وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج منهج التائبين - الحلقة : 24 - الاختيار أصل في الدين.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، غافر الذنب، وقابل التوب، والصلاة على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
 أخوتي أخواتي؛ بتحية الإسلام نحييكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معكم ونسعد بصحبتكم، في حلقة جديدة من برنامجنا: "منهج التائبين" رحبوا بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بكم.
الدكتور بلال:
 سيدي نقترح اليوم موضوعاً يقترب من موضوعات العقيدة، لكن له صلة وثيقة بالتوبة، السبب في ذلك أن بعض الناس يقيمون على المعاصي، وإذا قلت لهم: هلموا إلى الله، هلموا إلى باب التوبة، بادروا إلى الصلح مع الله، رأيتهم يتحججون، بأن هذا قدر من الله وعندما يأذن لي الله أتوب، لم يأذن لي الله تعالى بعد بالتوبة، هذا ما يقوله البعض، فلابد من أن نضيء على هذا الموضوع، ما جوابكم؟

حرية الاختيار أصل من أصول الدين :

الدكتور راتب :
 هذه أكبر مغالطة في العقيدة، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسراً، وأعطى على القليل كثيراً.
لمجرد أن نتوهم أن الله أجبرنا، أو حرمنا نعمة الاختيار انتهى الدين، انتهى الثواب والعقاب، انتهى الجزاء والمحاسبة، انتهت الجنة والنار، لكان الدين تمثيلية سمجة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، ممكن أن نلغي أشياء كثيرة إلا الاختيار، إذا ألغي ألغي الدين.
تصور مدير مدرسة جمع الطلاب في أول يوم، وقرأ عليهم أسماء الناجحين آخر العام، وأسماء الراسبين، ثم ادرسوا، لِمَ الدراسة؟ انتهى الأمر.
 فالإنسان مخير، الدليل:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾

[ سورة الأنعام: 148 ]

الدكتور بلال:
 هذا ما يقول بعض العصاة.
الدكتور راتب :
 هذا قول المشركين.

﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة الأنعام: 148 ]

 هذا كذب.

﴿ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 148 ]

 أي هو الاختيار، أو حرية الاختيار أصل من أصول الدين، فإذا ألغينا هذا الاختيار الدين لم يعد له معنى.
الدكتور بلال:
 وهي تعطي للعمل قيمته.
الدكتور راتب :
 إنسان معه شيء ثمين، شخص أشهر عليه مسدساً وقال له: أعطني إياه، إذا أعطاه هذا الشيء الثمين هل يرقى عند الله؟ أخذه مكرهاً، مستحيل!
 لولا أن الإنسان قادر أن يعصي الله وأن يطيعه، لما كان للطاعة ثواب، قادر أن يأكل مالاً حراماً فأكله حلالاً، قادر أن يمتع نفسه بما لا يجوز له، فلما استقام على أمر الله ارتقى عند الله.
الدكتور بلال:
 أليس وجود الأمر والنهي كافياً للدلالة على أن هناك اختياراً؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، إذا بنينا جدارين، على عرض إنسان تماماً، وقلنا له: سر نحو اليمين، الكلام لا معنى له إطلاقاً، لأنه لا يستطيع، ما دام هناك طريق على عرض كتفيه الأمر والنهي ليس له معنى إطلاقاً، عبث، ما دام هناك أمر و نهي معنى هذا هو مخير.
الدكتور بلال:
 هذا معنى:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾

[ سورة البقرة: 48]

 ثم قال:

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[ سورة البقرة: 48]

الدكتور راتب :
 أي ممكن أن يكون الإنسان راكباً بالمقعد الثاني ويحاسب على جهة السيارة؟ المحاسب من معه المقود، فإذا شخص مسير بالمقعد الثاني، كيف تحاسبه على اتجاه السيارة؟ لا تحاسبه.
الدكتور بلال:
 يتحجج أحياناً، حتى أتكلم باسمهم، هو الذي جاء إلى سيدنا عمر وقال: إن الله قدر عليّ شرب الخمر.
الدكتور راتب :
 فقال: أقيموا عليه الحد مرتين.
الدكتور بلال:
 لأنه قال: قدر عليّ.

 

القضاء حكم والقدر معالجة :

الدكتور راتب :
 نعم، قال له: مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضرار، كلام واضح مثل الشمس.
دائماً العصاة، والمقصرون يؤثرون الجبر، حتى يخفف عن نفسه الملامة، الإنسان يحرج عندما يعصي الله، هو عندما عصى الله خالف فطرته، وعندما خالف فطرته صار انهدام بنفسه، الانهدام اختل توازنه فيه، كيف يرمم؟ بفهم غير صحيح للقضاء والقدر.
 أنا أفهم القضايا كلها بشكل مبسط: القضاء حكم، والقدر تقدير، علاج لهذه الحالة المرضية.
 طبيب بمستشفى، وجد إنساناً ضغطه مرتفع، أن يعلم أن الضغط مرتفع قضاء، توجيه الطبيب بإلغاء الملح في الطعام قدر، الثاني ضغطه منخفض جداً، الضغط المنخفض قضاء، زيادة الملح في الطعام قدر.
 فالقضاء حكم، والقدر معالجة، هذا تبسيط لكنه دقيق.
الدكتور بلال:
 سيدي فإن قال هذا العاصي الذي قال: قدر الله عليّ الذنب فواجهناه بالدليل القاطع فقال: ولكن الله يعلم أنني سأعصيه.

علم الله علم كشف لا علم جبر :

الدكتور راتب :
 علم الله علم كشف لا علم جبر، شخص يقف بالطابق العاشر، مطل على ساحة، في هذه الساحة طريقان، طريق إلى مسجد، وطريق إلى ملهى، يوجد إنسان لا يرى الذي يراقبه إطلاقاً، توجه إلى المسجد، فاختيار هذا الإنسان هل أخذ توجيهاً ممن يراه من فوق؟ أبداً، علم الله علم كشف لا علم جبر.
الدكتور بلال:
 هو يعلم ما سيكون، لكنه لا يجبر عباده عليه.
الدكتور راتب :
 أبداً، الإله يعلم.
 أحياناً مدرس يقول لك: هذا لا ينجح، وهذا ينجح، الإنسان بخبرته العالية جداً يكتشف ما سيكون، لكن الإله علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
الدكتور بلال:
 علمه شامل جلّ جلاله.
 سيدي لو انتقلنا إلى بعض الآيات التي يُتوهم، أو يُشم منها رائحة الجبر، ويتعلل بها البعض، مثلاً:

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾

[ سورة الإنسان: 30]

المشيئة منحة من الله عز وجل :

الدكتور راتب :
المعنى دقيق جداً؛ لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا لما شئتم.
 دخلت أنت إلى بائع ذهب، قال لك: صاحب المحل اختر ما شئت، أنت اخترت أغلى قطعة، لولا أن صاحب المحل سمح لك أن تختار لما اخترت أغلى شيء.
 المشيئة منحة من الله عز وجل، جعلك مختاراً.

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ ﴾

[ سورة الإنسان: 30]

 لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا لما شئتم، أعطاك في الأصل حرية، كل قيمة عملك بالحرية الخاصة بك، الحرية ثمنت عملك.
الدكتور بلال:

﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة النحل: 93]

الإضلال إذا عزي إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري :

الدكتور راتب :
 من السهل أن نفهمها، فعل يشاء هو الإنسان، يهدي من يشاء الهداية، ويضل من شاء الضلالة، أما إذا عُزي الإضلال إلى الله فهو الإضلال الجزائي، المبني على ضلال اختياري.
الدكتور بلال:
 والله يضل من يشاء، يضله الله.
الدكتور راتب :
 من اختار الضلالة، اختار الشهوة، اختار المعصية، باعتباره مخير، سمح الله له.
الدكتور بلال:

﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾

[ سورة الجاثية: 23]

﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾

[ سورة الصف: 5]

الدكتور راتب :
 بشكل عام أي معنى سلبي إذا نسب إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على الضلال الاختياري، الزيغ الجزائي المبني على الزيغ الاختياري، أي شيء سلبي عُزي إلى الله معنى ذلك أن هذا جزاء على شيء أنت فيه بالأصل مخير.
الدكتور بلال:
 مثل:

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾

[ سورة الأنفال: 30]

 يرد على مكرهم.
الدكتور راتب :
 هذه مشاكلة لغوية، الله لا يمكر، لكن رد على مكرهم بتدبير سمي في البلاغة مشاكلة المكر.
 مثل شخص قال: نطبخ لك طعاماً؟ قال: لا، اطبخوا لي جبة وقميصاً، هذه مشاكلة في اللغة.
الدكتور بلال:
 هو بحاجة لباس.

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾

[ سورة السجدة: 13]

الهداية القسرية لا ترقى بالإنسان عند الله :

الدكتور راتب :
لا بد من مثل: ألا يستطيع مدير الثانوية أن يوزع أوراق الإجابة مطبوع عليها الإجابة الكاملة، والعلامة مئة بالمئة؟ يستطيع، هذا النجاح لا قيمة له، لا عند الطالب، ولا عند أهله، ولا عند المدرسة. فالهداية القسرية لا تسعد، لا قيمة لها، لا ترقى بها عند الله، لابد من أن تكون مخيراً.
 أوضح مثل: لو وزعنا على الطلاب أوراق الإجابة، مطبوع عليها الإجابة التامة والعلامة بالأحمر، مئة بالمئة، استلمها، وبعد ساعة سلمها، هذا النجاح لا قيمة له إطلاقاً.
 فالهدى القسري لا يسعد، ولا يقيم الإنسان، ولا قيمة له أصلاً، لا عند الطالب، ولا عند أهل الطالب، ولا عند المدرسة.
الدكتور بلال:
 آخر شيء سيدي في الموضوع، متى يكون الإنسان مسيراً؟

الإنسان مسير لما اختار :

الدكتور راتب :
 الإنسان مسير لما اختار، شخص طلب الهدى.
 مثل نادر: شخص مقيم بألاسكا، ثلج فقط، قال: هل هناك إله لهذا الكون العظيم؟ يبحث عن عمل، وهناك عمل بكندا، قدم أوراقه نجح، فرزوه إلى بلد في الشرق الأوسط، سكن ببناء فيه داعية، صار بينهما علاقات هداه إلى الله عز وجل. هو ينتظرنا. لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.
 أخوتي، أخواتي؛ لم يبقَ لنا في نهاية هذا اللقاء إلا أن نشكر لشيخنا الفاضل ما تفضل به من هذه الكلمات الطيبة، وأن نشكر لكم حسن المتابعة، راجين الله تعالى أن نلقاكم وأنتم في أحسن حال مع الله، ومع خلقه.
 إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور