وضع داكن
23-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 103 - ومضات رمضان في دعوة غير المتدينين من الأهل والأحبة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلِ وسلم وزد وبارك على نبينا ورسولنا محمدٍ الصادق الأمين ، ومن سار بالهدى على دربه إلى يوم الدين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، ونسأل الله أن يكون هذا الرمضان ، رمضان خير وبركةٍ وأجرٍ للجميع يارب العالمين ، في برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، وفي أيامه السبت في شهر رمضان المبارك ، نحييكم مستمعينا الأكارم ، فأهلاً بكم معنا ، ونرحب بفضيلة العلامة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله أستاذنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 اللهم أمين ، وإياكم شيخنا الحبيب ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم :

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

[ سورة النحل : 125]

 هذا نهج ربنا سبحانه وتعالى ، ورسالته إلينا ، نتحدث في هذه الحلقة دكتور عن دعوة الأهل والأقارب ، خاصةً لمن يبتعدون عن العبادة لحدٍ معين ، وجاء شهر الرحمة والغفران وجاء شهر رمضان المبارك ، ولازال منهم من لا يصلي على حاله ، مازال منهم من لا يصوم على حاله .
 نبدأ دكتور بفكرة الدعوة ، هل هي أصلاً فريضة ، أم هي سنة ، لمن أراد أقام بها ومن أراد تركها ، نوضح هذه الفكرة في مطلع الحلقة دكتور ؟

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ماينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أخي الكريم بارك الله بك ، وأعلى قدرك ، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم الدليل في هذا الدين العظيم ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، الدليل :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 أي إنسان يجب أن يدعو إلى الله .

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف :108]

 هذان النصان يؤكدان أن الدعوة فرض عين على كل مسلم ، إلا أن هناك شرط ، في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف .
 مثلاً أب حضر خطبة جمعة ، سمع حديثاً قدسياً تأثر به تأثراً بالغاً ، يجب أن يقوله لزوجته في البيت ، لأولاده ، لشريكه في المحل التجاري ، هذه الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم ، سمعت نصاً ، سمعت قصة ، سمعت توجيه آية ، وأنت لست مكلفاً أن تعمل منبراً ، تخطب بجامع ، أنت لك شريك بالعمل التجاري ، أتكلم عن هذا المعنى لشريكي ، عندك أولاد لأولادي ، لزوجتك ، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود من يعرف ، وفي حدود ما يعلم .
المذيع :
 حينما نقول شيخنا : فرض عين ، حتى نوضح لبعض المستمعين الذين لا يعرفون المقصود فيها ، ما الحكم الشرعي ، أو ما تفسير الحكم في موضوعنا ؟
الدكتور راتب :
 كيف أن الصلاة فرض عين على كل مسلم .
المذيع :
 هي فريضةٌ على كل مسلم ومسلمة .

 

الدعوة إلى الله بعمقٍ شديد ودعوة ممنهجة بأدلةٍ صحيحة هي فرض كفاية :

الدكتور راتب :
 أبداً ، في حدود ما يعلم ، فرض عين ، منوطة بشروط ، في حدود ما يعلم ، ليس مكلفاً أن يأخذ دكتوراه في الشريعة ، ولا مكلف أن يكون خطيب مسجد ، موظف كاتب بدائرة ، لكن هذا الموظف لا يصلي الجمعة ، سمع من الخطيب قضية دقيقة جداً ، تأثر فيها ، كتبها عنده ، إشارةً أي حكاها لزوجته ، لأولاده ، لجيرانه ، بالعيد مكان زياراته ، فالدعوة إلى الله كفرض عين ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
المذيع :
 حينما نقول إنها فرض عين ، أي أنها أصبحت واجبة في حقه ، وإن قصر بها فهو محاسبٌ عند الله ، إذاً الدعوة فريضة على كل مسلم ، كما تفضلت ضمن ضابطين فيما أعرف من دين الله ، ولمن أعرف من الناس ، الجانب الأوسع دكتور ، مثلاً طلبة العلم الشرعي والعلماء .
الدكتور راتب :
 الدعوة إلى الله ، بعمقٍ شديد ، واتساع أشد ، ودعوة ممنهجة ، بأدلةٍ صحيحة نصية ، وعقلية ، وواقعية ، هي فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل ، إنسان أمضى كل دراسته بالشريعة ، يحمل دكتوراه في الشريعة ، وأستاذ في كلية الشريعة ، هي دعوة فرض كفاية ، قام به البعض سقط عن الكل ، هذه الدعوة لها خصائص ، أن ترد على كل الشبهات التي تثار حول الإسلام ، أن تجيب عن أي سؤال ، وهذا أصبح اختصاص ، اختصاصه المهني شريعة ، معه جواب عن نظرية دارون يستفسر عن تفسيرها ، معه جواب عن الإلحاد ما تفسيره، أي عنده معلومات غزيرة جداً ، ومقنعة ، ومدعمة مع الدليل ، هي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل ، هذا ما يختص به علماء الشريعة ، أو علماء الدين ، في حدود ما نعلم، ومع من نعرف .
المذيع :
 هل أنا مطالب شرعاً دكتور ، بمحاولة زيادة تحصيل العلم في الجانب الشرعي حتى وبالتالي نزيد المستوى الدعوي ؟
الدكتور راتب :
 كل إنسان يتمنى أن يترقى في دائرته إلى مرتبة أعلى ، أو يزداد راتبه إلى مستوى أعلى ، لماذا في الدنيا نتمنى الزيادة ؟ نوسع بيتنا ، نبدل مركبتنا ، نشتري بيتاً في المصيف ، لماذا نرغب بتنمية مستمرة في الدنيا ، ولا نرغب بتنمية في الأخرة ؟ علماً أن الآخرة أهم ، الإنسان اكتفى بمعلومات بسيطة عن الدين ، لا يوجد إنسان أزهد منه في الأرض ، أزهد إنسان من زهد في الله .
المذيع :
 والعياذ بالله ، دكتور ماهو الحد الأدنى من العلوم الشرعية ، التي يفترض عليّ أن أتعلمها قبل الدعوة ؟

كل إنسان مطلوب منه أن يعلم في الدين ما ينبغي أن يعلم في الضرورة :

الدكتور راتب :
 مظلي ، يريد أن ينزل بالمظلة من الطائرة ، هذه المظلمة صنع من ؟ لا يعرف ، أميركية ، روسية ، لا يعرف ، هذه المظلة شكلها العام بيضوي ، أم مستطيل ، أم مربع ، أم دائري ، لا يعرف ، كم حبل فيها ؟ لا يعرف ، الحبال مصنوعة من خيط صناعي أم طبيعي ؟ لا يعرف ، ألوان الحبال ، لا يعرف ، خمسون قضية لا يعرفها ، أما هو مكلف أن يعرف معلومةً واحدة طريقة فتحها ، فإن لم يعرف طريقة فتحها وقع ميتاً .
 هل فهمت هذا المثال ؟ عندنا شيء في الدين اسمه عند العلماء ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، أي للطبيب ، للمهندس ، للطيار ، لقائد الجيش ، أي إنسان بالأرض ، مطلوب منه أن يعلم في الدين ماينبغي أن يعلم في الضرورة ، كطريقة فتح المظلة .
المذيع :
 وما هو هذا الشيء ؟
الدكتور راتب :
 أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، الأحكام الشرعية المتعلقة بحرفتك ، الدين له أركان إيمان ، وأركان إسلام ، هذه مسلمات الدين ، الخطوط العريضة في الدين ، المنطلقات النظرية في الدين ، أركان الإيمان ، يؤمن بالله خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، أسماؤه الحسنى ، صفاته العليا ، يؤمن باليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، والملائكة ، وما إلى ذلك ، هذه أركان الإيمان .
 أركان الإسلام : صلاة ، صوم ، حج ، زكاة ، نطق بالشهادة ، أركان الإيمان ، مع أركان الإسلام ، زائد الأحكام الشرعية المتعلقة باختصاصك ، تاجر أحكام بيع وشراء ، محامي أحكام القانون ، يا ترى المحامي مطالب أمام الموكل أن تنجح الدعوى ؟ لا ليس مطالباً ، مطالب أن يبدل قصارى جهده ، الطبيب مطالب أن يشفي المريض ؟ لا ، مطالب أن يبذل جهده ، هذه اسمها بالحرف لا تسمى انجازاً ، بذل عناية مؤكدة .
المذيع :
 إذاً كل شخص دكتور ، هو مطالب بأن يعرف الإيمان وأركانه .
الدكتور راتب :
 والإسلام ، وأركانه ، والأحكام الشرعية المتعلقة بحرفته .
المذيع :
 عندما نتحدث دكتور ، مثلاً عن أركان الإسلام ، بمعنى هو يتعرف على الصلاة بكيفية الوضوء وكيفية الصلاة بتفاصيلها ؟

الإنسان غير مكلف بالتعليلات هو مكلف أن يعرف الحقائق المختصرة :

الدكتور راتب :
 أبداً ، فرض عين .
المذيع :
 جميل ، وما يرتبط في مجاله الشخصي .
الدكتور راتب :
 والحج ، وفرض الحج ، على المستطيع ، والزكاة ، والصوم .
المذيع :
 لأنه هذه الأركان تمسه بشكل يومي ، وحرفته كما تفضلت دكتور ، إذا كان معلماً أو طبيباً أو مهندساً ، لأن من لا يعرفها يقع في الحرام .
الدكتور راتب :
 هو ما كلفك بالتعليلات ، علماء الدين معهم تعليلات ، معهم شرح مفصل ، هو مكلف أن يعرف الحقائق المختصرة .
المذيع :
 حتى يتجنب الحرام ، هذا يعد فريضة عينٍ على كل مسلم .
الدكتور راتب :
 فرض عين على كل مسلم .
المذيع :
 على كل إنسان أن يتعرف عليها إجبارياً ، فإذاً هذا الحد الأدنى الذي يفترض أن يتعرفه الإنسان ، يأتي السؤال الآن دكتور ، إذا أردت أنا كما تفضلت وبدأت في الحلقة شيخنا وقلت إن الدعوة فيما أعرف ، ولمن أعرف ، فيما أعرف من معلومات ، ولمن أعرف من الناس، هي فريضة عين ، هل هذا يكفي لنقل هذه المعلومات للناس ، يعني ألا يجب إن أردت أن أكون داعية لله ، أن أتبحر في علوم الشريعة ، وأن أفهمها ؟
الدكتور راتب :
 لابد من التبحر ، أعوذ بالله ، يوجد مليون شبهة في الدين ، مليون عدو للدين ، عليك أن ترد عليهم ، أنت للدعوة كفرض عين ، لست مكلفاً أن ترد على الشبهات ، ولا أن تجيب عن التساؤلات .
المذيع :
 وكأنها :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري عن ابن عمرو ]

أزهد الناس في العالِم أهله وأولاده :

الدكتور راتب :
 فقط ، أما الفرض الكفاية فيجب أن ترد على نظرية دارون ، يوجد طروحات إلحادية الآن ، يوجد طروحات تشريعية خلاف الدين ، كل شيء خلاف الدين ، عليك أن تعدّ له رداً علمياً ، أي مبررات الشرع مثلاً .
المذيع :
 كلام طيب ، وكلام جميل ، الله يفتح عليك يادكتور ، إذاً هذا يقود أن الدعوة ليست قضيةً كماليةً ، ولا زيادةً في الإيمان والأجر ، وإنما هي قضية أساسية ، هي فريضة في حياة كل شخص منا ، النقطة التي سوف نتوسع بها في حلقتنا دكتور .
الدكتور راتب :
 أنا ماذا قلت ؟ فتح المظلة فرض عين على كل طيار ، على كل مظلة .
المذيع :
 النقطة التي نتمنى أن نتوسع فيها دكتور هي نقطة الدعوة للأهل ، وللأقارب ، وللأصدقاء ، خاصةً لغير المتدينين منهم ، وجاء شهر رمضان ونخشى أن يمضي الشهر ، ولا يكون هذا الخير ، وهذا محور حديثنا بتوسع مع فضيلتك ، حلقتنا لهذا اليوم نتحدث فيها عن الدعوة لأهلنا ، لأصحابنا ، لأقاربنا خاصة لمن جاء رمضان ولم يبدأ بعد مشوارهم الإيماني فيه.
 شيخنا الكريم ، بعدما تعرفنا على العلم الشرعي ، وما يرتبط بنا معرفته كإنسان ، وفكرة الدعوة ، وأهميتها ، وفرضيتها ، كفرض عين علي ، الآن دكتور ، كيف يكون الواقع ، كيف تكون مفاتيح الدعوة لأهلنا ، لأقاربنا ، لمن هو لا يصلي ، لمن لا يصوم ، لمن لا يقترب من الله ؟
الدكتور راتب :
 في حقائق مرة في هذا الموضوع ، أزهد الناس في العالم أهله وأولاده ، لماذا ؟ هم يرون بشريته ، يأكل ، الطعام غير جاهز ، يرون حاجته إلى اللباس ، يحتاج إلى خدمات كثيرة الإنسان ، فالخدمات لابد من أن يؤديها من حوله ، فإذا كان هناك تقصير ، فهناك مشكلة ، لذلك أزهد الناس في العالم أهله ، وأولاده ، وشدة القرب حجاب ، لذلك في البيت لا تصلح الفصاحة ، والبيان ، وطلاقة اللسان ، والأدلة القطعية ، والمعاملة الطيبة ، "املأ قلبه بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك" .

الإحسان قبل البيان والقدوة قبل الدعوة :

 الإحسان أصل كبير في الدعوة ، في البيت الدعوة إلى الله بالقدوة ، إذا الأب ما تكلم كلمة بذيئة أمام أولاده هذه دعوة ، ما قال ولا كلمة ، ما سمع منه الابن كلمة بذيئة ، ولا سب الدين مثلاً ، الابن ما شاهد والده يخلع ثيابه أمام أولاده إلا في غرفة النوم ، ما رأى من والده تصرفاً شائناً ، هذه الاستقامة من الأب في بيته هي أكبر دعوة لأولاده ، أنا أسميها إن صح التعبير : الدعوة الصامتة ، ما درس محاضرة ، وما ألقى خطبة أمام أولاده ، وما قال لهم افتحوا الكتاب الفلاني على الصفحة كذا ، لا شيء من هذا ، فقط عاملهم برحمة ، عاملهم بصدق ، بأمانة ، بترفع عن كل سفاسف الحياة .

(( إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها ، ودنيها ))

[الحاكم عن سهل بن سعد الساعدي]

 لذلك أنا أقول : في البيت القدوة قبل الدعوة .
المذيع :
 جميل ، وهذا الذي يجعل أفراد العائلة ، يلتصقون بدين الله سبحانه وتعالى الذي يحمله والدهم أو والدتهم في سلك الدعوة .
الدكتور راتب :
 والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تدعوه من أولادك وزوجتك بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك .
المذيع :
 كلام مهم ، وكلام رائع .
الدكتور راتب :
 أنت بالمسجد تحتاج إلى فصاحة ، إلى أدلة ، إلى طلاقة ، إلى حديث ، إلى ارتجال تحتاج هذا بالمسجد ، في الدعوة العامة ، ففي بيتك تحتاج إلى أن تكون قدوة ، دائماً وأبداً بين الحق والباطل أربع أصابع ، بين أن تقول سمعت أو رأيت ، الأولاد يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أب قاس بخيل لو جاءهم بالدرر مرفوضة ، قاس وبخيل ، لو جاءهم بالدرر الإسلامية مرفوضة كلها ، الإحسان قبل البيان ، القدوة قبل الدعوة ، املأ قلبه بمحبتك ، ليفتح عقله لبيانك، وشدة القرب حجاب ، وأزهد الناس في العالم أهله وأولاده .
المذيع :
 هذا يمكن أن ينطبق على العالم دكتور ، أو على الداعية المتخصص في بيته ، ماذا عنا نحن الأشخاص العاديين ، إذا أنا مثلاً كان دكتور لي أخ لا يصلي ، قد يكون لي أخت غير محجبة ، قد يكون خال لا يؤمن بالله ، والعياذ بالله ، ماذا تفعل مع رحمك ، مع أقاربك الذين تخاف عليهم ؟

 

أخلاق الداعية أهم من دعوته :

الدكتور راتب :
 سيدي ، من هو أكفر كفار الأرض ؟ فرعون ، الذي قال :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات : 24]

 من هو أكفر كفار الأرض ؟ فرعون أيضاً الذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص : 38]

 ومع كل هذا ، قال تعالى ، لنبي لأولي العزم :

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه : 43-44]

 إذا كنت مكلفاً أن تخاطب أكفر كفار الأرض الذي ادّعى الألوهية :

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه : 44]

 هذا أخوك بالإسلام ، لِمَ القسوة ، لِمَ الجفاء ، لِمَ العناد ؟ خطأ بالدعوة كبير جداً ، الدعوة تحتاج إلى لطف ، إلى أخلاق عالية ، إلى تسامح ، إلى أن تغض الطرف عن تسع حالات ، وتتحدث عن حالة وحدة ، هذه الدعوة ، أخلاق الداعية أهم من دعوته سيدي ، من معلوماته ، من نصوصه ، من أدلته ، من خبراته .

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

المذيع :
 هذه الفطرة .
الدكتور راتب :

(( يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

المذيع :
 هذان مفتاحان دكتور لكسب قلوب الناس ، النقطة الأولى أن تكون ودوداً ، ولا تكون فظاً ولا غليظاً ، والموقف الثاني أن تحسن إليهم ، كما الهدية ، أو الأسلوب الطيب ، والود ، والقرب ، لذلك يجعلك تمتلك قلوب الآخرين .

 

التجاهل قمة الذكاء :

الدكتور راتب :
 مثلاً أي ولد من أولادي ترك الصنبور مفتوحاً فهناك عقاب ، ترك المصباح متألقاً له عقاب ، بالعكس أنا أقول ، أعرف أخاً كريماً في عمان ، أخذ متوسط مصروف الكهرباء والماء والهاتف عن ستة أشهر ، المتوسط ، جمع الفواتير كلها تقسيم ستة ، أخذ رقماً وسطياً في الكهرباء ، والماء ، والهاتف قال لأولاده : أي مبلغ أقل من الرقم الوسطي لكم ، لم يعد يجد أي ضوء لا لزوم له لأن الفرق لهم ، أخذ الوسطي أولاً ، ثم بلغ أولاده .
 الآن أنا طبقتها بحياتي مع أولادي قديماً ، أضع النقود في درج ، مبلغ ليس بقليل ، ويوجد دفتر وقلم ، خذ قدر ما تريد ، اكتفى الولد ، خذ ، تريد طعاماً معيناً خذ واشتريه ، لكن اكتب ما اشتريت ، أصبح هناك ضبط ، وشعوره أن معه مالاً جعله ينضبط .
المذيع :
 ما الفكرة من الكتابة دكتور ؟
الدكتور راتب :
 حتى يكون مسؤولاً عن مبلغه الذي أخذه ، مسؤولية فقط ، فإدارة البيت ليست سهلة، هناك عدم انصياع من الأهل لقربهم من أبيهم .
المذيع :
 هل الأصل أن نتدخل أو لا نتدخل دكتور بمن يحيطون بنا ويقعون في أخطاء ؟ مثلاً لي أخ ولنفترض يقع في بعض المخالفات الشرعية الصريحة والواضحة ، أتدخل ، أم أتجنب التدخل ؟
الدكتور راتب :
 أنا أتمنى أن تتجاوز عن تسعة بنود ، وتحاسب على واحد ، كل عشرة التسعة تجاوزها ، المتابعة الشديدة تعطي مفعولاً عكسياً ، عليك أن تتجاهل ، التجاهل قمة الذكاء ، قال: ليس الغبي سيداً في قومه ، لكن سيد قومه المتغابي .
المذيع :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 هل المقصود من هذه الآية كل معروف يجب أن آمر به وكل منكر أن أنهى عنه ؟

 

الله تعالى ما أمرنا أمراً واحداً قاسياً مرة واحدة وإنما بالتدريج :

الدكتور راتب :
 لا ، لابد من التجاوز ، لابد من أن تختار من بين هذه المنكرات أشدها ، وتحاسب عليها ، المرة الثانية تحاسب على منكر آخر ، لمرحلة طويلة حاسبت عن كل المنكرات ، لكن ليس دفعة واحدة ، ما التدرج ؟ الإله العظيم خالق السماوات والأرض ، رب العالمين ، ما كان بالإمكان أن يحرم الخمر من آية واحدة ؟ قال :

﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ﴾

[ سورة النحل : 67]

 لو قال : العنب والفواكه ، يتخذ منه المسكرات ، الخمر .

﴿ وَرِزْقاً حَسَناً ﴾

[ سورة النحل : 67]

 عندما قال حسن ، معنى الأول غير حسن ، إشارة لطيفة جداً جداً ، بعد ذلك :

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء : 43]

 هذه أعلى ، الثالثة :

﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾

[ سورة المائدة : 90]

 إذا الإله بيده كل شي ، بيده حياتنا وموتنا ، ما أمرنا أمراً واحداً قاسياً مرة واحدة ، بالتدريج ، لماذا بقيت هذه الآيات في القرآن ، مع أنها نسخت ، أرى أن بقاءها بتوجيه من الله حتى أي إنسان بعد ألف سنة ، ألفي سنة لا يبدأ الأمور بعنف وبقسوة ، أنا أرى أن العنف لا يلد إلا العنف ، وكل أب عنيف في بيته بمجرد أن يخرج من البيت الموازين كلها انقلبت ، أنا أقول في كلمة عيد ، الأب المؤمن إذا دخل للبيت صار في البيت عيد ، الأب العنيف إذا خرج صار في البيت عيد ، فالبطولة أن يكون العيد بدخولك لا بخروجك .
المذيع :
 جميل ، إذاً هذه مفاتيح بالغة الأهمية دكتور ، أن تكون ودوداً مع الناس ، أن تحسن إليهم ، وكما تفضلت أن تكون متدرجاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إعطاء التعاليم الشرعية .

 

مبادئ الدعوة :

الدكتور راتب :
 القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، ومخاطبة العقل والقلب معاً ، هذه كلها مبادئ الدعوة .
المذيع :
 نحن لم نتوسع فيهم كلهم دكتور ، لكن لابد لنا بعد الوقفة الإعلانية أن نتوسع في هذه العناوين أكثر ، خاصةً دكتور ، الأصول قبل الفروع ، وبعد تفاصيل جديدة غير واضحة ، الإحسان قبل البيان ، أوضحت دكتور أن يحسن الإنسان إلى الناس ، حتى يمتلك قلوبهم ، ثم ينقل علمه لهم ، والقدوة قبل الدعوة ، وخاصةً تكون لصاحب المسؤولية ، الأخ الأكبر أو الأب أو المدرس .
الدكتور راتب :
 أنا أقول ولا أبالغ : لو هذا الأب لم ينطق بكلمة حق في بيته ، لكن ما رأوه يكذب على أمهم ، أوضح مثل : تذهب الأم إلى بيت الجيران ، مع ابنتها الصغيرة ، بيت ، وجلسة ، لكن تأخرت الجلسة ، فتأخر الغداء ، جاء الأب غاضباً ، أين الأكل ؟ أين كنتم ؟ لم نذهب لأي مكان ، هذه الصغيرة شربت الكذب من أمها ، دون أن تشعر ، الصغير القدوة له والده و والدته، لكن لا يوجد عنده شرع ، لا يوجد عنده دين ، عنده هذان الاثنان قدوته ، لذلك أكبر خطأ أن تخطئ مع أولادك .
المذيع :
 الله يفتح عليك يا دكتور ، نسأل الله أن يجعل رمضانكم مليئاً بالطاعات وبالخيرات وبالعتق من النيران دكتورنا الكريم ، أهلاً وسهلاً بكم ، شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، حديثنا في ومضاتنا الرمضانية ، عن الدعوة لأهلنا ، لأحبابنا ، لأقاربنا ، من غير المتدينين .
دكتور ، أعطيتنا ثلاثة مفاتيح وهي بالغة الأهمية في التعامل مع الناس ، أن نحسن إليهم بالمودة وبالهدايا نكسب قلوبهم .
 النقطة الثانية : مهما حصل لابد لك أن تكون لطيفاً في كلامك ، حتى لو وقع في خطأ ، اللوم والعتاب والشتم مرفوض رفضاً قطعياً .
الدكتور راتب :
 إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده .
المذيع :
 نعم ، والنقطة الثالثة : كما تفضلت دكتور ، التدريج ، لأنه إذا كثرت الملاحظات وكثرت الرسائل ، وإن كانت دينية ، تصبح بالنهاية سلبية كما قلت .
 ذكرت بعض القواعد دكتور ، ومنها مثلاً أن نهتم بالأصول قبل الفروع ، بالأفكار وليس بالأشخاص ، هل لك أن توضح دكتور كيف نستخدمها في الدعوة مع أهلنا وأحبابنا ؟

من يعقد صلة مع الله يشتق من كماله كمالاً يسعده في حياته :

الدكتور راتب :
 لماذا لا تصلي يا بني ؟ بابا لماذا يجب أن أصلي ؟ أعطه مبرراً ، لأنها فريضة ، الصلاة اتصال بالله ، اتصال بالأصل ، بالجميل ، بالعليم ، بالحكيم ، بالرحيم ، أنت عندما تعقد صلة مع الله تشتق من كمال الله كمالاً ، هذا الكمال يسعدك في حياتك .

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة : 18]

 المؤمن عنده رحمة في قلبه ، رحمة لأولاده ، لزوجته ، ليس عنده عنف ، رحمة لموظفيه في الدائرة ، انظر الآية ما أدقها :

﴿ فَبِمَا﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 الباء باء السبب :

﴿ رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 يا محمد ، بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك ، من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، وأحبوك ، وخضعوا لمنهجك ، وتفانوا في خدمتك ، أنت أنت بالذات:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 أي لو كنت منقطعاً عنا ، لامتلأ القلب ، ولانعكست القسوة غلظة ، ينفضون من حولك ، أنا هذه الآية سميتها قانون الالتفاف والانفضاض ، يحتاجه الأب ، والأم ، والأخ الأكبر بعد وفاة الأب ، يحتاجها المعلم ، والمدرس ، وأستاذ الجامعة ، يحتاجها رئيس الدائرة ، ويحتاجها في الهرم من أوسع قاعدة ، من الأدنى إلى أعلى قمة الهرم .
 "املك قلبهم بإحسانك ليفتحوا لك عقولهم لبيانك" .
المذيع :
 دكتور ، وكأن حاله يشمئز إذا ما ذكر الله ، بعض الأهل والأقارب قد يكون أحياناً فتاة ملتزمة ، مثلاً والدها ربنا سبحانه وتعالى لم يكتب له الهداية بعد ، إذا شاهدت درس دين على التلفاز ، يسمعها أقسى العبارات ، ويسيء لها ولدينها ، وللشيخ ، وللكل ، كيف نتعامل مع هذه الحالات دكتور ؟

 

الله عز وجل الذي بيده كل شيء ما أرادنا أن نعبده إكراهاً :

الدكتور راتب :
 والله هؤلاء الأشخاص علاجهم الإحسان ، أذكر تماماً لو أنه لمح ابنه يصلي لبالغ في ضربه ، أعرف حالة نادرة جداً ، الأب فاسق غير ملتزم ، قد يكون ملحداً ، فهذا الابن على قسوة الأب يأتي له بحذائه ملمعاً ، ثيابه مكوية ، الأب بشر ، مهما كان قاسياً فهو بشر .
 أنا أرى مع من أغلقت عقولهم عن الحق ، باب الإحسان مفتوح ، فأنت بالإحسان تملك قلبه ، إذا كان أب أو أم طبعاً ، ليس هناك أب ابنه يخدمه خدمة عالية جداً ، إلا وسيحترم دين ابنه ، الأب قد يكون ملحداً ، لكنه يحترم دين ابنه ، ولا سيما إذا له أخ ثان متفلت من الدين يجد ولده هذا غير ترتيب ، غير أدب ، غير إحسان ، غير رحمة ، فأنت أقنعهم بعملك لا بفكرك الإحسان قوي جداً .
المذيع :
 من يحاول أن يطبق شرع الله وكأن دولة الخلافة الإسلامية في البيت ، مثلاً قد تكون والدته غير محجبة ، قد تكون شقيقته غير محتشمة ، يتعامل أحد إخوانه بالربا .
الدكتور راتب :
 أنا جوابي لهذا السؤال الدقيق جداً تحريم الخمر ، أليس الله قادراً أن يقول بآية واحدة حرمت عليكم ؟ لا ، بالتدريج ، التدريج حكمة ، التدريج ذكاء ، التدريج محبة ورحمة .
المذيع :
 إذا سار الإنسان في التدريج دكتور ، ولم يصل إلى النتيجة المطلوبة ؟
الدكتور راتب :
 أدى الذي عليه ، يوجد نقطة دقيقة : لم تؤمن إيماناً قطعياً أن الإنسان مخير ، الله الذي خلقه ما قبل أن يؤمن إكراهاً ، إله قال :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 الإله حياتنا بيده ، غلط واحد وقف النفس مات الإنسان ، خثرة بالدماغ أصيب بالشلل ، بمكان آخر فقد بصره ، الذي بيده كل شيء مع كل هذا ما أراد أن نعبده إكراهاً ، قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

[ سورة البقرة : 165]

أقنع ولا تقمع :

 إذا الإله حياتنا بيده ، قوتنا بيده ، ذكاؤنا بيده ، سيدي أحياناً إنسان يبني بيتاً يكلفه ملايين كثيرة ، وتاجر كبير ، يحدث معه خثرة بالدماغ يفقد عقله لا يتركوه ليلة في البيت ، إلى مشفى المجانين ، أنت بقبضة الله .
المذيع :
 هذا إذا كان أولاده عاقين ، ما شاء الله المؤمن بالعكس يخدمونه .
الدكتور راتب :
 أعوذ بالله ، وأنا سامحوني بهذه الكلمة القاسية : والله لمجرد أن يرسل الابن أباه أو أمه إلى مأوى العجزة أكبر عقوق لهما ، يخدم أهله طوال حياته ، يرد لهم بعض الجميل .
المذيع :

(( ففيهما فجاهد))

[متفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 ولا تصدق إنساناً بار بوالديه إلا سعيد في الدنيا ، سعيد سعادة تفوق حد الخيال ، أعود شيخنا الفاضل للنقطة الجوهرية التي تفضلت فيها ، إذاً الإنسان مأمور أن يسعى بكل سبل الدعوة وفنونها ، وأن يكون سبباً في هداية أهله ، سواء كان مسؤولاً عنهم كالأب مسؤوليته عن أولاده وبناته ، أو أخ هو مثلاً يتعامل مع والده ووالدته هو مأمور بالدعوة لكنه ليس مسؤولاً ، ولا مكلفاً عنهم ، يصبر ، يتدرج ، يحسن ، لكن في النهاية ليس مسموحاً له أن يجبر على الأمر ، حتى الأب دكتور مثلاً لو ابنه لا يصلي ، شرعاً هو ليس مسموح له في النهاية أن يجبره إجباراً على أن يذهب معه إلى المسجد .
الدكتور راتب :
 لا ، يقنعه ، أقنع ولا تقمع .
المذيع :
 وإن لم يقتنع دكتور ؟
الدكتور راتب :
 هو مخير .
المذيع :
 لا تجبره إجباراً ، ليس بالإكراه تجره جراً إلى المسجد .

 

الأب ليس مكلفاً أن يجعل ولده مؤمناً لكنه مكلف أن يعينه على الإيمان :

الدكتور راتب :
 أنا أكرم طفلاً صغيراً ، بابا قم صلِ معنا ، الابن لا يقول لا لوالده ، لكن عندما يكبر يكون قد تلقى تربية صحيحة قبل البلوغ ، حتى تستمر بعد البلوغ .
المذيع :
 لكن أقصد استثناء دكتور ، إذا أنا سعيت كأب وأخذت بكل هذه الأسباب ، ومن البداية ربيت وأحسنت وكذا ، وقدر الله ، ولم تؤتِ جهودي بالثمار المطلوبة ، ولا يريد أن يصلي ، لا يحق لي أن أجره جراً مجبراً إلى الصلاة .
الدكتور راتب :

﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾

[ سورة هود : 42 - 43 ]

 سيدنا نوح ، ابنه لم يؤمن به ، كما تعلم ، فأنت لست مكلفاً أن يؤمن ، مكلف أن تمهد له الطريق ، أن تعينه على الإيمان .
المذيع :
 وذكرت الآية الكريمة :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 فالبطولة هنا أن تجعل عائلتك تحب الله سبحانه وتعالى ، فتقبل بذاتها عليه .
 دكتور ، بعض القضايا ، سلوكيات تصدر من قبل بعض المسلمين ، قد تكون حاجزاً بين بعض الأشخاص والدين ، يقول لك مثلاً انظر الشيخ فلان ماذا فعل ، انظر فلانة محجبة ماذا فعلت ، انظر الإنسان الملتحي ما فعل ، كيف تنصح الناس بالتعامل مع هذه القضية ؟
الدكتور راتب :
 أنا أقول إن هناك :

((إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكحوه))

[الترمذي عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه ]

 لماذا ؟ النبي الكريم ، معصوم .

((إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكحوه))

[الترمذي عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه ]

الحكمة أكبر مكافأة من الله للمؤمن :

 لو جاءك شاب صائم ، مصلّ ، وعنده صيام نفل ، وصلاة نفل ، وعنده مؤلفات ، لكن أخلاقه غير معقولة ، فالأخلاق توازي الدين .

((إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكحوه))

[الترمذي عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه ]

 بخيل لا أزوجه ، عصبي المزاج غير معقول ، لسبب تافه يقيم الدنيا ولا يقعدها ، هؤلاء يسمونهم بالفلسفة : شرط لازم غير كافٍ ، ليس كافياً أن يكون مسلماً فقط ، ولا يكون أخلاقياً ملحداً ، عليه أن يجمع بين الإسلام وبين الأخلاق ، الأخلاق سلوك ، والإسلام مبادئ ، قيمه ومبادئه صحيحة ، سلوكه غير صحيح .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، كلام بالغ الأهمية .
 دكتور فتح الله عليكم بسنوات طويلة بمشواركم الدعوي ، من أكثر القضايا التي يمكن أن تؤثر على إنسان بعيد عن الله ، قلبه نقي ، وطيب لكنه لا يصلي ، لا يصوم ، أي لا يعظم الله حق تعظيمه ، قد يكون قريباً ، قد يكون صديقاً ، بمشواركم دكتور ما هي النصائح فعلاً حتى نحاول أن نقربهم من الله ؟
الدكتور راتب :
 أنا مؤمن بالتدرج لا بالطفرة ، مؤمن بإقناع القلب والعقل معاً ، العقل يقنع بالدليل والقلب بالحب ، بالإحسان ، تحتاج إلى إحسان ، وإلى عقل ، وإلى حكمة ، أنا أقول :

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة : 269]

 بالحكمة ، الحقيقة يوجد كلمة سلبية قليلاً : الحكمة لا تؤخذ بل تؤتى ، أكبر مكافأة من الله للمؤمن أن يؤته الحكمة ، بالحكمة يجعل العدو صديقاً ، من دون حكمة يجعل الصديق عدواً ، بالحكمة يسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، من دون حكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة يتدبر أمره بالمال المحدود ، من دون حكمة يتلف المال الكثير ، أنا أكاد أقول بهذا اللقاء الطيب : لا يوجد عطاء إلهي يفوق الحكمة .

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة : 269]

 ما قال ومن يك حكيماً ، ما قال ومن يأخذ الحكمة ، الله قال :

﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾

[ سورة الأعراف : 199]

 يؤخذ العفو أما الحكمة لا تؤخذ ، تؤتى من الله ، هي أكبر مكافأة على الإطلاق ، بالحكمة تسعد ببيتك ، بيتك جنة ، على سلبيات كثيرة .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور ، ربنا يكرمكم ويرفع مقامكم في الدنيا والآخرة .
 نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله القبول .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، اجعل جمعنا في لقائنا الإذاعي جمعاً مباركاً مرحوماً .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 اللهم آمين ، نفعنا الله بكم ، وجزاكم الله عنا كل خير ، فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أكرمكم الله ، وزادكم من علمه ، ومن كرمه ، يا دكتور .
 كان حديثنا في حلقتنا هذه عن ومضات رمضانية ، تحدثنا فيها عن الدعوة لأهلنا ، لأحبابنا ، لمن كانوا بعيدين نوعاً ما عن درب الله سبحانه وتعالى ، عن الكلمة الطيبة ، والإحسان إليهم ، والتدرج ، وأن نحاول أن يكون دورنا أن نحببهم إلى الله تعالى ، هذه مفاتيح لعودتهم إلى الله سبحانه وتعالى ، في الختام :
 سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور