وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 61 - لجنة الشباب – الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - التزكية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ ، اللهم لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ، وَأَدْخِلْنِا بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.

الفلاح والنجاح :

 حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، الدليل :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون]

 (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً : ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً : وافق السنَّة ، لذلك الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) ﴾

[ سورة الشمس]

 (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) الفلاح غير النجاح ، في تصوري الفلاح أن تعرف الله أولاً ، أن تطيعه ثانياً ، أن تعبده ثالثاً ، أن تأتمر بأمر رسوله رابعاً ، أن تدعو إليه خامساً ، هذا جانب، هذا الفلاح ؛ عرفت الله ، عرفت منهجه ، طبقت منهجه ، أقبلت عليه في الصلاة ثم خدمت خلقه ، أو دعوت إليه بالنهاية ، هذا جانب ، الفلاح أول بند أن تعرف الله ، وأن تتقرب إليه ، الجانب الثاني نجحت في اختيار زوجتك امرأة صالحة ، نجحت في تربية أولادك ، نجحت في اختيار حرفتك ، الحرفة مشروعة والتعامل معها مشروع ، فالنجاح يبدأ بالنفس أول دائرة ، يثنّي بالبيت ؛ بيت مسلم ، لا يوجد شاشة متفلتة ، لا يوجد سهرات لا ترضي الله ، لا يوجد اختلاط ، لا يوجد معصية ، الدخل إسلامي ، الإنفاق إسلامي ، اللقاءات إسلامية ، السهرات إسلامية ، حتى السياحة إسلامية ، أي يبدأ المنهج الإلهي من أخص خصوصيات الإنسان ؛ يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، لذلك حسب ما تفضلتم من موضوع التزكية (قَدْ أَفْلَحَ) الفلاح شمولي ، والنجاح أُحادي ، الفلاح أن تعرف الله ، أن تعرف الحلال والحرام ، الفلاح أن تنجح في إيمانك ، وفي استقامتك ، وفي عملك الصالح ، وفي الدعوة إلى الله ، والفلاح أن تحسن اختيار زوجتك ، وأن تحسن تربية أولادك ، والنجاح أن يكون عملك مشروعاً ، حرفتك مشروعةً ، والتعامل معها مشروعاً والنوايا طيبة ، فإذا جمعت بين نجاحك مع الله - إن صح التعبير- ونجاحك مع نفسك ، ومع أسرتك ، وفي عملك ، انقلب النجاح إلى فلاح ، ولم ترد كلمة نجاح في القرآن إطلاقاً :

﴿أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾

[ سورة البقرة]

 (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومن أهم هذه الآيات :

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) ﴾

[ سورة الشمس]

 (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) تعود على النفس .

الفلاح شمولي والنجاح أحادي :

 النفس هي ذات الإنسان ، جسمه وعاء ، الروح قوة محركة .
 الذات : الله (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) ﴾

[ سورة الملك]

 النفس ذات الإنسان ، (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) تعود على النفس :

﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) ﴾

[ سورة الشمس]

 (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) تعود على النفس ، أما جسمه فقالب ، للتقريب : لو أن جهازاً إلكترونياً ، راديو ، البلاستيك هذا الهيكل ، هذا الجسم ، والمواد التي تُبَث هي الذات ، المنهج ، والقوة المحركة الكهرباء ، فهناك إنسان هو الذات ، وهناك قوة محركة ، وهناك هدف ، لذلك (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) أي الفلاح شمولي والنجاح أحادي ، والفلاح يجمع بين معرفة الله ، وطاعته ، والإقبال عليه ، والدعوة إليه ، يجمع بين حسن اختيار الزوجة ، وتربية الأولاد ، ويشتمل على حسن اختيار الحرفة ، حرفة مشروعة ، والتعامل مع الآخرين مشروع ، فإذا جمعت بين الذات والزوجة والحرفة والأهداف انقلبت إلى فالح ، والفلاح أعلى مرتبة في الإنسان ، أي هذا الهيكل الهرم البشري فيه زمرتان كبيرتان : الأقوياء ، والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم والأنبياء في غيبتهم ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والناس جميعاً تَبَعٌ لقويٍّ أو لنبيٍّ ، فلذلك القضية خطيرة .

تطابق الفطرة مع الشرع لأن الإسلام دين الفطرة :

 إذاً التعلم أو العلم الديني ليس شيئاً تحسينياً ؛ هو شيء وجودي أي فرض ، طلب العلم فريضة ، ما معنى فرض ؟ للتقريب ؛ استنشاق الهواء فرض لأن الحياة متوقفة عليه ، شرب الماء فرض ، تناول الطعام فرض ، أما هناك فاكهة نادرة أكلتها أم لم تأكلها تعيش من دونها ، فالفرض تتوقف سلامة الإنسان وسعادته عليه ، ثمانية مليارات إنسان ليس فيهم واحد يتمنى الفقر ، ولا المرض ، ولا القهر ، ثمانية مليارات إنسان يتمنى أن يكون في بحبوحة ، صحته جيدة ، زوجته صالحة ، أولاده أبرار ، بناته محتشمات ، رزقه في بلده ، حجمه المالي معقول ، هذا شيء عام ، فلذلك يوجد عندنا نجاح ، ويوجد عندنا فلاح ، الآن لحكمةٍ بالغةٍ بالغةٍ بالغة أي أمرٍ أمرنا الله به حببه إلينا ، و(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ) ، وأي أمرٍ نهانا الله عنه كرهه عندنا ، هذه هي الفطرة ، الفطرة متطابقة تماماً مع الشرع ، أي أمر أنت تحبه فطرة وأي نهي تكرهه فطرة ، لذلك الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) ﴾

[ سورة الحجرات]

 أي أمرٍ أمر الله به الإنسان يحبه بفطرته :

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ﴾

[ سورة الروم]

 (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) أي أمر أمرنا به جُبِلنا ، بُرمِجنا على محبته ، وأي نهي نهينا عنه جُبِلنا على كراهيته ، هذا من فضل الله علينا ، لذلك قالوا : الإسلام دين الفطرة ، للتقريب : الإنسان يميل للطاعة بفطرته ، ويكره المعصية بفطرته ، أنا لي اختصاص بعلم النفس ، يقول الدكتور فاخر العاقل جزاه الله خيراً : العالم الغربي يعاني من الكآبة ، نسبة الكآبة مئة واثنان وخمسون بالمئة ، عجبنا من هذه النسبة ! قال : مئة إنسان معهم كآبة واثنان وخمسون إنسان يوجد معهم كآبتان ، أي مخالفة لمنهج الله تسبب الكآبة، هذا الحساب الداخلي ، للتقريب : لو أن شخصاً دخل إلى بيته الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أمه رجته لشراء دواء معين ، مسكن ، تعاني من ألم شديد ، لو قال لها : كل الصيدليات مغلقة الآن ، تسكت ، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة ومعه سيارة ، عندما قال لها : كل الصيدليات مغلقة شعر بوخز ضمير ، شعر بإحباط ، لو ذهب بمركبته والدواء لم يجده في كل الصيدليات المناوبة ينام مرتاحاً ، بالحالتين الدواء لم تأخذه أمه ، لكن الفطرة دقيقة جداً (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) ، الله عزَّ وجلَّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ .

الفرق بين الفطرة والصبغة :

 لذلك كلمة فطرة وردت مطابقةً تماماً للعبادة ، أما الصبغة فشيء آخر ، أي بشيء دقيق : الإنسان يحب الطاعة وقد لا يُطيع ، وقد يكتئب لعدم طاعته ، وبجسده ، وبحواسه ، وبغرائزه يحب المعصية ، أما الصبغة فشيء آخر ، أي أنت تحب الخير فطرةً ؛ إن كنت خَيِّراً أنت صار معك صبغة :

﴿صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) ﴾

[ سورة البقرة]

 (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) فالفطرة أن تحب الخير ، أما الصبغة فأن تكون خَيِّراً ، الفطرة أن تحب الصدقة ، أما الصبغة فأن تتصدق ، الفطرة أن تحب الطاعة ، الصبغة أن تكون طائعاً ، الفطرة أن تحب الإنفاق ، الصيغة أن تكون منفقاً ، فالصبغة تَمَثُّل الكمال والفطرة محبة الكمال .

رفع الله عزَّ وجلَّ بر الوالدين إلى مستوى عبادته :

 الحقيقة الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) ﴾

[ سورة الإسراء]

 (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) شيء عجيب هذه (وَ) واو العطف ، حرف عاطف بالإعراب ، أما بالبلاغة فحرف تماثُل ، الله عزَّ وجلَّ رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) لذلك ليعمل العاق ما شاء أن يعمل لن يدخل الجنة ، البار بوالديه هذه طاعة كبيرة جداً ، إلا أنّ الله يعجّل لصاحبها المكافأة في الدنيا قبل الآخرة ، الله عزَّ وجلَّ قال : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي لو كان هناك كلمة أقل من (أُفٍّ) لقالها الله ، وعلماءٌ كُثر قاسوا عليها أعمالاً كثيرة : إغلاق الباب بعنف (أُفٍّ) ، من شدَّ نظره إلى أبيه (أُفٍّ) ، ثلاثون حالة تساوي (أُفٍّ) ، (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) ، لذلك الله عزَّ وجلَّ رفع كما قلت قبل قليل هذا البر إلى مستوى عبادته ، إلى مستوى العبادة ، وهذه من التزكية ، لذلك الذي يبر والديه يُكافأ في الدنيا قبل الآخرة ، أنا أذكر من باب التأكيد ، أذكر أخاً كريماً من تلاميذي يقيم بلندن بمانشستر Manchester بالذات ، كان هناك رجل يعيش بالطابق السادس والدنيا شتاء ، توفي ، يبدو أن البرد شديد ، والأبواب والنوافذ محكمة تماماً ، مضى على وفاته زمن طويل دون أن يعلم به أحد، بعدما الجثة تفسخت واسودت الرائحة تسربت إلى الخارج ، أبلغ الناس الشرطة ، جاؤوا وفتحوا الباب والرجل متوفى من زمن طويل وله في هذه البلدة (مانشستر Manchester) خمسة أولاد ، لم يخطر في بال أحدهم أن يزور أباه في هذه المدة كلها ، بينما في بلاد المسلمين هناك حالة ثانية؛ أنا أقول كلمة دقيقة : نحن كمسلمين متحضرون بديننا وقد يكون التطور ضعيفاً ، الغرب التطور عندهم مذهل ، ولكنهم متوحشون في ماديتهم ، فالحضارة متعلقة بالقيم والمبادئ ، أما التطور فمتعلق بالآلات والتقنيات ، أذكر تماماً بموضوع بر الوالدين المتعلق بهذه الأعمال الطيبة، رجل دخله متوسط ، عنده خمسة أولاد ، أصابه اسوداد بإبهام قدمه اليمنى ، الطبيب قال: هذه غرغرينا لا بد من قطع هذا الإبهام ، عنده خمسة أولاد أحدهم صار يبكي وقال : ألا يوجد حل يا دكتور ؟ قال له الدكتور : لا يوجد يا بني ، إذا لم نقطع الإبهام غداً قد ينتقل إلى القدم بأكملها بعد ذلك للساق وبعد ذلك للفخذ ، فبكى بكاء شديداً وقال له : ألا يوجد حل آخر ؟ فالطبيب تأثر لهذا البر الذي نتمتع به كمسلمين ، قال له : هناك مشروع ولكن يحتاج عناية بالغة ثلاث حمامات يومياً وأدوية معينة وغالية الثمن ، قال له : أنا أتكفل بذلك ، القصة طويلة ملخصها : خلال ستة أشهر هذا الإبهام عاد إلى طبيعته السابقة ، وشفي من هذا الوضع ، هذا الابن الله عزَّ وجلَّ أكرمه إكراماً منقطع النظير ، فلذلك إذا أردت أن تنجح في حياتك لا بد من طاعة الله عزَّ وجلَّ ، والبدء يبدأ بالعلم ؛ " إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً " .

طلب العلم فرض على كل مسلم :

 لذلك :

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ﴾

[ سورة العلق]

 أول كلمة بأول آية بأول سورة (اقْرَأْ) اطلب العلم ، هناك شيء نحن تعلمناه بالمرحلة الابتدائية : جماد - نبات - حيوان - إنسان ، الجماد ؛ وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، يزيد النبات على الجماد بالنمو ، والحيوان يزيد عليهما بالحركة ، والإنسان يزيد عليها جميعاً بالقوة الإدراكية ، هذه القوة الإدراكية لا بد لها من طلب العلم ، طلب العلم ليس شيئاً تحسينياً؛ هو شيء وجودي ، تؤكد ذاتك بالعلم ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، فالعلم العلم بالله .

أنواع اليقين :

 طبعاً عندنا يقين حسي ، يقين عقلي ، يقين إيماني ، الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ﴾

[ سورة التكاثر]

 (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) علم اليقين ؛ يقين حسي ، أدواته : الحواس الخمس واستطالاتها ، سمع ، بصر ، شم ، لمس ، أدواته الحواس الخمس ، واستطالاتها كالميكروسكوب والتلسكوب ، هذا اليقين الحسي متوافر حتى في غير البشر ، بعض الكائنات الحية تتحرك عند غروب الشمس ، اليقين الحسي أدواته الحواس الخمس واستطالاتها ؛ الميكروسكوب ، والتلسكوب ، أما اليقين العقلي - الحسي شيء ظهرت عينه وآثاره معاً ، عينه وأثره ، أدوات اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها - فإذا غابت عين الشيء بقيت آثاره ، أداة اليقين العقلي شيء غابت عينه بقيت آثاره ، يوجد جدار خرج من ورائه دخان ، تقول أنت : لا دخان بلا نار ، عين النار غابت عنك ، آثارها الدخان ، هذا اليقين العقلي .
 واليقين الثالث الإخباري ، الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾

[ سورة الفيل]

 (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) هذا خبر ، فالخبر قيمته من المخبر ، فإذا كان المخبر هو الله ينبغي أن تتلقى الخبر وكأنك تراه .
 فأصبح عندنا يقين حسي ، يقين عقلي ، يقين إخباري ، والقرآن إخبار من الله عزَّ وجلَّ ، لكن نحن عندنا قانون بحياتنا ، القانون : علاقةٌ مقطوعٌ بها بين متغيرين ، تطابق الواقع عليها دليل ، إن ألغي الدليل صار تقليداً ، الله لا يقبل منا التقليد ، قال :

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) ﴾

[ سورة محمد]

 (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) إن لم تطابق الواقع فهي جهل بعينه ، إن لم تكن قطعية الثبوت أصبحت وهماً ، ثلاثون بالمئة ، الشك خمسون بالمئة ، الظن سبعون ، غلبة الظن تسعون ، علاقةٌ مقطوعٌ بها تطابق الواقع عليها دليل .

سنن الدفع إلى الله :

 الآن ماذا يقابل القوانين بالإسلام ؟ يقابلها السنن :

﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)﴾

[ سورة فاطر]

 من هذه السنن الهدى البياني ، أنت جالس بالمنزل ، سمعت ندوة تلفزيونية ، حديثاً إذاعياً ، حضرت خطبة جمعة ، قرأت كتاب تفسير ، سمعت حديثاً من عالم جليل ، الهدى البياني أنت مرتاح ليس عندك ولا مشكلة ، لا بنفسك ، لا بصحتك ، لا ببيتك ، لا بأهلك ، لا بأولادك ، الله عزَّ وجلَّ تفضل عليك ونقل لك المعرفة إما من كتابه ، أو من سُنَّةِ نبيه ، أو من علماء ربانين صادقين ، أو من ندوة سمعتها ، أو من كتاب قرأته ، أو من رجل دين زرته ، إلخ، هذا الهدى البياني الموقف الكامل منه الاستجابة :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[ سورة الأنفال]

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فالاستجابة الموقف الكامل من الهدى البياني ، فإن لم يستجب الإنسان فهناك معالجة أخرى أصعب ، يقول الطبيب لمريض بالتهاب معدة حاد : أنت بحاجة إلى حمية قاسية لأشهرٍ ست وإلا لا بد من عمل جراحي ، الهدى البياني أرقى طريق إلى الله ، أسلم طريق ، أريح طريق ، الهدى البياني : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) إذا لم يستجب يوجد عندنا مرحلة أخرى التأديب التربوي ، التأديب التربوي ؛ الله عزَّ وجلَّ يسوق للإنسان مصيبة ، أو شبح مصيبة ، أو احتمال المصيبة ، لذلك :

﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ﴾

[ سورة القصص]

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة]

 الآن الله نقله من حالة هدى بياني إلى حالة تأديب تربوي ، شيء جميل ، التأديب التربوي من أجل أن يتوب : (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الموقف الكامل والرائع في التأديب التربوي هو التوبة ، الله قال :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) ﴾

[ سورة التحريم]

((إذا تَابَ العبدُ تَوْبَةً نَصُوْحًا اَنْسَى اللهُ حَافِظِيْهِ والملائكة وَبِقَاعَ اْلأَرْضِ كُلَّهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوْبَهُ))

[ ورد في الأثر]

 الهدى البياني استجابة طوعية راقية جداً ، التأديب التربوي الموقف الكامل منه التوبة النصوح :

(( إذا تَابَ العبدُ تَوْبَةً نَصُوْحًا اَنْسَى اللهُ حَافِظِيْهِ والملائكة وَبِقَاعَ اْلأَرْضِ كُلَّهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوْبَهُ))

 إذا لم يتب لا بالهدى البياني استجاب ، ولا بالتأديب التربوي تاب ، يوجد عندنا حالة ثالثة ولكن الناجحين قلائل ، الإكرام الاستدراجي :

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) ﴾

[ سورة الأنعام]

 الثالثة الناجحون قلائل جداً .
 الأولى : هدى بياني : استجابة . الثانية : تأديب تربوي : توبة . الثالثة : إكرام استدراجي : شكر .
 لا بهذه ولا بتلك ولا بتلك عندئذٍ يأتي القصم .
 هذه سنن الدفع إلى الله ، سنن قوانين الدفع إلى الله عزَّ وجلَّ ، فكل شخص منا إما بالهدى البياني يسمع خطبة يطبقها ، درس علم ، يقرأ تفسيراً ، يسهر مع عالم ، الهدى البياني يستجيب ، بالتأديب التربوي يتوب ، بالإكرام الاستدراجي يشكر ، وإلا هناك القصم ، الله عنده رسائل ، أذكر صديقاً حدثني عن قريب له ، عليه دفع زكاة تقدر باثني عشر ألف ليرة سورية ، - القصة قديمة جداً قبل عشرين سنة تقريباً - لم يدفعها ، زوجته ضغطت عليه أن يطلي البيت بالدهان ، فطلى البيت استجابةً لضغط زوجته ولم يدفع زكاة ماله ، قال لي : صار معي حادث كلفني اثني عشر ألفاً ، تطابق كلفة الحادث مع قيمة الزكاة رسالة من الله عزَّ وجلَّ ، فلا بد من التأديب ، وهذه المصيبة سميت مصيبة لأنها تصيب الهدف ، أول شيء الهدى البياني ؛ استجابة ، التأديب التربوي ؛ توبة ، الإكرام الاستدراجي ؛ شكر ، أو قصم ، هذه سنن (قوانين) الدفع إلى الله .

قوانين الردع :

 عندنا قوانين أخرى الردع ، الردع : الله عزَّ وجلَّ جعل مصائب ؛ مصائب الأنبياء كشف فقط ، هناك كمالات راقية جداً لا تبدو إلا بالمصيبة ، بالهجرة تبعه سُرَاقَةَ ، قَالَ له : يا سُرَاقَةَ كَيْفَ بِكَ إِذَا لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى ؟ شخص مهاجر ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، يقول له بمضمون كلامه : أنا سأصل سالماً ، وسأنشئ دولة ، وسأحارب أكبر دولة بالعالم ، وسأنتصر ، ولك يا سُرَاقَةَ سِوَارَيْ كِسْرَى ، هذا حصل ، سيدنا عمر قال : أين سُرَاقَةَ ؟ ألبسه سِوَارَيْ كِسْرَى ، قال : بخٍ بخٍ ، أعرابيٌّ من بني تميم يلبس سِوَارَيْ كِسْرَى ، حتمية النصر قطعية إذا قدمنا موجباتها ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، لا يمكن ، الحق واحد لا يتعدد ، الحرب بين حقين لا تكون ، بين حق وباطل لا تطول ، الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي ، راحت مع العمر ، بين حقين لا تكون ، بين حق وباطل لا تطول ، بين باطلين لا تنتهي .

التوحيد نهاية العلم والعبادة نهاية الطاعة :

 الآن نحن بالنهاية يوجد عندنا كلام دقيق : " لَا يَخَافَنَّ العبدُ إلَّا ذَنْبَهُ وَلَا يَرْجُوَنَّ إلَّا رَبَّهُ " .
 هناك مثل دقيق أحبّ أن أضعه بين أيدي الأخوة المشاهدين والمستمعين ؛ لو فرضنا أن هناك عشرين أو ثلاثين وحشاً كاسراً ، جائعاً ، مفترساً ، هذه الوحوش مربوطة بأزِمَّةٍ محكمةٍ، بيد جهةٍ رحيمةٍ عادلةٍ حكيمةٍ ، علاقتنا مع الوحوش أم مع هذه الجهة ؟ مع الجهة ، الآن بالآية:

﴿مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) ﴾

[ سورة هود]

 كل هذه القوى المخيفة بيد الله عزَّ وجلَّ :

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) ﴾

[ سورة هود]

 (الْأَمْرُ) " أل" الجنس ، "أل" الجنس معناها واسع جداً ؛ بمعنى أي أمر من آدم ليوم القيامة بالقارات الخمس يرجع إلى الله عزَّ وجلَّ ، علاقتك مع الله ، هذا معنى (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّه) (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه) وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية الطاعة ، بل فحوى دعوة الأنبياء جميعاً عبارة عن كلمتين :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء]

 فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد ، فحوى الحركة بالأرض العبادة ، فإذا الشخص كان توحيده جيداً ، عبادته جيدة ، حقق الهدف من وجوده ، فلذلك : (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .

كليات الدين :

 إذاً كليات الدين ؛ عقيدة صحيحة ، حركة صحيحة ، بجانبيها الاستقامة السلبية ؛ لم تأكل مالاً حراماً ، لم تكذب ، لم تغش ، والإيجابية ؛ أنفقت من مالي ، من علمي ، من حكمتي، من شأني ، من جاهي ، والثمرة هي الصلاة :

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه]

 إنك إذا صليت لبيت دعوة الله بالاتصال به ، لكن :

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾

[ سورة البقرة]

 إن ذكرته ذكرك ، ما معنى ذكرك ؟ منحك الحكمة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، إن ذكرته منحك التوفيق :

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

[ سورة هود]

 (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) ، إن ذكرته منحك الصواب ، والرصانة ، والسكينة ، وكل شيء إيجابي بحياتك ، لذلك إن لم يقل هذا المؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مع الله مشكلة كبيرة .

أوصاف من شرد عن الله كما وردت في القرآن الكريم :

 هذا الدين سرّ وجودنا وهدفنا الكبير ، وهذا الدين علاقتنا معه علاقة فرضية ، بمعنى إذا الإنسان ترك الدين فقد هويته كإنسان ، الله عزَّ وجلَّ وصف من شردوا عنه بأوصاف مخيفة، أول وصف :

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل]

 (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) أموات ، نبضه ثمانين مثالي ، ضغطه 8/12 مثالي ، ولكنه عند الله ميت :

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) ﴾

[ سورة المدثر]

﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) ﴾

[ سورة الفرقان]

﴿۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[ سورة المنافقون]

 هذه صفات من شرد عن الله عزَّ وجلَّ ، فنحن بالدين عندنا حالة تحسينية ، وحالة وجودية .
 أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم ، وهذه نعمةٌ لا يعرفها إلا من فقدها ، بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المقدم :
 هناك سؤالٌ عن فتاةٍ تقول : يا شيخنا أحياناً أشعر أنني مجبرة على الصلاة والحجاب فكيف أفهم أن الله حبب إلينا الطاعات ؟

الاختيار يثمن العمل ويرفع من قيمة الإنسان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الحقيقة مثل شخص لم يحب أن يدرس ، لمَّا كبر لا وظيفة ، ولا زواج ، ولا عمل ، ولا بيت ، ساعتئذٍ يندم أشد الندم ، الشهوات حسية ، الإيمان عميق ، الإيمان شمولي ، الإيمان فيه سعادة متأخرة ، فإذا شخص لم يدرس واستمتع باللعب بالطريق ، واستمتع بحركات لا تقدم ولا تؤخر ، لمّا رأى أصدقاءه أطباء ومهندسين ولهم مكانة كبيرة ، ولكل واحد منهم زوجة ، وأولاد، وسيارة ، ومكانة اجتماعية ، يتألم أشد الألم :

﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) ﴾

[ سورة الفجر]

 فالحقيقة الشيء الظاهر مثل الدراسة ؛ الدراسة متعبة ولكن بعدها نال شهادة الدكتوراه، له مكانة اجتماعية ، عنده بيت معقول ، عنده زوجة يحبها وتحبه ، عنده أولاد أبرار ، عنده مركبة ، عنده نشاط ، له مكانته الإنسانية ، فلذلك نحن مخيرون :

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[ سورة الأحزاب]

 الإنسان هو المخلوق الوحيد المخير ، ولولا أنه مخير لما ارتقى بعمله ، لأن الموضوع دقيق جداً ؛ الاختيار يرفع من قيمة الإنسان ، الاختيار يثمن العمل ، الاختيار يقرب من الله عزَّ وجلَّ ، والدليل :

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف]

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

[ سورة الإنسان]

 (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) لولا الاختيار لما وجدت السعادة ، وليس هناك جنة أساساً ، أنت مخير ، الاختيار يثمن العمل ، لكن لا بد من نتائج كبيرة جداً بجهد مسبق ، يستطيع إنسان أن يكتب بجانب اسمه (د .) ؟! دال فقط ! ثلاث وعشرون سنة دراسة ، هذه الدال تساوي 23 سنة دراسة .
المقدم :
 تقول السائلة : لدي شاب في الثامنة عشرة ، في كثير من الأحيان يضيع وقته في الألعاب الإلكترونية ، وقراءة القصص اليابانية ، نصحته أنا ووالده كثيراً وشجعناه باستبدال هذه الأشياء بالسماع إلى كل ما يفيد ثقافياً ودينياً ، ولكنه لا يصغي ، كيف نستطيع أن نعامله وخاصةً أنه متمسكٌ بهذه الأشياء وأصبح في عمر الشباب ؟

أركان النجاة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الله عزَّ وجلَّ أقسم بالعصر ، العصر مطلق الزمن ، والإنسان في أدق تعريفاته بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضعٌ منه ، الله قال :

﴿ وَالْعَصْرِ (1) ﴾

[ سورة العصر]

 جواب القسم :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾

[ سورة العصر]

 أي مضي الزمن وحده يستهلكه :

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾

[ سورة العصر]

 يقول الإمام الشافعي : النجاة في (إِلَّا) ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) تعرفوا إلى الله (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عمل صالح يصلح للعرض على الله (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) أركان النجاة، الإمام الشافعي قال : هي أركان النجاة ؛ عرف الله ، عرفه خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، أسماؤه حسنى ، صفاته عُلا : (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) عرف الله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرَّة ، أي يدخل بجوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الآن الله قال :

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) ﴾

[ سورة البروج]

 أي الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، كنت مرَّة بأمريكا دخلت إلى متحف فلكي كأن هناك قبة كبيرة جداً فيها المجرات ، برج العقرب وصلوا بين خطوط نجومه كالعقرب تماماً ، فيه نجم صغير أحمر ، متألق ، اسمه : قلب العقرب ، دقق ؛ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا إلهٌ عظيمٌ يعصى ؟! ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ هذا الإسلام عظيم ، إله عظيم ، ذات كاملة ، أسماء الله حسنى ، صفاته عُلا (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) والعبادة طاعةٌ طوعيةٌ ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبيةٍ أساسها معرفةٌ يقينيةٌ تفضي إلى سعادة أبدية ، هل هناك إنسان بالأرض لا يتمنى السلامة والسعادة ، وزواجاً ناجحاً ، وأولاداً أبراراً ، ومستقبلاً مشرقاً ، وعمراً مديداً ؟ هذا كله متحقق بكماله وتمامه بالدين .
المقدم :
 يقول السائل : كيف يستقيم فهم مسألة التزكية في علاقتها بجانبي الوهب والكسب ؟

الوهب والكسب :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أولاً : ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً طارئةً ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً .
 الوهب والكسب ؛ الوهب : أنت لست مخيراً في كونك ذكراً أو أنثى ، لست مخيراً في أمك وأبيك ، ولا في قدراتك العامة ، ولا في مكان ولادتك ، ولا في زمن ولادتك ، يكتشف الإنسان في يومٍ ما إما بالدنيا أو بالآخرة أن الذي أجراه الله عليه من دون اختيار هو الحكمة المطلقة ، عبر عنها الإمام الغزالي : " ليس في الإمكان أبدع مما كان" ، وعبر عنها عالمٌ آخرٌ : " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني" .
 أنت ولدت بشرق أوسط أو بأمريكا ، مكان ولادتك ، زمن ولادتك ، عصر ولادتك ، أمك وأبوك ، قدراتك العامة ، قدراتك الخاصة ، كل هذه الخصائص التي لم تكن بها مخيراً كنت بها مسيراً تكتشف قطعاً أن هذا الذي كان ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وهذا يعبر عنه بقول الله عزَّ وجلَّ :

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) ﴾

[ سورة يونس]

 الوهبي والكسبي ، الكسبي : العبادة ، العبادة كسبية :

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) ﴾

[ سورة الكهف]

 (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، أما الوهبي : كونك ذكراً أو أنثى ، الأم والأب ، مكان ولادتك ، عصر ولادتك ، قدراتك العامة ، هذه أكمل شيء ، وهذا الشيء يكتشف بعد حين ، ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني" ، (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
المقدم :
 هناك آية :

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) ﴾

[ سورة الشمس]

 ينسب الفعل إلى العبد .
 و قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) ﴾

[ سورة النور]

 كيف نفهم التزكية والأخذ بالأسباب ؟

التزكية والأخذ بالأسباب :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 في النتيجة هناك اختيار وهناك تسيير ، أنت مسير لما اخترت ، شخص مقيم بألاسكا ، ثلج فقط ، قال مرَّةً : هل هناك إله يا ترى ؟ يجد فرصة عمل بكندا ، فقبلوه وأرسلوه إلى فرع بالخليج ، يسكن في بيت بجانبه عالم ، أنت مخير ، مخير قطعاً ، الله ينتظرنا ، يحبنا:

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إلي ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟))

[ ورد في الأثر]

 هو ينتظرنا ، الأمر بيده ، ولا يوجد إلا الله عزَّ وجلَّ .
المقدم :
 هناك سؤالٌ آخر ؛ التصوف السني لتناوله لموضوع التزكية يركز على مسألة الشيخ المُربّي ، ما السبيل إلى ذلك في زمن كثرت فيه الدعاوى ؟ وهل يمكن الاستغناء عن هذا الأمر عن الشيخ المُربّي ؟

القدوة قبل الدعوة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله هناك نقطة دقيقة : لو أنه ممكن أن تعرف الله وحدك لا يوجد داع للمشايخ كلها، لا يوجد داع إطلاقاً لكل العلماء ، ولكن من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من مُحال إلى مُحال ، من لم يأخذ العلم عن الرجال تحتاج إلى مُربّ ، تحتاج إلى قدوة ، تحتاج إلى واعظ ، تحتاج إلى حكيم ، تحتاج إلى عليم ، تحتاج إلى شخص عنده أفق واسع ، عنده قدرات عالية جداً ، عنده أسلوب محبِّب ، ولو لم يكن هناك حاجة للمُربّي لا يوجد حاجة للأنبياء أصلاً ، ينزل الكتاب نقرؤه لا يوجد غيره ، القدوة قبل الدعوة ، تحتاج إلى قدوة أمامك بإنسان ، الكون قرآنٌ صامتٌ ، والقرآن كونٌ ناطقٌ ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي ، نحتاج إلى مسلم يمشي أمامنا ، إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، لا ينجح الإسلام إلا بمُثل عليا ، الأب مثل أعلى ، المعلم ، المدرس ، أستاذ الجامعة ، أي منصب قيادي مثل أعلى ، تحتاج إلى إسلام أمامك ، الكون قرآنٌ صامتٌ ، والقرآن كونٌ ناطقٌ ، والنبي قرآنٌ يمشي أمامك ، فأنت تريد مثلاً أعلى بإنسان ، هذا دور العلماء ، والآباء ، والأمهات ، دور قيادي ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومخاطبة القلب والعقل معاً ، والمبادئ لا الأشخاص ، والمضامين لا العناوين ، والتدرج لا الطفرة .
المقدم :
 نعم شيخنا أيضاً هناك سؤال ؛ شخص يشتكي من زوجته ويقول : زوجتي تفتعل المشاكل لأنني أساعد أهلي ، ولدي أربعة أطفال منها ، حاولت معها الكثير في الآونة الأخيرة وبدأت بالتذمر من حياتنا ، ومن مستوى معيشتنا ، رغم أننا مقيمون في ألمانيا ، وحالنا كمثل حال الناس ، ماذا يجب أن أتصرف ؟

إعطاء كلّ ذي حق حقه :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 حق المرأة لا يلغي حق الأم ، وحق الأم لا يلغي حق المرأة ، الأم لها حق ، والأب له حق ، والزوجة لها حق ، (أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) ، وللنصائح ؛ يجب على الإنسان ألا يمدح زوجته كثيراً أمام أمه لأنها لا تتحمل ، ولا يدع عليه واجبات لأمه هو مُقصر بها (أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) ، الزوجة لها حق ، والأم لها حق ، والأب له حق ، والأولاد لهم حق ، (أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) وبعد ذلك تحتاج إلى حكمة ، الحكمة لا تؤخذ ، لم يقل الله : ومن يأخذ الحكمة ، لم يقل : ومن يكن حكيماً ، قال :

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة البقرة]

 أكبر عطاء إلهي هو الحكمة ، أن تضع الشيء بمكانه ، بالحكمة تنتفع بدخل محدود، وبلا حكمة تبيد المال الكثير ، بالحكمة قد تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، من دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، من دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، أكبر عطاء إلهي الحكمة (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) .
المقدم :
 شيخنا أيضاً هناك سؤال آخر مهم جداً ؛ ما موقع علم التزكية بين العلوم وما مكانه ومنابعه الموثوقة ؟

موقع علم التزكية بين العلوم ومنابعه الموثوقة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 التزكية : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) بالقرآن ، أن ترتقي بنفسك لتكون مؤهلاً للجنة .
 التزكية : أن تتملك ثمن مفتاح الجنة وليس ثمن الجنة ، مفتاح الجنة .
 التزكية أن تقول : ليس على وجه أرض من هو أسعد مني ، هذه التزكية .
 التزكية : أن تكون إنساناً كاملاً ، كمال نسبي وليس مطلقاً .
 التزكية : أن تعرف الله :

(( فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ : "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنَ آدَمَ ، خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ ، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ ، فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"))

[ ورد في الأثر]

 هذه هي التزكية .
المقدم :
 وما مكانه ومنابعه الموثوقة ؟
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 مضمون التزكية الاتصال بالله ، الاتصال بالله أصل التزكية ، أصل الجمال والكمال والنوال ، صاحب الحكمة ، إذا كنت مع الله كان الله معك ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .
المقدم :
 كيف نتعامل مع الابن العنيد ؟

media

audio
audioSecund
video
youtube
soundCloud
pdf
word

visibility

visibility
show
نص فقط
add_to_featured
add_to_breaking
add_to_slider
add_to_recommended
add_to_editor_picks
show_only_to_authenticate_users

seo_details

title (meta_title)
keywords
tags(meta_tag)
description (meta_description )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور