وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 15 - يوم الرجوع
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلِّ وسلم ، وأنعم وأكرم على النبي المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، السلام عليكم مستمعينا الأكارم أينما كنتم على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm ، في حلقة جديدة من مجلس العلم والإيمان نتتلمذ فيها على يدي فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم شيخنا الكريم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 أكرمكم الله دكتور ، حلقتنا هذه مستمعينا عنوانها : "يوم الرجوع" .
 يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في سورة البقرة في الآية 281 :

﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) ﴾

[ سورة البقرة ]

 اليوم حديثنا عن يوم الرجوع ، نبدأ شيخنا الكريم معكم بالتأصيل الشرعي ، هذه الآية الكريمة حينما أنزلها الله سبحانه وتعالى ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) ما هي مناسبة هذه الآية الكريمة ؟

على الإنسان أن يصطلح مع الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
قبل أن أبدأ :
 " إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله " أن تصطلح مع خالق السماوات والأرض ، مع الذات الكاملة ، مع أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، مع من بيده كل شيء .
 " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء "
 مرة ثانية :
 " إذا رجع العبد إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله "
 " وإذا تاب العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه "

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) ﴾

[ سورة النساء ]

 فلذلك :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾

[ سورة البقرة ]

 وإذا رجع العبد إلى الله أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، إذاً هو ينتظرنا .
 " لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي في المعرضين فكيف بالمقبلين ؟ "
 هو ينتظرنا ، هو يحبنا ، لكن لا يحب عملنا ، كالأب تماماً يحب أولاده حتى لو كان ابنه مقصراً ، لكن يكره عمله .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا ؛ ما المراد بالآية الكريمة : ( وَاتَّقُوا يَوْماً ) أي كيف يكون التقاء هذا اليوم ؟

الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً والمكرم تفضلاً والمكلف محاسبةً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 دقيقة ، الله قال :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 في عالم الأزل ، نحن الآن في عالم الصور ، في عالم الأزل ما كان هناك صور أي شيءٍ هو نفسٌ ، لذلك :

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) ﴾

[ سورة الإسراء ]

 حتى هذه الطاولة التي أمامي ( إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) في عالم الأزل ، قبل عالم الصور ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ) قرآن كريم ، الأمانة أن يترك للإنسان إدارة نفسه والدليل :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾

[ سورة الشمس ]

 أنت حملت الأمانة في عالم الأزل ، فلما حمل الإنسان الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً .
 " ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان " فأنت كإنسان بادئ ذي بدء ، المخلوق الأول رتبةً ، والمكرم تفضلاً ، والمكلف محاسبةً ، أنت مكلف بعبادة الله .

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾

[ سورة الذاريات]

 والعبادة طاعةٌ طوعية ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية ، أساسها معرفةٌ يقينية ، تفضي إلى سعادةٍ أبدية .
 ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ) والسماوات والأرض والجبال تعني الكون ، والكون ما سوى الله ( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) الحيوان قَبِل أن يعبد الله بلا تكليف ، يعبد الله بشهوته بلا تكليف ، والملك يعبده بعقله بلا تكليف ، الإنسان قَبِل حمل الأمانة ، فلما قبل حمل الأمانة كان المخلوق الأول رتبةً ، والمكرم تفضلاً ، والمكلف بعبادته محاسبةً .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ في قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) لو تساءل إنسان ما هو يوم الرجوع ؟ هل هو يوم القيامة ؟

الله تعالى خلقنا ليسعدنا :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 دقيقة ، هو خلقنا لجنةٍ عرضها السماوات والأرض ، خلقنا جميعاً لجنةٍ عرضها السماوات والأرض .

(( عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : شَهِدْتُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجْلسا وصفَ فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))

[أخرجه البخاري]

 لكن تصور أباً أعطى ابنه كل شيء ، الشيء الذي يعطى بلا ثمن لا قيمة له ، جاء بنا إلى الدنيا كي ندفع ، لا أقول ثمن الجنة ، مستحيل ومليار مستحيل ، كي ندفع ثمن مفتاح الجنة ، ثمن مفتاح الجنة العمل الصالح ، لذلك :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾

[ سورة هود]

 خلقهم ليرحمهم ، الآية صريحة ، قطعية الدلالة ( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) وأي كلام آخر خلقنا للعذاب ، للتعب ، هذا الكلام يُركل بالقدم ، خلقنا ليرحمنا ، ليسعدنا في الدنيا والآخرة ، لكن هذا الإنسان لأنه اختار حمل الأمانة صار عند الله المخلوق الأول ، أعطاه الشهوات ، أعطاه العقل ، أعطاه حرية الاختيار .

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) ﴾

[ سورة الكهف]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾

[ سورة الإنسان]

 فإذا نجح فاق الملائكة ، فاق الملائكة كلهم ، وإن لم ينجح كان أحقر من أحقر حيوان ، لا يوجد حل وسط ، إما أن تكون فوق الملائكة ، أو دون أحقر حيوان .
 لذلك : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) خافوا منها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ) يوجد نقطة دقيقة جداً (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) تقرأ قراءةً استفهامية .
 أب عنده عشرة أولاد وهو ملياردير ، قال : لكل ابن بيت ، وسيارة ، وألف دولار شهرياً ، لكن إذا أحدكم درس دكتوراه في أمريكا فرضاً - لأنه عنده معمل - أعطيه نصف المعمل ، وإذا لم ينجح سأضعه في أحقر مكان ، لا يوجد حل وسط .
 إما أن الإنسان فوق الملائكة ، أو دون أحقر حيوان ، هذه هي القصة كلها ، والله عز وجل أعطانا حرية الاختيار ، الآية : ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) لا لم يكن ظلوماً جهولاً ، كان طموحاً ، فإذا جاء إلى الدنيا وغرق بشهواته ومصالحه ، وبنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى حياته على موتهم ، بنى عزه على إذلالهم ، بنى غناه على فقرهم ، بنى أمنه على خوفهم ، صار أحقر من أحقر حيوان .
المذيع :
 شيخنا ؛ من الآية الكريمة يوم الرجوع هو يوم القيامة ؟ يوم الحساب ؟

يوم الرجوع هو يوم القيامة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 طبعاً .
المذيع :
 هو ذاته .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 دقق :

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾

[ سورة الغاشية ]

 والله هذا الشيء أؤمن به بكل قطرة بدمي ، وكل خلية بجسمي ، ما من قطرة دمٍ تراق في الأرض من آدم إلى يوم القيامة ، إلا وسوف يتحملها إنسان كائناً من كان ، إلا دم المقتول بحدّ فيتحمله الله .

﴿ إِنَّ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

 مفهوم العبثية يتناقض مع وجود الله ، الإنسان يكون قوياً ، يبني مجده على أنقاض الآخرين وينجو ؟! هذا شيء من سابع المستحيلات .

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

 هذا الإيمان ، هذه من مسلمات الإيمان ، من مبادئ الإيمان .

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ﴾

[ سورة الزلزلة ]

 مثلاً : أعطوني عملاً لا أحد ينتبه له ؟ قمت لتتوضأ ، في المغسلة نملة تمشي انتظرت حتى تنتهي من صعودها ، ما فتحت الماء وأغرقتها ، هذا العمل محسوب ، كنت تمشي بحديقة ورأيت زهرة صغيرة لم تدوسها ، بقيت تسبح الله ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾

[ سورة الزلزلة ]

 هذا إله عظيم ، عدله مطلق .
المذيع :
 ( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ) سيحاسب الإنسان على كل شيء بدر منه دكتور ؟

محاسبة الإنسان عن كل أعماله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا ثمن الجنة ، دقق : الإنسان إذا واجه الموت ماذا يقول ؟

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون]

 هذه الآية قطعية الدلالة ، معنى ذلك أن العمل الصالح هو ثمن مفتاح الجنة ، ليس ثمن الجنة ، إذا الجنة مثلاً ثمنها مئة مليار مليار مليار حتى ينتهي الدرس ، أنت عملك الصالح بستين أو سبعين سنة يساوي مفتاح الجنة فقط ، الله عطاؤه كبير جداً ، فأعددت لعبادي الصالحين :

(( ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سَمِعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ))

 الإله العظيم ، الذات الكاملة ، أصل الجمال والكمال والنوال يُزهد به ؟ يُعصى ؟ ألا يُخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ تعصي الإله وأنت تظهر حبه .
 أريد أن أقول كلمة أرجو أن تكون دقيقة : ممكن أن نضع بالبيت صورة الكعبة لا يوجد مانع ، لا يوجد مانع بالعكس شيء جميل ، أو صورة المدينة المنورة ، أو آية قرآنية بصدر البيت ، ونضع بالمركبة مصحفاً ، هذه أشياء ليست خطأ إطلاقاً بالعكس شيء جميل ، لكن هي لا تلغي الاستقامة ، الدخل حلال ؟ الإنفاق حلال ؟ يوجد غش بالبضاعة ؟ يوجد مواد مسرطنة؟ صفات كاذبة ؟ نوعية كاذبة ؟ يوجد مليار معصية ، هذه المعاصي بكسب المال ، بإنفاق المال، باختيار الحرفة ، بمعاملة الزوجة ، بمعاملة الأهل ، بمعاملة الأولاد ، بمعاملة الموظف .
 أنا كنت مرة بمحل تجاري ، بائع الأقمشة - كنت أنتظر إنساناً عنده - عنده شاب صغير يعمل عنده أجير ، أعطاه أول ثوب ، الثاني ، الثالث ، قال له : لم أعد أستطيع أن أحمل ، قال له : أنت شاب ، أعطاه الرابع ، أعطاه الخامس للمستودع ، أنا أمامي حمل ابنه ثوباً واحداً ، قال له : بابا إياك ظهرك ، ابنك إياك .
 مرة قال لي أحدهم : عندي يتيم ، قلت له : خير إن شاء الله ، قال لي : طلب مني أن يخرج قبل ساعة من انتهاء الدوام حتى يلتحق بمدرسة ليلية حتى يأخذ الشهادة الإعدادية، قال لي : ما سمحت له إذا أخذ هذه الشهادة أخسره ، ابنك تدفع له مليون ليرة دروساً خاصة ليصير طبيباً ، أما هذا اليتيم فما سمحت له أن يخرج قبل ساعة من المحل التجاري حتى يلتحق بمدرسة ليلية .
 الله كبير ، الله عنده أمراض ، عنده أشياء تهز الجبال ، البطولة أن نعرف الله ، أن نعرف حدودنا ، أن نعرف حدود الله .
المذيع :
 شيخنا الكريم ؛ هل تقوى الله ( وَاتَّقُوا يَوْماً ) يطالب فيها المقصر أم كل الناس ؟ سنتوسع في الإجابة على هذا السؤال مع فضيلتكم ، وكيف تكون النجاة في يوم الرجوع يوم القيامة ؟ لكن بعد فاصلٍ قصير .
 من جديد على الهواء مباشرة عدنا نحن وإياكم عبر أثير حياة fm ، لنواصل حلقتنا مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حديثنا تحت عنوان : "يوم الرجوع" نسأل الله أن يعيننا أن نعود إلى هذا اليوم ونحن نتقي الله سبحانه وتعالى كما أمر .
 شيخنا الحبيب ؛ بدايةً ننوه إلى مستمعينا الكرام الراغبين بطرح مشاركاتهم واستفساراتهم في موضوع الحلقة حصراً .
 شيخنا الحبيب ؛ قبل الفاصل كان السؤال الذي طرحناه على فضيلتكم ، لمن تكون التقوى ( وَاتَّقُوا يَوْماً يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) إلى العاصيين أم إلى كل الناس ؟

الكآبة عاقبة من عصى الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم .
 ما من أمرٍ أمر الله به إلا فُطر على محبته ، أو بٌرمج ، أو ولف ، أسماء لمسمى واحد ، والدليل :

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) ﴾

[ سورة الحجرات]

 إذاً هي الفطرة ، أنت مبرمج ، مولف ، مصمم على طاعة الله ، فإذا شخص لم يطع الله عز وجل يحس بكآبة .
 عندنا دكتور بعلم النفس ، من كبار علماء النفس بالجامعة ، الكآبة بالغرب مئة واثنان وخمسون بالمئة ، مئة معهم كآبة ، واثنان وخمسون يوجد معهم كآبتان ، فأنت مولف ، مبرمج ، مفطور على طاعة الله .
 نأتي بمثل بسيط : عدت إلى البيت الساعة الواحدة ليلاً ، الوالدة ، الأم المصون عندها ألم شديد برأسها ، قالت لك : أريد هذا الدواء ، قلت لها : كل الصيدليات مغلقة الآن ، وتعلم أنت علم اليقين أن يوجد خمس صيدليات مناوبة بالمدينة ، ومعك سيارة ، لم تذهب ، هي سكتت ، لم تحاول أن تحرجك ، لا تنام مرتاحاً ، لو فرضاً ذهبت إلى هذه الصيدليات الخمس ، والدواء مفقود ، ترجع ، الدواء على الحالتين ما أخذته ، المرة الثانية تنام مرتاحاً .

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[ سورة الروم ]

 فدائماً لو أن الإنسان لم يطلب العلم ، ولم يقرآ القرآن ، ولم يقرأ السنة ، ولم يحضر مجلس علم ، هو مجبول ، مفطور ، مبرمج على طاعة الله ، فإذا عصى الله عنده كآبة ، الكآبة أصعب شيء بالحياة .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ الأمر الإلهي ( وَاتَّقُوا يَوْماً يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) من المطالب بهذه التقوى هل الإنسان المقصر ، العاصي ، غير المسلم ، أم كل البشر ؟

محاسبة كل إنسان بقدر علمه ومعلوماته :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 كل إنسان بقدر علمه ، إذا الإنسان لم يتلق أي علم ديني إطلاقاً ، لكن هو مفطور على محبة الوالدة .
المذيع :
 فالتقوى على قدر معرفته الشخصية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 فالإنسان يحاسب بقدر علمه ومعلوماته ، وكلما كان علمه أشد كانت المحاسبة أشد ، أما الله فقد أعطانا عقلاً .
 عفواً ؛ لو وضعنا بكيس عشر بطاقات صغيرة من واحد لعشرة ، احتمال أن يسحبوا وراء بعضهم عشرة آلاف مليون ، إذا تكلمنا عن خلق الإنسان ، شعر الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة ، بكل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة ذهنية ، وغدة صبغية ، الدماغ مئة وأربعون مليار خلية استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ، إذا تكلمنا عن بالجسم شيء لا يصدق، هذا صار وحده !

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾

[ سورة عبس ]

 إلى الماء ، هذا الماء بدرجة زائد أربع يزيد حجمه ، لولا هذه الظاهرة لما كان هناك حياة إطلاقاً ، لما كان هذا البرنامج ، لما كانت عمان ، ولا إسطنبول ، هذا الماء في الدرجة زائد أربع يزيد حجمه ، عندما زاد حجمه قلت كثافته ، طفا ، بقيت البحار دافئة ، فيها سمك ، صار عندنا غيم ومطر ، لولا هذه الخاصة بالماء ، أنت أحضر قارورة وأملأها للأخير وضعها بالثلاجة ، بالفريزر ، تنكسر ، إذا الماء تمدد لا يوجد قوة تقف أمامه ، لولا هذه الخاصة بالماء لما كان هناك حياة إطلاقاً ، يوجد مليون قانون أثر في حياتنا ، حياتنا ، طفل الآن ولد ، الله يجعل العاطفة بأمه شيء يفوق حدّ الخيال ، قال له :

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) ﴾

[ سورة طه ]

المذيع :
 شيخنا الكريم ؛ سنشارك مستمعينا الأكارم معنا في هذا الحوار ، بطرح استفساراتهم في موضوع الحلقة عن يوم الرجوع ، عن يوم القيامة ، وتقوى الله سبحانه وتعالى .
 مرحباً باتصالاتكم ، أبو خليل تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، الله يحفظك ، دكتور ثلاث نقاط على السريع ، حتى البرنامج هذا المساء يقدمه الأخ نديم الحسن بالزمنات ، أنا سمعت أحدهم يشرح لآخر ، أن أي شيء لا يحبه الله تتركه و تترك الباقي كله على الله ، فتستقيم مع الله ، لا أعرف كيف يعطيه الله ؟
 يذكر الأخ نديم ثلاث نقاط ؛ هل من الممكن أن الإنسان إذا كان الله لا يحب عمله يبتعد الإنسان عن هذا العمل ، ويترك الباقي على ربنا ، وربنا يهونه عليه ، هذا أول سؤال.
 الثاني : كيف نميز بين أن الشيطان لا يؤثر عليك ، لكن يكو ن عندك ذنب خاص هل هذا من النفس ؟ كيف نميز من النفس أم لا ؟
 أما السؤال الثالث : لنا صاحب يذهب إلى أمريكا ، ممكن أن تعطيني مواقعك دكتور وتشرحها لنا من أجل أن يتابعك هذا الشخص في الخارج ، المواقع تشرحها لنا بالتفصيل، وفقك الله .
المذيع :
 بارك الله فيك أخي ، شكراً لك وللأسئلة المهمة .
 شيخنا الكريم ؛ السؤال الأول : إذا ترك الإنسان شيئاً لا يحبه الله سبحانه وتعالى ما المقابل ؟

من ترك شيئاً لله عوضه الله أضعافاً مضاعفة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 المقابل عطاء يفوق حدّ الخيال .

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

 الله كريم ، يعطي عطاء مذهلاً ، أنت تخطب ود الله بترك المعاصي والآثام ، ولا تجد مقابلاً !
 عفواً ؛ إذا جاء ابنك ومعه الجلاء وكانت علامات تامة ، وهناك ثناء على أخلاقه ، ألا تعانقه ؟ ألا تقبله ؟ ألا تأخذ له دراجة ؟ أي أب عادي يقابل ابنه المستقيم والمجتهد بعطاء كبير إذا كان الله عز وجل كل شيء بيده ، الصحة بيده .
المذيع :
 فهل يأتي هنا حديث النبي :

(( ما ترك شيئاً لله إلا عوضه الله ))

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً لله خوفاً منه ، وخشيةً منه ، ثم لا تعوض أضعافاً مضاعفة :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ))

 له مع الله خط ساخن ودنياه تأتيه وهي راغمة :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

المذيع :
 السؤال الثاني شيخنا : إذا أذنب الإنسان ذنباً ، كيف يعرف هل هذا من نفسه أم هو وسوسة من الشيطان ؟

كلما صغر الذنب كبر عند المؤمن وكلما كبر صغر عند غير المؤمن :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا انزعج منه يكون من الشيطان ، إذا ارتاح فمن نفسه ، هذا المقياس ، عمل عملاً تألم ، لذلك المؤمن ذنبه كبير ، والكافر ذنبه كالذبابة ، تكلم كلمة قاسية لا ينام الليل ، كلما صغر الذنب كبر عند المؤمن ، وكلما كبر الذنب صغر عند غير المؤمن ، ماذا حدث ؟ ماذا فعلنا ؟ خربت الدنيا ؟
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً "
 معلم قال لطلابه بالصف : أنت أخلاقي لأنك ضعيف ، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي ، هذه الكلمة ألغت الدين كله ، ألغت القيم كلها .
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً "
 " كلمة واحدة ، قال لها : يا عائشة - قالت له : قصيرة لضرتها - لقد قلت كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته " ، هذا الدين دين طهارة ، نقاء ، كلام طيب ، رحمة ، مودة ، وفاء، هذا الدين .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ السؤال الثالث : بعض المسلمين الموجودين في خارج الدول العربية يريدون متابعة الإنتاجات العلمية لفضيلتكم ، أنا أعرف هنالك موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية .

الإنتاجات العلمية للدكتور راتب :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الفضل لله عز وجل ، موسوعتي دقيقة ، أي آيباد سبعة قياسات ، أي أيفون ، أي كمبيوتر ، تكتب موسوعة النابلسي يأتي التطبيق فوراً ، تقريباً سبع لغات ، يدخل له باليوم مليونا زائر ، أول موقع إسلامي ، مليونا زائر ، يتجدد يومياً ، أي آيباد سبعة قياسات ، أي أيفون ، أي كمبيوتر.
المذيع :
 اسمح لي أن أنوه شيخنا للمستمعين ، إذاً الموقع اسمه : موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية ، وهو موقع إلكتروني ممكن فتحه على أي جهاز كمبيوتر ، وهو أيضاً تطبيق إذا أراد شخص أن يحمله ، وهو مترجم من العربية إلى سبع لغات ، يضم مواد منشورة كالكتابة ، ومواد صوتية ، ومواد فيديو من الإنتاجات الفكرية والعلمية ، في التفسير ، والفقه ، والدعوة ، والتزكية لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 مئة وخمسون كتاباً تسحبهم لعندك مجاناً ، الكتاب 800 صفحة ، مئة وخمسون كتاباً ، لتحميل كتاب كبسة زر ، الكتاب يأتي لعندك بكامله ، مع غلافه ، مع صفحاته ، هذا كله بين أيدي الناس ولا يوجد شيء مقابل ، كله بالمجان .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، إلى المزيد من مشاركات مستمعينا .
دكتور معن مرحباً بك .
المستمع :
 السلام عليكم ، الله يفتح عليك دكتور محمد راتب النابلسي ، موسوعة العلوم الإسلامية موجودة على الفيس بوك ؟
المذيع :
 موقع على الإنترنت دكتور وتطبيق على الجوال .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 على الفيس بوك ، على أي فيس بوك ، وعلى أي تويتر ، وأي موقع .
المستمع :
 طبعاً أجمل تحياتي إلى الشيخ نديم مقدم البرنامج ، وجميع الكادر الإذاعي .
 فالرجوع ، أي يوم الرجوع ، طبعاً ربنا عز وجل يقول :

﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) ﴾

[ سورة البقرة]

 أي واحد يتوفى له واحد صديق ، أو صاحب ، أو أب ، أو أم ، يقول كلمة : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) لأننا كلنا راجعون إلى الله ، لكن عندما نرجع إلى الله عز وجل تكون قلوبنا صافية ، وتكون التوبة حاضرة غالباً ، والاستغفار موجود ، وأيضاً أن نسامح بعضنا البعض .
المذيع :
 شكراً لك دكتور معن ، وجهة نظر طيبة ، بارك الله فيك دكتور معن ، اسمح لي أن أشكرك كل الشكر لكلامك الجميل ، شكراً لك .
 داود معنا تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، تحياتي لك وللدكتور وللمستمعين .
 سيدي ، ألا ليت الشباب يعود يوماً ، حتى أنا أحبّ أن يرجع الشباب ، وأصحح الأخطاء التي عملتها في حياتي من نصب ، أو غش ، أو إن غششت ، أو انتصب عليّ ، أو علاقاتي مع أمي وأبي ، أو علاقاتي مع أخوتي ، الحياة كاملة ، كيف أصحح هذه الأشياء ؟

أنواع الذنوب :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اسمع الجواب سيدي : ذنبٌ يغفر ما كان بينك وبين الله ، والصلحة بلمحة ، يا ربي تُبت إليك ، يلقي الله في روعك يا عبدي أنا قد قبلت ، ذنبٌ لا يترك ، ما كان بينك وبين العباد ، يوجد مبلغ ، هذا الذنب الذي بينك وبين العباد لا يغفر إلا بإحدى حالتين ، بالأداء أو المسامحة .
 دقق ؛ صحابي جليل ، خاض مع النبي غزوات كثيرة ، وافته المنية ، النبي من عادته أن يزور أصحابه المتوفين في بيتهم قبل الدفن ، فقام ليصلي عليه ، قال : أعليه دين؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، ما صلى عليه ، لأن عليه ديناً ، فقال أحدهم : عليّ دينه فصلى عليه ، سأله في اليوم التالي : أديت الدين ؟ قال : لا ، في اليوم الثالث أديت الدين؟ قال : لا ، بالرابع قال : أديت الدين ؟ قال : نعم ، قال : الآن ابترد جلده .
 حقوق الله مبنية على المسامحة ، أما حقوق العباد فمبنية على المشاححة ، الأول يغفر ما كان مع الله ، الثاني لا يترك ، الثالث لا يغفر وهو الشرك بالله .

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) ﴾

[ سورة النساء ]

المذيع :
 أخي داود ، إذا كان عندك تتمة لسؤالك تفضل .
المستمع :
 نعم سيدي ، لكنهم من الأقربين سيدي ، الأهل ، والأقارب ، والأخوة ، بعض العلاقات الاجتماعية من إرث وغيره ، كلمة أو شيء بسيط تبقى العلاقات مقطوعة .

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الحقوق المادية يجب أن تؤدى ، إلا إذا سامحوه .
المستمع :
 السؤال الثاني بعد إذنك يا شيخ ، كيف أبرمج نفسي ؟
المذيع :
 هذا خارج موضوعنا ، سامحني ، لضيق الوقت ، دعني أشكرك كل الشكر على ما تفضلت فيه .
 شيخنا الفاضل ، مستمعينا الكرام ، سنتوقف إلى فاصل قصير ، ثم نعود لمزيد من مشاركاتكم ، موضوعنا وحديثنا عن يوم الرجوع .
 من جديد على الهواء عبر أثير حياة fm ، موضوع حلقتنا عن يوم الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، يوم القيامة .
 مرحباً باتصالاتكم واستفساراتكم في موضوع الحلقة .
 شيخنا الكريم ، مرحباً بفضيلتكم من جديد ، وأهلاً بكم معنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 تفضل ، أهلاً وسهلاً.
المذيع :
 أكرمكم الله شيخنا الكريم ، كيف تكون النجاة لمن خاف يوم الوعيد ؟ يوم الرجوع كيف تكون النجاة ؟

النجاة لمن خاف يوم الوعيد :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بالتوبة :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[ سورة البقرة ]

 وإذا تاب العبد توبةً نصوحة أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، لابد من التوبة ، والتوبة حبل الله المتين ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
المذيع :
 شيخنا الكريم ؛ هل يوم القيامة ، يوم الرجوع ، هذا اليوم الشديد والعظيم ، هل هو بذاته يكون على المؤمن ، والموحد لله ، وغير المؤمن ، وغير الموحد ؟

للمؤمن معاملة خاصة عند لقاء الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ، المؤمن له معاملة خاصة ، المؤمن حينما يقترب أجله ، ويرى مقامه في الجنة يقول : لم أرَ شراً قط ، يكون قد تحمل متاعب كثيرة بحياته ، يقول : لم أرَ شراً قط ، والآخر الذي بنى مجده على أنقاض الناس ، وحياته على موتهم ، وعزه على ذلهم ، وغناه على فقرهم، يقول : لم أرَ خيراً قط ، هذه هي البطولة ، البطولة أن تلقى الله وأنت مؤمن ، مستقيم ، لا يوجد عليك حقوق ، وأديت واجباتك .
المذيع :
 شكراً لك شيخنا ؛ جزاك الله خيراً .
 أبو راشد معنا باتصال جديد ، تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، كيف حالك شيخنا ؟ جزاك الله خيراً وجعله في ميزان حسناتك إن شاء الله يا رب ، سيدي أريد أن أسألك عن حقوق الله ، نحن والحمد لله نلتزم بها ونؤديها ، إن شاء الله طبعاً ، حقوق العبد شيخنا ما هي ؟

حقوق الله وحقوق العباد :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 حقوق الله أهون من حقوق العباد ، حقوق الله مبنية على المسامحة ، أما حقوق العباد فمبنية على المشاححة .
المستمع :
 ما الحل شيخ ؟ طبعاً الموضوع ليس موضوع نقود .
المذيع :
 حقوق معنوية .
المستمع :
 نعم معنوية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنت بسهرة يوجد ثلاثون شخصاً اغتبت واحداً بشدة ، ما تركت صفة لم تتكلم عليه، ترسل على الفيس بوك للكل ، سامحوني أنا أخطأت بحق فلان ، مادام القلب ينبض تستطيع ان تنجو ، كل شيء له حساب .
 أنا مرة قال لي شخص من بلد آخر رشاوى من الناس ، ماذا أفعل ؟ قلت له : الدولة مكلفة تكليفاً رسمياً في إعانة الجمعيات الخيرية ، المبلغ قدره تقديراً حقيقياً وادفعه للجمعيات الخيرية ، ما دام القلب ينبض يوجد حل .
المذيع :
 دعني أشكرك أبا راشد ، شكراً لك ولاتصالك معنا .
 إذاً شيخنا ، إذا كان هنالك حقوق معنوية ، ويريد الإنسان حينما يعود إلى الله في يوم الرجوع أن يكون قد أداها ، مثلاً ذكر إنساناً بسوء ، كما تفضلت .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ممكن بالفيس أنا أعتذر عما قلته في الجلسة الفلانية .
المذيع :
 أو يصل لكل الحاضرين ، من أسأت أمامهم أصوب أمامهم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أو إذا كان هناك جلسة دورية ، أنا أخطأت مع فلان .
المذيع :
 شيخنا ؛ هل ينفع إذا أنا أسأت لإنسان أمام جمع من أشخاص ، أن أعتذر له فقط بيني وبينه ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ينفع إطلاقاً ، أنت فضحته أمام ثلاثين شخصاً ، يجب أن تصحح كلامك أمام الثلاثين ، لم تتمكن أن تلتقي معهم ، ابعث لهم على الفيس بوك كلهم ، أنا أعتذر عما قلته في السهرة الفلانية .
المذيع :
 لو استسمحته شيخنا ؛ وهو قد عفا عني دون أن أصل إلى هؤلاء الثلاثين ، هل يسقط الحق هنا ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ، لا .
المذيع :
 حتى لو صاحب الحق تنازل شيخنا هنا ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا تنازل موضوع ثان .
المذيع :
 إذا هو سامح قضية ثانية .
 شيخنا الحبيب ؛ كيف يمكن للإنسان أن يستقيم في هذه الحياة وهو يفكر بالآخرة هل التفكير بالآخرة يجعله متشائماً أو سوداوياً ينتظر الموت ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ، لا يوجد تشاؤم إطلاقاً ، يريد حاضنة إيمانية ، يريد سهرة مع مؤمنين ، يريد نزهة مع مؤمنين ، يريد أن يعامل مؤمنين ، الله ماذا قال :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾

[ سورة الكهف]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة]

 يجب أن تختار مؤمنين .

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي]

 ممكن علاقات عمل ، عندك مدير ليس له علاقة بالدين إطلاقاً ، لا علاقة لك معه، تأتي إلى الدوام الساعة الثامنة ، تؤدي واجبك فقط ، عندنا علاقات حميمة ، وعلاقات عمل ، كلامنا ليس عن علاقات العمل ، عن العلاقات الحميمة ، إنسان لا يوجد فيه دين إطلاقاً ، ولا يحرم ، ولا يحلل ، تذهب معه نزهة خمسة أو ستة أيام ؟ لا تقدر ، ولا يوجد عنده ضابط إطلاقاً :

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا))

 أما العمل لوحده ، لو عندك مدير عام لا يوجد فيه دين إطلاقاً تأتي على وقتك تؤدي واجبك فقط .
المذيع :
 الله يفتح عليكم شيخنا ، شيخنا الكريم ؛ كيف يمكن للإنسان أن يدمج بين تذكره للموت ، وليوم القيامة ، وبين معيشته في الدنيا ولذاتها وحلالها ؟ كيف يعيش الأمرين معاً ؟

كيفية الدمج بين تذكر الموت والمعيشة في الدنيا :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا شخص ذهب لبلد ، فوجد تشديداً على البضائع القادمة بشكل غير معقول ، إذا رأى شيئاً سعره مرتفع ، ممتاز ، هل يشتريه ؟ يفكر بالموت ، بالرجوع ، لا تمر إذا إنسان أدخل الآخرة بحسابه ، الآخرة .

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

 قالت له : قصيرة ، قال لها : يا عائشة قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، من أكل لقمة بالحرام خسر خسارة كبيرة جداً.
المذيع :
 سنستأذن فضيلتكم شيخنا أن نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنةً مطمئنة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور