وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 61 - جمعية الاتحاد الإسلامي - سياحة في الكون - عِظات مِن التفكّر في عَظمة الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

التفكر أقصر طريق وأوسع باب ندخل منه على الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 بارك الله بكم جميعاً ، وحفظ لكم إيمانكم ، ومن يلوذ بكم ، وصحتكم ، وبلدكم .
 بادئ ذي بدء ، الله جلّ جلاله الذاتُ الكاملة ، الله عز وجل أصل الجمال والكمال والنوال ، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف ، ومن كمال التصرف إرسال الأنبياء والمرسلين، الأنبياء السابقون جميعاً معجزاتهم حسية ، بمعنى عود ثقاب تألق وانطفأ أصبح خبراً، يُصدق أو يُكذب .
 سيدنا موسى ضرب البحر أصبح طريقاً يبساً ، سيدنا عيسى أحيا الميت ، النبي الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين بعثته خاتمة البعثات ، رسالته خاتمة الرسالات ، فلابد أن تكون المعجزات مستمرة ، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية ، في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، ألف وثلاثمئة آية ، آية الأمر نأتمر ، آية النهي ننتهي ، آية القصة نتعظ، ماذا نفعل بألف وثلاثمئة آية ؟ طبعاً هذه الآيات عناوين التفكر .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران]

 الفعل مضارع يفيد الاستمرار : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) التفكر أقصر طريق ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، فلذلك الإنسان إذا تفكر وضع يده على عظمة الله عز وجل دائماً وأبداً ، أي إذا طفل أعطيناه مبلغاً كبيراً ، يقول لك : معي مبلغ عظيم، وإذا كان مسؤول كبير أعدّ لحرب كبيرة ، يقول لك : مبلغ عظيم ، إذا خالق الأكوان قال:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾

[ سورة النساء]

 أعظم شيء من قول العظيم أن تعرف الله ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء .

الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله :

 لذلك هذه البعثات ، بعثات الأنبياء لها مضامين ، هذه المضامين لابد من أن تحفظ وتستمر ، لذلك الله عز وجل خصنا بآيات كونية واضحة جداً ، تقريباً ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه الآيات عناوين موضوعات للتفكر ، والتفكر كما قلت قبل قليل : أقصر طريق إلى الله ، وأوسع بابٍ ندخل منه على الله : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .
 الآن يوجد آية دقيقة جداً ، هي عنوان لآيات :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[سورة الجاثية]

  الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله ، القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) .
 الآيات أنواع ثلاث ، آيات كونية ؛ الموقف الكامل منها التفكر ، آيات تكوينية الكونية خلقه ، الآيات الكونية خلقه ، والموقف الواجب لها التفكر : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
 الآيات التكوينية أفعاله ، النظر .

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) ﴾

[ سورة آل عمران]

 يوجد آية ثانية :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾

[ سورة الأنعام]

 آية فاء ، وآية ثم ، إذا جاء العقاب مباشرةً فاء ، إذا جاء بعد حين ثم ، أي أفعال الله عز وجل : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) ، ( فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ، فاء ، ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ) ، هذه الآيات التكوينية أفعاله تحتاج إلى نظر : ( فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا ) ، والآيات القرآنية تحتاج إلى تدبر .

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾

[ سورة الأنعام]

 أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان ، الصدق والعدل ، أنتم تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم .

تولي الله بذاته العلية حفظ كتابه :

 يوجد رأي ثان ؛ هذا الكتاب القرآن الكريم بين دفتيه آيات كثيرة ، لكن يوجد صفتان جامعتان مانعتان ، هذا الكلام خبر وإنشاء ، الإنشاء عادل ، والخبر صادق ، فلذلك هذه الكلمات الجامعة المانعة في كتاب الله عز وجل .
 الآن : ( إِنَّا نَحْنُ ) طبعاً التوراة والإنجيل طرأ عليه تعديل ، أو إضافة ، أو حذف ، إلى آخره ، لكن الله عز وجل كلف الأنبياء السابقين بحفظ الكتاب .

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ﴾

[ سورة المائدة]

 إلا أن الله تولى بذاته العلية حفظ كتابه ، لأنه خاتم الكتب ، لذلك :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾

[ سورة الحجر]

 الآن الآية العامة :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) ﴾

[ سورة البقرة]

 ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) إذاً بعد الله وآياته ، فالآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله عز وجل .
 الآيات ثلاثة أنواع كبيرة ، كونية خلقه ، تكوينية أفعاله ، قرآنية كلامه ، الكونية تفكر، التكوينية نظر ، القرآنية تدبر .

ومضات علمية سريعة :

1 ـ آيات الله في الآفاق :

 ومضات سريعة ؛ أولاً الأرض تدور حول الشمس دورة كل عام ، والمسار بيضوي ، معنى بيضوي أي له قطران ، أطول وأقصر ، الآن الأرض بالقطر الأطول تتجه نحو القطر الأصغر ، الذي يحدث بقانون الجاذبية ، هذا متعلق بالمسافة والكتلة ، الأرض ثابتة ، لكن عندما تنتقل من القطر الأطول إلى القطر الأصغر المسافة قلت ، الجاذبية ازدادت ، لابد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانيةٍ واحدة ، كلام دقيق ، كلام علمي ، ما الذي يحصل ؟ دقق ، ترفع الأرض سرعتها ، وينشأ من رفع السرعة قوةٌ نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مكانها .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) ﴾

[ سورة فاطر]

 أن تنحرف عن مكانها ، لو زالت لانجذبت إلى الشمس وتبخرت بثانية واحدة وانتهت الحياة .
 الآن تتابع الأرض دورتها حول الشمس ، تنتقل من القطر الأقصر إلى الأطول ، فعندنا انتقلت إلى قطرٍ أطول ، المسافة زادت ، والجاذبية ضعفت ، لابد من أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس ، وإن تفلتت تصبح الحرارة ثلاثمئة وستين تحت الصفر ، انتهت الحياة ، تنتهي الحياة إذا انجذبت ، وتنتهي إذا تفلتت ، ما الذي يحصل ؟ تخفض الأرض سرعتها ، لينشأ من خفض السرعة قوةٌ نابذةٌ أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل ، فتبقى على مسارها ، الآية : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ) أن تزول عن خطها ، أن تنحرف عن خطها ، إذا زالت في مكان ترتطم بالشمس وتنتهي الحياة ، في مكان آخر تبتعد عن الشمس وتنتهي الحياة ، يدُ من ؟ قدرةُ من ؟ علم من ؟ عظمة من ؟

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) ﴾

[ سورة غافر]

 الأرض بيده .

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) ﴾

[ سورة الزمر]

 الشيء الدقيق جداً ، الله عز وجل قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ، هذا قانون عام ، ( أَنْ تَزُولَا ) أن تنحرف .
 شيء آخر : ( وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) .
 عندنا نقطة دقيقة : نعرف أن الجاذبية متعلقة بالحجم والمسافة ، فالحجم الأكبر يجذب الحجم الأصغر ، والمسافة إذا طالت ضعفت الجاذبية ، إن قلت تزداد الجاذبية ، مثلما قلت قبل قليل : عندما زادت المسافة ضعفت الجاذبية ، الأرض إذاً تخفض سرعتها ، ينشأ من خفض السرعة قوةٌ نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل ، الحالة الأولى تزيد من سرعتها ، من هنا كان هذا الكون بيد من ؟ بيد الله ، آيات قاطعة بوجود جهةٍ عظيمة تسير هذه الكواكب .
 لكن يوجد تعبير فرعي ؛ لو جئنا بكرتين ووضعنا مغناطيس بينهما وحرصنا أن تكون المسافة واحدة ، عندنا جذب وطرد بقوة واحدة ، تبقى الكرة الداخلية في مكانها ، لو أزيحت عشر الميلي تنجذب ، فنحن بالسكون مستحيل ، وإذا كان سطحاً مستحيل أكثر ، وإذا كان حجماً مستحيل ومستحيل المستحيل ، وإذا كان متحركاً ، إذاً بخط واحد مستحيل ، وسطح مستحيل ، وحجم مستحيل ، بحجم مع حركة ، الواقع أن كل هذه الكواكب بحجوم متباينة ، سرعات متباينة ، مسافات متباينة ، والمحصلة توازن حركي ، هذا شيء مستحيل ومليون مليون مستحيل أن يقع وحده التوازن الحركي ، يوجد قمر ، وشمس ، وشموس أكبر ، وكرات أكبر وأصغر بأحجام متفاوتة ، بقوة متفاوتة ، بمسافات متفاوتة ، ببنية متفاوتة ، والمحصلة توازن حركي ، هي من آيات الله الدالة على عظمته .
 الآن الله عز وجل قال : الأرض حينما تدور حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، وهي تدور تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، كنت في أمريكا رأيت هذا البرج في متحف فضائي ضخم جداً ، الحقيقة هذا البرج على قبة مصطنعة ، والنجوم موزعة عليه كما في السماء تماماً ، إلا أنهم وصلوا بين كل نجمتين ، فعلاً كالعقرب تماماً ، هذا اسمه برج العقرب ، يوجد نجم صغير صغير متألق أحمر اللون ، اسمه قلب العقرب ، رأيته بعيني ، طبعاً بالمرصد الكبير ، هذا البرج - دقق فيما سأقول - يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، قلب العقرب ، أحد نجوم برج العقرب ، صغير ، متألق ، أحمر اللون ، يتسع للشمس التي هي أكبر من الأرض بميلون وثلاثمئة ألف مرة ، وبينها وبين الأرض مئة واثنان وثلاثون ألف كيلو متر ، قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يكسب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
 عندنا رحلة اسمها : أبولو ثمانية ، رحلة القمر الأولى ، رائد الفضاء بعدما قطع ستة وخمسين ألف كيلو متر ، صاح بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حصل؟ نحن عندنا حالة بالأرض اسمها : تناثر الضوء ، أشعة الشمس تسلط على ذرات الهواء، ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة إلى مكان ما فيه أشعة شمس ، نحن بحياتنا باليوم يوجد مكان فيه أشعة شمس ، هناك غرف لا يوجد بها أشعة شمس ، لكن مضيئة ، هذا الشيء الثاني ضوء الشمس ، أول حالة أشعة الشمس ، بسبب تناثر الضوء ، فلما تجاوزت مركبة الفضاء طبقة الهواء انعدم تناثر الهواء ، انعدم الضوء ، فقال الرائد : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، هذه الحادثة بأبولو ثمانية ، أعتقد من عشرين سنة ، نفتح القرآن الذي نزل من ألف وأربعمئة سنة .

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) ﴾

[سورة الحجر]

 هذا التطابق المذهل بين حدث وقع قبل عشرين سنة ، وبين نص جاءنا قبل ألف وأربعمئة عام يؤكد بالدليل المليوني القطعي أن الذي خلق الأكوان أنزل هذا القرآن .
 الله عز وجل الكون قرآنٌ صامت ، والقرآن كونٌ ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي ، الآن تعريف دقيق جداً : ما لم يرَ المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم ، إنسان داعية ، عالم ، إن حدثهم فهو صادق ، إن وعدهم فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف هذا المسلم الصادق ، الواضح ، الذي علمه الله ما لم يكن يعلم ، هذا يؤكد عظمة هذا الدين .
 هذا شيء آخر ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) .
 أخي الكريم ؛ جزاك الله خيراً على هذا البرنامج ، أينشتاين ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً، عالم كبير ، له كلمة لا أنساها في كتاب ألّفه أحمد زكي عنه ، قال : كل إنسان دار في هذا الكون - أينشتاين عالم الذرة الأول - كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون ، عظيمة هي أعظم ما تكون ، رحيمة هي أرحم ما تكون ، حكيمة هي أحكم ما تكون ، هو إنسان حي لكنه ميت ، هذه لأينشتاين ، الذي جاء بالنظرية النسبية .
 الآن يوجد نقطة دقيقة جداً ، رائعة جداً : القمر يدور دورة حول الأرض كل شهر ، إذا أخذنا مركز القمر ومركز الأرض ، ووصلنا بينهما بخط ، من مركز القمر لمركز الأرض ، هذا الخط ما طوله ؟ نصف قطر القمر ، مع المسافة بين القمر والشمس ونصف قطر الشمس حسابهم سهل جداً ، هذا نصف القطر الدائري الذي هو مسار القمر حول الشمس ، ضربنا النصف باثنين القطر ، ضرب π =3.14 المحيط ، هذه بالشهر ، ضرب اثني عشر بسنة ، ضرب ألف بألف سنة ، عملية يحسبها إنسان مع آلة حاسبة بدقائق ، كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في عام ، المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، لو قسمنا المسافة على الزمن ما الناتج ؟ السرعة ، لو قسمنا هذا الرقم الكبير على ثلاثمئة وخمسة وستين ، السرعة باليوم ، تقسيم أربع وعشرين في الساعة ، تقسيم ستين في الدقيقة ، تقسيم ستين في الثانية ، إنها سرعة الضوء ، أي ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد .

﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾

[سورة الحج]

 هذه النظرية متعلقة بنظرية أينشتاين ، أي إشارة علمية مبكرة جداً وقت البعثة إلى ما سيكون بعد ألف وأربعمئة عام .

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) ﴾

[سورة لقمان]

 الآن الشيء الثاني : الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، نحن عندنا القرآن كونٌ صامت ، عندنا قرآنٌ صامت هو الكون ، عندنا كونٌ ناطق هو القرآن ، والنبي الكريم إنسانٌ يمشي أمامنا ، إسلام يمشي ، هذه أشياء ثلاث دقيقة جداً .
 طبعاً هذه لمحات بسيطة جداً ، هذا في خلق الله عز وجل .

2 ـ آيات الله في خلق الإنسان :

 أما في خلق الإنسان فشيء لا يصدق ، أجهزته الداخلية ، عينه ، القرنية ، الشبكية، اللسان ، الكبد خلق الإنسان وحده معجز ، والله الذي لا إله إلا هو لو أمضينا العمر كله في خصائص الجسم البشري شيء لا يصدق ، ثلاثمئة ألف شعرة بالرأس تقريباً ، ليس الكل طبعاً ، لكل شعرةٍ وريدٌ ، وشريانٌ ، وعصبٌ ، وعضلةٌ ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية ، الشبكية ميلي وربع ، ثلاثمئة ألف مأخذ عنها ، أكبر آلة تصوير احترافية الآن عشرة آلاف ، ثلاثمئة ألف مأخذ لدقة الرؤية ، بخلق الإنسان لو أمضينا الحياة كلها في عجائب خلق الإنسان ما انتهينا منه، الكبد ، الرئتان ، المطابقة بالعين ، الشم ، النطق ، شيء لا يصدق ، لذلك :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ﴾

[ سورة فصلت]

 التفكر أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأن الآيات الكونية بين أيدينا .
 لذلك : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) طبعاً الآيات ألف وثلاثمئة آية ، آياتٌ كونية تتعلق بخلق الله ، وخلق الإنسان ، هي عناوين موضوعات للتفكر ، والتفكر أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، وكلما ازددنا تفكراً ، ازددنا تعظيماً .

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[ سورة الحاقة]

 ضع تحت العظيم أربعة خطوط ، إبليس آمن بالله قال :

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (81) ﴾

[ سورة ص]

من عرف عظمة الله لا يمكن أن يعصيه :

 سيدي ؛ ثمانية مليارات إنسان يؤمنون بالله ، والمعاصي ليلاً نهاراً ، فالبطولة ليست أن تؤمن إيماناً شكلياً ، إيمان العوام ، أن تؤمن إيمان تعظيم ، فالإنسان إذا فكر في خلق السماوات والأرض وضع يده على عظمة الله عز وجل ، فالله عز وجل حينما تعرف عظمته تعد للمليار قبل أن تعصيه .
 إذا أنت راكب سيارتك والإشارة حمراء ، والشرطي واقف ، قوانين وزير الداخلية سحب الإجازة ، والحرمان من القيادة سنة أحياناً ، لماذا تقف ؟ واضع قانون السير وزير الداخلية ينوب عنه هذا الشرطي ، أو الكاميرا الآن ، فلأن علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه ، طبعاً يوجد مبلغ ضخم ، وسحب إجازة ، وحرمان قيادة سنة أحياناً ببعض البلاد ، لأن علمه يطولك ، من خلال هذا الشرطي سابقاً ، والكاميرا لاحقاً ، وقدرته تطولك بسحب الإجازة ، والحرمان من القيادة .

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ﴾

[ سورة الطلاق]

 الله جلّ جلاله علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، ونحن في قبضته الله ، نقطة دم تتجمد في أحد شريان الدماغ شلل ، فقد ذاكرة ، نقطة دم ، الكبد ، القلب ، الرئتان ، الدماغ ، العينان ، أعقد جهاز بالكون هو الإنسان ، أعقد جهاز بالكون ، الجهاز تعقيد إعجاز ، لا تعقيد عجز ، فالإنسان بقبضة الله ، فإذا استقام على أمر الله ألقى الله في قلبه الأمن .
 لا يوجد شهوة أودعت فينا إلا لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، بالدين لا يوجد حرمان أبداً ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، وإذا عندنا مئة وثمانون درجة أي شهوة ، مئة وعشرون مباح كم درجة محروم ؟ أي المحرمات بالمئة ثلاثة ، بالمئة أربعة ، ليس أكثر ، فيأتي إنسان ينشغل بالمحرمات حجب عن الله ، وأكبر عقاب للإنسان .

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ﴾

[ سورة المطففين]

 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ إيمان المستمعين والمشاهدين جميعاً ، أن يحفظ إيمانهم ، ومن يلوذ بهم .
 والحمد لله رب العالمين
المذيع:
 بارك الله بكم فضيلة الدكتور راتب ، كانت سياحة ممتعة في بعض الجوانب من آيات الله تعالى في الكون ، وصدقاً أقول : لو أنني أنشدت ألف قصيدةٍ لوجدت أنها لن تفي حقكم ، بارك الله فيكم .

التعاون قوة ورفعة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 هذا من تواضعك ، ولك مكانة كبيرة عندي والله .
 كلمة أخيرة : الدعاة في دائرة واحدة جميعاً ، الدعاة الربانيون طبعاً ، قطاع خاص ليس قطاع عام ، الدعاة في دائرة واحدة ، لأنهم جميعاً على حد معقول من كل فروع الدين ، لكن بعضهم تفوق بالتفسير نضع على الدائرة مثلثاً ، هذا في الحديث ، هذا بالإعجاز ، هذا بإلقاء الكلمات ، هذا بالعمل الخيري ، إلى آخره ، المثلثات متكاملة ، فأعداء المسلمين يتعاونون تعاوناً مذهلاً ، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، والمسلمون مع الأسف الشديد الشديد بينهم خمسة وتسعون قواسم مشتركة ، وتنافسوا ، لابد من التعاون ، بالتعاون قوة ، بالتعاون رفعة ، بالتعاون نصر ، فنحن سيدي الدعاة مثل الفواكه كلهم طعمهم حلو ، لكن كل واحد بطعم ، ولأن الله يحب كل عباده ، عمل لكل شريحة شخصاً يفهمون عليه ، فإذا واحد كره شيخه يكون ليس من شريحته ، يكون من شريحة ثانية .

خاتمة وتوديع :

المذيع:
 نشكر فضيلة الدكتور راتب ، والأخوات الحاضرات ، وأشكركم باسم الدكتور ، وباسم جمعية الاتحاد الإسلامي على هذا الحضور ، وأوصي بالاستمتاع أكثر بقراءة كتاب فضيلة الدكتور : موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، وكذلك يوجد لعلّامة الكون الذي توفي من سنوات الدكتور صبري الدمرداش له كتاب : للكون إله ، أيضاً له سياحة في آيات الله .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 نفتح موقع النابلسي تحميل كتب ، تستطيع أن تحمل ستين كتاباً بالمجان ، تحميل كتاب ، يأتي لعندك الكتاب بكامله .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور