وضع داكن
26-04-2024
Logo
محفوظات - موضوعات معدلة - الدرس : 1 - سورة النبأ - تفسير الآيات 1-17 عم يتساءلون عن النبأ العظيم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الإله العظيم إذا قال عن شيء إنه نبأٌ عظيم فهو حقّاً نبأ عظيم

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من الجُزء الثلاثين، والسورة اليوم سورة النبأ:

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾

[سورة النبأ]

 كلمة (عَمَّ) أساسها عنوهو حرف جر، وماالاستفهامية، فإذا أضيفت ما الاستفهامية إلى حروف الجر حذفتْ ألفها، أما إذا أضيفت إلى ما المصدرية بقيتْ ألفها، لو أنني سألت واحداً متفوقاً: بِمَ نلت هذا النجاح المتفوِّق؟ يقول لي: بما بذلت من جهدٍ، فـ (ما) الأولى استفهامية، أما الثانية مصدرية، فإذا جاءت حروف الجر مع ما الاستفهامية حُذفتْ ألفها، هذه قاعدة؛ عمَّ، إلامَ، فيمَ.
 يقول الله عزَّ وجل :

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)﴾

[سورة النبأ]

 الإله العظيم إذا قال: إنه نبأٌ عظيم، فهو حقّاً نبأ عظيم، لأن الذي يصفه بالعظمة عظيم، ولو أن طفلاً قال لك: أنا معي مبلغ كبير، فكم تقدِّر هذا المبلغ؟ ولو أن رجلاً غنياً قال لك: ثروتي كبيرة، فإنك تقدِّر كلمة (كبيرة) بالنسبة للقائل، فالطفل إذا قال لك: معي مبلغ كبير، فهو غير الإنسان التاجر الكبير، مليونير، فقال لك: ثروتي كبيرة، فحجم الكِبَر هنا يؤخذ بحسب القائل.

خسارة الآخرة نبأٌ عظيم يصعق فيه الناس

 ربنا عزَّ وجل العظيم، سبحان ربي العظيم

﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) ﴾

[سورة الحاقة]

﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) ﴾

[سورة البقرة]

﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[سورة الحاقة]

 الإله العظيم يقول لك: هو نبأٌ عظيم، هذا اليوم -يوم الفصل- الإنسان يُصْعَق:

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) ﴾

[سورة الطور]

  الإنسان يصعق في هذا اليوم؛ لأنه يكتشف أنه خسر الآخرة، فالإنسان حينما يخسرخسارة كبيرة في الدنيا يُصعق، فإذا ذهبت ثروته كلُّها، أو صُودِرَت أمواله، أو فَقَدَ بيته الوحيد، أُعطِي أمراً بإخلائه لخللٍ في البناء، ولا يملك مأوىً غيره، شيء من الدنيا إذا كان مهماً، وفَقَده الإنسان فجأةً يصعق، فكيف إذا اكتشف يوم القيامة أنه في ساعة واحدة خسر الآخرة؟

﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ﴾

[سورة الزمر]

الغنى والفقر بعد العرض على الله

 الخسارة الحقيقية حينما نخسر الأبد، نربح الدنيا المحدودة، القصيرة، ونخسر الآخرة، فهذا نبأٌ عظيم يصعق فيه الناس.
 لذلك المؤمن حينما يربح الآخرة يقول: لم أرَ شراً قط، وكل ما ساقه الله له من مصائب في الدنيا لا يراها شيئاً أمام هذا الفوز العظيم، وكل شيءٍ تَنَعَّم به الكافر في الدنيا، حينما يرى مكانه في جهنم يقول: لم أرَ خيراً قط.فالغنى والفقر بعد العرض على الله، والعاقل كل العاقل، والعقل كل العقل، والنجاح كل النجاح، والذكاء كلّ الذكاء، والتفوق كل التفوق أن تربح الأبد، وأن تربح جنةً عرضها السماوات والأرض، والإنسان في الدنيا مُرْخى له الحبل، له أن يفعل ما يشاء، له أن يصلي أو لا يصلي، له أن يأكل المال الحرام أو أن يكسب المال الحلال، له أن يُطلق بصره أو أن يغضَّ بصره، له أن يصدق أو أنْ يكذب، له أن يُخْلص أو أن يخون، وله أن يقسو أو أن يرحم، فليفعل ما يشاء:

﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ (40) ﴾

[سورة فصلت]

 كل شيء له حساب، في يوم الفصل؛ تقاس الأشياء بمقياسٍ واحدٍ إلهي، فهؤلاء يتساءلون..

زعم المنجِّم والطبيب كلاهـما  لا تُبعث الأموات قـلت: إليكـما
إن صحَّ قولكما فلست بخاسـرٍ أو صحَّ قولي فالخسار عليكمـا
* * *

 هذا التساؤل سوف يُحْسَم يوم القيامة

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾

[سورة النبأ]

ما من حدثٍ أشد واقعيةٍ من النبأ العظيم

 البشر الآن مختلفون؛ هناك من يؤمن بالمادَّة فقط ولا شيء آخر بعد المادة، والدنيا هي كل شيء، والمال هو كل شيء، وطاعة الأقوياء هي كل شيء، وهناك إنسان عرف الله فرأى الحقيقة الدينية هي كل شيء، ورأى أن الله عزَّ وجل هو كل شيء، والسعادة كل السعادة في معرفته، وطاعته، والقرب منه، والشقاء كل الشقاء في الغفلة عنه، ومعصيته، والبعد عنه.
 فهذا النبأ العظيم واقعٌ لا محالة، بل ما من حدثٍ أشد واقعيةٍ من النبأ العظيم، من يوم القيامة، من يوم الفَصْل، من يوم الطَّامة:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ (34) ﴾

[سورة النازعات]

  من يوم القارعة

﴿ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) ﴾

[سورة الحاقة]

 أسماء يوم القيامة كثيرةٌ جداً؛ يوم الفصل، ويوم الدين، ويوم الجزاء، والحاقَّة، والقارعة، وما إلى ذلك، لكن هذا الاختلاف لا يستمر، يحسمه الله عزَّ وجل عند الموت:

﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ﴾

[سورة ق]

 أكفر كفَّار الأرض حينما جاءه الموت قال:

﴿ ... آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾

[سورة يونس]

 أيْ أن هذه الحقائق الكبرى التي جاء بها الأنبياء سوف يكشفها فيعرفها الخلق كلهم، ولكن عند الموت، وبعد فوات الأوان.
 خيار الإيمان خيار وقت: إذاً خيار الإيمان خيار وقت، إما أن تؤمن في الوقت المناسب فتنتفع بإيمانك، وإما أن تؤمن في الوقت غير المناسب فتشقى بإيمانك، أما الإيمان حاصل لا محالة

﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ﴾

[سورة النبأ]

 عند الموت

﴿ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) ﴾

[سورة النبأ]

 يوم البعث والنشور.
 الآن هذا اليوم يوم الفصل، هذا اليوم يوم الدين، هذا اليوم يوم الجزاء، هذا اليوم يوم تسوية الحسابات، فما سبيل الإيمان به؟ هو إيمانٌ تحقيقي أم إيمانٌ تصديقي؟ هناك من يقول: أنه إيمان تصديقي لأن الله أخبرنا أن هناك يوماً عظيماً، يحاسب فيه الناس عن كل أفعالهم

﴿ ... مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) ﴾

[سورة الكهف]

 الإيمان بالله واليوم الآخر متكاملان: أنت حينما تؤمن أيها الأخ الكريم أنه:

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ﴾

[سورة الزلزلة]

 يجب أن تكتفي بهذه الآية، لأن أعرابياً لقي النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:

﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ﴾

[سورة الزلزلة]

 قال: كُفيت، فورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( فقُهَ الرجل )، أيْ: أصبح فقيهاً من آية واحدة فقط.
 أيها الأخ الكريم أنت حينما تؤمن أن كل كلمةٍ، وكل حركةٍ، وكل سكنةٍ، وكل عطاءٍ، وكل منعٍ، وكل ابتسامةٍ، وكل صلةٍ، وكل قطيعةٍ، وكل غضبٍ، وكل رضاً، وأيّ موقفٍ، وأيّ عملٍ تعمله مسجلٌ عليك وسوف تحاسب عنه، وهذا هو الإيمان.
 لذلك الإيمان بالله لا يكفي، فلا بدَّ أن تؤمن مع الإيمان بالله باليوم الآخر، هما فرعان من فروع الإيمان أساسيان، اقترنا معاً في أكثر آيات القرآن: آمن بالله واليوم الآخر، الإيمان بالله واليوم الآخر متكاملان، أي أنك إن لم تؤمن أن الله موجود، وكامل، وواحد، ويعلم، وسيحاسب، وسيعاقب فلن تستقيم على أمر الله.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) ﴾

[سورة الطلاق]

الإيمان باليوم الآخر إيمان تصديقي

 حينما تؤمن أن علمه يطولُك، وأن قدرته تطولُك لا يمكن أن تعصيه أبداً، هذا النبأ العظيم يوم القيامة، يوم الدين، يوم الفَصْل، يوم الجزاء، يوم الدينونة، القارعة، الحاقّة، الطامّة، الغاشية، إن آمنت باليوم الآخر أصبحت مَلَكاً، وأمّا هذا الذي يعصي، وهذا الذي يعتدي على أعراض الناس، وهذا الذي يقع في المعاصي والآثام، وهذا الذي يبني حياته على العدوان، فهذا إنسان لم يؤمن باليوم الآخر، ولو آمن لما فعل ذلك، إنك إن آمنت بإنسانٍ قوي يفعل ما يقول لا يمكنك أن تعصيه، هذا من بني البشر، من بني جلدتك، إذا كنت موظفاً في دائرة، ولك مديرٌ قويُّ الشخصية يعلم ما يفعله موظَّفوه بالتفاصيل، ويحاسب ويعاقب، فإنّك تستقيم على أمره، تستقيم على أمر بشر، فكيف بخالق البشر؟!
 هذا الإيمان باليوم الآخر إيمان تحقيقي أم تصديقي؟ الحقيقة هو عند جمهور العلماء إيمان تصديقي، لأن الله أخبرنا أن هناك يوم دين، يوم جزاء سوف نحاسب فيه، ولكن لو أعْمَلْتَ عقلك في الموضوع، مثلاً هل من الممكن لبلد أن ينشئ جامعة تكلِّف ألوف الملايين، ويستغرق بناؤها خمسين عاماً، وبعد افتتاحها بسنتين يؤمر بتهديمها؟ هذا عمل غير معقول، فقس على ذلك إنساناً عاش ستين سنة، أربعين سنة إعداد؛ درس حتى نال دكتوراه، تزوّج، واشترى بيتاً، وفرش البيت، صار له عمل، هذا كله استغرق أربعين سنة، معترك المنايا بين الستين والسبعين في أحسن الأحوال، وأحياناً بالثمانية والخمسين يموت الإنسان، بالخامسة والخمسين، بالاثنين والأربعين، وبالثالثة والأربعين، بالتاسعة والخمسين، بالخمسين، أيُعقَل هذا؟‍‍‍! هكذا الحياة، تكون سنتين، ثلاثاً، أربعاً، عشراً، وانتهى الأمر؟! لا ثم لا. واحد قوي، وواحد ضعيف، وتنتهي الحياة هكذا، القوي قوي والضعيف ضعيف، والغني غني والفقير فقير، والصحيح صحيح والمريض مريض، والمعمِّر معمِّر والقصير العمر قصير العمر بلا تسوية حسابات؟!! هناك ظالم ومظلوم، هناك مستغِل ومستغَل، هناك قاهر وهناك مقهور، تسمع بإنسان تمتَّع بصحة رائعة طوال حياته، وعاش مئة سنة، وإنسان آخر كله عللٌ وأمراض، وتنتهي الحياة هكذا بلا شيء؟! المعتدي نجا والمعتدى عليه سُحِق، الظالم نجا والمظلوم هُضِم حقه، بلا يوم حساب؟! العقل لا يقبل ذلك.
 لذلك بعض العلماء الكبار، ومنهم ابن القيِّم قال: الإيمان باليوم الآخر عقلي، وتفاصيله نقليَّة، التفاصيل؛ ماذا يجري في هذا اليوم؟ الصراط المستقيم، الحوض، العذاب، الصُحُف نُشِرَت، الميزان نُصِبْ، تفاصيل هذا اليوم نقلاً، أما أصل هذا اليوم نؤمن به عقلاً..

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)﴾

[سورة النبأ]

من عظمة الله سبحانه أنه جعل هذه الأرض ممهَّدة لنا

 الآن أيها الأخوة قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)﴾

[سورة النبأ]

.
 ما العلاقة بين قوله تعالى:(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا... )إلى آخر الآيات، وبين قوله تعالى:(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا)؟
 أيْ أنَّ هذا الخالق العظيم الذي جعل هذه الأرض ممهَّدةً لنا، لو جعلها كلها صَخْرِيَّة كيف نعيش عليها؟ لكن من رحمته سبحانه جعلها تُرْبَةً تُنبت الزرع والزيتون. الأرض الممهَّدة كل شيء فيها خُلق خصيصاً للإنسان :
 من فجَّر الينابيع؟ ومن أنزل الأمطار؟ ومن حرَّك السُحُب؟ ومن قَنَّنَ هذه القوانين؟ بخار الماء، والتبخُّر، والهواء يحمل بخار الماء، وكل درجة حرارة يستوعب الهواء من بخار الماء ما يستوعب، فإذا انتقل بخار الماء إلى جبهةٍ باردة تخلى عن بعض ما فيه فكان المطر.

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) ﴾

[سورة النبأ]

 هذه الأرض الممهَّدة؛ فيها معادن، فيها أشباه معادن، فيها نباتات، فيها أطيار، فيها أسماك، فيها حيوانات، فيها أنعام، كل شيء فيها خُلق خصيصاً للإنسان..

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ ... (5) ﴾

[سورة النحل]

 فهذه الآيات الدالة على عظمته.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) ﴾

[سورة النبأ]

 مهداً لكم، فالأرض مستقرة، لو أنها مضطربة هل يُبنى عليها بناء؟

﴿ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا ... (61) ﴾

[سورة النمل]

﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) ﴾

[سورة النازعات]

كل ما في الكون ينطق بآيات الله سبحانه

 أيها الأخوة، هذا موضوع كبير.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) ﴾

[سورة النبأ]

 مستقرَّة، ومتحركة، وذات حجم معتدل، وكثافة معتدلة، والجاذبيّة معتدلة، الإنسان إذا كان وزنه في الأرض ستين كيلو، لو كان على سطح القمر فوزنه عشرة كيلوات فقط، وزن معتدل، كثافة معتدلة، حجم معتدل، دورة معتدلة، دورة على محور مائل، لولا هذا المَيْل لما كانت الفصول، ولولا أن الدوران على محور لا يتوازى على مستوى الدوران لما كان الليل ولا النهار، فالليل والنهار آية، الشمس والقمر آية، والفصول آية، والاعتدال في الحرارة والبرودة آية، والأمطار آية، والرياح آية، والجبال آية، والصحارى آية، والبحار آية، والأنهار آية، والينابيع آية.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)﴾

[سورة النبأ]

 الأرض تدور، فالأرض لها طبقات، وكل طبقة لها كثافة، وكل كثافة لها عطالة خاصَّة بها، والكثافات متفاوتة، لو أنّ الأرض حينما تدور يجب أن تضطرب لما استقرّتْ عليها الحياة، ائتِ ببيضةٍ ليست مسلوقةً دوّرها تضطرب، لأن فيها عناصر متفاوتة في الكثافة، فيها الصفار وفيها البياض، والكثافة تَعني أن العطالة مختلفة، والعطالة ما هي؟ هي أن الجسم المتحرِّك يرفض السكون، والساكن يرفض الحركة، فالجسم الكثيف عطالته عالية جداً، والجسم القليل الكثافة عطالته بسيطة، فالبيضة غير المسلوقة لا تدور بل تضطرب، أما المسلوقة فقد تجانست، فالعطالة أصبحت واحدة، والأرض فيها طبقات متفاوتة، الجبال أوتاد، الجبال ربطت هذه الطبقات بعضها ببعض، لذلك الجبل يُرى منه ثلثه فقط، والثلثان تحت الأرض، الجبال أوتاد، هناك آية تذكر أنّ الجبال رواسٍ، وآية أخرى الجبال مَصَدَّات، أما هنا فالجبال أوتاد.

الذكور شيء والإناث شيء وكل جنسٍ خصائصه وقُدراته كاملةٌ لمهمَّته

 قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) ﴾

[سورة النبأ]

 نظام الزوجية، نظام الذكر والأنثى، شخصان متشابهان، لكن الرجل له بُنْيَة جسمية خاصة، أجهزة خاصة، له عقلية خاصة، الجانب العقلي مختلف، الجانب النفسي مختلف، الاجتماعي مختلف، القُدرات مختلفة.
 والله قرأنا كتاب في الجامعة "الفروق بين الجنسين " كتاب مشهور جداً، ثمانمئة صفحة، بعد أن تقرأه وتقرأ قوله تعالى:

﴿ ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ ... (36) ﴾

[سورة آل عمران]

 تسجد لله تعظيماً لخلقه، بمئات القدرات الذكور شيء والإناث شيء، وكل جنسٍ خصائصه وقُدراته كاملةٌ لمهمَّته، وهذا معنى قول الإمام الغزالي: ليس في الإمكان أبدع مما كان، فكل خصائص المرأة؛ الجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية كمالٌ لمهمتها، أما حينما تختلط الأوراق، وتتشبَّه النساء بالرجال، ويتشبَّه الرجال بالنساء، ويأخذ كلّ جنسٍ دور الجنس الآخر، يصير هناك معاناة كبيرة جداً، أما المرأة بكل خصائصها كاملةٌ لأداء مهمَّتها

﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) ﴾

[سورة النبأ]

 يقول لك بعضهم: المرأة كالرجل تماماً، لا، فهذا كلام غير صحيح، هي كالرجل؛ تشريفاً، وتكريماً، وتكليفاً، ومسؤوليةً، مكلَّفة أن تؤمن كما هو مكلف أن يؤمن، مكلفة أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والكتاب، والملائِكة، والنبيين، مكلَّفةٌ بأركان الإسلام؛ بالصلاة، والصيام، والحجِّ، والزكاة، مشرَّفةٌ كما هو مشرَّف، مسؤولةٌ كما هو مسؤول، ومع كل ذلك:

﴿ ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ ... (36) ﴾

[سورة آل عمران]

.
 من آيات الله الدالَّة على عظمته أن الله عزَّ وجل جعل البشر أزواجاً.
 قدرات الأنثى وخصائصها، وبُنْيَتُها، ونفسيّتها، وعلاقاتها، وعقلها أكمل شيءٍ لأداء مهمتها.
 إن زوجي تزوجني وأنا شابة؛ ذات أهلٍ ومالٍ وجمال، فلما كبرت سني، ونثرتُ بطني، وتفرَّق أهلي، وذهب مالي قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا.
 لها دور التربية وله دور القيادة.
 لذلك قالوا:ما زاد في عقل الرجل ونقص في عاطفته كمالٌ في مهمته، وما زاد من عاطفة المرأة الجيَّاشة وضعفت قيادتها كمالٌ بحقِّها "، فهذه أسرة، مركب يحتاج إلى قائد، القيادة للزوج، والرعاية للزوجة.

﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) ﴾

[سورة النبأ]

 من آيات الله الدالَّة على عظمته أن الله عزَّ وجل جعل البشر أزواجاً.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (22) ﴾

[سورة الروم]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ ... (37) ﴾

[سورة فصلت]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ ... (21) ﴾

[سورة الروم]

النوم والليل من آيات الله الدالة على عظمته

 قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) ﴾

[سورة النبأ]

 ما هذا النوم؟ لك أعصاب، ولك منافذ؛ العينان منفذان من العالم الخارجي إلى عالمك الداخلي، والأذنان منفذان من العالم الخارجي إلى عالمك الداخلي، وأعصاب الحِس منافذ، والأنف من المنافذ، والفم من المنافذ، هذه المنافذ ماذا يحصل لها في النوم؟ قال العلماء: الطريق العصبي عبارة عن خلايا عصبية، خلية واستطالة، وهناك تباعد بينها وبين الخلية الثانية، في النهار الخلايا متقاربة، فالسيَّالة العصبيَّة تستمر في سيرها، في الليل تتباعد، فإذا تباعدت انقطعت السيالة العصبية فكان النوم.

﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) ﴾

[سورة النبأ]

 النائم كالميت تماماً، ترتاح أعصابه، ترتاح عضلاته، يرتاح نشاطُه الفكري، يستيقظ ليستعيد نشاطه مرةً ثانية.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) ﴾

[سورة النبأ]

 الليل سَتر، وقت الراحة، وقت النوم، وقت اللقاءات، وقت الركون إلى البيت والأهل، كله في الليل.

النهار والكون من آيات الله الدالة على عظمته أيضاً

 قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) ﴾

[سورة النبأ]

 النهار طبيعته طبيعة عمل، بالعكس فالإنسان عنده ساعة بيولوجية، هذه الساعة البيولوجية في النهار ترتفع خلالها ضربات القلب، ويعلو الضَغط، وبعض الغُدَد الصمَّاء تفرز كميَّات مضاعفة، هناك برنامج دقيق جداً متعلِّق بأجهزة القلب، وبالدوران، والرئتين، والغدد الصماء كله في النهار، فإذا جاء الليل هبطت ضربات القلب إلى الثُلثين، والضغط هبط، والإفراز قَلّ. إذا سافر الإنسان لبلد بعيد يقول لك: مضى عليّ يومان لم أنم، لأنه مبرمج على البلاد القديمة التي سافر منها، إلى أن تأخذ الساعة البيولوجية خطَّتها الثانية تحتاج إلى يومين، فالنهار معاش، والليل لباس، وقلبك، وشرايينك، وضغط الدم، والرئتان، والهضم، الهضم في الليل أضعف بكثير، والغدد الصمَّاء، هذه كلها نشاطها يزداد في النهار ويضعف في الليل، لذلك الذي يسهر الليل وينام النهار هذا إنسان غير سوي، هذا يعاكس بُنْيَة جسمه..

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) ﴾

[سورة النبأ]

 قد تكون كلمة (سَبْعًا) للتكثير فقط، وفي الكون مئة ألف مليون مجرَّة، ومجرَّتنا مجرة معتدلة جداً، فيها مئة ألف مليون نجم، وهناك مجرَّة اسمها المرأة المُسَلْسَلَة، تزيد عن مجرَّتنا بثمانيةٍ وعشرين ضعفاً، وتبدو في المناظير نجماً واحداً، كلها، كل شيء ترونه في السماء هو درب التبانة، مجرتنا فقط، هناك في السماء نجم متألِّق جداً اسمه المرأة المُسلسلة، وهو في الحقيقة مجرةٌ بأكملها، ويزيد حجمها عن حجم مجرتنا بثمانيةٍ وعشرين ضعفاً.

﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) ﴾

[سورة النبأ]

 آيات أخرى دالة على عظمته سبحانه: الآن الرقم وصل إلى عشرين مليار سنة ضوئيَّة، أي أنَّ بُعد بعض المجرات عنا عشرين مليار سنة ضوئيَّة، الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، فمن أذان المغرب وحتى أذان العشاء، فإذا قطع الضوء في كل ثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، فكم قطع الضوء في هذا الدرس؟ النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة، وصلنا ضوءه بعد عشرين مليار سنة، أين هو الآن؟ النجم يسير بسرعة مئتين وأربعين ألف كيلو متر بالثانية، الله عزَّ وجل قال:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) ﴾

[سورة الواقعة]

﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) ﴾

[سورة النبأ]

 هذه الشمس من خمسة آلاف مليون سنة مُتَألِّقة، مشتعلة، ويقدِّر علماء الفلك أنها تبقى متألِّقة إلى خمسة آلاف مليون سنة أخرى، وترسل من الطاقة ما لا يوصف، سطحها تزيد حرارته عن ستة آلاف درجة، حرارتها في مركزها عشرين مليون درجة، لو أُلقيت الأرض فيها لتبخَّرت في ثانيةٍ واحدة، جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف كرة أرضية، لسان لهبها يزيد عن مليون كيلو متر، هناك أناسٌ نظروا إلى الشمس يوم كُسوفها بالمناظير، وفقدوا أبصارهم كلها، من مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، لو حدَّقت في قرص الشمس لاحترقت شبكية العين.

﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)﴾

[سورة النبأ]

 هذه الأمطار، فقد ترى على الأرض مِن القمر الصناعي لطعةً رمادية اللون فوق الشرق الأوسط، هذه كانت بالقُطر كلِّه ببلدنا الطيب، وفي الأردن، وفلسطين، ولبنان، وتركيا، وشمال السعودية، فهي منخفض، هي رحمة الله عزَّ وجل، كمية الأمطار كانت مئة وتسعين ميليمتراً في الأربعة وعشرين ساعة، مئتين، مئتين وخمسين، خمسين، ستين، سبعين، كلها خيرات لا يعلمها إلا الله، على القمر الصناعي بقعة رمادية اللون فوق الشرق الأوسط.

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21)﴾

[سورة الحجر]

كل شيء نأكله هو نبات أساسه الماء

 قال تعالى:

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)﴾

[سورة النبأ]

 لا يعرف كلمة:

﴿ الْمُعْصِرَاتِ ﴾

 إلا علماء الجغرافيا، هذا الهواء يحمل بخار الماء، فمن الممكن أنْ يحمل هذا الهواء بدرجة ـ فرضاً ـ ثلاثين، كمية من بخار الماء معيَّنة، فلو مررنا بهذا الهواء الحامل لبخار الماء، وعرَّضناه إلى برودة، فالهواء ينكمش، فإذا انكمش الهواء تخلّى عن بعض الماء الذي فيه، لأن الهواء يستوعب بكل درجة كمية بخار ماء معيَّنة، وكأن هذا الهواء عَصَرَ ما فيه من بخار الماء وجعله مطراً:

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴾

[سورة النبأ]

 أساس الرزق هو الماء، فالأنهار والينابيع، والمزروعات والمحاصيل، والقمح والشعير، كل شيء تأكلونه هو نبات، هذا النبات أساسه الماء:

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ﴾

[سورة النبأ]

الذي خلق هذا الكون العظيم لن يدع الإنسان سُدَىً بل سيحاسبه

 هذا الذي خلق السماوات والأرض، جعل:

﴿ ... الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)﴾

[سورة النبأ]

 هذا الإله العظيم هل خلَق الكون عبثاً؟!

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾

[سورة المؤمنون]

 بلا هدف؟

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾

[سورة القيامة]

 يَظْلِم فلا يُحاسَب؟ يعتدي فلا يحاسَب؟ يزني فلا يحاسَب؟ يأخذ ما ليس له فلا يحاسَب؟ يستعلي فلا يحاسَب؟ يتغطرس فلا يحاسَب؟ يسحق الآخرين فلا يحاَسب؟ يبني مجده على أنقاض الآخرين فلا يحاسَب؟ يبني حياته على موتهم فلا يحاسَب؟ يبني أمنه على خوفهم فلا يحاسَب؟!! لا.

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 هذا هو الجواب يقيناً، والذي خلق هذا الكون العظيم لن يدع الإنسان سُدَىً، بل سيحاسبه.

الله تعالى سيسأل الناس جميعاً يوم القيامة عما كانوا يعملون

 قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[سورة الحجر]

 لنسألنَّهم واحداً وَاحداً عما كانوا يعملون:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 لهم جميعاً، هذا المغزى، فجامعة كلّفتْ خمسين ملياراً، وفيها مخابر، وقاعات تدريس، وحدائق، وملاعب، وسَكَن للطلاب، وأساتذة كبار، ومناهِج عظيمة، ووسائل إيضاح رائعة، وليس فيها نهاية العام امتحان؟! مستحيل، فلا بدَّ من امتحان، ولا بدَّ من فرز الطلاب إلى ناجحٍ وراسب، الناجحون؛ متفوقٍ وغير متفوِّق

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 الذي جعل:

﴿ ... الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)﴾

[سورة النبأ]

الإيمان باليوم الآخر إيمانٌ عقلي وتفاصيله نقليَّة

 الذي فعل كل ذلك سوف يسألكم، وسوف يحاسبكم، وسوف يوقِفكم للحساب الدقيق.

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) ﴾

[سورة الطور]

  لا بد أن يصعق الإنسان حينما يكتشف الحقيقة، فكل البطولة أن تكتشفها قبل فوات الأوان، أن تكتشفها وأنت صحيحٌ معافىً، أن تكتشفها وأنت في الدنيا، قبل أن تُكشَف وأنت بين يدي الله عزَّ وجل، لكنَّ فرعون الذي قال:

﴿ ... أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) ﴾

[سورة النازعات]

 والذي قال:

﴿ ... مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي ... (38) ﴾

[سورة القصص]

 فرعون نفسه حينما أدركه الموت قال:

﴿ ... آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾

[سورة يونس]

 فأهم شيء في هذا الدرس أن هذا الخالق العظيم، وهذا الكون يشهد بعظمته أنّ الإنسان لن يُترك سُدىً، ولم يُخلَق الخلق عبثاً، خلقهم ليحاسبهم، وخلقهم ليجزيهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذه العلاقة بين هذه الآيات وبين

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) ﴾

[سورة النبأ]

 إذاً الإيمان باليوم الآخر إيمانٌ عقلي، وتفاصيله نقليَّة، وأكرِّر هذه الحقيقة: أصل الإيمان عقلي وتفاصيله نقليَّة.

إخفاء الصور