- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠2برنامج حياة المسلم 2-مدارج السالكين
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم مستمعينا الأكارم في كل مكان بحلقةٍ جديدة، مع فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً أستاذنا وشيخنا، أهلاً وسهلاً.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
تقبل الله الطاعات، وعيد مبارك شيخنا الكريم، الله يكرمكم يا رب، حلقتنا لهذا اليوم مستمعينا الكرام تحت عنوان عباد الرحمن بعد رمضان، نبدأها بقول الخالق سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
نسأل الله أن يجعلنا من عباد الرحمن الذين يتحقق فيهم رضوانه سبحانه وتعالى ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام:
(( الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ: كَفَّارات لما ما لم تُغْشَ الكبائر ورمضان إلى رمضانَ: مُكَفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر))
انتهى رمضان، وعلى شوقٍ لرمضان المقبل، يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ صَام رمضانَ وأتْبَعَهُ بِستّ من شَوَّال كان كصيامِ الدَّهْرِ ))
دكتور الهمم كبيرة، والأجواء الإيمانية كبيرة في شهر رمضان، لكنه انقضى، نحن في شهر شوال كيف لعباد الرحمن أن يبقوا كما كان حالهم في رمضان؟
مفهوم العبادة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أخي الكريم الحبيب.
المذيع:
أعزك الله يا دكتور وأكرمك.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، لهذا السؤال الدقيق، عندنا مصطلح متداول، يُعبَّر عنه بكلمة علة الوجود، أو بتعبير آخر سبب الوجود.
كنت أقول دائماً لو بعثت ابنك إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، مدينة عملاقة، مترابطة الأطراف، كبيرة، فيها مسارح، فيها دور سينما، فيها دور لهو، فيها جامعات، فيها أسواق، فيها متاجر، سبب وجود ابنك بهذه المدينة فقط الدراسة، الدراسة وطلب العلم، لينال الدكتوراه من السوربون، هذا لا يمنع أن يدخل مطعم ليأكل، يجلس بحديقة ليتنزه، يقتني كتاباً ليقرأه، لكني أصر على كلمة علة الوجود، سبب الوجود، الله قال:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
العبادة بتعبير واسع، خضوع لمنهج الله، خضوع لتعليمات الصانع، خضوع للخبير.
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
هذه هي العبادة، لكن الله عز وجل يعلم أن هذه العبادة قد تضعف، فجعل شهر رمضان، موسم مكثف، موسم عبادة مكثف، فيه قيام ليل كل يوم، التراويح، فيه صلاة فجر بالمسجد كل يوم، ولا يغيب عن إخوتي الكرام المستمعين.
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
شيء آخر أنا أعني ما أقول: لو أن شخصاً فرضاً في هذا البلد الطيب، عليه مبلغ طائل كدين، جاءه عرض أنه في خلال شهر لو فعل كذا وكذا سيُعفى من هذا الدين، شيء لا يصدق، لا أعتقد نه سيتوانى ثانية واحدة.
المذيع:
فرصة لا تعوض.
الفرق بين الشرك والتوحيد :
الدكتور راتب :
لذلك.
(( من صام رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ))
فرصة رمضان فرصة كبيرة جداً، كأنك فتحت مع الله صفحة جديدة، كأن كل ما عليك من أشياء، ليست متعلقة بحقوق البشر فقط، بالمناسبة هناك ذنبٌ يُغفَر، ما كان بينك وبين الله، وعبروا عنه الصلحة بلمحة، هناك ذنبٌ لا يُترك، ما كان بينك وبين العباد، هذا يغفر بإحدى حالتين إما الأداء أو المسامحة، أما الذنب الذي لا يُغفر هو الشرك سأوضحه للأخوة المستمعين:
مثلاً إنسان معه أزمة قلبية حادة، وبيته له طريقان: طريق نحو اليمين يُوصل للمستشفى وطريق نحو اليسار نحو متنزه، لو أخذناه إلى متنزه، مات، هذا الشرك، توجهنا لغير الله، لو أخذناه إلى المستشفى هناك أمل كبير أن يشفى من مرضه.
لذلك ذنبٌ لا يغفر، وهو الشرك، توجه إنسان لغير الله، لجهةٍ أرضية، لا تقدم ولا تؤخر، أما التوحيد أن تتوجه إلى الله، لذلك قالوا: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
الآن الهمم قد تضعف، العادات والتقاليد قد تتفاقم، وقد تتناقض مع الشرع الحنيف، هناك عادات وتقاليد في كل بلد، يأتي رمضان دورة تدريبية مكثفة، فيها صلاة فجر كل يوم، فيها قيام ليل، فيها ترك المتاح، أنت في كل أشهر العام تترك المحرم، أنت في شهر رمضان تدع المباح، تدع ما أبيح لك قطعاً، كالطعام والشراب، فإذا تركته هل يعقل أن ترتكب الحرام؟ من باب أولى، أي لا يمكن أن ترتكب معصية برمضان، فكأن الله أعانك على أن تصطلح معه لشهرٍ كامل، كل شيء أراده الله، أراد به الاستمرار، أقصد بذلك أن عملاً تدوم عليه، أفضل من أكبر شيء ينقطع عنك.
المذيع:
حسناً دكتورنا الكريم، في شهر رمضان الأجواء الإيمانية، المساجد التي تصدح بأصوات التكبيرات لصلاة التراويح، تشجع الناس أكثر للعبادة، لكن بعد رمضان تذهب هذه الأجواء.
الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري :
الدكتور راتب :
أنت في أمس الحاجة بعد رمضان، إلى حاضنةٍ إيمانية، إلى مجتمع مؤمن، إلى سهرة مع مؤمنين، إلى نزهة مع مؤمنين.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
أريد أن أنبه الأخوة المستمعين والمشاهدين إلى ملمح لغوي دقيق جداً، ما معنى أغفلنا؟ قد يتوهم أننا جعلناه غافلاً، لا، معناه وجدناه غافلاً.
المذيع:
وجدناه.
الدكتور راتب :
وجدناه غافلاً، هذه ليست تعدية تفعيل، تعدية وجود، يعني مثلاً عاشرت القوم فما أبخلتهم، ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، ما وجدتهم جبناء.
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا﴾
أي وجدناه غافلاً، لا يمكن، مستحيل ومليار مستحيل أن ينسب الإضلال إلى الله، أما إذا عُزي في ظاهر النص إلى الله، فهو الإضلال الجزائي، المبني على ضلال اختياري.
المذيع:
حسناً دكتور، ألا يوجد في النص القرآني:
﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ﴾
الإنسان مخير وهو صاحب الاختيار :
الدكتور راتب :
إذا عُزي الإضلال إلى الله، فهو الإضلال الجزائي، المبني على ضلال اختياري الدليل:
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
يقاس على هذه الآية كل شيء.
المذيع:
للتأكد من أنني فهمت على فضيلتكم، إذاً الإنسان مخير وهو صاحب الاختيار إما أن يكون مهتدياً، أو أن يكون ضالاً.
الدكتور راتب :
اسمح لي بدقيقة، مخير، الدليل.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾
الوحي، والقرآن، والسنة، العلماء الربانيون، هو مخير إما أن يكون مهتدياً كما هداه الله، أو أن يعصي الله.
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾
هو.
﴿ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً :
إلا الذين أشركوا ماذا يقولون:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
لا يمكن أن يعزا الإضلال إلى الله، ولا الإشراك، ولا المعصية، الحقيقة أن المعصية عمل، تحتاج إلى قوة، أما هو الباعث للمعصية فتحاسب عليه، الباعث، أنت محاسب على الباعث، لأنه إذا ألغينا الاختيار، ألغينا الدين، والجنة، والنار، والثواب، والعقاب، وأصبحت الحياة تمثيليةً سمجة.
المذيع:
وهذا لا يتناسب مع العدالة الإلهية في الحساب.
الدكتور راتب :
للتوضيح للأخوة المستمعين: هل تعتقد أنه في الأرض كلها في الخمس قارات، في الدول كلها، مدير مدرسة ضخمة جداً، في أول يوم بالعام الدراسي، يجمع الطلاب في الباحة العامة، ويقول لهم: سأتلو عليكم أسماء الناجحين آخر العام وأسماء الراسبين.
المذيع:
سيلغي العمل.
الدكتور راتب :
ألغى العمل كله، اسمع النص: لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
المذيع:
ونعم بالله.
الإنسان مخير ولو ألغي الاختيار ألغي الدين كله :
الدكتور راتب :
أما حينما تقرأ قوله تعالى:
﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
تماماً كما لو أن جامعةً في الفحص النهائي، فحص اللسانس، وزعت الأوراق، وقد طبعت عليها الإجابة التامة، والعلامة الحمراء مئة من مئة، هذا نجاح لا قيمة له، لا عند الجامعة، ولا عند الطلاب، ولا عند أولياء الطلاب، هذا معنى قوله تعالى أو ما يشبه لك.
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾
المقصود الهدى القسري، لا قيمة له لا عند الله، ولا عند الناس، ولا في المجتمع، لا بد من أن تكون مخيراً، لأنك مخير واخترت الحق ترتقي، مخير واخترت الطاعة ترتقي، مخير واخترت العطاء ترتقي، لو ألغي الاختيار ألغي الدين كله.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾
هو.
﴿ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
عقيدة الجبر أخطر عقيدة يتوهمها الناس :
أخطر آية:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾
شيء خطير، إذا توهم الإنسان أنه مجبر، انتهى الدين، انتهى التكليف، انتهى الاختيار، انتهت إنسانية الإنسان، انتهى كل شيء، وأصبح كل شيء تمثيلة سمجة.
المذيع:
يقول هذه الكلمات دكتور من لا يريد تأنيب الضمير، حتى لا يشعر أنه قصر بحق الله، دكتور قبل أن نقف إلى الفاصل، نتأكد أنني فهمت على فضيلتكم بشكل كامل، ربنا خلق البشر جميعاً، وفتح أبواب الهداية لكل الناس، المؤمن، والكافر، ولد مؤمناً، ولد نصرانياً، يهودياً، أياً كانت ولادته، الإنسان هو صاحب العقل والاختيار، فإن اهتدى فربنا يتمم عليه الهداية، وإن شاء أن يكون فاجراً، أو ضالاً، فالله سبحانه وتعالى يحاسبه على ضلاله الذي اختاره هو، لكن ليس ربنا من يختار اختياراً عشوائياً، فلان متدين، فلان كافر، فلان كذا.
الدكتور راتب :
هذا جبر.
المذيع:
وهذا قمة العدل الكامل.
الدكتور راتب :
عقيدة الجبر، أخطر عقيدة يتوهمها الناس.
المذيع:
تلغي مسؤوليات.
الفرق بين قضاء الله وقدره وبين التكاسل :
الدكتور راتب :
مثلاً الله لم يكتب له أن ينجح، يعني عفواً، طالب ما درس فما نجح، يقول: الله ما كتب لي النجاح، هذا الكلام ليس خاطئاً، ما سمح لي أن أنجح.
المذيع:
تكاسل.
الدكتور راتب :
قدر عليّ الرسوب، لا، قل: هذا جزاء تقصيري.
المذيع:
أحياناً يدرس الطالب ولا ينجح دكتور.
الدكتور راتب :
درس درجة أولى، في الطريق حدث له حادث، سيارة صدمته، أخذوه إلى المستشفى، فلم ينجح.
المذيع:
هنا نقول: قدر الله.
الدكتور راتب :
هذا ما قدر الله وما شاء فعل.
المذيع:
أما من تكاسل عمداً، فهذا تقصيره.
معادلات كونية تطبق على المؤمن والكافر :
الدكتور راتب :
أنا حينما أعزو خطأي إلى القضاء والقدر، ارتكب بحق نفسي جريمة، فأحاول أن أخفف عن نفسي.
المذيع:
والدليل دكتور، أن بعض الأشخاص غير المؤمنين بالله، أيضاً إن درس ينجح فهذه معادلات كونية تطبق على المؤمن والكافر، الله يفتح عليكم.
الدكتور راتب :
لكن في ملمح دقيق، سيدنا عمر، رأى إنساناً يشرب الخمر، فلما أراد أن يعاقبه، قال له: يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك، اسمع ماذا قال سيدنا عمر، قال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، هل هناك أوضح من ذلك؟
المذيع:
بارك الله بكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
أتمنى من الأخوة المشاهدين، والمستمعين، عندما يكون هناك تقصير لا مانع، أنا مقصر، لا تعد تقصيرك قضاءً وقدراً، ما درست، فما نجحت، قل: والله أنا ما درست، ولا تقل: الله لم يكتب لي النجاح.
المذيع:
كيف نحل هذا التقصير وكيف نتصرف بعد رمضان؟ هذا حوارنا المطول مع فضيلتكم. شيخنا الكريم دكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بفضيلتكم من جديد.
كيفية التصرف بعد رمضان :
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
في قول النبي عليه الصلاة والسلام.
((وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ))
كيف يمكن للمسلم أن يستثمر هذه القاعدة النبوية في حياته من بعد رمضان؟
الدكتور راتب :
الحقيقة رمضان كما قلت قبل قليل: دورةٌ مكثفة، فيها قيام ليل كل يوم، فيها صلاة فجر كل يوم لكن طبعاً بالمسجد اختلف الوضع، فيه جماعة، والمسجد ممتلئ عند الفجر، وفيه غض بصر قطعاً، وفيه البعد عن الغيبة والنميمة، فيه بالإضافة إلى ترك الطعام والشراب، مئات الأوامر المسلم العادي تركها في رمضان، الآن إذا عاد إليها بعد رمضان، سامحني بهذه الكلمة قالها أحمد شوقي:
رمضان ولا هاتيها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
***
انتهى رمضان كله، أقسم لك بالله، وكأنه لم يصم رمضان، إذا عاداتنا، وتقاليدنا، والغيبة، والنميمة، والاختلاط، وإطلاق البصر، وكل شيء كما كنا قبل رمضان، كأننا ما صمنا رمضان، كل عام هناك نقلة نوعية، السنة الثانية كذلك، الثالثة كذلك، والرابعة وهكذا، أما رمضان عند الناس، أو عند بعض الناس، أو معظم الناس، شهر ولائم ومسلسلات، أقسم لك بالله وكأنهم ما صاموا، إذا كان مجرد طعام وشراب، الكثير من الناس يزيد وزنهم بعد رمضان، هذه هي الحقيقة العميقة جداً، دورة تدريبية، صحية، لصيانة معظم أجهزة الجسم، وترميمها، ومعالجتها، فإذا كان رمضان طعام وشراب، ثلاث وجبات انتقلت من النهار إلى الليل، مع سهر على المسلسلات، وغيبة ونميمة، والله ولا أبالغ كأنه ما صام رمضان، متى يقبل رمضان؟ عند الطاعة، وترك الغيبة والنميمة، أما إطلاق البصر، وهذه المسلسلات غير الهادفة، الماجنة، المنحرفة، ما استفدنا شيء، فلذلك رمضان شهر الولائم، والمسلسلات لدى عامة الناس.
المذيع:
تقصد أن ما اعتاد عليه الإنسان من عبادات انضباط في رمضان، عليه أن يسعى إلى مواصلته، ولو بحد أقل دكتور؟
قليل تدوم عليه خير من كثير ينقطع :
الدكتور راتب :
ليكون ما بعد رمضان درج.
المذيع:
دكتور في رمضان مثلاً، يصلي كثيراً من الناس التراويح ثماني ركعات، لا يستطيع أن يبقى على قيام الليل فيما بعد رمضان، ثماني ركعات.
الدكتور راتب :
ركعتان.
المذيع:
لو خفض العدد.
الدكتور راتب :
لا ركعتين فقط، قبل الفجر، استيقظ الساعة الرابعة والنصف للفجر، لماذا لا يستيقظ الرابعة والربع؟ ركعتي قيام الليل، أو قبل أن ينام، تهجد، قبل أن يستيقظ قيام، قبل أن ينام تهجد، أي: قليل تدوم عليه، خير من كثير ينقطع.
المذيع:
إذاً أفهم من فضيلتكم دكتور.
الدكتور راتب :
((وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ))
المذيع:
أفهم من فضيلتكم دكتور، أن الفرائض هذه لا يستطيع الإنسان أن يتناساها كالصلوات الخمس، والمحرمات كالغيبة، والنميمة، والربى، أيضاً لا اقتراب منها، العبادات كقيام الليل، وختمة القرآن الكريم، لو لم يستطع الإنسان أن يكون بنفس المقدار الذي كان عليه في رمضان، في الشهور التي تلي رمضان؟
على المؤمن أن يحافظ على العبادات بعد رمضان حتى وإن قلّ المقدار :
الدكتور راتب :
يقل كثيراً.
المذيع:
لكن عليه أن يحافظ عليها، لا يهجرها.
الدكتور راتب :
ركعتان قبل الفجر تعد قيام ليل.
المذيع:
لكن يجب ألا يهجرها الإنسان.
الدكتور راتب :
وركعتان قبل أن تنام، تعد تهجداً.
المذيع:
ما رأيك دكتور، فيمن يهجر؟ أقصد في رمضان كان له وردٌ يوميٌ، مثلاً يقرأ جزءً من القرآن، بعد رمضان لم يعد يمسك المصحف.
الدكتور راتب :
مثلاً كنت تقرأ جزءً، اقرأ خمس صفحات بعد رمضان، اقرأ صفحة واحدة.
((وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ))
المذيع:
صفحة واحدة لكن بشكل دائم، يومياً.
الدكتور راتب :
لكن، أبداً!
المذيع:
أفضل من أن يتحمس يوماً، فيقرأ مثلاً عشر صفحات، ثم يهجر المصحف بعد ذلك، جميل.
نحن نحب أن ننوه لمستمعينا الكرام، الراغبين بالمشاركة بهذا الحوار، في موضوعنا عباد الرحمن بعد رمضان، مرحباً باتصالاتكم مباشرة.
طرفة بين الشيخ الشعراوي وأحمد شوقي :
الدكتور راتب :
لكن.
المذيع:
تفضل دكتور.
الدكتور راتب :
قبل أن نتابع، طرفة، مرة الإمام الشعراوي رحمه الله، التقى مع أحمد شوقي قبل أن يموت، قال له، كيف تقول:
رمضان ولا هاتها يا ساقي مشتاقةٌ تسعى إلى مشتاق
***
فأجاب شوقي، ألم تقرأ قوله تعالى:
﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾
دافع عن نفسه بآية قرآنية.
المذيع:
كلام فقط، شيخنا في قول النبي عليه الصلاة والسلام.
((مَنْ صَام رمضانَ وأتْبَعَهُ بِستّ من شَوَّال كان كصيامِ الدَّهْرِ ))
ما الملمح الإيماني دكتور، رمضان ثلاثون يوماً، من يصوم ستة أيام بعدها، والشهر الذي يليها بالضبط؟
الحكمة من صيام رمضان وستة من شوال :
الدكتور راتب :
مرة كنت مسافراً من حلب إلى دمشق، لفت نظري أن المركبة الكبيرة بولمان وصل إلى المكان النهائي، والمحرك لم ينطفأ، فسألت، قالوا لي: هذا المحرك ذو جهد عال جداً، يجب أن يمضي فترة معينة، وهو يعمل فقط بجهد خفيف، وأيضاً قبل أن نجهز المحرك هناك تحمية، وهناك تبريد.
فكأن الركعات القبلية في الصلاة تحمية، والركعات البعدية تخفيف، تبريد، فالمركبة الحديثة لا بد من ربع ساعة تحمية للمحرك، أينما كانت موجودة، حتى في السيارات الصغيرة، ولا بد من اطفائه بعد وقف، حتى يخفف، فكأن السُّنة القبلية تحمية، والبعدية تبريد، الآن أنت صمت ثلاثين يوماً في رمضان، ستة أيام من شوال تبريد، عبادة بعد الصيام وعبادة قبل الصيام.
المذيع:
بارك الله بك يا دكتور، فإذاً حتى الإنسان لا ينقض عهده بالصيام يبقى ولو بمستوى أقل.
الدكتور راتب :
يعني الحقيقة الدقيقة، والصارخة، والمهمة: لا يفطر إلا على المباح فقط في رمضان، بعد رمضان، كالطعام والشراب، واللقاء الزوجي، لكن لا يوجد غيبة، نميمة، متابعة مسلسلات لا ترضي الله، سهرة مختلطة فيها عورات مكشوفة، هذه كلها يجب أن تمتنع عنها بعد رمضان، حتى يكون درج، وليس صعوداً وهبوطاً.
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقةٌ تسعى إلى مشتاق
***
المذيع:
لكن يعتبر شيء طبيعي دكتور، أن يقل مستوى العبادة، كما قلنا في القيام من ثماني ركعات إلى ركعتين.
ما يعين الإنسان على الثبات بعد رمضان :
الدكتور راتب :
ركعتان قبل الفجر قيام، وركعتان قبل النوم تهجد.
المذيع:
هذه القلة دكتور في النوافل، أما الفرائض لا يمكنه أن يقترب منها.
الدكتور راتب :
لا تتغير.
المذيع:
ما الذي يمكن أن يعين الإنسان دكتور على الثبات في شهر شوال؟ ذكرتم قبل قليل الصحبة الصالحة، والبيئة الصالحة.
الدكتور راتب :
﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
هذه آية، الثانية:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا﴾
أي وجدناه غافلاً.
﴿ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ولا يدلك على الله مقاله :
لا بد من صحبةً صالحة، لذلك هناك نقطة دقيقة جداً، أحب أن أوضحها للأخوة المستمعين والمشاهدين: عندنا شيء اسمه لعبة شد الحبل، مع أي فئةٍ، مع أي جماعةٍ، مع أي سهرةٍ، مع أي لقاءٍ، هؤلاء الذين سهرت معهم، أو ذهبت معهم نزهةً، إن استطاعوا أن يشدوك إلى معصيتهم دعك منهم، أما إن استطعت أن تشدهم إلى دينك ابقَ معهم، ما الضابط؟ لعبة شد الحبل، إن شددتهم إلى ما أنت عليك ولو بدرجات متدنية، ابقَ معهم، وإن شدوك إلى ما كنت عليه، إلى ما هم عليه من معصية، انسحب منهم بالتدريج.
أعرف إنساناً كان مدمن خمر، في إحدى مدن سوريا، ذهب إلى الحج وتاب إلى الله توبة نصوحة، لكن مشكلته أنه ما ترك رفقاء السوء، رجع إليهم، بعد حين قال له أحدهم: لمَ لا تشرب؟ قال له: لقد تبت إلى الله، وذهبت إلى الحج، قال له: كم كلفك الحج؟ قال له: كلفني خمسين ألفاً، قال له: هذه خمسون ألفاً، اشرب، فشرب وبعد عشرة أيام توفاه الله، ذهبت حجته، وتوبته أيضاً، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله.
المذيع:
بارك الله بكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
الصحبة الصالحة، أنت بحاجة إلى صحبة صالحة، إلى حاضنة إيمانية، إلى سهرة مع مؤمنين، أما في علاقات العمل لا شيء فيها، لو كان رئيس الشركة ملحد، لا يهمك، جئت على الوقت وغادرت، هذه ليست علاقات حميمة، هذه تسمى علاقات عمل، لا علاقة لها.
المذيع:
هذا التوازن في حياة المسلم.
الدكتور راتب :
أما العلاقات الحميمة، سفر، سياحة في الصيف عشرة أيام.
أذكر قصة مؤلمة جداً، سفرة مختلطة إلى الساحل، رجعوا هذا طلق زوجته، وهذا طلق زوجته، كل منهما وجد الثاني أفضل، وتبادلا الزوجات. فالاختلاط يا أخي الكريم، وترك الضوابط الشرعية، له متاعب مستقبلية.
أسئلة المستمعين :
المذيع:
أكرمكم الله يا دكتور، محمود تفضل.
المستمع:
السلام عليكم، حياك الله أنت وضيفك الكريم، أخي الكريم إذا سمحت لي بهذا التعقيب نحن ما زلنا بهمة رمضان، ولذلك نحن قادرين أن نبعث الهمة والنشاط للمسلمين، أي لا زلنا في شوال، نريد أن تستمر الهمة التي كانت في رمضان، لذلك علينا أن نحث الناس ونحث المسلمين أن يستمروا بالهمة العالية التي كانت عندهم في رمضان، من الممكن أن نخسر قليلاً، لكن تبقى مستمرة إن شاء الله، لأن هدفنا عظيم في مرضاة الله عز وجل، والجنة تحتاج إلى جد واجتهاد، وعمل إن شاء الله، وإخلاص لله سبحانه وتعالى.
المذيع:
بارك الله فيك أخي محمود، شكراً لك ولمشاركتك معنا، شكراً جزيلاً، من محمود ننتقل إلى اتصال جديد، أبو ريان معنا تفضل.
المستمع:
يعطيك العافية، والله أنا أحب أن أسلم على الدكتور محمد راتب النابلسي، نقول له: أمدك الله بالصحة إن شاء الله، نحن نجد فيه صراحةً الخطيب، والإمام، والمفكر، صراحةً في الدين هو من أكثر الشيوخ الذين نحن صراحةً نستمع لهم، ونتابعهم، ونتابع كلامهم الشيخ والدكتور محمد راتب النابلسي.
المذيع:
أكرمك الله يا رب، وإن شاء الله البركة في كل علماء الأمة، إن شاء الله.
على المؤمن ألا يدخل في التفاصيل :
الدكتور راتب :
بارك الله بك.
المستمع:
ما شاء الله البركة فيه، وكلامه لا يتغير أبداً، جزاه الله خيره إن شاء الله.
المذيع:
تفضل يا أبو ريان شاركنا إذا عندك استفسار، أو سؤال.
المستمع:
والله عندي استفسار للشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، اليوم صباحاً كنا في الباص ذاهبين إلى الدوام، فوقف شيخ متدين قليلاً، فبدأ بالشباب وبالدين، وقال لنا: أنتم تمشون إلى الغلط، فكان جوابي له: قبل أن تلبس العباءة واللحية، اذهب ونظف قلبك، فهل أخطأت في حقه بهذا الكلام؟
المذيع:
تأخذ الجواب من الدكتور محمد، شكراً لك أبو ريان، يبدو أبو ريان دكتور تعرض لموقف، كما قال كان النصح بطريقة غير لطيفة، تعليق فضيلتكم شيخنا.
الدكتور راتب :
إن كنت مخطئاً أرجو الله أن يغفر لي، وإن كنتَ كذلك أن يغفر لك، متوازنة تماماً إن كنتُ مخطئاً أسأل الله أن يغفر لي، وإن كنتَ مخطئاً أن يغفر لك، ألطف جواب.
المذيع:
وألا يدخل الإنسان في التفاصيل، جزاك الله خيراً.
شيخنا الكريم، من بعد شهر رمضان المبارك كثير من الأشخاص يبدؤون عهداً جديداً مع الله سبحانه وتعالى، مثلاً التي لم تكن محجبة، بفضل الله تحجبت وبقيت، والذي لم يكن يصلي، واظب على صلاته، واستمر فيها، هل هذا الثبات، وهذا العهد الجديد، يمكن أن يمحو ما كان من تقصير قبل رمضان دكتور؟
أنواع التوبة :
الدكتور راتب :
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
طبعاً، إلا إذا كان في حقوق العباد، مثلاً في دَين، يجب أن يؤدى الدين، أما ما كان بينك وبين الله، صفحة جديدة، الصلح مع الله صفحة جديدة.
المذيع:
هذه التوبة تغفر كل ما كان.
الدكتور راتب :
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
لذلك ذنبٌ يغفر، ما كان بينك وبين الله، وذنبٌ لا يترك، ما كان بينك وبين العباد يغفر بالأداء أو المسامحة، وذنبٌ لا يغفر هو الشرك بالله.
المذيع:
أعاننا الله على التوبة النصوح بإذن الله رب العالمين، شيخنا الكريم أيضاً في حديثنا عن عباد الرحمن ما بعد رمضان، وكيف يمكن للإنسان أن يبقى في هذه الهمة؟ هل تنصح دكتور المستمعين، في صيام مثلاً ستة من شوال بأيام متتالية أم فردية؟ أم هي قضية فردية؟
الصيام بعد رمضان قضية مطلقة :
الدكتور راتب :
هذه قضية مطلقة، والمطلق على إطلاقه، ممكن متتابعة وممكن متباعدة.
المذيع:
كل إنسان حسب الطريقة التي يرتاح لها، هل يعيد الانسان في البيت كل صيام مثل رمضان، وسفرة فطور، وأداء للعبادات، يعيدها وكأنها ذات الأجواء؟
الدكتور راتب :
لا، لا يوجد تفاصيل ملزمة.
المذيع:
كل إنسان بالطريقة التي يرتاح لها.
الدكتور راتب :
أبداً، لا يوجد تفاصيل ملزمة.
المذيع:
شيخنا الكريم أيضاً، في القضايا التي تعين الإنسان في ما بعد شهر رمضان قضية العلم، في رمضان كثير من المحطات الفضائية، والإذاعات، تبث البرامج الدينية ومجالس العلم، بعد رمضان تقل دكتور، كيف ممكن للإنسان أن يستفيد؟
على المؤمن أن يقوي إيمانه بالعبادات دائماً :
الدكتور راتب :
تقل غير تختفي، تقل مقبولة، لكن لا بد من مجلس علمٍ طوال العام، لأن هذا الهاتف الذي بين أيدينا كلنا، الهاتف الخلوي، قد يكون غال جداً، قد يكون من أغلى أنواع الهواتف، إذا لم تشحنه، أصبح قطعة بلاستيك لا تساوي شيئاً، فإذا كان هاتف لا بد من شحن يومي له فكذلك الصلاة شحن يومي، خمس صلوات، والجمعة شحن أسبوعي، ورمضان شحن سنوي، والحج شحنة العمر، لا بد من شحن، من دون شحن قطعة بلاستيك، ما عاد هاتفاً.
المذيع:
الله يفتح عليكم يا دكتور. أبو عبدو حياك الله بمشاركة جديدة تفضل.
المستمع:
السلام عليكم، الله يعطيكم العافية يا سيدي، شكراً لكم ولإذاعتكم، وللدكتور، ولرفيق العمل، أنا عندي مسألتين إذا في مجال؟
المذيع:
تفضل، لكن أرجو ألا يكون فتاوى، وإنما في موضوعنا ما بعد رمضان.
المستمع:
لا ليس فتاوى إن شاء الله، المسألة الأولى عندي سؤال أنه في قصة عن سيدنا عمر رضي الله عنه، أنه رأى رجلاً بالمسجد يدعو الله، فقال له: اخرج من المسجد فإن الله لا ينزل من السماء ذهباً ولا فضة، أو شيء من هذا القبيل، حول هذه القصة إذا سمحتم هذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية: إذا سمحتم، الدكتور جزاه الله خيراً، كان له مشاركات في مساعدة الأزواج للحصول على أثاث بيت، لمساعدة الأزواج السوريين، أنا زوجت ابنتي لسوري.
المذيع:
أخي أبو عبدو، القضايا الشخصية سامحني مكانها ليس على الهواء الله يجزيك الخير، سأسأل الشيخ إذا كان عنده تفاصيل، نحن سنتواصل معك، شكراً لك يا أبو عبدو.
لننتقل إلى اتصال أخينا معاذ، تفضل أخي معاذ.
المستمع:
السلام عليكم، كيف حالك، أريد أن أسلم على الدكتور محمد، والدتي تريد أن تتكلم معك، حلمت فيك حلماً، وهي على الخط.
السلام عليكم، بارك الله فيك، وأعطاك إن شاء طول العمر بإذن الله أنت وأمثالك، حفظك الله لنا أنت وعلمك، إن شاء الله نستفيد منك، أنا شاهدت بالرؤيا ما شاء الله ثلاث مرات، فأحببت أن أصل إليك سبحان الله، جعلني الله أتكلم معك، اللهم صلّ على سيدنا محمد، كنت في الرؤيا أقول لك: يا شيخ راتب النابلسي، الكلام يخرج من فمك فيكون مثل الذهب، فرحت جداً بهذه الرؤيا، وقلت: يا رب تصله هذه الرؤيا، ويعرف بها.
البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
الدكتور راتب :
وصلت بارك الله فيكِ، وأعلى قدرك.
المستمعة:
الرؤيا طويلة وكنت أسجلها على الدفتر وأدعو إلى الله، لكني ضعيفة ولست قوية في الدعوة.
الدكتور راتب :
بارك الله بك.
المذيع:
إن شاء الله، تدعو لها بالعافية دكتور.
الدكتور راتب :
شفاكِ الله شفاءً تاماً لا يغادر سقماً.
المذيع:
شكراً جزيلاً لك يا خالة لمشاركتك معنا، الله يجزيكِ الخير.
حتى يكون معنا مزيد من المشاركات دكتور، أبو عبدو سأل عن قصة سيدنا عمر بن الخطاب، حينما كان إنسان يدعو في المسجد، فقال له: السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، إذا كان لك توجيه في هذه القصة دكتور.
الدكتور راتب :
رأى سيدنا عمر جملاً أجرد، قال: يا أخ العرب، ما تصنع بهذا الجمل؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال: هل جعلت مع الدعاء قطراناً.
القاعدة الأساسية الهامة، الأصيلة في ديننا، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا ليس سهلاً، لأن العالم الآخر أخذ بالأسباب بشكل مذهل ونسي الله فوقع في وادي الشرك، والعالم الإسلامي لم يأخذ بها أصلاً، وقع في وادي المعصية، أن تأخذ بها وكأنها كل شيء وقعت في وادي الشرك، وألا تأخذ بها وقعت في وادي المعصية، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
والترتيب مقصود دكتور، أن يبدأ الإنسان بالأسباب، ثم يوكل أمره لله.
الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :
الدكتور راتب :
مثلاً شخص أحب أن يذهب إلى العقبة بالأردن، وعنده سيارة، يفحص المحرك والزيت والمكابح، يراجع كل شيء، وبعد ذلك في أعلى درجة من التوسل إلى الله، يا رب سلم أنت المسلم، هذا هو الدين.
المذيع:
ما أجمل التوازن.
الدكتور راتب :
أما أنا لا آخذ بالأسباب، وأتفاجأ بخطأ أودى بحياة الأسرة كلها، هي المشكلة، الغرب أخذ بها أخذاً مذهلاً واعتمد عليها، فوقع في وادي الشرك، والشرق لم يأخذ بها أصلاً وقع في وادي المعصية، أما البطولة أن تجمع بينهما، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
لماذا عندما النبي الكريم في بدر دعا الله حتى وقع رداؤه، من طمأنه؟ الصدّيق، أيعقل أن يكون الصدّيق إيمانه أعلى من إيمان رسول الله؟ مستحيل، بِمَ فسرت إذاً؟ خاف النبي الكريم أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما يجب، فقلق.
فأنت أن تأخذ بالأسباب هذا دين، وبعد الأخذ بالأسباب، أن لا تؤلهها، وألا تنسى الله معها، فدائماً نأخذ الواحدة بضعف الثانية، والتواكل بضعف الأخذ بالأسباب، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
بارك الله بكم يا دكتور، نذير تفضل، بمشاركة جديدة.
المستمع:
السلام عليكم، كيف الحال، حفظك الله، فقط أحببت أن أسلم على الدكتور، وأدعو له بطول العمر، أهلاً بك دكتور، دكتور ادع لنا الله أن يوفقنا.
عودة لأسئلة المستمعين :
الدكتور راتب :
الله يحفظ لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، لأكمل لك الدعاء، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم هذه خمسة، السادسة أهم واحدة وهي استقرار هذا البلد.
المستمع:
الله يطول بعمرك يا دكتور، ويحفظك يا رب.
المذيع:
شكراً لك أخي نذير ولمشاركتك معنا، نستمع إلى محمد بمشاركة جديدة، تفضل أخي محمد.
المستمع:
السلام عليكم، الله يعطيكم العافية، ممكن أحكي مع الدكتور، دكتور يعطيك العافية دكتور أريد أن أسألك سؤالاً لكن بشكل مختصر، أو سؤالين بسؤال واحد، أول شيء: الخوف من الأشخاص الذين هم أصحاب العمل أن يقطعوا رزقنا، الخوف منهم يعتبر شرك بالله؟ إن أنت خفت من أحد غير رب العالمين؟
والسؤال الثاني بشكل سريع، أنا شاب، عمري ثلاثون عاماً، وأنت ترى حالياً مجتمعاتنا العربية، وبشكل عام هناك مغريات، وفتن، وخاصة من النساء التي تتبرج، وغيره، أنا ولله الحمد أحاول أني أصون نفسي من أي شيء، حتى من مجرد النظرة، لكن أنا أعمل حالياً في شركة، والشركة هي شركة خاصة، وشركة غير مؤتمن عليها من ناحية الوظيفة، أي أنه من الممكن أي لحظة أن ينهوا لي خدمتي عندهم، لأنها أصلاً شركة تعتمد على الواسطة، وعلى المعرفة.
المذيع:
أسرع لأجل الوقت يا محمد.
المستمع:
إذا كنت أنت قوياً بعملك فبسبب واسطتك يقولوا إنك ضعيف، لكن الشخص الذي معه واسطة، أو ليس معه واسطة، لا يبقى بعمله، أنا أخاف أن أتزوج وبعد ذلك أبقى دون عمل.
المذيع:
السؤال واضح شكراً جزيلاً لك يا محمد، دكتور، الشق الأول من السؤال أن يخاف الإنسان من أرباب العمل، خوفاً من قطع رزقه.
الشرك الخفي :
الدكتور راتب :
الله عز وجل، الأمر بيده، وهذا نوع من الشرك الخفي.
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي))
الشرك الجلي بوذا، أن تعبد بوذاً مثلاً، غير موجود عندنا إطلاقاً، نحن عندنا شرك خفي.
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفية))
(( أما أني لست أقول أنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ـ هي انتهت ـ ولكن شهوةٌ خفية، أعمال لغير الله))
عمل لغير الله شرك خفي، وشهوة خفية شرك خفي، هذه النقاط الخطيرة في حياتنا الآن نحن لا بد أن نكون مع المؤمنين، أن يكون لك مرجع ديني، أن تكون مع حاضنةٍ إيمانية، أن يكون مشروعك مشروعاً إيمانياً، لا بد أن تكون مع من يحصنك.
المذيع:
دكتور، هذا الخوف فطري، أقصد الإنسان يخشى أن يقطع رزقه، يخاف من المرض.
الدكتور راتب :
الخوف بحده المعقول لا شيء فيه.
المذيع:
لا يعتبر شرك.
من طلب الحلال تكفل الله له برزقه :
الدكتور راتب :
أكثر المشاعر الداخلية، لها حد معقول، لا يوجد مشكلة.
المذيع:
لا يُحاسَب عليها الإنسان، لكن إذا صار خوف، بأنه هو الرزاق.
الدكتور راتب :
أما إذا تفاقمت لدرجة، عطلته عن طاعته لله، هنا المشكلة.
المذيع:
أصبح يقبل بالمحرمات خوفاً من قطع رزقه، هنا يبدأ الحرام، أما شعور الخوف الفطري الداخلي، لا يسأل الإنسان عنه.
الدكتور راتب :
أما أنا أقول لك كلمة والله كل خلية بجسمي مؤمنة بهذه الكلمة:
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
المذيع:
شيخنا معنا ثلاثين ثانية، هل تنصحه بالزواج أم بعدم الزواج، في حال أن عمله لا زال مضطرب قليلاً.
الدكتور راتب :
أنصحه بالزواج.
المذيع:
حتى لو عمله غير مستقر؟
الدكتور راتب :
لأن من طلب الحلال، دقق، تكفل الله له برزقه.
المذيع:
جزاك الله الخير دكتور للإجابة، نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأل الله القبول.
الدعاء :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً، رخياً، وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، لهذه الكلمات الطيبة.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الاستماع للدرس
تحميل النص
إخفاء الصور
