وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 14 - ثمرات العمل الصالح.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة في هذه اللقاء الجديد من برنامج ربيع القلوب ، الموسم الثاني .
مستمعينا الكرام نواصل معكم تدبر آية من آيات الله في كتابه من سورة النساء قوله تعالى :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 114]

 روى سفيان الثوري بسنده عن حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( كُل كلام ابن آدم عليه لا لَه إِلا أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو ذكر الله ))

[أخرجه الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها]

 فقال سفيان الثوري : أو ما سمعت الله في كتابه يقول :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 فهذا هو بعينه ، أو ما سمعت الله يقول :

﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾

[ سورة النبأ : 28]

 فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول في كتابه :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1 ـ 2 ـ 3]

 فهو هذا بعينه .
 وفي حلقة اليوم مستمعينا الكرام من برنامج : "ربيع القلوب" نتوقف عند هذه الآية من سورة النساء ، نتدبرها مع ضيفنا الدائم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي حياكم الله شيخنا ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 114]

 لو تدبرنا المعنى الإجمالي لهذه الآية دكتور ؟

 

الإنسان ما لم يطلب العلم لا يحقق إنسانيته :

الدكتور راتب :
 أخي الكريم بارك الله بكم ، ونفع بك ، نحن تعلمنا في المدارس أن الكون جماد ، كهذه الطاولة لها طول ، وعرض ، وارتفاع ، وحجم ، لكن النبات بماذا يزيد عليها ؟ بالنمو ، والنبات له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، إلا أنه ينمو ، الحيوان بماذا يزيد عليه ؟ له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو إلا أنه يتحرك ، أما الإنسان المخلوق الأول فله وزن ، وحجم ، وعرض ، وطول ، وارتفاع ، وينمو ، ويتحرك ، إلا أن الله أودع فيه قوة إدراكية ، القوة الإدراكية العقل ، فهذا الإنسان ما لم يطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، ما هذا المستوى الذي لا يليق به ؟ الله قال : 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾ 

[ سورة النحل :21]

 قال :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون :4]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5]

 إذاً الإنسان ما لم يطلب العلم لا يحقق إنسانيته ، ، هذا العلم كيف ينتقل ؟ بالكلام ، فقالوا :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 من عدّ كلامه من عمله فقد نجا ، والإنسان قد يسقط بكلمة ، كلمة واحدة تنتهي حياته ، وقد يرقى بكلمة ، والدين كلمات ، والقرآن كلمات .

 

الابتعاد عن اللغو لأنه كلام فارغ لا يقدم ولا يؤخر :

 لذلك :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

هذا سمي لغواً ، اللغو : الكلام الفارغ الذي لا معنى له ، نمضي به أوقاتنا ، نمضي به سهراتنا ، نمضي به لقاءاتنا ، كلام لا يقدم ولا يؤخر ، لذلك حينما يكون لي هدف كبير بالحياة ، هدفي الآخرة ، أضبط لساني ، أصمت حيث ينبغي أن أصمت ، وأتكلم حيث ينبغي أن أتكلم ، فهذا الكلام جزء من حياتي ، من عدّ كلامه من عمله فقد نجا ، أما الإنسان بكلمة يسقط من عين الله ، كلمة واحدة ينتهي بها ، يوجد أناس كفروا بكلمة ، أناس أهلكوا بكلمة ، فهذا الكلام شيء دقيق جداً ، جاءت الآية :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 هذا ماذا يقال عنه ؟ لغوٌ ، لا يقدم ولا يؤخر ، جالس بسهرة ، نصفها على الأسعار ، ونصفها على ما يفعله الأجانب بنا ، فأنت لا تملك شيئاً ، لا ، أنا أملك شيئاً ، أقاوم لأنجو بنفسي أولاً ، فنحن عندنا نكون خاضعين لما نسمع بشكل مستمر ، ولا يوجد تصفية ، ولا تقييم ، ولا موقف آخر ، هنا مشكلة كبيرة جداً .
المذيع :
 طبعاً هنا فضيلة الدكتور الآية لها سبب نزول خاص ، لكن دائماً نقول العبرة .

البطولة أن نعد كلامنا من عملنا :

الدكتور راتب :
 في النص .
المذيع :
 عموماً .
الدكتور راتب :
 عفواً ، جاءت الآية :

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

[ سورة الطلاق : 2]

هذه الآية وردت في آية الطلاق ، ومن يتقِ الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها ، واضحة سيدي ؟ أما نحن فالآية لو نزعناها من سياقها ، يا الله ! قوانين ، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له منعاً في إتلافه ، من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من تطليقها ، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ، هذه الآية يتكلم الإنسان عنها سنة ، عندما نزعناها من سياقها أعطت معنى قانونياً ، لذلك :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 الإنسان يرقى بكلمة ، ويسقط بكلمة ، وقد يقتل بكلمة ، وقد ينجو بكلمة ، الكلمة شيء مهم جداً ، فالبطولة أن نعد كلامنا من عملنا ، فإذا عددناه من عملنا نجونا ، أما كلام ، يقول لك : كلام ، لا ليس كلاماً ، هو كلام خطير .

(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة ))

[ أخرجه البُخَارِيُّ وأحمد عن أبي هريرة ]

 دقق في هذا الحديث :

(( لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ أخرجه البُخَارِيُّ وأحمد عن أبي هريرة ]

 الكفر كلمة ، والنفاق كلمة ، والإيمان كلمة .
المذيع :
 هل ترى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أن هذه الآية تنطبق على كثير ربما جلساتنا ، واجتماعاتنا المصغرة والموسعة ، تنطبق حتى على مواقع التواصل الاجتماعي الدينية عالمياً ؟

الاستفادة من إيجابيات التواصل الاجتماعي و الابتعاد عن سلبياته :

الدكتور راتب :
 طبعاً ، سيدي هناك أخطار من هذا التواصل مخيفة جداً ، أذكر أن إنساناً خطب امرأة ، فلم يسمح له بالزواج منها ، فجاء بصورتها ، أخذ رأسها ركبه على جسم عار بالفوتوشوب ، وعرضها بالانترنيت ، قُتلت هذه الفتاة ، وهي بريئة .
 قصدي أنه يوجد عندنا تطورات علمية لها أخطار كبيرة جداً ، فالبطولة أن نأخذ ما ينفعنا ، لا أن نأخذ كل شيء من الطرف الآخر ، يوجد بالتواصل الآن أشياء كثيرة ، هناك حالات طلاق ، حالات انحراف خطيرة جداً عن طريق هذا التواصل الاجتماعي .
 حتى يكون كلامي دقيقاً : لو أخذنا إيجابيات هذه الإنجازات ، وتركنا سلبياتها ، أما أن نأخذها بأكملها فهذا شيء خطير جداً .
المذيع :
 لو توقفنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي عند المفردات واحدة واحدة ، لو بدأنا بقوله تعالى :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 ما المراد بالنجوى ؟ وما هو الشكل العصري لهذه النجوى ؟

 

الشكل العصري للنجوى :

الدكتور راتب :
 الحديث ، التواصل الاجتماعي ، الفيس بوك ، اليوتيوب ، الانترنيت ، اللقاءات ، كله هذا تواصل اجتماعي ، القنوات كثيرة جداً ، الإنسان أحياناً يمضي كل السهرات للفجر في شيء لا يقدم ولا يؤخر .أخي الكريم ؛ إذا الإنسان ما عرف سرّ وجوده وغاية وجوده ، إذا ما آمن بالآخرة له شأن خاص ، الشيء الذي يلفت النظر ما وردت كلمة الإيمان بالله إلا ومعها كلمة الدار الآخرة لماذا ؟ الإيمان بالله كي تطيعه ، والإيمان بالدار الآخرة كي لا تؤذي مخلوقاً ، متكاملان بالله وباليوم الآخر ، بالله كي يحملك على طاعته ، وباليوم الآخر كي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً ، والآن يوجد جرائم ارتكبت من خلال التواصل الاجتماعي ، تمت حالات قتل ، فكل شيء له حدود ، البطولة أن تقف عند حدوده الإيجابية ، وأن تركل بقدمك حدوده السلبية ، هذه تحتاج إلى اختيار ، إلى قوة إرادة .
المذيع :
 إلا هنا شيخنا استثنائياً صحصح ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً .
المذيع :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ﴾

[ سورة النساء : 114]

الإنجازات الحضارية مذهلة لكن لها صفة حيادية :

الدكتور راتب :
 هذه الدعوة كلام ، الدعوة إلى الله كلام ، الأمر بالمعروف كلام ، عفواً يوجد شيء يسمونه صفة حيادية ، إما أن يكون سلماً إلى الله ، أو دركات نهوي بها إلى الحضيض ، هناك أشياء كثيرة بالتواصل ؛ أنت سمعت عن محاضرة مهمة جداً ألقاها عالم كبير بأمريكا ، بكبسة زر بالآيباد ترى هذه المحاضرة ، هذا شيء لم يكن من قبل ، ممكن أن تصل إلى معظم المحاضرات المهمة بالعالم بجهاز بسيط ، وهذا الجهاز نفسه ينقل لك مخازي الأمة ، ينقل لك الفسق والانحراف ، فهذا اسمه حيادي ، فالشاشة حيادية ، والآيباد حيادي ، والتلفاز حيادي ، والانترنيت حيادي ، إنجازات حضارية مذهلة لكن لها صفة حيادية ، إما أن تكون سلماً إلى الله، أو دركات تهوي بنا إلى جهنم .
المذيع :
 من أوائل المستثنى شيخنا الصدقة .

﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 وهنا شيخنا لم يكن اللفظ إلا بداية المستثنى قبل المعروف ، وقبل الإصلاح بين الناس ، ما الميزة في ذلك ؟

 

من أنفق ماله في سبيل الله كان مقرباً عند ربه :

الدكتور راتب :
 الصدقة فيها دفع مال ، والمال محبب ، فالذي يدفع ماله إيمانه بالله كبير جداً ، أنفق شيئاً محبباً ، أنفق شيئاً ينفعه ، أنفق شيئاً يدخره ، أنفق شيئاً يقويه ، أنفق مما يحب .

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 92]

 أنفق شيئاً محبوباً ، وعندئذٍ كان عند الله مقرباً .

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 92]

المذيع :
 هنا أمر بالصدقة شيخنا ، هو لم يتصدق لكنه أمر بالصدقة .

 

الأمر بالمعروف :

الدكتور راتب :
 أنت الآن مؤمن ، وأنت دخلك محدود جداً ، ولا تستطيع أن تنفق شيئاً غير الزكاة إن صحت ، إن ملكت نصابها ، صديق ميسور أنت أمرته بالصدقة ، بمشروع ، ببناء جامع ، بإنشاء معهد شرعي ، بعمل صالح ، فالإنسان لو لم يكن يملك هذا المعروف ينبغي أن يأمر بالمعروف ، أمر بصدقة ، أنت أعنه على إنفاق ماله في سبيل الله ، إن أنفقت المال في سبيل الله بقي المال ، أما إن لم تنفقه فذهب المال .
المذيع :

﴿ أَوْ مَعْرُوفٍ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 ما تعريف المعروف ؟

 

تعريف المعروف :

الدكتور راتب :
 سؤال دقيق جداً ، الله عز وجل فطرك فطرة راقية جداً ، والدليل :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم : 30]

 فأنت مولف ، أو مبرمج ، أو مفطور على المعروف ، حينما تنفق المال ترتاح ، إن لم تنفقه تتألم ، أنا آتي بمثل دقيق جداً : شخص دخل لبيته الساعة الواحدة ليلاً ، والدته الحبيبة طلبت منه دواء مسكناً ، قال لها : جميع الصيادلة مغلقة ، سكتت ، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة ، لو فرضنا أنه ركب مركبته وطاف على كل هذه الصيدليات وكان الدواء غير موجود ، في الحالتين الأم لم تأخذ الدواء ، أما في الحالة الثانية فينام مرتاحاً ، بالأولى ينام قلقاً.

 

على الإنسان محاسبة نفسه حساباً عسيراً :

لذلك الإنسان يحاسب نفسه حساباً عسيراً

الإنسان يحاسب نفسه شاء أم أبى ، هذه الكآبة بالعالم الغربي ، الإنسان عندما يبني مجده على أنقاض الآخرين ، وحياته على موتهم، وعزه على ذلهم ، وغناه على فقرهم ، يعمل كآبة بالحياة ، والكآبة مرض خطير ، الحياة سوداوية بالكآبة ، يأتي مؤمن بسيط يقوم بعمل صالح ، يكون باراً بأمه وأبيه ، محسناً لزوجته ، يربي أولاده ، سعيداً ، عندنا مقاييس مادية ومقاييس حقيقية ، قد تسكن ببيت فخم جداً ، وتملك سيارتين أو ثلاث ، ولست مستقيماً على أمر الله ، هناك قلق متنام ، سوداوية ، تشاؤم ، يأتي مؤمن ببيت صغير ، ودخل محدود ، وزوجة صالحة ، وأولاد أبرار ، يقول : أنا أعيش بجنة ، إن لم تقل ولا أبالغ : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني - إن كنت مؤمناً حقيقة - إلا أن يكون أتقى مني عندك مشكلة في إيمانك ، ألا نقول نحن في دعائنا : على أسعدنا محمد .

الفرق بين اللذة و السعادة :

 بالمناسبة ، والشيء بالشيء يذكر : اللذة أخي الكريم تحتاج إلى وقت ، وتحتاج إلى مال ، وتحتاج إلى صحة ، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة ، بالبدايات يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال ، إذاً فقدت اللذة أحد شروطها ، بالوسط يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت ، بالنهاية يوجد مال ووقت لكن لا يوجد صحة ، اللذة دائماً تفتقد أحد شروطها ، أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فأنت أسعد الناس ، غني ، فقير ، قريب ، بعيد ، قوي ، ضعيف ، متمكن ، غير متمكن ، لمجرد أن هذا العبد الفقير انعقدت له مع الله صلة فهو أسعد الناس ، هذه السعادة أن تتصل بالقوي ، بالرحيم ، بالجميل ، بالكريم ، بالمحسن .
المذيع :
 هنا في الآية فضيلة الدكتور أطلق الأمر بالمعروف بالتنكير .

معاناة الإنسان من الكآبة إن لم يدخل الآخرة في حساباته :

الدكتور راتب :
 الله فطرك فطرة عالية جداً ، الحق أودعه في فطرتك ، معروف عندك ، لو شخص دخل لبيته ومعه طعام نفيس ، وأمه جائعة ، أكله وحده ، لو لم يتلقَّ توجيهاً دينياً بحياته من أي جهة دينية ألا يتألم ؟ هذه الفطرة ، والآية واضحة جداً .

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

أنت مبرمج ، مولف على منهج الله ، بمعنى أي أمر أُمرت به جبلك على محبته ، وأي أمر نهاك عنه جبلك على كراهيته ، لذلك الآن يوجد كآبة بالعالم الغربي ، ما هي الكآبة ؟ لا يوجد منهج ، لا يوجد دين ، لكن يوجد أكل مال حرام ، وعلاقة لا ترضي الله مع امرأة ، هذا شيء يعطي النفس كآبة ، والكآبة معاقبة النفس لترك منهج الله ، معاقبة النفس لذاتها لترك منهج الله .
 حدثنا دكتور بعلم النفس ، كان أستاذنا في الجامعة ، من كبار علماء النفس ، قال: الكآبة بالعالم الغربي مئة واثنان وخمسون بالمئة ، فسألناه ما هذه النسبة ؟ المئة مئة أي الكل ، قال : الكل معهم كآبة ، والاثنان والخمسون يعانون من كآبتين ، لمجرد أن تعصي الله يوجد كآبة .
 تدخل لبيت فيه موت ، الموت ينهي هذا البيت ، ينهي هذا القصر ، ينهي هذه المركبة ، السيارة ، الزوجة ، المرأة ، ينهي كل شيء ، فإذا الشخص ما أدخل الآخرة بحسابه عنده كآبة متنامية مع التقدم بالسن ، إذا ما أدخل الآخرة بحسابه ، وعمل لها عنده كآبة متنامية مع التقدم بالسن ، والآن أكبر مرض بالعالم الكآبة ، سيارتان أو ثلاث ، دخل فلكي وهناك كآبة، الذي جمع ثلاثة وتسعين ملياراً بيل غيتس ، قال على فراش الموت : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، فالعلماء استفادوا قالوا : عندنا كسب ، وعندنا رزق ، الرزق ما انتفعت به ، ما أكلت فأفنيت ، ولبست فأبليت ، وتصدقت فأبقيت ، أما الكسب فلم تنتفع به ، لكنك تحاسب عليه .
المذيع :
 المعروف شيخنا هنا أطلق الأمر بالمعروف هل ينهي عن المنكر ؟

 

الفرق بين الفطرة و الصبغة :

الدكتور راتب :
 لا ، المعروف تعرفه بالفطرة ، بدون تعليل ، إن لم تتلقّ درس دين بحياتك، إن لم تسمع كتاباً سماوياً بحياتك ، المعروف جبلت عليه ، برمجت عليه ، ولفت عليه ، هذه الفطرة :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

 والمنكر تنكره بالفطرة ، السرقة تنكر ، الكذب ينكر ، فأنت برمجك برمجة نفسية على محبة المعروف وعلى كراهية المنكر ، هذه الفطرة ، فأنت تحب الخير وقد لا تفعله ، وتكره الشر وقد تفعله ، هذه الفطرة ، أما الصبغة فحينما تصطبغ بهذا المعروف ، أنت الكريم كبير بعينك ، وأنت قد تكون لا سمح الله بخيلاً ، أما حينما ترتقي لمستوى الصبغة تكون قد حققت الكمال العملي ، ليس النظري ، أن تحب الخير شيء وأن تفعله شيء آخر ، أن تحب العدل شيء وقد تفعله شيء آخر ، أن تحب العدل فطرة شيء وأن تفعله صبغة ، أن تحب الإحسان فطرة وأن تكون محسناً صبغة .
 كطرفة ، الذين يسرقون لا يختلفون في القسمة يقول : اقسم بالعدل ، هم سرقوا ، هذا شيء فطري .

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

المذيع :

﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 هذا البند الثالث .

 

النهي عن الإفساد بين الناس :

الدكتور راتب :
 الصلح خير ، النبي الكريم يقول :

(( من فرق فليس منا ))

[أخرجه الطبراني عن معقل بن يسار]

يا لطيف ! من فرق بين أم وابنها ، بين أخ وأخيه ، بين زوجة وزوجها ، لك أخت شقيقة ، وتزوجت إنساناً أخلاقه عالية جداً ، لكن دخله محدود ، فلما سألتها : ماذا قدم لك في العيد ؟ أنت أفسدت العلاقة بينهما ، الفساد في الأرض أن تفسد علاقة طبيعية ، إفساد الفتاة أن تخرجها عن عفتها ، إفساد الموظف أن تخرجه عن نزاهته ، إفساد المعلم أن تفسده عن رسالته، كم دخلك ؟ هناك إنسان همه الفساد ، أن يفسد طبيعة الشيء ، البنت في الأساس عندها حياء، عندها خجل ، عندما ندربها أن تكون وقحة ، تكون جريئة ، تنتقد ، أخرجتها عن أنوثتها ، عندنا امرأة يوجد عندها أنوثة ، أذكر تماماً أن الأنثى شيء رائع جداً ، صفات الأنثى الحياء ، الخجل، قد يحمر وجهها لكلمة غير مقبولة ، هذه اسمها الأنوثة ، أما المسترجلة فقد أصبحت كالرجال ، فلذلك المرأة أجمل ما فيها أنوثتها ، والحضارة الغربية أرادت أن تخرجها عن أنوثتها ، وأن تجعلها بشكل أو بآخر ليست تمتلك هذه الصفة الرائعة .
المذيع :

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة النساء : 114]

 كأن هناك من يفعل ذلك لابتغاء وجه غير الله ؟

 

ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه :

الدكتور راتب :
 لو لم يكن هناك شيء محرم لما كان هناك أجر ، أما أنت عندما تستقيم يوجد مليون دخل غير صحيح تركته ، بتعبير آخر ركلته بقدمك ، دخل غير مشروع ، بالكذب تأخذ المبلغ مضاعفاً ، الرشوة كذلك الرشوة ، أنت عندما تقبل رشوة بدخل حرام سقطت من عين الله ، انتهت علاقتك مع الله عز وجل ، أما عندما تمشي بشكل صحيح فهذا القليل فيه بركة ، أي تفعل في المال القليل أشياء كثيرة جداً .
 أذكر إنساناً كانت زكاته اثني عشر ألفاً و مئتين و خمسين ليرة بالضبط ، أعرفه تماماً ، زوجته ضغطت عليه قالت له : يجب أن نطلي البيت طلاء جديداً ، فلم يدفع الزكاة ، دهن البيت ، له سيارة عمل حادثاً أغرب ما في الحادث أن الفاتورة كانت اثني عشر ألفاً و مئتين و خمسين ليرة ، هذه رسالة من الله .

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه ))

 إذا ما دفع الزكاة عليه عقاب ، أحياناً الله يعطي رسائل دقيقة جداً ، قيمة إصلاح السيارة تساوي زكاة ماله التي لم ينفقها ، أنفقها على طلاء البيت .
المذيع :
 قد نفهم شيخنا أن البعض قد يأمر أن يصلح بين الناس ابتغاء ربما الوجاهة لكن لماذا قد يأمر الإنسان بصدقة أو بمعروف من غير أن يبتغي وجه الله ؟

 

الصدقة نوعان ؛ صدقة لوجه الله و صدقة مراءاة :

الدكتور راتب :
 هذه لا تنفي العكس ، يوجد عبارة اسمها : استثناء للتفصيل لا لطلب العكس ، يوجد صدقة نبتغي بها وجه الله ، وصدقة مراءاة ، أنت بجلسة .
المذيع :
 لكن هو يأمر بالصدقة و لا يتصدق ، يأمر بالمعروف .
الدكتور راتب :
 عنده جمعية خيرية يأمر بها لمصلحة الجمعية ، ممكن ، ينبغي أن يكون أمرك وفق حالك ، وفق إمكانياتك ، أما إذا أنت بجمعية خيرية يجب أن تحث الناس على دفع الأموال ، هو قد يكون دخله محدوداً ، يوجد هكذا حالات .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 أشكرك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، الداعية الإسلامي شكراً جزيلاً لحضورك معنا .
الدكتور راتب :
 بارك الله .
المذيع :
 من إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، شكراً لكم مستمعينا الكرام ، توقفنا في هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب عند قوله تعالى في سورة النساء :

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 114]

 شكراً لكم مستمعينا الكرام على حسن المتابعة والإنصات ، لكم في الختام التحية نلتقي بإذن الله تعالى في حلقة جديدة من برنامج : "ربيع القلوب" ، إلى ذلك الموعد .
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور