وضع داكن
28-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 17 - حقيقة التوكل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، حياكم الله مستمعينا الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج " ربيع القلوب "عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة حياكم الله مستمعينا الكرام ، لكم التحية بداية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 في حلقة اليوم مستمعينا الكرام من برنامج "ربيع القلوب" نعيش مع آية من سورة الفرقان في قوله تعالى :

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 بعد بيان الدلائل والبراهين الحسية والفعلية على إثبات وحدانية الله تعالى ، وبطلان ما هم عليه من عبادة ما لا يضرهم ، ولا ينفعهم ، ذكر ما يتعلق بمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الرئيسة وهي البشارة ، والإنذار ، وأن يذكرهم أنه لا يبتغي بذلك منهم أجراً ، ولا مالاً ، ولا جاهاً ، ولما كان الاستمرار في دعوة القوم يحتاج إلى قوة دافعة ، وعزم قوي ، جاء الأمر بأن يتوكل على الحي لا يموت ، الغني عن كل شيء ، الذي لا يضام من يتوكل عليه ، ولا يذل من والاه ، وأن تسبيحه وتمجيده آناء الليل وأطراف النهار، وتنزيهه عما ألصق به الجاهلون في ضلالهم من صفات النقص والعجز ، فإنه خبير بما ينسبون إليه ، سميع بما يقولون عنه ، عليم بدخائل نفوسهم العاتية، وعقولهم الزائغة .
 نرحب مستمعينا الكرام بكم من جديد ، وأرحب بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامية فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد في حلقة جديدة من ربيع القلوب .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ في سورة الفرقان في هذه الآية التي قرأناها تأتي قبلها آيات :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 56 ـ 58]

 وجه مناسبة هذه الآية :

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾

[ سورة الفرقان: 56 ـ 58]

 لما قبلها من قوله تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 56 ـ 58]

 فضيلة الدكتور .

مصير كل إنسان بيد الله وحده :

الدكتور محمد راتب :
 أي سياق الخطاب للنبي الكريم ، وأمره بالدعوة إلى الله ، فناسب أن يأتي الأمر بالتوكل عقب ذلك لأنه زاد للداعية في دعوته ، وزاد لكل مؤمن في حركته في الحياة الدنيا .
 لكن أريد أن أذكر نقطة دقيقة جداً هي أن النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم من عادته أنه إذا توفي صحابي جليل يزور بيته قبل دفنه ، فهناك صحابي اسمه : أبو السائب توفي ، فالنبي على عادته أتى إلى بيته ليتفقد أهله ، سمع امرأة تقول : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، النبي وحده أقواله سنة ، أفعاله سنة ، إقراره سنة ، فإذا سكت على هذا القول كان كلامها صحيحاً ، وصفاته سنة ، ما سنته ؟ أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، فقال لها : ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولِي أرجو الله أن يكرمه ، فقط ، بدل كلمة أكرمك الله ، أرجو الله أن يكرمه ، وقال : وأنا نبي مرسل ، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
 فأن يذكر الإنسان المؤمن مهما علا شأنه مصير إنسان آخر على سبيل القطع واليقين هذا يتناقض مع إنسانيته ، ومع عبوديته لله عز وجل .
  قال لها : ومن أداركِ أن الله أكرمه ، قولِي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل ، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .

العاقل من يعدّ لساعة الموت عدتها :

 لذلك مرة ثانية ؛ أضرب مثلاً دقيقاً : لو أن شركة طيران بطاقتها غالية جداً - طبعاً كلها حدود افتراضية - وإذا لم تكن في الوقت مناسب في مكان معين ضاعت عليك التذكرة التي ثمنها مليون ، وهي تأتي إلى بيتك لتأخذك من البيت ، وتقف دقيقة واحدة ، متى تأتي ؟ خلال اثنتي عشرة ساعة ، ما دام البطاقة ثمنها مليوناً ، ولا ترد ، وتنتظر دقيقة واحدة لا بد من أن تكون واقفاً وراء الباب اثنتي عشرة ساعة .
 هذا الموت ! والموت يأتي فجأة ، والقبر صندوق العمل ، ما رأيت أذكى ، ولا أعقل ، ولا أكثر نجاحاً ، وتوفيقاً ، واعتصاماً بالله ممن يدخل الموت في حسابه ، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على سطح الأرض إنساناً أذكى ، ولا أعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها .
 كنت مرة في المغرب ، دخلت في زقاق ضيق جداً ، مكتوب عبارة أمام محل تجاري : صلِّ قبل أن يصلى عليك ، الإنسان يدخل إلى بيته ويخرج ثمانين سنة قائماً ، مرة واحدة سوف يخرج أفقياً ، فالبطولة أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، فلذلك :

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء: 17]

 الله يعلم الحقيقة ، قد تكون ذكياً ، قد تدلس ، قد تغش ، قد تزور بطاقة ، مرة يوجد شركة تأخذ المعلبات التي انتهى مفعولها بطريقة ذكية جداً تمحو التاريخ القديم وتضع تاريخاً حديثاً ، صارت هذه في بلد عربي ، يوجد أساليب كثيرة فيها ذكاء عال ، وفيها إمكانيات عالية ، لكن الله يعلم ، والله عز وجل ما دام يعلم فالمشكلة مع الله عز وجل .
المذيع :
 الرسالة هنا شيخنا :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 56 ـ 58]

 والتوكل ، ما العلاقة الدلالية بين هاتين الآيتين ، التوكل التبشير والإنذار ؟

العلاقة الدلالية بين التبشير والإنذار :

الدكتور محمد راتب :
 النبي الكريم جاء بمنهج ، ما معنى منهج ؟ افعل ولا تفعل ، فهذا ما فعل خوفاً من الله، لكن النبي الكريم يبين له أن هذا الذي خافه في الغيب ، هذا الذي خافه ولا يراه ، هذا أعلى درجة من الخوف ، قد ترى شيئاً أمامك ، قد يرى شخص مسدساً أمامه ، الخوف مباشر ، لكن يوجد وعد أو وعيد ، فالمؤمن يتعامل بدينه مع الوعد والوعيد ، لا مع الحديد ، يتعامل في الوعد والوعيد ، فالله وعد .

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[ سورة النساء: 87]

 زوال الكون أهون على الله من ألا ينصر عباده المؤمنين ، نصره محقق ، ووعيده محقق ، ووعده محقق ، فلذلك التعامل مع الله يحتاج إلى يقين .

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾

[ سورة التكاثر: 5 ـ 6]

حقيقة التوكل :

 لذلك عندي نقطة دقيقة جداً هي أن التوكل حقيقته الدقيقة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، كيف ؟ الغرب أخذ بها بدرجة مذهلة ، واعتمد عليها ، وألهها ، وقع في وادي الشرك ، والشرق لم يأخذ بها أصلاً فوقع في وادي المعصية .
 أنت ذاهب إلى بلد بالعيد ، إلى نزهة طويلة ، تراجع السيارة ، المحرك ، العجلات ، زيت المحرك ، والمكابح ، بعد أن تأخذ بالأسباب كلها الآن تتوكل ، التوكل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، وألهها ، والشرق ما أخذ بها أصلاً ، الغرب وقع بالشرك الخفي ، والشرق وقع بالمعصية ، لذلك :

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 المشكلة الشرك الخفي ، الجلي انتهى ، لا يوجد عندنا آلهة تعبد في عالم المسلمين ، فقط يوجد شرك خفي .

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 لذلك النقطة الدقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الشرق لم يأخذ بالأسباب وقع في المعصية ، والغرب أخذ بها وألهها وقع في الشرك .
المذيع :
 لقوله تعالى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 في هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله تعالى ، لنتوقف عند هذا الجانب .

المرء الكامل لا يثق إلا بالله تعالى :

الدكتور محمد راتب :
 أنت إن وثقت بقوي وانتهت قوته فجأة ، خاب ظنك به ، يوجد كثير من حالات قوي جداً انتهى الوضع بساعة ، وعوده أصبحت لا شيء ، طمعك بالقوي تبدد وذهب ، فالبطولة ألا تعتمد على القوي .
 لكن أنا أريد أن أذكر أخوتي المستمعين أن القوة أساسية بالحياة ، والدليل :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))

[مسلم عن أبي هريرة]

 لماذا ؟ لأن القوي خياراته بالعمل الصالح قوية جداً ، فإذا كنت قوياً فتحت بمالك مستشفى ، هيأت طلاب علم درسوا ، عملت أعمالاً بطولية كبيرة جداً ، لهذا أنا أقول : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى .
 أنا مرة جئت من بلد ، الطيار كان تلميذي وضعني في غرفة القيادة ، دخلت إلى سورية من المغرب ، رأيت بعيني طرطوس وصيدا ، رأيت بعيني خمسمئة كيلو متر ، معنى ذلك كلما ارتفع مقامك ارتفعت رؤيتك ، الأنبياء إنسانيون ، وكلما اتسعت الدائرة التي تهتم بها ارتقيت عند الله، الإنسان يهتم فقط ببيته ، أحياناً بأقربائه ، أحياناً بأهل بلده ، أحياناً بوطنه ، أحياناً بأمته ، أحياناً بالإنسانية ، الأنبياء إنسانيون ، وكلما اتسعت الدائرة التي تهتم بها ارتقيت عند الله .
 وقف في جنازة فقيل له يا رسول الله : هذا ليس مسلماً ؟! قال : أليس إنساناً ؟ نقطة مهمة جداً .
المذيع :
 في قوله تعالى :

﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لماذا هنا الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام بالتسبيح ، وما علاقته بالتوكل ؟

التسبيح وعلاقته بالتوكل :

الدكتور محمد راتب :
 أي أمر للنبي الكريم ينسحب أصلاً على كل مؤمن .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 أي أمر في القرآن الكريم ينسحب إلى المؤمنين ، لكن يوجد تعريف دقيق : النبي الكريم الأمر له أمر استمرار ، أنت إذا قلت للصادق : كن صادقاً ، أي تابع صدقك .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 أحياناً يأتي الأمر بعد عدم الوجود ، افعل كذا ، إذا جاء الأمر لشيء تفعله أنت استمر عليه .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 هنا معنى الاستمرار ، أنت إذا سبحت الله عرفت قوته ، عرفت محبته ، عرفت وحدانيته، عرفت فعله ، عرفت عدله ، عرفت رحمته ، عندئذٍ يأتي التوكل قوي جداً ، أنت لم تتوكل على إنسان ضعيف في أمر كبير ، أبداً ، فهناك تربط بين أن تعرفه ثم تتوكل عليه .
المذيع :
 التسبيح ، والتحميد ، أيضاً في الآية قارن بين التسبيح والتحميد ؟

التسبيح والتحميد :

الدكتور محمد راتب :

﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 الحقيقة جاءت من أن تغوص ، التسبيح هو أن تغوص في معرفته ، سبح بحمده منحنا نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذه عطاءات الله الكبيرة للإنسان ، منحك نعمة الإيجاد ، الدليل :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1]

 أنا حينما أقرأ كتاباً طبع قبل ولادتي أتصور أثناء طبع الكتاب من أنا ؟ لا شيء .

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1]

 فالله عز وجل تفضل على الإنسان بنعمة الإيجاد ، أوجده من عدم ، ونعمة الإمداد ، أمده بأم وأب ، أمده بدماغ ، أمده بعينين ، أمده بلسان ، بشفتين ، بأنف ، بقلب ، برئتين ، أي غلطة بالجسم تقلب الحياة إلى جحيم لا يطاق ، غلطة بالجسم .
المذيع :

﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 اعتراض ورد في آخر الآية الكريم ، دكتور ما الفائدة ؟ أو ما المعنى من هذا الاعتراض الذي ورد بعد الأمر بالتوكل ؟

من أيقن أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن يعصيه :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان أحياناً يكون ذكياً جداً ، يفعل شيئاً لا يعلم به أحد ، يخفي هذا الشيء مثلاً إنسان جالس بغرفة دافئة ، طرق الباب ، جاءت صديقة زوجته ، تمام ؟ قال لزوجته : تعالوا إلى هذه الغرفة الدافئة ، هل لأنها دافئة فقط أم لأنه يريد أن يرى صديقة زوجته من هي ؟ ما شكلها مثلاً ؟ من يعرف ذلك ؟
هناك أعمال لا يمكن لأحد أن يعرفها إلا الله ، لذلك :

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾

[ سورة غافر: 19]

 طبيب يعالج امرأة من حقه أن ينظر إلى مكان المرض ، لو نظر إلى مكان آخر لا تشكو منه هذه اسمها : خائنة الأعين ، من يكشف هذه الغلطة ؟
 إنسان بالبيت برمضان ، صائم ، والحر شديد ، والعطش لا يحتمل ، لو دخل وشرب كأس ماء من الثلاجة ، من يكتشف ذلك ؟ قيل : الصيام عبادة الإخلاص لله عز وجل ، أنت حينما تعلم أن الله يعلم ، وهذه آية قرآنية .

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾

[ سورة المائدة: 97]

 إنسان راكب سيارته والإشارة حمراء ، لماذا يقف ؟ لأن واضع قانون السير وضع عقوبة لمن يتجاوز الإشارة الحمراء ، لماذا يلتزم ؟ ليقينه أن واضع القانون علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، من خلال هذا الشرطي الذي يعلم ، أو من خلال آلة التصوير يعلم ، إذاً المخالفة تضبط ، والذي يضبطها واضع القانون ، فأنت إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، تقرأ القرآن :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 الآن الله عز وجل سيتكلم كلمتين :

﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 الاسمان ؛ قدرته وعلمه ، إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، لذلك :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 أي علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، انتهى الأمر ، إذاً لا يعصي الله إلا أحمق ، أو معطل التفكر .
المذيع :
 في بداية الآية كان الأمر بالتوكل ، واختتمت هذه الآية بالاعتراض :

﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

 ما مدى ملائمة هذا الختام مع الأمر بالتوكل والتسبيح في هذه الآية فضيلة الدكتور ؟

الأمر يرجع دائماً إلى الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب :
 أريد أن أقول كلمة دقيقة :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 هذه كلمة دقيقة جداً ، كلمة الأمر فيها أل التعريف ، هذه اسمها أل الجنس أخي الكريم، أل العهد ، وأل الجنس ، وهذه أل الجنس ، بمعنى أن أي أمر بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة يرجع إلى الله ، قال لك :

﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 إن عبدته ؛ أي طبقت منهجه ، وتوكلت عليه في الأزمات ، هذه الآية جامعة مانعة قاطعة نافعة رائعة ، في القارات الخمس من آدم ليوم القيامة الأمر يرجع إلى الله عز وجل .

﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك ، أي كل المخيفات بالأرض بيد الله عز وجل ، الوحوش الكاسرة بيد واحد ، فإذا أرخى الحبل وصلوا إلى الإنسان ، إن شده أبعدهم عنه .

إلزام الله ذاته العلية بهداية الخلق :

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾

[ سورة هود: 55]

 تحدّ :

﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55 ـ 56]

 الآية دقيقة جداً :

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾

[ سورة هود: 55]

 لا تترددوا .

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 56]

 وحيث تأتي كلمة لفظ الجلالة بعد على ، ماذا تعني ؟ معنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بهذا العمل .

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

[ سورة النحل: 9]

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[ سورة الليل: 12]

 أي آية قرآنية فيها لفظ جلالة أتت بعدها كلمة على أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بهذا العمل .

﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾

[ سورة النحل: 9]

 على الله رزقها .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في ختام هذه الحلقة لو نتحدث عن المضامين التربوية التي أشارت إليها هذه الآية ، وكيف أمرت بالتوكل على الحي الذي لا يموت وطبعاً الخطاب موجه للنبي عليه الصلاة والسلام ، لكن كما أشارت في بداية الحلقة كل مسلم له نصيب من هذه الأمر ؟

المضامين التربوية التي أشارت إليها الآيات السابقة :

الدكتور محمد راتب :
 هذا الكلام أذكره مئات المرات في دعوتي : البطولة الكبيرة أن تأخذ بالأسباب في كل شيء وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بها واعتمد عليها وقع في الشرك ، ونحن لم نأخذ بها في الأعم الأغلب وقعنا في المعصية ، وضعت يدي على المشكلة الأولى في العالم الإسلامي ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها وقع في الشرك ، والمسلمون لم يأخذوا بها أصلاً وقعوا في المعصية ، أما البطولة ، الحل الوسطي ، الحقيقي ، الإسلامي ، العقدي ، الصحيح فهو أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا الحل المثالي لهذا الموضوع .
المذيع :

﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 58]

الله عز وجل خبير بكل شيء :

الدكتور محمد راتب :
 الخبير ؛ أنت لك الظاهر ، أحياناً الإنسان يعمل عملاً جيداً ، لكن وراءه شيء غير جيد ، هذه من يكشفها ؟ الله عز وجل وحده ، لو فرضنا أنه لو تعطل كيف يتم إصلاحه ، يأتي الخبير هنا ، لا يأتي المصمم ، يوجد مصمم ، وخبير بالمحرك ، فالله عز وجل خبير بالعطب المتنوع ، وخبير بالإصلاحات ، وخبير بحلول المشكلات ، غيّر ما تفعل .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور