وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج مع الرسول - الحلقة : 05 - أيكم محمد صلى الله عليه وسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال نور الدين :
  السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا الهادي الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
 أخوتي الأكارم ؛ أخواتي الكريمات ؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا : "مع الرسول صلى الله عليه وسلم" ، نستضيف في هذه الحلقات المباركة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي .
 السلام عليكم سيدي .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ، ونفع بكم .
الدكتور بلال نور الدين :
 أكرمكم الله سيدي .
 في هذه الحلقة سيدي من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم نتحدث عن تواضعه ، أريد أن أبدأ بالحديث الشريف يقول الراوي :

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : قال : بينما نحن جُلوسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، إذ دخل رجلٌ على جمل ، ثم أناخَهُ في المسجد ، ثُمَّ عَقَلَهُ - ربط الجمل- ثم قال لهم : أيُّكُمْ محمدٌ ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئُ بين ظَهْرانَيْهم ، فقلنا : هذا الرجل الأبيضُ المتَّكئُ ، فقال له الرجل : ابن عبد المطَّلب ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قد أجبتُك . فقال الرَّجل للنبي : إنِّي سائِلُك فمشدِّدٌ عليك في المسألة ، فلا تجِدْ عَليَّ في نفسك ، قال : سلْ عمّا بدا لك ، فقال : أسألك بربك وربِّ من قَبْلَكَ ، آللّهُ أرْسلك إلى الناس كلِّهم ؟ قال : اللهم نعم ، قال : أنشُدُك بالله ، آللَّهُ أمرك أن تُصليَ الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟ قال : اللَّهم نعم ، قال : أنشدُك بالله ، آللَّهُ أمركَ أن تصوم هذا الشهر من السَّنَة ؟ قال: اللهم نعم ، قال : أنشدك بالله ، آللَّهُ أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا ، فتقْسِمها على فقرائنا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللَّهم نعم ، قال الرجل : آمنتُ بما جئتَ به ، وأنا رسولُ مَنْ ورائي من قومي ، أنا ضِمامُ بنُ ثَعْلبَة ، أخو بني سعْد بن بكْرٍ . هذا لفظ البخاري . وأخرجه مسلم وهذا لفظه ؛ قال أنس رضي الله عنه : نُهينا في القرآن أن نسألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يُعْجِبُنا أنْ يَجيءَ الرَّجُلُ من أهل البادية العاقلُ ، فيسألَهُ ونحن نسمعُ ، فجاء رجل من أهل البادية ، فقال : يا محمدُ ، أتانا رسولُك ، فزعم لنا أنك تزعُمُ أنَّ الله أرسلك ، فقال صدَقَ ، قال : فَمن خلق السماء ؟ قال : الله' . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : الله قال فمن نَصَبَ هذه الجبالَ وجعل فيها ما جَعَلَ ؟ قال : الله قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ، ونصبَ هذه الجبال ، آللَّهُ أرسلك ؟ قال : نَعَمْ ، قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ؟ قال : صدق قال : فبالذي أرسلك ، آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولك أن علينا زكاةً في أموالنا ؟ قال : صَدَق ، قال : فبالذي أرسلك ، آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : نعم قال : وزعم رسولُك أن علينا صوم شهر رمضان في سَنتنا ؟ قال : صدق قال : فبالذي أرسلك آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قال : وزعم رسولك أنَّ علينا حَجَّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ؟ قال : صدق ، قال : فبالذي أرسلك . آللَّهُ أمرك بهذا ؟ قال: نعم قال : ثم ولَّى وقال : والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليهنَّ ، ولا أنقُصُ منهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلنَّ الجنة ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي]

 وهذا الرجل أسلم فيما بعد ، وهو ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه وأرضاه ، أريد سيدي هذه الكلمة : أيكم محمد ؟ ماذا نستنبط منها ؟

 

المتواضع قريب من الناس ويملك قلوبهم :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 المتواضع قريب من الناس ، المتواضع يحب الناس ، المتواضع يقتدي به الناس ، المتواضع ملك قلوب الناس ، المتواضع يستطيع أن يوصل الحق إلى الآخرين .
 الكبر ؛ للتقريب : إذا عندك كمية لبن ، وجاءك ضيوف كُثر ، يضاف لهذا اللبن ضعفاه من الماء صار عيران ، وضيفته كل من حولك ، نقطة بترول لهذين اللترين تفسدهما .
 الكبر يفسد العمل ، الكبر يعمل مقتاً ، يعمل انقطاعاً ، يعمل بعداً ، يعمل كراهية ، فالتواضع صفة أساسية ، حتى أن كلمة كريم لا تعني أنه معطاء ، التواضع مع المحبة ، مع الموضوعية ، مع الكرم ، مع اللطف ، تجتمع هذه الصفات الإيجابية بكل بيت كريم ، واللئيم عكسها .
 والله والله مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز بيوم عاصف بريشتين ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أهون عليّ من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين .
 صار عندنا كلمة كريم ولئيم ، مجموعة صفات مرذولة من بخل ، إلى حقد ، إلى ثرثرة ، إلى حسد ، إلى عدوان ، إلى طغيان ، إلى لؤم ، ومجموعة أخلاق كريمة ؛ عطاء ، تواضع ، وفاء إنفاق ، كرم .

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 4 )﴾

[ سورة القلم ]

 ومعناها كريم ، فالتواضع صفة أساسية جداً ، لكن لا تعني أنه وضيع ، تصنع التواضع ، هو كريم وليس معناها أنه وضيع ، متواضع ، هي صفة ليست كبنيتها الأساسية .
الدكتور بلال نور الدين :
 على كل ما فيه من مزايا وأخلاق حميدة لكنه يتواضع للناس .
إذاً سيدي :
 ( أيُّكُمْ محمدٌ ؟ )
لم يكن له إذاً ؟

 

تواضع النبي الكبير للناس :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أحياناً يكون مثلاً مقام كبير ، أي عرش معين ، كراسي غالية جداً ، يعرفه الناس بشكل صارخ ، أما هو فعادي ، عندما مشى في نوبته توسل صاحباه أن يبقى راكباً ، قال : ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر ، المتواضع له أجر ، صار قريباً من الناس ، قريباً من الضعفاء ، قريباً من المساكين ، قريباً ممن حوله ، فالتواضع شيء سحري، مفتاح عجيب ، المتواضع له تأثير كبير جداً .
الدكتور بلال نور الدين :
 نعم سيدي ؛ إذاً هنا يحضرني شيء مهم جداً ، الله تعالى يقول :

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾

[ سورة الشرح ]

 ما علاقة التواضع برفعة الذكر ؟ بعض الناس يظن أنه يرفع ذكره .

 

علاقة التواضع برفعة الذكر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لكن أريد أن أسبقها بمثل ، إذا شخص أقرض مبلغاً من المال كقرض ربوي ، أقرضه مئة ألف ، رد له المبلغ مئة وعشرين .
الدكتور بلال نور الدين :
 على الآلة الحاسبة ممتاز .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لو كان قرضاً شرعياً رجع بعد سنة أقل من قيمته بفرق العملة ، الآية عكسها قال :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾

[ سورة البقرة ]

 صار هذا فعل الله ، فالمتواضع يبدو متواضعاً لكن الله رفع شأنه ، رفع مكانته ، رفع ذكره : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .
الدكتور بلال نور الدين :
 من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 تكبر ؛ وضعنا قطرة بترول بوعاء لبن ففسد .
الدكتور بلال نور الدين :
 لذلك :

(( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر ، فقال رجل : إنَّ الرجلَ يحب أن يكون ثوبُه حَسَناً ، ونعلُه حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبِرْ : بطَرُ الحقِّ ، وغمطُ الناس))

[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي]

 إذاً سيدي هذه رفعة الذكر من الله عز وجل ، بعض الناس مهما بذل في سبيل أن يرفع ذكره لا يجد ذلك ، وآخرون من خلال تواضعهم ولينهم للناس تجد أن الله تعالى ألقى محبتهم في قلوب الخلق .
 سيدي ؛ قالوا : هيأه تفوقه ليعيش فوق الجميع ، فعاش واحداً بين الجميع ، هذه سمعتها منكم .

 

النبي معصوم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نعم ، هو جاءه الوحي ، الله عصمه من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، أعطاه وسامة ، أعطاه جمالاً ، أعطاه أشياء كثيرة جداً ، ومع ذلك كان متواضعاً .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي إذاً عندما يقول : ( أيُّكُمْ محمدٌ ؟ ) .
 هذه ربما يكتب عنها مجلدات ، أي ليس له هيئة خاصة ، ليس له شيء خاص .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 في رواية أخرى : قد أصبت ، قال : أيكم محمد ؟ قال له : قد أصبت ، أنا .
الدكتور بلال نور الدين :
 وجهه إلى نفسه صلى الله عليه وسلم ، قالوا : هذا الرجل الأبيض المتكئ ، يقول ضمام ، سيدي هنا يحضرني قوله تعالى :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

[ سورة آل عمران ]

قانون الالتفاف والانفضاض :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا قانون ، يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا ، هذه الرحمة انعكست ليناً ، ومحبة ، فالتفوا حولك ، وأنت أنت يا محمد بالذات - لا سمح الله هذا افتراض - لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوةً ، ولانعكست القسوة غلظة ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ ) هذه الآية فيها قانون الالتفاف والانفضاض ، يحتاجها المعلم ، والمدرس ، وأستاذ الجامعة ، وجميع المناصب من الخفير إلى الأمير ، التواضع يملك القلوب ، التكبر لا يملك القلوب .
الدكتور بلال نور الدين :
 إذاً سيدي سبب التواضع هو هذه الرحمة من الاتصال بالله .

للين له آثار إيجابية كثيرة جداً :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 رحمة ، ثم تقرب من الله بالتواضع ، هذه صفة فيها قربة من الله .
الدكتور بلال نور الدين :
 وعندما أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون ، قال له :

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ﴾

[ سورة طه ]

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 فرعون الذي قال :

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾

[ سورة النازعات ]

 فرعون قال :

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾

[ سورة القصص ]

 ومع ذلك : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ) ، تروي بعض الكتب أن شخصاً أراد أن يعظ الناس بغلظة ، قال له : ولِمَ الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني ، أرسل موسى إلى فرعون .
 فاللين له آثار إيجابية كثيرة جداً .
الدكتور بلال نور الدين :
 سيدي ذكرتم الحديث ، حديث الإمام أحمد في الصحيح ، قال : ( ما أنتم بأقوى مني على المشي ، ولا أغنى عن الأجر منكما ) هذا الموقف النبوي في أن يسوي النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بصحابته ، كيف يكون له منعكس على أتباعه ؟

 

النبي الكريم قدوة لأصحابه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 لأنه صار قدوة ، لما عاش مع الصحابة ، وسوّى نفسه معهم ، قال : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : وعليّ طبخها ، قال : وعليّ جمع الحطب ، قالوا : نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
الدكتور بلال نور الدين :
 ما أهميتها للأتباع سيدي ؟ عندما يرى الأتباع القائد معهم في أرض المعركة ؟

الدين معلومات ومعاملات :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الإنسان يُعلّم أتباعه بالمعلومات ، بإلقاء المحاضرات ، وإلقاء الخطب ، ويعلم أتباعه بالمعاملات ، فالدين معلومات ومعاملات ، فهم ، حركة ، إدراك ، تصور ، علمهم ، أغنى عقولهم بأفكاره وأحاديثه ، أغنى نفوسهم بحركاته وسكناته.
الدكتور بلال نور الدين :
 وعندما يجدونه معهم في الأرض يتفانون في المعركة ، يتفانون في البذل والعطاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بل حتى قال أحدهم : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً .

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال نور الدين :
 صلى الله عليه وسلم ، جزاكم الله خيراً سيدي .
 بهذا القول الجميل نختم هذا اللقاء الطيب ، ونستودع الله دينكم وأمانتكم ، نسأل الله تعالى أن نلقاكم دائماً على خير وأنتم بأحسن حال ، مع الله ومع خلقه ، إلى الملتقى .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحميل النص

إخفاء الصور