وضع داكن
26-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 18 - أنواع الذنوب - طرق التوبة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
 وبعد ؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير .
 مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً .
 "ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم بلادكم .
المذيع :
 آمين وإياكم .
 مسمع صوتي عن آيات اليوم ، ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر ، يقول ربنا جلّ وعلا :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 في مناسبة هذه الآية لما قبلها ، تحدثت الآيات التي قبلها عن حال الظالمين يوم القيامة ، وما أعدّ الله لهم من عذاب أليم ، فجاءت هذه الآية لتفتح الباب لهم بالتوبة قبل فوات الأوان ، شيخنا بارك الله بكم ، بداية في قوله :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 لماذا نسبنا الله في الآية إلى ذاته ؟

 

نسبة الإنسان إلى الله نسبة تشريف :

الدكتور راتب :
 هذه النسبة هي ياء النسبة ، تقول : هذا قطري أي من قطر ، هذا سوري ، ياء النسبة ، لكن ياء النسبة حينما جاءت مع لفظ الجلالة يقول :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾

[ سورة آل عمران : 42]

العلماء قالوا هنا : هذه نسبة تشريف ، لكن العباد أنواع ، هناك عبد القهر ، عبد القهر تجمع على عبيد ، وعبد الشكر تجمع على عباد .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 أما :

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾

[ سورة فصلت : 46]

 فالمؤمن عبد لله ، إذا جُمع جُمعَ على شكل عباد ، وغير المؤمن عبد لله ، أي مقهور ، ليس معنى عبد بمعنى العبادة ، بمعنى القهر ، أي الله بيده حركته ، خثرة دم بشريانه بالدماغ يصاب بالشلل ، بمكان فقد ذاكرته ، بمكان يموت فوراً ، فنحن مقهورون ، لكن عبد القهر تجمع على عبيد .

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾

[ سورة فصلت : 46]

 أما عبد الشكر فتجمع على عباد :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 فنحن مشرفون عند الله إن نسبنا إلى ذاته العلية .
المذيع :
 في قوله :

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 ما الذي يفيده النهي في هذه الآية ؟

 

اقتراب القنوط و اليأس من الكفر :

الدكتور راتب :
 القنوط واليأس يقتربان من الكفر ، لأن الإنسان ما عرف الله ، ما عرف محبته لنا ، ما عرف حلمه علينا ، ما عرف مغفرته لنا ، فالذي يتجاهل أسماء الله الحسنى ، ويقنط من رحمته اقترب من الكفر ، لذلك :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 بالغوا بالمعصية :

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

بتعبير شائع صفة الرحمة بلمحة ، والصلحة بلمحة ، هو ينتظرنا .

(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم نادته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ حديث قدسي]

 هذه الذات الكاملة .
المذيع :
 شيخنا هذه الآية لماذا كانت أرجى آية في كتاب الله ؟

 

أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أرجى آية في كتاب الله لمخاطبتها من بالغ في المعصية :

الدكتور راتب :
 لأنه يخاطب لا العصاة ، ولا المنافقين ، ولا المقصرين ، يخاطب الذين بالغوا في المعصية .

﴿ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 أنت أنت بالذات ، يا من انغمست بالمعاصي والآثام ، يا من ابتعدت عن الواحد الديان ، أنت أنت مطلوب ، أقسم لك بالله ما من مخلوق على وجه الأرض إلا مطلوب لله ، هو ينتظرنا .

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟))

[ حديث قدسي]

 كيف الذي أقبل عليه ؟ كيف الذي خافه ؟ كيف الذي أطاعه ؟ كيف الذي أحسن إلى خلقه ؟ والله ينتظر العبد المؤمن كل خير ، كل إحسان ، كل إكرام .
المذيع :
 جميل! شيخنا ، هذه الآية التي بين أيدينا :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 هناك من يفهم هذه الآية ومثلها من آيات المغفرة والرجاء فهماً ما أراده الله عز وجل فيتلو الآية ويبقى مقيماً على معصية الله ، كيف نصحح هذه المفاهيم المغلوطة ؟

 

أنواع الذنوب :

الدكتور راتب :
 هناك ذنب يغفر قولاً واحداً ما كان بينك وبين الله ، ذنب يغفر قطعاً ما كان بينك وبين الله ، وهناك ذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، متى يغفر ؟ بالأداء والمسامحة ، وهناك ذنب لا يغفر أصلاً هو الشرك بالله ، كيف الشرك ؟
شخص معه أزمة قلبية ، بحاجة ماسة ضرورية آنية إلى مستشفى قلب ، يوجد طريقان ؛ طريق للمستشفى ، وطريق إلى الملهى ، فإذا سار في طريق الملهى ، لا يوجد مستشفى ، ولا طبيب ، ولا عمل جراحي .
 أي هذا الذي أشرك مشى بطريق آخر ، لا طريق الله عز وجل ، لا طريق التوبة ، لا طريق الصلح مع الله ، التجأ إلى شهوته ، ومعصيته ، وغيه ، لذلك :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، متى يغفر ؟ بالأداء ، أو المسامحة .
 النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم من عادته أن يصلي على أصحابه الموتى ، فلما توفي أحد أصحابه سأل النبي الكريم قبل أن يصلي عليه : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، ما صلى عليه ، أحد أقربائه تألم ألماً كبيراً ، قال : عليّ دينه ، أي أنا أؤدي دينه بالغاً ما بلغ ، فصلى النبي عليه ، في اليوم الثاني سأله : أديت الدين ؟ قال : لا ، في اليوم الثالث سأله : أديت الدين ؟ قال : لا ، في اليوم الرابع سأله : قال : أديته ؟ قال : نعم، فقال النبي الكريم : الآن ابترد جلده .
 لذلك حقوق العباد مبينة على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، فذنب لا يغفر وهو الشرك بالله ، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، يغفر بإحدى حالتين بالمسامحة أو الأداء ، وذنب يغفر ما كان بينك وين الله .
المذيع :
 شيخنا ، في قول الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 ما الذي تفيد كلمة جميعاً ؟

 

رحمة الله أوسع من أكبر ذنب :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن رحمة الله أوسع من أكبر ذنب ، الذنوب جميعاً ، لكن هذه الرحمة مرتبطة بالتوبة النصوح ، ما التوبة النصوح ؟ التوبة النصوح لها أركان ثلاث ، أول ركن الندم ، الندم توبة الألم كيف عصيت الله عز وجل ؟ ما دام هناك ندم تحقق أحد أركان التوبة ، اثنان الإقلاع الفوري عن الذنب .
عندي إضافة دقيقة : الإقلاع مع الإصلاح ، أي أنت عليك دين ، أقلعت عن الإساءة للآخرين ، بقي وفاء الدين ، فالإقلاع والإصلاح .
 الثالثة ؛ عقدت عزيمة صادقة ألا تعود إليه ، هذه التوبة النصوح ، لكن أقول للأخوة المستمعين : لو إنسان زلت قدمه وعاد للذنب يتوب مرة ثانية ، أول توبة أهون توبة ، والتوبة الثانية أصعب ، لأنه نقض العهد مع الله ، والتوبة الثالثة أصعب وأصعب ، والرابعة أصعب وأصعب وأصعب ، ماذا يعمل ؟ هنا اقتراح ، التوبة الأولى سهلة جداً ، يا ربي تبت إليك ، يلقي في روعه وأنا يا عبدي قد قبلت ، زلت قدمه ، أنا أقترح عليه أن التوبة الثانية تحتاج إلى صدقة، يدفع صدقة ، حتى يرمم أنه أخلف الله وعده ، لو وقع مرة ثالثة يدفع صدقة مضاعفة ، كلما رممت التوبة ثم زلت قدمك مرة ثانية تدفع صدقة ، يمكن أن تتوازن ويقبلك الله عز وجل ، لكن بالنهاية لا يوجد إلا الله ، أنت تتوب مليون مرة ، لا يوجد إلا الله ، وليس هناك حل ثان ، هو غفور رحيم ، هو تواب رحيم ، هو ينتظرك ، مرة ثانية :

((لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟))

[ حديث قدسي]

المذيع :
 شيخنا تعليقكم الأخير يقودني إلى سؤال : كل إنسان يقع في معصية ، وتزل قدمه ، وينحرف نحو مخالفة ، ثم يقعده اليأس ، ويسيطر عليه القنوط ، ما الحل ؟

 

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 لابد من حاضنة إيمانية ، هذا الإسلام عظمته أنه جماعي ، أنت مع مؤمنين ، يقوون عزيمتك ، يقوون إيمانك ، يدفعونك إلى الصلح مع الله ، إذا الإنسان أراد أن يعيش مع أناس متفلتين ، عصاة ، مذنبين ، والله الطريق مسدود ، الله يقول لك :

﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 119]

 والله يقول :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 أذكر إنساناً -إنسان من مدينة في بلدنا - أدى الحج وكان مدمن خمر ، أدى فريضة الحج ، وتاب من الخمر توبة نصوحة ، عاد إلى بلده ولم يترك أصدقاءه المتفلتين شاربي الخمر ، بقي معهم ، بعد شهر أو شهرين جاؤوا بالخمر ، فدعوه إلى أن يشرب معهم ، قال : أنا تائب و حاج ، قال له شخص غني منهم : كم كلفك الحج ؟ قال له : كلفني خمسين ألفاً ، قال له : هذه خمسون ألفاً واشرب ، فشرب ، مضى عليه عشرة أيام توفاه الله ، توفاه الله شارب خمر ، فلذلك :

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود ، والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]

لأن الصاحب المنحرف ساحب يسحبك .
 أعرف أناساً لهم ابن صاحب إنساناً منحرفاً ، هذا الأمر تفاقم تفاقم ، حتى ضبط بتجارة لمادة محرمة ، أُعدم ببلد بعيد من الصحبة .
 أنا أتمنى ، أتوجه إلى الأسرة ، إلى الأم والأب ، يجب أن تعلم أيها الأب من هو صديق ابنك ، ويا أيتها الأم يجب أن تعلمي يقيناً من هي صديقة ابنتك ، هذه بطولة ، الآباء الموفقون يجب أن يبحثوا عن أصدقاء لأبنائهم ، وتبحث الأم عن صديقات ابنتها ، أو هناك آباء يختارون لأبنائهم أصدقاء مخلصين ، أو المجموعة الإيمانية بمكان معين يجب أن يكون أولادنا أصدقاء لبعضهم بعضاً ، إذا ابن صاحب ابناً ملتزماً لا يوجد مشكلة ، البنت صاحبة بنت محجبة لا يوجد مشكلة ، أما ملتزم صاحب شخصاً غير ملتزم يغريه بالمعصية ، وبنت محجبة شريفة طاهرة صاحبت بنت متفلتة تسفه استقامتها ، تسفه حجابها ، فالبطولة الحاضنة الإيمانية ، من يحيط بابنك من أصدقاء ، من يحيط بابنتك من صديقات ، فالأب إذا كان لا يدقق ، أين كنت يا بني الساعة الواحدة ليلاً ؟ أدرس عند رفيقي ، صدقته أنت ؟ تحتاج إلى متابعة ، فهناك أب ساذج ، بصدق ابنه ثم يتفاجأ تعال خذ ابنك من المخفر ، متلبس بمعصية .
المذيع :
 شيخنا بارك الله بكم .

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 يوجد نهي إلهي ، جاء الجواب :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الكهف : 28]

 هل هناك ذنب أكبر من رحمة الله ؟

 

رحمة الله تسع كل شيء إلا سفك الدماء :

الدكتور راتب :
 لا ، رحمة الله أكبر .

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾

[ سورة الأعراف : 156]

 آية قرآنية .
المذيع :
وهل هناك ذنب من أكبر من مخلوق الله ؟
الدكتور راتب :
 لا .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 رحمة الله وسعت كل شيء ، الصلحة بلمحة ، إلا إذا كان هناك حقوق للآخرين ، للعباد حقوق ، العباد لا تتسامح بها إلا بالأداء أو المسامحة ، عليك دين مبلغ ضخم ، كيف سيغفر لك الله عز وجل ؟ حتى في بعض الأحاديث :

(( ليس لقاتل توبة))

 سفك الدماء بلا حساب ؟ لا يوجد توبة هنا ، أو بعبارة أخرى أدق من ذلك : لا يستطيع من سفك الدماء أن يتوب ، لأنه يظل المرء بخير ما لم يسفك دماً ، مليون ذنب له حل، يوجد توبة ، يوجد إصلاح ، يوجد هدية ، تؤدي ما عليك من دين ، له حل ، لكن الدم ليس له حل ، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً .
المذيع :
 هل يكون سفك الدم بالقول أم بالفعل ؟
الدكتور راتب :
 لا بالفعل .
المذيع :
 ممكن يكون أمراً .

 

يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً :

الدكتور راتب :
 طبعاً يسفك ، هنا دخل الآمر ، والمنفذ ، لو أن إنساناً يتلقى أمراً من إنسان أقوى منه أن اقتل فلاناً ، أجمع العلماء بلا استثناء يجب ألا يقتله ، وهو يعلم يقيناً إن لم يقتله يُقتل ، يموت شهيداً ، فإذا قتله انتهى عند الله ، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً ، يمكن تنفذ ألف توجيه ، لكن سفك الدم ليس له حل ، وأنا أتكلم كلاماً دقيقاً ، هذه فتوى مجمع عليها ، شخص مظلوم لم يعمل شيئاً إطلاقاً ، وشخص قوي ظالم متجبر جبار سفاك دماء ، قال له : اقتله ، قال : لا أقتله ، حتماً يُقتل الذي رفض أن ينفذ الأمر ، يموت شهيداً فوراً ، أما إذا نفذ فيموت قاتلاً ، موضوع الدم لا يوجد معه تساهل ، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً ، أنا عبد مأمور، هذا كلام فارغ ، بموضوع الدم لا يوجد عبد مأمور .
المذيع :
 شيخنا ، الآية مليئة بالمضامين التربوية ، لو أشرنا إلى ذلك ، إلى اللفتات ، الوقفات التربوية في هذه الآية ؟

قراءة القرآن قراءة تدبرية :

الدكتور راتب :
 القرآن الكريم آيات التوجيهات اليومية لا تعد ولا تحصى .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

أنا أتمنى أي إنسان إذا قرأ القرآن ، هناك قراءة تدبرية ، و قراءة تعبدية ، ممكن أن يقرأ كل يوم جزءاً تعبداً ، يقرأ كل يوم صفحة أو صفحتين تدبراً ، يقف بتأن عند آياته آية آية، هذه الآية ما مضمونها ؟ ما دلالاتها ؟ ما التطبيق العملي لها ؟ ما علاقتي بها ؟ آية تخاطب المؤمنين ، أنا مؤمن إذاً هذه الآية تعنيني ، آية تخاطب العصاة ، هذه الآية تعني العصاة ، أنا لا أريد قراءة شكلية ، قراءة تعبدية فقط ، قرأنا صفحة أو صفحتين ، لا ، تدبر هذه الآيات ، نحن أولاً ممكن أن نقرأ القرآن لكن أنت عندما تقرأ قراءة تأملية ، تدبرية ، هذه أمر ، عندك مصحف قديم ، لم تعد تستعمله ، اقرأ فيه ، آية فيها أمر ضع خطاً أخضر ، آية فيها نهي ضع خطاً أحمر ، فأنت كلما قرأت صفحتين أو ثلاث يوجد تعليقات ، آية كونية ضع لها مستطيلاً ، صار عندك آيات كونية ، آيات أمر ونهي ، آيات وصف الجنة ، هذه قراءة تدبرية مريحة جداً، والقرآن الذي أنت عملت عليه ملاحظات احتفظ به لك ، تفتحه تتذكر كل شيء قرأته منه .
المذيع :
 جميل ، وهذا شيخنا برنامج عملي يومي لمن يقرأ .
الدكتور راتب :

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾

[ سورة محمد : 24]

المذيع :
 شيخنا ، الآن من خلال هذه الآية :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 قال الله بعدها :

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

الله غفور رحيم مع من اتصل به و طبق منهجه :

الدكتور راتب :
 غفور رحيم ، ليس بلا ثمن ، ليس هكذا ، هذه فوضى ، غفور رحيم بثمن ، هناك خطأ يوجد توبة ، وإصلاح .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

أي أنت لا تستطيع أن تتابع التوبة إلا بالصلة بالله ، أنت عوضت الشهوة من هذه المعصية بالقرب من الله ، المعصية فيها شهوة ، وأنت معلق بهذه الشهوة ، عندما ذقت طعم القرب من الله عوضك الله بهذا القرب منه عن لذة المعصية .
المذيع :
 وبعدها :

﴿ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

الدكتور راتب :
 بمنهجه ، أسلم بالمنهج ، الآن أمرك بغض البصر ، بصدق الحديث ، بأداء الأمانة، صلة الرحم .

﴿ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

 أي طبق منهجه ، هنا عفا الله عنك ، وقبل توبتك ، لكن لابد من أن تعقد العزم على تطبيق منهجه كاملاً ، المنهج إذا لم يكن كاملاً لا تقطف ثماره ، كيف ؟
 جهاز كمبيوتر ثمنه مرتفع جداً ، إذا أنت قطعت خط الكهرباء عليه تعطل ، صار كتلة بلاستيك ، لا تقدم ولا تؤخر ، فالجهاز لا تقطف ثماره إلا إذا أحسنت صيانته .

﴿ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

المذيع :
 شيخنا ، قال سبحانه :

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

فقدان وعد الله بالنصر بسبب المعاصي و الآثام :

الدكتور راتب :
 الله عز وجل رب ، ما معنى رب ؟ الأب إذا وجد ابنه على خطأ ينصحه بالكلام فإذا ارتدع انتهى الأمر ، أما إذا أصر فالأب يتصرف تصرفاً آخر ، كان ينصحه صار يعاقبه ، يحرمه من المال أحياناً ، أحياناً يضربه ، فالإنسان عندما يحب الآخر محبة كبيرة جداً كالأب مثلاً نهى ابنه عن أمر ما قد ارتكبه ، والابن التزم هذا النهي انتهى كل شيء ، والقضية فيها سلم ، أما عندما يصر الابن على معصيته فالأب يضطر أن يرفع مستوى مخاطبة ابنه من كلام إلى عقاب إلى حرمان أحياناً أو إلى عقاب معين .
المذيع :

﴿ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

[ سورة الزمر : 54]

الدكتور راتب :
 أنت الآن فقدت وعد الله بالنصر ، الأمة موعودة بالنصر بمئات الآيات ، لماذا لا تنتصر ؟ يوجد معاص ، وآثام ، وأكل مال حرام ، واختلاط ، وإطلاق بصر ، وأفلام لا ترضي الله ، وسهرات مختلطة ، يوجد معاص كثيرة جداً ، مادامت المعاصي موجودة فهناك حجاب بين العبد وربه ، عندما يكون هناك حجاب فوعود الله بالنصر معطلة كلها .

(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 نحن ملياران ، وليست كلمتنا هي العليا ، ونعاني ما نعاني . 

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم شيخنا .
الدكتور راتب :
 وبارك الله بكم أنتم أيضاً ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، وبلدكم الطيب إن شاء الله .
المذيع :
 شكراً موصولاً لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة ، وجميل الاستماع .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

إخفاء الصور