وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 62 - أهل الهمة – الجامعة الأردنية – الإسراء والمعراج
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

علاقة التسبيح بمعجزة الإسراء والمعراج :

 بادئ ذي بدء : أشكر هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
 الله عز وجل يقول في الآية الدقيقة ، الجامعة ، المانعة ، القاطعة :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) ﴾

[ سورة الإسراء ]

 موضوع هذه الآية متعلق بمعجزة الإسراء والمعراج ، لماذا بدأ هذه المعجزة بقوله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ ) ؟ ( سُبْحَانَ ) مصدر بمعنى التنزيه ، والتقديس ، والتمجيد ، السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة ، حقيقة مسلم بها ، والعلاقة علاقة سبب بنتيجة ، علاقة تنظيمية لبني البشر ، ولكن السبب في علم التوحيد لا يخلق النتيجة عن الله بل يترافق معها .
 فما علاقة التسبيح بهذه المعجزة معجزة الإسراء والمعراج التي كانت في حق النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم ؟
 العلاقة أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الكون خلق هذا الكون وفق نظام دقيق ، فجعل لكل سبب نتيجة ، وجعل لكل نتيجة سبباً ، وفيما يبدو لنا أن الأسباب تؤدي إلى النتائج ، ولكن الناس بعد أن ألفوا هذا ، ألفوا أن هذه الأسباب تؤدي لهذه النتائج ، قد يغفلون عن أن مسبب الأسباب هو الله ، وأن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة ، لذلك قد تأتي النتائج من دون أسباب ، أو من دون أسباب كافية ، وقد تكون الأسباب ولا تحقق النتائج المتوقعة .
 إذا ولد السبب ولم يتحقق ، أو لم يحقق النتيجة المتوقعة ، كل هذا دليل على أن السبب وحده لا يكفي لتحقيق النتيجة ، ملخص الملخص السبب وحده لا يكفي لتحقيق النتيجة ، وأحياناً تتحقق النتائج من دون أسباب ، معنى ذلك أن السبب ليس له دور حقيقي في إحداث النتيجة ، لكن الله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق ، هذا يتضح فيما يلي : الله عز وجل جعل توالد البشر عن طريق الزواج ، فلابد من زواج بين الرجل والمرأة لتنجب المرأة طفلاً ، هذا هو النظام العام ، هذا هو القانون المفترض ، وإذا توهم الإنسان أن كل زواج يؤدي إلى مولد عندئذٍ كيف نفسر العُقم ؟ رجل وامرأة بأتم الصحة لا ينجبان طفلاً ، قد خلق الله عز وجل آدم من دون أب ولا أم ، وخلق سيدنا عيسى من دون أب ، وخلق أمنا حواء من دون أم ، إذاً ما كل سبب يؤدي إلى نتيجة ، معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق ، وما هذه الأسباب إلا قرائن رافقت النتائج لتنظيم الحياة البشرية ، ولكنها ليست هي الخالقة .
 مثلاً : مصباح مربوط بشريط إلى زر ، نكبس هذا الزر يتوهج المصباح ، نظن أن هذا الزر هو السبب ، قد يكون غير مربوط ، لكن يوجد جهة ثالثة كلما ضربت هذا الزر تألق المصباح .
 إذاً هذه حقيقة التوحيد ، الفعل فعل الله ، والإنسان يندفع إلى طلب شيء ، الله يحققه له بقوله تعالى :

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

 لذلك إذا اعتقد الإنسان بسذاجة أنه يفعل النتائج فهو واهم ، هذا يتناقض مع التوحيد، شيء دقيق جداً ، السبب وحده إذاً غير كاف لإحداث النتيجة ، هذا أول معنى ، ولذلك ربنا عز وجل من حين لآخر يخرق هذه القوانين ، يبطلها ، أو يعطلها ، وتأتي النتيجة بلا سبب أحياناً أي أبطلها ، وقد يكون السبب ولا تكون النتيجة ، أي عطلها ، وأحياناً هذه القوانين تُبطل أو تعطل من أجل أن نؤمن أنه لا إله إلا الله ، وأن الله وحده الخالق ، وأن السبب وحده لا يكفي لإحداث النتيجة ، لذلك الله عز وجل أحياناً يعطل قانون الزمان والمكان ، وقد عطلهما في هذه المعجزة .

الفرق بين الإسراء والمعراج والهجرة النبوية :

 لذلك أن ينتقل الإنسان من مكة إلى بيت المقدس ، ويعرج به إلى السماء ، وأن يصل إلى سدرة المنتهى ، وأن يعود إلى مكة في جزء يسير من الليل ، هذا فوق طاقة البشر لا يمكن أن يحدث هذا إلا خالق الكون والبشر ، الذي بيده أن يعطل قوانين المكان والزمان ، فالزمان له قانون ، والمكان له قانون ، وفي هذا الحدث الجلل ، الاستثنائي ، الإعجازي ، تعطل قانون المكان والزمان .
 لذلك جاء النبي الكريم وانتقل بجسده الطاهر ، وبروحه الشريفة من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، ومن بيت المقدس إلى السماء ، فالانتقال من مكة إلى بيت المقدس إسراء ، والانتقال من بيت المقدس إلى السماوات العُلا معراج .
 إذاً جاءت كلمة ( سُبْحَانَ ) أي أن هذا الحدث ألغيت فيه القوانين ، الله عز وجل قادر أن يعطي شيئاً وفق قانون تنظيماً لحياة البشر ، وأحياناً يعطي شيئاً بلا أسباب ، لذلك الله عز وجل لو شاء ألغى قوانين المكان ، وألغى أيضاً قوانين الزمان ، لذلك ( سُبْحَانَ ) أي هذا كله بخلاف القوانين ، أما بالهجرة فوفق القوانين ، جميع التفاصيل الدقيقة الدقيقة قد وضعها النبي عليه الصلاة والسلام بالهجرة ، بالهجرة أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، حالة الهجرة منهج لنا .
 الحقيقة الدقيقة لكل أهل الأرض أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، أهل الغرب أخذوا بالأسباب أخذاً مذهلاً بشيء لا يصدق لكنهم نسوا الله عز وجل ، نسوا خالق الأسباب ، وأهل الشرق أهملوا الأسباب ، كلاهما على خطأ ، الأول أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها وعبدها من دون الله فوقع في الشرك الخفي .
" أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي "
 الشرق لم يأخذ بها أصلاً ، أما المنهج السوي ، الصحيح ، التوحيدي ، العملي فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 للتقريب : عندك سفرة من مكان إلى مكان ، عندك مركبة ، تراجع المحرك ، الزيت، العجلات ، المكبح ، تراجع كل شيء وتهيئه أن يكون تاماً ، وعندئذٍ بعد ذلك تتوجه إلى الله بأعماق أعماقك : يا رب أنت المسلم ، هذا المنهج الذي شُرع لنا ، أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، وأحد أسباب ضعفنا لم نأخذ بالأسباب ، أحد أسباب قوة الغرب أنهم أخذوا بالأسباب ، لكنهم اعتمدوا عليها وألهوها ، وقعوا في الشرك ، نحن وقعنا في المعصية ، أما الموقف الكامل ، وهذا منهج لنا جميعاً ، أنت معلم تحضر ، أنت صناعي تعمل تجارب ، فكلما أخذت الأسباب أبعادها الكاملة نجحنا في حياتنا .

الفرق بين الفلاح والنجاح :

 الحقيقة النجاح شيء رائع جداً ، لكن أهم منه الفلاح ، النجاح أحادي ، قد تنجح في كسب المال ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، وسبعمئة مليار قيمة مؤسسة أبل ، هذا اسمه نجاح ، أما الفلاح فهذا ما أعنيه ، أن تنجح مع الله معرفة ، وطاعة ، وعبادة ، ودعوة ، وتوجهاً ، أن تنجح في بيتك بحسن اختيار زوجتك ، وتربية أولادك ، وضبط بناتك ، واختيار حرفتك ، واختيار أوقات فراغك ، بنود طويلة جداً ، وأن تنجح في عملك أن يكون عملاً مشروعاً، يبنى على مصلحة عامة ، وعلى خدمة المجتمع ، لا على مصلحة خاصة بأخذ حرية المجتمع ، أو ترويج بضائع تفسده ، فلابد من أن يختار الإنسان حرفة تتوافق مع إيمانه ، وزوجة صالحة تربي له أولاده ، هذا اسمه الفلاح ، ولم ترد كلمة نحاج إطلاقاً في القرآن الكريم .

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾

[ سورة البقرة]

كل شيء بأمر الله وعلمه وقدرته :

 إذاً ( سُبْحَانَ ) تعني ما أعظم الخالق ! الذي بيده كل شيء ، وهو خالق القوانين الطبيعية ، وفي أية لحظة يوقفها أو يعدلها ، فالأسباب صور ، والنتائج صور ، وكل شيء .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10) ﴾

[ سورة الطلاق]

 دقق : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) .

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ﴾

[ سورة الأنفال]

 إذاً لا يحدث شيء إلا بأمر الله ، وعلمه ، وقدرته ، وتقديره .

الإسراء والمعراج خرق لقوانين الزمان والمكان :

 أما مناسبة أن تأتي كلمة ( سُبْحَانَ ) في مطلع سورة تشير إلى معجزة تمت للنبي عليه الصلاة والسلام بانتقاله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ومن المسجد الأقصى إلى السماوات العلا في جزء يسير من الليل ، فهذه معجزة ، فيها خرق لقوانين المكان ، وقوانين الزمان ، ولا يستطيع أن يفعلها إلا خالق الأكوان ، وخالق المكان ، وخالق الزمان ، ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل يرسل رسلاً ، معهم منهج تفصيلي ، افعل ولا تفعل ، الإنسان ألف أن يفعل ما يشاء ، أن يطلق لغرائزه العنان ، أن يحكم مصلحته لا مبدأه ، فيأتي منهج السماء كمنهج تفصيلي ، افعل ولا تفعل ، يوجد حرام ، ويجوز ولا يجوز ، ومسموح وغير مسموح ، دخل بمنهج ، دخل بمنظومة قيم ، وأفعال ، ومبادئ ، هذا يتناقض مع حريته غير المنضبطة في التعامل مع الأشياء .
 فلذلك هنا يأتي الإنسان متقيد بمنهج تفصيلي ، المنهج كما قلت قبل : يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية .

تسبيح الله وتعظيمه وإثبات ألوهيته ووحدانيته :

 لذلك : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) سبحان أي سبح أيها القارئ ، سبح أي عظّم هذا الإله العظيم ، سبح أيها القارئ ، سبح أيها المسلم ، سبح أيها المؤمن ، نزه ، ومجد ، وعظّم أيها العالم ، ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) أسرى ؛ أي مشى ، سرى ؛ مشى في الليل ، أما أسرى فهناك جهة أمشته في الليل ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) الطفل لا يمكن أن يصعد لجبال هملايا ، أما إذا حمله أبوه وصعد به فالقضية واضحة جداً ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) بشرية النبي الكريم لا تسمح له أن ينتقل هذا الانتقال ، إنما أنا بشر ، كأي بشر ، له خصائص ، له حجم ، له طاقات ، يوجد جاذبية ، أما عندما يكون هذا السرى فالمشي ليلاً بيد الله عز وجل ، الموضوع انتهى ، لا يوجد مشكلة .
 قال : ( لَيْلاً ) جاءت نكرة ، لأن النكرة تفيد التقليل ، أي بفترة من الليل وجيزة ، إذاً ليلاً العلماء قالوا : جاءت ليلاً لتؤكد أن الإسراء تمّ بالليل ، كأن تقول :

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) ﴾

[ سورة النحل]

 هذه إلهين مثنى ، اثنين تأكيد ( إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ ) إله مفرد ، واحد ، تأكيد ( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) إله تعني أنه واحد ، إله مفرد ، لكن التأكيد على أن المطلوب ليس إثبات الألوهية ، هنا المعنى إثبات الألوهية والوحدانية .
 ( وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) اثنين توكيد وواحد توكيد ، إذاً هناك تأكيد على أن هذه المعجزة تمت في الليل ، أما كلمة ( لَيْلاً ) فجاءت نكرة ، ودليل أنها نكرة جاءت منونة ليلاً ، وهذه إشارة إلى أن هذه المعجزة تمت في جزء من الليل ، هذا التنكير قالوا عنه علماء البلاغة : تنكير تبعيض ، هناك تنكير شمول ، هناك تنكير تمكين ، أما هذا فتنكير تبعيض ، أي لم تستغرق هذه المعجزة الليل كله ، بل في جزء يسير من الليل ، كأن تقول :

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) ﴾

[ سورة الكهف]

قانون الالتفاف والانفضاض :

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

[ سورة آل عمران]

 أي الرحمة كلها عند الله ، النبي أوتي منها جزءاً يسيراً ، أي كل في قلبك يا محمد من الرحمة ما هو إلا جزء يسير من رحمة المولى القدير ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم أحبوك ، والتفوا حولك ، وآمنوا بك ، وفدوا أنفسهم من أجلك .
 الآية دقيقة ، وأنت أنت يا محمد : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، افتراضاً ؛ لو كنت افتراضاً منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست غلظة ، ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) هذا قانون الالتفاف والانفضاض ، قانون يحتاجه الأب ، والأم ، والمعلم ، والأستاذ ، وأي منصب قيادي في الأرض ، من الخفير إلى الأمير ، ما دمت أنت تحكم عشرة يجب أن تتخلق بهذه الأخلاق ، في قلبك رحمة اكتسبتها من الله ، تعامل من حولك برحمة ، عندئذٍ يحبوك ، يتفانون في محبتك ، يتفانون في طاعتك ، أما إنسان منقطع عن الله ، قلبه فيه غلظة ، والغلظة تعني القسوة ، والقسوة ينفض الناس من حولك ، فكل إنسان يحمل منصباً قيادياً بدءاً من الأب عنده خمسة أولاد ، من معلم يوجد عنده ثلاثون طالباً ، كلما ارتفعت القيادة اتسعت الدائرة ، يحتاج كل إنسان له منصب قيادي بدءًا من الأب وانتهاء بأعلى مرتبة في الحياة إلى الرحمة ، ومن لا يرحم عباد الله عندئذٍ تكون الثورات ، والحروب الداخلية والخارجية ، وكل هذا من القسوة ، لذلك : ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ) .

معاني قوله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً :

 الآن نعود : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) في جزء من الليل ، انتقلت من بيت الله الحرام ( مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) إلى السماوات العلا ، وعدت ، ولا يزال الفراش ساخناً ، هذا أول معنى .
 المعنى الثاني : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) أن الليل جاء ليؤكد أن وقت المناجاة والتجلي ، والاتصال بالله ، وبعض العارفين بالله كان يناجي ربه : يا رب قد هجعت الطيور إلى أعشاشها ، وأغلقت الملوك أبوابها ، وآوى كل حبيب إلى حبيبه ، وأنا وقفت ببابك أرتجي جنابك يا رب ، الليل وقت المناجاة ، وقت الاتصال ، وقت التهجد ، وقت الإقبال والتضرع ، سبحانك لا يطيب الليل إلا في مناجاتك ، ولا يطيب النهار إلا في خدمة عبادك ، ولا تطيب والدينا إلا في ذكرك ، ولا تطيب الآخرة إلا في برك .
 إذاً أول معنى ، الليل تأكيد إلى أن الإسراء تمّ في الليل ، والمعنى الثاني الليل منكرة تنكير تبعيض ، وقد دلّ هذا على أن هذه المعجزة تحتاج إلى سنوات وسنوات وقد تمت في جزء يسير إلى الليل .

من لم يعرف عظمة الله لن يطيع أمره :

 الآن القمر يعدّ أقرب كوكب إلى الأرض ، يكاد أن يكون القمر والأرض كوكباً واحداً، القمر يعدّ أقرب كوكب إلى الأرض ، بل القمر والأرض كأنهما كوكب واحد ، القمر يبعد ثانية ضوئية واحدة ، فإذا تألق ضوء في القمر وصل إلينا بعد ثانية واحدة ، والشمس تبعد عنا ثماني دقائق ، والمجموعة الشمسية قطرها ثلاث عشرة ساعة ، يبلغ قطر مجرتنا درب التبابنة 120 سنة ضوئية ، عدد نجومها قرابة مئتي ألف نجم ، تضم أكثر من مئة مليون ثقب أسود ، هي مجرة متوسطة بحجمها ، معلومات كثيرة مثيرة جداً ، المجرات تبعد عنا ستة عشر مليون سنة ضوئية ، الله ماذا قال ؟

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75 ) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( 76) ﴾

[ سورة الواقعة]

 إن لم تعرف عظمة الله لن تطيع أمره ، أحياناً طفل صغير يقول لك : معي مبلغ عظيم ، أي مئة دينار ، نحن بالأردن مثلاً ، أما إذا قال مسؤول كبير بدولة عظمى : أعددنا للحرب مبلغاً عظيماً ، نقدره بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾

[ سورة النساء]

 ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء .
 فلابد من أن نعرف الله : " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ، الله قال :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[ سورة الجاثية]

 خلق الإنسان آية ، النبات آية ، الحيوان آية ، كل شيء حولك آية ، ما من شيء تنظر إليه إلا آية تدل على عظمة الله عز وجل ، فهذا الذي يدعو إلى الإيمان :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران]

ومضة من الإعجاز :

 ومضة واحدة ؛ الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الآن في برج العقرب نجم صغير اسمه قلب العقرب ، أنا رأيت هذا في متحف فضائي في أمريكا يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***

 فلذلك : " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .
 البطولة أن تعرف الله في الوقت المناسب ، الإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء معرفة جامعة مانعة قاطعة تؤدي إلى السلامة ، والسعادة ، والاستمرار ، السلامة بالاستقامة ، والسعادة بالعمل الصالح ، والاستمرار بتربية الأولاد .
 أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور