وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 130 - طلب العلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام إلى حلقة إذاعية جديدة في مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم أستاذنا وشيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حياكم الله يا دكتور، حلقتنا اليوم نتعامل فيها، أو نتحدث بها عن التعامل مع الشبهات، أبدؤها بقول الله سبحانه وتعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 وأيضاً نقرأ من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف:

((إنّ الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينها أمور مشتبهات لا تعرفهم كثير من الناس))

[البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه]

 إلى تتمة الحديث الشريف.
 دكتور محمد أرحب بفضيلتكم مرةً أخرى ونتحدث اليوم دكتور عن الشبهات، عن هذه القضايا التي باتت تدخل قلوب كثير من المسلمين والمؤمنين، هي أيضاً قديمة من المشككين أو من المستفسرين حول الإسلام، هل لنا بداية أن نعرف ما هي الشبهة؟ ما هذه التساؤلات الداخلية دكتور؟

 

المحكمات و الشبهات في الدين :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 الحقيقة هناك شبهات في هذا الدين، وهناك محكمات، المحكمات الأمر واضح وضوح الشمس، لا يختلف عليه اثنان.

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

[ سورة الإسراء: 32]

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 30]

 الآيات المحكمة كثيرة جداً، لكن لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة هناك آيات ذات معنى ظني، و ليس معنى قطعياً، مثلاً: أنت إذا قلت: أعطِ فلاناً ألف درهمٍ ونصف درهم، واضحة، له دين، أعطه ألف درهم ونصف درهم.
المذيع:
 هذه الدلالة القطعية.
الدكتور راتب :
 أما لو قال لك: أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه، يا ترى الهاء تعود على الألف أم على الدرهم؟ هنا الخلاف، هذه اسمها عبارة ظنية، عندنا عبارات قطعية، ما أكثرها في القرآن، الفرائض قطعية، المحرمات قطعية.

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

[ سورة الإسراء: 32]

﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ﴾

[ سورة المائدة: 90]

 الفرائض والمحرمات عباراتها في القرآن قطعية الدلالة، لا تحتمل التأويل، ولا الخلاف، لكن هناك آلاف الموضوعات لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة عبارتها ظنية الدلالة، فنحن مع الآيات الظنية الدلالة نحتاج إلى فقه، نحتاج إلى فهم، نحتاج إلى طلب علم، أو نحتاج إلى أن نسأل، كما تفضلت قبل قليل:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 وهناك أشياء قريبة جداً، أقرض إنساناً مبلغاً، ثم قال له: ممكن أن تدفعه لي بعد سنة، لكن أريد بدل المئة مئة و عشرة آلاف، الظاهر قرض، لكن كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا.
 وهناك أشياء أدق من ذلك، هذا الجهاز ثمنه ألف و خمسمئة نقدي، و ألف و ثمانمئة تقسيط، سمّى للزمن ثمناً، دخل بربا البيوع، عندنا ربا ظاهر، أن تقرض إنساناً قرضاً وتأخذه بعد سنة، بالمئة مئة وعشرة، هذا قرض ربوي صارخ، حرمته صارخة، لا يختلف عليها اثنان، لكن أحياناً تبيع إذا كان البيع نقداً فيكون بسعر، وتقسيطاً بسعر، هنا يوجد مشكلة.
المذيع:
 هذا بيع الآجل والعاجل دكتور؟
الدكتور راتب :

((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا))

[ابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي هريرة]

 أنت تستطيع أن تبيع نقداً وتقسيطاً مثل بعضهم، أي أنت حاول أن تبيع نقداً، وكلامي دقيق، أنا تاجر، أبيع نقداً، إن لم أتمكن أبيع تقسيطاً، لا يوجد مانع، لكن حينما تسمي للزمن ثمناً هذا اسمه ربا البيوع.
المذيع:
 أي إذا قال له: هذه السلعة دكتور بسعر، وبعد سنة بسعر، أصبح هذا ربا.
الدكتور راتب :
 دخل في عقدين.

((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا))

المذيع:
 دكتور مؤسسات إسلامية تتعامل بهذا اليوم.
الدكتور راتب :
 والله سيدي هذا الحق، أو هذا الذي أفهمه، حتى أكون دقيقاً.
المذيع:
 هل يمكن أن يكون هنالك آراء فقهية أخرى دكتور في هذه المسألة؟
الدكتور راتب :
 أريد أن أطمئن الأخوة المستمعين أن لكل معصية مليون فتوى، إذا أراد فتوى يستطيع أن يؤمنها لكن نحن نريد التقوى أم الفتوى؟ أنت عندما تقرض إنساناً مئة تأخدهم مئة وعشرين، ما الفرق بين هذا و بين شراء غسالة نقداً بمئة ألف و تقسيطاً بمئة وعشرين؟
المذيع:
 ممكن يكون الفرق دكتور أن سعرها الأصلي مئة وعشرون، وأنا أشجعك إذا أخذتها نقداً أقدم لك خصماً قيمته تقدر بعشرين ديناراً.

 

من سمّى للزمن ثمناً دخل في شبهة الربا :

الدكتور راتب :
 هذا يسمى خصماً، لك أن تخصم لا يوجد مشكلة أبداً.
المذيع:
 هذه نفسها دكتور، أنا أخصم على الدفع نقداً أو بالسعر الأصلي على الأقساط.
الدكتور راتب :
 لا، لا تستطيع أن تبيعها بعقدين، هذه مشكلة، أنا أبيع تقسيطاً فقط، ممكن، تقسيط فقط والسعر واحد، لستة أشهر، أنا أبيع نقداً، لم أستطع أبيع تقسيطاً بنفس القيمة.
المذيع:
 لكن كثير من المحلات دكتور التقسيط سعرها مئة، وإذا دفعت نقداً يخصم لك عشرين بالمئة، أي أصبح لها قيمتان؟
الدكتور راتب :
 سيدي هذه تحال إلى المفتي، أنا هذه رؤيتي.
المذيع:
 وضع سعراً للزمن هذا يعد ربا.
الدكتور راتب :
 حينما تسمي للزمن ثمناً دخلت في شبهة الربا.
المذيع:
 بهذه القضية دكتور، وهي مثال على ما نتحدث فيه في حلقة اليوم دكتور أنا أسأل فضيلتكم: الآن وجود أكثر من وجهة نظر فقيه في هذه القضايا وقس عليها الكثير دكتور يوجد حكم الوثيقة، حكم النقاب، في كثير من القضايا تفاصيل الحج وكذا، هنالك آراء تتباين بين الفقهاء، تاه الناس فيها.

على الإنسان أن يسأل من يثق بورعه و علمه فقط :

الدكتور راتب :
 سؤال يهدم الدين، لا يستطيع إنسان أن يلغي القرآن ولا السنة، الفتاوى والتأويل المنفذان الخطيران لإلغاء الأحكام الشرعية.
 شيخ من كبار شيوخ الأزهر، دكتور بالشام، الدكتور سعيد رمضان البوطي درس بالقاهرة، يقسم بالله حضر وفاة كبار علماء الأزهر، على فراش الموت قال: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف، الدكتور سعيد رمضان البوطي رحمه الله، درس في الأزهر، وكان في زيارة أحد شيوخ الأزهر، وهو على فراش الموت أقسم بالله رفع يديه هكذا الاثنتين، وقال: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف.
 يوجد بالدنيا مصالح، مناصب، مغانم، ضغوط، لكن البطولة أن تنجو من كل هذه الضغوطات.
المذيع:
 لكن دكتور هنالك من يقول: يوجد تعددية فقهية صحيحة في ديننا، ولذلك كانت المذاهب لدينا الحنفي، والشافعي، والحنبلي، والمالكي هذه المذاهب المعتمدة.
الدكتور راتب :
 لكن أنا أعطيك قواعد أساسية.

(( لا بيع بعقدين، ومن باع بعقدين فله أوكسهما أو يكون الربا))

 وكل قرض جرّ نفعاً فهو ربا.
المذيع:
 دكتور في فكرة الإجابات المختلفة في الفقه، أحياناً تسأل فقيهاً فيفتيك أن هذا القرض مقبول، أو حكمه مقبول، تسأل عن القضية ذاتها شيخاً آخر يقول لك: لا مرفوضة وحرام، تاه الناس دكتور، لا يعرف أين الحلال من الحرام اليوم، ماذا يفعل؟
الدكتور راتب :
 أنا أقول: يجب أن تسأل من تثق بورعه وعلمه فقط، هذا الجواب.
المذيع:
 وتطلب الدليل؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، لا فتوى إلا بالدليل، لا تقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل.
المذيع:
 أي لا تعود إلى رأيه الشخصي وفهمه للأمور بقدر ما هنالك يفترض أن يكون لهذا الفقيه دليلاً يستند عليه.
الدكتور راتب :
 أنا أقول كلمة: لو استطعت أن تنتزع من فم رسول الله المعصوم، وهو سيد الأنبياء والمرسلين فتوى لصالحك، ولست على حق بها، بحسب الوصف، عندنا قاعدة دقيقة: الفتوى على قدر الوصف، لن تنجو من عذاب الله، الدليل:

((ولَعَلَّ بعضكم أن يكونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحَقِّ أخيه، فإنما أَقْطَعُ له قطعة من النَّار))

[البخاري عن أم سلمة أم المؤمنين]

المذيع:
 لأن القاضي هنا وهو النبي الكريم قضى بما وصله من معطيات.
الدكتور راتب :
 الفتوى على قدر الوصف، أنا ممكن أنتزع أي فتوى من أي عالم بحسب وصفي فقالوا: الفتوى على قدر الوصف.
المذيع:
 دكتورنا، كيف نوفق بين هذا وبين البحث عن عالم أثق بدينه، وأنه رباني، وأسأله عن دليله فيما يقول، وبين فكرة الاجتهاد الفقهي؟

 

أهمية الدليل في كل فتوى :

الدكتور راتب :
 لا تفعل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، عبارة أخرى: لا تقبل شيئاً في هذا الدين إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء. إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا.
المذيع:
 إذاً دكتور، أنا أفهم من كلام فضيلتكم قضيتين، إذا أنا أشكلت القضية عليّ ولم أجد دليلاً قطعياً، وأفهمه فهما واضحاً، ينبغي أن أبحث عن عالم أراه ربانياً.
الدكتور راتب :
 ولا تقبل منه فتوى مطلقة، إلا فتوى معللة، الدليل: الإله الذي خلقنا قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 أعطاك الدليل، أعطاك الحكمة، أعطاك الحيثية.
المذيع:
 تنطبق شيخنا الكريم على كل الأحكام الشرعية.
الدكتور راتب :
 أنا لا يوجد عندي اجتهاد أن أقول له: حرام فقط، لماذا حرام؟ حلال، لماذا حلال؟ ألا تريد أن تربي فكراً فقهياً، إذا قال لك لماذا حرام؟ صرت أنت طالب علم، حرام لهذا السبب، لهذه الآية، لهذا الحديث.
المذيع:
 أن تبلغ الآخرين هذه الحالة عن وعي وفهم.
الدكتور راتب :
 الإله الذي خلقك هو الإله الذي يجب أن تطيعه من دون دليل، أعطاك أمراً إلهياً بالقرآن، قال لك:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 فعل أمر.

﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 إذا الإله أعطاك الدليل، يرفض العالم أن يعطي الدليل؟ سيدي ما الدليل؟ لم يقل لك: أحرج العالم، لكن على السائل أن يعرف أنه ليس غبياً، ليس شخصاً تائهاً.
المذيع:
 نحن كان عندنا دائماً فكرة أن الشيخ له مكانة واحترام لذلك لا تسأله، أي الذي قاله تأخذه وتفعله.

 

رسول الله وحده لا يُسأل لأن الوحي معه :

الدكتور راتب :
 واحد فقط هو رسول الله، لا يوجد غير واحد بحياتنا لا نسأله، لأن معه وحياً.

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 4]

 أما ما سوى النبي فيجب أن تسأله، لِمَ؟ وعلامَ؟ وفيم؟
المذيع:
 وبالمقابل أيضاً دكتور يفترض على هذا الفقيه والمفتي أن يجيب الناس.
الدكتور راتب :
 وبطولته ألا يعطي أحكاماً مطلقةً بل يعطي أحكاماً معللة.
المذيع:
 إذاً نحن عندما يشكل علينا شيء فاسألوا أهل الذكر، أبحث عن عالم رباني، لا يتعصب، ولا يتراخى، ويقدم الدليل.
الدكتور راتب :
 لا يوجد عصر إلا وفيه علماء ربانيون.
المذيع:
 دكتور الرابط بين كل هذا وبين فكرة الاجتهاد الفكري، التعامل مع الشبهات هو عنواننا لهذا اليوم.

 

كيفية التعامل مع الشبهات :

الدكتور راتب :
 لي أخ كريم في الشام، يعمل بصناعة الألبسة النسائية، سألني سؤالاً قال: أنا أصنع مثلاً ثياباً نسائية، زعيم الأزياء يهودي يعيش في فرنسا، يقصر التنورة، نقصر نحن كمسلمين كلنا، يضيق؟ نضيق، يعمل شقة نعمل شقة، فسألني، قلت له: والله أنا لا أوافق على أن تعمل عملاً فيه إيذاء للناس، قال لي: والله معي تسع فتاوى من العلماء عندما تلبس الفتاة التنورة التي أصنعها.
المذيع:
 المقصود دكتور معه فتاوى بجواز عمله، خياط، أو بائع.
الدكتور راتب :
 قال لي: أرى هذه الفتاة تلبس تنورة قصيرة جداً، ظاهرة معظم مفاتنها، وأنا قد صنعتها، أحس بانقباض، و أنا والله معي تسع فتاوى، قلت له: والله معك حق، كل الثياب لإبراز مفاتن المرأة، للزوج لا يوجد مانع.
المذيع:
 لكن هو كخياط يبيع ولا يعلم لمن يبيع، ولمن يصنع.
الدكتور راتب :
 للزوج لا يوجد مانع بل واجب، حتى أكون أنا دقيقاً، ليس له غير زوجته، وإذا لم يرتو من حاجته الجنسية منها، من أين يرتوي؟ من الجارة؟ من الموظفة في المكتب؟ لا، من زوجته، فمطلوب منها أن تتزين لزوجها بأعلى درجة، ومطلوب للزوج أن يتزين لزوجته.
 أحد الصحابة قال: إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم:

(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة))

 من نعم الله تحب زوجتك، لا تحب غيرها.
المذيع:
 أعود إلى قصة هذا الصانع.
الدكتور راتب :
 هذا الصانع قال لي: والله معي تسع فتاوى، موديل السنة التنورة قصيرة جداً، قصرناها و أنا أمشي بالطريق رأيت تنورتي مباعة و رأيت مفاتن المرأة ظاهرة فيها، قال لي: معي تسع فتاوى وعندي انقباض، قلت له: اعمل ولادي، قال لي: على عيني، قلب عمله إلى ألبسة ولادية.
 تساهم بشيء يثير الفتن تشعر أنك آثم ولو معك مئة فتوى.
المذيع:
 هو يبيع ثياباً دكتور ولا يتدخل بالناس، متى وكيف يرتدونها، صحيح؟
الدكتور راتب :
 سيدي حالات ارتداء الثياب فقط للزوج، الآن نادرة جداً.
المذيع:
 هل أنا كبائع دكتور معني أن أدخل في نوايا زبائني؟
الدكتور راتب :
 ابتعد عن الشبهات أفضل لك، ما دام هناك بديل.
المذيع:
 أفهم من فضيلتكم دكتور ما دامت لا ترتقي إلى الحرمة الصريحة لكن من باب الورع والتقوى لو تجنبها الإنسان لكان أولى.
الدكتور راتب :
 استفت قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك.
المذيع:
 ما المقصود بهذا النص دكتور؟

 

الثقة بالقلب مع سؤال أهل العلم :

الدكتور راتب :
 أنت أحياناً يكون عملك خلاف الفطرة، تتضايق ولو كان معك فتوى، قال لي: معي تسع فتاوى من علماء.
المذيع:
 لكنه غير مرتاح.
الدكتور راتب :
 لست مرتاحاً، قال لي: والله لست مرتاحاً، هذه التنورة أنا قصرتها فظهرت نصف مفاتن المرأة.
المذيع:
 الناس تفهم هذا النص دكتور: استفت قلبك بمعنى لا تذهب، ولا تسأل شيخاً، أنت أفتي لنفسك بما يمليه ضميرك.
الدكتور راتب :
 هذه متعلقة بالفطرة السليمة، ما دليلها؟

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 لا يوجد أمر الله أمرك به إلا برمجك على محبته، ولا يوجد نهي نهاك عنه إلا برمجك على كراهيته، والدليل:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات: 7]

المذيع:
 دكتور متى أنا كمسلم أذهب إلى الآية الكريمة:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 متى أذهب إلى الحديث النبوي الشريف:

(( استفت قلبك ))

 متى آخذ بهذا أسأل عالماً، ومتى أستفتي قلبي؟
الدكتور راتب :
 نحن عندنا محكمات، وشبهات، المحكمات لا تحتاج إلى سؤال، الزنا حرام، يوجد نصوص قطعية الدلالة، فكل شيء قطعي الدلالة لا يحتاج إلى سؤال سيدي، الربا حرام.

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

[ سورة الإسراء: 32]

الزنا حرام.
 الآن يوجد أشياء تتشابه علينا، مثلاً المرأة عندما تبرز مفاتنها هذا نوع من الزنا، لكن ليس الكامل، هي كانت سبب إثارة الشباب.
المذيع:
 أو بالصلاة هي فريضة لكن مرات عدد الركعات وإذا فاتتني هذه تفاصيل تحتاج إلى سؤال.
الدكتور راتب :
 سيدي القرآن كليات، والسنن تفاصيل، والله قال لك:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 لا تحتاج إلى أهل ذكر، أنت عندك بيت تريد أن تبيعه، أقول لك كلمة دقيقة: خرجت من بيتك وجدت بوجهك دلالاً، قال لك: سعره ثلاثة ملايين هل تبيعه؟ لماذا من أجل بيت تسأل مئة دلال، وتساوم، وتؤخر، وتأخد رأي خبراء، ومن أجل دينك لا تريد أن تسأل؟!
"إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا".
المذيع:
 دكتور، أنا متى أسأل أهل العلم، ومتى أثق في قلبي.
الدكتور راتب :

﴿ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

المذيع:
 ومتى أستفتي قلبي دكتور؟

(( استفتي قلبك ولا أفتاك الناس وأفتوك ))

الدكتور راتب :
 لأن كل أمر إلهي يتطابق مع الفطرة، فأنت مرتاح.
 عفواً، لم يسألني أحد أنا طبخت بامية ورز ثم أكلت هل هذا حرام أم حلال؟ هذا شيء بديهي سيدي، أكلت، شربت، نمت، تزوجت، سافرت، قد يكون هناك لقاء زوجي وتصلي قيام الليل، تبكي بالليل، تبكي بالصلاة، أنت ما عملت شيئاً، هذه حلالك، صار لقاء زوجي وقمت اغتسلت وصليت الفجر، أو قيام الليل وبكيت بالصلاة، أنت تمشي على المنهج، هذه تعليمات الصانع، لا يوجد جهة بالكون ينبغي أن تتبع تعليماتها إلا الجهة الصانعة لأنها الجهة الخبيرة، قال:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر: 14]

المذيع:
 أعود إلى النقطة التي طرحناها أن نثق بقلوبنا والتي يفترض أن تكون على الفطرة، وأن نسأل أهل العلم، كيف نوظف هذا المفهوم مع فكرة الاجتهاد والخلاف الذي كان بين الفقهاء في المذاهب الأربعة مثلاً؟

 

الإيمان بالتدريج :

الدكتور راتب :
 أنا أؤمن بالتدريج، التدريج كيف؟ الله عز وجل هو الخالق، الخمر حرمه بالتدريج عندما قال:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء: 14]

 المعنى القطعي للآية تستطيع أن تشرب الخمر بين الصلاتين، لماذا بقيت آيات القرآن ما دامت الآية منسوخة؟ الآية منسوخة قطعاً بقيت لتعلم التدرج.
 هذه البنت قلت لها: بابا ضعي حجاباً فوضعته، بعد أسبوعين بابا التنورة قصيرة البسي الأطول، ليس شرطاً أن تطلب التفاصيل الكثيرة بكلمة واحدة، يوجد تدرج.
 مرة أذكر تماماً أخ تزوج امرأة قبل أن يعرف الله، فتزوجها وهي متفلتة في خروجها، لا يوجد عندها حجاب إطلاقاً، بعد سنة من زواجه منها عرف الله، فرأى أن وضعه صعب جداً، أخذ قراراً ليطلقها، قلت له: لا تطلقها، أنت أخذتها هكذا، أنت قبلتها بهذا الشكل، وقد هداك الله، كما صبر الله عليك اصبر عليها، قال لي: ما الحل؟ قلت له: عاملها معاملة طيبة، إكرام، هدية، قال لي: والله بعد ثلاثة أشهر كانت تريد الذهاب إلى بيت أهلها تفاجأت أنها قد وضعت منديلاً، اشترت مانطو ومنديل بالمعاملة الطيبة.
 بالبر يستعبد الحر، أنا ضد العنف، زوجة أنت أخذتها سافرة، وأنت كنت مثلها، الآن أنت هداك الله، مثلما صبر الله عليك، وهداك اصبر عليها، وبالإحسان.
المذيع:
 دكتورنا، بعض القضايا فيها آراء فقهية متعددة يتوه الإنسان مرات بينها، أي ممكن أن تسأل عدة مرات الدكتور عن قضية معينة، في الحج مثلاً، في بعض تفاصيله، هذا يقول عليك بدنة، هذا يقول لا يوجد عليك شيء، ماذا تفعل؟

 

أي عبادة يعبدها الإنسان عبادة صحيحة إن وافقت أحد المذاهب الأربعة :

الدكتور راتب :
 يوجد جواب دقيق جداً ومريح: أي عبادة عبدتها لله، إما في الفرائض، في الصلوات، في السنن، في الوتر، في الحج، في العمرة، في الزكاة، أية عبادة عبدتها إذا وافقت أحد المذاهب فهي صحيحة.
المذيع:
 أي كلهم صواب؟
الدكتور راتب :
 أبداً، لكن كل واحد من زاوية، أقول لك كلمة دقيقة: العلماء كلهم ممكن أن نضعهم في دائرة واحدة، كل العلماء على فهم معقول، ومنطقي، وكاف بكل فروع الدين، تفسير آية، تفسير حديث، حكم فقهي، لكن هذا أكرمه الله بالفقه الحنفي، عملنا على هذه الدائرة على المحيط الخارجي مثلثاً، هذا تفوق بالفقه الحنفي، هذا شافعي، هذا مالكي، هذا بالتفسير، هذا بالحديث، هذا بالسنن، هذا بالإعجاز العلمي، كل تفوق من عالم يأتي مثلث على هذه الدائرة، أنا اجتهادي أن هذه المثلثات متكاملة فيما بينها، أنت الله أكرمك بالتفسير، وعندك حديث لا تعرف مدى صحته، ولا يوجد عندك وقت تراجع كتب الحديث، تفتح هاتفاً لعالم حديث يعطيك الجواب بثانية واحدة، أقول كلمة دقيقة: التعاون عبادة، لماذا؟ الله قال لك:

﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾

[ سورة المائدة: 2]

 التعاون فضيلة، التعاون خيارات، فأنا أتعاون مع أخي المؤمن، أنا الله وفقني بالتفسير لكن بالحديث بضاعتي منه مزجاة كما قال الإمام الغزالي، قال: أنا بضاعتي منه مزجاة، عنده كثير من الأحاديث الضعيفة، أنا موفق بالتفسير لكن هذا الحديث لست متفوقاً فيه.
المذيع:
 هنا يكون التكامل بين أهل العلم.
الدكتور راتب :
 التكامل.
المذيع:
 إذاً الإنسان دكتور إذا كان للقضية التي كان يسأل عنها أكثر من رأي، وهذه الآراء لعلماء فقهاء، ولهم أدلتهم.
الدكتور راتب :
 يوجد رأي مقبول عن الله، أية عبادة أو سلوك يغطيه مذهب معتمد فهو صحيح عن علم أو عن غير علم.
المذيع:
 ماذا يأخذ الإنسان، هل يأخذ هذا أو ذاك أم هو في حل من أمره يختر ما يشاء؟ هل يقاس عليها دكتور اليوم أهل الإفتاء؟

 

العلم بالشيء ليس أحد فروع العلم به :

الدكتور راتب :
 قبل يوجد مثل ثان: أنت عندما تطبق الشرع من دون علم إطلاقاً تقطف ثماره الفردية، كيف؟ درجة الحرارة خمس و أربعون اشتريت مكيفاً، وضعته ببيتك، لنفرض شاري المكيف أُمياً، لا يقرأ ولا يكتب، كبس الزر جاءه هواء بارد، انتفع بالمكيف انتفاعاً كاملاً، لكن لا يفقه شيئاً عن آلية عمله إطلاقاً، يأتي شخص معه دكتوراه بالتكييف، أستاذ جامعة، ببعض الفروع العلمية يعرف تفاصيل التكييف، من أين أخذنا الهواء، وكيف بردناه، وكيف أحضرنا غاز البوتان، الذي يعرف الآلية الدقيقة المعقدة جداً والذي لا يعرف سواء في الانتفاع بالتكييف.
 لذلك العلم بالشيء ليس أحد فروع العلم به، الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، يأتي مسلم عادي لم يدرس إطلاقاً، قال له الشيخ: هذه حرام يا بني، فتركها، لم ينتفع منها ولم يفهم آليتها، ولا حكمتها، أما من يجب أن يتعلم؟ الداعية الذي يعلم الناس، يجب أن يعطي التعليلات، والدليل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 الإله عندما أعطاك الأمر أعطاك التعليل.
المذيع:
 ونعمة بالله رب العالمين، كلام جميل، دكتور هل هذا الكلام يقاس اليوم على أهل الإفتاء، مثلاً مرات الناس يسألون شيئاً بغض النظر عن مستواه العلمي العميق، أو فهمه العميق، قضية معينة أحياناً تسمع بعض الإجابات غريبة.

من أفتى بخلاف ما يعلم فقد أجرم بحق الناس :

الدكتور راتب :
 عندي جواب، اسمح لي لكنه قاس: الإنسان قد يفتي بغير علم، ارتكب خطأ كبيراً، لكن يوجد خطأ يرتقي إلى مستوى الجريمة، أن تفتي بخلاف ما تعلم، من أجل المصلحة، من أجل خضوع لقوي، من أجل مكسب مادي كبير، لذلك يوجد إفتاء بغير علم فيه إثم كبير، و إفتاء يرتقي لمستوى الجريمة أن تفتي للناس بخلاف ما تعلم، طمعاً بمنصب، أو طمعاً بمغنم، أو طمعاً بإتقاء شر ظالم.
المذيع:
 واضحة تماماً جزاك الله خيراً.
 دكتور نواصل مشوارنا في حديثنا في التعامل مع الشبهات، وأنتقل إلى زاوية جديدة دكتور، الآن تثار بعض الشبهات حول الإسلام، أثرت دكتور على بعض المسلمين قبل أن تكون تساؤلات، أو محاولات لتشويه الإسلام، لنفترض مثلاً الوهابية في الإسلام، أنتم تطوفون حول حجر كالكعبة، وتقبلون الحجر الأسود، أين أنتم بالعدل في المرأة، كقضايا الميراث وقضايا التعدد وما شابه؟ هذه الشبهات التي تثار اليوم دكتور حول الإسلام، أنا كمسلم إذا وقع شيء منها في قلبي كيف يفترض بي أنا أتعامل حتى أجعل الإيمان وحده يملأ قلبي؟

 

كيفية التعامل مع الآخرين عندما يملأ الإيمان القلب :

الدكتور راتب :

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 يقول لك العالم: ممكن أن تدوس على علم بلادك؟ تسجن خمس سنوات، هذا قماش تترون صنع في اليابان، قطعة حمراء، وقطعة خضراء، وقطعة بيضاء، هذا قماش تترون صنع في اليابان لكن هذا رمز الأمة، العلم رمز.
 الحقيقة أنه يوجد أشياء رموز، لا تستطيع أن تتجاوزها، لا يوجد أمة بالأرض إلا عندها رموز.
 أذكر أنه زارتنا وزيرة نفط بريطانية، واستقبلها وزير النفط في المطار، وكان باستقبال الوزيرة عدة موظفين كبار من موظفيه، أحد الموظفين متمسك بدينه، وورع، فلما مدت يدها كي تصافحه اعتذر، قال لها: أنا آسف، فالوزير انزعج انزعاجاً يفوق حدّ الخيال، قال له: بالحرف الواحد: هل ستأكلك إن صافحتها؟ طبعاً بينه وبينه قال هذا الكلام، يوجد طعام بأفخر مطعم في دمشق، قال له: لا تأتي على الغداء، هذه الوزيرة كانت تجلس إلى جانب الوزير على الغداء بمطعم الشرق بدمشق، قالت له: يوجد واحد من موظفيك الكبار لم يصافحني أين هو؟هو شعر بالحرج، قال لها: لقد اعتذر، قالت له: أريد أن أراه استدعه، جاء، قالت له: لماذا لم تصافحني؟ قال لها: أنا مسلم، وديني يأمرني ألا صافح امرأة أجنبية، وأنتِ امرأة أجنبية، فقالت للوزير، وزير النفط: لو أن المسلمين أمثال هذا الرجل لكنا تحت حكمكم، الله وكيلك، الطاعة جميلة جداً.
 مرة جاءنا ملك إسبانيا معه الإمبرطورة، ومعه وزير الخارجية، أنا ما صافحتها، لم يحدث شيء، لكن طبعاً الأقوياء ينزعجون كثيراً إذا لم يتجاوب الموظف مع الضيف.

((إني لا أصافِحُ النساءَ))

[الترمذي والنسائي ومالك عن أميمة بنت رقيقة]

المذيع:
 هل الضيف انزعج من عدم مصافحتك دكتور؟
الدكتور راتب :
 والله لا أعرف، لكن الملك كان وراءه الملكة، الوزيرة عملت قوساً، وابتعدت عني، لا أصافح هذا الحاضر.

((إني لا أصافِحُ النساءَ))

المذيع:
 دكتور اختلاف الثقافات، أي المصافحة عند الغرب أحياناً لا تعني معنى التواصل بين الرجل والمرأة، إنما هي نوع من أنواع المجاملات والاحترام، أنا أثير تساؤلات، وأستمع لإجابتكم شيخنا، ألا يمكن أن نزعجهم ونعطيهم صورة سلبية عنا وعن تعايشنا معهم؟

 

احترام الغرب لكل من يخضع لمنهج الله :

الدكتور راتب :
 أنا أقول لك كلاماً وكلامي دقيق جداً: حينما تبين لهم أنك تخضع لمنهج الله، والله تزداد عظمة عندهم، وصار هذا معي كثيراً، هم عندما يرون شخصاً ملتزماً، عنده منهج كبيرـ يحترمونه.
المذيع:
 دكتورنا، أيضاً أعود مع فضيلتكم إلى قضية هذه الشبهات، لو إنسان دخل في قلبه نوع من أنواع الشبهة.
الدكتور راتب :
 قبل سيدي، يوجد لقاء مع ضيف طبعاً فيه امرأة محجبة، قالت له: أنا لن أصافحك احتراماً لمنهجك، قال لها: احتراماً لن أصافحك.
المذيع:
 دكتور، الآن يوجد بعض الشبهات التي تدخل قلوب بعض الناس، مثلاً في بعض القضايا أين الله في نصرته للأمة؟ في قضايا العدل، قضايا المرأة في الإسلام، إذا الإنسان وجد هذه الشبهات هل هو آثم؟ هل يدل هذا على نقص إيمانه؟

الخطأ بالكلام لا شيء عليه :

الدكتور راتب :
 لا، يسأل.

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

[ سورة النحل: 43]

المذيع:
 حينما تتولد في القلب دكتور هل هي علامة خير أم شر؟
الدكتور راتب :
 لا، حيادية، يوجد سؤال ما فهمه، أنت لست عالماً كبيراً، الله قال:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

[ سورة النحل: 43]

المذيع:
 بعض الأشخاص يعبر عن هذا السؤال دكتور بعبارات قد تصل إلى مرتبة الكفر، مثلاً ينفي عن ربنا سبحانه وتعالى صفة العدل في حقوق الرجل والمرأة في الإسلام، هو لا يقصد الكفر، وإنما يقصد أن يتعرف لماذا جعل الله التعدد.
الدكتور راتب :
 مغاطة بمذهب دقيق جداً، شخص ركب ناقته، وعليها طعامه وشرابه، فجلس ليستريح في ظل نخلة، نام بعد أن استيقظ لم يجد الناقة، أيقن بالموت القطعي، لا معه طعام، ولا شراب، وهو بالصحراء، أيقن بالموت، من شدة بكائه غلبه النوم، فنام، استيقظ فرأى الناقة قال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، والنبي ما علق تعليقاً سلبياً أبداً، فالخطأ بالكلام لا شيء عليه.
المذيع:
 كان قلبه مطمئناً، إذاً الإنسان إذا سأل من باب أن يتعرف على الله فهذا باب أجر.
الدكتور راتب :
 دليل ورعه.

((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))

[الجامع الصغير عن أنس]

المذيع:
 والمخلط من هو دكتور؟
الدكتور راتب :
 خلط عملاً صالحاً، وآخر سيئاً.
 إذاً الإنسان إذا وجد في قلبه شبهة، أو تساؤلات حتى لو كانت تؤدي إلى الإلحاد إذا سأل عنها ليعبد الله عن استقامة وعلم، فهذا من باب أجر؟
الدكتور راتب :
 يوجد أمر إلهي.

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

المذيع:
 أنتقل إلى قصة سيدنا إبراهيم في قول الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾

[ سورة البقرة: 260]

 هل سؤال سيدنا إبراهيم لله سبحانه وتعالى أن يعطيه الدليل أنه يحيي الموتى سؤال حرام؟

 

ارتقاء الإيمان بقلب المؤمن دليل على يقينه بعظمة الله :

الدكتور راتب :
 المعنى ليس هكذا سيدي بالإذن منك.
 أنت جالس بمكان أمامك جدار، رأيت خلف الجدار دخاناً، أنت بحسب معلوماتك وفهمك للحياة ماذا تقول؟ لا دخان بلا نار، هذا اسمه الاستنباط، لكنك التفت إلى خلف الجدار فرأيت النار بعينك، هذا اسمه الإيمان الشهودي، حينما تقترب منها، وتبدأ الحرارة المرتفعة، صار اليقين، فعندك استنباط استدلالي، إيمان شهودي، إيمان اليقين.

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾

[ سورة التكاثر: 4 - 5 ]

 سؤال سيدي: راكب بالسيارة، والطريق هابط هبوطاً حاداً، وبالنهاية يوجد منعطف تسعين درجة، واكتشف السائق أنه لا يوجد معه مكبح، ماذا يقول؟ يقول: متنا، لماذا قال متنا بالماضي؟ لأن الهلاك محقق، ما دامت السيارة منطلقة بسرعة عالية جداً، والطريق هابط، وينتهي بمنعطف، ولا يوجد معه مكبح، هذا اسمه:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾

[ سورة النحل: 1 ]

 معنى هذا أنه لم يأت بعد، قال أتى يقيناً، كلما ارتقى الإيمان عنده يقينيات، أنا لا أقول: العالم يعلم الغيب إطلاقاً، مستحيل، لكنه رأى شخصاً يزني، النبي قال:

(( بشر الزاني بالفقر ولو بعد حين))

 أنا أرى الآيات والأحاديث.

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت:69]

 أيضاً أتفاءل له، أنا تقريباً أعطي للشاب أملاً كبيراً ليس من عندي من القرآن.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل:79]

 هذا الشاب الذي يخاف من الله، ويغض بصره، ودخله حلال، والبنت المحجبة التي تخاف من الله، هي لها زواج مسعد جداً، وإلا ما من داع للدين، إذا كان كله مثل بعضه ما من داع للدين.

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[ سورة السجدة: 18]

 دقق:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة الجاثية: 21]

 قد تقول في الآخرة، لا في الدنيا.

﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 21]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل:79]

 سيدي الآيات دقيقة جداً.
المذيع:
 جميل، إذاً دكتور هذه التساؤلات، وهذه الشبهات التي يمكن أن تثار في قلوبنا ليست علامة فسق، وإنما وساوس، الأصل أن يهملها الإنسان دكتور أم يفسرها بالعلم؟

متابعة الخواطر إن وقفت حجاباً بين الإنسان و ربه :

الدكتور راتب :
 إن وقفت حجاباً بينه وبين الله ينبغي أن يتابعها، أي إذا كانت الخاطرة تأتيه كل يومين أو ثلاثة يجب أن يسأل.
المذيع:
 أحياناً بعض اليافعين واليافعات لا زال يتعرف على دينه، ويستخدم عقله في البداية يرى ويرصد كل شيء حوله، يخطر في باله عدة تساؤلات تكون مرات الإجابات الشرعية من الأهل أو من المربين بإسكاتهم.

الابتعاد عن القمع عند السؤال :

الدكتور راتب :
 هذا أكبر خطأ يرتكبه الأب.
المذيع:
 عن الذات الإلهية، عن الصفات، يقمعون دكتور، ما رأي فضيلتكم في هذه الفكرة؟
الدكتور راتب :
 أنا أقول القمع في هذه النقطة يعمل مرضاً نفسياً اسمه اللامبالاة، سئل الأب: الإله من خلقه؟ أنا عندي جواب أقوله له، أسأل، هذا ابني، يجب أن أجيبه.
المذيع:
 لكن لا يفترض أن تنهاه عن السؤال.
الدكتور راتب :
 أعوذ بالله.
المذيع:
 هذا سؤالك كفر، وإياك أن تعيده.
الدكتور راتب :
 هذه أكبر غلطة، اسكت و إلا، ما هذا الكلام أنت لم تقنعه بجوابك.
المذيع:
 والبنت تسأل أمها الله لماذا فرض علينا الحجاب؟ لا تمتلك جواباً فهي تقمعها، الأصل هنا أن تسأل عن الحقيقة الشرعية.
الدكتور راتب :
 تقول لها: إذا كان عندك ألماسة غالية جداً لها علبة مغطاة، هل تباع بالطريق مثل البطيخ؟
المذيع:
 شيخنا، أحياناً هذه الإجابات أو هذه التعليلات تكون مقنعة للبعض، وأحياناً تكون مزعجة للبعض الآخر، قد تأتيك بعض الفتيات غير مقتنعة بما تقوله لها، ما الشيء المقنع الذي يمكن أن يقدم لها؟

من لم يقتنع بالدليل فهو لا يريد فعل هذا الشيء :

الدكتور راتب :
 يوجد نقطة قاسية قليلاً، أنت حينما لا تقبل الدليل لا تريد أن تفعل هذا الشيء، لو معه مليون دليل، هذا صار اختياراً، اختياراً للمعصية، يأتي الأب يقنعها بآية، بحديث، لا تقتنع هي تريد المعصية.
المذيع:
 إذا كان الدليل من الله، ومن الكتاب والسنة الأصل أن يقتنع الإنسان.
الدكتور راتب :
 طبعاً، إله هو الذي خلقك.
المذيع:
 أحياناً يكون الدليل عبارة عن اجتهاد فردي لأحد الدعاة، أي وجهة نظره الشخصية.
الدكتور راتب :
 لكن معه دليل، الآن دخلنا بموضوع ثان، لا يوجد داعية يعطي حكماً من دون دليل، إذاً هو ليس داعية، صار ملقناً، الملقن ليس له قيمة بالدين إطلاقاً، أي داعية عالم لا يوجد معه دليل يسكت.

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

[ سورة النحل: 43]

المذيع:
 والدليل من الكتاب والسنة.
الدكتور راتب :
 حتى أنه يوجد علماء صادقون جداً، وورعون يقول لك: أنا هذا الموضوع لم أتابعه اسأل الدكتور فلاناً، هذا من الأدب.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، زادك الله علماً، ونفعنا بعلمكم، وبركة وجودكم معنا، دكتورنا في ختام الحلقة نسأل الله تبارك وتعالى أن يستجيب منا دعاءنا.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، احفظ لنا هذا الدين القويم، احفظ بلادنا، احفظ أبناءنا، احفظ من حولنا يا رب العالمين، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي جعله الله مجلس علم في ميزان حسناتكم.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

تحميل النص

إخفاء الصور