وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 4 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 14 - ديننا الإسلام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلّ وسلم ، أنعم وأكرم على النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مستمعينا الأكارم ومشاهدينا ومتابعينا عبر صفحة إذاعة حياة على الفيس بوك أهلاً ومرحباً معنا كل خميس من الثالثة وحتى الرابعة مباشرة بتوقيت الأردن فأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة نتتلمذ فيها طلباً للعلم على يدي فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا السلام عليكم ومرحباً بكم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 اللهم آمين ، أكرمكم الله دكتورنا الحبيب ، ديننا الإسلام هذا عنوان لقائنا هذا مستمعينا الأكارم ، نتحدث فيه عن ديننا الإسلامي ، انطلاقاً من قول الخالق سبحانه وتعالى :

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) ﴾

[ سورة المائدة]

 أهلاً ومرحباً بكم شيخنا الحبيب .
 بدايةً دكتورنا الفاضل ، السؤال الكبير الذي يتساءل عنه الناس ، كان هنالك أديانٌ سماويةٌ عدة قبل أن يأتي الإسلام ديناً برسالة الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فما العلاقة والرابط بين دين الإسلام وبين الأديان السماوية التي نزل بها الوحي قبل الإسلام ؟

العلاقة بين دين الإسلام وبين الأديان السماوية التي نزل بها الوحي قبل الإسلام :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا بد من ملاحظةٍ ، بارك الله بك أستاذ ، قبل الإجابة عن هذا السؤال ، قال تعالى :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾

[ سورة الروم]

 الدين ال الجنس ، الدين وحي السماء ، الدين تعليمات الخالق ، الدين من عند المطلق ، الدين من عند رب الأرض والسماوات ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) إقامة أي طاعة ، حنيف ؛ ميل ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) أي ما من أمرٍ جاء من عند الخالق إلا الإنسان السوي يرضاه ، يسعد به ، أي أمرٍ أمرك الله به ، جبلك ، وفطرك ، وبرمجك على محبته .

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)﴾

[ سورة الحجرات]

 نحن عندنا الأرض لها ثقافة ، الأرض فيها علم ، فلسفة ، فن ، العلم ؛ ما هو كائن ، الفلسفة ؛ ما يجب أن يكون ، الفن ؛ ما هو ممتع ، هذا كله من الأرض ، أما السماء فشيء آخر ، السماء هو الخالق ، المطلق ، الرب ، المسير ، بيده مقاليد كل شيء .

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) ﴾

[ سورة هود]

 كماله مطلق ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، فلذلك الأرض لها ثقافة، وما يأتي من السماء شيءٌ آخر ، وحي السماء كماله مطلق ، إلا إذا أيد خفية غيرت وبدلت ، يحرفون الكلمة عن بعض مواضعها ، أما إذا تولى الله بذاته العلية حفظ القرآن فهذا شيء آخر .

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾

[ سورة الحجر]

 الأنبياء السابقون كلفوا بحفظه .

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ﴾

[ سورة المائدة]

 به ، الأنبياء السابقون كلفوا بحفظ وحي السماء ، هناك تمّ حفظه أحياناً ، وتمّ تعديله وتغييره أحياناً أخرى ، أما القرآن الكريم لأنه دين الخاتم ، آخر دين ، فالله تولى بذاته العلية حفظه ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) أما سابقاً ( بِمَا اسْتُحْفِظُوا ) من كلام الله كلفوا بحفظه ، الذين كلفوا بحفظه بعضهم حفظوه ، وبعضهم لم يحفظوه ، ما دام كلفوا إذاً فيه معصية ، أما الله عز وجل لأنه الدين الخاتم ، دين خاتم الأنبياء والمرسلين ، الدين الذي ما بعده وحي السماء ، فتولى الله بذاته العلية حفظه .
المذيع :
 ونعم بالله ، الله يفتح عليكم دكتور .
الدكتور محمد راتب :
 هذا القرآن تولى الله بذاته العلية حفظه ، أي هناك شهود ، مرة طُبع خمسون ألف نسخة من المصحف ، عُدلت كلمة واحدة ، كلمة واحدة ، المصاحف كلها أتلفت .

﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)﴾

[ سورة آل عمران]

 خمسون ألف نسخة طُبعت وأتلفت كلها ، لأن الله عز وجل تولى بذاته العلية حفظ هذا القرآن ، أما الكتب السماوية السابقة (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) فكلفوا أن يحفظوها ، بعضهم حفظوها ، وبعضهم لم يحفظوها ، أما هذا القرآن فتولى الله بذاته العلية حفظه .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ المسلم اليوم الذي يدين بدين الإسلام ، ودستوره القرآن ، وربه الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد ، هل هو مطالب بأن يؤمن بالديانات السابقة ؟

الإيمان بالديانات السابقة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إن لم يؤمن فقط كفر بالقرآن ، لأن الله ذكر سيدنا عيسى ، وسيدنا موسى ، ذكر الأنبياء كلهم ، فإن لم يؤمن بهم فقد خالف كلام الله ، الدليل :

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾

[ سورة الروم]

 الصحابة فرحوا ، لأن الروم معهم دين سماوي ، أما الفرس معهم وثنية أرضية (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ ) دقق ( يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) الصحابة ( بِنَصْرِ اللَّهِ) النصر للرومان لا للمسلمين ، لكنهم أهل كتاب ، يوجد قواسم مشتركة بيننا .

﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) ﴾

[ سورة المائدة]

 يوجد قواسم مشتركة تجمعنا مع الديانات ذات وحي السماء .
المذيع :
 إذاً شيخنا ، على كل مسلم أن يؤمن بأنبياء الله جميعاً ، وأن يؤمن بديانات الله ، لكن تلك التي هبط بها وحي السماء ، تمّ اليوم تحريف بعض الكتب السماوية التي لم يشأ لهم حفظها فتم تحريفها ، أو بعض الديانات التي تغيرت تعاليمها فأصبحت تعاليمها مخالفة لما كان عليه وحي السماء ، هل مطالبون بأن نؤمن بها اليوم بشكلها الجديد ، بين قوسين المزيف ؟

العقل والفطرة شيئان ثابتان عند الإنسان يدلانه على الصواب دائماً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لا ، عفواً ، إذا إنسان ولد بجزيرة ولم يسمع كلمة حق في حياته ، نشأ هو وأمه بجزيرة ، لو اصطاد هذا الابن أرنباً وأكله وحده ، ألا يشعر بكآبة ؟ خالف الفطرة ، يوجد عندنا شيئان ثابتان ؛ العقل والفطرة ، لو أن إنساناً لم تصله أية رسالة سماوية ، عقله يدله على وجود الله ، وفطرته تدله على الصواب لا الخطأ .
 عفواً كيس فيه عبوات صغيرة من واحد لعشر ، لتسحبها بالتسلسل بشكل عشوائي ، تسحبها سحباً عشوائياً ، فإذا بها واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، هذه حالة من عشرة آلاف مليون حالة ، من أجل سحب عشر ورقات عليها أرقام متسلسلة ، أن تأتي تباعاً .
 إذا كان هناك مليون وأربعمئة ألف خلية لم تعرف وظيفتها بعد ، الشبكية العينية ، أريد أن أـكلم عن الجسم وحده شيء لا يصدق ، الدماغ أعقد آلة بالكون ، وهو عاجز عن فهم ذاته ، الشبكية بالعين بميلي وربع تستقبل ثلاثمئة ألف مستقبل ضوئي ، الشعر ثلاثمئة ألف شعرة ، لكل شعرة ، وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، خلق الإنسان وحده لا يمكن أن يقبل من دون إله عظيم ، السمع ، البصر ، الهضم ، الرؤية ، الدماغ ، الرئتان ، العظام ، العظام تنمو كأي خلية عظمية ، لماذا تقف عند مكان معين ؟ لأن الإنسان إذا ازداد طوله قد يصل إلى مئة متر ، يصبح عملاقاً ، هو القابض والباسط ، هناك مليون سؤال بخلق الإنسان وحده ، فالإيمان بالله من خلال خلق الإنسان ، ومن خلال خلق الأكوان ، شيء بسيط ، الدليل :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران]

ومضة سريعة عن آيات الله في الكون :

 ومضة واحدة سريعة : الأرض تدور حول الشمس دورة كل سنة ، المسار إهليلجي بيضوي ، الآن في القطر الأطول ، ما دام بيضوياً هناك قطر أطول ، وقطر أصغر ، هي بالأطول الآن ، تتجه نحو القطر الأصغر ، المسافة قلت ، الجاذبية ازدادت ، قانون الجاذبية متعلق بالمسافة والكتلة ، الكتلة ثابتة ، المسافة قلت ، لابد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت تبخرت في ثانية واحدة ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوةٌ نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)﴾

[ سورة فاطر]

 تابعت السير ، المسافة طالت ، الجاذبية ضعفت ، فإذا بقيت على سرعتها العليا تتفلت من أشعة الشمس ، تخفض الأرض سرعتها ، لينشأ من خفض السرعة قوةٌ نابذة تكافئ القوة الجاذبة الأقل ، تبقى على مسارها ، يد من ؟ علم من ؟ قدرة من ؟ لذلك : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

 مرة كنت بأمريكا زرت متحفاً فلكياً ، فيه المجموعة الشمسية ، وفيه مجموعة نجوم كبيرة ، لفت نظري برج العقرب ، الأبراج هي مجموعات كبيرة من النجوم تشكل أبراجاً ، نحن في برج درب التبانة ، رأيت خطوطاً بين النجوم كأنها عقرب تماماً ، برج العقرب فيه نجم صغير أحمر متألق اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وهناك نجمٌ صغير أحمر في برج العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الأصل في الموضوع ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) الآن دقق ( وَيَتَفَكَّرُونَ ) فعل مضارع ، يفيد الاستمرار ( فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
لذلك قال تعالى :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية]

 هذه هي آيات الله عز وجل .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، إذاً شيخنا الحبيب ؛ المطلوب من المسلم في إيمانه بالله سبحانه وتعالى أن يؤمن بالله رباً ، وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وبكل أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، سيدنا موسى ، وسيدنا عيسى ، ويؤمن بالوحي .

عقيدة المسلم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) ﴾

[ سورة البقرة]

 الدعوة واحدة ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .
المذيع :
 ونؤمن بالديانات التي أنزلها الله بالوحي على أنبياء الله في ذاك الزمان ، لا ما حرف وهو موجود اليوم ، هذه عقيدة المسلم دكتور .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الله قال :

﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) ﴾

[ سورة المائدة]

 والله ذكر ذلك بالقرآن .
المذيع :
 كما ذكرتم إلا القرآن فهو متمم الرسالات ، حفظه الله من أي تحريفٍ أو تغيير .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 تولى الله بذاته العلية حفظه ، تولى الله بذاته حفظه .
المذيع :
 هذه علاقة المسلم شيخنا بالديانات السماوية التي أنزلها الله من السماء بالوحي إلى الأرض ، ماذا عن الديانات الوثنية والديانات الأرضية ؟
 هذا سؤالنا لفضيلتك شيخنا بعد الفاصل ، نتحدث أكثر في علاقة المسلم وفي إيمانه بدين الله مع الديانات الأخرى ، بعد الفاصل مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي عبر حياة fm .
 مستمعينا الأكارم عبر أثير إذاعتكم حياة fm ، مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، بحوله تعالى يتجدد اللقاء .
 ديننا الإسلام هذا عنواننا قبل الفاصل ، تحدث فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي عن العلاقة التي تربط المسلم بأصحاب الديانات الأخرى ، أننا نؤمن بجميع أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، ونؤمن بكل الديانات التي هبط بها وحي السماء تلك التي أنزلها الله ، لا ما تمّ تغييره بعد ذلك ، وأن الله جعل الإسلام متمماً وآخر الرسالات ، فحفظه من أي تغيرٍ أو تحريف .
 دكتورنا الحبيب ؛ مرحباً بفضيلتكم من جديد .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 قبل الفاصل كان سؤالنا دكتور ، ما هي العلاقة التي تربط المسلم بأصحاب الديانات الوثنية ؟ من يعبدون حيواناً ، أو حجراً ، أو صنماً ، أو غير ذلك ، أو بشراً أحياناً يؤلهون بعض البشر ، كيف يفترض لنا أن يكون إيماننا بمثل هذا الملف دكتور ؟

العلاقة التي تربط المسلم بأصحاب الديانات الوثنية :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإيمان صفر ، هل تؤمن أن الإله مثلاً حيوان ، أو حشرة ، أو شيء آخر ، عندنا مشكلة كبيرة جداً ، هناك بلاد لا تؤمن بالله عز وجل ، تؤمن بالوثنية ، فهل يعبد مثلاً حيوان من دون الله ؟ هل تعبد بقرة كما في الهند ؟ هل يعبد أي حيوان كما في بعض البلاد ؟ لا ، هذا شيء يتناقض مع العقل ، مع الفطرة ، مع الواقع ، فالله عز وجل منح الإنسان عقلاً ، هذا العقل أعقد شيء بالكون ، هذا العقل يميز ، أي

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )﴾

 هل يعقل ؟ أي حيوان ضعيف هو الذي خلق ! هو الذي نشر الآيات في الآفاق ؟ مستحيل ، هذه نقطة دقيقة جداً ، هي بديهية طبعاً .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ حتى من قبل نزول ديانة الإسلام ، كان هنالك من يعبدون الأوثان، من يعبدون الأصنام ، لماذا انحرف العقل البشري عن فطرته دكتور وتجرد من الديانات السماوية على تعددها وذهب إلى عبادة الأوثان والبشر ؟

الإيمان بالله مودع بكيان أي إنسان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) ﴾

[ سورة الزمر]

 الإيمان بالله مودع بكيان أي إنسان حتى الوثني ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) لأن الإنسان يوجد فراغ ، قوي ، غني ، كبير ، صغير ، بأي نوع يوجد فراغ للإيمان بالله، إذا لم يملأ هذا الفراغ بالإله الحقيقي ، مُلئ بآلهة يتوهم الذي يعبدها أنها تنقذه عند الشدة .

 الإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره :

 أولاً : الإنسان ضعيف ، الله قال :

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28) ﴾

[ سورة النساء]

 خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، الإنسان ضعيف ، فإذا خلقه الله قوياً يستغني عن الله فيشقى باستغنائه ، خُلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، أما إذا عبد ما دون الله فيُتهم عقله .
 عفواً ، أنا أقول كلمة : الإنسان إذا أمسك مديةً وطعن بها قلبه ، هذا اسمه : منتحر ، أليس كذلك ؟ أمسك مدية طعن بها قلبه في اليسار ، هذا منتحر ، والذي مات على معصيةٍ كبيرةٍ ، هذا نحر نفسه ، وأما الملحد فنحر عقله ، قد ينحر الإنسان جسمه ، وقد ينحر نفسه إذا مات على معاص لم يتب منها ، وفي الحالتين يستحق جهنم ، يستحق الشقاء الأبدي السرمدي ، أما الملحد فنحر عقله .
 أنا عندي بحث إن شاء الله في لقاء قادم حوالي عشرين ملحداً داعية ، ليس ملحداً عادياً ، بل ملحداً داعية ، ماذا قالوا على فراش الموت ، قالوا كلاماً بعكس إلحادهم ، لفت نظري الآية الكريمة :

﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) ﴾

[ سورة الأنعام]

 إن شاء الله بلقاء قادم أذكر لك هؤلاء الملحدين الكبار في العالم ، كيف أنهم على فراش الموت قالوا كلاماً لا يصدق ، تلخصه الآية الكريمة : ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ )
 إن شاء الله بلقاء القادم أذكر لك هؤلاء الملحدين .
المذيع :
 الله يفتح عليكم سيدنا ، شيخنا ؛ في قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ))

 هل معنى هذا الكلام أن كل إنسان يولد بفطرته على فطرة التوحيد ، فطرة الإسلام فثم سلوك الوالدين في التنشئة يختلف ؟

تطابق الإسلام مع الفطرة تطابقاً تاماً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عفواً ، لماذا لم يقل النبي : أو يسلمانه ، لماذا لم يقل ؟ لأن الإسلام دين الفطرة ، الفطرة تتطابق مع الإسلام تطابقاً تاماً ، الدليل : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) طبق وكن مائلاً إليه : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) أي أمرٍ أُمرت به ، بُرمجت ، وولفت ، وفُطرت على محبته ، والدليل : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) هي الفطرة ، الإسلام دين الفطرة .
 الإنسان لو فرضنا جاء بطعام وهو جائع ، وأمه جائعة ، أكل الطعام وحده أمام أمه ، ألا يتألم ؟
 أذكر قصة وقعت في عمان ، جاء للبيت الساعة الواحدة ليلاً ، قالت له أمه : يا بني أنا متألمة جداً ، أريد دواء كمسكن ، قال لها : الصيدليات كلها مغلقة ، سكتت ، استحت منه ، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة ، ومعه سيارة ، لو فرضنا ركب مركبته ، وتوجه للصيدليات المناوبة ، الدواء غير موجود ، يعود إلى البيت ينام مرتاحاً ، أما في الحالتين فالأم لم تأخذ الدواء ، بالحالة الأولى لا ينام مرتاحاً هذه هي الفطرة .
 ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) أنت مفطور ، بعبارة أخرى مجبول ، مولف ، مُبرمج على أمر الله ، والدليل : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ )
 فلذلك الإنسان عندما يطبق منهج الله يصطلح مع نفسه فيسعد في الدنيا والآخرة ، ويسعد مع من حوله .
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ بدايةً ننوه لمستمعينا الراغبين بالمشاركة بهذا الموضوع على أن تقتصر اتصالاتهم وأسئلتهم على موضوع الحلقة ، ديننا الإسلام ، مرحباً باتصالاتكم .
 شيخنا الحبيب ؛ الآن حينما يولد الإنسان في عائلة غير مسلمة ، هو لم يتعرف على الإسلام ، لم يعرف الإسلام لا من قريب ولا من بعيد ، والده من دينٍ آخر ، مدرسته تدرس ديناً آخر ، دور العبادة في المدينة التي ولد فيها بعيدة عن الإسلام ، كيف له أن يتعرف على الإسلام ؟

كيفية التعرف على الإسلام :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أولاً : عنده عقل ، وعنده فطرة ، أي إنسان بالأرض لو لم يسمع درس دين بحياته، لو ولد بغابة ، الله منحه عقلاً ، ومنحه فطرة ، العقل يمنعه أن يكفر ، قلنا إنه من الممكن أن تسحب عشر أوراق من كيس بتسلسل عشوائياً ؟ هذه مستحيلة ، الإنسان عنده آيات كونية ، عينه ، دماغه ، أعضاؤه ، قلبه ، الكليتان ، شيء لا يصدق ، الشمس ، القمر ، النجوم ، الدماغ ، مليار مليار آية تدل على وجود الله ، وعلى وحدانيته ، وعلى كماله .
المذيع :
 لكن شيخنا ؛ البيئة التي نشأ فيها ، مفهوم الإله فيها ، قد يكون مختلفاً عن ديننا الإسلام ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا إذا كان صغيراً ، لكن عندما يكبر أعطاه الله عقلاً .
المذيع :
 إذا قبل التكليف شيخنا لا يكون محاسباً لأن العقل لم يصل لمرحلة النضوج الفكري.

كل إنسان لا يحاسب قبل التكليف :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لو فرضنا ولداً كان مع أمه بباخرة ، والباخرة غرقت ، والتجأ لجزيرة ، وماتت أمه ، بقي بمفرده ، لو فرضنا إذا أخطأ مع شخص ثان يشعر بضيق : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) أي أمر إلهي ، رُكب الإنسان وولف ، وبُرمج على محبته ، والدليل : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) .
 ذكرت قصة قبل قليل ، عندما قالت : أريد الدواء ، وقال لها : جميع الصيدليات مغلقة ، لا ينام مرتاحاً ، أما عندما يركب السيارة ويدور على خمس صيدليات ، والدواء مفقود ، فينام مرتاحاً ، الآن بالحالتين أمه لم تأخذ الدواء ، هذه الفطرة يا أخي ، الإسلام دين الفطرة ، يوجد تطابق تام ومذهل وقطعي بين الأوامر وجبلة الإنسان ، الفطرة أن تحب الخير لا أن تكون خيراً ، يوجد فرق ، أما الصبغة فشيء آخر ، أن تحب الخير وأنت خير .

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾

[ سورة البقرة ]

المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ ليس من السهولة على الإنسان أن يغير شيئاً من نفسه ، أو من البيئة التي نشأ فيها ، كنوع التعليم ، أو الغذاء ، فما بالنا بتغيير المعتقد والدين بشكل كامل ، هل سهل على إنسان ذكراً أو أنثى وصل مرحلة النضوج الفكري ، وأصبح مكلفاً أن يتبدل ، ويخرج من دين آبائه ، وقومه ، ومدينته ، ويبحث عن دين الصواب ، هل سهل هذا الأمر دكتور ؟

العبادة علة وجود الإنسان الوحيدة في الأرض :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا سأضرب لك مثلاً دقيقاً : لو شخص كان ذكياً جداً جداً ، وفقيراً جداً جداً ، وجمع أموالاً من عمته ، ومن خالته ، ومن أمه ، ثم سافر إلى بلد أجنبي لينال الدكتوراه ، الآن هذا الإنسان إذا كان في بلد ما لا عمل له إطلاقاً ، وفي مكان آخر يعطونه معاشاً فلكياً ، ألا ينتقل للمكان الآخر ؟
المذيع :
 ينتقل .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 دعك من الآخرة ، للدنيا ، معه دكتوراه مثلاً بعمل جراحي معين ، بإدارة الأعمال معه دكتوراه ، بمكان لم يقبلوه ، ليس له أية وظيفة ، بلد آخر رحب فيه ، الإنسان عندما يجد أن مصلحته في أن ينتقل من بلد إلى بلد للدنيا يغير ، يهاجر ، للدنيا فكيف للآخرة ؟ إذا أنت ببلد لا يوجد إنسان يدلك على الله ، ترحل ، لماذا النبي هاجر ؟ ألم يكن من الممكن أن يجعل الله كل أهل مكة مؤمنين درجة أولى ؟ إن كانوا كذلك فلك يهاجر ، أما إذا حال مكان بينك وبين أن تعبد الله ، والعبادة علة وجودك الوحيدة في الأرض ، والدليل :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾

[ سورة الذاريات]

 فإذا مكان حال بينك وبين أن تعبد الله ، والعبادة علة وجودك ، وسبب وجودك ، وغاية وجودك ، يجب أن تتحول عنه إلى مكان آخر ، هذه هي الهجرة ، النبي قدوتنا ، بالهجرة هاجر ، عندما كان يصفون له مكة بالربيع كان يبكي .

(( لا تشوقنا يا أُصيل ))

 محبة الوطن مودعة في قلب كل إنسان ، أما إذا مكان ولادتك حال بينك وبين أن تنال عملاً ، تغادر لبلد آخر ، هذه هي الهجرة ، النبي هاجر ، وعندما هاجر رسم لنا منهجاً ، إذا مكان حال بينك وبين أن تعبد الله ، أو مكان حال بينك وبين أن تعمل عملاً صالحاً ، هو ثمن الآخرة ، إذا مكان حال بينك وبين أن تطيع الله فيجب أن تغادره ، هذه هي الهجرة .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، سنستأذنكم شيخنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 دقيقة ؛ الهجرة بين مكة والمدينة أغلقت بعد فتح مكة ، لكن أبوابها مفتحة إلى يوم القيامة بين كل بلدين يشبهان مكة والمدينة ، واضحة ؟
المذيع :
 واضحة تماماً سيدنا ، الله يفتح عليك بهذا المعنى الجميل .
 معنا جولة من مشاركات مستمعينا الأكارم ، مرام تفضلي يا أختي ، مرحباً بك .
المستمعة :
 السلام عليكم ، جزاكم الله عنا كل خير ، وبارك الله فيك دكتور محمد ، سؤالي عن قوله تعالى :

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) ﴾

[ سورة الحجرات ]

 لا أعرف لماذا جاءت ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) ممكن من حضرتك توضح لي هذه الآية دكتور ؟

الإيمان تصديق وإقبال على الله والكفران تكذيب وإعراض :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) أختي الكريمة ؛ الإنسان إذا خضع لمنهج الله عن فهمٍ أو عن غير فهمٍ ، عن علمٍ أو عن غير علمٍ ، عن تحقيقٍ أو عن غير تحقيق ، هذا مسلم ، أما المؤمن فإنسان آخر ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) أي إنسان يطبق منهج الله ، عن علم أو عن غير علم ، عن رغبة أو عن غير رغبة ، هذا اسمه مسلم، لكن عندما يطبق المنهج وله صلة بالله ، له خط مع الله ساخن صار مؤمناً ، فالإيمان تصديق وإقبال على الله ، والكفران تكذيب وإعراض .
 مثلاً : لو شخص له أب كبير ، كبير بالشأن وبالجسم ، أعطاه أمراً ولم يطبق أمره، هذا كفر بأمر أبيه ، لكنه لم يلغ وجوده ، تجد مسلماً ماله حرام ، دخله فيه ربا ، بالبيع عنده غش ، أين منهج الله ؟ هذا اسمه يا أختي التكذيب العملي ، هذا أخطر من التكذيب القولي ، نحن لا يوجد عندنا ببلاد المسلمين تكذيب قولي ، لا تجد واحداً بالمليون يقول لك : الله ليس موجوداً ، قلة قليلة جداً تافهة تحت الأقدام ، هؤلاء في مزابل التاريخ ، لكن يعرف أن الربا حرام ويبيع بالربا ، يعرف إطلاق البصر حرام ويطلق بصره ، ما دام لا يطبق المنهج هذا اسمه تكذيب عملي ، هذا أخطر من التكذيب القولي .
المذيع :
 لذلك شيخنا ؛ ربنا طالبهم أن يقولوا : إنهم أسلموا لكن لم يرتقوا ليقولوا : آمنا .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لأن الإيمان تصديق وإقبال على الله .
المذيع :
 الله يفتح عليك دكتور .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 صدق فصدق ، وطبق فأقبل ، الآخر ما كذب وجود الله ، لكن كذب صلاحيته ، يقول لك : هذا الإسلام ليس لهذا العصر ، كذب صلاحية الدين ، إله خالق ، عندما كذب الصلاحية التي تحصه ما طبقه ، حُجب عن الله عز وجل .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ، سنستأذن فضيلتكم شيخنا من جديد لفاصل قصير ثم نعود معكم ، وأيضاً معكم مستمعينا الأكارم لمتابعة حلقتنا لهذا اليوم ، وعنوانها : " ديننا الإسلام " نسعد باستقبال مشاركاتكم بعد الفاصل .
 شيخنا الحبيب ؛ في مواصلة هذا الحديث هل ينفع للإنسان أن يتم توريثه دين الإسلام من والديه أم عليه أن يصل إلى مرحلة وكأنه يجالس نفسه ، ويستحضر النية ، فيقتنع ويشهد بالشهادتين ، شهادة إيمان ذاتي وليس مجرد توريث الدين من والديه المسلمين ؟ ما رأي فضيلتكم ؟

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 رأي دقيق ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ؟ ))

 أي بيّن .

(( قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 انتهت الصلاة .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي]

 انتهى الصوم .

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾

[ سورة التوبة]

انتهت الزكاة .
 الحج : من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى: أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك .
 بقي الشهادة :

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله ))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 العبادة الشعائرية على عظمها ، وعلى عظم قدرها ، لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، سهراته فيها اختلاط ؟ الشاشات مفتوحة أم مضبوطة ؟ أولاده بالبيت رباهم ، لقاءاته إسلامية ؟ سهراته إسلامية ؟ نزهاته إسلامية ؟ سياحته إسلامية ؟

الإسلام منهج تفصيلي :

 الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، لذلك آيات النصر غير محققة .

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور]

 بربك هل نحن مستخلفون ؟ لا والله ( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ) هذا الدين ممكن أم يواجه حرباً عالميةً ثالثة كانت قديماً تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة جهاراً ونهاراً ؟ ( وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) هل نحن آمنون أم خائفون ؟
 آخر كلمة بالآية : ( يَعْبُدُونَنِي ) فإذا قصر المسلمون في عبادة الله فالله جلّ جلاله في حل من وعوده الثلاث ، نحن مشكلتنا لا بالعبادات الشعائرية ، والله عندنا مآذن ، وجوامع ، وجامعات ، ومظاهر إسلامية صارخة ، لكن الإسلام مطبق بتفاصيله ؟ الدخل إسلامي ؟ الإنفاق إسلامي ؟
المذيع :
 شيخنا الحبيب ؛ نستأذنك باتصال أخينا داود ، تفضل داود ، مرحباً بك .
المستمع :
 السلام عليكم شيخنا ، سيدي أنا أشكر حياة fm لأنها توفر لنا العلماء لنسألهم ، سيدي السؤال الأول هو في خلق السماوات والأرض .

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً (82) ﴾

[ سورة النساء ]

 أفلا يشعرون ، كيف أفكر ؟ كيف أشعر ؟ الطريقة سيدي ، لأننا حتى المسائل الاجتماعية نختلف فيها على أسباب تافهة ، كيف أفكر في خلق السماوات والأرض وقديماً لم يكن هناك تليسكوبات أو أي شيء أخر ؟
 السؤال الثاني .
المذيع :
 أخي داود، سامحنا معنا أقل من دقيقة لنهاية البرنامج ، لن أتمكن ، أخي داود حبيبنا أشكرك ، حتى فقط نجيبك على سؤالك ، حتى لا تطرح أسئلة دون إجابة ، شكراً لك واعذرني للوقت .
 شيخنا الحبيب ؛ الوقت المتبقي معنا قليل ، كيف كان يتدبر الصحابة والنبي الكريم ولم تكن هنالك تلسكوبات أو أجهزة علمية حديثة ؟

عظمة الله تتجلى في كل شيء خلقه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الأشياء البسيطة ، كأس الماء الذي تشربه ، هذا إذا بردته لزائد أربع درجات يزداد حجمه ، لو لم يزدد حجمه لما كان هذا اللقاء ، ولا كان هناك أردن ، ولا إذاعة ، ولا عهد ، هذه واحدة ، عندما ازداد حجمه قلت كثافته طفا ، عندما طفا البحار بقيت دافئة ، صار هناك أمطار ، أي حياتنا تتوقف على هذا الاستثناء للماء فقط .

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾

[ سورة عبس]

 سيدي مليون آية بين أيدينا ، الطعام ، والشراب ، والفواكه ، والخضراوات ، والزواج، والإنجاب ، طفل يولد ، تسعة أشهر بدماغه يوجد مليون وأربعمئة ألف خلية عصبية ، الشيء الذي لا يصدق طفل كامل ، سمع ، بصر ، حركة ، نفس ، جهاز هضمي ، جهاز تناسلي ، وجهاز بولي ، ليس معقولاً !!
المذيع :
 إذاً أينما نظر الإنسان يرى عظمة الله .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 شيء يفوق حدّ الخيال ، الله ماذا قال :

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾

[ سورة الذاريات]

المذيع :
 الله يفتح عليكم شيخنا ، كل الوقت لكم ، لكن معذرةً لانتهاء وقت البرنامج ، نختم الحلقة بالدعاء .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنةً مطمئنة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور