وضع داكن
16-04-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 07 - الداعية ومفهوم العبادات
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  في كل يوم يكون في صحبتنا ضيف مميز ، اليوم ضيفي هو داعية إسلامي سوري معاصر ، له دروس ومحاضرات في الإعجاز العلمي والتفسير والمنهج العلمي والمعرفة ، اشتهر بسلسلته عن أسماء الله الحسنى وعن الشمائل النبوية ، له قبول كبير بين كل فئات المجتمعات الإسلامية ، دعوني أرحب بفضيلة الدكتور العلّامة محمد راتب النابلسي ، فضيلة الشيخ السلام عليكم وتقبل الله طاعتكم .
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
 حياكم الله دكتورنا الحبيب ، بداية كيف كانت هذه البداية في طريق العلم الشرعي والدعوة إلى الله ؟

المسيرة الدعوية للدكتور النابلسي :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإنسان في بلد إسلامي ، أنا يتيم الأم ، يتيم الأب ، نشأت نشأة في بيئة إسلامية ، وطلبت العلم ، ثم شعرت أن الدعوة إلى الله شيء ثمين جداً ، هذا الشعور دعاني إلى أن أبحث عن طريقة لطلب العلم ، طلبت العلم في سن مبكرة ، و تابعت طلب العلم إلى أن سمح لي أن ألقي دروساً في جامع النابلسي ، جامع جدي ، هذا الجامع جامع قديم جداً ، وجدي أحد كبار العارفين ، له مئتا مؤلف ، وله دور كبير في النهضة الإسلامية ، فأنا ألقيت دروساً في جامع النابلسي جامع جدي ، وخطباً ، هكذا بدأت مسيرتي الدعوية .
المذيع:
 دراستكم شيخنا الجامعية كانت لتخصص أكاديمي غير الشريعة لكن ..
الدكتور راتب :
 أنا معي أدب عربي .
المذيع:
 دكتورنا كيف التحول للعلوم الشرعية ؟
الدكتور راتب :
 نحن كاختصاص التفسير والحديث ضمن دراستنا الأدب العربي .
المذيع:
 كان التحول إلى التفسير والعلوم الشرعية قد نال القبول ، اليوم من خلال سفركم إلى كثير من مدن العالم ، ما هو أكثر رابط يجمع المسلمين بالرغم من هذا التفرق والتشرذم الذي نراه؟

الرابط الديني أقوى رابط يجمع المسلمين :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الدقيقة ثبت أن الرابط الديني أقوى رابط ، المؤمن يتعاطف مع أخيه المؤمن ، يعيش مأساته ، يعيش آلامه ، يعيش محنته ، فلذلك ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، قال تعالى :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات : 10]

 الانتماء الحقيقي ، الانتماءات الأخرى أنا لا أنكرها لكن ليست قوية بقوة الانتماء الديني ، والأحداث الأخيرة تؤكد ذلك .
المذيع:
 هل تأثير دروس العلم لحظي ينتهي بانتهاء هذه الدروس ؟

 

الخطاب الديني أخطر شيء بالدين :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الخطاب الديني إذا نجح يقبله غير المسلم ، وإن لم ينجح لا يقبله المسلم أساساً ، الخطاب الديني أخطر شيء بالدين ، المعلومات الدينية واضحة لكن كيف تنقلها للآخرين؟ لابد من خطاب يملأ عقل المستمع بالحقائق ، بالأدلة ، بالتطبيقات ، لابد من خطاب يملأ قلبه محبة لله عز وجل ، لابد من خطاب يدعوه للعمل ، لتكون كلمته عليا لا سفلى ، ليعطي لا ليأخذ ، لابد أن نغذي عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، ونغذي جسمه بطعام وشراب اشتريا بمال حلال ، إذا غذينا عقله بالعلم ، وقلبه بالحب ، وغذينا جسمه بطعام اشتري بمال حلال تفوق، أما إذا اكتفينا بواحدة تطرف ، والبطولة التفوق لا التطرف .
المذيع:
 شيخنا الله يفتح عليك لكم موقع الكتروني هو موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية إلى كم لغة تمّ ترجمة مضمونه ؟

موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية أول موقع إسلامي على الإطلاق :

الدكتور راتب :
 عشر لغات ، يدخله في اليوم مليونا زائر ، أول موقع إسلامي على الإطلاق ، ترتيبه عشرون ألفاً من ستة مليارات موقع ، هذا الموقع أنا ذهبت إلى باريس كأني في الشام ، إلى البرازيل ، إلى كندا ، إلى الصين ، هذا الموقع منتشر لأن الحقيقة كان العالم خمس قارات صار قارة ، صار بلداً ، صار مدينة ، صار قرية ، صار بيتاً ، صار غرفة ، صار مكتباً ، الآن سطح مكتب ، تواصل مذهل ، وهذا الشيء تنبأ به النبي الكريم قال : " يبلغ هذا الأمر - أمر هذا الدين- ما بلغ الليل والنهار " .
 في ملبورن - آخر مدينة في العالم بعدها القطب الجنوبي - هناك معهد شرعي ، ومسجد ، ودعوة إلى الله ، هذه الدعوة إلى الله أكبر شيء ، بهذه الدعوة إذا نجح الخطاب الديني قبله غير المسلم ، وإن لم ينجح يرفضه المسلم ، فالعبرة بالخطاب الديني ، أن تغذي عقله بالعلم، وقلبه بالحب ، وجسمه بدخل شرعي ، لابد من نجاح الخطاب الديني .
المذيع:
 شيخنا ربما يتساءل البعض : ما هي ردة فعل الشيخ وهو يرى أن هذا الموقع الالكتروني الكبير يحظى بدخول الكثير من الناس وكثير من اللغات ، ردة فعلك على نفسك وأنت ترى ..

 

أفضل إنسان من دعا إلى الله و عمل صالحاً :

الدكتور راتب :
 أنا عندي جواب دقيق جداً حينما يقول الله عز وجل :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 ما المعنى ؟ ليس عند الله ، أقول عن الداعية لا أقول عن نفسي ، ليس عند الله إنسان أفضل ممن دعا إلى الله ، لا يكفي ، دعا إلى الله بفصاحة وأدلة و حصافة ، لا يكفي ، سلوكه اليومي ، كسب ماله ، إنفاقه ، علاقاته ، تمضية أوقات فراغه ، علاقاته مع الأقوياء ، مع الأقرباء ، مع الوالدين ، يوجد تقريباً حركة واسعة جداً ، طبعاً الدين فيه خمس عبادات ؛ الصلاة، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة ، هذه أركان الإسلام ، أما الحقيقة الأدق من ذلك أن هذا المنهج يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج واسع شامل ، كسب المال ، إنفاق المال ، اختيار الزوجة ، تربية الأولاد ، اختيار الحرفة ، علاقتك مع الوالدين ، مع الأقربين ، مع الزملاء ، مع الكبراء ، مع الأقوياء ، القضية منهج تفصيلي ، نحن قد نظن أن الإسلام صوم وزكاة وحج وزكاة ، لا ، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .

 

العبادة التعاملية إن صحت قطفنا ثمار العبادة الشعائرية :

 سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام ، فقال :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا ..))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الآن دقق بدأنا بالعبادة التعاملية ، تحدثت قبل قليل عن العبادة الشعائرية الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادة ...

(( ... وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 العبادة التعاملية إن صحت قطفنا ثمار العبادة الشعائرية .

 

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

 إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فكيف إذا كنا مليارين ؟ الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، وليست كلمتنا هي العليا ، أنا أتكلم عن معظم البلاد لا أحدد ، والكلمة ليست عليا ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل ، بل هناك حرب عالمية ثالثة على الإسلام في شتى بقاع الأرض ، لكن الحقيقة :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ..

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أول بند الاستخلاف ، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ الحقيقة المرة أفضل ، وهناك حرب عالمية ثالثة على المسلمين ، النقطة الدقيقة ، قال تعالى :

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 الثالثة :

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 ثلاثة وعود من الله ، وأنا أرى أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، لابد من أن ننتصر ، ولكن لابد من أن ندفع ثمن الانتصار ، لابد من دفع الثمن ..
المذيع:
 شيخنا نحن لابد أن ندفع ثمن الانتصار لكن ندفع أيضاً أثماناً أخرى نحن نرى ما يجري في كل بلدان العالم .

 

عظمة هذا الدين أنه فردي و جماعي :

الدكتور راتب :
 أقول لك بكل دقة بالغة : الإسلام إسلامان ، إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الفردي أنت عندك ثلاث دوائر تملكها ؛ تملك دائرة نفسك ، تستطيع أن تصلي ، تغض بصرك ، ممكن تحرر دخلك ، ممكن تطلب علماً ، الدائرة الثانية : الإسلام الجماعي ، اسمع الآيتين ، أول آية :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطبق منهج الله ثم تعاقب ، هذا كلام الله ، أما كأمة :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 يا محمد ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، أنا سوف أقول كلمة ، مثلاً بسيطاً ، الجو حار جداً ، اثنان وخمسون ، اشترينا مكيفاً ، يأتي إنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب يضع يده على زر التشغيل يأتيه هواء بارد ، عظمة هذا الدين إذا طبقته قطفت كل ثماره الفردية :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 أما كأمة :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 عندنا إسلام فردي أي شاب ، الآن يوجد بالأرض مليارا إنسان مسلم ، إذا شاب واحد طبق الإسلام في بيته وعمله ، بثلاث دوائر ، نفسه دائرة ، بيته دائرة ، عمله دائرة ، يقطف كل ثماره الفردية ، والدليل :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 أما كإسلام جماعي :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 هذا الأمر بيد الإنسان .

 

الإنسان مخير :

 الإنسان مخير ، أخي الكريم يوجد عقيدة اسمها : عقيدة الجبر، إذا توهمت لثانية واحدة أن الله أجبرك على أعمالك انتهى الدين ، انتهى الاختيار ، انتهى الثواب ، انتهى العقاب ، انتهت الجنة ، انتهت النار ، الله عز وجل أعطانا الاختيار ، والدليل :

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 3 ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 تصور مدير مدرسة أول يوم بالعام الدراسي جمع الطلاب في الباحة وقال : سأتلو عليكم أسماء الناجحين آخر العام ، وأسماء الراسبين ، شيء مقبول ؟ لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، إن صحت العقيدة صح العمل .

 

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

 لذلك الآية الدقيقة جداً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119 ]

 أمر إلهي أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، إلى نزهة مع مؤمنين ، إلى سهرة مع مؤمنين ، إلى عمل مع مؤمنين :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 تحتاج إلى حاضنة إيمانية ، الآية الثانية :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف : 28 ]

 إذاً يوجد مسؤولية كبيرة ، الحقيقة الدقيقة أن الإنسان - يسمون هذا كلاماً حاسماً - - يعيش ، هناك حياة بعد الموت ، تصور يا أخي الكريم بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وكل ميليمتر صفر ، هذا أكبر رقم تتصوره ضعه صورة على مخرج لا نهاية قيمته صفر ، الله خلقنا إلى اللانهاية ، إلى الأبد ، أي رقم تضعه صورة والمخرج لا نهاية القيمة صفر، هذه حياتنا فقط ممكن من أجل سنوات معدودة تخسر الأبد؟ تخسر الجنة ؟
المذيع:
 شيخنا لماذا لا يأتي في قلوبنا وفي حياتنا هذا المعنى ؟ أي نحن لو كل واحد فينا استطاع أن يأتي في قلبه هذا المعنى أن هذه سنوات معدودة لكن هذه الحياة فيما بعد ، لماذا لا يأتي هذا المعنى في قلوب الناس وأنت ترى حضرتك كيفية عيشنا في هذه الدنيا ؟

 

لا إكراه في الدين :

الدكتور راتب :
 والله أنا أعتقد واقبل هذا الكلام مني ، إنسان جالس بألاسكا مع الثلج فقط ، خطر في باله خاطر هل لهذا الكون إله ؟ فقط هذا الخاطر ، الله عز وجل ينتظر هذا الطلب ، يبحث عن عمل في كندا فيجد ، ، يذهب إلى كندا ، يقبل بهذا العمل يفرز إلى دولة شرق أوسطية ، يسكن في بيت إلى جانبه داعية ، ينتظرنا :

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 أما أنه لا إكراه في الدين فالله خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، ومع كل ذلك لم يقبل أن نعبده إكراهاً ، قال تعالى :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 أراد أن تكون علاقة عباده به علاقة حب ، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

 كلمة ثانية دقيقة : إذا توهم متوهم أنه لا يستطيع أن يطيع الله هو في الحقيقة لا يريد أن يطيعه ، قال تعالى :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة : 286 ]

 الوسع يعلمه الله ، أنت بأي مكان ممكن أن تعبد الله ، في الغنى والفقر ، والصحة والمرض ، والقوة والضعف ، وأن تكون في بلد إسلامي وبلد غير إسلامي ، أنا معلوماتي دقيقة ، أنا زرت معظم بلاد العالم ، هناك تعطش للإسلام شيء عجيب ، يقول فيلسوف بريطاني : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام .
 لكن لابد من أن أقول كلمة دقيقة ، مرة كنت في أمريكا وزرت معمل سيارات ، معمل جنرال موتور كاديلاك ، قال لي المرافق ويوجد معه مترجم : هذه المركبة فيها ثلاثمئة ألف قطعة، أنا كراكب سيارة اختصرتهم إلى سبع قطع ، الغلاف المعدني ، والمحرك ، والمقاعد ، و المقود ، والعجلات ، والبنزين ، أنا ممكن هذا المثل أستغله لتحديد كليات الدين الكبيرة ، أول كلية العقيدة، الفكر ، المنطلق النظري ، الأيديولوجيا ، إن صحت العقيدة صح العمل ، إن لم تصح العقيدة لا يصح العمل ، فلابد من أن تعتقد اعتقاداً صحيحاً ، لابد من طلب العلم ، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ، أنت تستطيع أن تدخل إلى طبيب من دون مبلغ في جيبك ؟ مستحيل ، عند محام ؟ مهندس ؟ إلا في أمور الدين ادخل إلى أي جامع ، استمع إلى أحلى درس ، اسمع الدروس بالإذاعة ، شاهدها بالتلفاز ، كله مجاناً ، الله عز وجل ينتظرنا :

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ...))

[ ورد في الأثر ]

 خلقنا ليرحمنا ، والدليل :

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 خلقنا ربنا ليرحمنا .

 

خيار الناس مع الإيمان خيار وقت فقط لا خيار قبول أو رفض :

 العبرة أن أصحو في الوقت المناسب ، من هو أكفر كفار الأرض ؟ فرعون الذي قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

 والذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

 فرعون عندما أدركه الغرق قال :

﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس : 90 ]

 معنى ذلك أن خيار الناس مع الإيمان خيار وقت فقط ، لا خيار قبول أو رفض ، لذلك :

﴿ يَومَ يَأتي بَعضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إيمانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت في إيمانِها خَيرًا﴾

[سورة الأنعام: ١٥٨]

 فالبطولة أن تسارع إلى طاعة الله ، قال تعالى :

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة آل عمران : 133 ]

 لذلك الأمر بيد الله عز وجل ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، دقق قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الأمر الـ للجنس، ماذا تعني أل الجنس ؟ يوجد ال التعريف ، ال العهد ، ال الجنس ، أي أمر من آدم إلى يوم القيامة في القارات الخمس يرجع إليه :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، الإنسان إذا طلب الحق ، أحبه الله :

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :

 في الإسلام جانب عقدي ، تصور ، أيديولوجيا ، فكر ، منطلق نظري ، مكانه في الدماغ ، جانب حركي ، تجوع تبحث عن الطعام ، لماذا وصف الله الأنبياء أنهم كانوا :

﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[سورة الفرقان : 20 ]

 هم مفتقرون في وجودهم إلى الطعام ، ومفتقرون إلى ثمن الطعام ، يمشون في الأسواق ، أنت بحاجة إلى الله هذه حاجة إلى بقائك كإنسان ، بعد الأكل والشرب تبقى حياً ، والزواج يبقى النوع البشري مستمراً ، بعد أن أكلت وشربت وبقيت حياً ، وتزوجت وأنجبت ، صار لك نسل ، عندك حاجة ثالثة ، الثالثة الحاجة إلى بقاء الذكر ، تتفوق تكون الطالب الأول ، المهندس الأول ، الداعية الأول ، الطبيب الأول ، الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، والحاجة إلى الطرف الآخر حفاظاً على بقاء النوع ، والحاجة إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، كل هذه الحاجات مؤمنة بالدين .
المذيع:
 ربما الكثير من الناس اليوم ونحن نعيش في زمن الفتن لم يصل إلى هذه الدرجة من فهم الأشياء ، والأمور الذي تفضلت بها ، ربما ما تفضلت به كثير منا يغيب عنه المعاني الحقيقية لهذه الأمور ، بشكل مختصر ..

 

سلامة الإنسان وسعادته واستمراره وتألقه في الوصول إلى الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 الجواب كلام النبي صلى الله عليه وسلم :

((اشتقت لأحبابي ، قالوا : أو لسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان ، الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، قالوا : و لمَ ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون))

[ الترمذي عن أنس]

 كل شيء بثمنه طبعاً بشكل عام :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة : 286 ]

 الآن يوجد عقبات أو صوارف – مغريات - الأجر غال جداً ، وكل إنسان يحب نفسه ، وأنا أقول لك قطعاً : لا يوجد إنسان من ثمانية مليارات إلا حريص على سلامته ، من يحب المرض ؟ لا أحد ، وحريص على دخله ، وسلامته ، وسعادته ، هذا شيء ثابت ، سلامتك وسعادتك واستمرارك وتألقك أن تصل إلى الله عز وجل .

 

بطولة الإنسان أن يعرف الله في الوقت المناسب :

 عندنا لذة معروفة ، اللذة مشكلتها دائماً ينقصك أحد شروطها ، في البدايات يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال ، في المنتصف يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت ، عندك عمل مستمر ، بعد أن تقاعدت ، والأولاد أخذوا العمل ، عندك وقت ومال وفير ، لكن لا يوجد صحة ، هذه اللذة ، لذلك الذي ترك ثلاثة وتسعين ملياراً هو غني كبير بيل غيتس قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، شخص آخر معه سبعمئة مليار ، إنسان حكم اليابان سبعين سنة ، لا يوجد سعادة :

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

 فالبطولة أن تعرف الله في الوقت المناسب ، ومليون دليل أقسم لك بالله مليار دليل مثلاً أشد مكان تصحري في الأرض أين هو ؟ الربع الخالي ، يأتي نبي أمي يقول :

((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى .... تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 الآن الربع الخالي مثل سويسرا أخضر كله ورود ورياحين ، النبي صلى الله عليه وسلم كيف عرف الحقيقة ؟ مثلاً النبي صلى الله عليه وسلم أمي قال كلمتين : " إذا ذبحتم الدابة لا تقطعوا رأسها " . تذبح خروفاً إياك أن تقطع رأسه ، اقطع أوداجه فقط ، الشرايين الكبرى ، ما الحكمة ؟ العالم الغربي كله يقطع رأس الدابة واللحم أزرق ، يوجد تعليل علمي الآن اكتشفوه ، هذا القلب يتلقى أمر تنبيه من مركز كهربائي ذاتي في القلب نفسه ، يضرب ثمانين ضربة لو تعطل المركز ، مركز ثان احتياطي في القلب ، تعطل الثاني ، مركز ثالث احتياطي ، لكن لو إنسان يمشي في بستان وجد أفعى ، ما الذي حصل ؟ يلزمه مئة وثمانون ضربة قلب ، هذا الأمر يأتي من الدماغ ، رأى ثعبان انطبعت صورة الأفعى على شبكية العين ، انتقلت هذه الصورة للدماغ مركز الرؤية ، درس بالعلوم عن الأفعى ، سمع قصة من جدته عن الأفعى ، فهذه المشاهدات ، والمعلومات ، والدراسات تشكل ملفاً اسمه : ملف الأفعى ، فهذا الملف موجود بالدماغ ، أدرك ، يرسل الدماغ رسالة هرمونية إلى غدة اسمها الكظر ، فوق الكلية ، تقول : هناك خطر تصرف ، هذا الكظر يعطي أمراً للقلب لرفع النبض إلى مئة وثمانين ، الخائف ضربات قلبه حوالي مئة وثمانين ، يعطي أمراً ثانياً للرئتين يتضاعف وجيبهما ، الخائف يلهث ، يعطي أمراً للكبد يطلق سكراً إضافياً ، سكر الخائف مئة وثمانون ، وليس تسعين ، يرسل أمراً ثالثاً إلى هرمون التجلط ، لو أكل ضربة سكين ، بدل أن يسيل الدم ويموت مكان الجرح الدم يتجلط ، صنع من ؟ قدرة من؟ علم من ؟ مثلاً الآن يوجد تقدم علمي مذهل ، كل الأقطار عندها أمطار ، حسبوا التهطال السنوي في الأرض تفاجؤوا أن التهطال لا يتغير ، تتغير أماكنه فقط ، يأتي نبي أمي يقول :

(( ما عام بأمطر من عام ))

[ الجامع عن ابن مسعود]

 ما هذا ؟ أنا لي كتاب في الإعجاز موجود في الموقع ، طبع عشرون طبعة في سنة واحدة ، يسحب مجاناً ، في موقعي أربعة وستون كتاباً ، تسحب الكتاب لعندك مجاناً ، افتح على تحميل كتب ، الكتاب يأتي بكل صفحاته حتى بغلافه يأتي على كومبيوترك ، العلم ممتع جداً .
المذيع:
 شيخنا سوف نتحدث أكثر من ذلك عن تفاصيل لكن اسمح لي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي مع فاصل قصير ..
 ربما نحتاج إلى أيام مع الدكتور لكن بقدر المستطاع سنسأل الشيخ بعض الأسئلة مرحباً بك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
الدكتور راتب :
 بارك الله بك ، ونفع بك . لكن جاء بالإعلان خصومات من خصومة ، صوابها حسومات ، الخصومات بالخصام .
المذيع:
 شيخنا المشكلة في انتقاء الكلمات اسمح لي نحاول مع فضيلتك التقاط الأمور التي سأل عنها الناس بداية لو افترضنا أن النصر قادم بعد عام أو عامين أو ربما في الغد هناك من يقول : إننا أمة ليست جاهزة هل هذا صحيح ؟

 

من هان أمر الله عليه هان على الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإيمان شيء ثمين جداً ، الإنسان حتى يضع حرف دال أمام اسمه – أي دكتور - يجب أن تدرس ابتدائي ، إعدادي ، ثانوي ، جامعة ، إن كان آداب ليسانس ، وإن كان علوم بكالوريوس ، دبلوم عامة ، دبلوم خاصة ، ماجستير ، دكتوراه ، ثلاث وعشرون سنة دراسة حتى يضع على بطاقته دالاً قبل اسمه ، وتريد أن تدخل الجنة إلى أبد الآبدين ولا يوجد عندك وقتا لتحضر درس علم ؟ لتطلب العلم ؟ لتقتني تفسيراً ؟ تقرأ تفسيراً ، تسأل سؤالاً ، إهمال الدين ، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله ، المسلمون أخي الكريم- والكلام دقيق جداً وعلمي- يملكون نصف ثروات الأرض بالضبط ، يجلسون على أخطر موقع في الأرض ملتقى قارات ثلاثة ، الإيجابيات تفوق حدّ الخيال ، لا يوجد أمة تملك تاريخاً مشتركاً ، أهدافاً مشتركة ، ديناً واحداً ، إلهاً واحداً ، وبأس المسلمين بينهم ، السبب في كلمة واحدة ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله .

 

من طبق منهج الله قطف كل ثماره :

 أنا أطمئن الأخوة الشباب ، كما قلت قبل قليل يوجد إسلام فردي ، شاب واحد ، مسلم واحد ، امرأة واحدة ، تطبق منهج الله في ثلاث دوائر ؛ في نفسها دائرة ، في بيتها دائرة ، في عملها دائرة ، تقطف كل ثمار الدين ، الإنسان جبل على حبّ ذاته ، حبّ وجوده ، وسلامة وجوده ، واستمرار وجوده ، فلابد من بحث عن الحقيقة ، لابد من طلب العلم ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، المركبة فيها كليات ، فيها محرك ، فيها بنزين ، فيها عجلات ، فيها مقود ، مهما كانت المركبة غالية من دون محرك ليست مركبة ، من دون وقود لا تمشي .
المذيع:
 شيخنا من هذه الدوائر ربما ...
الدكتور راتب :
 ما لم تجمع أركان الدين ؛ عقيدة سليمة ، استقامة ، عمل صالح ، اتصال بالله ، لن تقطف ثماره .
المذيع:
 بعد ذلك يأتي النصر .

من عرف سرّ وجوده وغاية وجوده سلم وسعد :

الدكتور راتب :
 يوجد فولكلور إسلامي ، أنا بلغني أن القرآن الكريم قرئ في فرنسا من كبار القراء على أنه ليس كتاباً مقدساً بل فولكلوراً إسلامياً ، كتاب خالق الأكوان .
 أخي الكريم سؤال : نحن لا يوجد عندنا بالدول كلها جهة تشريعية ، جهة تنفيذية ، الوزارة جهة قضائية ، الثلاثة عمل أرضي ، لكن يوجد عندنا وحي السماء ، نحن عندنا وحي السماء وعندنا وحل الأرض ، ما لم نبحث عن وحي السماء ، عن كلام خالق الأكوان ، كلام سيد الكائنات النبي صلى الله عليه وسلم ، شيء خطير ، عفواً بيت مرتب ، صالونات ، غرف نوم ، سيارتان أو ثلاث ، المصير إلى قبر ، عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
 أنا أخاطب الأخوة المستمعين والمشاهدين ؛ الإنسان حريص على سلامته وسعادته واستمراره ، إذا عرف سرّ وجوده وغاية وجوده سلم وسعد ، القبر قد يكون روضة من رياض الجنة، أما يتفاجأ بالموت وليس له عمل صالح ، ولا استقامة ، ولا دعوة إلى الله ، ولا أسرة منضبطة ، ولا زوجة صالحة ، ولا أولاد أبرار ، ولا بنات محتشمات ، قضية خطيرة جداً ، والحقيقة أخطر شيء الموت ، عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ، البطولة والذكاء والنجاح والتفوق والسعادة أن تعرف الله :

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

أركان النجاة :

 الحقيقة ما وجدت تعريفاً للإنسان جامعاً مانعاً كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري: الإنسان هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه . هو زمن ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال تعالى له :

﴿ وَالْعَصْرِ﴾

[ سورة العصر: 1 ]

 واو القسم ، أقسم الله خالق الأكوان ، الذات الكاملة ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، أقسم له بمطلق الزمن قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 2]

 خاسر ، يا رب لم الخسارة ؟ قال : لأن مضي الزمن يستهلكه فقط ، ما النجاة ؟

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 3]

 هذه عند الإمام الشافعي أركان النجاة ، لابد من البحث عن الحقيقة ، ولابد من طلب العلم ، شئت أم أبيت من أنت ؟ أنت المخلوق الأول المكلف المفضل ، أنت مكلف بالعبادة ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية . جاء الله بك إلى الدنيا كي تعمل صالحاً ، دقق ..

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة العصر: 3]

 ماذا يقول الإنسان عند وفاته ؟

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 معنى ذلك علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، لم سمي صالحاً ؟ لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، هذا العمل الصالح علة وجودنا ، يجب أن تبحث عن عمل صالح ، عن إطعام يتيم ، عن دعوة إلى الله ، عن طلب علم ، ضبط البيت ، ضبط الدخل ..
المذيع:
 شيخنا ربما بعد كل الذي تفضلت به الأمة جاهزة في حال ضبطنا كل هذه التسلسلات، هناك من يتحدث والكثير من العلماء قالوا منذ سنين تحدثوا عن موضوع انتهاء اليهود، أو انتهاء الاحتلال بعد عامين ، هذا التساؤل يسأل عنه الناس هل يعتقد فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي اليوم أن هذا الأمر ربما يصبح حقيقة في الأيام المقبلة في ظل هذه الأوضاع التي نتعرض لها ، البعض قال اليوم : هذه أزمة كورونا أو الذي صار ربما يكون هو بداية النصر ماذا تقول ؟

 

التفاؤل والشعور بالثقة بالله من صفات المؤمن :

الدكتور راتب :
 أنا متفائل لقوله تعالى :

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 140]

 لا يمكن لشيء أن يستمر ، ملك سأل وزيره : قل لي كلاماً إن كنت حزيناً أفرح وإن كنت فرحاً أحزن ؟ قال له : كل حال يزول ، والدليل :

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 140]

 التفاؤل والشعور بالثقة بالله من صفات المؤمن .
المذيع:
 شيخنا لكن اليوم نحن نرى الاحتلال أو دول الغرب هي التي من تملك القوى العظمى، هي من تملك كل شيء ونحن في ضعف مستمر ، الجميع الحمد لله عنده ثقة بالله لكن ربما هذه الثقة مزعزعة أو ناقصة ؟
الدكتور راتب :
 إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، كن قوياً بعلمك ، بعملك أتقن عملك ، صحابي دفن ، يوجد فرجة في القبر فالنبي انتقد الحفار قال : إنها لا تؤذي الميت ولكنها تؤذي الحي .
 الغرب أتقن العمل ، الغرب تماسك ، في الغرب إيجابيات ، الحقيقة هناك أشياء إيجابية أنا لا أنكرها ، الدنيا تصلح بالكفر والعدل ، قال ذلك ابن تيمية ، ولا تصلح الدنيا بالإيمان والظلم ، إذا نحن لا يوجد عندنا ظلم ، يوجد عدل ، ننتصر ، قال تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 والله زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، أنا متفائل وليس تفاؤلي أبله .
المذيع:
 وجب على المسلمين في كافة أقطار الأرض بالرغم من كل ما يجري أن يكون هناك تفاؤل .
الدكتور راتب :
 والتاريخ القريب يؤكد ذلك .
المذيع:
 شيخنا دعني أنتقل إلى محور آخر ، نحن على أعتاب نهاية هذا الشهر الفضيل كيف نفوز بشهر رمضان المبارك ؟

 

رمضان شهر التوبة والقرب من الله :

الدكتور راتب :
 رمضان شهر استثنائي ، شهر القرب من الله ، شهر التوبة ، الإنفاق ، دفع الزكاة ، التواصل ، التراحم ، أما إذا أصبح رمضان شهر ولائم ومسلسلات انتهى رمضان ، ثاني أكبر عبادة بالإسلام ، صمنا نهاره وقمنا ليله ذقنا طعم القرب من الله ، طعم المحبة ، طعم صلة الرحم، طعم قراءة القرآن ، هذا الشهر شهر العودة إلى الله ، لماذا نقول في العيد : الله أكبر ؟ على ما هداني ، والآية تقول :

﴿ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾

[سورة الحج : 37]

 أنت إذا لم تنتقل نقلة نوعية في رمضان ، ثم عدة رمضانات تراكمية ، نوعية وتراكمية معنى هذا لم تصم ، إذا بعد رمضان عدت إلى ما كنت عليه قبل رمضان كأننا ما صمنا رمضان .
المذيع:
 شيخنا أغلب الناس عندما ينتهي رمضان أغلب الناس تعود إلى ما كانت عليه قبل رمضان .
الدكتور راتب :
 ما استفادوا من رمضان إطلاقاً ، قال الشاعر شوقي طبعاً هو ما طبقها نفى عنه تطبيقها قال :

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي  مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
***

 انتهى رمضان .
المذيع:
 مع الأسف .
الدكتور راتب :
 مادام عدنا بعد رمضان إلى ما كنا عليه قبل رمضان أقسم لك بالله كأننا ما صمنا رمضان .
المذيع:
 شيخنا كثير من الصدمات النفسية تعرض لها المسلمون جراء مواقف سلبية لبعض الدعاة ، كيف يفترض أن تكون النظرة الصحيحة من الناس للدعاة ؟

 

صفات الداعية :

الدكتور راتب :
 الدعاة أولاً نص صحيح لتفسير صحيح لتطبيق صحيح ، أسلوب حكيم ، قرآن وسنة، القرآن قطعي الثبوت ، والسنة ظنية الثبوت ، النص صحيح ، شرحه صحيح ، تطبيقاته رائعة ، أنت تطبقه ، هو الحقيقة قال تعالى :

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

[ سورة الأحزاب : 21]

 يحدثك بكلامه ، كلام رائع ، يطبق ما يقول ، ويدعو إلى ما يقول ، إذا طبقنا هذا الفرج قائم ، الفرج بين أيدينا والله .
المذيع:
 شيخنا إذا سألت فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي عن موقف مازلت تذكره وترك في نفسك الأثر الكبير حتى هذه اللحظة ؟

 

من يعقد العزم على طاعة الله ينل من الله إكراماً كبيراً :

الدكتور راتب :
 الإنسان عندما يعقد العزم على طاعة الله يرى من الله إكراماً كبيراً جداً ، ينقذه من مواقف حرجة كثيرة ، يدله على شيء لم يخطر في باله ، يوفقه بزواجه ، بعمله ، يختار حرفة راقية فيها نفع ..

((وإنما بعثت معلماً))

[ابن ماجه عن ابن عمرو]

((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))

[رواه أحمد عن أبي هريرة]

 أنا علمت أربعين سنة ، وبالدعوة صار لي خمسون سنة ، التعليم صنعة الأنبياء ، النبي صلى الله عليه وسلم قال :

((وإنما بعثت معلماً))

[ابن ماجه عن ابن عمرو]

((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))

[رواه أحمد عن أبي هريرة]

 فالإنسان إذا عرف سر وجوده وغاية وجوده ينال كل شيء ، الله ينتظرنا .
المذيع:
 شيخنا لولا ستر الله علينا جميعاً بكل أطيافنا شيوخ عوام لكان الحال لا يمكن وصفه ، الستر مفهوم كبير وعظيم ، هل من تعريف سريع عن الستر كيف هذا المفهوم ؟

 

تعريف الستر :

الدكتور راتب :
 الله من عظمته ، من جلاله ، من كماله ، يظهر للناس المليح ويبعد عنهم القبيح ، الله ستير ، صيغة مبالغة يظهر الشيء المليح في حياتك ويخفي القبيح ، إلا إذا الإنسان عمل عملاً سيئاً فهو لا يستحي من الله :

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾

[ سورة الحديد : 4 ]

 أنا أقول كلمة : إذا شخص دخل برمضان ، والحرارة اثنتان وخمسون ، وهو وحده في البيت ، لماذا لا يشرب ؟ عنده يقين أن الله يعلم ، فإذا علمت أن الله يعلم قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل ، آخر كلمة : و من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
المذيع:
 شيخنا نسأل الله أن يلطف بنا .
الدكتور راتب :
 والصلحة بلمحة الله يحبنا ، آخر آية :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر : 53 ]

 أي لا يوجد معصية لم يفعلها ..

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53 ]

 هذه آية مبشرة ، الله كريم ، رحيم ، حنان ، منان ، عفو ، حكيم ، أسماؤه كلها حسنى ، البطولة أن تعرفه :

(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

المذيع:
 أكرمك الله دكتور قبل أن أختم مع فضيلتك وأنت تعيش الآن في الأردن ونحن نتشرف بوجودك معنا في الأردن ما هي الكلمة التي توجهها إلى أهل الأردن ؟

 

كلمة من الدكتور راتب لأهل الأردن :

الدكتور راتب :
 أنتم في هذا البلد الطيب عندكم ثلاث نعم كبيرة جداً ، عندكم شيء مألوف لكن لا تنتبهون لها ، الأردن يتميز أن التدين ليس تهمة تحاسب عليها ، ما عندكم ضبط متلبساً بالصلاة أبداً ، ثم هناك حكومة قوية تحاسب وتعاقب ، لكن لا يوجد عندها قتل ، والشعب أطياف هناك الهاشمي والفلسطيني لكن لا يوجد أحقاد تاريخية ، هذه نعم ألفت فنسيت ، الشعب أطياف لا يوجد أحقاد بين أطيافه ، هناك قيادة حكيمة تحاسب وتعاقب لكن لا تقتل ، ثم التدين هنا ليس تهمة تحاسب عليها ، هذه نعم ثلاثة ألفت فنسيت ، الدعاء : اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها .
المذيع:
 أكرمك الله شيخنا .
الدكتور راتب :
 هنيئاً لكم بلدكم الكريم الطيب .

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 أكرمكم الله ، وإن شاء الله عما قريب نفرح بالأمن والأمان الذي يعم سوريا بإذن الله ، أكرمك الله فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي شكراً لك على وجودك معنا ، وعلى كل هذا الوقت الذي منحتنا إياه ، شكراً لكم أنتم أيضاً مستمعينا ومشاهدينا الكرام على طيب المتابعة إلى اللقاء .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور