وضع داكن
18-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 30 - مضي الزمن يستهلك الإنسان - ما هي أركان النجاة ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
 وبعد ؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أينما كنتم بكل خير مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني ، نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً ، "ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا . .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، حفظ لكم بلدكم .
المذيع :
 آمين .
 مسمع صوتي عن آيات اليوم ، ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر .
 يقول ربنا جلّ وعز :

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

[ سورة الحديد : 18]

 شيخنا ما الذي ينبغي على القارئ بهذه الآية ؟

 

الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
يوجد ملمح زمني في هذه الآية :

﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾

[ سورة الحديد : 18]

 والحقيقة الدقيقة أنه ما من تعريف جامع مانع رائع للإنسان كهذا التعريف ، لسيد التابعين الحسن البصري ، قال : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
 الإنسان زمن ، و يقولون إن البعد الرابع هو الزمن ، هذه الطاولة لها طول ، وعرض ، وارتفاع ، أما إذا تحركت فلها بعد رابع ، فالسيارة إذا مشت مئة ألف كيلو متر يبهت لونها أحياناً ، يضعف محركها ، هذا البعد الرابع .
 فالتعريف الجامع المانع الرائع للإنسان هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، إذاً هو زمن ، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1 ]

 العصر مطلق الزمن ، جاء جواب القسم مخيف :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر : 2 ]

 كيف ؟ يا رب لِمَ الخسارة ؟ الجواب : لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان فقط قبل أن تقول : مؤمن ، غير مؤمن ، صالح ، طالح ، مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان ، وهذه السورة سورة العصر قال عنها الإمام الشافعي : لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم ، تكفي ، لأن فيها أركان النجاة ، أربعة أشياء هي أركان النجاة في حياة الإنسان .

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة العصر : 3]

 تعرفوا إلى الله ، تعرفوا إلى حقيقة الدنيا ، تعرفوا إلى حقيقة الآخرة ، فهموا حقيقة الجنة ، حقيقة النار ، تعرفوا إلى منهج الله ، الحلال والحرام ، والأمر والنهي ، والكمال والنقص، والبطولة والفساد ، تعرفوا إلى من حولهم فأحسنوا إليهم ، ما بنوا مجدهم على أنقاض الآخرين ، ولا بنوا حياتهم على موت الآخرين ، ولا بنوا غناهم على فقر الآخرين ، ولا بنوا عزهم على ذل الآخرين ، إذاً الذين آمنوا عرفوا .

 

أركان النجاة :

 لذلك أول كلمة ، بأول آية ، بأول سورة هي :

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق : 1]

لأن الإنسان فضلاً عن أنه كالجماد له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع، وفضلاً عن أنه كالنبات ينمو ، وفضلاً عن أنه كبقية المخلوقات يمشي ويتحرك ، أوتي الإنسان قوةً إدراكية ، القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم ، فما لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1 ]

 أقسم الله بمطلق الزمن ، العلماء بعضهم يقول : الله لا يقسم ، لأنك أنت حينما تُقسم تقسم بما هو أعظم منك ، بعضهم قال : لفت نظر ، إما قسم على مفهوم البشر ، أو لفت نظر، على كل واو القسم :

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1 ]

 جاء جواب القسم :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر : 2 ]

 خاسر خسارة محققة ، الآن مستثنى من هذه الخسارة أربعة أشياء :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر : 3]

 أي بحثوا عن الحقيقة ، طلبوا العلم ، حضروا الخطبة في المساجد ، سألوا العالم ، لهم درس علم ، عندهم كتاب تفسير ، يذاكر أهله ببعض آيات القرآن .

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة العصر : 3]

 والإيمان من دون عمل لا قيمة له ، شخص مثلاً عنده مرض جلدي ، علاجه الوحيد أن يتعرض لضوء الشمس ، جلس بغرفة قميئة مظلمة ، فيها رطوبة عالية ، وأثنى على الشمس ، يا لها من شمس ساطعة ! ما أعظم ضوء الشمس ! كله كلام فارغ ، ما لم يتعرض لأشعة الشمس كلامه لا معنى له .

 

الحرب بين حقين لا تكون وبين حق وباطل لا تطول وبين باطلين لا تنتهي :

 لذلك كل الكلام عن الدين من دون تطبيق ليس له قيمة .

(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

المسلمون اليوم ملياران بالضبط ، والحقيقة الدقيقة والمرة : ليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، معنى هذا أن وعود الله بالنصر غير محققة ، لأننا نحن لسنا بمستوى تحقيق الوعود .
 وقد قيل : الحرب بين حقين لا تكون ، الحق لا يتعدد ، الحق لا يتعدد كالمستقيم بين نقطتين مستقيم واحد ، لا يمكن أن ترسم مستقيماً آخر ، بين نقطتين بالذات ، والحرب بين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، أما بين باطلين فلا تنتهي .
 ما هو الحق ؟ أكبر كلمة متداولة ، ما الحق ؟ الشيء الثابت والهادف ، للتقريب : إنشاء جامعة حق ، أنت تخرج قادة للأمة ، فيها علوم ، وفنون ، وآداب ، وأشياء كثيرة ، أنت عندما تنشئ جامعة ، هذه أنشئت لتبقى ، فالحق هادف ، ثابت وهادف ، والباطل الشيء العابث والزائل ، للتقريب : إنشاء جامعة قد تبقى خمسمئة عام ، تنشئ أجيالاً متعلمة ، كي تربي قادة للأمة ، والسيرك ينشأ مدة أسبوعين ، ألعاب بهلوانية ، فالباطل الشيء الزائل والعابث ، والحق الشيء الثابت والهادف .
 فلذلك : الحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي ، مشكلة كبيرة .
 الحرب بين حقين لا تكون أصلاً ، لا يمكن ، لأن الحق واحد ، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق .
 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
 وبين باطلين لا تنتهي ، فإذا الله عز وجل قال :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور : 55]

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :

 إذاً :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا ﴾

[ سورة العصر : 1 ـ 2 ـ 3]

 الإمام الشافعي قال : أركان النجاة :

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة العصر : 3]

أي عرفوا الحقيقة ، عرفوا الله ، عرفوا الدنيا وحقيقتها ، عرفوا الجنة .

﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة العصر : 3]

 جاءت حركتهم ، الإنسان له ثلاث حركات ، يتحرك ، هو عنده ثلاث حاجات أساسية ، عنده حاجة للطعام والشراب ليحافظ على وجوده الذاتي ، ليبقى حياً ، وعنده حاجة إلى الزواج ، ليحافظ على بقاء النوع ، وعنده حاجة ثالثة إلى التفوق ، ليحافظ على بقاء الذكر ، والناس جميعاً عندهم ثلاث حاجات ، إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد ، والحاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، والحاجة إلى التفوق ، المهندس الأول ، الطبيب الأول ، الداعية الأول ، والحاجة إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، والحاجات الثلاثة متوافرة في كلام الله ، وفي كتاب الله ، وفي دين الله ، ضمن الدين تحقق كل حاجاتك .
 والحقيقة في الدنيا جنة ، من عرف الله أدرك جنة الدنيا .

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46 ]

 جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، جنة الدنيا جنة القرب .
المذيع :
 شيخنا ، ما معنى :

﴿ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الحديد : 18]

من عظّم الله سبحانه انقلب تعظيمه إلى خشوع :

الدكتور راتب :
 لنكن واقعيين ، أي لنأتي بمثل واقعي : لو أنت مثلاً سوف تقابل شخصية مهمة جداً ، رئيس دولة ، ممكن أن تضع رجلاً فوق رجل أمامه ؟ مستحيل ! ممكن أن ترتدي ثياباً مبتذلة ؟ أيضاً مستحيل ! أنت ذاهب إلى رئيس دولة محترم ، إنسان عادل ، وله مكانة كبيرة ، فكلما أنت عظمت الله عز وجل ، تعظيم الله ينقلب إلى خشوع ، لذلك :

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 31 ـ 32 ـ 33]

 ضع تحت عظيم أربعة خطوط ، لأن الشيطان مؤمن ، ما الدليل ؟

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[ سورة ص : 81 ]

 آمن بالله عزيزاً ، وآمن به رباً ، لكن ما آمن به عظيماً .

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 33]

آيات دالة على عظمة الخالق سبحانه :

 لذلك :

(( قال : يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : إن أحب عباده إلي نقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أنني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ، ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني))

[ حديث قدسي]

أخي الكريم ، الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي أي بيضوي ، وهذا المسار له قطران ، قطر أطول ، وقطر أصغر ، بيضوي ، مادام بيضوياً له قطران ، طويل وقصير ، الأرض تنتقل من القطر الأطول إلى القطر الأصغر ، ما الذي يحصل ؟ هناك قانون الجاذبية وهو مشهور جداً ، هذا القانون متعلق بالمسافة والكتلة ، فالكتلة ثابتة ، الأرض كتلتها ثابتة ، أما عندما تقترب من القطر الأصغر فالمسافة تقل ، والجاذبية تزداد ، فلابد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، القطر الأصغر بشكل بيضوي ، والأرض هنا ، مشت إلى هنا ، هنا القطر الأصغر ، ما الذي يحصل ؟ قال : ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على سيرها .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر : 41]

 أن تنحرف من آيات الله الدالة على عظمته ، فالأرض عندما انتقلت من القطر الأطول للأصغر المسافة قلت ، فلابد من أن تنجذب إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة ، وانتهت الحياة ، لذلك ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى في مكانها .
 نتابع : تابعت سيرها إلى القطر الأطول ، هنا تخفض سرعتها ، لو بقيت على سرعتها العالية والمسافة طالت تتفلت من جاذبية الشمس ، وإذا تفلتت الحرارة ثلاثمئة و ستون تحت الصفر انتهت الحياة ، تنتهي الحياة مرتين ، مرة إذا انجذبت ، ومرة إذا تفلتت ، يد من ؟

﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة الزمر : 67]

 الأرض بقبضة من ؟ بقبضة الله ، يرفع سرعتها ، ثم يخفض سرعتها ، هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته ، هذا :

(( ذكرهم بآلائي كي يعظموني ))

 أخي الكريم ، الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، هي تدور حول الشمس تمر بـاثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب .
 أنا كنت في أمريكا ودخلت إلى متحف فضائي ، فيه قبة سماوية ، وضعوا خطاً بين النجوم ، فبرج العقرب كالعقرب تماماً ، هذا البرج نجم أحمر صغير متألق ، اسمه قلب العقرب ، هذا النجم الأحمر الصغير المتألق ، الذي اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، نجم اسمه قلب العقرب ، أحمر متألق ، يتسمع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
 لذلك هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره؟ هذا الذي أؤكد عليه ، أنك إن عظمت الله تفانيت في طاعته ، أما إذا لم تعظمه تفننت في معصيته .
المذيع :
 في قوله تعالى :

﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الحديد : 18]

 ما معنى قسوة القلب ؟ وما خطورة قسوة القلب على الإنسان ؟

 

قانون الالتفاف و الانفضاض :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الإنسان إذا أقبل على الله امتلأ قلبه رحمة ، هذه الرحمة تنعكس في معاملته للخلق ليناً ، وهذا اللين ينعكس محبةً والتفافاً ، أما إذا ابتعد عن الله فيمتلئ القلب قسوة ، وهذه القسوة تنعكس غلظة وفظاظة ، فجاءت الآية الكريمة يا محمد :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

أي يا محمد بسبب إقبالك علينا امتلأ قلبك رحمة ، هذه الرحمة انعكست ليناً ، فلما انعكست ليناً التف الناس حولك وأحبوك ، وأنت أنت بالذات لو كنت منقطعاً عنا لامتلأ قلبك قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة ، وفظاظة ، فينفض الناس من حولك .
 أكاد أقول : إن هناك قانوناً في القرآن الكريم اسمه : قانون الالتفاف والانفضاض ، إذا أقبلت على الله امتلأ القلب رحمة ، وانعكست الرحمة ليناً ، ولطفاً ، فالتف الناس حولك وأحبوك ، ولو كان الإنسان منقطعاً عن الله لامتلأ قلبك قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة ، وفظاظة عندئذٍ ينفض الناس من حوله ، هذا قانون الالتفاف والانفضاض ، فالقلب يلين باتصاله بالله ، ويقسو بالبعد عن الله .
 هناك قصة رمزية أن إنساناً يمشي في الطريق ، رأى امرأة تخبز على التنور ، وولدها على طرف التنور ، فكلما وضعت رغيفاً في التنور أمسكت ولدها وقبلته ، وشمته ، وسعدت به ، فالنبي الكريم ، قال : يا ربي ما هذه الرحمة ؟ وقع في قلبه أن هذه رحمتي يا عبدي ، وضعتها في قلب أمه وسأنزعها ، فلما نزع الرحمة من قلب الأم وبكى ألقته في التنور .
 فالآية تقول :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

المذيع :
 شيخنا ، في قوله تعالى :

﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾

[ سورة الحديد : 18]

 ما أنجح دواء للقلب القاسي ؟

 

الإقبال على الله عز وجل أنجح دواء للقلب القاسي :

الدكتور راتب :
 الإقبال على الله عز وجل حتى يلين القلب ، لأن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، صار قلبه رحيماً .

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 والأنبياء رحماء جميعاً ، أنا لا أصدق أن مؤمناً لا يرحم .

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 أنت لمجرد أن تقبل على الله ، وأن تنعقد الصلة به ، وأن تستقيم على أمره ، يمتلئ القلب رحمة ، والبطولة أخي الكريم نقطة مهمة جداً ورد في بعض الأحاديث :

(( ولكنها رحمة عامة ))

ما معنى عامة ؟ الله عز وجل حتى الحياة تنجح لا بد من أن يوقع في قلب كل أم محبة أولادها ، أي أم ، جاهلة ، متعلمة ، مثقفة ، غير مثقفة ، طبيبة ، أمية ، غنية ، فقيرة ، أودع في قلب كل أم رحمة بأولادها ، لكن بطولتك أيها المؤمن أن تكون الرحمة التي في قلبك عامة ترحم بها خلق الله جميعاً ، فالرحمة الخاصة لا أقول لا يوجد بها أجر ، لكن تقريباً أقرب إلى الطبع منها إلى الخلق ، الرحمة الخاصة أقرب إلى الطبع منها إلى الخلق ، أما الرحمة العامة فهي رحمة الإقبال على الله ، ورحمة القرب من الله ، وهذه الرحمة لها أجر كبير .
 أنت ليس من المعقول عندك ابن ، عمره اثنا عشر عاماً ، وعندك بالمحل موظف ، عمره اثنتا عشرة سنة بعمر ابنك تماماً ، تحمل هذا الموظف أول توب والثاني والثالث والرابع ، لم يعد يستطيع أن يحمل أكثر تقول له : احمل ، أنت شاب ، وعندما يحمل ابنه توباً واحداً ، تقول له : انتبه إلى ظهرك ، خاف على ابنه ، فهذه المفارقة العجيبة بين معاملة الابن ومعاملة الآخر نقطة سلبية جداً بحياة الإنسان .
 ملخص الملخص :

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

(( مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ ))

[أَخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 كل مكارم أخلاق النبي من رحمة الله التي أودعت في قلبه ، والله عز وجل رحمن رحيم ، رحيم في ذاته ، رحيم في خلقه .
المذيع :
 شيخنا ، في الآية التالية :

﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة الحديد : 19]

 ما فائدة الإخبار بأن الله يحيي الأرض بعد موتها في الآية السابقة ؟

 

مكارم الأخلاق مخزونة عند الله فإذا أحبّ عبداً منحه خلقاً حسناً :

الدكتور راتب :
مهما كان الإنسان بعيداً عن الله فهو ميت إيمانياً ، ميت ، كيف الأرض ميتة و بالربيع كلها خضار ؟ كيف الشجرة يابسة وبالربيع أزهرت ؟ هذا تعليم لنا من الطبيعة ، فالإنسان يكون قاسي القلب ، لئيماً ، بخيلاً ، شحيحاً ، عدوانياً ، متكبراً ، متعجرفاً ، صار له صلة بالله ، إذا لم يتبدل مئة و ثمانين درجة يكون إيمانه فيه مشكلة ، ينقلب انقلاباً كاملاً ، صار رحيماً ، من يعرف هذا الشيء ؟ أحياناً الزوجة يكون زوجها متفلتاً ، غير مستقيم ، كان قاسياً عليها ، يضربها أحياناً ، بخيلاً ، عندما عرف الله عز وجل انقلب مئة و ثمانين درجة ، صار رحيماً ، صار لطيفاً ، صار حنوناً ، عنده حلم ، طويل البال .
 فلذلك : إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا الله أحبّ عبداً منحه خلقاً حسناً .
 والنبي الكريم أساساً أتاه الله مئات الخصائص التي تفوق بها ، لكن حينما مدحه ذكر خلقه العظيم .
 هناك كلمة لابن القيم رحمه الله تعالى قال : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الإيمان زاد عليك في الخلق .
المذيع :
 شيخنا ما هي المضامين التربوية التي أشارت إليها هذه الآية ؟

أصل الدين معرفة الله :

الدكتور راتب :
 أول مضمون أن تبحث عن الحقيقة ، من أنت ؟ لماذا جيء بك إلى الدنيا ؟
 شخص ذهب لباريس ، أرسله والده لباريس لينال الدكتوراه من السوربون ، لو أنه سأل السؤال المضحك ، قال : ماذا أفعل هنا ؟ نقول له : عجباً ! لماذا جئت إلى هنا أصلاً ؟ إن جئت لترى الدكتوراه فاذهب إلى السوربون ، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى برج إيفل ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى الأسواق ، حينما تعرف علة وجودك تهتدي إلى الشيء النافع لوجودك ، حينما تعلم علة وجودك الله قال :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات : 56]

 طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية.
 أصل الدين معرفة الله .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

خاتمة و توديع :

المذيع :
 شيخي حقاً وصدقاً سعدنا بكم في حلقات ربيع القلوب .
الدكتور راتب :
 وأنا كذلك والله .
المذيع :
 وكانت هذه سلسلة مباركة بوجودكم فيها وبيننا ومعنا ، كتب الله أجركم ، وشكر الله لكم مسعاكم ، وحرم خطاكم عن النار .
الدكتور راتب :
 وأنا شاكر لكم هذه الدعوة الكريمة ، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
المذيع :
 والشكر لكم ، والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة وجميل الاستماع ، سعدنا بكم أنتم كذلك طيلة حلقات ربيع القلوب ، تقبل الله طاعتكم ، وغفر الله لنا ولكم ، نلقاكم في مناسبات أخرى ، حتى ذلكم أترككم في حفظ الله ورعايته .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور