وضع داكن
28-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 15 - حال المؤمنون
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج : "ربيع القلوب".
لكم في البداية تحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من التقديم مصابر الشهال ، ومن الهندسة الإذاعية معتصم السلامة .
 تشير سورة فصلت مستمعينا الكرام إلى أن القرآن الكريم هو دستور الحياة الإنسانية الكريمة ، وهو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، هذه السورة تبين طبيعة المنهج الذي يسير فريق المؤمنين ، وكيف أن الله أنزل لهم القرآن ليهديهم إلى الطريق الموصل إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وفي سورة فصلت يبين الله سبحانه وتعالى موقف المؤمنين منه ، وموقف المشركين منه ، وانهزامهم أمام حقائقه .
 في حلقة اليوم مستمعينا الكرام من برنامج "ربيع القلوب" نعيش مع آية من آيات سورة فصلت تحمل دلالات ومضامين تربوية كثيرة ، هي قول الحق الله سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 أرحب بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، أعلى قدركم .
المذيع :
 دكتورنا الفاضل ؛ لو توقفنا بداية مع وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها من الآيات :

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾

[ سورة فصلت: 29]

المزاوجة بين الشيئين المتقابلين من حكمة الداعية :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 الحقيقة الدقيقة أن هذه الآيات السابقة تحدثت عن عذاب أهل النار ، والمناسب أن يأتي بعدها حديث عن نعيم أهل الجنة ، هذا هو التوازن ، البطولة أن تأتي بالروادع والمرغبات، بالترغيب والترهيب ، المزاوجة بين الشيئين المتقابلين من حكمة الداعية ، من حكمة الذي يدعو إلى الله عز وجل ، فإذا اكتفى بما في النار من عذاب أخطأ خطأ كبيراً ، أن تذكر الجنة والنار، العذاب والثواب ، حال أهل الجنة وحال أهل النار ، هذا التنوع في الأشياء المتقابلة يعطي النفس طمأنينة وأملاً .
 فلذلك الله عز وجل بعد أن ذكر حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة ، فقال :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

من توالت عنده القناعات تحرك وفق هدفه :

 لكن :

﴿ ثُمَّ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 ثم حرف عطف ، تفيد الترتيب على التراخي ، أما الفاء فتفيد الترتيب على التعقيب، معنى ثم هنا الإيمان يجب أن يأخذ منك وقتاً ، وجهداً ، وبحثاً ، ودراسةً ، وتمحيصاً ، وتحقيقاً، وتدقيقاً ، وتثبتاً ، إلى أن تحقق من هذه الحقائق أملك في الإيمان ، وإلى أن تتحقق من هذه الحقائق أيضاً ، وإلى أن تتبناها ، وعندئذٍ تجد أنك مدفوع شئت أم أبيت ، شعرت أم لم تشعر إلى تطبيقها وتحقيقها في ذاتها ، أي تراكم القناعات تنتهي إلى سلوك ، لذلك التكرار أحياناً له إيجابية ، تراكم القناعات الحقيقية لا بد من أن تنتهي إلى سلوك .
 لذلك الإنسان إذا قال : ربي ، ربي الله ، أي هذا البحث أثمر إيمان القائل ، أثمر استقامة ، وعملاً صالحاً ، وتأملاً ، وفهماً ، وطمأنينة ، وإقبالاً ، وسعادة ، وهذه الدراسات أصبحت تقدم له تساؤلات أخرى تنتهي إلى إشراقات الإيمان .
 أنا أقول والله لا أبالغ ولا أسرف في القول المؤمن بعد أن عرف الله وعرف كل شيء يقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني .
 وهناك شيء آخر : هذه ثم للترتيب على التراخي ، ثم قام بدراسة عميقة ، وأجرى مع نفسه تساؤلات عديدة ، وتكونت معه إجابات وقناعات .
المذيع :
 أي ترسخ الإيمان عنده .
الدكتور محمد راتب :
 نعم ، ووقع بينه وبين نفسه حوارات ، قال ودرس ، قال وتحقق ، قال وتعمق ، قال وأتى بالبرهان ، قال وطلب الدليل ، قال وتبنى الأمر ، المعنى انتهى به هذا القول :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 إلى أن يستقيموا ، القناعات تراكمت ، تجمعت بأدلة عقلية ، نصية ، كونية ، قرآنية، نبوية ، هذه حملتك على الاستقامة ، والإنسان عندما تتوالى القناعات دون أن يشعر يتحرك وفق هذا الهدف .
 إذاً استقامت قلوبهم بالإقبال على الله ، واستقامت جوارحهم بالانضباط بأمره ونهيه، والاستقامة تعني أشياء كثيرة ، أما المعنى الدقيق والحقيقي والدقيق والواضح فهو استقاموا على أمره أي نفذوا أمره ، التزموا بهديه ، طبقوا الأمر ، تركوا النهي ، تقربوا إلى الله .

العمل الصالح علة وجودنا الأولى في الدنيا :

 هناك شيء دقيق جداً : إن الخوف من المستقبل ، والندم على ما فات ، شيئان مقلقان لكل إنسان ، والشياطين يأتون أولياءهم ، ويسوسون لهم من هذا الباب ، وأما المؤمن فقد عافاه الله من كل هذا .
 سيدنا علي رضي الله عنه سُئل عن الزهد فقال : هو في كلمتين ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم .
 بتعبير آخر أن تبقى الدنيا في يديك لا بقلبك ، والدنيا قوة ، والكلمة الدقيقة الآن والمهمة جداً :

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))

[مسلم عن أبي هريرة]

 لأن القوي خياراته في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ولأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، لذلك لا بد من أن تكون قوياً ، لا على أن تكون القوة غاية ، بل على أنها وسيلة ، أنت في الدنيا خلقت من أجل العمل الصالح ، إذاً لا بد من أن تبحث عن أسباب القوة حتى تمتلك هذا العمل الصالح ، ولمَ سميّ العمل صالحاً ؟ قال : لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، أكاد أقول : إن علة وجودنا الأولى في الدنيا العمل الصالح ، لأنه ثمن الجنة ، الدليل :

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 دليل آخر قوي : الإنسان إذا رأى مكانه في غير الجنة يقول :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون: 99 ـ 100]

 لأتابع بناء هذا البيت ، لأتابع هذه الصفقة ، لا .

﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون: 100]

 فلذلك الإنسان المؤمن لا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، وقد ذُكر عن سيدنا الصديق رضي الله عنه أنه وصف بأنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط ، همه الآخرة، همه الجنة ، كل شيء يقربه من الجنة يفعله ، وكل شيء يبعده عن النار يفعله أيضاً .
المذيع :

﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

الدكتور محمد راتب :
 معجب بهذه العبارة بالذات ، هذه غطت الوقت كله .

﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 مستقبلاً :

﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 على ما مضى .
المذيع :
 أريد أن أسألك الفرق بينهما ، لا الخوف على المستقبل ، ولا الندم على الماضي ؟

تعريف الشاب :

الدكتور محمد راتب :
 فاته منصب حقق الجنة ، لا يحزن ، سيدنا الصديق ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط ، إطلاقاً .
 سيدي أهل الجنة لهم حال آخر ، حياتهم ، أناس يتوهمون أحياناً أن هذا يصلي فقط ، يا أخي أعمق من الصلاة ، هذا عنده ألف بند يتميز به عن غير المؤمن ، أهدافه ، طموحاته ، حركته ، نشاطه .
 لي كلمة دقيقة : ما دام هدفك أكبر منك فأنت شاب دائماً ، بل إني أرى أن كلمة شاب لا علاقة لها بالزمن ، أي شخص همه فقط أن يتزوج ويشتري بيتاً ، اشترى بيتاً وتزوج ، وصار عمره خمساً وأربعين سنة ، انتهى كشاب ، بقي بالمعنى السلبي للشيخوخة ، هذا هدفه ، أما المؤمن فيبقى شاباً ما دام هدفه أكبر منه ، ما دام الهدف أكبر فأنت شاب ، أي شاب بالتاسعة والتسعين وشيخ بالمعنى السلبي بالأربعين ، ما دام لك هدف أكبر منك فأنت شاب دائماً ، هذا الشباب .
بالمناسبة : ورد في بعض الآثار :

(( ريح الجنة في الشباب ))

 إن الله يقول :

(( إن الله يباهي بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ))

 ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب ، الشاب التائب ، لأن الشاب يمثل المحرك بالسيارة ، قوة اندفاع ، والشيخ الرباني يمثل المقود ، قوة توجيه ، والشرع يمثل الطريق المعبد ، الأمة متى تنتصر ؟ متى تقوى ؟ إذا انطلقت بقوة الشباب ، وبتوجيه العلماء الربانيين على منهج الله .
المذيع :
 ثلاثية كاملة .
الدكتور محمد راتب :
 أبداً ، بقوة الشباب ، وتوجيه العلماء الربانيين ، وعلى منهج الله ، وهو الطريق المعبد ، أما الطريق الآخر فهو وعر ، قد يتلف المركبة ويقتل الركاب .
المذيع :

﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 وفي القرآن أتت :

﴿ تَنَزَّلُ ﴾

[ سورة الشعراء: 212]

 ما الفرق بين تنزل وتتنزل ؟

الفرق بين تنزل وتتنزل :

الدكتور محمد راتب :

﴿ تَنَزَّلُ ﴾

[ سورة الشعراء: 212]

 فيها مبالغة كثيراً وليس قليلاً ، تتنزل كثيراً .
المذيع :
 الزيادة في المبنى ، وزيادة في المعنى ، لكن هنا ما المقصود :

﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

الإنسان بين إلهام ملك ووسوسة شيطان :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان بين إلهام ملك ، ووسوسة شيطان ، هو إنسان ، لا بد من أن يتحرك ، ما الذي يحركه ؟ إلهام ملك ، أو وسوسة شيطان ، فالبطولة أن تستجيب لخواطر الملائكة ، اخدم، اشترِ لها هذه الحاجة .
 أضرب أنا مثلاً دقيقاً جداً بمحاسبة النفس : إنسان دخل للبيت الساعة الثانية بالليل طلبت منه والدته دواء ، قال لها : الصيدليات مغلقة ، فسكتت ، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة ، معه سيارة ، بالحالة الأولى قصر ، شعر بخطأ ، لم ينم مرتاحاً ، بالحالة الثانية ذهب الدواء مفقود ، دار ساعة بالسيارة ، لا يوجد دواء ، بالحالتين الدواء لم تتناوله أمه ، بالحالة الثانية ينام مرتاحاً ، أدى الذي عليه ، وبقي له أن يطلب ما عند الله .
 فالإنسان دقيق جداً ، يعلم بدقائق نفسه ، أخطأ أم أصاب ، هذه الفطرة ، والدليل :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14ـ 15]

المذيع :

﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 التبشير بالجنة هنا ، وهناك آيات :

﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

[ سورة آل عمران: 21]

 الاستخدام أم الاستعارة ؟

التبشير التهكمي :

الدكتور محمد راتب :
 لكن بين التبشير ، هناك بعض الآراء أنه تبشير تهكمي ، طالب لا يدرس قيل له : أبشر ستكون عاملاً بمعمل ، أبشر ، ما دمت كذلك سوف تكون عاملاً في معمل ، أما طبيب ، مهندس ، لك منصب رفيع ، متزوج ، عندك بيت ، عندك سيارة ، هذه بعيدة عنك ، هذا نوع يسمونه تبشيراً تهكمياً ، واضحة تماماً ؟
المذيع :
 العطف هنا شيخنا :

﴿ وَأَبْشِرُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 العطف هنا على ماذا ؟

أهمية العطف :

الدكتور محمد راتب :
 عندنا واو ابتدائية ، وواو عاطفة ، لكن أحياناً يكون العطف مثلاً للمشاكلة ، كيف ؟ الله قال :

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 هذه إعرابها حرف عطف ، هي نحوياً ، لكن بلاغياً تفيد التماثل ، أنت لا تقول : اشتريت مزرعة وملعقة ، لا يوجد تناسب بينهما ، تقول : اشتريت مزرعة وبيتاً ، فعندما ربنا قال:

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾

[ سورة الإسراء: 23]

 رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته بالتماثل ، صار عطف تماثل .
المذيع :
 شيخنا هنا :

﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 هنا القائل هو الملائكة للذين :

﴿ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 أم الله ؟

الملك الإيجابي يلهم المؤمن الخير والشيطان يوسوس له بالشر :

الدكتور محمد راتب :
 والله هو أغلب الأمر إلهام ملائكة ، أي لا يوجد خطاب مباشر إلا للأنبياء ، الملائكة ؛ الملك الإيجابي يلهم المؤمن الخير ، والشيطان يوسوس له بالشر .
المذيع :
 لكن في هذه الآيات ماذا يعني ؟
الدكتور محمد راتب :
 إلهام ملائكي سيدي .

﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

المذيع :

﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

الدكتور محمد راتب :
 في الدنيا ، هي الجنة الحقيقة أن الكلام واسع جداً .
المذيع :
 هنا كأن الدنيا صارت من الماضي ، وتوعدون في الدنيا .

تأكد حصول الأحداث ولو لم تقع :

الدكتور محمد راتب :
 إنسان نازل بمركبته ، والانحدار شديد ، يكتشف أن المكبح تعطل فجأة، يقول : انتهينا ، الحدث لم يقع بعد ، هذا لتأكد الحصول ، مثلاً :

﴿ أَتَى أَمْرُ ﴾

[ سورة النحل: 1]

 فعل ماض .

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

[ سورة النحل: 1]

 لم يحدث بعد ، إذا كان الشيء محققاً أي انحدار شديد ، المركبة بأعلى سرعة وينتهي الطريق بمنعطف عبارة عن تسعين درجة ، حاد ، والمكبح تعطل ، تقول : انتهينا ، لتحقق الوقوع ، واضحة تماماً ؟
المذيع :

﴿ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 طبعاً هنا عائدة :

﴿ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 أي من تحقق فيه هذان الشرطان ؛ الاستقامة ، والإيمان .

التفكر بالموت عبادة :

الدكتور محمد راتب :
 إذا جاء الابن بجلائه ، وكان متفوقاً بدراسته ، الأب ألا يتكلم ؟ ألا يضمه لصدره ؟ ألا يكافئه بدراجة ؟ ألا يثني عليه ؟ الله عز وجل رب ، مربّ ، فإذا الإنسان قرب يجد من الله تجاوباً كبيراً جداً ، الملائكة تطمئنه ، تطمئنه على مستقبله ، عندنا شيء اسمه : القلق من الموت ، هذا القلق أخي الكريم كلما تقدمت به السن اقترب من هذا القلق ، أي سينتقل من بيت فيه زوجة يحبها ، فيه أولاد أبرار ، فيه بنات محتشمات ، فيه سهر ، فيه لقاءات ، فيه سفريات، فيه ولائم ، فيه سياحة ، إلى قبر ، قال :

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 أنا أرى أنه لا يوجد أذكى ولا أعقل ولا أكثر نجاحاً وفلاحاً ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، فلذلك التفكر بالموت عبادة ، ينتقل من كل شيء إلى لا شيء مبدئياً.
 مرة كنت في المغرب في فاس ، كان هناك زقاق ضيقاً جداً ، مكتوب عند بعض البائعين كلمة : صلِّ قبل أن يصلى عليك .
المذيع :
 الآية التي تليها فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 ما حقيقة الولاية هنا شيخنا ؟

حقيقة الولاية :

الدكتور محمد راتب :
 أي يتولى أمرك ، يدافع عنك ، يلهمك الصواب .
المذيع :
 في الدنيا ، وفي الآخرة ، لأنه في الحياة الدنيا والآخرة ....
الدكتور محمد راتب :
 في الآخرة جنة في أعلى عليين ، لأن في الآخرة يوجد طعام وشراب ، وحور عين، لكن هناك شيء اسمه : الإقبال على الله ، أي هذا النظر إلى وجه الله ، قال : ينظر المؤمنون إلى وجه الله الكريم في الجنة يغيبون عن الوعي خمسين ألف عام من نشوة النظرة ، فعندنا جنة فيها طعام وشراب ، وحور عين ، وإقبال على وجه الله الكريم .
المذيع :
 سبحانه وتعالى .

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 31 ـ 32]

الغبي من أزاح الجنة من أهدافه :

الدكتور محمد راتب :
 أي الجنة فيها :

(( فيها ما لا عين رأتْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 إذا شخص كثير السفر ، زار حوالي مئة عاصمة بالأرض لكن ما زارها كلها .

(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 ما هذا الكلام ؟

(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 أنا يمكن مدينة باليابان ما زرتها ، لكن أسمع عنها ، أي الدائرة الأولى عين رأت ، الثانية أوسع .

(( ولا أذن سمعتْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 أما الثالثة فما لها نهاية .

(( ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 هذه الجنة يزهد بها ؟ هذه الجنة لا نهتم لها ؟ هذا ليس معقولاً ! الحقيقة :

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة الزمر: 15]

 خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض ، اكتفيت بسبعين سنة كلها متاعب ، وكلها أحزان وهموم ، الحقيقة غباء كبير حينما نزيح الجنة من أهدافنا .
المذيع :
 نسبة الشهوة للأنفس .

﴿ تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 شيخنا ما دلالتها هنا ؟

كلما ارتقى مستوى الإنسان ارتقت شهوته :

الدكتور محمد راتب :
 الشهوة ؟
المذيع :

﴿ تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

الدكتور محمد راتب :
 الشهوة تتصاعد ، بالدنيا تحتاج إلى مال ، تشتهي مالاً لأنه مادة الشهوات ، تحتاج إلى زوجة جميلة مثلاً ، إلى أولاد أبرار ، لكن كلما انتقلت إلى مستوى أعلى الشهوة ارتقى مستواها ، تشتهي النظر إلى وجه الله الكريم ، هذا أرقى مستوى .
المذيع :

﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 ما معنى تدعون شيخنا هنا ؟

في الدنيا ليس كل شيء يمكن أن تصل إليه :

الدكتور محمد راتب :
 دعا إلى شيء أي طلبه ، بمعنى الطلب قادم ، تدعون شيئاً ، عفواً هنا بالدنيا ليس كل شيء يمكن أن تصل إليه ، كلما ارتقيت مرتبة تشتهي أعلى منها ، لكن يوجد سقف ، أما كل ما تطلب يأتيك .
المذيع :
 ما الفرق ما بين ما تشتهي وما تطلب ؟

الفرق بين ما تشتهي وما تطلب :

الدكتور محمد راتب :
 الطلب قد يكون مصلحة ، أنت بحاجة إلى موافقة ، أما الشيء فأودع في قلبك ، أنا أقول كلمة دقيقة : ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى إلى رب الأرض والسماوات ، كلمة دقيقة ، ما هي الشهوة ؟
 للتقريب : أنا أمثلها بسائل متفجر ، بالبنزين ، إذا وضع هذا السائل بالمستودع المحكم بالمركبة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، والمكان المناسب ولّد حركة نافعة ، أقلتك في العيد إلى مكان جميل ، من خلال الانفجارات التي في المركبة ، صفيحة البنزين نفسها إن صبت على المركبة ، وأصابتها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها .
 فالشهوات إما أنها قوة دافعة ، أو قوة مدمرة ، وما أودع الله فينا الشهوات في الأصل إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، يشتهي المال لكن ماله محدود ، لا يأكل مالاً حراماً ، لا يأخد رشوة .
المذيع :

﴿ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت: 31]

 الإمام القرطبي الرملاوي قال : الرزق نزلاً أي رزقاً وضيافة .

الفرق بين الرزق والكسب :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة يوجد كلمة دقيقة :

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82]

 معنى الإيمان رزق ، أن تصلي صلاة متقنة رزق ، أن ترى عدل الله رزق ، لا أن ترى ظلمه أحياناً ، حتى العطاء الفكري ، والعطاء العقدي ، والعطاء الأسري ، والعطاء الحرفي، هذا رزق .

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82]

 لكن العلماء قالوا : ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأبقيت ، هذا اسمه رزق ، هذا رزق ثلاثة بنود ؛ أكلت فأفنيت ، لبست فأبليت ، تصدقت فأبقيت، أما الكسب بيل غيتس يملك أربعة وتسعين ملياراً ، على فراش الموت قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، هذا كسب لم تنتفع به ، وسوف تحاسب عليه ، الكسب حجمك المالي ، جوبز يملك سبعمئة مليار ، الكسب حجمك المالي ، لم تنتفع به مباشرة ، ولكن ستحاسب عليه، أما الرزق أكلت فأفنيت ، لبست فأبليت ، تصدقت فأبقيت .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في ختام هذه الحلقة لو نتوقف مع اللمسات التدبرية والتربوية في هذه الآيات :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

اللمسات التدبرية والتربوية في الآيات السابقة :

الدكتور محمد راتب :
 التدبر ؛ أحياناً يأتي الأمر من قوي ، بلا تعليل ، بلا ثمار ، بلا نتائج ، افعل ، لكن الله عز وجل إذا دعانا إليه ، دعانا إلى جنته ، أعطانا صورة للجنة رائعة جداً ، هذا اسمه: التعليم بالأهداف ، فأنت عندما تقول لطالب : أنت حينما تتفوق ستكون طبيباً ، لك مركبة ، ولك زوجة صالحة عندك بيت ، وعندك أولاد ، هذا اسمه إغراء ، هذا جزء من التعليم ، يبين نتائج إيجابية ، وهو تحفيز .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على هذا اللقاء في برنامج " ربيع القلوب " .
 لكم الشكر مستمعينا الكرام على حسن الاستماع والمتابعة .
 توقفنا في هذه الحلقة مع آية من سورة فصلت عند قوله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 هذه الآيات تدبرناها وتوقفنا عند بعض معانيها مع ضيفنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور