وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة غافر - تفسير الآيتان 17 - 18 أهمية نوع الكسب في الإيمان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس من سورة غافر، ومع الآية السابعة عشرَة، وهي قوله تعالى:

﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(17)﴾

[ سورة غافر ]


الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ


1 ـ كسبُ الإنسانِ:

 لو وقفنا عند كلمة: بما كسبت، ما كسْبُ الإنسان؟ بعضهم قال: كسبُه عمله، العمل حتمي، ما من إنسان إلا وله عمل شاء أم أبى، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى بادئ ذي بدء سخَّر السماوات والأرض من أجل الإنسان، وفضلاً عن ذلك أعطى الإنسان قوَّةً إدراكيَّة ليبحث، وينقِّب، ويهتدي، ويستفيد من خيرات السماوات والأرض.

 والحقيقة الدقيقة أن خيرات السماوات والأرض في الأعم الأغلب لا يُنتَفَع بها مباشرةً، فالنبات لابدَّ من أن يُزْرَع، البئر لابدَّ من أن تُحفَر، المعادن لابدَّ من أن تُستخرج، المَسْكَن لابدَّ من أن يُبنى، النباتات القطنيَّة لابدَّ من تُغْزَل، والخيوط لابدَّ من أن تُنْسَج، والنسيج لابدَّ من أن يُخاط، لحكمةٍ بالغةٍ جعل الله خيرات الأرض لا يُنتفع بها مباشرةً إلا إذا بُذِلَ من أجلها جهدٌ بشري أساسه العلم.

 إذاً: عندنا أرض فيها خيرات كثيرة، وهناك إنسان أعطاه الله قوَّة إدراكيَّة، قوة بحث، وتنقيب، واستنتاج، وكشف، واختراع، ولابدَّ من جهدٍ بشري من أجل أن تصبح هذه المواد نافعةً، هذه حقيقة.

2 ـ حاجات الإنسان:

 الحقيقة الثانية: الإنسان ممكن، معنى ممكن أي يمكن أن يكون وأن لا يكون، فإذا كان يمكن أن يكون على نحو ما هو عليه أو على نحوٍ آخر، شاءت حكمة الله أن يجوع الإنسان، أن يكون هذا الجسد بحاجة إلى طعام وشراب، هناك حاجات أساسيَّة ثلاث؛ الأولى حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب، حفاظاً على وجوده، وحاجة الإنسان إلى الطرف الآخر -إلى الجنس الآخر- حفاظاً على وجود نوع البشر، وحاجة الإنسان إلى الذِكْرِ أو بقاء الذكر.

 أول حاجة هي كلَّما شعر الإنسان بالجوع اندفع إلى الطعام والشراب، كلَّما شعر بحاجته إلى الطرف الآخر اندفع إلى الزواج، كلَّما شعر بحاجته إلى تأكيد ذاته، وتخليد اسمه اندفع إلى البطولة أو التجاوزات.

 إذاً: هناك دوافع فطريَّة لابدَّ من تلبيتها، جوع الإنسان يدفعه إلى أن يعمل، عمله مُنصَبٌّ على تحويل هذه الخيرات التي أودعها الله في الأرض، إلى خيراتٍ يُستفاد منها.

 إذاً: الإنسان بفطرته، ببنيته النفسيَّة، بطبيعة المواد في الأرض، بطبيعة قوَّته الإدراكيَّة لابدَّ من أن يعمل، من خلال العمل يُبْتَلَى الإنسان.

 مهَّدت لكم الموضوع على الشكل التالي: الأرض مسخَّرة، لكن خيراتِها تحتاج إلى جهد بشري، الإنسان فيه دوافع؛ دوافع إلى الطعام والشراب، دوافع إلى الجنس الآخر، دوافع إلى تأكيد الذات، هذه الدوافع تجعله يعمل من أجل أن يأكل، لولا دافع الجوع لما رأيت بناء قد بني، ولا بئراً قد حُفرَت، دافع الجوع هو الذي يحرِّك البشر، إذاً: هناك اندفاع نحو كسب الرزق، واندفاع نحو استكمال شقِّ الإنسان بشِقِّه الآخر، واندفاع نحو تخليد ذكره وتأكيد ذاته، وهذه الاندفاعات الثلاثة تقتضي أن يكسب الإنسان المال، من خلال تحويل المواد الأوليَّة إلى موادٍ قابلة الانتفاع.

 إذاً: هو يعمل شاء أم أبى، ما من خيار، ما دمت تحسُّ بالحاجة إلى الطعام فلابدَّ من أن تعمل، من خلال العمل يُبتَلَى الإنسان، يُبتلى بالاستقامة أو بالانحراف، يُبتلى بأنه لابدَّ من أن يعمل، من خلال العمل يكذب أو يصدق، يُخْلِص أو يخون، يدلِّس أو يُحْكِم، لابدَّ من أن يُمتحَن، فكل إنسان له عمل، سمَّاه القرآن الكسب، هذا الكسب سوف نُحاسب عليه في الآخرة حساباً دقيقاً.

 فمن الغباء بالإنسان أن يتوهَّم أن الأمور هكذا، والله أكلنا هذا المال، والحلال على الشاطر، هذا كلام في منتهى السذاجة، في منتهى الغباء، الإنسان محاسب، لأن الله عزَّ وجل عدالته تقتضي أن يحاسب العباد جميعاً.

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)﴾

[  سورة الحجر  ]

 نحن أيها الإخوة في دار ابتلاء وانقطاع.

3 ـ الدنيا دار امتحان:

 نحن في دار امتحان، نُمتحن بكل شيء:

 نُمتَحن بالإيجابيات كما نمتحن بالسلبيات.

 نُمتَحن بالخير كما نمتحن بالشر.

 نُمتَحن بالعطاء كما نمتحن بالحرمان.

 نُمتَحن بإقبال الدنيا كما نمتحن بإدبار الدنيا.

 نُمتَحن بالصحَّة كما نمتحن بالمرض.

 نُمتَحن بالقوَّة كما نمتحن بالضعف.

 نُمتَحن بالمال كما نمتحن بالفقر.

 كل طورٍ يطرأ عليك هو امتحانٌ من الله عزَّ وجل.

 لكن الله يعلم من أنت، إلا أن حكمة الله عزَّ وجل من الامتحان أن تعرف من أنت، لأن الإنسان أحياناً يتوهَّم أنه مؤمنٌ كبير، وربنا عزَّ وجل يعلم أن إيمانه أقلَّ من ذلك، يضعه في ظرفٍ دقيق فيظهر بحجمه الحقيقي، فالامتحان تعريفٌ لأنفسنا، وتعريفٌ لمن حولنا بنا.

 فلذلك كل واحد منَّا له عمل، فلان مثلاً خطَّط للحرب العالميَّة الثانية، التي ذهب ضحيَّتها خمسون مليون إنساناً، هذا عمله، إنسان أمر بإلقاء قنبلة على هيروشيما فقتلت ثلاثمائة ألف إنساناً في ثلاث ثوانٍ، هذا عمله، عمله تدميري.

 الأنبياء ماذا فعلوا؟ أعطوا الخلق كل شيء؛ أعطَوهم الحب، أعطَوهم الإيمان، أعطَوهم الاتصال بالله عزَّ وجل.

4 ـ ما عملك في الدنيا؟

 أكبر سؤال أن تسأل نفسك أنت أيها الأخ الكريم: ما عملك؟ جئت إلى الدنيا، وسوف تخرج منها، ما العمل الذي يُربَط باسمك؟ أعمال عظيمة، أو أعمال إجراميَّة، أو أعمال تافهة، أو أعمال خسيسة، أو أعمال نفيسة، أو أعمال إيجابيَّة، أو أعمال سلبيَّة، أو أعمال خيريَّة، أو أعمال أساسها الإفساد، أو أعمال أساسها رأب الصدع، فهذا السؤال الخطير: ما عملك؟ ماذا تفعل؟

 نبدأ: هل أنت أبٌ مثالي؟ هل حرصت على تربية أولادك؟ هل حرصت على أن تخلِّف من بعدك أفراداً طيّبين صالحين؟

 أنت ابن: هل أنت ابنٌ بار؟

 كونك زوج، هل أنت زوجٌ مثالي أخذت بيد زوجتك إلى الله ورسوله؟

 كونك زوجة، هل أنتِ أيتها الأخت زوجةٌ مثاليَّة تطبقين ما أمر الله به، وأمر رسوله به؟

 الإنسان له دور اجتماعي، بادئ ذي بدء هذا أب، هذا ابن، هذه زوجة، هذا إنسان تاجر، لكن التجارة لها صفات.

((  إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا.))

[  الجامع الصغير بسند ضعيف ]

 فلان موظَّف: هل تقوم بواجباتك كموظَّف؟ هل أنت في خدمة هذا المواطن، أم أنك تخلق له العقبات والمشكلات كي تبتزَّ من ماله؟ عمل هذا الموظَّف أنه يخلق للمواطنين المشكلات كي يبتزَّ أموالهم، هذا عمله، ربَّما كنت ترضى عن هذا العمل في الدنيا، لأنه يجلب لك مبلغاً أكبر من دخلك الحقيقي، ولكن ما قولك إذا وقفت بين يدي الله عزَّ وجل وسألك: لماذا فعلت هكذا بعبادي؟

 أنت مدرِّس: هل أعطيت هؤلاء الطلاب حقّهم، أم اضطررتهم إلى دروسٍ خاصَّة؟ لم تعلِّمهم علماً كافياً، لم تصحِّح لهم وظائفهم، لم تجر لهم اختبارات صحيحة، حتى اضطر الأهل إلى دروسٍ خاصَّة يدفعون عليها مبالغ طائلة.

 أنت طبيب: هل نصحت هذا المريض؟ هل راقبت الله عزَّ وجل وأنت تعالجه، أم آثرت أن تكبِّر حجم مشكلته كي تجعله يرتبط بك دائماً؟

 أنت محام: أنت مقتنعٌ أن هذه الدعوى لن تنجح، كيف أقنعت الموكِّل بأنها تنجح؟ من أجل أن تأخذ مالاً ليس مشروعاً؟

 كل واحد منا له دور اجتماعي في أسرته؛ هذا أب، هذا ابن، هذا أخ، هذه زوجة، هذا زوج. وهناك دورٌ مِهَنِي؛ أنت تاجر، عندك معمل مواد غذائيَّة، هل تخشى الله عزَّ وجل في أطفالنا؟ هل تضع في هذه المواد مواد من الدرجة الخامسة ليست جيدة، مواد فاسدة، ولا أحد يعلم؟ لكنك تراقب الله عزَّ وجل، أن الله الذي خلقك، وأكرمك بنعمة الوجود، ونعمة الإيجاد، ونعمة الهدى والرشاد يراقبك ماذا تفعل؟ ما نوع المواد التي تضعها في هذه الصناعات الغذائيَّة؟

 فكل واحد له دوران؛ دور أسري، ودور مهني؛ فالتجارة مهنة، والصناعة مهنة، والزراعة مهنة، والطب مهنة، والهندسة مهنة، والتدريس مهنة، والمحاماة مهنة، والوظيفة الإداريَّة مهنة، كل واحد بعمله إما أن يحسن، وإما أن يسيء، إما أن يكذب، وإما أن يصدق، إما أن يخلص، وإما أن يخون، هناك خيانة على مستوى اللون، لو قال لك إنسان: انتقِ أنت لي اللون الذي تحبُّه، فأنا لا أعرف، فانتقيت له اللون الكاسد، وأقنعته أن هذا أجمل لون، هذا لون السنة، وهو ليس كذلك، هذه خيانة، فأنت من خلال عملك إما أن تصدق، وإما أن تكذب، إما أن تُخلص، وإما أن تخون، إما أن تنصح، وإما أن تغُش، هذا عملك، هذا هو أنت، وهذا لا يبدو في هذه الدنيا صارخاً، ولكن عندما يقترب الإنسان من أجله يبدو عمله صارخاً.

 إن الإنسان اسمه مرتبطٌ بعمله، ما نوع عملك؟ وشتَّان بين المؤمن والكافر، خذ حرفةً واحدة، راقب بها المؤمن، كيف ينصح؟ كيف يصدق؟ كيف يخلص؟ كيف يرحم المسلمين؟ كيف يحرص على مصالحهم؟ كيف يرأف بهم؟ وراقب الكافر كيف يقسو عليهم؟ ويبتزُّ أموالهم، ويكذب عليهم، ويدلِّس، ويقنعهم ليأخذ أموالاً طائلة؟

 الدسَّام، هناك دسَّام ثمنه خمسة آلاف، ودسَّام ثمنه ستون ألفاً، قال له: قل له ركَّبنا لك الدسَّام الذي ثمنه ستون ألفاً، لن يعرف المريض، وهو ثمنه خمسة آلاف، هذا عمل الإنسان، هذا العمل يوم القيامة سوف يظهر، سوف يظهر جَلِيَّاً، كل إنسان يعرف بحرفته كيف يصدق أو يكذب؟ ينصح أو يغش؟ يدلِّس أو يستقيم؟ ينحرف أو يعطي؟

 إذاً: أيها الإخوة أخطر شيء في الحياة هو عملك.

 "يا قييس، إن لك عمل تُدْفَن معه وأنت ميِّت، ويُدفن معك وهو حي، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك ألا وهو عملك"


العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية:


  فأنت لك عمل، والناس -سبحان الله- كما يقولون: "ألسنة الخلق أقلام الحق" ، الإنسان عمله ظاهر ومكشوف، والناس يلهجون بالثناء عليه إن كان مستقيماً، إن كان صادقاً، ويطعنون به وبأقواله وأفعاله إن كان منحرفاً، فأخطر شيء أن الإنسان يتوهَّم الدين بسذاجةٍ وغباء أنه صلاة وصوم، فالصلاة والصوم من أركان الإسلام، لكن الصلاة والصوم والحج تشبه تماماً ساعات الامتحان، ويسبق هذه العبادات الثلاث تسعة أشهر عاماً دراسيَّاً.

 فالعبادات نوعان: عبادات تعامليَّة، وعبادات شعائريَّة ، العبادات الشعائريَّة من صومٍ وصلاةٍ وحج لا معنى لها إطلاقاً، ولا قيمة لها، ولا تقدّ‍م ولا تؤخِّر إن لم يكن الإنسان في عباداته التعامليَّة مستقيماً على أمر الله عزَّ وجل.

 والله أيها الإخوة، لو استقام الناس على أمر الله، لو عرفوا ربَّهم حقَّ المعرفة لعدوا للمليون قبل أن يكذبوا، قبل أن يغشوا، قبل أن يدلِّسوا، قبل أن يوهموا، قبل أن يبتزوا أموال بعضهم بعضاً.

 تجد من علامات فساد المجتمع أن الذي يأكل أموال الناس بالباطل يُعدُّ ذكياً، يعدُّ شاطراً، الذي يكذب عليهم، ويقنعهم يعد متفوِّقاً؛ لكن المستقيم هو عند الله له شأنٌ كبير، والإنسان العاقل هو الذي يبتغي العزَّة لا عند الخلق، ولكن عند الحق، يبتغي المكانة الرفيعة عند خالقه من خلال إخلاصه، واستقامته على أمر ربِّه.

 الإنسان له عمل، حاسب نفسك، عملك في بيتك، هناك أب مُهمل، هناك أم مهملة، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((  أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة. ))

[  الجامع الصغير عن أنس، وفي سنده ضعف  ]

 فامرأة تعتني بأولادها، تعتني بتلبية حاجاتهم، بتربيتهم، بالسهر على مصالحهم، بالحِرص على نفسياتهم، بتوجيههم التوجيه الصحيح، هذه يمكن أن تلقى الله بهذا العمل، يمكن أن تدخل المرأة الجنَّة إذا كانت أماً مثاليَّة، والأمومة المثاليَّة عملٌ تلقى المرأة به ربَّها.

 الأبوَّة المثاليَّة عملٌ يلقى به الرجل ربَّه، ممكن أن تلقى الله بأولادٍ ربَّيتهم تربيةً صالحةً، وجَّهتهم توجيهاً صحيحاً، جعلتهم أناساً صالحين طيِّبين، نشؤوا على مكارم الأخلاق، يمكن أن تلقى الله بهذا العمل، البنوَّة المثاليَّة يمكن أن تلقى الله بها.

 الآن عملك المهني: أقول هذا كثيراً، وقد أعدت هذا على مسامعكم كثيراً: حرفتك، رزقك، عملك المهني، إذا كان في الأصل مشروعاً، ومارسته بطريقةٍ مشروعة، وابتغيت به كفاية نفسك، وكفاية أهلك ومن يلوذ بك، وابتغيت به خدمة المسلمين، ولم يشغلك عن فرضٍ، أو عن واجبٍ، أو عن طاعةٍ، أو عن مجلس علمٍ، هذا العمل المهني ينقلب إلى عبادة، ويمكن أن تلقى الله به، ويمكن أن تدخل به الجنَّة، ليس الشرط أن يكون الناس كلُّهم دعاةً إلى الله، كل إنسان بحسب دوره الاجتماعي.

 أصحاب الحرف إذا أخلصتم في حرفكم، وابتغيتم بها خدمة المسلمين، ولم تأخذوا مالاً زائداً عن الحد المعقول، ولم تشغلكم هذه الحِرَف عن طاعات ولا واجبات، ولا عن طلب العلم، فهذه الحِرَف تنقلب إلى عبادات وأنتم لا تشعرون، حتى إن العلماء قالوا: المباحات إذا ابتغي بها وجه الله انقلبت إلى عبادات.

 درس اليوم: اسأل نفسك هذا السؤال: ما نوع عملك في الدنيا؟ أنا أطمئن إخوتنا الكرام أنك إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما استعملك، لا تكذب، هناك هراءٌ كثير؛ إن لم تكذب لا تكسب المال، كلامٌ فارغ، الله سبحانه وتعالى هو الرزَّاق ذو القوَّة المتين. 

(( مَن حاول أمرًا بمعصية، كان أَبْعَدَ لِمَا رَجَا، وأَقْرَبَ لِمَجِيءِ ما اتَّقَى. ))

[ ضعيف الجامع ]

 أيّ إنسان يبتغي كسب المال من خلال المعصية فهو أحمقُ كبير، لأنه يخسر شيئين؛ يخسر طاعة الله عزَّ وجل، ويخسر المال، والدنيا بين أيديكم، ما أفلح عاصٍ لله عزَّ وجل، ما أفلح كاذب، ما أفلح غاش، يجمع المال شيئاً فشيئاً فتأتي مصيبةٌ تمحقه جميعاً.

 قال لي رجلٌ احترق محله: والله فيه ثمانية ملايين من البضاعة، ثم دمعت عينه، وقال لي: لعلي في الثلاثين عاماً الماضية أكلت أموالاً غير مشروعةٍ، جمَّعها الله لي، واحترقت هذه البضاعة.

 المشكلة أن الإنسان أحياناً يكسب المال الحرام شيئًا فشيئًا، يجمعها الله، حتى إذا أصبحت مالاً كبيراً في لمح البصر يذهب المال، والشواهد كثيرة، والأمثلة كثيرة، كل شيء يقع تحت سمعنا وبصرنا هو في الحقيقة وراءه مشكلة، وراءه ذنب، وراءه محاسبة دقيقة، وراءه قِصاص، وراءه جزاء، لكن البشر لا يعلمون، الله وحده يعلم لماذا تلف مال فلان؟ لماذا فلَّس فلان مثلاً؟ لماذا محق الله البركة من مال فلان؟ أنت لا تعلم كيف كسب المال؟ إذاً: ربنا عزَّ وجل يقول: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ .

((  لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَا وَضَعَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟ ))

[  من سنن الدارمي عن معاذ بن جبل  ]

5 ـ انتبه إلى عملك فإنه أخطر شيءٍ:

 والإنسان لا ترتاح نفسه، ولا يطمئنُّ قلبه، ولا يسعد في دنياه إلا إذا كان مصطلحاً مع الله، والله سبحانه وتعالى طيِّبٌ ولا يقبل إلا طيباً، والأخطاء مع البشر من الصعب أن تُغفر إلا أن يغفر البشر، لكن الأخطاء مع الله عزَّ وجل سهلٌ مغفرتها، هذه بينك وبين الله، لكن ما كان بينك وبين البشر صعبٌ أن تُغفر.

 فكل إنسان أيها الإخوة ينتبه لعمله، أولاً أن لا يكون عمله غير مشروع، أن لا يكون عمله مبني على إيذاء الآخرين، على سلب ما عند الآخرين، أن لا يكون عمله مبنيا على الكذب أو الخِداع أو الغش، أن لا تكون البضاعة التي يبيعها محرَّمة، أن لا تكون الطريقة التي يستخدمها طريقة غير مشروعة، لِينتبهْ لعمله، لأن عمله هو الذي يعطيه مكانته عند الله عزَّ وجل.

 وما في عمل مهني للإنسان إلا وهو سًلَّمٌ ترقى به إلى الله، أو دركاتٌ تهوي به إلى النار، أبداً؛ حرفتك، دورك في الأسرة؛ أبوَّتك، هناك أبوة فاسدة، وأمومة فاسدة، وبنوَّة فاسدة، دورك في أسرتك.

ودورك في مهنتك ، أنت الآن موظَّف، يجب أن تكون مخلصاً لربِّ العمل، هذا الوقت وقته، أنت الآن رب عمل، يجب أن تكون منصفاً مع العمال أو مع الموظَّفين، أن تعطيهم حقَّهم، أن لا تستغل حاجتهم كي تنمِّي على أكتافهم ثروةً طائلة، كل إنسان محاسب. 

دورك الاجتماعي ، لك دور اجتماعي؛ أنت جَد، الجد مَظَنَّة صلاح، مظنة إنصاف، حرمت فلانة، أعطيت فلانة لنزوةٍ شخصيَّةٍ هذه تحاسب عنها.

 يا أيها الإخوة الكرام، أخطر ما في حياتنا أعمالنا، بها نرقى أو بها نهوي، بها نسعد أو بها نشقى، بها تكون درجاتٍ إلى الله عزَّ وجل، ومن خلالها تكون دركاتٍ إلى النار، فكل إنسان يراجع نفسه، الحياة الدنيا قصيرة، والإنسان في دار ابتلاء.

 في أول الدرس قلت: نحن في دار ابتلاء وانقطاع، معنى انقطاع: أن الموت يأتي فيلغي غنى الغني، ويلغي فقر الفقير، ويلغي قوَّة القوي، ويلغي ضعف الضعيف، ويلغي مرض المريض، ويلغي صحَّة الصحيح، فالموت أنهى كل شيء، وبقي العمل.

 الشيء المؤلم أن الإنسان بعد الموت تنقطع منفعة ماله، وتبقى تبعة هذا المال، تنقطع المنفعة وتبقى التَبِعَة.

((  عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. ))

[  الترمذي  ]

 السؤال صعب، صعب جداً، إذا قيل لإنسان: تعالَ إلينا بعد يومين، لا ينام الليل، لماذا يريدونني؟ ماذا قلت؟ لا ينام إطلاقاً، إن قيل له: تعال بعد يومين لنسألك، هذا سؤال بشر لبشر متعب ومخيف، فكيف بخالق البشر الذي يعلم السرَّ وأخفى، ولا تخفى عليه خافية؟ فالإنسان السعيد الذي طويَّته كعلانيَّته، سريرته كعلانيَّته، سرُّه كجهره، خلوته كجلوته، ما عنده ازدواجيَّة، ما في قلبه على لسانه، ما يقوله بلسانه يُحِسُّ به في قلبه، أما الأساليب الماكرة، الاتجاهات المنحرفة فهذه كلها خطيرة في الحياة. 

أيها الإخوة الأكارم، عملك احرص على أن يكون في طاعة الله، احرص على أن يكون في مرضاة الله، لأن ربنا عزَّ وجل إذا غضب:

﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

[  سورة البروج  ]

 والله لا يتسع المجال لأذكر لكم قصصاً واقعيةً نعيشُها جميعاً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ الله سبحانه وتعالى إذا انتقم كان الشيء الذي لا يُعقل، فالعاقل هو الذي يخاف الله عزَّ وجل، فالكذب الذي هو شائعٌ بين الناس كله محاسبٌ عليه. 

((  يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ. ))

[  من مسند أحمد عن أبي أمامة  ]

 لو أُلغِي الكذب من حياتنا لكنَّا في حالٍ آخر غير هذا الحال، وربنا عزَّ وجل كل أسمائه الحسنى الكون مظهرٌ لها، الكون مظهرٌ لعلمه، مظهرٌ لقوَّته، مظهرٌ لقدرته، مظهرٌ للطفه، مظهرٌ لرحمته، إلا اسماً واحداً، هذا الاسم الواحد لا يتحقَّق إلا يوم القيامة، وهو أنه عدلٌ.


الحظوظ في الدنيا توزَّع توزيع ابتلاء:


  بالمناسبة: ربنا عزَّ وجل يوزِّع الحظوظ في الدنيا -انتبه لكلمة حظوظ- المال حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، الزوجة الممتازة حظ، الأولاد الأبرار حظ، المنزل الواسع حظ، المركبة الوطيئة حظ، السمعة الطيِّبة حظ، القوة والصحة حظ، هذه الحظوظ تُوزَّع في الدنيا توزيع ابتلاء، كل إنسان مُبتلى بما أعطاه الله، ومبتلى بما حرمه الله، في الوقت نفسه مبتلى بما أعطاه، مبتلى بما حرمه، لكن الحظوظ يوم القيامة تُوزَّع توزيعاً آخر، لا توزَّع توزيع ابتلاء، بل توزَّع توزيع جزاء، رُبَّ غنيٍّ ابتُلي بالغنى فلم ينجح، وربَّ فقيرٍ ابتُلي بالفقر فنجح، فعاش الفقير إلى أبد الآبدين غنياً، وعاش الغني إلى أبد الآبدين فقيراً، فالدنيا لا قيمة لها.

((  لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. ))

[  من سنن الترمذي عن سهل بن سعد  ]

وقد قيل: "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" أنت دقِّق، حتى أخذ شقفة شهادة يقول لك: ذاب بذرُ مخِّه، حتَّى عيَّنوه مكث خمس سنوات بعد مسابقة، وبعدما تعيَّن ظهر له أن المعاش لا يكفي، فاشتغل في عمل إضافي، حتى اشترى بيت صغيراً في طرف المدينة بمساحة ستين مترًا، حتى أمَّن الأثاث لزمه سنتان، حتى تزوَّج، بعد هذا اشتغل في التجارة، جاءه دخل جيِّد، غيَّر البيت، غيَّر الأثاث، زيَّن البيت، اشترى سيارة، صار عمره خمسة وخمسين عاما بدأت متاعب الصحَّة، وهكذا الحياة. 


شروط اللذة الدنيوية:


  مرة قلت لكم كلمة: إن السعادة عفواً، اللذَّة، دعك من السعادة لأنها هي بالقرب من الله عزَّ وجل ـ لذّات الدنيا تحتاج إلى شروط ثلاث: تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى مال، وتحتاج إلى صحَّة، الإنسان يمر في الحياة بثلاثة أطوار:

 الطور الأول هناك وقت وصحَّة ، ولكن لا مال لديه، ما عنده شيء إذاً: ليس سعيداً، لأن لا مال معه.

الطور الثاني: هناك مال وصحَّة ، ولكن لا وقت، تجد أحياناً مائتي بيت بالمصائف فارغة، أصحابها مشغولون بأعمالهم التجاريَّة، المال موجود، والصحَّة، ولكن ليس هناك وقت.

 يأتي الطور الثالث صار هناك وقت، والمال وافر، ولكن لا توجد صحَّة ، تجده يحمل حقيبة أدوية، هذه هي الدنيا، هذه الدنيا تغرُّ وتضرُّ وتمر، قال تعالى:

﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(5)﴾

[  سورة فاطر  ]

 أن تغتر بها، أن تراها بحجمٍ كبير أكبر من حجمها الحقيقي، هي صغيرة جداً، تافهة، يقول سيدنا علي عن رسول الله: <<فلينظر ناظرٌ بعقله أن الله أكرم محمَّداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا>>

 كان النبي اللهمَّ صلّ عليه لا يتَّسع بيته لصلاته في قيام الليل ونوم زوجته، فكان إذا صلَّى قيام الليل رفعت السيدة عائشة رجليها ليتمكَّن أن يصلي، هذا سيِّد العالمين، هذا يكفي، هذا أكبر شاهد، الدنيا لا قيمة لها، القيمة لطاعة الله عزَّ وجل. 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[  سورة الأحزاب  ]


الغنى والفقر بعد العرض على الله:


 يقول سيدنا علي: <<الغنى والفقر بعد العرض على الله>> ، فالذي نجمِّعه سنةً سنةً، يأتي ملك الموت فيأخذه دفعةً واحدة، وقف قلبه، غير معقول، يأتون بمرآة، ويضعونها على فمه، هناك آثار تنفُّس؟ لا يجدون شيئًا، يأتون بمصباح شديد على عينه، هل انكمشت القزحيَّة؟ لم تتحرَّك، القلب وقف، والقزحيَّة ما تأثَّرت بالضوء، والمرآة لم تتأثَّر بالتنفُّس، عظَّم الله أجركم، أخذوا الساعة من يده، في فمه سن من الذهب سحبوه منه، يقولون لك: الحي أولى، هذه الدنيا، كل شيء جمَّعه في حياته يفقده في ثانيةٍ واحدة.

 إذا كان الرجل ماشياً في طريق، ورأى بناء على العظم، وله بيت، فماذا يقول للناس؟ أنا آخذ هذا البيت، فكيف رأيتموه، هل هو جيِّد؟ شيء طبيعي جداً إذا اشترى بيتاً ببناء على العظم، ومررت مع صديقك تقول له: هذا البيت أنا اشتريته، أخذته قبليًّا غربياً، ثالث طابق، وكذلك فيه مصعد، ومساحته مائتان وخمسون مترًا، لماذا إذا مرَّ الواحد أمام مقبرة لا يقول: أنا لي بيت هنا؟ هذا البيت أثبت من ذاك، البيت الذي اشتريته قد لا تسكنه، أما البيت الأخير فلابدَّ من أن تقطن فيه، والدليل: النعوات كلها يكتب فيها: "وسيشيَّع إلى مثواه الأخير"، هذا المثوى الأخير حق، فالبطل العاقل الذكي الذي يعمل لهذا القبر، هو يتاجر، ويعمل، وينشط، لكن كله وفق منهج الله عزَّ وجل، حتى إذا جاء ملك الموت كان مستعدَّاً لهذا اللقاء.


الموت أسعدُ لحظات المؤمن، وأسوأ لحظات الكافر:


 لا يستطيع أحدٌ على وجه الأرض أن يُنكر الموت، ولكن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن هو أن المؤمن يستعدُّ له، بينما غير المؤمن يأتيه الموت فجأةً، وأروع شيء في الحياة أن لا تفاجأ، المؤمن لا يفاجأ بالموت، لأنه يستعد له من خمسين عاماً، "مرحباً بالموت، حبيبٌ جاء على شوق" هكذا قال أحد الصحابة، المؤمن الصادق المستقيم يستعد للقاء الله منذ أن عرف الله، كل موقف يزنه؛ هل يرضي الله؟ هل في عملي شائبة؟ أما غير المؤمن يسرح، ويمرح، والموت عنده كارثة.

﴿  فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ(83)﴾

[  سورة الزخرف  ]

 الموت من دون توقُّع شيء صعب جداً، وهذا يعرفه الإخوة الأطبَّاء، عندما يعالجون مرضى على وشك الموت يجدونهم في ذعر واضطراب، أما لو قرأت سيرة أصحاب رسول الله لوجدت العجب العجاب، هم في أسعد حالاتهم حينما دنا أجلهم. "واكربتاه يا أبتِ" ، قال: "لا كرب على أبيكِ بعد الموت غداً ألقى الأحبَّة محمَّداً وصحبه"

 أحد الصحابة قال: "والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي" ، فهو يمشي بأقصى سرعة، والباب مفتوح، وكلنا عند الله سواسية، لا أحد أحسن من أحد، "يا سعد، لا يغرَّنك أنك خال رسول الله، فالخلق كلُّهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابةٌ إلا طاعتهم له" .


لا ينفع نسب يوم القيامة:


 فتقييم الناس عنعنات جاهليَّة، أي إنسان: 

كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً     يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ

[  سيدنا علي رضي الله عنه ]

الأنساب ليست لها قيمة أبداً. أنا جد كل تقي، ولو كان عبداً حبشياً.

((  عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:   يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. ))

[  من مسند الإمام أحمد  ]

 أما الأنساب لها قيمة مع الإيمان، وقد قيل: "الشرف معوان"

 أما بلا إيمان.

﴿  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1)﴾

[  سورة المسد  ]

 وهو عم النبي. 

((  سلمان منَّا آل البيت. ))

[  الجامع الصغير عن عمرو بن عوف بسند ضعيف ]

 سيدنا بلال دخل على عمر بن الخطَّاب كثيراً، وزعيم قريش واقفٌ على الباب لم يؤذَن له، فلمَّا دخل عليه عاتبه، قال له:<< زعيم قريش يقف ببابك ساعاتٍ طِوال، وصهيبٌ وبلال يدخلان ويخرجان بلا استئذان؟" قال له:"أنت مثلهما؟ أين هم منك وأين أنت منهم؟ >> .

 النقطة الدقيقة: أننا كلنا سواسية، فافتخار الناس بأموالهم، بأحسابهم، برتبهم الاجتماعيَّة بشهاداتهم، هذه كلها للدنيا، القرآن ما اعتمدها إطلاقاً.

 إذاً: التركيز على العمل، قل لي ما نوع عملك أقل لك من أنت، وأخطر شيء عملك، صلاة جوفاء، وصيام أجوف، وحج سياحة لا يلغي العمل السيئ، العمل السيئ في دكَّانك، في مكتبك، في عيادتك، في مكتبك الهندسي، في صفَّك، في وظيفتك، هنا عملك، هنا يبدو إسلامك، هنا يبدو إيمانك، إذا كنت ذا عملٍ طيِّب فصلاتك مقبولة، تقف لتصلي ترى الطريق سالكاً إلى الله، ترى أن الله يتجلَّى على قلبك، لأنك إنسان خيِّر، طيِّب، صالح، أما إذا كان هناك غش، وكذب، واحتيال، وحرمان، و كسب مال غير مشروع، وإنفاق غير مشروع، وأعمال سيئة لا ترضي الله عزَّ وجل، وأنت حريصٌ على مظاهر الدين، فهذه لا تقدِّم ولا تؤخِّر..


لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ


1 ـ الدنيا مملوءةٌ ظلمًا:

 ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا ، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتِي ، حتَّى يملأَها قِسْطًا وعدلًا ، كما مُلئَتْ ظلمًا وعدوانًا ))

[ أخرجه أحمد ]

 معنى هذا أحياناً تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، والأشياء بين أيديكم، في كل أنحاء العالم الظلم والجور، تمتلئ ظلماً وجورًا.

2 ـ لا ظلمَ يوم القيامة:

 أما يوم القيامة: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ هذه (لا) نافية للجنس، ونفي الجنس أبلغ من نفي المُفْرَدِ، أحياناً يقول لك واحد: عندك رغيف خبز؟ إذا قلت له: لا، فقد يكون عندك كعك، قد يكون عندك معكرونة، قد يكون عندك أطعمة أساسها القمح، أنت لحرصك على أن تنفي له تقول، له باللغة الدراجة: جنس الخبز ما عندي، نفي الجنس أبلغ من نفي المُفْرَد، وهذه (لا) إعرابها: لا النافية للجنس، تنفي الجنس، الاسم الذي يأتي بعدها مبنياً على الفتح هو اسمها، و(لا) نافية للجنس. 

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ أي لا يمكن أن يتصوَّر أي نوعٍ من أنواع الظلم أبداً، تأخذ حقَّك الكامل، فما دام هناك ميزان دقيق، وعدالة فلا ظلم.

أنا قلت لإنسان اليوم: تصوَّر لو أنك راكب مركبة والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطيان واقفان بجانبه على دراجتين، وسيارة فيها نقيب في الشرطة، فهل تمشي والإشارة على الأحمر؟ مستحيل وأنت مواطن عادي طبعاً، لا تمشي، لأن الذي أصدر هذا القانون يطولك بعلمه، ويطولك أيضاً بقدرته، هناك حجز، وغرامة كبيرة، فأنت مع إنسان إذا أيقنت أنك لن تفلت منه تطيعه، فليت الإيمان بالله يرقى إلى مستوى الإيمان بإنسان أمامك قوي، مع إنسان من بني جلدتك لن تتخطَّى الإشارة الحمراء، ما دام هناك إنسان يحاسبك حساباً عسيراً، فإذا أيقنت بوجود الله، أيقنت أنه سيحاسب، لأن الآية الكريمة:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)﴾

[ سورة الطلاق ]


احذر فإن علم الله وقدرتَه يطولانِك:


 لماذا؟ ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ ذكر اسمين من أسمائه، له تسعةٌ وتسعون اسماً، ما ذكر إلا اسمين، لأن هذين الاسمين يكفيان كي تستقيم على أمر الله، إذا أيقنت أنه يعلم، وسيحاسب، انتهى الأمر، لابدَّ من أن تصدق، نسخة من البيان أرسلت إلى الماليَّة، سألوك: ما الذي استوردته في هذه السنة؟ أنت تعرف أن هناك نسخة عندهم، فلا يمكن أن تكذب أبداً، لأنك لو كذبت ستُكْشَف فوراً، إذا أيقنت أن الله يعلم، وأنه سيحاسب فلابدَّ من أن تستقيم على أمره.

 يا أيها الإخوة الكرام، إذا كان للإنسان معصية مقيم عليها فلابدَّ أن في إيمانه خللاً، أن يقينه بعلم الله ضعيف، أو أن يقينه بمحاسبة الله ضعيف، لو أيقن يقيناً قطعيًّا أن الله يعلم، وسيحاسب لا يعقل أن يعصي الله عزَّ وجل.

 الآية دقيقة جداً: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾ أي أن علَّة وجودكم أن تعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ يعلم ويقدر، أي أنه يعلم وأنت في قبضته، مستحيل أن تعصيه، فإذا عُصِيَ الله عزَّ وجل فلضعفٍ في إيمان الإنسان؛ إنْ بعلمه أو بقدرته.


ماذا أترك ورائي من عملٍ بعد الموت؟


﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ اسأل نفسك: ما نوع الكسب الذي أكسبه؟ ما نوع العمل الذي ألقى الله به؟ إذا ذُكِر اسمي بين الناس ماذا يُقال عني؟ أحياناً يقال: فلان أكبر دجَّال، فلان ليس نظيفًا، فلان سارق، هذا عمله، فلان ابن حرام، فلان مؤذٍ، فلان كذَّاب، هذا يسمونه بادئ الرأي، أي النظرة الأولى، فكل إنسان له عمل، باستقامته وبحرصه على طاعة الله يلمع اسمه في سماء المعرفة.

﴿  وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)﴾

[  سورة الشرح  ]

 عندما تتقصَّى طاعة الله عزَّ وجل فلها مكاسب كثيرة في الدنيا، منها أن الله سبحانه وتعالى يرفع شأنك، صار لك مكانتك العالية، لك هيبتك، محبوب، والبطولة لا أن تُمدَح في حضورك، بل أن تُمدَح في غيبتك، فعلامة العمل الطيِّب أن الناس يُثنون عليك في غيبتك.

﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ هذه (لا) نافية للجنس.


إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ


﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ سريع الحساب: لأن الحساب طويل يحتاج إلى جهد جهيد، لكن ربنا عزَّ وجل كن فيكون، والآن اخترعوا أجهزة تعطي حساباً سريعاً، يقول لك: قفزة نوعيَّة في الحسابات، ربنا عزَّ وجل سريع الحساب، كل شيء جاهز.

﴿  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ(18)﴾

[ سورة غافر ]


وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ


 بقيت آيةٌ واحدة، وهي قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ .

1 ـ يَوْم الْآزِفَةِ:

 سُمِّي يوم القيامة يوم الآزفة من الفعل أزِفَ أي اقترب، كلّ آتٍ قريب، طبِّقوا هذا أول رمضان، بقي عليه ثلاثون يوماً، تمضي الأيام سراعاً، ويأتي العيد، العيد الكبير بقي عليه شهران وعشرة أيام، تمضي الأيام سريعاً، يأتي عيد الأضحى، دخلنا في الصيف، صيف وحر، يأتي الشتاء، تركِّب المدافئ، ترتدي المعاطف، وأنت في الشتاء يأتي الصيف، كنا بالسبعينات، أول سنة الثمانين، ألف وتسعمائة وثمانون، مضت الثمانينات، الآن بالتسعينات، مازال هناك عام الألفين وما بعده، وهكذا تمضي الحياة، الوقت من خصائصه أنه يمضي سريعاً.

 فليسأل الواحد منا نفسه: كيف مضت هذه الأربعون سنة؟ هذه الخمسون، هذه الخمسة والثلاثون؟ يقول لك: البارحة كنا صغارًا، والإنسان يقول: يا ولد لا تحتاج إلى هذا، معنى هذا أنه ولد، ولا يزال يرى نفسه صغيراً، الأيام تمضي سريعاً، الموت على الطريق، محطَّة، والقطار ماشٍ، والموت آخر محطَّة. 

إذا ركب الرجل قطار الزبداني، انطلق من محطة الحجاز، دخل في منطقة الوادي، بعد هذا وقف القطار تفضلوا بالنزول، آخر محطَّة، ما دمنا متحرِّكين والهدف ثابت فكل متوَّقعٍ آت، فربنا عزَّ وجل سمَّى يوم القيامة يوم الآزفة، لأنها تأتي قريباً، أحياناً تجد شخصاً نعوته على الجدران، انتهى، كتاب وانطوى، قصَّة وانتهت، كان شخصاً صار خبراً على الجدران، انتهى، وبقي عمله، الآن الموت، البرزخ، ثم يوم القيامة، فالإنسان لا يغتر بالدنيا.

﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ سُمِّيَت الآزفة لأنها قريبةٌ جداً.

2 ـ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ

 ﴿إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ من شدَّة الخوف.

3 ـ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ

 ﴿كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ ما من إنسان له معك علاقة حميمة بإمكانه أن ينقذك، وليس هناك شفيعٌ يشفع لك عند الله عزَّ وجل العمل السيّئ الذي اقترفته، انظر للآية ما أوضحها.

﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ لو أن إنسانًا -كما أقول هذا كثيراً- استطاع أن ينتزع من فم النبي عليه الصلاة والسلام حكماً لصالحه، وهو ليس محقًّا، لا ينجو من عذاب الله، انتزعه من رسول الله، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا.  ))

[  متفق عليه  ]

 لا تنجو، فلا أحد يتَّكئ على أشخاص، ولا على نَسَب، ولا على قرابات، نصيحةٌ لوجه الله، إيَّاك أن تعتمد على نسب، ولا على قرابة، ولا على ولاء، ولا على اتصال، لو أن لك صلةً بالنبي عليه الصلاة والسلام ما بعدها صلة، وانتزعت من فمه الشريف حكماً لصالحك، ولست محقًّا بكلامك لا تنجو من عذاب الله، فما قولك؟

﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((  إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ، وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي. ))

[  متفق عليه  ]

 فكذلك الآن في الدنيا إذا تلبَّس إنسان بمشكلة كبيرة فيها مساس بأشياء كبرى في حياتنا، تجد أن كل الوسطاء ينسحبون، يقولون لك: لا نقدر، هذه شيء فوق طاقتنا، وهذا في الدنيا، كموضوع مخدِّرات أو غيره، فالكل ينسحبون، يجب أن يلقى العقاب العادل، فكيف مع الواحد الديان؟

﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ .

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور