- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠1 ربيع القلوب 1 - أحاديث عام 2019
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
وبعد؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير ، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً .
"ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا ..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ..
المذيع :
مسمع صوتي عن آيات اليوم ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر، يقول ربنا جل وعز :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾
هذه الآية في مناسبتها لما قبلها :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾
تحدثت الآية التي قبلها عن نعم الله المتتالية على بني إسرائيل ، وضرورة ذكر هذه النعم ، وعدم نسيانها ، فجاءت هذه الآية لتبين طريقة الاستزادة من النعم ، والحفاظ عليها من خلال الشكر لمولى النعم سبحانه جل جلاله .
شيخنا :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾
لو أردنا أن نقف عند هذه الآية .
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾
أولاً ما معنى تأذن ثم الوقفة التدبرية ؟
أنواع الشكر :
الدكتور راتب :
قبل أن أجيب عن سؤالكم سأدعو الله عز وجل ؛ اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، والحمد لله رب العالمين .
الحقيقة أن الشكر أنواع ، هناك شكر قلبي ، أنت في أعماق نفسك ممتن من الله ، في خواطرك ، في عقلك الباطن ، في سرك ، هذا الامتنان القلبي أحد أنواع الشكر ، وهناك شكر لفظي يا ربي لك الحمد ، أكرمتني ، هديتني ، أعطيتني ، زوجتني ، هيأت لي عملاً صالحاً ، أعنتي على طاعتك ، أكرمتني بزوجة صالحة ، لي حرفة أعيش منها ، لي أولاد أبرار، هذا الشكر لفظي ، لكن أرقى أنواع الشكر الشكر العملي .
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾
شكر قلبي امتنان ، وشكر لساني لفظ وبيان ، وشكر عملي الإحسان ، فإذا أنت شكرت الله على هدايته لك ، شكرته بخدمة عباده ، شكرته بهداية عباده ، شكرته أن دللتهم عليه، لذلك هذا الشكر الأخير أرقى أنواع الشكر ، الشكر العملي ، السلوكي ، قابلت نعم الله بخدمة عباده ، قابلت نعم الله بنصح عباده ، أحياناً يوجد كلمات جامعة مانعة .
(( الدِّينُ النصيحة ))
أحياناً البائع عنده ثوب كاسد ، يقول له المشتري : انصحني ، ينصحه باللون الكاسد، هو بذلك لم ينصحه ، أما كلمة النبي فجامعة مانعة :
(( الدِّينُ النصيحة ))
فما لم تنصح أخاك المسلم وقعت في مشكلة كبيرة .
أقول لكم بدقة بالغة : لو أن مظلياً يريد أن يهبط بمظلة ، قد يجهل شكل المظلة يا ترى القماش بيضوي أم دائري أو مستطيل أم مربع ؟ لا يعرف ، وقد يجهل نوع قماشها خيوط طبيعية أم صناعية ؟ وقد يجهل لونها ، وقد يجهل عدد الحبال ، وقد يجهل ، وقد يجهل ، إلا أن معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً ، طريقة فتحها ، هذا عبر عنه العلماء : أنه يجب ما يعلم من الدين بالضرورة .
فأي إنسان طبيب ، مهندس ، تاجر ، مثقف ، غير مثقف ، هناك حد أدنى من الدين لا بد من أن تعرفه أولاً ، وأن تطبقه ثانياً .
لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، يقول : أنا طبيب ، قد تكون أنت طبيب باختصاصك متفوق جداً ، أما أنت فأميّ في الدين ، وقد تكون تاجراً كبيراً معك أموال طائلة لكن بالدين أميّ ، فلابد من طلب العلم ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
المذيع :
شيخنا في قوله :
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾
هذه الآية التي بين أيدينا ما الذي يناله العبد إذا داوم على شكر الله سبحانه وتعالى ؟
ما يناله العبد إذا داوم على شكر الله سبحانه وتعالى :
الدكتور راتب :
إذا شكر المنعم اتصل به ، وإن اتصل به سعد بالدنيا والآخرة ، ذات كاملة ، أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، مستحيل أن تتصل بالجميل ولا تسعد باتصالك به ، وأن تتصل بالقوي ولا تقوى به ، وبالحكيم ولا تأخذ من حكمته ، وبالرحيم ولا تأخذ من رحمته ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً .
لذلك النبي أتاه الله آلاف الخصائص التي يتميز بها ، ومع كل ذلك حينما أثنى عليه أثنى على خلقه ، قال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
خلقه منه ، أما الخصائص المتفوق بها فمن الله عز وجل .
المذيع :
شيخنا ، كيف يكون شكر النعم ؟
كيفية شكر النعم :
الدكتور راتب :
الحقيقة هناك شكر كما قلت قلبي ، ولفظي ، وسلوكي ، أنا أؤكد على السلوك العملي، أي أنت هداك الله إليه ، لك أصدقاء ، لك أقارب ، لك أقارب من طرف الأم ، من طرف الأب ، هؤلاء الذين حولك ألا ينبغي أن تقدم لهم نصيحة صادقة حارة مخلصة ؟ فأنت إذا تعرفت إلى الله ، وسعدت بقربه ، وسعدت بتوفيقه ، وفزت بمعرفته ، هذه المعرفة ، وهذه الحالة الرائعة انقلها لمن حولك ، هذه الدعوة إلى الله كفرض عين ، هناك دعوة هي كفرض عين ، ما أصلها في الدين .
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
معنى على بصيرة أي بالدليل والتعليل .
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله بنص الآية الواضحة .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
والذي لا يتبع منهج رسول الله في الدعوة إليه ليس محباً لله ، فهذه الآيات التي قلتها قبل قليل تؤكد أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، ولكن الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، حضرت خطبة جمعة ، تأثرت بآية شرحها الخطيب ، انقل شرح هذه الآية إلى زوجتك ، إلى ابنك ، إلى صديقك ، إلى زميلك في العمل ، إلى جارك في اللقاء ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم .
لماذا تصلي ؟ لأن الصلاة فرض ، ويجب أن تفهم أن الدعوة إليه فرض أيضاً ، فرض على كل مسلم ، فرض عيني على كل مسلم ، هذه الدعوة كفرض عين ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف .
لكن إذا تعمق في الدين ، هناك تبحر ، وتفوق ، وتفرغ ، واختصاص ، هذه الدعوة فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
هذا فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل .
فلذلك الدعوة إلى الله كفرض عين ، وفرض كفاية ، والدعوة إلى الله مسعدة ، وهي قمة العمل الصالح ، العمل الصالح أصله :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
ولا يؤتي ثماره إلا إذا رافقه تطبيق لما تقول ، وأن تعد نفسك أحد الدعاة .
المذيع :
﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾
هل ربنا يسوق لنا العذاب من أجل أن نشكره ؟
الإيمان نور نرى به الخير خيراً و الشر شراً :
الدكتور راتب :
لا ، الإيمان نور ، ترى به الخير خيراً ، والشر شراً .
إنسان يركب مركبته يمشي في الطريق ليلاً ، يوجد أكمات ، وصخور ، وحفر ، وانعطاف حاد ، وصعود حاد ، ونزول مخيف ، إذا لم يكن معه نور يستنير به في الطريق فالحادث حتمي ، فكل إنسان ابتعد عن النور فالحادث لهذه المركبة حتمي .
العذاب آلية ، كيف آلية ؟ لو أن بيتاً له بابان ، الأب أمر أن يستخدم أحد هذين البابين ، جاء الابن وخالف منهج الأب ، واستخدم الباب الذي منع الأب استعماله ، قد يعاقب الأب هذا الابن ، لكن هذا الأمر وضعي ، الأب وضعه ، الباب صنع للدخول ، أما إذا وضع الابن يده على المدفأة المشتعلة فتحترق ، الفرق بين الأمرين الأول وضعي ، والثاني علمي ، معنى علمي أن وضع اليد على المدفأة المشتعلة نتائجه بذاته ، العلاقة بين وضع اليد على المدفأة واحتراق اليد علاقة علمية .
إذا فهمنا أن كل أمر أمرنا الله به نتائجه بعلاقة علمية ، وكل نهي نهانا الله عنه نتائجه بعلاقة علمية ، فإذا أحببنا أنفسنا وكنا أنانيين بالمعنى السلبي لهذه الكلمة ينبغي أن نطبق تعليمات الصانع .
المذيع :
لو أراد الإنسان أن يجعل من عبادة الشكر ، ومن قيمة الشكر منهجاً يسير عليه في حياته ، أي في كل يوم نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى ، والإنسان يتقلب كذلك في نعم الله ، كيف يجعل الإنسان عادة الشكر أو عبادة الشكر عبادة له عادة تكون معه في كل لحظة في حياته ؟
الدعاء قمة العبادة :
الدكتور راتب :
هذه في الدعاء ، الدعاء هو العبادة ، والدعاء ذروة العبادة ، وهناك أدعية قبل الصلاة ، أدعية بعد الصلاة ، أدعية قبل الخروج من المنزل ، أدعية بعد الدخول إلى المنزل، أدعية مع لقاء الزوجة ، أدعية مع لقاء الأولاد ، إذا قرأ الأدعية المختارة التي دعاها النبي عليه الصلاة والسلام ، وحفظ بعضها ، وعود نفسه بالخروج يوجد دعاء ، بالدخول يوجد دعاء ، داخل إلى عمل : " اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين " هذا دعاء ، دخل لبيته دعاء ، خرج من بيته دعا دعاء ، فالدعاء هو العبادة ، الدعاء قمة العبادة ، والدين دعاء .
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
المعنى أن الإنسان لا يشقى وقد دعا الله عز وجل .
أنا أعرف إنساناً فقيراً جداً باع حلي أمه وأخواته ، واشترى بطاقة ليذهب إلى بلد بترولي ليعمل ، وفي الطريق أقسم لي بالله ما حرك شفتيه ، بل قال في نفسه : إذا أكرمني الله سأبني في هذا المكان مسجداً ، أنا كنت في سفر إلى اللاذقية دخلت إلى هذا المسجد صليت ، دعاني إلى شرب فنجان قهوة ، قال لي : أنا أنهيت الخدمة الإلزامية ولا أملك قرشاً واحداً ، فأقنعت أمي أن تبيع حليها لأشتري بطاقة إلى بلد نفطي ، أعمل فيه ، قال لي : في الطائرة قلت في نفسي ، ولم أنبس ببنت شفة ، إذا أكرمني الله سأبني له مسجداً ، سبحان الله ، وعاد بعد عشر سنوات وبنى مسجداً في المكان الذي حدده ، القصة طويلة جداً .
بطولة الإنسان أن يتعامل مع الله تعاملاً مباشراً :
أنا أقول هذه الكلمة : لمجرد أن تخاطب الله في سرك ، أو تدعوه في قلبك ، أو أن تعده بطاعة إذا صار كذا وكذا ، فالله يعلم ، وإذا علم أكرمك بتنفيذ هذا الشيء ، فلذلك البطولة أن تتعامل مع الله تعاملاً مباشراً ، ولا وسيط بينك وبين الله .
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
يوجد آيات عديدة جداً تصل إلى عشر آيات .
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ ﴾
عشر آيات أو أكثر ، إلا هذه الآية :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
لا يوجد فقل ، العلماء فهموا كلمة قل في هذه الآية أنه ليس بينك وبين الله وسيط ، لك أن تتعامل معه مباشرة .
المذيع :
شيخنا ، لِمَ لم يقل الله عز وجل :
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
النعم لم يأتِ بها بصيغة الجمع ولكن لماذا نعمة ؟
النعمة الواحدة فضائلها لا تعد و لا تحصى :
الدكتور راتب :
هل تقل لإنسان هذه ليرة عدها ؟ ليس لها معنى ، خذ هذه الليرة الواحد عدها ! العلماء قالوا : النعمة الواحدة إذا أمضيت حياتك كلها لا تحصي فضائل هذه النعمة .
مثلاً أحد كبار الأدباء يمضي الصيف في النمسا ، وكان كفيف البصر ، أنا من باب الدعابة أقول : لو أنه أمضى الصيف بقرية من قرى مصر فيها مكيف مثل النمسا ، ما دام لا يرى شيئاً ، فنعمة البصر لا تعدلها نعمة .
إنسان يشتري بيتاً ويزينه ، ويعمله مثالياً ، يختل توازن عقله ، يوضع بمستشفى المجانين ، هناك أشياء دقيقة جداً في حياتنا ، فنعمة السمع والبصر ، ونعمة العقل ، ونعمة الذاكرة ، نعم لا تقدر بثمن ، أحياناً أمراض تصيب الذاكرة ، يخشى الأهل أن يلتقي والدهم بأحد، لأنه يعيد القصة مئة مرة ، فنحن في أمس الحاجة إلى أن نتمتع بعقولنا ، وأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما حيينا إن شاء الله .
المذيع :
شيخنا ، النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ثم خرج يقول الذكر ، وكذلك إذا أكل الطعام ، نعمة الخروج نعمة كبرى ، الحركة نعمة ثانية لا يعرفها إلا من فقدها ، هناك كثير من الناس في حياتهم وجدوا نعماً كثيرة ، وهناك من فقد نعماً كثيرة ، هذا الإنسان الذي فقد النعم كيف يتعامل مع شكر النعمة ؟ هو فاقد لها الآن .
الغنى والفقر بعد العرض على الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة إذا آمنت بالآخرة تتوازن ، إذا آمنت بالدنيا وحدها ، طبعاً لم ننكر الآخرة ، لكنك ما أدخلتها في حسابك ، وفقدت نعمة بوضع صعب جداً ، أما إذا كان هناك إيمان بالآخرة، أنا زرت إنساناً بمدينة حمص طريح الفراش من ست و ثلاثين سنة ، وزوجته تخدمه ، فالإنسان إذا نقل اهتماماته للآخرة يرضى في الدنيا بأي وضع ، هذه نقطة مهمة جداً ، إذا وصل إلى الله معرفةً ، وإيماناً ، واستقامة ، وطاعة ، وقرباً ، ونقل اهتماماته الكبيرة إلى الآخرة عندئذٍ يرضى بما قسمه الله له ، ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس ، فالغنى غنى القلب ، والغنى والفقر بعد العرض على الله ، لا يسمى الغني غنياً في الدنيا ، ولا الفقير فقيراً في الدنيا ، الغنى والفقر بعد العرض على الله .
المذيع :
سبحان الله!
الدكتور راتب :
وقد يكون الفقير مطيعاً لله ، والغني متفلتاً ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لا يعد الغني غنياً ، ولا الفقير فقيراً .
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))
المذيع :
شيخنا ما الذي ترشدنا إليه هذه الآية العظيمة آية الشكر ؟
نعم ثلاثة إذا توافرت ما فات الإنسان من الدنيا شيء :
الدكتور راتب :
الله تفضل علينا بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، نعمة الإيجاد الدليل :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أنا من عادتي إن تصفحت كتاباً وكانت طبعه قبل سنة ولادتي أقول : في أثناء طبع هذا الكتاب أنا من ؟ أنا لا شيء .
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
تفضل علينا بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدك بالأب والأم ، أمدك بالطعام والشراب ، أمدك بالعقل والدماغ ، أمدك بالأجهزة ، والتنفس ، أي فشل كلوي تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، كل أسبوع ثلاث مرات ، وكل مرة ثماني ساعات ، تصفية الكلية ، خثرة بالدماغ ، شلل بمكان ، فقد ذاكرة بمكان ، اضطراب نفسي في مكان ، فنعمة الصحة لا تعدلها نعمة .
وأنا أقول : هناك نعم ثلاثة إذا توافرت ما فاتك من الدنيا شيء ، نعمة الهدى أن تعرف أن هناك إلهاً ، رباً ، مسيراً ، جنة ، ناراً ، منهجاً ، أمراً ، نهياً ، حلالاً ، حراماً ، نعمة الهدى أول نعمة ، وأنا برأيي المتواضع وبعد هذه النعمة تأتي نعمة الصحة ، وبعد نعمة الصحة تأتي نعمة الكفاية ، فمن كان مهتدياً إلى الله ، ويتمتع بصحة جيدة ، وعنده ما يغطي نفقاته ، ما فاته من الدنيا شيء ، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
المذيع :
شيخنا ترجمة هذه العبادة ، أو هذه النعمة ، أو هذه القيمة قيمة الشكر تترجم عملياً في حياتنا اليومية .
الدعاء مع الشكر هو قمة القرب من الله عز وجل :
الدكتور راتب :
الأدعية ، أدعية الشكر دائماً ، يا ربي أكرمتني ، وفقتني ، زوجتني ، آويتني في بيت، أعطيتني دخلاً يغطي نفقاتي ، وهبتني زوجة صالحة ، أولاداً أبراراً ، هذا الدعاء مع الشكر هو قمة القرب من الله عز وجل .
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾
فالدعاء هو العبادة .
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾
الدعاء هو الذي يجعلك شاكراً لله عز وجل .
المذيع :
وهو الذي يعودك على العبادة .
الدكتور راتب :
عندنا مثل صارخ : الصحابة الكرام قمم البشر ، وفيهم سيد البشر ، وفي بدر افتقروا ودعوا ربهم بالنصر ، فانتصروا ، وهم هم ، وفيهم سيد البشر في حنين اعتدوا بعددهم ، وقالوا :
(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
فلم ينتصروا .
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
ملخص الملخص تقول : الله ، يتولاك ، تقول : أنا ، يتخلى عنك .
المذيع :
جميل ، شيخنا ربنا جل وعز ختم هذه الآية :
﴿ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
لو تحدثنا عن استماع هذين الاسمين بعد الشكر ؟
الله تعالى غني عنا ولا يعاملنا إلا معاملة نحمده عليها :
الدكتور راتب :
هو غني عنا ، غني عنا كلياً .
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، يا عبادي ، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ،
على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ))
فالله غني ، ولكن مع أنه غني عنا حميد ، هناك شخص غني يترفع عن الفقراء ، ربنا عز وجل غني حميد ، غني عنا نحن بحاجته ، ومع ذلك نعامله معاملة نحمده عليها .
﴿ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
وليس كل غني من بني البشر غنياً حميداً ، الله غني عنا ، ولا يعاملنا إلا معاملة نحمده عليها .
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم شيخنا ، وشكر الله لكم ، والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة ، وجميل الاستماع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته