وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 05 - الاستقامة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم أعزائنا المستمعين عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة في هذه اللقاء الجديد من برنامج : " ربيع القلوب " .
 لكم في بداية التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 مستمعينا الكرام ؛ إن الاستقامة هي لزوم الطاعة لله عز وجل ، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن جوامع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم قوله للصحابي سفيان بن عبد الله رضي الله عنه حينما سأله قائلاً :

(( يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك ، قال عليه الصلاة والسلام : قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم ))

[مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي]

 وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المؤمنين بالاستقامة على الدين فقال :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود: 112]

 كما بيّن الله سبحانه وتعالى عاقبة أهل الاستقامة بقوله تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت: 30]

 واليوم في هذه الحلقة مستمعينا الكرام من برنامج "ربيع القلوب" نتناول آيات كريمات من سورة هود ، وهي قول الحق سبحانه :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة هود: 112 ـ 113]

 نتدبر هذه الآية مع ضيفنا الدائم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي حياكم الله فضيلة الدكتور وأهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء الجديد من " ربيع القلوب" .
 فضيلة الشيخ ؛ هذه الآيات التي قرأتها في المقدمة طبعاً لها ترابط بما قبلها وبعدها من الآيات ، ولمعنى السورة الإجمالي ، ولكن لو بدأنا في مناسبة هاتين الآيتين الكريمتين لما قبلهما من الآيات شيخنا .

طريق الحق هو الاستقامة :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة أن هذه الآية تحدثت قبلها عن سيدنا موسى عليه السلام ، وعن اختلاف قومه، فجاءت هذه الآية لتبين للنبي عليه الصلاة والسلام ولنا من بعده طريق الحق هو الاستقامة، أي حينما تأتي مناسبة بتفرقة الناس عن سيدنا موسى واختلافهم تأتي الآية لتصحح المسار الصحيح ، لذلك الله عز وجل قال :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

[ سورة هود: 112]

 لأن الذين قبلك اختلفوا فيما بينهم ، فتاهوا عن الطريق ، وأي أمر أُمر به النبي هو لأمته من بعده ، وأية خصيصة للنبي الكريم ينال منها بعض المؤمنين بقدر إيمانهم وإخلاصهم نصيباً من هذه الخصيصة .
المذيع :
 أي الأمر فضيلة الدكتور في هذه الآية هو موجه للنبي عليه الصلاة والسلام وللأمة من بعده ؟
الدكتور محمد راتب :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 والأمة ينبغي أن تتقي الله ، شيء بديهي ، إلا أنه أحياناً حينما تقول للمجتهد : اجتهد ، أي تابع اجتهادك ، إذا أمرت إنساناً يفعل ما تأمره به ، المقصود المتابعة ، وإذا أمرت قدوة أن تفعل كذا ، فهذه لأتباع هذه القدوة .
المذيع :
 في هذه الآية شيخنا كما أشرت الأمر بالاستقامة هو للنبي عليه الصلاة والسلام وللأمة من بعده ، إذا دخلنا بمفهوم الاستقامة فضيلة دكتور ، ما معيار الشخص المؤمن المستقيم على الإسلام ؟ هل هناك ميزان أو معايير محددة ؟ وكيف تحقق هذه الاستقامة ؟

من لم يستقم على أمر الله استقامة تامة لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

الدكتور محمد راتب :
 إنسان واقف في مكان ثابت ، هل يقال له : استقم ؟ على ماذا يستقيم ؟ أما هناك حركة ما دام هناك حركة ، ما الحركة ؟ أنت بحاجة إلى طعام وشراب ، حفاظاً على وجودك كإنسان ، وحركة إلى الزواج ، حفاظاً على بقاء النوع ، وحركة للتفوق لبقاء الذكر ، أنت تتحرك بحاجات ثلاثة، إما بقاء الوجود المادي بالطعام والشراب ، وإما بقاء النوع بالزواج ، وإما بقاء الذكر بالتفوق ، هذه الحاجات الثلاثة تتحقق كلياً بمنهج الله عز وجل .

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 وأي إنسان يتبع منهج النبي له من هذه الآية نصيب .

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور: 48]

 أي إنسان مؤمن له من هذه الآية نصيب ، لذلك :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

[ سورة هود: 112]

 لا يوجد أمر خاص موجه للنبي ، أي أمر أُمر به النبي أمته من بعده مأمورة به ، وأي نهي نُهي عنه النبي الأمة من بعده منهية عنه ، الإنسان ما لم يستقم على أمر الله استقامة تامة لن يقطف من ثمار الدين شيئاً ، دين بلا استقامة فولكلور ، عادات ، تقاليد ، تراث ، خلفية إسلامية، أرضية إسلامية ، تصورات إسلامية ، قوس إسلامي ، بطاقة معايدة إسلامية ، هذه أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، كل هذه الشكليات لا تقدم ولا تؤخر ، المنهج الإلهي يبدأ من فراش الزوجية ، وهو أخذ من خصوصيات الإنسان ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، فإذا توهمنا أن الصلاة والصوم ، والحج ، والزكاة ، هي الإسلام ، لا ، هي عبادات شعائرية ، أنت تأتي إلى المسجد لتصلي يوم الجمعة كي تتلقى من الخطيب تعليمات الصانع ، وتعود إليه مطبقاً لهذه التعليمات لتقبض الثمن ، أما دينك ففي البيت .

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[الترمذي عن عائشة رضي الله عنها]

 علاقتك بزوجتك ، بأولادك ، بأصهارك ، بكنائنك ، بجيرانك ، بمن حولك ، بشركائك بالتجارة ، ببيتك ، فالإسلام منهج تفصيلي يبدأ كما قلت قبل قليل من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، علاقاتك ، مع القوي ، مع الضعيف ، بزمن الشدة ، زمن الرخاء ، في أحوال كثيرة جداً ، والمؤمن يدور مع الحق حيثما دار ، هناك حد وطغيان ، طغى ؛ أي تجاوز الحد .
المذيع :
 في النهي شيخنا ؟ دلالة النهي في قوله تعالى :

﴿ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 ما دلالة النهي هنا ؟

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان قد يصلي ، ويصوم ، ويحج ، أما بالسعر طغى بالبيع ، استغل جهل هذا الشاري ، رفع السعر ضعفين ، هذا طغى ، هو يصلي ، ويصوم ، ويحج ، حينما تطغى في التعامل اليومي في البيع والشراء ، في أداء الوظيفة ، جالس موظف مع موظف آخر ، يديران حديثاً شيقاً ، جاء مراجع ، تعال غداً ، غداً ! يجب أن ينام بالفندق ، وتحل قضيته بخمس دقائق ؟! الله كبير ، أنت حينما تقصر في أداء الواجبات ينشأ حجاب مع الله ، هذا الحجاب يجعل الحياة مملة ، فالإنسان إذا لم يستقم على أمر الله ، مثل قريب : بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية ، أرقى الأجهزة ، ثريات ، أجهزة تبريد ، تكييف ، لكن لا يوجد كهرباء ، كل هذه الأجهزة لا قيمة لها ، دقيقة الآن ؛ قطع التيار ميلي أو متر مثل بعضها ، انقطع التيار فتوقف كل شيء .

(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ابن عباس وأنس وأبو هريرة عن عائشة ]

 تمشي بطريق عرضه ستين متراً ، على يمينه واد سحيق ، وعلى يساره واد سحيق ، الإنسان حرف المقود سنتمتراً واحداً ، هذا السنتمتر إذا ثبت إلى الوادي .

(( لا صغيرة مع الإصرار))

[ابن عباس ، وأنس ، وأبو هريرة عن عائشة ]

 أما إذا ارتكب خطأ أكبر من هذا وتاب إلى الله فالله يغفر له .

(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ابن عباس وأنس وأبو هريرة عن عائشة ]

 هذه حقيقة مهمة جداً ، فنحن المشكلة بالصغائر ، خذ مئة بيت بمدينة إسلامية ، لا يوجد خمر بكل البيوت تقريباً ، ولا زنا ، لكن يوجد تقصير ، تقصير بأداء الصلوات ، تقصير بغض البصر ، تقصير بالشاشة ، شاشة غير مضبوطة ، بالعلاقات ، فنحن الكبائر شيء بديهي ، الكبائر معروفة لكن هذه الصغائر إذا استمرت انقلبت إلى كبائر .

(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ابن عباس وأنس وأبو هريرة عن عائشة ]

المذيع :
 انتهت الآية شيخنا بقول تعالى :

﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 لم تذكر هنا لا الرحمة ، ولا العذاب أو العقاب ، أما انتهت بقوله تعالى :

﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة هود: 112]

 إنه يعلم وبصير بما تفعلون .

الاستقامة هي السعادة والتفوق :

الدكتور محمد راتب :
 هذا موضوع آخر .
المذيع :
 ما الإشارة هنا شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب :
 الله خبير ، خبير هنا ، شيء دقيق جداً .

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾

[ سورة غافر: 19]

 طبيب ؛ أمامه مريضة ، له حق أن يرى موضع المرض ، فأخذ نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه إطلاقاً ، من يكشف هذه المخالفة الشرعية ؟ لا أحد في الأرض يمكنه أن يكشف هذه المخالفة الشرعية .

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

[ سورة غافر: 19]

 الاستقامة شيء دقيق جداً وهي المنجاة ، وهي السعادة ، وهي التفوق ، وهي الآخرة ، وهي الجنة ، وهي النار .
المذيع :
 جعلنا الله من أهل الاستقامة .
 الآية التي تليها فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة هود: 113]

 قبل أن ندخل بمعاني النهي هنا ماذا عن المؤمن من اختيار الرفقة والصحبة الصالحة؟ لو تشرح لنا فضيلة الشيخ هذه الآية بمعناها الإجمالي قبل أن ندخل إلى تفاصيلها .

بطولة الإنسان أن يعدّ لساعة الموت عدتها :

الدكتور محمد راتب :
 إذا أنت رأيت بلداً فيه للإنسان ميزات كبيرة جداً ، لكن لا يوجد به دين ، نكون نحن قد ألغينا الآخرة .
 مرة تابعت برنامجاً عن اليابان ، ما من داع للدين إطلاقاً ، أنت خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض ، فعندما تستغني في الدنيا عن الآخرة هذا أكبر خطأ استراتيجي ، أنت خلقت للآخرة ، خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض .

(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 فإذا اكتفيت بالدنيا ، هذه ما تفعله أوروبا ، الدنيا فيها بأعلى درجة ، لكن ماذا يوجد بعد الموت ؟ البطولة أن يكون الموت نقلة نوعية إلى الجنة ، أما النقلة إلى لا شيء أو إلى عذاب اليم فهذا فيه خطأ كبير ، أي ما لم تربط الآخرة بالدنيا كل المقاييس غلط ، إذا شخص مثلاً دخله كبير من تجارة لا ترضي الله ، وساكن بأرقى بيت ، وأفخر سيارة ، هذا البذخ الشديد ، والمكانة الكبيرة الاجتماعية ، والإنفاق اللامحدود ، يوجد موت ، الموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني ، وفقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، ينهي كل شيء، فالبطولة أن تعد لوقت ينتهي كل شيء ، إلا الجنة تستمر ، لذلك :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46 ]

 جنة في الدنيا وهي القرب من الله ، وجنة في الآخرة هي الجنة الخالدة .
المذيع :

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾

[ سورة هود:ـ 113]

 شيخنا ، ما علامة الركون إلى الظلمة ؟

علامة الركون إلى الظلمة :

الدكتور محمد راتب :
 أي أن تراهم ناجحين في الحياة ، أن تراهم سعداء ، بلاد جميلة ، نظام دقيق ، دخل فلكي ، متعة كبيرة .
 أنا كنت بأمريكا ، هذا البيت كم شخص يوجد فيه ؟ عد كم سيارة في الخارج ، لكل إنسان سيارة ، وللبيت حديقة ، ومنتجع ، الحياة العالية جداً بلا آخرة خسارة كبيرة ، أنت بالأساس مخلوق للجنة ، للأبد ، إذا اخترت الدنيا فقط تنتهي بالموت ، الموت ينهي كل شيء ، أليس كذلك ؟
المذيع :
 شيخنا ؛ في هذه الآية :

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾

[ سورة هود: 112 ـ 113]

 فيها إشارة ربما للمؤمنين في اختيار الصحبة ، والرفقة بين الصالح والفاسد .

علامة المؤمن أنه سعيد دائماً لأن أنيسه الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب :
 بعضهم قال : معنى الآية تمسكم نار البعد عن الله عز وجل ، البعد عذاب ، البعيد عن الله عز جل يعاني ما يعاني ، علامة المؤمن أنه لو بقي وحده هو سعيد ، أما الآخر فعاش مع الناس ، فلا يتمكن أن يبقى وحده ، المؤمن يؤنسه الله عز وجل .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ ورد في الأثر ]

المذيع :
 شيخنا في قوله تعالى :

﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾

[ سورة هود: 113]

 هل نفهم منها أن الذين آمنوا ركنوا إلى الذين ظلموا فسيصبحوا في النار التي هي دار الظالمين ؟

الابتعاد عن الظالمين وعدم الركون لهم :

الدكتور محمد راتب :
 هذا المعنى لا يستبعد ، هناك نار البعد عن الله عز وجل ، أحياناً يقول لك : احترقت ، لا لم يحترق بعد ، أو معنى آخر ؛ إنسان ينطلق بمركبته بسرعة فائقة ، بطريق هابط ، وهذا الطريق ينتهي بمنعطف حاد ، وهو بهذه السرعة العالية اكتشف أن المكبح تعطل ، يقول : انتهينا ، هو لم ينته بعد ، هذا اسمه تحقق الوقوع ، إذا الإنسان عرف النتيجة الحتمية ولم يصل إليها هذا اسمه : تحقق الوقوع .
المذيع :
 النتيجة معروفة .
الدكتور محمد راتب :
مثلاً :

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

[ سورة النحل: 1]

 معنى هذا أنه لم يأت بعد ، أي مجيئه قطعي ، حتمي .
المذيع :
 شيخنا ؛ فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هذه الآية كيف نفهمها في إطار اختيار المؤمن لصحبته ولفرقته ولاختيار صحبته وأبنائه ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور محمد راتب :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 هذه واحدة .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 أمر إلهي ، أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، بحاجة إلى صديق مؤمن ، نزهة مع مؤمنين ، سهرة مع مؤمنين ، هذه الحاضنة الإيمانية أصل بالاستقامة .

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 أغفلنا ؛ كلمة دقيقة جداً لا تعني أننا جعلناه غافلاً ، وجدناه غافلاً ، تقول : عاشرت القوم ما أجبنتهم ، ما وجدتهم جبناء ، عاشرت القوم فما أبخلتهم ، ما وجدتهم بخلاء ، ليس جعلناه غافلاً ، هناك فرق بين وجدناه غافلاً ، وبين جعلناه غافلاً .
المذيع :
 إذا كان هذا الوعيد فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي فالركون إلى الظلمة فكيف حال الظلمة أنفسهم شيخنا ؟

تفوق عاد في شتى الميادين :

الدكتور محمد راتب :
 الله عز وجل قدم لنا وصفاً للظلمة ، منهم قوم عاد ، الله عز وجل ضرب بهم المثل ، هؤلاء قوم البغي والعدوان ، قوم عاد ، هذه الأمة تفوقت في شتى الميادين ، الدليل الله عز وجل قال:

﴿ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾

[ سورة الفجر: 8]

 تفوق عسكري ، تفوق اقتصادي ، وتفوقت عمرانياً ، قال تعالى :

﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ﴾

[ سورة الشعراء: 128]

 وتفوقت صناعياً :

﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾

[ سورة الشعراء: 129]

 وتفوقت عسكرياً :

﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾

[ سورة الشعراء: 130]

 وتفوقوا غطرسة ، وقالوا :

﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾

[ سورة فصلت: 15]

 فعاقبهم الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾

[ سورة الحاقة: 6 ـ 7]

 أية أمة يزداد حجمها العسكري ، والمالي ، والاقتصادي ، وتطغى على أمم أخرى تحاسب حساباً عسيراً في الدنيا والآخرة ، الله قال :

﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾

[ سورة النجم: 50]

 إذا كان دفعت لك مبلغاً ، وقلت : هذه الدفعة الأولى ، ماذا تعني ؟ مادام دفعة أولى معنى هذا أن هناك دفعة ثانية ، معناها بعلم الله القادم سيأتي قوم يمثلون عاداً الأولى ، وهذه عاد الثانية الدول التي تنتصر لمصالحها فقط على حساب الآخرين هي عاد ، عاد الثانية .
المذيع :
 التاريخ يعيد نفسه كما يقال .
 شيخنا ؛ نعود للسؤال الذي في قوله تعالى :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾

[ سورة هود: 114]

 كيف نفهم ترابط الآية وهي أتت بعد قوله تعالى :

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾

[ سورة هود: 113]

التائب من الذنب كمن لا ذنب له :

الدكتور محمد راتب :
 لو فرضنا السيئة ، الإنسان إذا تاب منها تنتهي ، التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، أما أن تكون السيئة حسنة فهذه ليست واردة إطلاقاً ، السيئة ، إذا تاب العبد توبة نصوحة ، أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، التوبة النصوح شيء دقيق جداً .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ﴾

[ سورة التحريم: 8]

 هذه التوبة النصوح ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
المذيع :
 شيخنا ؛ هل يمكننا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أن نفهم من هذه الآيات أن الاستقامة التي أُمرنا بها في البداية جزء منها ألا تطغى ، وجزء منها ألا نركن للظالمين ، وجزء منها أن نقيم الصلاة ، وجزء منها أن نصبر ، هل يمكن أن نفهم من التراتبية أن الاستقامة لا تتوافق أو لا تنطبق شروطها إلا بهذه الأربعة ؟

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

الدكتور محمد راتب :
 لأنه يوجد شهوات ، عفواً ؛ الشهوة دائماً ، أي شهوة لك أن تمارسها بمئة وثمانين درجة، أي شهوة ، المال ، والنساء ، الشرع سمح لك بـمئة وعشر درجات ، ما دام المسموح به ضمن المسموح لا يوجد شيء عليك إطلاقاً .

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50]

 المعنى المخالف الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، اشتهى المال اشتغل ، اشتهى المرأة تزوج ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد بالإسلام حرمان، لكن يوجد ترشيد ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
 صفيحة البنزين ، سائل متفجر ، إذا وضع بالمستودع المحكم في السيارة ، هذا سائل متفجر إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في المكان المناسب في المحرك ، وفي الوقت المناسب ، ولّد حركة نافعة ، تقلك في العيد إلى مكان جميل بالانفجارات ، الصفيحة نفسها صبها على المركبة ، أعطها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها ، معنى هذا أن الشهوات سلم نرقى به ، أو دركات نهوي بها .
المذيع :
 أي ترشيد لا منع .
الدكتور محمد راتب :
 كل شيء يرشد .
 أعيدها مرة ثانية : ما من شهوة على الإطلاق أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة طاهرة تسري خلالها ، بالإسلام لا يوجد ، لكن يوجد ترشيد ، ولولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، تشتهي المرأة تتزوج فقط ، تشتهي المال تشتغل ، باعث للعمل ، وكل شهوة تلبى بمعصية دمار للإنسان ، تلبى بمعصية ، اشتهى المال سرق ، اشتهى المرأة زنى ، اشتهى الرفعة مارس الظلم على من حوله ، هنا المشكلة ، لا يوجد أغبى ممن لم يدخل محاسبة الله له في حسابه ، أغبى إنسان .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامية على هذا اللقاء في برنامج "ربيع القلوب" .
 توقفنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة مع قوله تعالى من سورة هود :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة هود: 112 ـ 113]

 أشكركم مرة أخرى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا الحضور معنا في الأستوديو ، وبإذن الله لنا لقاءات أخرى في برنامج "ربيع القلوب" .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور