وضع داكن
20-04-2024
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 20 - وفاء النبي صلى الله عليه وسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ أسعدكم الله بالخيرات ، والبركات ، والطاعات في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" ، نستضيف في هذه الحلقات الطيبات فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي .
 السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور بلال نور الدين :
 نتحدث اليوم سيدي عن محمد صلى الله عليه وسلم الوفي ، عن وفائه ، الوفاء من الإيمان ، لو نقدم لهذا الموضوع قبل أن نتحدث عن مواقفه في الوفاء .

الأخلاق هي الصفة التي يتميز بها الإنسان عن غيره :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإنسان له صفات كثيرة ، لكن فيه صفة متميزة ، إنها الأخلاق ، نحن ممكن أن نرى أشياء بالحياة الدنيا لا تعد ولا تحصى ، لكن ما الذي يهز الإنسان ؟ موقف أخلاقي ، الله أعطاه رسالة ، أعطاه الحكمة ، أعطاه وسامة الوجه ، أعطاه قيادة ، يمكن أعطاه ألف بند حينما مدحه بأخلاقه فقط .
 أنا حينما أعطي ابني مركبة لا يعقل أن أقيم حفل تكريم له لهذه المركبة ، هي مني ، أما حينما يأتي بالدرجة الأولى على أقرانه فيستحق حفل تكريم .
 فالله عز وجل أعطى النبي آلاف الصفات التي تحتاجها الدعوة ، آلاف ولا أبالغ أما الصفة التي منه حصراً فهي أخلاقه .

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 )﴾

[ سورة القلم ]

 إنك ذو خلق لها معنى آخر ، أنا أضرب مثلاً لعله طريف : عندك خمس تفاحات ، وجاءك خمسة ضيوف ، وعندك خمسة أولاد ، تركيبة المثل أنت دخلت في صراع مع نفسك : أقدم هذه التفاحات للضيوف أم لأولادي ؟ أولادي أولى ، هؤلاء ضيوف وجاؤوا من مكان بعيد ، بلا ضيافة غير معقول ، عندئذٍ غلب على رأيك أن تقدم هذه التفاحات للضيوف الخمس ، فأنت قدمتهم كما ينبغي ، لكن ترددت ، هذه إنك ذو خلق أما ( لَعَلى خُلُقٍ) لا يوجد تردد ، أبداً ، أي أعماله الطيبة لا تحتاج إلى تردد ، بأعلى درجة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .
 وعظيم ؛ ماذا أقول ؟ إذا طفل أعطيناه مبلغاً محدوداً بالعيد ، من خاله ، وعمه ، وأبيه ، وأمه ، يقول لك : معي عشرة دنانير ، معي مبلغ عظيم ، طفل معه عشرة دنانير أو مئة دينار فرضاً ، إذا جهة قوية جداً خططت لحرب في بلد معين ، أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً حوالي مئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾

[ سورة النساء]

 فكلمة عظيم تقيّم من قائلها ، فالهدى شيء عظيم ، أن تعرف الله ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) .
 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .
الدكتور بلال نور الدين :
 من خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم كما تفضلتم الوفاء ، ومن وفائه صلى الله عليه وسلم وفاؤه لزوجاته ، وعلى الخصوص خديجة رضي الله عنها التي وقفت معه ، وما تزوج حتى ماتت رضي الله عنها .

وفاء النبي الكريم لزوجته خديجة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وكانت تكبره بخمسة عشر عاماً .
الدكتور بلال نور الدين :
 وهذا رد على كل من يقول .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وعندما قالت السيدة عائشة : ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ قال : لا والله ، لا والله ، وفاؤه لها بعد موتها ، الآن أكثر الناس إذا توفيت الأولى يقول لك : خلصنا منها ، عامة الناس، لا والله ، لا والله ، وفاؤه شيء لا يصدق سيدي ، وفاؤه للأنصار ، وفاؤه للصحابة الكرام ، الحياة كلها أخلاق ، الدين هو الخلق - لابن القيم - فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالدين .
الدكتور بلال نور الدين :
 كان يروي أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أوتي بالشيء يقول :

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بشيء يقول : اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة ، اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة ))

[أخرجه ابن حبان]

 أي وفي مع صديقات ، صويحبات خديجة رضي الله عنه .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد ملمح لطيف ؛ توفيت امرأة ، سُئل النبي الكريم : ماذا بقي عليّ من برها بعد موتها ؟ قال : أربعة أشياء ؛ أن تصلي عليها ، أن تدعو لها ، أن تنفذ عهدها ، أن تصل الرحم التي لم يكن له صلة إلا بها ، هذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما ، أثر نبوي .
الدكتور بلال نور الدين :
 وهنا تطبيق عملي له ، أي هذه كان لها صلة بخديجة فقط ، فيكون وفياً حتى مع صاحباتها .
 من وفائه صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، يقول :

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قال : خَطَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال : إِنَّ الله عز وجل خَيَّرَ عبداً بين الدنيا وبين ما عندَه ، فاختار ذلك العبدُ ما عندَه ، قال : فبكى أبو بكر ، فَعَجِبْنَا لبكائه أن يُخبِر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّرَ فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المُخَيَّرُ ، وكان أبو بكر هو أعلمنا ، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِن أَمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنتُ مُتخذاً خليلاً غير ربي لاتخذتُ أبا بكر خليلاً ، ولكن أُخُوَّة الإِسلام ومودَّتُه ، لا يبقينَّ في المسجد باب إِلا سُدَّ إِلا بابَ أبي بكر ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي]

 عندما يقول :

(( لا يبقينَّ في المسجد باب إِلا سُدَّ إِلا بابَ أبي بكر ))

 رضي الله عنه هذا الوفاء للصديق .

وفاء النبي للصديق رضي الله عنه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 تسابقت مع أبي بكر فكنا كهاتين - في بعض الأثر - كهاتين .
 سيدي ؛ الحياة كلها أخلاق ، والنبي كان سيد الأخلاقيين .
الدكتور بلال نور الدين :
 صلى الله عليه وسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وأكبر صفة تهز مشاعرنا أخلاقه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .
الدكتور بلال نور الدين :
 صلى الله عليه وسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أحدنا قد يقتني بيتاً فخماً جداً ، مركبة فارهة ، ما الذي يهز الناس منه ؟ أخلاقه ، تواضعه ، كرمه ، عطاؤه .
الدكتور بلال نور الدين :
 ومما يلفت النظر سيدي أنا كان وفياً في تعامله مع الأعداء ، يوم أبقى علي في فراشه في الهجرة ليرد الودائع إلى أهلها ، ويوم رأى أحدهم في المعركة قد عاهد المشركين ألا يقاتلهم قال : نستعين بالله عليهم ، ونفي بعهدهم .

كيفية تعامله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 سيدي ؛ استعرض الأسرى ، فإذا أحدهم زوج ابنته ، طبعاً جاء ليقاتله مع المشركين، قال : والله ما ذممناه صهراً ، هذه الكلمة أذابته ، وكانت سبب إسلامه ، انظر الموضوعية ، الموضوعية قيمة أخلاقية ، وقيمة علمية ، إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي ، موضوعي أنت عالم ، تلتقي قيم العلم مع قيم الأخلاق بالموضوعية ، ما ذممناه صهراً .
الدكتور بلال نور الدين :
 أيضاً سيدي مع السيدة خديجة ، وقد أسلفتم ، ولكن قال :

(( عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى فأحسن الثناء ، قالت : فغرت يوماً فقلت : ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين ! قد أبدلك الله خيراً منها . قال : ما أبدلني الله خيراً منها ؟! قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس ))

[أخرجه الإمام أحمد]

 أي أن تذكر محاسن زوجتك ؟

التفاصيل تعزز العناوين :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا الملمح سيدي فيه أحكام عامة لا تؤثر بالناس ، التفاصيل تؤثر ، أي أكرمتني لكن تكلم عن التفاصيل ، فالتفاصيل تعزز العناوين دائماً .
الدكتور بلال نور الدين :
 أي ذكر محاسنها أمام الزوجات ، ما نسي لها هذه اللقطات ، سيدي الكريم ؛ هذا الوفاء النادر ، الذي فعلاً يأخذ بالألباب ؛ وفاؤه صلى الله عليه وسلم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نحن مكلفون به .
الدكتور بلال نور الدين :
 هذا الذي أريد أن أقوله .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّها الناس ، إن الله طيِّب ، لا يقبلُ إلا طيباً ، وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))

[أخرجه مسلم والترمذي]

 أي لا ينبغي أن نبقى في مرحلة التغني بوفائه ؟

التغني بوفاء النبي لا يقدم ولا يؤخر إن لم نطبق :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 التغني لا يقدم ولا يؤخر ، عفواً ؛ إعطاء حقنة لمريض لها شروط ، تعقيم الإبرة ، إعطاء حقنة من قبل طبيب جراح كالحقنة تماماً من قِبل ممرض ، الآلية واحدة ، أما المكانة فتختلف :

(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين ))

 يوجد غض بصر ، ضبط لسان ، دخل حلال ، إنفاق حلال ، علاقة حلال ، سهرة حلال ، نزهة حلال :

(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))

 النبي مقامه محفوظ ، لكن المؤمن العادي يطبق هذه .
 لذلك قالوا : الاستقامة حدية ، والعمل الصالح نسبي ، لا يوجد نصف استقامة ، الاستقامة حدية .
الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً سيدي نحن مطالبون بالوفاء ، ومن أعظم صوره الوفاء بعهد الله تعالى ، كيف يكون المؤمن وفياً مع الله ؟

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) ﴾

[سورة النجم]

الوفاء مع الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وفى ما عليه من واجبات ، وفى ما عليه من استقامة ، وفى ما عليه من عبادة ، من إحسان ، من خدمة الوالدين ، من نصح الآخرين ، من رعاية الجيران ، كل منهج الله عز وجل تطبيقه وفاء لله ولرسوله ، طبعاً طاعة الله عين طاعة رسوله ، وطاعة الرسول عين طاعة الله ، دليلها في القرآن :

﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) ﴾

[سورة التوبة]

 بضمير المفرد ، إرضاء النبي عين إرضاء الله ، وإرضاء الله عين إرضاء النبي ، واحد .
الدكتور بلال نور الدين :
 سياق الآية ربما يفهم الإنسان لو لم تكن آية طبعاً أن يرضوهما ، قال : (أَنْ يُرْضُوهُ).
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 طبعاً ، باللغة يرضوهما ، جاء فلان وفلان معاً ، جاءا معاً .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي ؛ لأن اليوم هذه أريد أن أشير لها في ختام هذه الحلقة وتفضلتم بها ، اليوم هناك دعوات لفصل السنة عن القرآن الكريم ، أي نتبع ما في القرآن ونلغي السنة .

الابتعاد عن فصل السنة عن القرآن :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإجابة كلمة واحدة بالقرآن :

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ﴾

[سورة الحشر]

الدكتور بلال نور الدين :
 هذه في السنة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) كيف نأخذ ما آتانا إن لم نعرف ما آتانا ؟ وكيف نعرف عما نهانا إن لم نعرف عن ماذا نهانا ؟

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
 أخوتي الأكارم : لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحميل النص

إخفاء الصور