- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠1 ربيع القلوب 1 - أحاديث عام 2019
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على إحسانه ، والشكر لله على توفيقه وامتنانه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه ، ومن سار على نهجه ، واقتفى أثره، واستن بسنته ، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .
وبعد ؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير ، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي : "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً ، وتأملاً ، وعملاً .
"ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، باسمكم جميعاً يسعدني أن أرحب بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا ..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ بلدكم .
المذيع :
آمين ، وجزاكم الله خيراً .
مسمع صوتي عن آيات اليوم ، ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر ، يقول ربنا جل وعز :
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾
بمناسبة هذه الآية لما قبلها ، تحدثت الآيات التي قبلها عن بني إسرائيل وعلوهم في الأرض ، فجاءت هذه الآية لتبين أن القرآن الكريم هو السبيل الأقوم لفهم الأحداث ، وإعطاء التصور الصحيح للكون والإنسان والحياة .
شيخنا هذه الآية التي بين أيدينا في غاية البلاغة والجمال ، ما معنى أولاً :
﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
حرص كل إنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الحقيقة أحياناً نفهم الكلمات بصيغتها ، أقوم ؛ اسم تفضيل ، يوجد شيء قيم ، وشيء أقوم ، شيء حسن ، وشيء أحسن ، شيء فاضل وشيء أفضل ، أقوم ؛ اسم تفضيل والمطلق في القرآن على إطلاقه ، أي يهدي لحياة أقوم ، لمعيشة أقوم ، لعمل أقوم ، لسعادة أبلغ، كل الأشياء الإيجابية طريقها هذا الدين ، لأنه تعليمات الصانع ، ولأن الصانع الجهة الوحيدة التي يمكن أن تتبع تعليماتها ، لأنها الجهة الخبيرة .
فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، من حرصه على سلامته وسعادته يتبع تعليمات الصانع ، لأن منهجه يهدي :
﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
أي بنو البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم، وطوائفهم ، هم يشتركون في حبهم لذواتهم ، وحبهم لسلامة وجودهم ، وحبهم لكمال وجودهم ، وحبهم لاستمرار وجودهم ، سلامة وجودهم ، وكمال وجودهم ، واستمرار وجودهم باتباع تعليمات الصانع ، أي الإنسان عندما يطبق تعليمات الصانع ينجو من المصائب والمحن ، والدليل :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
وكأن هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف وتكريم ، الموقف الكامل من تسخير التعريف أن تؤمن ، والموقف الكامل من تسخير التكريم أن تشكر ، فالإنسان إذا آمن وشكر ، وحقق الهدف من وجوده في الدنيا ، عندئذٍ تتوقف المعالجات الإلهية .
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
هذا الإسلام الفردي ، أما كأمة :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دام منهجك مطبقاً في حياة أمتك من بعدك هم في مأمن من عذاب الله ، صار عندنا مفهوم فردي للإسلام ، للأفراد ، ومفهوم جماعي للأمة .
المذيع :
القرآن عصمة من الهلاك كيف دلت هذه الآية على ذلك ؟
من اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :
الدكتور راتب :
لأنه أقوم ، الإنسان متى يهلك ؟ إذا استحق العذاب .
لو فرضنا أباً في بيت ، البيت له بابان ، أعطى أمراً لأولاده ادخلوا لهذا الباب الذي يفضي إلى غرفة الجلوس ، والباب الآخر ممنوع أن نستخدمه ، هذا أمر وضعي ، من وضع الأب ، لكن إذا نهى الأب ابنه أن يضع يديه على المدفأة المشتعلة العلاقة بين وضع اليد والنتائج علاقة علمية ، أما العلاقة الأولى فعلاقة وضعية .
أنا حينما أفهم أوامر الدين أن العلاقة بين الأمر ونتائجه ، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية ، من تعليمات الصانع ، المعصية فيها بذور نتائجها ، والطاعة فيها بذور نتائجها، فكل إنسان يعصي الله يدفع الثمن قطعاً لأن المعصية نفسها فيها بذور النتائج ، لأنها من عند الخبير ، من عند العليم ، لذلك الله أودع فينا الشهوات ، هذه الشهوات قوى مندفعة ، لكن لها منهج ، لها قناة نظيفة طاهرة ، فالإنسان إذا اتبع شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه .
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
فالمعنى المخالف إذا اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، إذاً قضية علمية ، العلاقة بين الأمر الإلهي ونتيجته علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة .
المذيع :
شيخنا بارك الله بكم .
عبارة لطيفة ، أو عنوان لطيف في تفسيركم ، أو أن تتحدثوا حوله خاصة في هذا الشهر شهر القرآن ، المطبق للقرآن سعيد في الدنيا والآخرة .
وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه :
الدكتور راتب :
لأنه يتبع تعليمات الصانع ، والصانع هو الخبير ، أنا عندما أشتري جهازاً سعره مرتفع ، والشركة لسبب أو لآخر لم ترسل لي التعليمات ، أخاف على هذا الجهاز فلا أستخدمه، لو استخدمته بلا تعليمات الصانع أعطبه ، وإن لم استخدمه جمدت ثمنه ، فالتعليمات أبلغ من الجهاز ، لذلك قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾
قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان ، لأن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه ، المنهج مقدم على وجود الإنسان ، لأنه يوجد شهوات ، الشهوات ممكن أن تمارس بمئة و ثمانين درجة ، لكن الشهوات مضبوطة بالشرع بقواعد ، ممكن أن تمارس وفق منهج الله، إذاً هي تصبح مسعدة ، أما بلا منهج فمشقية .
فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، من فرط حبه لذاته ، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، لسلامته ، وسعادته ، واستمراره .
المذيع :
شيخنا ، إذا أراد الإنسان كما تفضلتم قبل قليل أن يجعل القرآن منهجاً له في حياته كيف يبدأ ؟ كبداية ؟
كيفية قراءة القرآن الكريم حتى نقطف ثماره :
الدكتور راتب :
نحن عندنا كما يقول بعض العلماء : قراءة تعبد ، وقراءة تدبر ، القرآن ينبغي أن تقرأه قراءة صحيحة ، وفق قواعد اللغة العربية ، ثانياً : إن أمكن أن تقرأه قراءة مجودة ، ثالثاً : ينبغي أن تفهمه ، رابعاً : ينبغي أن تتدبره ، خامساً : ينبغي أن تطبقه .
المذيع :
لو أعدت حتى نفهم أكثر .
الدكتور راتب :
ينبغي أن تقرأه وفق قواعد اللغة العربية ، ثم ينبغي إن أمكن أن تجوده ، الإدغام والإقلاب ، وما إلى ذلك .
المذيع :
ما الفرق شيخنا بين الأول والثاني ؟
الدكتور راتب :
الأول قراءة عادية ، ولكن يوجد إدغام أحياناً و إقلاب .
المذيع :
تقرؤه قراءة عادية بقراءة الحروف .
الدكتور راتب :
نعم ، لكن يوجد قواعد تجويد ، هو صار قراءة مجودة ، ثم أن تفهم المعاني وفق قواعد اللغة العربية .
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾
ثم ينبغي أن تتدبره ، أي أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ﴾
كلما قرآنا آية يخاطب بها المؤمنون ينبغي أن أسأل نفسي هذا السؤال الدقيق : أين أنا من هذه الآية ؟ ثم أسعى إلى تطبيق هذه الآيات ، هذه القراءة الكاملة ، قراءة باللغة العربية مجودة ، ثم مع التدبر ، ثم مع التطبيق ، عندئذٍ نقطف ثمار هذا القرآن .
المذيع :
شيخنا ، وفي قوله :
﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾
ما سبب سعادة المؤمنين ؟
الخير كله في طاعة الرحمن و تطبيق أمره :
الدكتور راتب :
يا أخي الكريم ، كان عندنا دكتور في الجامعة ، أحد كبار علماء النفس ، قال : العالم الغربي يعاني من الكآبة ، دقق الفكرة دقيقة جداً ، أي أمر أُمر به الإنسان من قبل الواحد الديان مفطور على محبته ، وأي نهي نهاه الله عنه مفطور على كراهيته ، والدليل :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾
فالإنسان حينما يطبق منهج الله تسلم نفسه من الضيق النفسي ، لأنه :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
الضنك ؛ الضيق ، إما ضيق مادي إذا كان المال حراماً ، أو يوجد عدوان ، أو ضيق نفسي ، الضيق النفسي صعب جداً ، هناك أشخاص يعانون من الضيق فيما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، أي الخير كله في طاعة الرحمن ، في تطبيق تعليمات الصانع ، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الخبيرة ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
فالإنسان إذا أحب نفسه ، إذا كان حريصاً على سلامته ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ، فالاستقامة تحقق السلامة ، والعمل الصالح يحقق السعادة ، وتربية الأولاد تحقق الاستمرار .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ﴾
ألحقنا بهم أعمال ذريتهم .
المذيع :
شيخنا الإرشادات التي ممكن أن نقف عليها في هذه الآية العظيمة التي بين أيدينا؟
نتائج الإيمان لا تعد ولا تحصى :
الدكتور راتب :
الحقيقة هذا القرآن فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على حلقه ، ليس كلاماً عادياً ، هذا كلام خالق الأكوان ، كلام الواحد الديان ، كلام العليم الحكيم ، كلام الرب الرحيم ، كلام الخبير ، فأنت حينما تقرأ القرآن ، وتطبق آيات القرآن ، أنت مع الإله العظيم ، الحقيقة أن نتائج الإيمان لا تعد ولا تحصى ، يا ترى سعادة نفسية ؟ سعادة نفسية ، يا ترى صحة ؟ صحة ، أكل وفق منهج الله ، وطعامه طيب أشتري بمال حلال .
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
فحركته بالحياة ، زواجه ، عمله ، يختار عملاً صالحاً ، عملاً فيه نفع للأمة ، لأن ألصق شيء بالإنسان - كما قلت في المرة السابقة - زوجته وحرفته ، فإذا نجح باختيار زوجة صالحة تسره إن نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها ، واختار حرفة فيها نفع للناس ، عنده سلام مع نفسه ، حالة السلام مع النفس رائعة جداً ، لم ينم على ظلم لإنسان ، ولا على غش لإنسان ، ولا على احتيال لإنسان ، نام مستقيماً ، نام مرتاحاً .
لو فاجأه الموت في أي لحظة ، هو جاهز لمقابلة الله عز وجل ، لا يوجد عنده قلق من الموت ، الموت تحفة المؤمن ، الموت عرس المؤمن ، الموت شيء مخيف ، لأن الإنسان سيترك بيتاً فخماً ، ومركزاً كبيراً ، ومالاً وفيراً ، وسيارة فارهة ، ونشاطاً حيوياً كبيراً ، وهو غارق بالشهوات ، بالملذات ، بالسهرات ، باللقاءات ، بالرحلات ، بالسفر ، أما هو التقى مع الواحد الديان ، هو التقى مع أصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، كل جمال الأرض مسحة من جمال الله ، فإذا اتصلت بأصل الجمال فأنت أسعد الناس ، وإن لم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة جداً مع الإنسان ، فالإنسان سعيد ، سعيد حقيقة .
المذيع :
شيخنا ، تحدثتم قبل قليل وفسرتم :
﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
كيف نقف على هاتين الآيتين للتي هي أقوم من حيث الفهم ، وقوله أيضاً :
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ ﴾
مساواة المرأة للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية ولكن في الأزمات القرار لواحد :
الدكتور راتب :
الحقيقة قد نفهم القوامة على أنها تسلط ، فهم خاطئ ، على أنها قوة ، على أنها إخضاع ، لا .
يوجد طياران في الطائرة ، كلاهما يطير بالطائرة ، ولكن في الأحداث الخطيرة القرار للأول .
فالمرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لهذا البيت قيادة واحدة ، في الأزمات ، في الأمور الملمة ، القرار للزوج ، هذا معنى قوامون ، قوامون مرتبة القيادة فقط .
﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾
درجة واحدة فقط ، كلاهما طيار ، لكن بالأزمات القرار لواحد ، فالمرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، ولكن في الأزمات القرار لواحد ، لأن المركبة تحتاج إلى قائد واحد .
المذيع :
وهذا القرار إما للرجل ، أو للمرأة ، أو إنه للرجل فقط ؟
الدكتور راتب :
لا ، للرجل ، والله قال : وشاوروهن .
الشورى حضارة ، آخذ رأيها ، أما القرار بالنهاية للرجل ، هو يستعين برأيها لا يوجد مانع إطلاقاً ، ممكن أن تأخذ وجهة نظرها ، أما إذا كان رأيها بخلاف الشرع فالقرار لك .
المذيع :
شيخنا ، في القرآن توجيهات صحية لو أردنا أن نتعرف عليها ؟
التوجيهات الصحية في القرآن الكريم :
الدكتور راتب :
قال تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
السياق يقتضي وإذا أمرضني :
﴿ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
جاءت الآية :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
ما قال : أمرضني ، هذا ملمح دقيق ، لو طبقت تعليمات الصانع تماماً لا يوجد مرض ، يوجد أكل زيادة إذاً هناك مشكلة ، يوجد أكل من مال حرام إذاً هناك مشكلة ، يوجد أكل غير منتظم إذاً هناك مشكلة .
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
فحينما عزي المرض لذات الإنسان هناك خطأ بتعامله مع الطعام والشراب .
(( نحن قوم لا نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع))
أي أدع فراغاً في المعدة .
المذيع :
شيخنا ، الأجر الكبير المستقبلي الذي تحدثتم عنه كذلك في تفسيركم في قوله :
﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾
من لم يؤمن بالله و يستقيم على أمره عنده قلق كبير من الموت :
الدكتور راتب :
الموت له شبح خطير ، أقول كلاماً دقيقاً جداً ، إنسان يعيش ببحبوحة ، دخل كبير، يأكل ما يشتهي ، يلبس ما يشتهي ، يسافر إلى أي مكان يشتهي ، عنده شبح الموت ، هذا شبح الموت خطير ، أي بلحظة واحدة كل مكانته ، وكل أمواله
الطائلة ، وكل سلطته ونجاحاته الطائلة مبنية على ضربات قلبه
فإذا توقف هذا القلب انتهى كل شيء ، أو مبنية على سيولة الدم ، إن تجمد هذا الدم في شريان ، بمكان يفقد ذاكرته ، فالإنسان في قبضة الله ، وتحت ألطاف الله ، فالإنسان عنده قلق من الموت ، قلق كبير إلا المؤمن ، لأنه هو تعامل مع الله ، واستقام على أمره ، و أحسن إلى خلقه ، فلو أنه مات له عند الله نعيم مقيم ، هذا الخوف الشديد من الموت ، القلق الشديد ، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكن يعطي السكينة بقدر لأوليائه المؤمنين .
القلق من الموت مخيف ، والقلق من الموت قد يغير نفسية الإنسان .
بيل غيتس يملك ثلاثة و ثمانين ملياراً ، وجوبز يملك سبعمئة مليار ، قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، لماذا ؟ لأنه علم عندما يموت انتهى كل شيء ، الموت ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، وغنى الغني ، وفقر الفقير ، وذكاء الذكي ، وغباء الغبي ، ودمامة الدميم ، ينهي كل شيء ، إلا المؤمن ، الموت أدخله بحساباته بشكل دقيق جداً ، ماله حلال ، حركته وفق منهج الله ، زواجه شرعي ، علاقاته مع الآخرين علاقات شرعية ، لا يوجد عنده شيء يخجل منه من الله عز وجل .
تعلق المؤمن بوعد الله عز وجل :
لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
أنت الآن بهذه اللحظة عندك ماض وعندك مستقبل .
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
من المستقبل .
﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
على الماضي ، لأنك أنت ذاهب إلى رحيم ، إلى جنة الله عز وجل ، الوعد بالجنة شيء رائع جداً .
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أذكر مرة إنساناً - قصة طويلة لكن ملخصها - ورث أرضاً ، جاء من يشتريها منه بمبلغ كبير ، ولكنه لن يقبض المبلغ إلا بعد سنة ، لمَ في هذا العام كان أسعد إنسان ؟ يقول: هذه المركبة الراقية سأشتريها ، وهذا البيت سأشتريه ، الله قال :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
المؤمن متعلق بوعد الله عز وجل .
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾
وعد هذا الإله العظيم المؤمن بالجنة ، هذا الوعد يأخذ منه كل متاعبه ، وكل آلامه، موعود بالجنة .
المذيع :
شيخنا ، لو حدثتمونا بارك الله بكم مما أفاض الله عليكم من العلم ، أسأل الله أن يزيدكم وأن يبارك لكم ، إذا تحدثنا عن القرآن وبركته على حياة الإنسان ؟
القرآن وبركته على حياة الإنسان :
الدكتور راتب :
القرآن ربيع المؤمن ، القرآن الجانب الذي يرقى به إلى أعلى عليين ، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، مسافة كبيرة جداً ، كلام خالق الأكوان ، أولاً فيه حكم ، فيه قوانين ، فيه مبادئ ، فيه بشارات .
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
القرآن ربيع القلوب ، كلام خالق الأكوان ، ومرة ثانية : فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه .
لكن القرآن يحتاج إلى تلاوة صحيحة ، وإذا أمكن كما قلت قبل قليل تلاوة مجودة ، ويحتاج إلى فهم ، ويحتاج إلى تدبر ، والتدبر أن تسأل نفسك أيها القارئ : أين أنا من هذه الآية؟ فإذا كنت مطبقاً لها اشكر الله عز وجل وإلا حاول أن تطبقها ، هذا القرآن إذا انقلب إلى سلوك ، إلى فهم ، إلى مشاعر ، إلى أحوال ، إلى أقوال ، عاش الإنسان في رحابه ، وكان أحد أسباب سعادته .
المذيع :
شيخنا ، البشارات في القرآن الكريم ارتبطت بالمؤمنين أم ارتبطت بأعمالهم ؟
تلاوة القرآن تعطي الإنسان معنويات عالية و تعطي القارئ بشارة عظيمة :
الدكتور راتب :
المربوطة بأهل الإيمان الذين يطبقون .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
يوجد مئتا آية :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
مثل شخص على مشارف الموت عطشاً ، وعلم أن هناك نبع ماء صاف ، فالذي علم ولم يذهب مات ندماً ، والذي لم يعلم مات عطشاً ، فالمشكلة إذا كان معك كتاب سماوي يبشرك ولم تعبأ بهذه البشارات هذه مشكلة كبيرة ، لذلك القرآن تلاوته تعطي الإنسان معنويات عالية جداً ، تعطي القارئ بشارة ، الله عز وجل خالق السماوات والأرض يبشر هذا المؤمن ، البشارة أي لك عند الله مكانة ، الموت ينهي كل شيء ، لكن المؤمن له عند الله كل شيء بعد الموت ، لذلك المؤمن عندما يرى مقامه في الجنة يقول : يا رب لم أرَ شراً قط ، وعندما يعرف غير المؤمن مكانه في النار يقول : لم أرَ خيراً قط ، والمسافة كبيرة جداً .
المذيع :
شيخنا ما هي المضامين التربوية التي تستنبط من هذه الآية الكريمة ؟
المضامين التربوية التي تستنبط من إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ :
الدكتور راتب :
المضامين التربوية يجب أن نقرأ القرآن يومياً ، ويجب أن نفهمه ، وأن نتدبره ، وأن نطبقه ، والمساءلة دائماً : أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ والإنسان يحاول أن يطبق، ممكن يكون عندك مصحف قديم كلما رأيت آية فيها أمر ضع تحتها خطاً ، ضع خطاً أخضر ، وإذا فيها نهي ضع تحتها خطاً أحمر ، وطبق الأشياء التي أنت مطبقها ، واعمل أن يكون للقراءات المتأنية المتدبرة علامات ، هذه الآية أمر ، هذه الآية نهي ، هذه الآية بشارة ، هذه الآية تحذير ، هذه قراءة مع التدبر ، القرآن كلام خالق الأكوان .
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم شيخنا ، وشكر لكم ، والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة ، وجميل الاستماع .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته