وضع داكن
24-04-2024
Logo
قناة فلسطين اليوم - مختلفة : اللجوء إلى الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
المذيع :
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
 أهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج : "في ليالي الإسلام" ، قال الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة يونس: 107]

 وقال جل وعلا :

﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 43]

 قال الله سبحانه وتعالى :

﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الذاريات: 50]

 اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، والطريق الموصل إلى النجاة ، حينما تنزل الشدائد، وتتوالى الحروب ، وتطل المحن ، الرجوع إليه لا تشوبه شائبة ، ولا يعتليه شك في قدرته جلّ وعلا على كشف البلاء ، ورد الأعداء ، ففي هذه الأيام العصيبة التي يجتمع فيها الوباء وتطلع الأعداء نحتاج إلى فرار إلى الله سبحانه وتعالى ، ولجوء إليه ، وتعرف عليه حتى تنجلي الغمة ، ويرفع البلاء .
 في هذه الحلقة مشاهدينا الكرام نريد أن نتعرف كيف يكون اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وكيف نتعرف على الله تعالى بالشدائد كما عرفناه في الرخاء ؟ وما نية اليقين بالله والتوكل عليه في كل الظروف ؟ وما حكمة الله تعالى في المصائب والشدائد ؟ هذه الأسئلة وغيرها يسعدنا أن نطرحها على فضيلة الأستاذ الدكتور فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي الكبير ، وفي هذه الحلقة الجديدة من أزمة كورونا واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ ، حياكم الله .
 فضيلة الدكتور ؛ نريد أن نتعرف موضوع اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى موضوع كبير وليس قليلاً ، من أين نبدأ فيه ؟ وكيف نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ؟

الإنسان هو المخلوق الأول عند الله :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة الدقيقة لابد من مقدمة تلقي ضوءاً على محور هذا اللقاء الطيب ، من أنت أيها الإنسان ؟ أنت المخلوق الأول عند الله ، لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة ، فلما قبلت حمل الأمانة كنت عند الله المخلوق الأول ، خلقت لجنة عرضها السماوات والأرض ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

 ولكن جاء بك إلى الدنيا لدفع ثمن مفتاح الجنة ، وهو العمل الصالح ، جاء بك إلى الدنيا لتعيش سنوات محدودة تتعرف من خلالها إلى الله ، وإلى عظمته ، وإلى ربوبيته ، وإلى ألوهيته ، وإلى كونه العظيم الدال على عظمته ، أن تتعرف إلى منهجه القويم ، والصراط المستقيم ، أن تعرف ما ينبغي وما لا ينبغي ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، هذا المنهج التفصيلي الذي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .
 فلذلك : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
 أنت كائن لك حجم ، ووزن ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، فيزيائياً ، أما هذا الجماد الطاولة فله طول ، وعرض ، وارتفاع ، وحجم ، ووزن ، أما النبات فيزيد على خصائصها الأربعة بالنمو وأما الحيوان فيزيد على خصائص النبات والجماد بالحركة ، أما الإنسان فله صفات الجماد ؛ وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، وله من النبات النمو ، وله من بقية المخلوقات الحركة ، لكن الله كرمه بأن أعطاه ميزة ينفرد بها ، أعطاه عقلاً ، أعطاه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم .
 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيه بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

العلم طلب وجودي و ليس طلباً تحسينياً :

 أنت كائن ، وأهم شيء بكيانك العلم ، والعلم ليس طلباً تحسينياً ، هو طلب وجودي، من دون علم هبط الإنسان عن وجوده إلى مستوى لا يرضي أحداً .

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 وصف الله غير المؤمنين :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 مع أن قلبه ينبض ثمانين ، نبضه مثالي ، وضغطه 8 ـ 12 عد الله ميت ، ما عرف الله فهو ميت ، ما عرف سر وجوده فهو ميت ، ما عرف الآخرة فهو ميت ، ما عرف أنبياءه ورسله فهو ميت ، ما عرف الحلال والحرام فهو ميت ، فلابد من طلب العلم .
 لذلك الإنسان عنده عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فلذلك الإنسان إذا جاء إلى الدنيا أكبر مشكلة الآن أتصورها اسمها : الغرق في الجزئيات ، آلاف الأشخاص ، مئات الألوف ، الملايين ، همه طعامه ، شرابه ، بيته ، نفقاته ، وأولاده ، ينسى أنه في لحظة يغادر بيته إلى قبر ، هناك حياة أبدية تنتظره ، قلّمَا يفكر الإنسان إلى ما بعد الموت ، يعيش لحظته .
 كنت مرة بأمريكا ، عدت إلى بلدي ، سُئلت : ماذا رأيت هناك ؟ رأيت شيئين فقط ، أول شيء ؛ هؤلاء يعيشون لحظتهم فقط ، والشيء الثاني : همهم الرفاه ، والعالم كله الآن يمشي في هذا الطريق ، همه الرفاه ، يعيش لحظته ، لكن هناك كبر بالسن ، مغادرة الدنيا ، قبر ، دار آخرة ، جنة ، نار ، مبادئ ، قيم ، إله عظيم ، قرآن كريم ، سنة مطهرة ، حياة راقية جداً ، الارتقاء إلى الله ، الاتصال به ، هذه البطولات العالم الآن بعيد عنها بعد الأرض عن السماء .
 فلذلك لابد من أن تقتطع أيها الأخ الكريم ، والمشاهد الكريم ، من وقتك وقتاً لمعرفة كليات الحياة ، نحن غارقون في الجزيئات ، أنت مخلوق أول ، مخلوق للجنة ، الجنة لها ثمن ، الجنة :

(( فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطَر على قلبِ بَشَر ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 الجنة فيها حياة أبدية لا تنتهي ، وفي الجنة درجات ، وألوان من السعادة لا توصف، فلذلك لابد من أن نقتطع من وقتنا وقتاً لمعرفة الله من خلال آياته الكونية خلقه ، والتكوينية أفعاله ، والقرآنية كلامه ، أن نعرف منهجه ، أن نحاسب أنفسنا ، في حياتك حلال وحرام ، يجوز ولا يجوز ، جائز وممنوع ، شيء يغضب الله ، وشيء يرضي الله ، لابد من طلب العلم .
 فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
المذيع :
 إذاً المقدمة الأولى فضيلة الدكتور هي العلم ، وهذا مصداق قول الله سبحانه وتعالى :

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[ سورة فاطر: 28]

 الشيء الذي يقربنا إلى الله ، وهو الخطوة العملية الأولى في طريق الخطوة إلى الله لكن دكتور ثمّ خطوات عملية أخرى ، والمشاهد يتشوق أن يسمع منك كلاماً رقراقاً يهز القلوب قبل العقول ، خطوات عملية للرجوع إلى الله في ظل هذه المحن والشدائد فضيلة الدكتور ؟

طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة :

الدكتور محمد راتب :
 هذا العلم إن لم ينقلب سلوكاً ، موقفاً ، عطاءً ، منعاً ، غضباً ، إحساناً ، معاقبةً لمن يتطاول على هذا الدين ، ما لم ينقلب هذا العلم إلى سلوك ، إلى شخصية متميزة بعلمها ، وأخلاقها ، ولطفها ، وذكائها ، وإدراكها لسر وجودها ، وغاية وجودها ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
 فلذلك الله عز وجل تفضل علينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، تفضل علينا بقرآن كريم ، وحي السماء ، وفضل كلام الله على كلامه خلقه كفضل الله على خلقه ، وتفضل علينا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام ، تفصيل دقيق جداً عملي للقرآن الكريم ، معنا كون يدل على الله عز وجل ، كل ما في الكون يشير إلى عظمة الله ، معنا كتاب سماوي عظيم ، تولى الله حفظه ، ومعنا سنة نبي كريم ، فلابد من أن نقتطع من وقتنا وقتاً لمعرفة الله من خلال كتابه ، ومعرفة رسوله من خلال سنته ، وأن نتحرك في حياتنا اليومية حركة طويلة عريضة ، عندك كسب مالك ، إنفاق مالك ، اختيار حرفتك ، تربية أولادك ، تزويج بناتك ، علاقاتك مع الكبير ، مع الصغير ، مع القوي ، مع الضعيف ، هناك آلاف المفردات ، أنت بحاجة إلى فهمها فهماً دقيقاً ، وإلا ليس هناك سعادة ، يوجد ضياع ، وتشتت ، الله عز وجل تفضل علينا وصف هؤلاء الذين شردوا عن الله ، قال : عجيب الوصف :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 قال :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان: 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون:4]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

 كلها أوصاف قرآنية للذي شرد عن الله عز وجل ، فأنت علاقتك مع الدين ليست علاقة تحسينية ، علاقة وجودية ، لا تؤكد ذاتك كإنسان كمخلوق أول إلا إذا عرفت الله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

اتباع منهج الله والوصول إليه عن طريق التفكر :

 ولكن يوجد نقطة مهمة جداً ، الله عز وجل له منهج ، هناك ذات إلهية تصل إليها عن طريق التفكر .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة البقرة: 191]

 فالعقيدة الجانب الإيديولوجي ، المنطلقات النظرية هذه تحتاج إلى تفرغ ، لابد من طلب العلم ، وأن تعرف من أنت ، أنت المخلوق الأول ، المخلوق المكلف ، المخلوق المسؤول المحاسب ، المدعوم من الله عز وجل ، هذه كليات الدين لابد من أن نقف عندها .
 ولكن هذا الدين من باب إعطاء قواعد عامة فيه جانب عقدي ، إيديولوجي فكري ، هذا لابد من طلب العلم ، وجانب حركي أنت بحاجة إلى الطعام والشراب ، بحاجة إلى الزواج ، بحاجة إلى التفوق ، ثلاث حاجات ، حاجة إلى البقاء كفرد عن طريق الطعام والشراب ، حاجة إلى البقاء النوع عن طريق الزواج ، حاجة إلى بقاء الذكر عن طريق التفوق ، فأنت لابد من أن تؤكد ذاتك بمعرفة ربك ، ومعرفة منهجه ، هذا جانب عقدي ، لا يمكن أن يتحرك إنسان بلا فهم، تحرك أعمى لا قيمة له ، خبطة عشواء ، أما إن عرف من هو ، سر وجوده ، غاية وجوده، حقيقة الدنيا ، ماذا بعد الموت ، ماذا قبل الآخرة ، البرزخ ، كيف سيحاسب ، أين منهج الله أي افعل ولا تفعل ، أي يجوز أو لا يجوز ، هذا القرآن كلام خالق الأكوان ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، كفضل الله على خلقه هذه مرحلة لا بد منها .
 المرحلة النظرية الإيديولوجية ، التصورية ، الفكر ، العقيدة الحركية لابد من أن تتحرك وفق منهج الله ، يوجد حلال ، وحرام ، وواجب ، وسنة مؤكدة ، وغير مؤكدة ، وشيء يجوز ، وشيء لا يجوز ، أنت تتحرك ، أنت أعقد آلة بالكون ، ولهذه الآلة صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، وأنت انطلاقاً من حبك لله عز وجل ، وخوفك منه ، أي يجب أن تحبه بقدر ما تخافه ، لابد من أن تبحث عن منهجه ، ما الذي يرضيه ، ما الذي يغضبه ، ما الذي تكسب به رضوانه ومحبته ، ما الذي تقع في غضبه وإبعاده عن الحقيقة ، هذا جانب نظري يحتاج إلى طلب علم ، لابد من طلب العلم ، الجانب الحركي الاستقامة ، الحركي جانب سلبي ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما غششت ، كلها ما ، وجانب إيجابي أنفقت من مالي ، من علمي ، من جاهي ، من خبرتي ، من معلوماتي ، فهناك جانب إيديولوجي ، تصوري ، وجانب حركي ، سلبي استقامة ، إيجابي عمل صالح .
المذيع :
 جميل ! هذا دكتور تقرب كلي من فهم الإسلام ، من دليله النظري ، ودليله العملي فعلاً يقرب المرء من الله سبحانه وتعالى ، ويقبل عليه أكثر فأكثر ، لكن في وقت المحن دكتور، وقت الشدة ، هناك محنة كيف نتعامل ونعود إلى الله ؟ وهذا الذي سمعناه من الكلام الجميل في هذا الواقع الذي نحيا .

علة وجودنا أن نعرف الله وأن نعمل عملاً صالحاً :

الدكتور محمد راتب :
 يوجد جانب ثالث لابد منه ، الجانب الجمالي ، بعدما عرفته ، واستقمت على أمره، وأقبلت عليه ، أنت الآن في حالة من الصلة به ، دقق ، أنت كائن ضعيف ، حادث ، طارئ، ممتلئ خوفاً ، ممتلئ حرصاً ، التقيت بالعظيم ، اشتققت منه العظمة ، والفهم ، والكرم ، والأخلاق العالية ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، فأنت بين أن تعرفه ، وأن تعرف أمره ، وأن تطبق أمره ، وأن تقبل عليه ، وأن تتصل به، هذا جانب .
 أما المصائب ، الآن دخلنا بالموضوع ، الأول مقدمة ، أما المصائب فسميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف ، إنسان أُعطي تعليمات الصانع ، خالفها فلابد من شدة ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، ما نزل بلاء في الأرض في القارات الخمس إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، والبطولة أن تفهم حكمة المصيبة ، الله عز وجل قال :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 أنت علة وجودك أن الله منحك حرية الوجود ، الله عز وجل غني عن تعذيب عباده لذلك ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، فالبطولة لا أن نقبل بالمصيبة ، بل أن نفهم سرّ نزولها بنا ، هذه نقطة مهمة جداً .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال :33]

 يا محمد ، لأمتك .

﴿ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال :33]

 أي منهجك مطبق في حياتهم ، تعليمات الصانع ، افعل ولا تفعل ، كسب المال، إنفاق المال ، العلاقات ، يوجد مئة ألف بند ، لابد من أن نأخذ توجيهات خالق الأكوان ، فنحن إذا طبقنا منهج الله أصبحنا بعيدين عن المعالجة الإلهية .

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 علة وجودنا أن نعرف الله ، وأن نعمل عملاً صالحاً هو ثمن دخول الجنة ، فإن عرفنا الحقيقتين ما من داع للعذاب .

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 لكن هذا الإسلام الفردي ، كل واحد على حدة ، يوجد مليارا مسلم ، إذا شاب واحد بالمليارين طبق منهج الله بثلاث دوائر ؛ نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، الله عز وجل حقق السلامة الدقيقة في الحياة ، أما كأمة قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 كأمة .

﴿ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 أي يا محمد ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، مستحيل ، مستحيل ، الحق لا يتعدد ، الحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي ، راحت مع العمر ، البطولة الحرب بين حقين مستحيلة ، الحق لا يتعدد ، بين نقطتين يمر مستقيم واحد ، لا يمكن أن يمر مستقيم آخر ، واحد ، أما بين حق وباطل فالله مع الحق ، الباطل ينتهي ، أما بين باطلين فراحت مع الحياة ، فلابد من أخذ هذه المقاييس الدقيقة .

الالتزام بتعليمات الصانع :

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 160]

 متى نستحق النصر ؟ قال :

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾

[ سورة محمد: 7]

 انتصرت له باختيار حرفتك ، لا يوجد حرفة مبنية على معصية ، انتصرت له نصرته باختيار زوجتك ، بتربية أولادك ، باختيار حرفة شريفة تنفع بها المسلمين ، عندك غير الصلوات الخمس والمشاعر الإسلامية عندك آلاف الخيارات ، اختيار حرفتك ، أصدقائك ، علاقاتك ، أوقات لهوك ، سفرك إلخ ..
هذا المؤمن الإنسان أعقد آلة بالكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، وله صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فأنت انطلاقاً من محبتك لذاتك ، من حرصك اللامحدود على سلامتك ، وعلى سعادتك ، وعلى استمرارك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، حباً لذاتك فقط ، والتعليمات بين يديك في الكتاب والسنة :

(( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله ، وسنّة رسولِهِ))

[مالك عن بلاغ مالك]

 عليه الصلاة والسلام .
المذيع :
 دكتور ، الالتزام بتعليمات الصانع والالتزام بالكتاب والسنة هو دليل النجاح ؟
الدكتور محمد راتب :
 هذا قانون .
المذيع :
 وهو قانون ، ومقاييسه ...

من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :

الدكتور محمد راتب :
 شخص قال لك : أنت جائع ؟ تقول له : لا ، أنت ماذا نفيت ؟ نفيت حدثاً ، لا سمح الله ، أنت إنسان محترم جداً ، وأخلاقك عالية ، قال لك : هل أنت سارق ؟ تقول له : لا فقط ؟! تقول له : ما كان لي أن أسرق ، هذا الثاني نفي الشأن ، النفي يوجد اثنا عشر فعلاً ، لا أفعل ، ولا أرضى ، ولا أقبل ، ولا أغطي ، ولا أدعم ، الله يقول :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 يا محمد ما دامت سنتك ، منهجك ، افعل ولا تفعل مطبقة في حياتهم ، هم في مأمن من عذاب الله .
المذيع :
 ونجدد الترحاب بفضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي الكبير والحبيب إلى قلوبنا ، وقلوب أهل غزة ، أهلاً بكم مجدداً فضيلة الدكتور .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 حياكم الله دكتور ؛ نريد أن نتعرف على الله سبحانه وتعالى في هذه المحنة بأسمائه وصفاته ، ونقف مع اسم الحكيم ، تحدثت طرفاً قبل قليل عن الحكمة من المصائب لكن كيف نعيش اسم الحكيم جلّ جلاله في هذه المصيبة التي نزلت بديار المسلمين وحلت بنا وهي أزمة انتشار وباء كورونا ؟ كيف نتعرف إلى الله سبحانه وتعالى ؟

الفيروس رسالة من الله إلى أهل الأرض قاطبة :

الدكتور محمد راتب :
 الكورونا موضوع ثان ، العالم استغنى عن الدين ، همش الدين ، حجم الدين ، أو أنكر الدين ، الغرب همشه بالكنيسة فقط ، والشرق ألغاه كله ، ألحد ، العالم كفر بالأديان ، كفر بوحي السماء ، غاص في وحل الأرض ، مصالح ، شهوات ، القوي هو الآمر ، الحق هو القوي ، فهناك سقوط بالقيم للحضيض .
تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، ويأتي أخي عيسى فيملأها قسطاً وعدلاً .
 فالحق تاهت معالمه ، الله عز وجل بعث رسالة ، عفواً ، إذا دولة عظمى ناوأتها دولة قوية ، لكن أقل منها قوة ، تعمل عرضاً عسكرياً ، المدرعات ، الطائرات ، الصواريخ ، العرض العسكري رسالة من هذه الدولة العظمى إلى دول حولها تناوئها ، تمام ؟ الآن هذا الفيروس رسالة من الله إلى أهل الأرض قاطبة ، على اختلاف مللهم ونحلهم ، على اختلاف انتماءاتهم ، على اختلاف مراتبهم ، من الخفير إلى الأمير ، فيروس لا يرى بالعين أوقف الحياة، نيويورك شوارعها قاعاً صفصفاً ، باريس ، لندن ، روما ، شيء لا يصدق ، فيروس لا يرى بالعين أوقف الحياة ، لا مطارات ، ولا سفن ، ولا محلات ، ولا موظفون ، هذا فعل الله .

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14]

 الناس غرقوا في وحل الأرض ، وحل الشهوات ، وحل المصالح ، القوي هو على حق ، والضعيف مهما كان حقه واضحاً كالشمس نحن في ظلم .
 تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، أي العالم كله مع الباطل ، مع المعتدي ، مع المحتل ، شيء لا يحتمل ، الله عز وجل بعث رسالة ، كائن لا يرى بالعين أوقف الحياة كلها ، لا جامعات ، ولا معامل ، ولا دوام ، ولا وزارات ، لم يبق شيء ، الخسائر بألوف المليارات ، الطيران ، والنقل ، والمعامل شيء لا يصدق ، أنا ما رأيت رسالة بحياتي منتشرة ، واسعة ، تنال كل إنسان ، كأن الله يقول : إنكم عبدتم بعضكم بضعاً .

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14]

 ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، صار هو المصيبة ، أعيدها مرة ثانية : ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، أتمنى على الأخوة المشاهدين لا يقبل حالة سلبية بحياته بلا سبب ، الله غني عن تعذيبنا لأنه يوجد خطأ ، ابحث عن الخطأ ، كلما يأتي شيء لا تحبه ابحث عن الخطأ ، هناك خطأ سلوكي ، اجتماعي ، بكسب المال ، بإنفاق المال ، لابد من ذلك ، الله غني عن تعذيبنا .

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 دقق :

﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 قانون .

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

معية الله عامة وخاصة :

 الآن الدين حربه كانت قديماً تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة ، جهاراً نهاراً .

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55]

 مفتاح الآية بكلمة واحدة :

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55]

 فإذا قصر العباد بعبادتهم فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاث ، العلاقة مع الله، بيده كل شيء ، بيده أي حركة ، أي سكنة ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ، ما معنى المعية ؟ الله قال :

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد: 4]

 هذه معية علم فقط ، مع الكافر ، مع الملحد ، مع العاصي ، مع الطاغية .

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ َ﴾

[ سورة الحديد: 4]

 معية عامة ، لكن إذا قال الله عز وجل :

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾

[ سورة الأنفال: 19]

 معهم بالنصر ، بالتأييد ، بالحفظ ، بالسلامة .
 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المذيع :
 إذاً هذه رسالة الوباء الذي أردت أن تقف عندها فضيلة الدكتور للناس ، وما يجب أن يتعلموه ، وأن يقفوا عنده ، وأن يتعلموا ما أحدثت المصيبة في أنفسهم ، لكن دكتور .
الدكتور محمد راتب :
 إن لم تحدث المصيبة موعظة فهم المصيبة .
المذيع :
 كيف هذا الذي أردت أن أسأل عنه بالتفصيل فضيلة الدكتور ، كيف نتعرف على الله سبحانه وتعالى في المصائب كما تعرفنا عليه بالشدائد ؟ الله أنعم علينا بالنعم الكثيرة جداً في حياتنا ، فإذا ابتلينا في بعض الأيام بصحتنا ، أو بمجتمعنا ، انقطعت السبل ، وتوقفت الأعمال، هل يجوز للإنسان أن يجزع وأن يضجر ؟

الإسلام فردي و جماعي :

الدكتور محمد راتب :
 أنا مضطر أن أقول ، وأنا أعني ما أقول ، وكل خلية بجسمي تؤمن بما أقول : عندنا إسلامان ، إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، أما الفردي ، الآن يوجد مليارا مسلم ، شاب واحد في غزة لو طبق الإسلام في نفسه أولاً ، وفي بيته ثانياً ، وفي عمله ثالثاً يقطف كل ثمار الدين الفردية .

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 هذا إسلام فردي هذا لا يدخل بالجماعات ، أنا أقيم الإسلام ، عندي ثلاث دوائر ، نفسي دائرة ، أؤدي الصلوات ، أغض بصري ، أضبط الشاشة ، سهرات اختلاط لا يوجد ، كسب غير مشروع لا يوجد ، أول شيء بنفسي ، ثم بيتي ، ثم عملي ، ثلاث دوائر أنا أملكها ، فإن أقمت أمر الله فيما أملك من نفس ، وبيت ، وعمل ، كفاني ما لا أملك ، هذا لا يمنع أن يكون لي دعوة للناس جميعاً ، أساهم بعمل جماعي ، هذا عمل عظيم ، لكن كمسؤولية الإنسان يحاسب عن نفسه ، وعن بيته ، وعن عمله كمسؤولية ، أما كعمل صالح فقد تقول كلاماً يسمعه من في الأرض ، يسمعه المؤمنون جميعاً في الأرض ، فالعمل الصالح ليس له سقف .

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

العمل الصالح علة وجودنا الوحيدة في الدنيا :

 أريد أن أقول كلمة دقيقة جداً : علة وجودنا في الدنيا الوحيدة العمل الصالح ، الدليل :

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنون: 99 ـ 100]

 سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، حجم الإنسان ، والدليل :

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 فالبطولة ألا نعيش كمعظم أهل الأرض ، نأكل ونشرب ، ونذهب إلى العمل ، ونتسلى مع الموظفين ، نعود إلى البيت ، نتابع فيلماً ، ننام ، ثاني يوم ، إلى أن يأتي الموت ، مفاجأة كبيرة ، من بيت ، زوجة ، أولاد ، كنائن ، أصهار ، سهرات ، لقاءات ، ولائم ، إلى قبر.

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 والله الذي لا إله إلا هو إذا ما دخل الموت بحياتك كل يوم ، وأنت ضبطت دخلك ، وإنفاقك ، وعلاقاتك ، وسهراتك ، وكسب مالك ، أحياناً يوجد مواد محرمة ، أحياناً مواد مسرطنة تبيع كثيراً منها ، بالتعامل يوجد مليون معصية ، بالتعامل ، إذا وضعت مادة بنزوات الصوديوم بالمعلبات ، مسموح ثلاثة بالألف ، وضعت ثلاثة بالمئة ، أصيب المستهلكون بالسرطان ، وأنت لم يكشفك أحد ، بدل ثلاثة بالألف ثلاثة بالمئة ، يوجد مليار معصية ، تستقيم تصبح بحالة أمن تفوق حدّ الخيال .
المذيع :
 دكتور ؛ أنا أشعر بكلامك حقيقة ، بصراحة غريبة تلامس كلماتك القلب بدون مجاملة ، نحن أمام مشكلة ، ونحتاج رجوعاً إلى الله سبحانه وتعالى ليس فقط على صعيد الشعائر العبادية ، بل على صعيد الحياة .
الدكتور محمد راتب :
 التعامل اليومي .
المذيع :
 والتعامل اليومي ، والتجارة ، والأموال ، فعلاً نحن نعاني من مشكلة معاملات بين المسلمين ، وما نزل بالمسلمين ، أنت تحدثت قبل قليل ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرتفع إلا بتوبة ، حقيقة هذا كلام صريح ، وموجه للقلوب ، ونحتاج أن نقف عنده كثيراً .

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور محمد راتب :
 الإسلام يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، بكسبك ، بإنفاقك ، باختيار زوجتك ، بتزويج بناتك ، بمشاركتك مع إنسان ، قد يكون مرابياً ، لا يؤمن أن الربا كبيرة من الكبائر ، فهناك اختيارات كبيرة جداً ، قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 فأنت تحتاج إلى حاضنة إيمانية ، إلى سهرة مع مؤمنين ، رحلة مع مؤمنين ، شراكة مع مؤمنين ، يوجد تعاون ، وتناغم ، وتوافق ، تحس بسعادة كبيرة جداً ، وكلما الدوائر هذه أحكمناها تتوسع ، إلى أن تصل إلى أهل البلد كلهم ، هذا إيماني ، والله أنا متفائل جداً .
المذيع :
 أكرمك الله ، دائماً نحتاج إلى جرعات التفاؤل هذه التي نسمعها منك ، ونحن حقيقة وأنا أعلنها على الهواء قرارنا في هذا الوقت العصيب أن يكون ضيفنا في هذا الأسبوع الذي تشتد فيه المحنة على أهل غزة هو فضيلة الدكتور محمد النابلسي لنسمع هذا الكلام .

أهل غزة أحرار :

الدكتور محمد راتب :
 والله والله والله لا أمدحكم ، أتكلم عن حقيقة ، كنت مرة بالخليج ، وقال أحدهم له مكانة كبيرة ، قال : نحن المحاصرون بشهواتنا ، ومصالحنا ، أما أهل غزة فأحرار ، كانوا أحراراً.
 أنتم قدمتم مثلاً أعلى ، الحقيقة شيء لا يصدق ، كأن بعض وعود الله عز وجل تحققت في خصومتكم مع الطرف الآخر ، هذه نعمة كبيرة جداً ، أنا متفائل .
المذيع :
 نسأل الله سبحانه وتعالى فرجاً قريباً ، وبعد هذا التفاؤل ، نريد أن نسمع منك ما يسر القلوب ، دكتور ؛ كيف نتعرف إلى الله سبحانه وتعالى في هذه المحنة باسمه القريب كيف نعيش حلاوة التضرع والدعاء والقرب من الله سبحانه وتعالى ؟

التفكر بآيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور محمد راتب :
 هذا السؤال ليس سهلاً ، الله عز وجل لا يرى بالعين ، لكن الآيات كلها دالة على عظمته ، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه مواد التفكر، عندما تعرف أن الله عز وجل خلق العين التي هي أكبر آلة تصوير على الإطلاق ، بالميليمتر يوجد عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، بعينك يوجد بالميلي مليون مستقبل ضوئي ، عندك جسم فيه آيات لا تملك إلا أن تخر ساجداً لله ، جسمك فقط ، طعامك ، أولادك ، زوجتك ، عملك ، الليل ، النهار ، الله عز وجل ألف وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه مهمتها أن نفكر بها ، يجب أن تعرف الله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 معقول هذا الطفل الآن ولد وضع شفتيه على حلمة ثدي أمه ، أحكم الإغلاق سحب الهواء ، جاءه الحليب ، هذه آلية معقدة جداً ، اسمها منعكس المص ، لولا منعكس المص الذي يخلق مع الولد لما وجدت هذه الجلسة ، ولا وجد الأردن ، ولا أي مكان بالعالم ، هناك أدلة شيء لا يصدق ، خلق الإنسان وحده آية ، خلق الكون آية ، الطعام ، الماء ، الماء .
 الحقيقة كل شيء فيه ماء ، وهذا الماء له خاصية لولاها لما وجد هذا اللقاء ، هذا الماء بدرجة زائد أربع بدل أن ينكمش يزداد حجمه ، لولا الظاهرة هذه تمدد الماء بدرجة زائد أربع لما كان هناك حياة بالأرض أبداً ، انظر إلى عظمة الله .

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 6 ]

 هناك آيات كونية ، لكن كلمة واحدة ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، بينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر ، الله قال :

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾

[ سورة البروج: 1 ]

 يوجد برج اسمه قلب العقرب ، الأرض تدور حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب ، أنا رأيته بأمريكا بمنظار فلكي ، هذا البرج لو وصلنا بين نجومه كالعقرب تماماً ، هناك نجم صغير ، متألق ، أحمر اسمه قلب العقرب ، الآن اسمع ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟
 لي كتاب بالانترنيت الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة ، تأخذه بكبسة زر مجاناً ، الإعجاز العلمي ، يوجد عشرة آلاف موضوع متعلق بالإعجاز ، كل هذا بين أيديكم ، تستطيع أن تسحب من موقعي أربعة و ستين كتاباً بالمجان ، كله مجاناً ، يجب أن تطلب العلم يا أخي .
 من أجل أن تضع جانب اسمك د. فقط ، عليك أن تدرس ثلاثاً وعشرين سنة ، د. فقط ، دكتور أي معك ابتدائي ، إعدادي ، ثانوي ، لسانس بالآداب ، بكالوريوس بالعلوم ، دبلوم عامة ، دبلوم خاصة ، ماجستير ، ودكتوراه ، ثلاث وعشرون سنة دراسة من أجل د. ، من أجل جنة عرضها السماوات والأرض لا يوجد عندك وقت ؟! تتعلم دينك ، تعرف كتابك ، تتصل بربك ، تعرف منهجه ، الحرام ، الحلال ، تقرأ قرآنه ، تخدم خلقه ، يكون لك عمل صالح ، لكن نحن نعيش مصالحنا ، الشاشة كلها أباطيل ، وكلها أشياء غير صحيحة ، وكلها تعمل يأساً ، كان بالعالم سلطة تشريعية ، وسلطة تنفيذية ، وسلطة قضائية ، الآن يوجد فقط إعلام ، إذا ركز على شيء العالم يقوم ولا يقعد ، وإذا عتم على شيء يوجد تعتيم إعلامي ، وتلميع إعلامي ، وتضليل إعلامي ، الآن يوجد فقط إعلام بالحياة .
المذيع :
 أصبح السلطة الأولى فضيلة الدكتور ، وليس سلطة رابعة كما كانوا يقولون .
الدكتور محمد راتب :
 أولاً : الخاشقجي ، العالم قام ولم يقعد ، وهناك مليون شخص قتلوا ، ولا كلمة ، ولا تعليق ، ولا تنديد ، ولا شي أبداً .
المذيع :
 نريد من الدكتور محمد راتب حبيب الفلسطينيين أن يوجه رسالة إلى أهل غزة تخفف عن مصابهم ، اجتمع الوباء ، والبلاء ، والحصار ، وقطع الكهرباء ، حقيقة أيام صعبة عاشوها بالأمس ، ثلاثة أطفال ماتوا بالحرق ، احترق بيتهم .

بطولة الإنسان أن ينجح بالابتلاء :

الدكتور محمد راتب :
 أريد أن أقول كلمة مخففة : سيد الخلق رسول الله ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم ، قال :

(( أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 فالبطولة أن ننجح في الابتلاء ، ليس ألا نبتلى .
 بصراحة ؛ طبيب يوجد أمامه مريضان ، المثل أرجو أن يكون دقيقاً ، الأول معه التهاب معدة حاد ، قال له الطبيب : حمية تامة على الحليب لستة أشهر ، والشفاء تام ، الثاني معه ورم خبيث منتشر قال له : أنا ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت ، أيهما أفضل ؟ كُل ما شئت أم حمية قاسية ؟ الذي كُل ما شئت ، اسمع الآية :

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 المعاصي كلها ، الشذوذ كله ، الانحراف كله ، الظلم كله بالطرف الآخر ، لكن نحن نوع ثان ، نحن حمية قاسية جداً ، من محبته لنا ، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه ، أنا أفضل مليون مرة أن يعالجني الله وهناك أمل بالشفاء على أن يعطيني سؤلي ويأتي ملك الموت يقول لي : تفضل ، الموت قليل ؟ بين شخص يكون قبره جنة من الجنان ، وبين آخر يكون قبره حفرة من حفر النيران ، يجب أن نعيش المستقبل سيدي ، المستقبل لابد من أن ندخله بحسابنا .
 أنا مرة كنت بأمريكا ، قال لي أحدهم : ماذا رأيت ؟ قلت له كلمتين : يعيشون لحظتهم فقط ، هناك مسبح ، وفيلا ، وسهرة مختلطة ، ونزهة حلوة ، وطعام طيب ، وهمهم الرفاه فقط .
المذيع :
 لا يوجد أكثر .
الدكتور محمد راتب :
 لا يوجد شيء أبداً ، المؤمن إنسان آخر ، بعقيدته ، بأخلاقه ، بأدلته ، بعلمه ، بفهمه ، بنظرته ، بمواقفه ، بأخلاقه .
المذيع :
 والله هذه الرسالة مهمة جداً .
 دكتور ؛ نختم برسالة للأمة ، هذه رسالة للأخوة الأشقاء ، أهل الدين ، الذين أيضاً عاشوا هذا البلاء قبل أهل غزة ، ما هي رسالتك لهم فضيلة الدكتور ؟

نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة :

الدكتور محمد راتب :
 رسالة في آية واحدة لخصت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، كم نبي ؟ وكم رسول ؟ آية واحدة لخصت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، قال تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 نهاية العلم التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، لا يوجد أقوياء ، لكن يوجد الله ، لا يوجد طغاة ، لكن الله موجود ، لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده ، قال لك :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة .

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 لذلك آخر شيء أقوله بهذا اللقاء الطيب : لا يخافن العبد إلا ذنبه ، هناك أقوياء ، وطغاة ، وأمراض وبيلة ، وورم خبيث ، لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه .
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين ، وأعنا على دوام ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور