وضع داكن
23-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 117 - أين نصر الله؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلِّ وسلم ، أنعم وأكرم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مرحباً بكم مستمعينا الكرام ، شيخنا الجليل فضيلة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بكم أستاذنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، وعليكم السلام ورحمة الله .
المذيع :
 وشيخنا ومعلمنا ، أكرمك الله ، شيخنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾

[ سورة محمد : 7]

 أين نصر الله ؟ هو عنوان حلقتنا لهذا اليوم ، وأطرح هذا السؤال الكبير دكتور ، في ظل ما يجري للأمة الإسلامية ، في ظل الاعتداءات على المسلمين ، في الرهنكا من قبل البوذيين ، في ظل الاعتداءات على المواطنين المدنيين ، فيما يحصل في سوريا ، في العراق ، في فلسطين ، وفي كثير من دول العالم الإسلامي ، دكتور ، بات سؤال كبير يطرحه المسلم قبل غير المسلم أين نصر الله ؟

 

من آمن بالدار الآخرة هانت عليه مصائب الحياة الدنيا :

الدكتور راتب :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 بادئ ذي بدء : يجب أن ننطلق من مسلمات في الإسلام ، إن هذه الدنيا دار التواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
 الإنسان حينما يضع كل ثقله في الدار الآخرة تهون عليه مصائب الحياة الدنيا ، مثلاً : لو أن مريضاً معه التهاب معدة حاد ، زار الطبيب ، أخضعه لحمية قاسية جداً لستة أشهر ، وعده بالشفاء التام ، أما المريض الآخر فكان معه مرض خبيث منتشر في كل جسمه ، الأول سأله : ماذا آكل ؟ أخضعه لحمية قاسية جداً ، لأن الشفاء محقق ، والثاني قال له : كُلْ ما شئت ، أيهما أفضل ؟ قال تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 فأنا والله أتمنى من أعماق أعماقي أن أعالج طوال حياتي ، وأن أكون عند الموت من أهل الجنة .

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء : 88 ـ 89]

 ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يعبد إلا الله ، فنحن إذا فهمنا على الله حكمة المصائب ، وحكمة ما نحن عليه ، ببعض الآثار النبوية :

((تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً))

 هذه من أحاديث قيام الساعة .

((...فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))

 فنحن حينما نعالج ، والأمل كبير بالشفاء التام ، والتمتع بآخرة :

(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 أفضل ألف مرة من أن نؤتى الدنيا كما نريد ، ثم ينتظرنا عذاب شديد .
المذيع :
 دكتور ، إذا قلنا إذاً هي تمحيص من الله سبحانه وتعالى ، وتطهير لهذه الأمة ، دكتور الأمة الغربية اليوم بعيدة عن الله تبارك وتعالى ، تغرق في الإلحاد ، والابتعاد عن كل قوانين الشرع رغم ذلك هي منعمة .

 

للدنيا موازين :

الدكتور راتب :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 الآية عن الغرب :

﴿ مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 دقق ، لم يقل : باب ، أبواب ، لم يقل شيئاً :

﴿أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 لذلك أفضل مليار مرة أن أعالج في الدنيا ، وأن أمحص ، وأن أبتلى ، وأن أنجح ، وأن تأتيني المنية وأنا مؤمن ، أستحق جنة الله عز وجل ، الجنة للأبد ، ما الأبد ؟ أي مئة سنة ، أم ألف سنة ، أم مئة ألف ، أم مليار ، أم مئة مليار ، أم مليار مليار ؟ الأبد هو الخلد ، الأبد لو قربت الموضوع : واحد في الأرض وأصفار للشمس ، كل ميلي صفر ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر أصفار ، ما هذا الرقم ؟ للشمس رقم ، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية صفر ، الله دعانا إلى لا نهاية ، إلى جنة ، إلى أبد الآبدين ، فإذا أضعناها من أجل سنوات معدودة نمضيها في الدنيا مع الآثام والمعاصي ، لا نكون ناجحين في حياتنا .
المذيع :
 إذاً دكتور ، فتح الله عز وجل على الغرب ، وجزء كبير من الدول العالمية ، هو فتح باعتبار أن جزءاً كبيراً منهم ابتعد عن درب الله سبحانه وتعالى ، فكانت هذه الدنيا لهم ، أما الآخرة فلها ملف مختلف .
الدكتور راتب :
 لكن يوجد قانون :

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[سورة الأنبياء : 105]

 هنا معنى الصالحون؛ لا تعني صلاحاً دينياً بل صلاحاً إدارياً .

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[سورة الأنبياء : 105]

 أي صالحون لإدارتها ، أي حكم كافر ، يقيم تأميناً صحياً ، هذا أقوى من حكم مسلم عنده مظالم ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة ، كما قال ابن تيمية ، على الأمة المسلمة الظالمة ، وتصلح الدنيا بالكفر والعدل ، ولا تصلح بالإيمان والظلم ، هذه حقائق سيدي ، فالله عز وجل ، الدنيا لها موازين .
المذيع :
 الصالحون لإدارتها يمكنهم الله من إدارة الأرض .

 

إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة :

الدكتور راتب :
 دولة تقيم تأميناً صحياً لكل الناس ، هناك دول يموت المريض وليس معه ثمن المعالجة ، أيهما أقوى ؟
المذيع :
 فربنا يمكّن هذا النظام الذي أعطى حقوق الإنسان .
الدكتور راتب :
 إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة ، على الأمة المسلمة الظالمة .
المذيع :
 إذاً معيار استخلاف ربنا للإشخاص لإدارة الأرض هو معيار صلاحهم الدنيوي في إدارتها .
الدكتور راتب :
 مرة ثانية :

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا ﴾

[سورة الأنبياء : 105]

 في الدنيا :

﴿عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[سورة الأنبياء : 105]

 لإدراتها .
المذيع :
 جميل ، هل لهذا المصطلح دكتور ، ارتباط بمصطلح الاستخلاف الشرعي في الأرض ، وأن المسلم أو الإنسان هو خليفة الله في الأرض ؟

على المسلم أن يكون هو خليفة الله في الأرض :

الدكتور راتب :
 الأولى أن يكون المسلم هو خليفة الله في الأرض .
المذيع :
 نعم ، لكن بشرط إذا كان صالحاً لإدارتها دنيوياً .
الدكتور راتب :
 نعم .
المذيع :
 نعم ، لكن إذا أصبح هناك تفاضل دكتور بين كافر مؤهل دنيوياً ومسلم غير مؤهل دنيوياً ؟
الدكتور راتب :
 الكافر .
المذيع :
 سبحان الله .
الدكتور راتب :
 يوجد نص دقيق جداً :
 ما أحسن عبدٌ من مسلمٍ أو كافر إلا وقع أجره على الله .
 في الدنيا ، وفي الآخرة ، مثلاً كافر عمل تأميناً صحياً ، عمل تكافؤ فرص ، أحدث فرص عمل ، كافر بدافع من ذكائه ، ومن رغبته أن يبقى حاكماً لفترة طويلة ، يأتي حاكم مسلم يرفع شعارات إسلامية ، الصلوات ، والأذان ، والدروس الدينية ، والبرامج التلفزيونية الدينية ، وهو غير منصف مع الناس ، من يستحق أن ينتصر ؟ يستحق الأول والنصر يستحقه .
المذيع :
 دكتور ، لم يك مؤمناً في الله ، لكنه أحسن في هذه الدنيا ، هل يكافأ في الآخرة أم فقط في الدنيا ؟
الدكتور راتب :
 لا في الدنيا :
 ما أحسن عبدٌ من مسلمٍ أو كافر إلا وقع أجره على الله .
 في الدنيا أم في الآخرة ؟ إذا كان مؤمناً بالآخرة نُصِر في الدنيا والآخرة معاً .
المذيع :
 إذا آمن في الدنيا وحدها ؟

أحد أكبر أسباب التفوق في الدين الآن هذه الشدة التي نتحملها :

الدكتور راتب :
 في الدنيا ينال أجره في الدنيا .
 المذيع :
 يكافأ في الدنيا . أسئلة كثيرة جداً دكتور ، تقودنا إلى سؤال الحلقة الرئيس ، أين نصر الله ؟ ولماذا دول دون دول أخرى هي التي تتعرض للابتلاءات ؟
 دكتورنا الكريم ، إذاً فهمنا من فضيلتكم في القسم الأول من الحلقة أن الله إذا فتح الدنيا على أحد لا يعني أن الله راضٍ عنه ، وأن الله إذا مكن الإنسان من خلافة هذه الأرض فعادة ما يكون هذا الإنسان هو صالح لإدارتها .
الدكتور راتب :
 في الدنيا .
المذيع :
 أنا أسأل فضيلتكم سؤالاً آخر دكتور : بعض الظالمين في تاريخ العالم وليس في الدول الإسلامية ، تمكنوا من إدارة شعوبهم ، كان ظالماً ، وكان دكتاتورياً إلى أبعد الحدود ، لماذا مكن من هذه الأرض ؟
الدكتور راتب :
 لأنه الله حينما يمكّن إنساناً يستخدمه في معالجة عباده ، يستخدم هذا الممكَّن في الأرض غير المؤمن في الضغط على المسلمين ، أنا أقول كلمة دقيقة : بسبب الشدة التي نعيشها على ديننا ، والله أحد أكبر أسباب التفوق في الدين الآن هذه الشدة التي نتحملها .
المذيع :
 لنشرح أكثر سيدنا هذه الفكرة .
الدكتور راتب :
 الشدة تسوقنا إلى باب الله ، الإنسان بالرخاء أحياناً ينسى الله ، حينما تأتي شدة هذه الشدة تدفعه إلى باب الله ، فكأن أعداء الدين لهم دور إيجابي مع المؤمنين ، حينما قسوا عليهم ، وضغطوا عليهم ، وبالغوا في إيلامهم ، هؤلاء المؤمنون ليس لهم إلا الله ، أقبلوا عليه ، واصطلحوا معه ، واستقاموا على أمره ، وأصلحوا العلاقة معه ، فانتصروا .
المذيع :
 هذا قد يكون جزء من حكمة الابتلاء التي تتعرض لها الأمة الإسلامية ؟

كل الشدائد تسوق العباد إلى الله سوقاً :

الدكتور راتب :
 أبداً ، سيدي عندي مقولة أقولها دقيقة جداً ، أنا قلتها مئة ألف مرة في حياتي : كل شيء وقع بالخمس قارات ، من آدم إلى يوم القيامة أراده الله ، معنى أراده لا تعني أراد به ، ولا أمر به ، مثلاً إنسان تزوج امرأة ، هو طبيب ، وبعد عشر سنوات أنجب أول ولد ، وكان الولد فائق الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الأب الطبيب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة ، هذا الأب الذي تعلق بابنه تعلقاً مذهلاً يسمح بتخدير ابنه تخديراً شاملاً ، وفتح بطنه واستئصال الزائدة .
 فكل شيء وقع أراده الله ، معكوسة ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والإرادة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، لا يوجد في الكون شر مطلق ، المطلق الشر للشر ، لكن يوجد عندنا شر موظف للخير ، هذا لم يعد شر مطلق ، فكل الشدائد تسوق العباد إلى الله سوقاً .
المذيع :
 لكن كل شيء قدره الله في هذه الدنيا شيخنا ، أي وقع بعلمه ودرايته سبحانه وتعالى لا يشترط أن يكون ضمن قوانين الإله بالعدل مثلاً ، يمكن أن يقع الظلم في هذه البلاد .
الدكتور راتب :
 لا ، عندنا جواب دقيق جداً : سيدنا عمر جيء له بشارب خمر ، فقال : أقيموا عليه الحد ، قال : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك ، أي قدر عليّ شرب الخمر ، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرةً لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال له : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .

عندما قبِل الإنسان حمل الأمانة كان المخلوق الأول :

 لا يمكن ولا يعقل أن نفهم أن الله عز وجل كتب على إنسان شرب الخمر ، فلما شربها دفعه إلى النار ، هذا شيء مستحيل ، يتناقض مع مليون قيمة .

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

 أنت مخير ، بأي لحظة ننفي اختيار الإنسان ألغينا الدين كله ، ألغينا الآخرة ، ألغينا الجزاء ، العقاب ، الجنة ، النار ، أصبح الدين تمثيلية سمجة .
 هل تصدق مدير مدرسة في أول يوم بالعام الدراسي يعتلي منصة ، وأمامه كل طلاب المدرسة ، ويقول : سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام ، وأسماء الراسبين ، انتلقوا إلى الدراسة ، أي دراسة ؟ مستحيل ، قال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، مرة لأنه افترى على الله .

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148 ]

المذيع :
 شيخنا ، أعود معكم مرةً أخرى إلى قضية ما قدره الله ، لماذا قدر الله أن يقع الشر بين الناس ؟ لماذا قدر الله أو سمح الله أن يأكل الظالم حق المظلوم ؟
الدكتور راتب :
 الإنسان في الأصل مخير ، عرض الله :

﴿ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 هذا العرض في عالم الأزل ، عرض على المخلوقات جميعاً ، كانت نفوساً لا صوراً ، الآن عندنا حصان ، عندنا دابة ، عندنا صخر ، هذه صور ، نحن في عالم الصور ، في عالم الأزل بالقرآن عرض الله :

﴿ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ما سوى الله .

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 فلما قبل الإنسان حمل الأمانة كان المخلوق الأول ، الملائكة أشفقن منها والحيوانات أشفقن منها ، لكن الملائكة آثروا العقل ، والحيوانات الشهوة ، فالحيوان ليس عنده إلا شهوته .

 

مقومات التكليف :

 قال سيدنا علي : ركب الملك من عقل بلا شهوة ، ركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، وإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة .
 نحن والجن صنفان من المخلوقات قبلنا حمل الأمانة ، فلما قبلنا حمل الأمانة الله عز وجل أعطانا مقوماتها ، أول مقوم أعطانا الكون ، الكون الثابت الواحد الهادف ، الكون يشف عن وجود الله ، ووحدانيته ، وكماله .

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾

[ سورة الذاريات : 20 ]

 ثم أعطانا العقل ميزان علمي ، أعطانا الفطرة ميزان نفسي ، أعطانا الشهوة قوة دافعة ، أعطانا الاختيار قوة متممة ، الاختيار يثمن عملنا ، لو رفع إنسان على إنسان مسدساً ، وقال له : أعطني هذا الخبز الذي معك ، الذي أعطاه الخبز له أجر عند الله ؟ هذا مقهور ، فالحرية تثمن العمل .
 أولاً الكون الثابت الأول ، يشف عن وجود الله ووحدانيته وكماله ، والعقل مقياس أعطانا إياه ، هذا المقياس مهمته أن يتأكد من صحة النقل ، وأن يخضع للنقل ، أعطانا الفطرة ميزان نفسي ، العقل ميزان علمي ، الفطرة ميزان نفسي ، أعطانا شهوة قوة محركة ، أعطانا في النهاية حرية اختيار ، شيء يثمن عملنا .
المذيع :
 كلام طيب وجميل ، الله يفتح عليكم يا دكتور ، دكتور هناك كثير من الأسئلة نطرحها ، ربنا سبحانه وتعالى قال للمظلوم في دعوته :

((لأنصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ))

[أبو داود والترمذي عن أبي هريرة]

 وأن دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، فلماذا وقع الظلم في هذه الدنيا ؟ دكتورنا الكريم الله سبحانه وتعالى مع المظلوم ، والله سبحانه وتعالى ينصر المظلوم أياً كان دينه ، سواء كان مسلماً أو غير مسلم ، موحداً أو لا ، فلماذا وقع الظلم من الأساس ؟ لماذا سمح الله لهذا الظلم أين يقع بالأساس ؟

 

ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج الإنسان عن منهج الله :

الدكتور راتب :
 أنا أضرب لك مثلاً بقصة في دمشق ، يسكن بجوار الجامع الذي أدرس فيه رجل مثقف ثقافة عالية جداً ، معه دكتوراه بالكمبيوتر ، وله زوجة ، أنا القصة عرفتها بعدما حدث معه الحادث ، معها شهادة عليا ، وأنجبا طفلة آية في الجمال ، تعلقا بها تعلقاً مذهلاً ، فإذا بها تصاب بارتفاع في الحرارة تصل للأربعين ، ما ترك طبيباً في الشام ، ستة وثلاثون طبيباً ، أخذها إلى بريطانيا ، تعلق بها تعلقاً مذهلاً ، وهي بهذه الحرارة ، يقول مرة من فمه ، قال لزوجته : لعلنا مقصرين في ديننا ، تعالي لنستقيم أنا وأنت ونصلي ، والله صلوا ، واستقاموا ، ودعوا ربهم ، وأزيلت هذه الظاهرة الخطيرة من هذه البنت ، أنا أذكر بعد عشرين سنة تقريباً ، القصة قديمة جداً ، دعاني إلى عقد قران ابنته ، حضرت العقد ، في آخر العقد سألته : هل هذه هي ؟ قال لي : هذه هي ، جاءت وردت أبويها الملحدين إلى الله .
 هكذا أفعال الله عز وجل ، الإنسان مخير ، واختار الباطل ، واختار الشهوة ، اختار الشر ، الله ممكن يتركه لجهنم ؟ لا ، يسوق له شدة .

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 أنا هذا إيماني والله ، والله ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى القيامة ، إلا ولها سبب ، هذا السبب خروج عن منهج الله عز وجل ، هذا الخروج بسبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
 شخصان من دمشق ، تجار سيارات ، يذهبان إلى ألمانيا ليشتروا من هناك سيارات، لأن بعض الشركات حينما تخف مبيعاتها أو تكون السيارة قد مشت مئة كيلومتر فتبيعها مستعملة ، كانوا يشترون سيارتين من ألمانيا ، هذان الاثنان أحدهما يحضر عندي ، وصلوا إلى رومانيا فدخلوا إلى فندق ، عند منتصف الليل طرق باب الغرفتين لفعل الفاحشة ، أحدهما فتح الباب وفعل الفاحشة ، والثاني خاف من الله و لم يفتح الباب ، وعادوا إلى الشام ، الذي فتح الباب أعماله تدهورت ، حتى اضطر أن يبيع محله ، وأصبح يعمل صانعاً في بخ السيارات ، أما الثاني فقد تحسن وضعه المادي جداً ، فهناك حساب دقيق جداً جداً .

 

الحكمة هي أكبر عطاء إلهي :

 أنا أقول لك كلمة : إنسان تزوج امرأة ، في الشهر الخامس من زواجه بها ، حملها كان في الشهر التاسع ، واضحة كالشمس ، زانية ، قال : أنا أستطيع أن أطلقها أو أسحقها أو أفضحها ، والجميع معي ، أهلها معي ، ابنتهم زانية ، والشرع معي ، والقانون معي ، والأمة معي ، والجيران معي ، لكن هذا الرجل أراد أن يحملها على التوبة ، جاء لها بولادة في الليل ، ولدت ، جاء المولود ووضعه تحت العباءة ، عندنا حي يدعى سوق ساروجة في الشام ، يوجد فيه جامع اسمه جامع الورد ، فدخل إلى الجامع بعدما نوى الإمام الفرض لا يوجد ولا إنسان ، وضع هذا المولود وراء الباب ، والتحق بالمصلين ، فلما انتهت الصلاة ، دائماً الفجر فيه قراءة صفحتين تقريباً بكى هذا المولود ، فتحلق المصلون حوله ، هو تأخر ، ابتعد عنهم لحكمة بالغة، فلما تم تحلق المصلين حول هذا الطفل ، اقترب وقال : ما القصة ؟ قالوا : تعال انظر ! لقيط ، قال : أين هو ؟ قال : هذا هو ، قال : أعطوني إياه أنا أكفله ، أخذه أمام أهل الجامع كلهم على أنه لقيط ورده إلى أمه . إمام الجامع ، والقصة دقيقة جداً ، يرى في المنام رسول الله ، يقول له : قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة .
 الفضيحة سهلة لكن البطولة أن تأخذ بيدها إلى التوبة ، دائماً إقامة الحد سهلة جداً لكن بين أن تبقيها مومس ، انحرفت ، وانتهت عند الله ، وبين أن تتوب عليها ، وتحملها على التوبة ، فالله يلهمنا الصواب والحكمة .
 لذلك أنا أقول : أكبر عطاء إلهي الحكمة ، أنت بالحكمة تجعل البعيد قريباً من الله ، بالحكمة بمال قليل تتدبر أمرك به ، من دون حكمة تتلف المال الكثير ، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، من دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة تجعل العدو صديقاً بلا حكمة الصديق عدواً .
المذيع :
 شيخنا أعود أيضاً إلى مناطقنا ، وإلى دولنا العربية والإسلامية التي هي مليئة بالابتلاءات ، سواءً بالحروب الخارجية ، أو اعتداء بعض الحكام فيها على شعوبهم ، دكتور لماذا حدثت هذه الأحداث بدولة ودولة أخرى لا ، أخبرتنا في مطلع الحلقة أن الغرب نوعاً ما كان له عدالة اجتماعية ، وتأمين ، وكذا ، فمكّنهم الله من أن يرثوا الأرض في إدارتها ، الدول العربية تقريباً متشابهة دكتور ، لحد كبير الظروف واحدة ، غياب كثير من الحريات والعدالة ، لماذا دول دون أخرى ، ما الحكمة الشرعية من هذا دكتور ؟

ما من أمة تشرد عن الله إلا ولها عند الله عقاب :

الدكتور راتب :
 والله أنا أعتقد أن هناك تسلسل ، هناك دور ، ما من أمة تشرد عن الله إلا ولها عند الله عقاب ، العقابات مبرمجة برمجة معينة ، فيها حكمة بالغة ، نحن بلادنا والله عشنا سنوات طويلة بأمن كبير ، الآن في قلق شديد ، مرة العراق ، مرة سوريا ، مرة شمال افريقيا ، مرة ليبيا ، مرة الجزائر ، هناك حكمة بالغة ، أنا أؤمن بالحكمة ، لكن أنا لا أقدر أن أعرف ، عقلي قد لا يدرك التفاصيل ، أنا مؤمن بإخبار الله لي ، أخبرني أنه يوجد حكمة بالغة ، أنا عقلي لا يستطيع أن يكشف الحكمة ، العقل محدود ، مثلاً لو أيقظنا إنساناً من قبر ، ميتاً من خمسين سنة ، أعطيناه سي دي ، قرص مدمج فيه خمسة عشر ألف كتاب ، الموسوعة الشاملة ، سي دي ، هل يصدق ؟ لا يصدق ، عاش بعصر ما كان فيه سي دي ، ليس فيه كومبيوتر ، أنا أحياناً أكبس زراً وأتحدث مع ابني بأمريكا ، بكبسة زر أتحدث إليه وأسأله عن صحته ، وعن أولاده ، هذا الهاتف الخلوي شيء لا يوصف ، نحن ألفناه ، لكن الشعوب السابقة ما وصلوا له ، نحن وصلنا له ، إذاً هناك حكمة بالغة ، والله أنا إيماني هذا الربيع العربي ليس ربيعاً بل خريفاً ، أرجو أن يكون في المستقبل ربيع عربي ، أي هناك دافع .
المذيع :
 دكتورنا الكريم ، دكتور محمد ، الآن هل هؤلاء الذين ظلموا ، هؤلاء الأطفال أحياناً حتى الذين قتلوا وبأبشع طرق كانت ، وفي كثير من الحالات التي مرت على الأمة الإسلامية دكتور ، هل سينصرهم الله سبحانه وتعالى ؟
الدكتور راتب :
 أنا مؤمن بالنصر القادم .
المذيع :
 ماذا يعني النصر دكتور ؟
الدكتور راتب :
 النبي قال :

(( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً))

 هو الصادق المصدوق .

(( ...فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))

 هذا الحديث عن قيام الساعة ، غير حديث يوم القيامة ، يعود فيه سيدنا عيسى .
المذيع :
 هذا آخر الزمان .

 

من يفهم التسلسل الإيماني يرى الحق حقاً والباطل باطلاً :

الدكتور راتب :
 في آخر الزمان ، معاصٍ لا تحتمل .

(( تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))

 نحن بأصعب وقت .
المذيع :
 إذاً سينصرون ، الوقت ، الكيفية ، لا يعلمها إلا الله .
 دكتور ، هذا الكلام للمؤمن بالله ، أن تقول له : ربنا سينصر ، لكن بحكمة الله ، بطريقة الله سبحانه وتعالى ، بعض المسلمين دكتور دخل الشك إلى قلوبهم ، وعقولهم .
الدكتور راتب :
 السبب سيدي أنه لا يوجد تسلسل في حياتهم ، لو أنهم آمنوا بالله أولاً من خلال الثوابت الكون ، ثم آمنوا بقرآنه من خلال الإعجاز ، ثم آمنوا بنبيه من خلال القرآن ، هذا التسلسل الإيماني بالكون أولاً ، هذا لا يحتاج لغة ، هذا يقرؤه الإنكليزي ، والفرنسي ، والعربي ، الكون أولاً ، ثم الإيمان بالأنبياء ، ثم بالقرآن ، الآن وصل لدرجة المشي بالتسلسل يرى الحق حقاً والباطل باطلاً ، هناك إراءة .
 أذكر قصة ، لي مكتب في دمشق ، فأنا في طريقي إلى المكتب ، خرج شخص من مكتب ضخم جداً في الحريقة ، السوق الأول بدمشق ، سوق تجاري أول ، وقال لي : أيمكن أن تشرب معي فنجان قهوة ؟ قلت له : لا مانع ، دخلت محله التجاري ، وجاء لي بالضيافة ، قال لي : عندي سؤال ، شخص نزل من بيته في الميدان ، عنده محل تجاري بسوق مدحت باشا ، هذا المحل لبيع الأقمشة ، سمع إطلاق رصاص ، مد رأسه خارج المحل فجاءت رصاصة في عموده الفقري ، فشل فوراً ، قال لي : هذا ما ذنبه أستاذ ؟ ماذا فعل ؟ جاء إلى محله التجاري ، يريد أن يبيع ويشتري ويؤمن قوت أولاده ، سيدي أليس العمل عبادة ؟ هكذا قال لي ، وأعطاني توجيهات ، قلت له : والله لا أدري ، أنا أعلم يقيناً أن الله عادل بإخباره لي ، لكن ليس عندي إمكانية أن أفهم كل حالة إلا بحالة مستحيلة أن يكون لي علم كعلم الله .
 بعد مضي عشرين يوماً ، لي أخ هو مدير معهدي ، يسكن في الميدان ، كان جالساً معي ، قال لي : لي جار يسكن فوقنا ، عنده محل أقمشة بمدحت باشا ، سمع إطلاق رصاص ، مد رأسه فجاءته رصاصة بعموده الفقري ، فشل فوراً ، قال لي : هذا له أخ توفي منذ سنة وترك بيتاً ، يأخذ منه الأخرة ، فهو اغتصب أجرة البيت من أولاد أخيه الأيتام ، طالبوه مرة ، مرتين ، ثلاث مرات ، ما رد عليهم ، شكوه لعالم جليل كان شيخ القراء ، استدعاه ، قال : لن أعطيهم ، هذا البيت لي ، هكذا بواقحة ، قال لهم : اشكوه إلى الله يا بني ، التاسعة مساء ، في التاسعة صباحاً كان مشلولاً ، أنت ماذا شاهدت ؟ شاهدت إنساناً يفتح محله التجاري ورصاصة طائشة شلته ، لكن لها خلفية .

 

الغرب مشركون بأسبابهم ونحن عصاة بترك أسبابنا :

 لكن أنا الآن أقول كلمة دقيقة : يوجد في حياتي حوالي عشرين أو ثلاثين قصة أعرف تفاصيلها من أول فصل لآخر فصل ، مثل هذه القصة ، لكن عندي خمسة آلاف قصة من آخر فصل شيء محير ، أنا لم أعد أحتار الآن ، أنا أقيس الآن خمسة آلاف قصة على خمس قصص .
المذيع :
 لكن رغم هذا شيخنا الكريم ، دكتور محمد ، في بعض الأشخاص طفل دكتور ، هو لم يصل إلى حد التكليف الشرعي حتى يرتكب شيئاً نعلمه أو نجهله ، مع ذلك يتعرض إلى أبشع أنواع الأذى البشري ويؤدي إلى قتله ، الناس يسألون أين نصر الله لهم دكتور ؟
الدكتور راتب :
 إن نصر الله آت ، لكن ليس بيدك ، هذا إيماني .
المذيع :
 هل هذا الجواب فقط يقنع من يؤمن بالله ؟
الدكتور راتب :
 الموقف الإسلامي الصحيح أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 أقول لك : أنت مسافر سفراً طويلاً إلى العقبة بسيارتك ، ما الموقف الإسلامي الكامل ؟ هل تتوكل فقط ؟ يا رب أنت المسلم ، أنت الحافظ ، لا ، تراجع المحرك ، القشط ، الزيت ، المكابح كلها ، والآن تتوكل .
 جوابي الدقيق : نحن مشكلتنا نتواكل ولا نتوكل ، التوكل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هي ليست سهلة .
 الغرب ماذا فعل ؟ أخذ بالأسباب بأعلى درجة ، واعتمد عليها ، وألهها ، فوقع في وادي الشرك ، والمسلمون لم يأخذوا بها أصلاً وقعوا في وادي المعصية ، هم مشركون بأسبابهم ، ونحن عصاة بترك أسبابنا ، أما الموقف المتكامل المتوازن الوسطي فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع :
 مع هذا دكتور هنالك من يأخذ بالأسباب وأيضاً يتعرض إلى الظلم دكتور ؟

الدنيا دار ابتلاء :

الدكتور راتب :
 هناك حكمة بالغة .
المذيع :
 هنا عليه أن يؤمن بقلبه يقيناً .
الدكتور راتب :
 هناك حكمة بالغة ، مثلاً إذا كان أب كامل ، وأب رحيم ، وأب عالم كبير ، وأب محسن ، وجلس ابنه على الطاولة ليأكل ، يقول له : لا تأكل بابا ، الأب الذي خدم ابنه طوال حياته أليس من حقه أن يقول له حاضر بابا .
المذيع :
 هنالك سبب خفي وراء ذلك .
الدكتور راتب :
 قال له : اذبح ابنك ، ابنه نبي يا سيدي ، لا تصح معه ، نبي ، قال :

﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾

[ سورة الصافات : 102 ]

 أنا أبكي من هذه القصة .

﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾

[ سورة الصافات : 102 ]

 والله كلام ليس بقليل ، اذبح ابنك النبي ؟ فقال لله عز وجل :

﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾

[ سورة الصافات : 104 ]

 قال له :

﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾

[ سورة الصافات : 105 ]

﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة الصافات : 107 ]

 الدنيا دار ابتلاء سيدي ، بطولتك الذي فهمته نعمة ، الذي ما فهمته أوكله إلى الله عز وجل .
المذيع :
 هل هذا الكلام يقنع غير المسلم ؟

 

معاملة الله عز وجل كل إنسان بحسب عمله :

الدكتور راتب :
 غير المسلم عليّ أن أقنعه بوجود الله أصلاً هذا أول شيء ، هناك تسلسل ، إذا أنت ما آمنت بالله من خلال الكون ، هذا الكون الشيء الثابت والهادف ، ثم ما آمنت بالقرآن من خلال العقل والنقل ، يوجد تسلسل إذا ما عرفته وفهمته لن يقتنعوا معك .
المذيع :
 القصد دكتور لو جئنا نحدث عن الإسلام ، أشخاص أصلاً عندهم شك في إسلامهم ، من المسلمين أو من غير المسلمين ، أنتم تقولوا لنا أن الله ينصركم ، والإسلام هو الدين الصحيح ، كيف والمسلمون يذبحون ويتقتلون في كل مكان ؟
الدكتور راتب :
 نصرنا سابقاً ، عندما كنا معه نصرنا ، عندما قصرنا ما انتصرنا ، وعدم نصرنا تأديب لنا ، وعدم نصرنا أفضل من نصركم على باطلكم .
المذيع :
 لكن في المقابل دكتور هناك دول كثيرة أيضاً لم تنصر شرع الله ، ولم تتعرض إلى ابتلاءات ، دول إسلامية ، أو دول غربية دكتور ، دول غربية ، ودول إسلامية كثيرة دكتور .
الدكتور راتب :
 الله عز وجل يعامل كل إنسان بحسب عمله ، يعامل كل إنسان ، كل فرد مسلم ، أنا لي إيمان ثاني ، يعامل كيانات بحكمة بالغة ، كل كيان ، أقصد الدول ، دولة وقفت مع المسلمين هذا معاملة خاصة ، دولة حاربتهم لها معاملة خاصة ، متلما يعامل الأفراد معاملة دقيقة جداً أنا إيماني أنه يعامل الكيانات معاملة دقيقة ، هذا الإيمان .
المذيع :
 دكتور في نهاية الحلقة أصل مع فضيلتكم لأتأكد من الفهم الدقيق منكم شيخنا الجليل ملخصات لهذه الحلقة .
 إذاً الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء يقع في هذه الحياة ، لكن علمه لا يعني يرضاه بمعنى أنه مقبول ؟
الدكتور راتب :
 علم كشف لا علم جبر ، مثلاً أنت تقف ببناء مؤلف من عشرة طوابق ، وشخص يقف تحت البناء ، يوجد طريق لسينما ، وطريق لجامع ، عندما ذهب للسينما شاهدته ، لكنك ما أجبرته ، هو يعلم أنك تعلم .
المذيع :
 القضية الثانية : الظلم هو محرم من قبل الجميع ، لكن ربنا لم يجعل العدل في الدنيا مطلق وإلى يوم القيامة هذا ما فهمته من فضيلتكم ، تقصد أن ربنا يأذن للظلم أن يحدث في الدنيا ؟

عدل الله المطلق يتجلى للإنسان وهو فوق الصراط :

الدكتور راتب :
 السبب :

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

[ سورة مريم : 71 ]

 آية مخيفة ، أي ما من أحد منكم على الإطلاق إلا وسيرد النار ، الورود غير الدخول ، الدخول عقاباً واستحقاقاً ، أو الورود زيارة وموعظة .
 أي أن الإنسان رأى في النار مجرمين في العالم كبار ، رأى مصيرهم ، تحقق من عدل الله المطلق ، أسماء الله في الدنيا كلها محققة ، إلا اسم العدل ، محقق جزئياً ، أي أن الله ينصر بعض المظلومين تشجيعاً لبقية المظلومين ، ويعاقب بعض المعتدين ، الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، أما الحساب الختامي فهو العدل ، فالإنسان عندما يمشي فوق جهنم على الصراط يرى عدل الله المطلق .
المذيع :
 هذه نقطة مهمة إذاً الدنيا ربنا ما جعل فيها العدل المطلق إنما ليوم القيامة .
الدكتور راتب :
 الجواب الدقيق يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين .
المذيع :
 لكن هنا يأتي دور الإنسان في يقينه أن ربنا سبحانه وتعالى سينصره ، إذاً نصر الله لهذه الأمة هو قادم في الوقت ، والكيفية ، ويختارها سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
 هذا إيماني والله ، لا أتزعزع عنه مقدار شعرة .
المذيع :
 والألم الذي نحمله دكتور للأمة الإسلامية التي تتعرض له .
الدكتور راتب :
 لنا أجر فيه ، أجر يؤكد كمال الإنسان ، يمكن لأحدنا أن يرى الأخبار ويبكي والله ، طفل جائع فقد والته ووالده ، أنا بشر أبكي .
المذيع :
 لكن لا تصح دكتور دائماً أن نقول ربنا غضب على هذا الشعب ، معنى ذلك أن هذا الشعب عاصٍ ونحن على خير ؟
الدكتور راتب :
 الجواب كلمة واحدة :

﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾

[ سورة الأنعام : 164 ]

 هذه تنهي الجدل كله .
المذيع :
 إذاً ربنا لحكمة معينة اختار أن يقع البلاء هنا ، ليس معنى ذلك أنهم سيئين ونحن أفضل منهم ، ليست هذه القضية .
 أسأل الله أن يرفع عن الأمة الإسلامية البلاء في كل مكان ، نختم حلقتنا بالدعاء وندعو للمسلمين في كل مكان يا دكتور محمد في ختام حلقتنا .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم وأستاذنا وشيخنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا أن نكون من الذين ينشرون العدل في هذه الحياة ، ويرفعون الظلم عن الناس ليؤجروا عند خالقهم سبحانه وتعالى .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور