وضع داكن
29-03-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 25 - قانون الأثنينية في الحياة - طريق الحق والباطل - الحياة بهدف والحياة العشوائية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
 وبعد ؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير ، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً .
 "ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا ..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ بلدكم .
المذيع :
 جزاكم الله كل خير .
 مسمع صوتي عن آيات اليوم ، ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر ، يقول ربنا جلّ وعز :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك : 22]

 في مناسبة هذه الآية لما قبلها ذكرت الآيات قبلها أن النصر والرزق بيد الله فجاءت هذه الآية لتبين أن من يمشي على الصراط المستقيم هو من يعقل ذلك ، بينما المكب على وجهه يظن أن الرزق والنصر بيد من هم دون الله .
 بداية شيخنا هذه موازنة رائعة في القرآن الكريم ولها نظائر سنقف عليها أثناء هذه الحلقة ، لمن ضرب الله هذا المثل في قوله :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك : 22]

بطولة الإنسان أن يكون في الصف الإيجابي ليسعد في الدنيا والآخرة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 في الحياة ، وفي اللغة ما يسمى الاثنينية ، حق وباطل ، خير وشر ، نور وظلام ، فالله عز وجل يبين من خلال هذا القانون أن هناك من يمشي مكباً على وجهه ، يمشي بلا هدف ، يمشي بلا وعي ، بلا إدراك ، بلا تصور صحيح ، وهناك من يعرف الله ، وقد اهتدى بهديه ، واستنار بنوره ، وتبع منهجه ، المسافة كبيرة جداً بين الاثنين ، إنسان مهتد ، وإنسان ضال ، إنسان مستنير ، إنسان في ظلام ، في عمى ، إنسان خير ، إنسان شرير ، فالبطولة أن يكون الإنسان في الصف الإيجابي ليسعد ويسعد في الدنيا والآخرة ، لذلك قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾

[ سورة الملك : 22]

 نظره في الأرض ، لا يرى أمامه ، لا يرى الأكمة ، ولا الحفرة ، ولا العقبة ، أما الآخر فالمؤمن مستنير .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[ سورة الحديد : 28]

 المؤمن متميز عن غير المؤمن لا بالدرجة بل بالطبيعة ، قد تقول : ذهب أربعة و عشرون ، سبعة عشر ، ستة عشر ، أحد عشر ، كله ذهب ، لكن يوجد فرق كبير بين المعدن النفيس كالذهب ، والمعدن الخسيس ، المسافة كبيرة ، والفرق بين المؤمن وغيره لا بالدرجة بل بالطبيعة .
 لذلك الإنسان مستنير ، معه ضوء كاشف ، الأمور واضحة أمامه ، الحركة إيجابية، الهدف واضح ، الوسائل واضحة ، فرق كبير بين إنسان أعمى لا يرى ، وإنسان غريق شهوته ، إنسان محدود بمصالحه .
 لذلك العالم يتقدم إذا كان عالم مبادئ ، ويتخلف إذا كان عالم مصالح ، والذي يغلب على العالم اليوم المصالح ، المصالح تفرقنا ، والمبادئ تجمعنا ، الآخرة تجمعنا ، والدنيا تفرقنا ، فالمسافة كبيرة جداً ، الفرق نوعي ، لا بالدرجة ، بين مؤمن عرف الله ، والآخر الذي غفل عن الله عز وجل .
المذيع :
 شيخنا لو تحدثنا عن مظاهرها في القرآن ؟

 

مظاهر الاثنينية في القرآن الكريم :

الدكتور راتب :

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم : 35 ـ 36]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 31]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾

[ سورة فاطر : 19 ـ 22]

 آيات كثيرة عديدة ، فيها مفارقات حادة ، أي المؤمن عرف الله فعرف كل شيء ، وغيره غفل عن الله فخسر كل شيء .
 فلذلك الإيمان ليس فكرة اعتنقها ، ولا شيئاً فهمه ، الإيمان منهج كامل ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج يغطي كل حياتنا .

 

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية :

 الذي يتوهم أن الإسلام فقط صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، هذا فهم محدود جداً، هذه عبادات شعائرية ، أما العبادات التعاملية فمهمة جداً .
 سيدنا جعفر عندما قابل النجاشي ، قال له : حدثني عن هذا الدين ، عن الإسلام ؟ قال له :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا...))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الآن العبادة التعاملية .

(( ....وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 وأتمنى أن أقول أهم ما في هذا اللقاء الطيب العبادات الشعائرية الصلاة ، والصوم، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة ، هذه العبادات لا تقطف ثمارها إطلاقاً إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، والدليل : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء .

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 انتهت الصلاة .

(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك ))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

 الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 53]

 هذه الزكاة ، والصيام ، والحج ، والشهادة :

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قيل : وما حقها؟ قال : أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 أنا أتمنى ، هذه فرائض ، أما لا يكتفى بها ، هذه عبادة شعائرية ، هذه العبادة الشعائرية تبنى على العبادة التعاملية .

 

الإسلام منهج كامل يقيد حركة الإنسان في الحياة بحركة نافعة :

 دقق :

(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي]

 الإسلام بناء شامل ، الأعمدة الخمس تحمل هذا البناء .

(( بُنِي الإسلامُ ))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي]

 منهج تفصيلي ، علاقتك مع زوجتك ، مع أولادك ، مع والديك ، مع عمالك في المعمل ، مع الموظفين في الدائرة ، مع من حولك ، مع جيرانك ، علاقات ، اتصالات ، ربح ، خسارة ، تجارة ، صناعة ، سفر ، إقامة ، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، أما العبادة الشعائرية فمناسبات لقطف ثمار العبادة التعاملية ، هذا الفهم يجعل الإسلام منهجاً تفصيلياً ، منهجاً شمولياً ، منهجاً كاملاً يقيد حركة الإنسان في الحياة ، يقيده بحركة نافعة .
 صفيحة الزيت في السيارة ، قد تصب فوق السيارة فتحرقها ، أما إذا ودعت في المستودع المحكم ، وانفجرت في المكان المناسب ، تولد حركة نافعة ، فالشهوات قوى دافعة ، أو قوى مدمرة .
المذيع :
 شيخنا في قوله تعالى :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك : 22]

 ماذا نستفيد من هذه الآية ؟
 الموضوع الذي يتناوله كثير من الناس ، مع بداية العام ، أو مع بداية الشهر ، أو مع انتهاء أو مع انطلاقة الموسم الدراسي ، أو قياساً على ذلك موضوع الهدف ، أي الواحد إذا كان هدفه واضحاً فهذا يقوده للوسائل الصحيحة ، أما إن لم يكن له هدف ، أو لم يكتب له هدفاً في حياته فيقع في مشاكل كثيرة .

 

من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة :

الدكتور راتب :
 ننطلق من كلمة :

﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾

[ سورة البقرة : 216]

 الدوام يحتاج إلى جهد ، والانتباه إلى المدرس ، ومراجعة الدرس ، وحضور الدرس، وكتابة الوظيفة ، إذا تابع الدراسة ، وبذل جهداً كبيراً في البيت ، وفي المدرسة ، بعد حين ينال شهادة عليا ، له منصب رفيع ، له عمل راق ، له عمل مريح ، مستقبل هذا الذي درس وتعب وجهد رائع جداً ، قد يكون طبيباً ، قد يكون مهندساً ، قد يكون موظفاً كبيراً ، فهذا المنصب يعطيه حياة طيبة ، حياة مريحة .
 فلذلك : من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة ، النهاية المشرقة تحتاج إلى بداية محرقة .

 

المتفوق من يدخل الموت في حساباته اليومية :

 لذلك الناس جميعاً يعيشون واقعهم وماضيهم ، وقلة قليلة يعيشون مستقبلهم ، المستقبل فيه مغادرة الدنيا ، فيه حدث خطير ، من بيت إلى قبر ، من منصب رفيع إلى قبر ، من ملك عريض إلى قبر ، من متع متنوعة إلى قبر ، النقلة النوعية إلى القبر أكبر موعظة للإنسان .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 من هو المفلح ؟ من هو المتفوق ؟ الذي أدخل هذه اللحظة الصعبة في حسابه اليومي ، أدخلها في حسابه ، هذا الدخل لا يرضي الله تركه ، هذه السهرة لا ترضي الله تركها ، هذه التجارة فيها مادة محرمة تركها ، فلما تقصى طاعة الله ، لما بحث عن مرضاة الله ، جلس مع المؤمنين الصادقين ، عاشر من هم أعلى منه رتبة بالدين ، انتفع بهم ، واقتبس منهم ، هذا الإنسان إن لم يكن على وجه الأرض أسعد إنسان إلا إنسان أتقى منه فهناك مشكلة كبيرة .

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود : 119]

 خلقنا ليرحمنا .

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .
المذيع :
 لو تحدثنا شيخنا عن أهمية الهدف ، وأن يكون للإنسان هدف واضح في حياته ولو كان دنيوياً أو أخروياً ؟

 

بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :

الدكتور راتب :
 اطلعت على دراسة ، والله لا تصدق أخي الكريم ، يمكن عشرة آلاف إنسان أملى استمارة ، النتيجة أن ثلاثة بالمئة فقط يعرفون أهدافهم في الحياة ، والباقون يعيشون لحظتهم .
 كنت مرة في أمريكا ، فلما سُئلت عن ماذا رأيت ؟ أردت أن ألخص لهم الحياة في العالم الغربي ، أناس يعيشون لحظتهم ، وهمهم الأول الرفاه ، و لكن يوجد مغادرة الدنيا ، و يوجد شيخوخة ، وتقدم بالسن ، وأمراض الشيخوخة ، ومغادرة الدنيا ، وقبر ، وبرزخ ، وجنة ، ونار ، وأبد ، هذه الحقائق الخطيرة لا يعلمون عنها شيئاً .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 فالبطولة أن نعيش المستقبل .

الابتلاء علة وجودنا في الدنيا :

 الله عز وجل يعطي الحظوظ في الدنيا ، المال حظ ، الوسامة حظ ، المنصب حظ، الأولاد حظ ، الزوجة الصالحة حظ ، هذه الحظوظ يأخذها الإنسان ابتلاء ، أي الغني مبتلى بالغنى ، أي ممتحن بالغنى ، والفقير ممتحن بالفقر ، والقوي ممتحن بالقوة ، والضعيف ممتحن بالضعف ، والوسيم ممتحن بالوسامة ، والدميم ممتحن بالدمامة ، ما أنت فيه ممتحن فيه، والبطولة لا أن تنجو من الامتحان بل أن تنجح في الامتحان ، هذه هي البطولة ، قال تعالى :

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 علة وجودنا في الدنيا الابتلاء .

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك :2]

 فالبطولة أن أنجح في الابتلاء لا أن أنجو منه ، ولا ينجو منه أحد ، لذلك أنت مبتلى فيما آتاك الله ، ومبتلى فيما زوى عنك الله ، لذلك الدعاء النبوي الرائع :

(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ))

[الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري رضي الله عنه]

المذيع :
 شيخنا في الآية التي بين أيدينا هل يستوي طريق الحق وطريق الباطل ؟

 

الحرام يحرم الإنسان من سعادته والحلال تحلو به النفس :

الدكتور راتب :
 أبداً ، مسافة كبيرة جداً ، طريق فيه تفلت ، لا يوجد به انضباط ، الشهوة هي الأصل ، المصلحة هي الأصل ، العدوان هو الأصل ، الكبر هو الأصل ، أن تعيش على أنقاض الآخرين ، أو تبني مجدك على تدميرهم ، أو غناك على فقرهم ، أو حياتك على موتهم ، أو قوتك على ضعفهم ، أما المؤمن فيعلم ما له وما عليه ، يؤدي الذي عليه ، ويطلب من الله الذي له ، متحرك بانضباط ، متحرك بمنهج ، متحرك بتعليمات الصانع ، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، لأنها الجهة الخبيرة .
 أولاً : كلمة حرام أي يحرم من السعادة ، الحرام يحرم الإنسان من سعادته ، والحلال تحلو به النفس ، يتألق بالحلال ، والكلام الدقيق جداً : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان بالدين أبداً لكن يوجد تنظيم .
المذيع :
 شيخنا الحياة مليئة بالأخطار ، فالمغريات كثيرة ، والفتن يقظى ، والشهوات مستعرة، والضغوط كبيرة ، فكيف ينجو الإنسان من هذا كله ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 ينجو بحاضنة إيمانية ، ينجو بأصدقاء مؤمنين ، علاقات العمل لا شي فيها ، ليس لها علاقة ، أنا أريد العلاقات الحميمة ، سهرة للساعة الثانية ليلاً ، سفرة ، نزهة أربعة أيام أو خمسة ، هذه هي العلاقات الحميمة :

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 ولا يأكل طعامك إلا تقي ، طبعاً في وقت الفراغ ، في وقت النزهة ، وقت الاستجمام:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

 وأنا عندي كلمة دقيقة جداً ، لعلي ذكرتها من قبل : أنت مع جماعة ما ، إن استطاعوا أن يشدوك إليهم ، إلى انحرافهم ، إلى تفلتهم ، إلى تقصيرهم في العبادات ، إلى غيبة ونميمة ، دعهم ، أما إذا أمكنك أن تشدهم إليك فابقَ معهم ، هذه اللعبة مقياس دقيق جداً ، أنا أجلس مع أصدقاء ، فإن استطعت أن أقنعهم بالصلاة فصلوا أبقى معهم ، أما إذا أقنعوني أن يمضوا السهرة بلعب النرد ، لا ، أتركهم ، هذه اسمها لعبة شد الحبل ، إن شددتهم إليك ابقَ معهم ، إن شدوك إلى معاصيهم اتركهم فوراً ، هذه العلاقات ما دليلها :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

المذيع :
 ذكرتم الآن ينجو الإنسان بأن يبحث ، أو يوجد لنفسه حاضنة ، غير الحاضنة ومعرفة الله ؟

 

ألصق شيئين بالإنسان زوجته و حرفته فعليه حسن اختيارهما :

الدكتور راتب :
 عمله ، يوجد شيئان ، ألصق شيئين في حياته زوجته ، وعمله ، هناك عمل أساسه معصية ، عمل فيه تفلت ، عمل فيه إثارة الشهوات ، أعمال كثيرة ، فالبطولة أن تنجح في اختيار زوجتك وعملك ، لأن الزوجة والعمل ألصق شيئين في حياة الإنسان ، فليختر زوجة صالحة ، تسعده إذا تزوجها ، تسره إن نظر إليها ، تطيعه إن أمرها ، تحفظه إذا غاب عنها ، وليختر حرفة نافعة للناس ،هناك حرف فيها معاص كثيرة .
المذيع :
 شيخنا ربنا جل وعز قال :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الملك : 22]

 ولم يقل أفمن يمشي مكباً على صراط غير مستقيم ، ما العبرة في ذلك ؟

 

الصراط طريق مستقيم ومن كان على غير استقامة فطريقه غير مستقيم :

الدكتور راتب :
 لأن ذاك لا يسمى صراط أساساً ، ليس طريقاً ، هو وعر .
المذيع :
 الذي يمشي على غير استقامة .
الدكتور راتب :
 الباقي وعر ، أحجار ، وأكمات ، وحفر ، وانحدارات خطيرة جداً ، ذلك لا يسمى صراط ، فالصراط بالأساس مستقيم ، وقد يكون فيه اعوجاج مثل الطريق الذي فيه انعطاف لكن اسمه صراط ، طريق معبد .
المذيع :
 شيخنا ، صف لنا جمال حياة المؤمن ؟

المؤمن إنسان تخلق بأخلاق الله :

الدكتور راتب :
 والله أنا أقول كلمة والله لا أبالغ : إن لم يقل الذي عرف الله ، وعرف منهجه ، واستقام على منهجه ، وعمل صالحاً تقرباً إليه ، وأقبل عليه ، إن لم يقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني عنده مشكلة كبيرة ، لأنك مع الرحيم ، مع القوي ، مع العليم ، مع الناصر ، مع المحب ، مع اللطيف ، مع الرفيق ، أسماء الله الحسنى ، الآن الإنسان إذا أقبل على الله تخلق بأخلاق الله ، أخلاق الله رائعة جداً ، لا يوجد عنده كذب ، ولا احتيال ، ولا مكر، ولا خداع ، ولا كذب ، لا يستطيع .

(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))

[أبو داود عن أبي هريرة ]

المذيع :
 شيخنا كيف لنا أن نصل إلى معرفة الله المعرفة التي تحملنا على طاعته ؟

 

كيفية الوصول إلى معرفة الله المعرفة التي تحملنا على طاعته :

الدكتور راتب :
 لابد من طلب العلم ، هذا الجماد ؛ طول ، عرض ، ارتفاع ، وزن ، حجم ، والنبات ينمو ، والحيوان يتحرك ، والإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية ، القوة هذه ما لم تلبّ بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، طلب العلم ، لأن الله قال له :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق : 1]

 أول كلمة ، بأول آية ، بأول سورة :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق : 1]

 أي اطلب العلم ، الإنسان - والكلام دقيق جداً - أي إنسان على وجه الأرض ، ثمانية مليارات إنسان كل واحد حريص على سلامته ، وسعادته ، واستمراره ، إلا أنه إذا اتبع تعليمات الصانع يسعد بهذه الحياة سعادة كبيرة جداً ، وإن لم يقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مشكلة مع ربه ، هذا دين الله ، دين الخالق ، دين الرحيم ، دين اللطيف ، دين الحكيم ، دين العليم ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، الفرق نوعي وليس فرقاً كمياً بالإيمان وعدم الإيمان ، ليس فرق درجة ، فرق نوع ، هناك ذهب ، وهناك معدن خسيس تنك ، الذهب أنواع ، يوجد ذهب عياره أربعة و عشرون ، و ذهب عياره واحد و عشرون ، و هناك ثمانية عشر ، و ستة عشر ، و أحد عشر ، لكن كله ذهب ، الفرق بالدرجات ، أما المعدن الخسيس فهو معدن خسيس رخيص ليس له قيمة إطلاقاً .
المذيع :
 شيخنا ، ما الذي ترشدنا إليه هذه الآية :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى ﴾

[ سورة الملك : 22]

طلب العلم فرض على كل إنسان :

الدكتور راتب :
 أن يطلب العلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، الله قال :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق : 1]

 أول كلمة : اقرأ ، اطلب العلم ، لأنه انطلاقاً من حبك لذاتك ، ومن حبك لاستمرارك، ومن حبك لسلامتك ، ومن حبك لسعادتك تطلب العلم .
المذيع :
 شيخنا ما هي المضامين التربوية - وبهذا المحور نختم إن شاء الله - ما هي المضامين التربوية التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآية الكريمة ؟

المضامين التربوية التي يمكن استنباطها من آية اليوم :

الدكتور راتب :
 الإنسان ما لم يطلب العلم ضاع ، انحرف ، أخذ ما ليس له ، وهناك عقاب عليه في الدنيا ، استعلى ، استكبر ، كل الصفات الأخرى صفات سلبية ، عنده كبر ، على عجرفة ، على قسوة ، على أنانية ، على محبة لذاته ، يبني مجده على أنقاض الآخرين ، يبني حياته على موتهم ، يبني عزه على ذلهم ، يبني غناه على فقرهم ، وبين إنسان معطاء ، شخص ألّف كتاباً عن رسول الله ، كيف أهداه له ؟ قال له : يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلة الناس عبادتك .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 الإنسان قبل أن يتَحرك يتحرك برؤية ، إما أن تكون رؤيته صحيحة أو غير صحيحة ، فالمؤمن موصول إذا نوره في قلبه ، ورؤيته صحيحة ، وعمله طيب .
 بارك الله بكم شيخنا ، شكر الله لكم ، والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة ، وجميل الاستماع .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور