وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 23 - تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين .

صلَى عليك الله فـــــــــــي عليائه  مــــــــــــــــا صاح داعٍ للأذان وكــبرَ
يا ربِّ صلِّ على النبي وآلـــــــــه  ما فاض نبع بالجداول أو جــرى
صلوا على المختار أحمد إنـــــه  أزكى الأنام وخير من وطئ الثرى
***

 أيها الأخوة الأحباب ؛ نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مجموعة حلقات نستضيف فيها فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم .
الدكتور بلال نور الدين :
 أكرمكم الله سيدي ؛ نحن اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الصغار، مع أحباب الله ، مع الفئة الأطهر ، والأزكى في المجتمع ، كيف كان يعامل الصغار ونحن بحاجة إلى هذا الموضوع اليوم ؟
 الصغار سيدي لهم خصائص معينة ، محددة تقتضي معاملة مختلفة غير معاملة الكبار ، والنبي صلى الله عليه وسلم من أولى آدابه في التعامل مع الصغار التعليم ، وهو الذي بعث معلماً بأبي هو وأمي .
 عمر بن أبي سلمة ؛ كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه لها دلالة يضعه في حجره ، أي في حضنه صلى الله عليه وسلم ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، يأكل الطعام من هنا ومن هنا ، فيقول صلى الله عليه وسلم :

(( عن عمر بن أبي سلمة رضي اللَّه عنهما قال : كنتُ غُلاماً في حجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت يَدي تطيشُ في الصحفَة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلامُ ! سَمَّ اللَّه ، وكلْ بيمينك ، وكلْ مما يلَيك ، فما زالتْ تلك طِعْمَتي بعدُ ، وفي رواية قال : أكلتُ يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً ، فجعلت آكلُ من نواحي الصَّحفَة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُل مما يَليِك ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك]

 هذا التعليم للصغار والتلقين بهذا الأسلوب الراقي .

الأطفال أحباب الله علينا رعايتهم والاهتمام بهم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا أذكر أن النبي الكريم نزل من على المنبر ، وحمل الحسن ، وتابع الخطبة معه ، منتهى المودة ، طفل .
 لاعبه سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اتخذه صديقاً ، هذا منهج ، في السنوات الأولى يحتاج إلى ملاعبة ، إلى مداعبة ، إلى ضم .
 حدثنا دكتور في الجامعة من كبار علماء النفس قال : يحتاج الطفل إلى عشرين ضمة في اليوم ، غير الطعام والشراب ، هذا الضم يمتن العلاقة بين الأم والولد .
الدكتور بلال نور الدين :
 وهذه في حجر رسول الله .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا رأيي الشخصي الأطفال مستقبل الأمة ، الأطفال قوة الأمة ، الأطفال حرز الأمة ، الطفل بريء .
 أنا أذكر مرة دخلت إلى مستشفى أطفال ، لفت نظري شيء ، المحجبة تبكي ، وغير المحجبة تبكي ، والمدنية تبكي ، والقروية تبكي ، أودع الله محبة الأبناء في قلوب الآباء .

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) ﴾

[ سورة طه]

 هذه محبة الله ، لولا هذه المحبة لانتهت الحياة ، الحياة البشرية تستمر بهذه العاطفة نحو الأطفال ، الأطفال أحباب الله .
الدكتور بلال نور الدين :
 وهذه الملاعبة في السنوات الأولى كما تفضلتم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لاعبه سبعاً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لكن أيضاً فيها تعليم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وجد معه قلماً ثمنه مرتفع ، من أين هذا ؟ هذه تحتاج إلى متابعة ، متابعة كبيرة جداً، لاعبه سبعاً ، وأدبه سبعاً ، الآن بعد سن معينة إن حاسبته بقسوة لا يتحمل ، وإن تركته يغلط ، وراقبه سبعاً ، لاعبه ، أدبه ، راقبه ، ثم بعد أن بلغ العشرين اتخذه صديقاً .
الدكتور بلال نور الدين :
 حوار ، كن معه ، أيضاً سيدي من الذي يلفت النظر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قلتم : لاعبه ، الممازحة ، والملاطفة كم لها من أثر على الصغار ، يقول : يا عمير ! ماذا فعل النغير ؟

أثر الممازحة والملاطفة على الصغار :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نحن مر معنا في الجامعة مرجع ، كنا مكلفين أن نتابعه ، اللعب أو الفكاهة في التعليم لها أثر كبير ، أحياناً تصيب آلاف الأهداف بحجر واحد ، الفكاهة مطلوبة جداً ، والفكاهة من شيم الدعاة الكبار ، أحياناً عنده الفكاهة مثل الكاريكاتير ، تنقل لك مئتي معلومة بنظرة واحدة ، تنقل له مئتي فكرة بنظرة واحدة ، الكاريكاتير فن كبير جداً ، فلذلك نحن يهمنا جلب قلوب الصغار ، يجذبون بقصة .
 عفواً ، لو أخذت معك ابنك إلى خطبة سألته عنها بالقصة يقول لك .
الدكتور بلال نور الدين :
 يذكر القصة ، هذا الطفل الذي فقد عصفوره ، النبي صلى الله عليه وسلم قائد الأمة والجيوش ، يمازح عميراً ، وهو أخو أنس بن مالك ، يقول : يا عمير ! ماذا فعل النغير ؟ كلما رآه يقول له : ماذا فعل النغير ؟ يطيب خاطره .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 سيدي ، هذه المرونة ، والذكاء ، والحكمة ، والكمال ، والحب ، أنا أدعو كل أفراد المجتمع بأطيافه ، كل أعماره ، أنا مضطر أن ألاعب الصغير ، أنا أذكر كنت أقدم لكل ابن جاء مع أبيه إلى الخطبة هدية ، هدية ثمينة ، فأنا علقته بالجامع ، أما لو كان هناك ضرب ، كان هناك كراهية للجامع .
 أقسم بالله أن شخصاً تلقى ضرباً من خادم جامع ، خمسون سنة لم يصلّ ، ضرب مبرح .
الدكتور بلال نور الدين :
 هذا ينقلني إلى الفقرة التي بعدها ، حضور الأطفال في المساجد ، فيروي بريدة رضي الله عنه قال :

(( عن بريدة بن الحصيب : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب إذ أقبل الحسن والحسين يمشيان ويعثران ، عليهما قميصان أحمران . قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملهما ، ثم قال : ' صدق الله :

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) َ﴾

[ سورة التغابن]

(( إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى نزلت وحملتهما ))

[أخرجه أبو داود وابن خزيمة]

 صلى الله عليه وسلم .

أهمية حضور الأطفال إلى المساجد :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا في جامعي في الشام ، معي أكلات غالية جداً ، كلما رأيت طفلاً مع أبيه أعطيه هذه الأكلة الطيبة ، ربطت الجامع بشيء نفيس ، الطفل عندما يُضرب بالجامع كره الصلاة ، كره الدين كله ، فأنا فعلت العكس ، كل طفل يأتي مع أبيه له هدية ثمينة ، أحياناً تكلفني مبلغاً كبيراً ، لكن هذا الطفل أحبّ الجامع ، أحبّ الدين ، أحبّ القرآن ، أحبّ هذا المنهج .
الدكتور بلال نور الدين :
 رأيت لوحة سيدي في مسجد أن هؤلاء الأطفال الذين تخرجونهم اليوم من المساجد هم نفسهم الذين ستترجونهم غداً ليدخلوا إلى المسجد ، إذاً سيدي هذه الظاهرة الموجودة أحياناً بعض المساجد ارجع إلى الصف الثاني ، ارجع إلى الوراء ، لو أثار بعض الفوضى ما الذي يمنع أن يكون في المسجد ؟

أثر التربية والتعليم في بناء الأجيال :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد طيار كبير وهو يقود طائرة ، عنده معاون ، خرج من هذه الطائرة ، من غرفته ، رأى أستاذه ، انحنى وقبّل يده أمام الركاب كلهم ، هذا وسام شرف سيدي .
 يوجد قاض اشتكى إنسان أن هذا المعلم ضرب ابنه ، فجاء القاضي ، ورأى المعلم أستاذه ، خرج من طاولة الحكم إلى مكان المتخاصمين وقبّل يد المعلم ، أستاذه .
فالذي يعرف قيمة التعليم .

(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ، ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً ، وهذا أفضل ))

[أخرجه الحارث في مسنده وأبو داود الطيالسي]

 هذا الحديث وسام شرف لكل المعلمين .

((عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))

[أخرجه الإمام أحمد]

 هذه هي التربية والتعليم ، هكذا كان اسم الوزارة عندنا في الشام : التربية والتعليم .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي أيضاً مما يلفت النظر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار احترام الشخصية ، شخصية الطفل ، يعطيه شخصيته .
 يروي مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي بشراب فشرب منه ، عن يمينه غلام ، وعن يساره شيوخ ، كبار في السن ، فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ أي هو نصيب الغلام ، لأنه على يمين رسول الله ، فقال الغلام : لا والله ، لا أؤثر بنصيبي منك أحداً ، أعطاه للغلام .

احترام شخصية الطفل ومعرفة فرديته :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا اختصاصي في التربية ، ممكن أن ألخص لك أهم بنود تربية الأطفال ؛ احترام شخصية الطفل ، وأن تعرف فرديته .
الدكتور بلال نور الدين :
 الفروق الفردية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا أذكر مرة كان يوجد عندي طالب يكاد يرسب في اللغة العربية ، وهذه المادة مرسبة، إذا لم ينجح بها جميع المواد لا قيمة للنجاح بها ، هو ضعيف بالإعراب بشكل غير معقول ، أبقيته بعد الدرس ، أعطيته بيتاً صعباً ، وأعربته له ، وكتب الإعراب كلياً ، قلت له : احفظه عن غيب حتى غدٍ ، في اليوم الثاني كتبت البيت على السبورة ، كلفت طالباً عادياً ليعربه فلم يعرف ، طبعاً أنا اخترت بيتاً من الصعب إعرابه ، طالب ثان ، ثالث ، رابع ، كان هو الخامس فقام بإعراب هذا البيت ، فصفق الطلاب له ، أذكر تماماً نال علامة تامة آخر العام .
 فالمربي أب ينمي الشخصية ، لذلك كلمة : لا تفهم ، أنت حطمته ، أي كلمة سلبية ينبغي ألا يخاطب بها الطفل ، حتى لي أنا رأي ثان : إذا اسم يثير الجدل والاستهزاء ، أغير له اسمه ، أعطيه اسماً آخر ، لأنه يوجد أسماء تسبب العدوان .
الدكتور بلال نور الدين :
 والاستهزاء من الطلاب .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نعم ، فالبطولة المعلم مربّ سيدي ، والمعلم أب ، والمعلم رحيم ، والمعلم عالم متفوق بعلمه ، والمعلم لا يرتكب خطأ أمام طلابه .
 لو فرضنا إنساناً لا سمح الله دخن ، مشكلة كبيرة جداً ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمبادئ لا الأشخاص ، والمضامين لا العناوين ، والتدرج لا الطفرة ، هذه كلها مبادئ في التعليم .
 أنا أعتقد باليابان وبألمانيا بالقرية أجمل بيت للمعلم ، هذا يبني أجيالاً ، الحداد مع الحديد ، والنجار مع الخشب ، والطبيب مع المرضى ، المعلم مع من ؟ مع أطيب فئة في المجتمع ، الأطفال أحباب الله ، فإذا اعتنينا بهم اعتنينا بمستقبلنا ، هؤلاء الصغار .
 مرة كنت في بلدة اسمها ازرع ، جنوب سوريا ، دخلت للصف الأول الابتدائي ، كانت هذه الزيارة رسمية ، أوقفت طالباً ، قلت له : هل تعلم أن أحد أكبر علماء المسلمين ابن القيم الجوزية ، ترك ثلاثمئة مؤلف كان من ازرع .

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 هنا كان في هذا البلد .
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم ؛ بهذه الكلمات الطيبة من فضيلة شيخنا نشكر له ، ونشكر لكم حسن المتابعة ، وأسأل الله تعالى أن ألتقيكم دائماً على خير ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور