وضع داكن
16-04-2024
Logo
مختلفة - المغرب : 17 - جمعيتي نور الخير والحضن – كيف نستقبل رمضان؟.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل بيته الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الأخذ بالأسباب من أخطر الموضوعات التي يحتاجها المسلمون اليوم :

 بادئ ذي بدء ؛ أشكر لكم دعوتكم الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم ، ولكن إن وجدتم في كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده وإلا فحسبكم الله ونِعمَ الوكيل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أيتها الأخوات الفضليات ؛ لست مبالغاً إذا قلت : إن الأخذ بالأسباب من أخطر الموضوعات التي يحتاجها المسلمون اليوم ، ونحن نستقبل شهر رمضان بعد أسابيع يجب أن نذكر أنه ما مرَّ على المسلمين في تاريخهم الطويل وقتٌ هم في أمس الحاجة إلى هذا المفهوم الديني الخطير والدقيق والعميق والمنجي ، أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 إن النجاح في الحياة يُعزى إلى صحة التصور ، وأن الإخفاق فيها يُعزى إلى سوء التصور ، فما الذي جعل المسلمين في فجر الإسلام وفي عصور الازدهار يتفوقون ويتمكنون ويستخلفون وترفف راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ؟ وما الذي جعلهم في وقتٍ آخر في مواقف لا يحسدون عليها ؟ لماذا كانت كلمتهم هي العليا وليست كلمتنا اليوم هي العليا ؟ لماذا كانوا أقوياء في وقتٍ ولسنا كذلك في وقتٍ نعيشه الآن ؟ لماذا كانوا رُعاةً للأمم وأوصياء عليها فأصبحت الأمم ترعاهم ويتولى أعداؤهم الوصاية عليهم ؟ كنا نسمع ونرى ، كنا قبل الإسلام رعاةً للغنم فأصبحنا بعد الإسلام قادةً للأمم ، فلما قصرنا فقدنا قوتنا وهيبتنا ، لكن الله عزَّ وجلَّ يبشرنا دائماً :

﴿إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[ سورة الأنفال]

 (وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ) إن عدتم إلى ما كنتم عليه من معرفةٍ وطاعةٍ وعملٍ طيبٍ وإقبال على الله نعود إلى نصرتكم ، إذاً الكرة في ملعبنا .

التباين بين المسلمين قديماً وحديثاً :

 هذا سؤال كبير ؛ القرآن هو هو ، والسُنَّة هي هي ، والعلوم الدينية هي هي ، ما الذي جعل المسلمين السابقين في القمة ؟ وما الذي جعل جلهم اليوم ليسوا كذلك ؟ لماذا كان السابقون مُثُلاً عُليا ؟ لماذا فتحوا البلاد ورحموا العباد ؟ والآن نحن كذلك ؟ لا ، لسنا كذلك ، بل بَأسنا بَينَنا، هذه أسئلة كبيرة ، لا شك أن أصحاب النبي الكريم رضوان الله عليهم فهموا الإسلام فهماً صحيحاً ، ولا شك أن الذين جاؤوا في آخر الزمان فهموا الإسلام فهماً خاطئاً ، هناك تمزق بين المسلمين ، تبعثر ، ضعف ، ركون إلى الدنيا ، رغبة في متع الحياة ، تباغض بيني ، عداء بيني ، تحاسد بيني :

﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)﴾

[سورة الحشر]

 (بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ) تصوراتهم خاطئة ، هممهم ضعيفة .

الابتعاد عن الشرك الخفي :

 والله أنا أرى أن الحقيقة المرَّة هي أفضل ألف مرَّة من الوهم المريح ، كأن حالهم المتردية لأنهم يدفعون ثمن تقصيرهم ، هي إجابةٌ شافيةٌ من رب السماء إلى عباده الغارقين في الشرك الخفي ، في الحديث الشريف :

((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))

[ ورد في الأثر]

 الشرك الجلي انتهى ، لا يوجد عندنا أصنام لآلهة ، ولكن بقي الشرك الخفي :

((أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))

 ولكن لا ننكر أن هناك مشاعر عاطفية إسلامية هذه نحن نحترمها ولكن لا نكتفي بها ، وهناك مشاعر إسلامية إيجابية كل مسلم يتمنى أن يكون المسلمون في وضعٍ مقبولٍ ، أو في وضعٍ جيدٍ ، أو في وضعٍ عزيزٍ ، أو في وضعٍ قويٍّ ، أو في وضعٍ فوق المتفوق ، لا شك أن هذه العواطف نحترمها ولكن لا تكفي وحدها ، هل يكفي أن نتعاطف مع الإسلام ، وأن نشفق على المسلمين والعالم الإسلامي يعاني ما يعاني ؟ أين الخطأ ؟ أين الخلل ؟ المؤمنون المنتصرون فيما مضى نحن وإياهم من طينةٍ واحدةٍ ، من جِبِلَّةٍ واحدةٍ ، والإله سبحانه وتعالى أسماؤه حسنى وصفاته فضلى ، وهو معنا أينما كنا ، معنا من قبل ، معنا الآن ، معنا من بعد ، الإله هو هو ، القرآن هو هو ، وعود الله بالنصر هي هي ، هي لكل المؤمنين في كل وقتٍ وحينٍ :

((عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ))

[أخرجه الإمام أحمد والترمذي]

 (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) وقفة دقيقة هؤلاء الضعفاء ، هؤلاء الفقراء ، هؤلاء المرضى ، هؤلاء المشردون ، هؤلاء الذين لا مسكن لهم ، هؤلاء الذين يحتاجون إلى مساعدة ، (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ) أيها المؤمنون (وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) هؤلاء الضعفاء إن أطعمتموهم إن كانوا جياعاً، إن كسوتموهم إن كانوا عرايا ، إن عالجتموهم إن كانوا مرضى ، إن آويتموهم إن كانوا مشردين ، إن أكرمتموهم إن كانوا مفتقرين ، هؤلاء الضعفاء كما قال النبي الكريم : (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ) بسببهم (وَتُنْصَرُون) بسببهم (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) .

معية الله عامة وخاصة :

 لذلك قالوا : إذا قال الله عزَّ وجلَّ :

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد]

 (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) هذه معيةُ علمٍ فقط ، مع المؤمن ومع الكافر بعلمه ، مع المستقيم ومع الفاسق بعلمه ، مع المعطي ومع المانع بعلمه ، مع القوي ومع الضعيف بعلمه ، هذه معية عامة ، لكن المعية الخاصة :

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[ سورة الأنفال]

 (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) معهم بالتأييد ، معهم بالنصر ، معهم بالعطاء ، معهم بالتفوق، لذلك فصحة تصور المؤمنين للدين شيءٌ مهمٌّ جداً ، وإدراك حقيقة واقعهم شيءٌ أهم ، والتطلع إلى مستقبلٍ مشرقٍ والسعي إليه أهم وأهم ، أقول لكم أيها المؤمنون أو أيها المؤمن : دائماً وأبدأ أنت وحدك خذ بالأسباب لتكون قدوةً لمن حولك .

الإسلام فردي وجماعي :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾

[سورة المائدة ]

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ) افعل ما أنت قانعٌ به تنل من الله كل الوعود ، وتقطف كل الثمار المتعلقة بالأفراد ، تقطفها في دوائر ثلاثة تملك فيها أنت القرار ، نفسك دائرة ، وبيتك دائرة ، وعملك دائرة ، هذا هو النجاح الفردي ، وإذا قنع الناس جميعاً بأن يفعلوا ما هو الصواب ، وفعلوا ما هو الصواب ، هذا هو النجاح الجماعي العام ، صار هناك إسلام فردي وإسلام جماعي ، الفردي لو أنت طبقت أوامر الدين وحدك من بين ملياري مسلم تقطف كل ثماره الفردية ، أما الأمة فإذا طبقته مجتمعةً :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[سورة الأنفال]

 (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) ، التطبيق الفردي له آية :

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[سورة النساء]

 (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) أي شخص طبق من ملياري مسلم يقطف كل ثمار الدين الفردية ، أما الأمة إذا طبقت هذا الدين فتقطف ثماره الجماعية .

تفوق الصحابة والتابعين لأنهم فهموا الدين تطبيقاً لا تنظيراً :

 لماذا تفوق الصحابة والتابعون ؟ لأنهم فهموا الدين تطبيقاً لا تنظيراً ، والموضوع يشمل كل مسلم ، وفي كل حرفة ، وفي كل موقع ، وفي كل ظرف ، وفي كل زمن ، وفي كل مكان ، هذا السؤال الكبير لماذا تفوق أصحاب النبي الكريم ؟ لماذا تفوق التابعون ؟ لماذا تفوق تابعو التابعين؟ لماذا كانوا مستخلفين في الأرض ؟ لماذا كانوا ممكنين ؟ لماذا كانت كلمتهم هي العليا ؟ لماذا نحن كلمتنا ليست عليا ولسنا ممكنين ولسنا مستخلفين ؟ القرآن الكريم :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[ سورة النور]

 (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) مفتاح الآية كلمة واحدة (يَعْبُدُونَنِي) فإذا أخلّ العباد بما كلفوا به من عبادة تامة ، هادفة ، مخلصة ، فالله عزَّ وجلَّ في حِلٍّ من وعوده الثلاث ، إذاً لماذا نحن ضعفاء وهم أقوياء ونحن لا ننتصر وهم ينتصرون؟ ما السر؟ مرَّة ثانية : (إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) .

الجهل في التصور والخطأ في التصرف والمأساة في المصير :

 أقول لكم أيها الأخوة ؛ بكل تأكيدٍ هناك جهلٌ في التصوُّر ، وهناك خطأٌ في التصرُّف ، وهناك مأساةٌ في المصير ، مثلاً : لو توهم سائق مركبةٍ أنَّ تألق ضوء الزيت الأحمر في لوحة البيانات تألقاً تزيينياً لاحترق المحرك ، ولكلفه ألوفاً مؤلفة ، فلو فهم هذا التألق تألقاً تحذيرياً أوقف المركبة أضاف الزيت وسلم المحرك ، لذلك هناك مثل آخر دقيق : لو أن إنساناً وصل إلى وحوش جائعة مفترسة :

﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود]

 الله قال : (فَكِيدُونِي جَمِيعًا) يخاطب النبي ليقول : (ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) لا تترددوا ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) إذاً العلاقة ليست مع الوحوش الكاسرة والجائعة والمفترسة ، علاقتي مع من يملكها ، والله يملكها ، هذه نقطة دقيقة جداً (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) لذلك ؛ قد نجد المسلم أحياناً يتوكل على الله بلسانه ولا يتقن عمله ، يتوكل على الله بلسانه ولا يأخذ بالأسباب ، يتوكل على الله بلسانه ولا يوحد الله بل في قلبه شرك خفي ، بل هو في داخله يعتمد على زيد أو عبيد ، ظاهره التوكل وباطنه الشرك الخفي ، قال في الصلاة :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

[سورة الفاتحة]

 (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نحن نعبدك اختياراً ، ونستعين بك اعتماداً ، ونقطف ثمار عملنا انتصاراً ، هذا هو التوحيد ، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي) لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والاستعانة طريق تحقق التوحيد ، هذا ما تقوله في الصلاة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) سبع عشرة مرَّة في الفرائض ، فضلاً عن السنن الرواتب والوتر أن تقول : لا إله إلا الله ، لا خالق إلا الله ، لا رب إلا الله ، لا مسير إلا الله ، لا معطي إلا الله ، لا مانع إلى الله ، لا معز إلا الله ، لا مذل إلا الله ، لا باسط إلا الله ، لا قابض إلا الله ، لا رافع إلا الله ، لا خافض إلا الله ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .

مستويات التوحيد :

 التوحيد له مستويان : مستوى قولي لساني ، وهذا سهلٌ جداً ، ومستوى نفسي عملي وهذا ما نفتقر إليه ، فكم من موحدٍ مشرك ؟ وكم من موحدٍ بلسانه مشرك في قلبه ؟ يقول : (لا إله إلا الله) بلسانه وكل اعتماده على فلان ، وكل ثقته بعلان ، أو كل اعتماده على قوته ، وكل اعتماده على ماله ، وكل اعتماده على منصبه ، وكل اعتماده على أولاده ، وكل اعتماده على أهله ، هذا موحدٌ مشركٌ في آنٍ واحدٍ ، يؤكد هذا قوله تعالى :

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)﴾

[ سورة يوسف]

 (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) يا ليت الخطأ أو هذا الخطأ في التصور يبقى في العقيدة ، بل ينعكس في السلوك ، ينعكس في حياتنا العامة تزلفاً وتملقاً ، ضعفاً ويأساً ، سوداويةً وتشاؤماً ، ومن جلس إلى غنيٍّ أو قويٍّ فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ، وفي حياتنا الخاصة يجب أن نعتقد أن هذا التوحيد لا يلغي العمل بالأسباب الظاهرة ، أي ابنك مريض تقول : سلمته لله ، هذا الكلام تواكل لا توكل ، أنت مقصر في الدراسة تقول : الله عزَّ وجلَّ يكرمني بالنجاح لأني مؤمن ، هذا تواكل لا توكل ، انظر إلى هذا الموقف الذي فيه جهل ، وفيه خطأ ، ما دام المسلمون في هذا الجهل وهذا الخطأ يعزون أخطاءهم إلى القدر فلن ينتصروا ، إذا رأيت أن الله بيده كل شيء يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، النجاح في الامتحان يحتاج إلى دراسة وحفظ ، النجاح في التجارة يحتاج إلى دراسة السوق، نوع البضاعة ، أسعار البضاعة ، الكمية المناسبة ، التوصيف المناسب ، عرض البضاعة بشكل جيد ، كل شيء يجب أن تأخذ بأسبابه ، فإذا أردت أن تنتمي لأمةٍ كانت في مقدمة الأمم ؛ هذه الأمة بدأت كما فعل النبي الكريم ، مثل تعرفونه دائماً : هل في الأرض كلها إنسان يستحق النصر والتأييد والعون كرسول الله ؟ أكبر إنسان على وجه الأرض يوحى إليه جاء بالإسلام ، ومع ذلك ما فرط في الأخذ بالأسباب قَيْدَ أُنْمُلَة ، إذا كنت موحداً يجب أن تأخذ بالأسباب وألا تهملها وألا تعطلها لأن هذا من لوازم التوحيد ، أما إذا عزلتها وأهملتها فأنت لست موحداً ، فموقف الاستكانة ، موقف التقصير ، موقف الكسل ، موقف التسيب ، هذا خسران مبين ، أي رمضان ينقلنا نقلةً نوعيةً من التقصير إلى التفوق ، من الضياع إلى الوجدان ، من التفلت إلى الالتزام ، من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، لذلك الابن مريض تأخذه إلى الطبيب ، أو تختار أفضل طبيب ، تشتري الدواء الجيد ، وتعطيه الدواء بعناية فائقة ، أنت في كل هذه الحركات تقول : يا رَب أَنتَ الشَّافي لا شافي إِلاَّ أَنْتَ ، بهذا يصبح حالك طيباً ، بهذا تقوى ، بهذا ترقى ، بهذا تستحق تأييد الله ، بهذا تستحق نصر الله ، بهذا تستحق إكرام الله عزَّ وجلَّ .

الموقف البطولي للإنسان أن يكون في الوقت نفسه مرغوباً ومرهوباً :

 هناك نقطة دقيقة : دائما التطرف سهل ، مثلاً : سهل جداً على الأب أن يكون ليناً ضعيف الشخصية ، هذا لا يحتاج إلى ذكاء ، وسهل أيضاً أن تكون غضوباً عنيفاً ، الموقف العنيف سهلٌ فعله ، والموقف اللامبالي سهلٌ فعله ، أما الموقف البطولي فأن تكون في الوقت نفسه مرغوباً ومرهوباً ، أن يخافك الآخر بقدر ما يحبك ، أو أن يحبك بقدر ما يخافك ، ألا تكون ليناً فتعصر ، وألا تكون قاسياً فتكسر ، وألا تؤله الأسباب ، وألا تهملها .

((عن جابر بن عبد الله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَلا أَنْتَ ؟ قَالَ : وَلا أَنَا إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ))

[ رواه مسلم]

 لذلك كل عملك الآن في الدنيا ليس هو ثمن الجنة ، بل ثمن مفتاح الجنة ، لأن الجنة لا ثمن لها .
 لذلك : (قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ) أي فقط عمله وإقباله على الله عزَّ وجلَّ ، طبق كل القواعد الصحية ، أما إذا طبقتها واستغنيت بها عن الله ، وألهتها فلن تنجو من المرض ، يجب أن تأخذ بها ، وأن تعتمد على الله عزَّ وجلَّ ، وأن ترجو الله ، اعْلَمُوا واعملوا ، ادرس وتوكل ، انتقِ البضاعة الجيدة بالسعر المناسب ثم توكل في بيعها على الله ، أقم كل الأسباب وتوكل على ربّ الأرباب ، هذا هو الأخذ بالأسباب .

خلق الله عز وجل كله بنظامٍ وترتيبٍ :

 رمضان شهر فضيل ، شهر الإيمان ، شهر الغفران ، شهر القرب ، شهر الإقبال على الله ، شهر الصلح مع الله ، شهر ضبط الأمور ، اعمل واعلم أنك ميسر لما خلقت له ، خلقت ليرحمك الله عزَّ وجلَّ ، حينما تعمل الطاعات فقد حققت المراد الإلهي ، فإذا عملت المعاصي والآثام أنت قد خلقت للرحمة والإكرام فلا بد من العلاج ، هي أيضاً من قدر الله ، إنك إن استخدمت الدواء فررت من قضاء الله وهو المرض إلى قدر الله وهو الشفاء ، المرض قضاء الله عزَّ وجلَّ والشفاء قضاء الله ، ففرت من قضاء الله إلى قضاء الله .
 والقصة الشهيرة الخطيرة : سيدنا عمر رضي الله عنه حينما سافر إلى الشام وقف على أبواب الشام وكان فيها الطاعون ، هذا الطاعون أي الوباء الحالي الذي نحن فيه ، الطاعون يعني الوباء الشامل ، فرجع عمر خاف أن يدخل بأصحاب رسول الله إلى الشام ، فقَالَ لهُ أبُو عُبَيْدَةَ : يا أمير المؤمنين أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ ؟ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّه ، فالطاعون قدر ، والكورونا قدر ، والشفاء قدرٌ آخرٌ ، أنا فررت مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّه ، ثم نادى في الجيش : هل فيكم من سمع من النبي الكريم شيئاً في الطاعون ؟ انظر للأدب ، قال هذا تعليماً لنا ، أي ممكن أن يكون أمير المؤمنين ويسأل أصحابه : هل سمع أحدكم عن رسول الله في هذا الموضوع أجيبوني ؟ أنت إذا كنت ذا مكانة عالية وعلمية لا تستنكف أن تسأل الآخرين ، تزداد عندهم مكانةً ، ليس هذا طعناً في علمك ، اسأل ، سيدنا عمر عملاق الإسلام أمير المؤمنين قال لأصحابه : من منكم سمع شيئاً من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطاعون ؟ فعن أسامة قال : قال النبي الكريم :

((عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، أَوْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا))

[ صحيح مسلم]

 (إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا) وهذا هو الموقف الشرعي في الكورونا اليوم ، هذا موقف علمي ، أحد العلماء كان في بلد أجنبي التقى مع عالم من أكبر علماء الجراثيم سأله هذا السؤال: إذا كان هناك بلدة فيها مرض سار ماذا يجب أن نفعل ؟ عالمٌ بعيد عن الإسلام ، لا يعلم ما الإسلام ، ولا ما القرآن ، ولا ما أحاديث النبي العدنان ، سُئل هذا السؤال : مرضٌ سارٍ وبائي في بلد ماذا ينبغي أن نفعل ؟ قال : أولاً : نضرب حول هذا البلد نطاقاً نمنع الدخول إليه من أجل العدوى ، فالخطر لا في المرضى ، ولكن في حملة هذا الجرثوم من الناس ، كشف النبي هذه الحقيقة طبعاً إذا كان الطاعون في بلد (فَلَا تَدْخُلُوهَا) لأن فيه عدوى ، أما (فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) فهذه لا تُعرف إلا بالمخابر ، لا تُعرف إلا بعد تحليل دم الإنسان الصحيح السوي هذا حامل الجرثوم ، سنسمع مجموعة آيات مثلاً :

﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)﴾

[ سورة المؤمنون]

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)﴾

[ سورة الشورى]

 كم آية كلها بقدر الله ، المعنى في كل هذا خلقه بنظامٍ وترتيبٍ ، خلقه بقدر .

من جمع بين التوحيد وبين الأخذ بالأسباب المتاحة استقام قلبه على السير إلى الله :

 هناك سنن ، هناك أسباب ، هناك مسببات ، هناك نتائج ، فإذا كان تصميم الكون وفق الأسباب والنتائج ، وفق التقدير الدقيق ، وفق الحساب الدقيق ، وفق النظام الرائع ، أنت أيها المؤمن يا من تدعي أنك مؤمنٌ بالله هل يليق بك أن تهمل نظام الله عزَّ وجلَّ ؟ أن تهمل هذه السنن ؟ أن تهمل هذه المعطيات ؟ ألا تبالي بهذه القواعد ؟ ألا تبالي بهذا التقدير؟ من لم يأخذ بالأسباب ؛ أنا أصدقكم القول : كل مؤمن يستخف بالأسباب ويهملها ولا يبالي بها ولا يأخذ بها فهو يسيء الأدب مع الله عزَّ وجلَّ .
 النقطة الدقيقة : أن الأخذ بالأسباب جزء من الدين ، ونحن لا نرتقي ولا نقوى ولا نستحق نصر الله عزَّ وجلَّ ولا نستحق تأييده وعونه وحفظه إلا إذا تأدبنا مع سننه ، قال تعالى :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[ سورة الأنفال]

 الآن استمعوا لهذه الكلمة الدقيقة ملخص الملخص : ما من مؤمنٍ يهمل الأسباب ، ويستخف بها ، ولا يعبأ بها ، ولا يعتني بها ، ويدعي أنه متوكل على الله ، فهو غير متوكل ، وهو مسيءٌ للأدب ، ولا يستحق نصر الله ، ولا تأييده ، ولا حفظه ، أقول لكم : يجب أن تأخذوا بالأسباب الكاملة بل أن تأخذوا بالأسباب المتاحة ، فإذا جمعت بين التوحيد وبين الأخذ بالأسباب المتاحة استقام قلبك على السير إلى الله ، ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع الأنبياء والرسل ، وجميع العلماء الربانيين ، وجميع المؤمنين الصادقين ، وهو الصراط المستقيم صراط الله الذي أنعم الله عليهم .

الفرق بين العالم والعابد :

 بقي شيءٌ مهمٌّ : أن موضوع العلم عبارة أصولية ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، فالفرق بين العابد والعالم ، العابد : طبق الأمر ولم يفهم حكمته لكنه قطف ثماره ، أما العالم فيطبق الأمر ويعرف حكمته ويُعلِّم ، العابد : ناج ولكنه ناج وحده ، أما العالم فناج وينجي معه غيره .
 هذا اللقاء الطيب قيمته لا في معلوماته بل في تطبيقاته ، أتمنى من كل أخٍ من الأخوة الكرام ممن يشاهدونني عبر برنامج الزوم في بيته ، وفي عمله ، أن يراجع في وقت فراغه في هاتفه ، في آيباده ، هذا الموقف الذي ينجي : أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المقدم :
 شكراً سيدي على هذه الكلمة الطيبة ، والنصائح النابعة من القلب ومن الإيمان من محبة الله ، سيدي عندنا وقفة من أجل الأسئلة ، هناك سؤال أستاذنا الجليل : ما هي أحب الأعمال إلى الله في رمضان ؟

أحبّ الأعمال إلى الله في رمضان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أدومها وإن قلَّ ، هناك أعمال جليلة تنتهي بعد حين ، نريد عملاً مستمراً ، أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ ، الثبات نبات ، يوجد عندك صلوات تابعها ، أما هناك فورة ثم همود ، نريد نحن عملاً مستمراً ، التكرار يؤدي إلى التفوق ، التكرار يرفعك إلى أعلى عليين ، أذكر مرَّة إنساناً جالساً في بيته ، نملة صعدت الحائط إلى مسافة متر تقريباً ثم وقعت ، تابعها ، الكرَّة أعادتها ثلاثاً وأربعين مرَّة ، وهو كان في الجامعة فوجد الدراسة صعبة جداً فترك الدراسة ، فلما رآها حاولت ثلاثاً وأربعين محاولة استحيا من النملة وتابع الدراسة ، لا بد من الإصرار والثبات، والثبات نبات ، والله يمتحن الإنسان ، أول صعوبة يتفلت ، لا ، تريد صموداً ، استمراراً ، تأثيراً ، متابعة .
المقدم :
 شكراً سيدي ، عندنا سؤال .
 شيخنا الفاضل شكر الله لك هذه الكلمة القيّمة في هذه الليلة المباركة ، أستاذي الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي كلما صح عن هذه الليلة هو الدعاء والاستغفار ، أما ما يقرأه بعض الناس في جل البلدان الإسلامية فلا أصل له ولا يوافق المعقول ولا المنقول ، بخلاصة سيدي الفاضل علينا التشبث بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو لنا أن ندعو بعض الأدعية التي لم تصح ؟ هذا هو السؤال شيخي الفاضل .

الالتزام بالدعاء والاستغفار لننال أجر الاتباع وأجر الذكر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا المنهج الإلهي لا يضاف عليه ، الإضافات بدع ، ولا يحذف منه ، الحذف خطر كبير ، منهج توقيفي ، منهج تحقيقي ، منهج من عند خالق الأكوان ، فقط للتقريب : قاض حكم أربعين عاماً وأصدر ثلاثة آلاف حكم ، يوجد حكمان فقط لم يكونا كما ينبغي لنقص المعلومات ، نسميه نحن في الأرض قاضياً عادلاً ، أما الله فمُطلق بكل أعماله ، بكل أفعاله ، بكل قرآنه لا يوجد ولا خطأ مُطلق ، الله عزَّ وجلَّ مُطلق بعلمه وكماله وكتابه وكلامه .
عندنا آيات كونية المقصد منها التفكر في خلق السماوات والأرض

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران]

 (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متراً والله قال :

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

[سورة البروج]

 (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، كنت في أمريكا رأيت في متحف فلكي هذا البرج مضافاً له خطوط بين النجوم كأنه عقرب ، هناك نجم صغير اسمه : قلب العقرب يتسع - دققوا الآن - للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم أيعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره؟ فالتفكر في خلق السماوات والأرض من خلال الآيات الكونية ، يوجد في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية ، هناك آيات تكوينية أفعاله ، وآيات قرآنية كلامه ، فالكونية تفكر ، والتكوينية نظر :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)﴾

[ سورة العنكبوت]

 (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا) ، والقرآنية تدبر ، هذه قنوات سالكة إلى الله :
 (فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ : "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :

((ابْنَ آدَمَ ، خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ ، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ ، فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"))

[ ورد في الأثر]

((ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ))

المقدم :
 إذاً شيخنا الفاضل أنت تنصحنا لكي ننال الأجرين أجر الاتباع وأجر الذكر والدعاء والاستغفار علينا أن نلتزم بما ورد ، فهم شرعوا ما لم يأذن به الله ، فالعبادات مبنية على الحظر .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 في الكتاب والسُنَّة ، في الكتاب وما صح من السنَّة .
المقدم :
 لأن الأصل في العبادات الحظر ، فلا يجب أن نجتهد في العبادات .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أبداً ، أما في الأشياء فالإباحة ، الأصل الإباحة ، أما في العبادات فالأصل هو الحظر.
المقدم :
 إذاً سيدي الفاضل بماذا تنصحنا في هذه الليلة المباركة ؟ والآن إن شاء الله أغلب المغاربة صائمون ، وإن شاء الله بحول الله أسأل الله تعالى أن يتقبل صيامهم ، فبعد الإفطار ماذا تنصحنا سيدي الفاضل ؟

التفكر في خلق السماوات والأرض :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد جانب عقدي التفكر في خلق السماوات والأرض ، بطعامك وشرابك ، هذا الماء الذي تشربه ، هذا الماء فيه خاصية لولاها تنتهي الحياة ، كل شيء من المواد من دون استثناء إن كانت صلبة وإن كانت سائلة وإن كانت غازية بالحرارة يزداد حجمها ، تتمدد ، بالبرودة تنكمش إلا الماء ، الماء حرارته فرضاً 20 درجة خفضناها إلى خمس عشرة ، إلى عشر ، إلى خمس ، إلى أربع درجات يزداد حجمه ، لولا هذه الخاصة لما وجدت الحياة ، لا يوجد هذا اللقاء ، لا يوجد مغرب ، لا يوجد عمان ، السبب ؟ كلما تجمدت طبقة من البحر تزداد كثافتها بحسب القانون ، تنخفض ، الطبقة الثانية تنخفض إلى أن تتجمد البحار كلها ، أي انعدم التبخر فتنعدم الأمطار ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان ، هذه الخاصة أن الماء بخلاف النظام العام بدرجة +4 يزداد حجمه وتقل كثافته فيطفو ، تبقى البحار دافئة ، والأسماك حيةٌ ترزق ، ممكن تنتهي الحياة كلها بقانون واحد .
مثل آخر : الطفل الآن ولد يضع فمه على ثدي أمه ، دققوا ؛ يحكم الإغلاق ويسحب الهواء فيأتيه الحليب ، هذه اسمها : منعكس المص ، لا يمكن أن تُتعلّم هذه الخاصة بل تولد مع الطفل الصغير ، الآن ولد هذا اسمه منعكس ، شخص راكب سيارة عامة وآخر بيده دخينة مشتعلة يسحب يده يسحبها بأمر من العمود الفقري وليس من الدماغ ، هذا اسمه منعكس ، الطفل ولد معه منعكس ، أمعاء الطفل وهو في بطن أمه فيها شحم أسود ، لو لم يكن هناك شحم لأصبحت الأمعاء شريطاً ولمات من الجوع ، حتى يبقى أنبوباً يجب أن يكون ممتلئاً بالشحم الأسود ، أول الرضعات خلال اليومين الأُوَّل تخرج مادة مذيبة للشحوم وخروجه أسود ، تصميم من ؟
 والله يوجد آيات كثيرة ، لي كتاب " الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة " بالموقع موجود مجاناً ، افتحي تحميل كتب يأتي الكتاب إليكِ بكامله على الآيباد أو على الكمبيوتر أو على أي شيء آخر ، كله آيات كونية وتكوينية وقرآنية ، كله إعجاز ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، والوقت قصير .
المقدم :
 سيدي الفاضل ؛ تكلمتم عندما يكون الخطأ في التصور ينعكس ذلك وتحصل أخطاء كبيرة في التصرف والسلوك ، نعم سيدي الفاضل ، ثم قلتم بتعبيركم وهذا قد يؤدي إلى مأساة في المصير ، فهل تعطينا مثالاً سيدي على هذه المأساة في المصير ؟

مثال عن المأساة في المصير :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 إذا كان إنسان فهم حديث :

((عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي))

[ صحيح الترمذي]

 (شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) على ظهره له إشكال كبير ، فقام بارتكاب كبيرة ، هذا خطأ بالفهم ، أما الحديث فله معان كثيرة ، أنا دارس علم الحديث ، يوجد مئتا حديث مشكلة ،تحتاج إلى علماء لفهمها ، إذا شخص لم يتعلم على يد عالم قد يفهم فهماً خاطئاً .
المقدم :
 شيخي العزيز هناك سؤال هو : فترة الحجر الصحي كانت ظاهرة المحاضرات على الزوم ، محاضرات الدين ومحاضرات الأئمة والداعيات ، هل يمكننا اعتبار المحاضرات الدينية والمحاضرات على الزوم نوع من أنواع العبادات ؟

حكمة الله المطلقة تتعلق دائماً بالخير المطلق :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أنا أعبد الله كما أراد لا كما أريد ، أعبد الله كما يريد الله عزَّ وجلَّ ، أرادنا في هذه السنة أن نحضر على الزوم ، لقاء داخلي ، لحكمة بالغة ، حكمة الله نعلمها أو لا نعلمها ، نعلمها نرتقي إلى الله ، لا نعلمها نسلمها إلى الله ، يوجد مقولة : كل شيء وقع بالقارات الخمس أراده الله، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه بل أراده ، كل شيء وقع أراده الله ، مثل رجل تزوج امرأة وبعد عشر سنوات من الزواج لم تنجب ، ثم أنجبت طفلاً آية في الجمال ، تعلق هذه الأب بابنه تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الأب الطبيب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة ، الآن يسمح بتخديره ، وفتح بطنه ، واستئصال الزائدة ، دقق ؛ كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه أراده ، تعني أنه سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لا يوجد بالكون شر مطلق ، لا يوجد أبداً لأنه يتناقض مع وجود الله أصلاً .
المحاور :
 الدكتور الفاضل أتعبناك ، حفظكم الله لنا شيخنا الفاضل ، وأشكرك باسم الجمعية الوطنية وباسم جمعية نور الخير ، شكر الله لك سيدي هذا اللقاء وإجابتكم على الأسئلة ، وننتظر بشوقٍ في لقاءاتٍ أخرى إن شاء لله في رمضان المبارك ونسألكم الدعاء .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 يوجد عندي ملمح دقيق؛ أنا مرَّة كنت بمكناس ألقيت محاضرة بالمغرب ، النساء كلهن محجبات ، خطر في بالي خاطر الأخت المحجبة إن كانت أكبر منك فهي كأمك ، وإن كانت في سنك فهي كأختك ، وإن كانت أصغر منك فهي كابنتك ، أخذت هذا من قوله تعالى : سيدنا لوط يقول :

﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)﴾

[ سورة هود]

 (هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أما إذا تفلتت فأصبحت أنثى ، انظروا عالم الدين ، الأكبر أم ، والتي بعمرك أخت ، والصغيرة بنت ، والدليل : (هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) ، أما إذا تبرجت وتفلتت فأصبحت أنثى .
المحاور :
 نصيحتك للنساء في شهر رمضان دكتور؟

نصيحة للنساء في شهر رمضان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 كل سنتيمتر بثيابها متعلق بدينها ، كل سنتيمتر بثيابها متعلق بدينها ، طولاً وعرضاً ، إذا كان ضيقاً أظهر العورات ، أظهر حجمها ، إذا كان شفافاً أظهر لونها ، وإن كان ضيقاً أظهر حجمها ، هذه القصة كلها ، حجاب المرأة عبادة إلى الله عزَّ وجلَّ ، حجاب المرأة جهاد ، أعلى جهاد ، هي كتمت مفاتنها إرضاءً لربها ، ما هو أكثر شيء تعتز به المرأة ؟ جمالها ، هي كتمته على الأجانب وسمحت به لزوجها بلا قيدٍ ولا شرط ، لمحارمها بشروط ، والمرأة غالية جداً ،

((النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَقولُ : أَوَّلُ مَنْ يُمْسِكُ بِحَلْقِ الجَنَّةِ أنا ، فإذا امْرَأَةٌ تُنازِعُنِي تُرِيْدُ أَنْ تَدْخُلَ الجَنَّةَ قَبْلِي ، قُلْتُ : مَنْ هَذهِ يا جِبْرِيلُ؟ قالَ : هِيَ امْرَأَةٌ ماتَ زَوْجُها ، وَتَرَكَ لَها أوَلاداً ، فَأَبَتِ الزَّواجَ مِنْ أَجْلِهِمْ))

[ رواه مسلم]

 (أَوَّلُ مَنْ يُمْسِكُ بِحَلْقِ الجَنَّةِ أنا) رسول الله ، قال : (فإذا امْرَأَةٌ تُنازِعُنِي تُرِيْدُ أَنْ تَدْخُلَ الجَنَّةَ قَبْلِي) هل يوجد مقام مثل هذا المقام ؟ المرأة تعتز بهذا الدين العظيم ، لها مكانة عند الله لا يعلمها إلا الله .
المقدم :
 اليوم ابنتي قرأت مقطعاً من القرآن والذي فيه ضرب المرأة ، وابنتي شابة عمرها تسع عشرة سنة قالت لي : لا أفهم كيف الدين الإسلامي يمكن أن يقول : اضرب امرأتك ؟ نريد مثالاً صغيراً يوضح هذا الشيء ؟

خير الناس من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذه تحتاج إلى حلقة خاصة .
المحاور :
 هذه بخصوص آية المرأة الناشز .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نعم ، عفواً إما أن تطلقها وتصبح بلا زوج ، وبلا أولاد ، وبلا مكان ، وبلا دخل ، أو أن تؤدبها تأديباً معقولاً وأن تبقيها زوجةً ، ماذا قال سيدنا عمر ؟ ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر ولكن من عرف الشرّين وفرق بينهما واختار أهونهما .
المحاور :
 الأستاذ هشام نستضيف الدكتور بحلقة أخرى إن شاء الله في معاملة الأزواج لنسائهم ، هذا موضوع كبير ومهم جداً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 ومعاملة النساء لأزواجهن أيضاً .
المحاور :
 نعم ، المعاملة بين الزوجين .
المقدم :
 والدعاء لسيدنا الدكتور محمد راتب النابلسي وهذا بلده وهو مفتوح له ، ونحن أسرته.

تعطش الناس للدين :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله المغرب له مكانة كبيرة عندي ، مرَّة كنت في بلدة أخرى يمكن في الرباط ، هم يرشون ماء معطراً على الدرج ، ويستقبلونك بكأس حليب مع ماء الزهر ، أي شيء من التقاليد الرائعة التي تفوق حدّ الخيال ، حضر مرَّة بمكناس خمسة وثلاثين ألف شخص بمحاضرتي بالضبط ، خمسة وثلاثون ألف شخص حضروا ، الناس متعطشون لخطاب ديني أولاً : متوازن ، ثانياً : غير متشدد ، غير متفلت ، لا ينتمي لجهة أرضية إطلاقاً ، هذا الدين لله عزَّ وجلَّ لا ينسب لإنسان ، ولا لجهة ، ولا لفئة ، ولا لجماعة ، هذه نقطة دقيقة جداً .
المحاور :
 دكتور تختم لنا إن شاء الله بالدعاء بالهداية والعبادة بإخلاص حتى يكتب لنا التمكين والنصر الذي تحدثتم عنه .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا ، وأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنَا ، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرّ ، مولانا رَبِّ الْعَالَمِينَ ، اللَّهُمَّ اكْفِنِا بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ ، وبِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ ، اللَّهُمَّ لا تُؤَمِّنَّا مَكْرَكَ ، وَلا تَهْتِكْ عَنَّا سِتْرَكَ ، وَلا تُنْسِنَا ذِكْرَكَ ، أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا ، أَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا ، آثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا ، أرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا ، واجعل بلاد المسلمين آمنةً مُطمئنَّة وسائر بلاد المُسلمين ، واحفظ واحقِن دماءَ المُسلمين في كل مكان .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور