2020-09-04
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج : "في ليالي الإسلام" ، قال الله سبحانه وتعالى :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
وقال جل وعلا :﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
قال الله سبحانه وتعالى :﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾
اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، والطريق الموصل إلى النجاة ، حينما تنزل الشدائد، وتتوالى الحروب ، وتطل المحن ، الرجوع إليه لا تشوبه شائبة ، ولا يعتليه شك في قدرته جلّ وعلا على كشف البلاء ، ورد الأعداء ، ففي هذه الأيام العصيبة التي يجتمع فيها الوباء وتطلع الأعداء نحتاج إلى فرار إلى الله سبحانه وتعالى ، ولجوء إليه ، وتعرف عليه حتى تنجلي الغمة ، ويرفع البلاء .الإنسان هو المخلوق الأول عند الله :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة الدقيقة لابد من مقدمة تلقي ضوءاً على محور هذا اللقاء الطيب ، من أنت أيها الإنسان ؟ أنت المخلوق الأول عند الله ، لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة ، فلما قبلت حمل الأمانة كنت عند الله المخلوق الأول ، خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض ، قال تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
ولكن جاء بك إلى الدنيا لدفع ثمن مفتاح الجنة ، وهو العمل الصالح ، جاء بك إلى الدنيا لتعيش سنوات محدودة تتعرف من خلالها إلى الله ، وإلى عظمته ، وإلى ربوبيته ، وإلى ألوهيته ، وإلى كونه العظيم الدال على عظمته ، أن تتعرف إلى منهجه القويم ، والصراط المستقيم ، أن تعرف ما ينبغي وما لا ينبغي ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، هذا المنهج التفصيلي الذي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .العلم طلب وجودي و ليس طلباً تحسينياً :
أنت كائن ، وأهم شيء بكيانك العلم ، والعلم ليس طلباً تحسينياً ، هو طلب وجودي، من دون علم هبط الإنسان عن وجوده إلى مستوى لا يرضي أحداً .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
وصف الله غير المؤمنين :﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
مع أن قلبه ينبض ثمانين ، نبضه مثالي ، وضغطه 8 ـ 12 عد الله ميت ، ما عرف الله فهو ميت ، ما عرف سر وجوده فهو ميت ، ما عرف الآخرة فهو ميت ، ما عرف أنبياءه ورسله فهو ميت ، ما عرف الحلال والحرام فهو ميت ، فلابد من طلب العلم .(( فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطَر على قلبِ بَشَر ))
الجنة فيها حياة أبدية لا تنتهي ، وفي الجنة درجات ، وألوان من السعادة لا توصف، فلذلك لابد من أن نقتطع من وقتنا وقتاً لمعرفة الله من خلال آياته الكونية خلقه ، والتكوينية أفعاله ، والقرآنية كلامه ، أن نعرف منهجه ، أن نحاسب أنفسنا ، في حياتك حلال وحرام ، يجوز ولا يجوز ، جائز وممنوع ، شيء يغضب الله ، وشيء يرضي الله ، لابد من طلب العلم .﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
الشيء الذي يقربنا إلى الله ، وهو الخطوة العملية الأولى في طريق الخطوة إلى الله لكن دكتور ثمّ خطوات عملية أخرى ، والمشاهد يتشوق أن يسمع منك كلاماً رقراقاً يهز القلوب قبل العقول ، خطوات عملية للرجوع إلى الله في ظل هذه المحن والشدائد فضيلة الدكتور ؟طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة :
الدكتور محمد راتب :
هذا العلم إن لم ينقلب سلوكاً ، موقفاً ، عطاءً ، منعاً ، غضباً ، إحساناً ، معاقبةً لمن يتطاول على هذا الدين ، ما لم ينقلب هذا العلم إلى سلوك ، إلى شخصية متميزة بعلمها ، وأخلاقها ، ولطفها ، وذكائها ، وإدراكها لسر وجودها ، وغاية وجودها ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
فلذلك الله عز وجل تفضل علينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، تفضل علينا بقرآن كريم ، وحي السماء ، وفضل كلام الله على كلامه خلقه كفضل الله على خلقه ، وتفضل علينا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام ، تفصيل دقيق جداً عملي للقرآن الكريم ، معنا كون يدل على الله عز وجل ، كل ما في الكون يشير إلى عظمة الله ، معنا كتاب سماوي عظيم ، تولى الله حفظه ، ومعنا سنة نبي كريم ، فلابد من أن نقتطع من وقتنا وقتاً لمعرفة الله من خلال كتابه ، ومعرفة رسوله من خلال سنته ، وأن نتحرك في حياتنا اليومية حركة طويلة عريضة ، عندك كسب مالك ، إنفاق مالك ، اختيار حرفتك ، تربية أولادك ، تزويج بناتك ، علاقاتك مع الكبير ، مع الصغير ، مع القوي ، مع الضعيف ، هناك آلاف المفردات ، أنت بحاجة إلى فهمها فهماً دقيقاً ، وإلا ليس هناك سعادة ، يوجد ضياع ، وتشتت ، الله عز وجل تفضل علينا وصف هؤلاء الذين شردوا عن الله ، قال : عجيب الوصف :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
قال :﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
كلها أوصاف قرآنية للذي شرد عن الله عز وجل ، فأنت علاقتك مع الدين ليست علاقة تحسينية ، علاقة وجودية ، لا تؤكد ذاتك كإنسان كمخلوق أول إلا إذا عرفت الله .(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
اتباع منهج الله والوصول إليه عن طريق التفكر :
ولكن يوجد نقطة مهمة جداً ، الله عز وجل له منهج ، هناك ذات إلهية تصل إليها عن طريق التفكر .﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
فالعقيدة الجانب الإيديولوجي ، المنطلقات النظرية هذه تحتاج إلى تفرغ ، لابد من طلب العلم ، وأن تعرف من أنت ، أنت المخلوق الأول ، المخلوق المكلف ، المخلوق المسؤول المحاسب ، المدعوم من الله عز وجل ، هذه كليات الدين لابد من أن نقف عندها .علة وجودنا أن نعرف الله وأن نعمل عملاً صالحاً :
الدكتور محمد راتب :
يوجد جانب ثالث لابد منه ، الجانب الجمالي ، بعدما عرفته ، واستقمت على أمره، وأقبلت عليه ، أنت الآن في حالة من الصلة به ، دقق ، أنت كائن ضعيف ، حادث ، طارئ، ممتلئ خوفاً ، ممتلئ حرصاً ، التقيت بالعظيم ، اشتققت منه العظمة ، والفهم ، والكرم ، والأخلاق العالية ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، فأنت بين أن تعرفه ، وأن تعرف أمره ، وأن تطبق أمره ، وأن تقبل عليه ، وأن تتصل به، هذا جانب .
أما المصائب ، الآن دخلنا بالموضوع ، الأول مقدمة ، أما المصائب فسميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف ، إنسان أُعطي تعليمات الصانع ، خالفها فلابد من شدة ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، ما نزل بلاء في الأرض في القارات الخمس إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، والبطولة أن تفهم حكمة المصيبة ، الله عز وجل قال :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
أنت علة وجودك أن الله منحك حرية الوجود ، الله عز وجل غني عن تعذيب عباده لذلك ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، فالبطولة لا أن نقبل بالمصيبة ، بل أن نفهم سرّ نزولها بنا ، هذه نقطة مهمة جداً .﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
يا محمد ، لأمتك .﴿ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي منهجك مطبق في حياتهم ، تعليمات الصانع ، افعل ولا تفعل ، كسب المال، إنفاق المال ، العلاقات ، يوجد مئة ألف بند ، لابد من أن نأخذ توجيهات خالق الأكوان ، فنحن إذا طبقنا منهج الله أصبحنا بعيدين عن المعالجة الإلهية .﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
علة وجودنا أن نعرف الله ، وأن نعمل عملاً صالحاً هو ثمن دخول الجنة ، فإن عرفنا الحقيقتين ما من داع للعذاب .﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
لكن هذا الإسلام الفردي ، كل واحد على حدة ، يوجد مليارا مسلم ، إذا شاب واحد بالمليارين طبق منهج الله بثلاث دوائر ؛ نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، الله عز وجل حقق السلامة الدقيقة في الحياة ، أما كأمة قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
كأمة .﴿ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، مستحيل ، مستحيل ، الحق لا يتعدد ، الحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي ، راحت مع العمر ، البطولة الحرب بين حقين مستحيلة ، الحق لا يتعدد ، بين نقطتين يمر مستقيم واحد ، لا يمكن أن يمر مستقيم آخر ، واحد ، أما بين حق وباطل فالله مع الحق ، الباطل ينتهي ، أما بين باطلين فراحت مع الحياة ، فلابد من أخذ هذه المقاييس الدقيقة .الالتزام بتعليمات الصانع :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
متى نستحق النصر ؟ قال :﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
انتصرت له باختيار حرفتك ، لا يوجد حرفة مبنية على معصية ، انتصرت له نصرته باختيار زوجتك ، بتربية أولادك ، باختيار حرفة شريفة تنفع بها المسلمين ، عندك غير الصلوات الخمس والمشاعر الإسلامية عندك آلاف الخيارات ، اختيار حرفتك ، أصدقائك ، علاقاتك ، أوقات لهوك ، سفرك إلخ ..(( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله ، وسنّة رسولِهِ))
عليه الصلاة والسلام .من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :
الدكتور محمد راتب :
شخص قال لك : أنت جائع ؟ تقول له : لا ، أنت ماذا نفيت ؟ نفيت حدثاً ، لا سمح الله ، أنت إنسان محترم جداً ، وأخلاقك عالية ، قال لك : هل أنت سارق ؟ تقول له : لا فقط ؟! تقول له : ما كان لي أن أسرق ، هذا الثاني نفي الشأن ، النفي يوجد اثنا عشر فعلاً ، لا أفعل ، ولا أرضى ، ولا أقبل ، ولا أغطي ، ولا أدعم ، الله يقول :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
يا محمد ما دامت سنتك ، منهجك ، افعل ولا تفعل مطبقة في حياتهم ، هم في مأمن من عذاب الله .الفيروس رسالة من الله إلى أهل الأرض قاطبة :
الدكتور محمد راتب :
الكورونا موضوع ثان ، العالم استغنى عن الدين ، همش الدين ، حجم الدين ، أو أنكر الدين ، الغرب همشه بالكنيسة فقط ، والشرق ألغاه كله ، ألحد ، العالم كفر بالأديان ، كفر بوحي السماء ، غاص في وحل الأرض ، مصالح ، شهوات ، القوي هو الآمر ، الحق هو القوي ، فهناك سقوط بالقيم للحضيض .
تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، ويأتي أخي عيسى فيملأها قسطاً وعدلاً .
فالحق تاهت معالمه ، الله عز وجل بعث رسالة ، عفواً ، إذا دولة عظمى ناوأتها دولة قوية ، لكن أقل منها قوة ، تعمل عرضاً عسكرياً ، المدرعات ، الطائرات ، الصواريخ ، العرض العسكري رسالة من هذه الدولة العظمى إلى دول حولها تناوئها ، تمام ؟ الآن هذا الفيروس رسالة من الله إلى أهل الأرض قاطبة ، على اختلاف مللهم ونحلهم ، على اختلاف انتماءاتهم ، على اختلاف مراتبهم ، من الخفير إلى الأمير ، فيروس لا يرى بالعين أوقف الحياة، نيويورك شوارعها قاعاً صفصفاً ، باريس ، لندن ، روما ، شيء لا يصدق ، فيروس لا يرى بالعين أوقف الحياة ، لا مطارات ، ولا سفن ، ولا محلات ، ولا موظفون ، هذا فعل الله .
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
الناس غرقوا في وحل الأرض ، وحل الشهوات ، وحل المصالح ، القوي هو على حق ، والضعيف مهما كان حقه واضحاً كالشمس نحن في ظلم .﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، صار هو المصيبة ، أعيدها مرة ثانية : ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، أتمنى على الأخوة المشاهدين لا يقبل حالة سلبية بحياته بلا سبب ، الله غني عن تعذيبنا لأنه يوجد خطأ ، ابحث عن الخطأ ، كلما يأتي شيء لا تحبه ابحث عن الخطأ ، هناك خطأ سلوكي ، اجتماعي ، بكسب المال ، بإنفاق المال ، لابد من ذلك ، الله غني عن تعذيبنا .﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
دقق :﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
قانون .﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
معية الله عامة وخاصة :
الآن الدين حربه كانت قديماً تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة ، جهاراً نهاراً .﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
مفتاح الآية بكلمة واحدة :﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا قصر العباد بعبادتهم فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاث ، العلاقة مع الله، بيده كل شيء ، بيده أي حركة ، أي سكنة ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ، ما معنى المعية ؟ الله قال :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
هذه معية علم فقط ، مع الكافر ، مع الملحد ، مع العاصي ، مع الطاغية .﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ َ﴾
معية عامة ، لكن إذا قال الله عز وجل :﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
معهم بالنصر ، بالتأييد ، بالحفظ ، بالسلامة .الإسلام فردي و جماعي :
الدكتور محمد راتب :
أنا مضطر أن أقول ، وأنا أعني ما أقول ، وكل خلية بجسمي تؤمن بما أقول : عندنا إسلامان ، إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، أما الفردي ، الآن يوجد مليارا مسلم ، شاب واحد في غزة لو طبق الإسلام في نفسه أولاً ، وفي بيته ثانياً ، وفي عمله ثالثاً يقطف كل ثمار الدين الفردية .
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
هذا إسلام فردي هذا لا يدخل بالجماعات ، أنا أقيم الإسلام ، عندي ثلاث دوائر ، نفسي دائرة ، أؤدي الصلوات ، أغض بصري ، أضبط الشاشة ، سهرات اختلاط لا يوجد ، كسب غير مشروع لا يوجد ، أول شيء بنفسي ، ثم بيتي ، ثم عملي ، ثلاث دوائر أنا أملكها ، فإن أقمت أمر الله فيما أملك من نفس ، وبيت ، وعمل ، كفاني ما لا أملك ، هذا لا يمنع أن يكون لي دعوة للناس جميعاً ، أساهم بعمل جماعي ، هذا عمل عظيم ، لكن كمسؤولية الإنسان يحاسب عن نفسه ، وعن بيته ، وعن عمله كمسؤولية ، أما كعمل صالح فقد تقول كلاماً يسمعه من في الأرض ، يسمعه المؤمنون جميعاً في الأرض ، فالعمل الصالح ليس له سقف .﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
العمل الصالح علة وجودنا الوحيدة في الدنيا :
أريد أن أقول كلمة دقيقة جداً : علة وجودنا في الدنيا الوحيدة العمل الصالح ، الدليل :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، حجم الإنسان ، والدليل :﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
فالبطولة ألا نعيش كمعظم أهل الأرض ، نأكل ونشرب ، ونذهب إلى العمل ، ونتسلى مع الموظفين ، نعود إلى البيت ، نتابع فيلماً ، ننام ، ثاني يوم ، إلى أن يأتي الموت ، مفاجأة كبيرة ، من بيت ، زوجة ، أولاد ، كنائن ، أصهار ، سهرات ، لقاءات ، ولائم ، إلى قبر.(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))
والله الذي لا إله إلا هو إذا ما دخل الموت بحياتك كل يوم ، وأنت ضبطت دخلك ، وإنفاقك ، وعلاقاتك ، وسهراتك ، وكسب مالك ، أحياناً يوجد مواد محرمة ، أحياناً مواد مسرطنة تبيع كثيراً منها ، بالتعامل يوجد مليون معصية ، بالتعامل ، إذا وضعت مادة بنزوات الصوديوم بالمعلبات ، مسموح ثلاثة بالألف ، وضعت ثلاثة بالمئة ، أصيب المستهلكون بالسرطان ، وأنت لم يكشفك أحد ، بدل ثلاثة بالألف ثلاثة بالمئة ، يوجد مليار معصية ، تستقيم تصبح بحالة أمن تفوق حدّ الخيال .حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور محمد راتب :
الإسلام يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، بكسبك ، بإنفاقك ، باختيار زوجتك ، بتزويج بناتك ، بمشاركتك مع إنسان ، قد يكون مرابياً ، لا يؤمن أن الربا كبيرة من الكبائر ، فهناك اختيارات كبيرة جداً ، قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
فأنت تحتاج إلى حاضنة إيمانية ، إلى سهرة مع مؤمنين ، رحلة مع مؤمنين ، شراكة مع مؤمنين ، يوجد تعاون ، وتناغم ، وتوافق ، تحس بسعادة كبيرة جداً ، وكلما الدوائر هذه أحكمناها تتوسع ، إلى أن تصل إلى أهل البلد كلهم ، هذا إيماني ، والله أنا متفائل جداً .أهل غزة أحرار :
الدكتور محمد راتب :
والله والله والله لا أمدحكم ، أتكلم عن حقيقة ، كنت مرة بالخليج ، وقال أحدهم له مكانة كبيرة ، قال : نحن المحاصرون بشهواتنا ، ومصالحنا ، أما أهل غزة فأحرار ، كانوا أحراراً.
أنتم قدمتم مثلاً أعلى ، الحقيقة شيء لا يصدق ، كأن بعض وعود الله عز وجل تحققت في خصومتكم مع الطرف الآخر ، هذه نعمة كبيرة جداً ، أنا متفائل .
المذيع :
نسأل الله سبحانه وتعالى فرجاً قريباً ، وبعد هذا التفاؤل ، نريد أن نسمع منك ما يسر القلوب ، دكتور ؛ كيف نتعرف إلى الله سبحانه وتعالى في هذه المحنة باسمه القريب كيف نعيش حلاوة التضرع والدعاء والقرب من الله سبحانه وتعالى ؟
التفكر بآيات الله الدالة على عظمته :
الدكتور محمد راتب :
هذا السؤال ليس سهلاً ، الله عز وجل لا يرى بالعين ، لكن الآيات كلها دالة على عظمته ، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه مواد التفكر، عندما تعرف أن الله عز وجل خلق العين التي هي أكبر آلة تصوير على الإطلاق ، بالميليمتر يوجد عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، بعينك يوجد بالميلي مليون مستقبل ضوئي ، عندك جسم فيه آيات لا تملك إلا أن تخر ساجداً لله ، جسمك فقط ، طعامك ، أولادك ، زوجتك ، عملك ، الليل ، النهار ، الله عز وجل ألف وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه مهمتها أن نفكر بها ، يجب أن تعرف الله .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
معقول هذا الطفل الآن ولد وضع شفتيه على حلمة ثدي أمه ، أحكم الإغلاق سحب الهواء ، جاءه الحليب ، هذه آلية معقدة جداً ، اسمها منعكس المص ، لولا منعكس المص الذي يخلق مع الولد لما وجدت هذه الجلسة ، ولا وجد الأردن ، ولا أي مكان بالعالم ، هناك أدلة شيء لا يصدق ، خلق الإنسان وحده آية ، خلق الكون آية ، الطعام ، الماء ، الماء .﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
هناك آيات كونية ، لكن كلمة واحدة ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، بينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر ، الله قال :﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
يوجد برج اسمه قلب العقرب ، الأرض تدور حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، أنا رأيته بأمريكا بمنظار فلكي ، هذا البرج لو وصلنا بين نجومه كالعقرب تماماً ، هناك نجم صغير ، متألق ، أحمر اسمه قلب العقرب ، الآن اسمع ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟بطولة الإنسان أن ينجح بالابتلاء :
الدكتور محمد راتب :(( أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
فالبطولة أن ننجح في الابتلاء ، ليس ألا نبتلى .﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
المعاصي كلها ، الشذوذ كله ، الانحراف كله ، الظلم كله بالطرف الآخر ، لكن نحن نوع ثان ، نحن حمية قاسية جداً ، من محبته لنا ، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه ، أنا أفضل مليون مرة أن يعالجني الله وهناك أمل بالشفاء على أن يعطيني سؤلي ويأتي ملك الموت يقول لي : تفضل ، الموت قليل ؟ بين شخص يكون قبره جنة من الجنان ، وبين آخر يكون قبره حفرة من حفر النيران ، يجب أن نعيش المستقبل سيدي ، المستقبل لابد من أن ندخله بحسابنا .نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة :
الدكتور محمد راتب :
رسالة في آية واحدة لخصت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، كم نبي ؟ وكم رسول ؟ آية واحدة لخصت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
نهاية العلم التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، لا يوجد أقوياء ، لكن يوجد الله ، لا يوجد طغاة ، لكن الله موجود ، لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده ، قال لك :﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة .﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
لذلك آخر شيء أقوله بهذا اللقاء الطيب : لا يخافن العبد إلا ذنبه ، هناك أقوياء ، وطغاة ، وأمراض وبيلة ، وورم خبيث ، لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه .