- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠1 ربيع القلوب 1 - أحاديث عام 2019
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
أما بعد؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أينما كنتم بكل خير، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" والذي يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة .
"ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني ، نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ بلادكم .
المذيع :
آمين ، وإياكم شيخنا .
مسمع صوتي عن آيات اليوم ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر، يقول ربنا جل وعلا :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
مناسبة هذه الآية لما قبلها ، تأتي هذه الآية في سورة لقمان في معرض وصية لقمان لابنه ، وهي وصية جامعة مانعة ابتدأها لقمان بأصل الدين والتوحيد .
شيخنا بارك الله فيكم في قوله :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ ﴾
ما الفائدة من كون الوصايا كانت لابنه ؟
التوحيد فحوى رسالات الأنبياء جميعاً :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أخي الكريم جزاك الله خيراً ؛ لابد من وقفة متأنية عند هذه الكلمة ، مصطلحات الإسلام ، هناك الإيمان ، وهناك الكفر ، وهناك الشرك الخفي ، وهناك الشرك الجلي ، وهناك الإلحاد ، وهناك الفسق ، وهناك الفجور .
العلماء يقولون : إن فهم المصطلحات فهماً دقيقاً جزء من العلم ، الشرك أن ترى مع الله أحداً ، باختصار أن ترى فاعلاً غير الله ، أن ترى معطياً غير الله ، أن ترى مانعاً غير الله أن ترى معزاً غير الله ، أن ترى مذلاً غير الله .
أما التوحيد فألا ترى مع الله أحداً ، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، إذا أردت أن أضغط فحوى رسالات الأنبياء جميعاً في هذه الآية :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
إذاً التوحيد والعبادة ، قالوا : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة ، فأنت إذا وحدته وعبدته حققت الهدف من وجودك .
العبادة طاعة طوعية - ليست قسرية - ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
طاعة طوعية ، خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، رزقنا بيده ، صحتنا بيده ، قوتنا بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
بل أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب .
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
أصل هذا الدين الحب ، أن تحب الله ، أن تحب أنبياءه جميعاً ، أن تحب رسله جميعاً ، أن تحب المؤمنين ، أن تحب العمل الصالح ، أن تحب العبادة ، قل لي ماذا تحب أقل لك من أنت .
الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فإذا غذينا عقولنا بالعلم ، وقلوبنا بالحب ، وأجسامنا بطعام اشتري بمال حلال تفوقنا ، أما إذا اكتفينا بواحدة فتطرفنا ، وفرق كبير بين التفوق والتطرف ، فالإنسان متى يسعد؟
الموعظة نصيحة و وفاء و إكرام :
الحقيقة عندنا شيء اسمه سعادة ، هي السعادة شمولية ، أن تضبط علاقتك مع الله ، ومع نفسك ، وفي بيتك ، وفي عملك ، حينما تنجح في أربع جهات معاً ، بل ومع صحتك تكون عندئذٍ فالحاً ، وكم من آية جاء في نهايتها :
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
إذاً قال لقمان لابنه وهو يعظه ، مع الأسف الشديد الكلمات كالكائن الحي ، تولد ، وتكبر ، وتنضج ، وتستمر ، ثم تموت ، أو أن تأخذ معنى ليس محبباً ، الآن بهذا العصر كلمة موعظة غير مقبولة ، بلا موعظة ، مع أن الموعظة نصيحة ، الموعظة وفاء ، الموعظة إكرام ، الموعظة محبة ، الموعظة غيرة ، فلذلك نحن نهتم بالمصطلحات .
أنا أتمنى على الدعاة الجدد الذين أرادوا أن يمتلكوا قلوب الناس أن يستخدموا مصطلحات محببة لهم ، أنا أحياناً لا أقول كفاراً ، أقول : الطرف الآخر ، مفهومة ؟ المؤمنون والطرف الآخر ، يوجد كلمات الآن قد تسبب نفوراً ، فأنا أريد المضامين لا العناوين ، والمبادئ لا الأشخاص ، وحينما يتلطف الداعية في استمالة قلوب الآخرين ينجح في إقناعهم .
الحقيقة؛ العلم سهل ، أما الدعوة فتحتاج إلى شروط كثيرة ، تحتاج إلى حكمة ، تحتاج إلى فهم الثقافة المعاصرة ، تحتاج إلى معطيات الحياة ، تحتاج أن تفهم مراكز القوى ، وأن تتعامل معها برفق ، وبإحسان ، وبفهم ، حتى تملك القلوب ، البطولة لا أن تملك الرقاب أن تملك القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، أما الأنبياء فملكوا القلوب ، والذين ينهجون على نهج الأنبياء ينبغي أن يملكوا القلوب .
المذيع :
شيخنا بارك الله بكم ، أقتطف من تفسيركم عبارة جميلة لطيفة ، وأود التعليق منكم شيخنا ، قلتم تحت عنوان : إن ولد الرجل من كسبه ، في تعقيبكم على قوله تعالى :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ ﴾
تربية الأبناء أكبر تجارة مع الله :
الدكتور راتب :
قبل :
((أفضل كسب الرجل ولده ))
جاء في الأثر النبوي .
(( أفضل كسب الرجل ولده ))
لماذا؟ هو امتداد له ، كتعقيب دقيق جداً .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
من أجمل ما قرأت في تفسير هذه الآية ؛ ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، إن ربيت ابنك ، وابن ابنك ، وابن ابن ابنك إلى يوم القيامة في صحيفتك ، هذه أكبر تجارة مع الله ، والله سبحانه وتعالى يحب أن نتاجر معه ، بل يحبنا إذا ربحنا عليه .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
أكبر تجارة مع الله ، التجارة الآن عشرة بالمئة ، اثنا عشر ، بالصناعة عشرون بالمئة، أما مليار بالمئة فهذه تكون مع الله .
تربية الأبناء تجارة مع الله ، بل أقول مقابل ذلك : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وارتقيت إلى أعلى مرتبة فيها ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، أنا لا أصدق أن أباً أو أماً يسعدان بابن شقي ، فالذي يعتني بابنه يعتني بسعادته .
إلا أن الذي يلفت النظر - وأنا معي دكتوراه في التربية - حينما تتوهم أن التربية تبدأ في سن العاشرة ، أو السابعة هذا خطأ كبير ، تبدأ التربية يوم الولادة ، بكى الطفل أرضعته أمه فسكت ، بكى مرة ثانية نظفته فسكت ، بكى مرة ثالثة لا ينبغي أن تحمله بالمرة الثالثة وإلا يعمل على إزعاج أمه لسنوات طويلة .
فالتربية شيء مهم جداً ، فإذا غرسنا في نفوس أطفالنا الصغار مفهوم الكذب ، مفهوم العمل الصالح ، مفهوم الصدق ، الأمانة ، ينشأ عليها ، وأنا معلوماتي الدقيقة التربوية العلمية يتعلم الطفل كل عاداته ، وكل مهاراته ، وكل أخلاقه العالية من السنة الأولى وحتى السنة السابعة ، قال لنا دكتور في الجامعة : وبعد هذا السن العوض بسلامتكم .
تربية الأولاد شيء مهم جداً ، ولي في الانترنيت تقريباً مئتا حلقة عن تربية الأولاد في الإسلام ، ولي كتاب يسحب من الانترنيت بكبسة زر من دون مقابل ، تربية الأولاد في الإسلام.
وأنا لا أصدق أن أسرة تسعد وابنها شقي ، فالذي يعتني بأولاده يعتني بنفسه ، يعتني بسعادته ، يعتني بمستقبله ، أما أعداء المسلمين فلا يراهنون علينا ، يراهنون على أولادنا .
المذيع :
في معرض هذه الهداية ، أعود إلى عبارتكم اللطيفة ، بالمناسبة الإنسان الذي لا يمت إليك بصلة إن هديته ، وإن لم تهده فهناك من يهديه ، أما ابنك فليس له إلا أنت ، فأنت تهدي ابنك هذا عمل عظيم .
تربية الأولاد أكبر مهمة على عاتق الأبوين :
الدكتور راتب :
الآخرون أنت لهم ، وغيرك لهم ، أما أولادك فمن لهم غيرك ؟ أي أكبر مهمة منوطة بالأب تربية أولاده ، ولكن أقسم بالله يدخل على قلب الأب من السعادة إذا رأى ابنه طائعاً لله ، مستقيماً على أمره ، له سمعه طيبة ، يدخل على قلبه سعادة لا توصف ، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾
لا يعرف هذه المشاعر إلا من كان له ابن صالح .
المذيع :
شيخنا ، أول وصية من وصايا لقمان لابنه :
﴿ يّا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
لماذا بدأ بهذه النصيحة وهذه الوصية ؟
طلب العلم فرض على كل مسلم :
الدكتور راتب :
الإنسان عنده تصور ، أو عقيدة ، أو منطلق نظري ، أو فهم أيديولوجي ، هذه الأشياء كلها مسميات واحدة ، الجانب الفكري ، الجانب العقدي ، الجانب الأيديولوجي ، الجانب النظري ، هذا الجانب إن صح صحَ العمل ، وإن فسد فسدَ العمل .
أي إذا الإنسان توهم أن كسب المال الحرام ذكاء وشطارة يكون أحمق ، لأنه ما أدخل محاسبة الله له في حساباته ، فإذا علم علماً يقيناً أن المال الحلال هو المسعد ، وأن العلاقة مع المرأة ضمن منهج الله هي المسعدة ، وليس الانحراف مسعداً ، هي منطلقات نظرية ، هي مسلمات ، هي عقائد ، هي أيديولوجيا ، فما لم نعتنِ بالجانب الفكري العقدي ، الديني ، الأيديولوجي بالإسلام لا نستطيع أن نطبق منهج الله عز وجل ، هذه النقطة مهمة جداً ، أي ما لم نقتطع من وقتنا الثمين وقتاً لمعرفة الله ، لمعرفة سرّ وجودنا ، وغاية وجودنا ، لمعرفة منهج ربنا ، لمعرفة ما الصالح ، وما الطالح ، ما الخير ، وما الشر ، ما الواجب ، وما الفرض ، ما القيم ، ما هو الجميل ، يوجد جمال مادي حسي ، لكن يوجد أيضاً جمال روحي ، وجمال نفسي، وجمال اجتماعي ، هذه المسلمات لا بد من طلب العلم .
هذا الجماد ، جسم مادي ، طول ، عرض ، ارتفاع ، وزن ، حجم ، والنبات ينمو ، والحيوان يتحرك ، أما الإنسان فأودع الله فيه قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبّ بطلب العلم هناك مشكلة كبيرة ، هبط الإنسان عندئذٍ إلى مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
ما لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، مع أنه المخلوق الأول ، والمكرم ، والمكلف .
المذيع :
شيخنا ، لكم عنوان في تفسيركم : الدين كله توحيد .
الدكتور راتب :
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
المذيع :
ما معنى أن الدين كله توحيد ؟
الدين كله توحيد :
الدكتور راتب :
هو أن ترى أن الله وحده المتصرف ، وحده المعطي ، وحده المانع ، أنت عندما تعتقد أن هذه الجهة بيدها كل شيء تزهد بما سواها ، لا تلتفت إلى غيرها .
لو فرضنا للتقريب : دائرة فيها معاون وزير بيده كل شيء ، الوزير منصبه سياسي يأتي ويذهب ، وهناك مئات الموظفين ، أما القوة الفعالة ، الآمرة ، الناهية ، التي تعطي أو تمنع بيد واحدة فأنت من الذكاء والحكمة أن تحسن علاقتك مع هذا الواحد ، إن استطعت أن تصل إلى قلبه كل شيء صار ميسراً .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
هذا التوحيد أن تتجه إلى الله وحده ، أن تعقد الأمل على الله وحده ، أن ترجو رحمة ربك وحده ، أن ترجو القوة من القوي وهو الله ، أن ترجو الرحمة من الرحيم وهو الله ، أن ترجو العدل والإنصاف من العدل ، هذا الدين ، والدين يقين بوجوده ، ووحدانيته ، وكماله ، ثم الإقبال عليه ، فيقين بلا إقبال لا قيمة له ، الكفر تكذيب بحقائق الدين ، وإعراض عن الله ، يقين وإقبال، تكذيب وإعراض ، النقطة الدقيقة الإقبال ، والنقطة الخطيرة الإعراض عن الله .
أنا الآن اسمح لي أن أقول هذه الكلمة الجامعة المانعة : كل ما نعانيه كمسلمين في العالم الإسلامي هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله ، أنا أسميها اختصاراً : أعراض الإعراض .
المذيع :
شيخنا ، ذكرتم في تفسيركم تاريخاً للعبادة ، قلتم : طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، تسبقها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
كيف للإنسان أو لهذا العبد أن يصل إلى مرحلة خاصة في هذا الشهر الكريم أي أن يتلذذ بالعبادة ؟
آيات الله الكونية و التكوينية و القرآنية هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفته :
الدكتور راتب :
والله هذا العبد الفقير أقول كلمة دقيقة : الله عز وجل ذات كاملة .
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
ولكن العقول تصل إليه ولا تحيط به ، كالسيارة قد تصل بها إلى شاطئ البحر ، لكنك لن تستطيع أن تخوض بها البحر ، فالعقل نصل به إلى الله ، الله كيف نعرفه ؟ قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
هناك قنوات ثلاث لابد منها ، القناة الأولى الكون ، أي خلقه ، والقناة الثانية أفعاله ، والقناة الثالثة كلامه ، هناك آيات كونية هي الخلق ، الشمس ، القمر ، النجوم ، المجرات ، خلق الإنسان ، خلق الحيوان ، خلق النبات ، الطعوم ، الفواكه ، الخضروات ، البحار ، الأنهار ، خلقه موقفنا منه التفكر ، وأفعاله أي أعماله موقفنا منه النظر ، والدليل :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
والآية الثانية :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
قد يأتي العقاب مباشرة :
﴿ فَانْظُرُوا ﴾
وقد يأتي بعد حين :
﴿ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
وآيات قرآنية موقفنا منها التدبر ، فالآيات الكونية تفكر ، والتكوينية نظر ، والقرآنية تدبر ، الموقف الكامل مع هذه الآيات التي هي القنوات الوحيدة السالكة إلى الله ، والدليل :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
المذيع :
فتح الله عليكم شيخنا ، بارك الله بكم ، في آياتنا ، وفي الآية التي نتحدث عنها ، وفي الآية التي بين أيدينا :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
ما أهم المضامين التربوية التي تشير إليها سياق الآية؟
أهم المضامين التربوية التي تشير إليها سياق الآية السابقة :
الدكتور راتب :
الله بادئ ذي بدء غني عنا ، لو أن العباد جميعاً أسلموا ، وتعرفوا إلى الله ، الله عز وجل غني عن عبادتنا .
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، ولكنها أعمالك أحصيها لكم ، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
لذلك هناك كلمات يقولها عوام الناس هي الكفر بعينه ، يقول لك : القدر قلب لي ظهر المجن ، الدهر ضيعني ، لا يوجد دهر ، يوجد الله .
(( يقول الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر))
لا يوجد قدر للمعنى الأسطوري أن قدره سيئ ، ولا يوجد دهر ، لا يوجد إلا الله ، هذا معنى : وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، وألا تلفظ كلمات لا معنى لها ، لا مدلول لها ، يقول لك : هذه البنت مسكينة لا حظ لها ، فقط هي لا حظ لها أم هي ارتكبت أعمالاً لا تليق بالزوجة الصالحة ؟ أنا عندما أعزي المصير المؤلم إلى سبب وهمي فهذه مشكلة كبيرة ، هذا شرك أساساً .
المذيع :
ولذلك ختمت الوصية الأولى بقوله :
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
الندم أشدّ الأحوال النفسية إيلاماً :
الدكتور راتب :
ظلم للإنسان ، دعك من الله عز وجل ، هو ظلم لحقيقة الذات الإلهية ، أما هو فالأهم هو ظلم لك .
شخص يكاد يموت من العطش ، وإن لم يشرب يموت ، وآخر دله على نبع فكذبه ، عندما كذبه ظلم نفسه ، يكاد يموت من العطش ، قال له : يوجد نبع بعد خمسمئة متر بهذه الجهة ، دله ، قال له : كذاب ، هذا سفيه ، هذا أسطوري ، هذا غبي ، فقد حياته .
لذلك إن العار ليصيب الإنسان يوم القيامة حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى .
حالة الندم أخي الكريم أصعب شعور مؤلم .
فرضاً ورقة بيضاء على المكتب ، على ظهرها ، أنت اعتبرتها ورقة عادية كتبت عليها كلمات لا معنى لها ثم مزقتها ، فإذا شيك بمليون دينار ، على وجهها الأبيض ، بعد أن مزقتها قطعاً قطعاً ولن تستطيع إعادتها مرة ثانية ، بماذا تشعر؟ هذا الندم .
أقول لك ولا أبالغ : أشد الأحوال النفسية إيلاماً الندم .
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾
﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
افتح بالمعجم المفهرس على كلمة يا ليتني .
﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾
يا ليتني شيء مؤلم جداً ، فأنا أقول : العاقل لا يندم ، لأنه فعل شيئاً لا يندم عليه، عرف الله ، استقام على أمره ، أطاعه ، اختار زوجة صالحة ، ربى أولاده ، أتقن عمله ، صدق، كان أميناً ، العاقل لا يندم ، وكأني أقول : أصعب شعور مرّ يتلف الإنسان هو الندم ، ضيع الأبد .
تعريف الأبد :
ما الأبد؟ واحد بالأرض - وكلامي دقيق - وأصفار إلى الشمس ، بين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس ، المسافة مئة و ستة و خمسون مليون كيلو ، هذا الرقم إذا نسب للانهاية قيمته صفر .
الله دعاك للأبد ، دعاك إلى جنة للأبد ، أنت اخترت اثنتي عشرة فقط ، أي الشخص بعد الأربعين حتى يستطيع أن يعيش ، حتى اشترى بيتاً ، واشترى سيارة ، وتزوج ، وصار له مكانة اجتماعية ، عاش أربعين بقي بينه وبين الستين عشرون سنة ، شطح للسبعين ، للثمانين، ليس معقولاً .
((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين))
يضيع الأبد لسنوات معدودة ، لمعصية تافهة .
بالمناسبة بالإسلام لا يوجد حرمان ، كلامي دقيق ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
الشهوة صفيحة بنزين ، سائل متفجر ، إذا وضعت هذه الصفيحة في المستودع المحكم في السيارة ، وهذا البنزين سال بالأنابيب المحكمة ، وانفجر في البستونات ، في الوقت المناسب والزمن المناسب في المحرك ، ولّد حركة نافعة تقلك أنت وأهلك في العيد إلى مكان جميل ، انفجارات كلها ، الصفيحة نفسها ، صفيحة البنزين نفسها صبها على المركبة ، أعطها شرارة تحرق المركبة ومن فيها .
فهذه الشهوة إما أنها قوة دافعة ، أو قوة مدمرة ، لا يوجد حل وسط .
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم شيخنا ، وشكر الله لكم ، والشكر موصول لكم أنتم أحبتي لكم مني طيب المتابعة ، وجميل الاستماع .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته