عرفة كأنه صار واجباً ، أما الأكمل فصيام عشر أيام ، صعب على الناس ، صيام عرفة هذا حد أدنى ، الأقصى أيام العشر ، أو الاثنين والخميس وعرفة مثلاً ، أو عشرة أيام وعرفة ، أو عرفة فقط ، الصيام حسب وضع الإنسان .
المذيع :
 يتبادر إلى ذهن الإنسان هذه العبادات اعتاد عليها لكن ذكرتم قبل قليل عبادة لا نسمع عنها كثيراً يمكن أن تكون لها أجور مضاعفة ، كصلة الرحم ، جبر خاطر إنسان .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا يوجد عبادة أقرب لله من صلة الأرحام ، له أخت من لها غيره ؟ بطرف المدينة أكبر عبادة قال تعالى :

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ﴾

[ سورة الأنفال]

 هذه العبادة ، ذات بينكم العلاقة البينية ، له أخت ، الأخت التي زوجها غني كل يوم عندها ، الأخت الفقيرة ينساها بالشهر مرة ، أتمنى العدل بمعاملة الأخوات المتزوجات ، العدل مع الأولاد ، ابن أخذ نصف ثروة والده ، والثاني لم ينل شيئاً ، قد يكون الأول أذكى منه ، وإذا كان أذكى لا علاقة لهذا الذكاء ، له علاقة بالعدل :

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ﴾

[ سورة الأنفال]

 العلاقات البينية ، هذا الإسلام عظيم ، يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، أما أقرب شيء لك والداك ، وزوجتك ، وأولادك .
المذيع :
 في أيام العشر يقول الإنسان : أنا نويت الصيام ، أنا سأختم القرآن ، أنا اليوم سوف أصل رحمي ، سوف أغيث ملهوفاً ، أجبر بخاطر إنسان .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يغلب على ظني أن صلة الأرحام أقوى بكثير ، إنسان مكسور بحاجة ، عفواً يكون زوجها موظفاً بسيطاً ، وأخوها وضعه المادي جيد جداً ، ينساه بالسنة مرة ، زرها من حين لآخر، والله قال لي أحدهم : زرت أختي ما انتبهت لها ، تسكن في قبو فيه رطوبة ، أولادها معهم التهاب مفاصل ، أخذ لها بيتاً في الطابق الثالث ، قال لي : شعرت بسعادة لا توصف ، عفواً عندنا عبادات عظيمة جداً مسخت إلى زيارة بالعيد فقط ، وتتمنى ألا تجدها ، تضع لها بطاقة ، البطولة أن تصلها ، تتفقد أولادها بحاجة إلى معاونة ؟ تتفقد زوجها بحاجة إلى دعم ؟ تتفقد صحتها بحاجة إلى تحليل غال ؟ هذه البطولة ، أساساً علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، والدليل الإنسان عندما يشارف الموت :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

 وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ..
المذيع :
 نختم الحلقة بالدعاء .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنةً مطمئنة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور