وضع داكن
20-04-2024
Logo
جامع التقوى - الدرس : 272 - قصص فيها العبر- حقيقة الدنيا - ضرورة تهيئة الإنسان نفسه لساعة مغادرة الدنيا.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

من نفّر الناس من دين الله فقد أذى خالق السماوات و الأرض :

 أخواننا الكرام؛ في الآيات الكريمات التي تليت في هذه الصلاة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 57]

 هل تستطيع جهة في الكون أن تؤذي ربنا؟ ما المعنى؟ الله عز وجل ضرب الأمثلة: أب محترم جداً، عالم، داعية، مربّ، ربى ابنه تربية عالية، على الصدق، والأمانة، والاستقامة، والورع، والجهد، إلخ.. صديق هذا الابن أفسده، دله على دور السينما، وعلى الملاهي، وعلى ترك المدرسة، لشدة رحمة الأب بابنه، وشدة حرصه على سلامته، وعلى سعادته، إفساد هذا الطفل أو هذا الابن إيذاء للأب، المعنى واضح؟
 كل إنسان يدل على معصية، يرغب بانحراف، يدعو إلى إهمال العبادات، إلى سوء الظن بالدين، و أنه شيء قديم، وتراث، وعادات، وتقاليد، نحن بعصر الكمبيوتر، عصر الفضائيات، عصر التنوير، كل إنسان يشكك بالدين، كل إنسان يشكك بمصداقية هذا القرآن، يشكك بمنهج الله الواحد الديان، هذا إنسان عملياً يؤذي خالق السماوات والأرض، لرحمة الله بعباده.
 مرة ثانية: ابن مربى تربية عالية، صديق لهذا الابن أفسده، دله على دور السينما ودور اللهو، دع المدرسة، لا تداوم، افعل كذا، اعمل كذا، هذه المشكلة، ما الذي يقابلها؟ عندنا بالإسلام المعنى المخالف، وإذا دللت إنساناً على طاعة الله، دللته على الورع، على العفة، على الأمانة، دللته على العمل، ليكسب ماله، دللته عوض أن ينحرف يتزوج، مليون باب لله عز وجل، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فأنت بين أن تكون مقرباً إلى الله، داعياً له، وبين أن تكون منفراً من الله، من دين الله.
 لذلك الذي ينفر الناس من دين الله يؤذي خالق السماوات والأرض، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أنت هل تستطيع أن تنال من جهة قوية عظيمة؟ بثانية تكون منتهياً.

نعم الله لا تعد ولا تحصى :

 أخواننا الكرام؛ كلامي دقيق، أنت، ومكانتك، ومرتبتك في الأرض، ودخلك، وبيتك، وعملك، وهيمنتك منوطة بضربات قلبك، لو صار مشكلة بالقلب انتهيت، مربوطة كل مكانتك بسيولة الدم، شيء لا يصدق، قطرة دم لا ترى بالعين تتجمد في أحد أوعية الدماغ بمكان شلل، بمكان فقد ذاكرة.
 قصة من حوالي خمسين سنة، عندنا رئيس وزارة تقاعد، يخرج من البيت ولا يعود، فقد ذاكرته، يبحثون عنه مدة ساعتين أو ثلاث، أحياناً عشر ساعات، لا يعرفون أين هو، لو الله عز وجل أخذ منك الذاكرة فقط، أين تصير؟ تعرف أن هذا بيتك، وهذا طريقك، وهؤلاء أولادك، شخص فقد ذاكرته، عنده ابن مقيم بأمريكا، جاء، من أنت؟ أنا ابنك، لا أعرفك.
 والله يا أخوان؛ اترك الجسم، اترك القلب، والجلطات، والشلل، اتركهم كلهم، الدماغ أعقد جهاز بالكون، نقطة دم لا ترى بالعين، بمكان شلل، بمكان فقد ذاكرة، من أنت؟ أنت في قبضة الله، كل مكانتك، وكل هيمنتك، وكل هيبتك، كله انتهى.
 أعرف شخصاً جاء من أمريكا معه دكتوراه بالكمبيوتر، سبحان الله! شلّ، زاره صديقه، وهو صديقي، وصل لمعاون وزير الصناعة، شلّ، قال له: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف وأتسول وما على ظهري إلا معطف وأن يرد الله لي بصري.
 تتمتع بعينين، بأذنين، لك مكانة، عقلك برأسك، محترم، أنت لو تعد النعم لا تعد ولا تحصى، بالعكس.

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾

[ سورة إبراهيم: 34]

 الواحدة فقط.

﴿ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[ سورة إبراهيم: 34]

 عندك ذاكرة، أنا بعمري الدعوي حوالي أربعين سنة أعرف قصصاً، شخص مهم جداً جداً فقد ذاكرته، يضعونه بغرفة، إذا جاء ضيف يستحون به، يعيد القصة مئة مرة، يأتي الضيف يضعونه بغرفة أخرى، وهو صاحب البيت.

بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :

 أذكر مرة دعيت إلى عرس بالبقعة، أفقر مكان بعمان، والله بيت صغير عبارة عن غرفتين تقريباً، ألقيت كلمة، وكان عندي موعد بعبدون، أرقى أحياء عمان، دخلت للبيت شيء مثل الخيال، البلاط إيطالي، والثريات رشانج، هذه أغلى أنواع الثريات، السجاد كله إيراني، فأنا جالس بالتعزية أقول: هذه الثريات من اختارها؟ المرحوم، البلاط من اختاره من إيطاليا؟ المرحوم، والأثاث أغلى أنواع الأثاث، من اختاره؟ المرحوم، أين المرحوم؟ تحت الأرض.
 فالبطولة أن تعيش المستقبل، نحن نعيش الحاضر دائماً، والماضي، أما المستقبل فلا ننتبه له.
 مرة وقفت أمام سوق الحميدية بالشام، أعرق سوق بسوريا، هذا السوق كل خمسين سنة تقريباً يوجد طقم جديد، الأب كبر، مات، حتى يتوزعوا الثروة- الإرث- يبيعون المحل، ويوزعون ثمن المحل، فكل خمسين سنة يوجد طقم جديد، الآن نفس الشيء عمان، أحد الأحياء خذ حيّاً بأكمله، كل خمسين سنة يوجد طقم جديد للبيوت، كبر الرجل، مات باعوا البيت من أجل أن يوزع الورثة الثمن، جاء شخص سكنه، أن تعيش المستقبل بطولة، ذكاء، أنا سأموت، هذا البيت ليس دائماً، هناك وقت أنا لست بالبيت.
 عفواً تدخل للبيت ستاً و ثمانين سنة مثلاً و أنت قائم، تدخل و تخرج، لكن لا تنس يوجد مرة ستخرج بشكل أفقي، هل هناك هروب من هذا؟

(( رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 كنت مرة بالمغرب، أمشي بحيّ تراثي قديم، عرض الشارع بقدر عرض الطاولة يسع شخصين فقط، وجدت محلاً تجارياً بسيطاً، واضعاً لوحة صغيرة وراء البلور: صلِّ قبل أن يصلى عليك.

(( رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 أتمنى من أعماقي- ليس تشاؤماً - أن ندخل لحظة مغادرة الدنيا في حساباتنا، هذا البيت ليس دائماً لك، ما دام القلب ينبض فهو لك، مثل أي إنسان توقف قلبه لم يعد له شيء، بل صار للورثة، سبحان الله، نسأل الله أن يلهمنا تربية أولادنا.

العاقل من أدخل الله بحساباته :

 أعرف شخصاً توفي، كان كل ثلاث ليرات سورية دولاراً واحداً، اليوم كل خمسمئة وخمسين ليرة دولاراً، ترك هذا الشخص حوالي سبعة ملايين، لكنه لم يربِّ أولاده، قال أحدهم لابنه: إلى أين انت ذاهب؟ صديق الوالد قال لابن المتوفى: إلى أين أنت ذاهب؟ سبحان الله! كلمة قاسية جداً، قال له: ذاهب لأسكر على روح أبي، ترك أموالاً طائلة ولم يربّ أولاده، كل معاصي الأبناء بصحيفة الأب، لأنه لم يربّه، فالقضية ليست سهلة، الابن انتبهت له؟ قد يكون غير مقتنع بالدين إطلاقاً، ما ربيته، لأنك ما علمته على المال الحلال يكسب مالاً حراماً، يكبر، اشترى سيارة، عمل، عمل، ثم قبضوا عليه.
 سبحان الله! تأثرت تأثراً بالغاً شخص بالشام يخطب بالأموي، سبحان الله شيء غير معقول، كلام غير معقول إطلاقاً، إطلاقاً، إطلاقاً، في الأمس وضعوه بالسجن، الله كبير، في الأمس كان بالسجن بعدرا، من خطيب أكبر جامع بالشام، الله كبير، أدخل الله بحساباتك، قبل أن تتجبر، قبل أن تقول: أنا مع القوي، القوي لا يرحم، هو من وضعه بالسجن.
 الله كبير، قدر ما تستطيع أدخل الله بحساباتك، هذه تجوز، لا تجوز، هذه السهرة لا تجوز، هذا اللقاء لا يجوز، هذه التجارة لا تجوز، هذه فيها مادة محرمة، هذه فيها كذا، هذه فيها كذا، قبل أن تتخذ قراراً عد للمليون، تكون عاقلاً وذكياً، أحياناً لقاء لا يجوز، هناك قصص والله عندي حوالي ألف قصة، قصص كثيرة، مع ذكائه الشديد تجده بالسجن، شيء غير معقول إطلاقاً، في الأمس كان موضوعاً بالسجن.
 لذلك يوجد نص دقيق احفظوه: من أعان ظالماً سلطه الله عليه.
 أخواننا الكرام؛ لا يوجد إلا الله، هو المعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المعز، هو المذل، نحن برمضان نسأل الله أن يتقبل صيامنا جميعاً.

من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه :

 الملاحظة الثانية: أي شيء برمضان ألفته إيجابياً، صلاة بالجامع، غض بصر، ضبط لسان، الشاشة منضبطة، أتمنى بطولتك، وذكاؤك، وتوفيقك، الأشياء السلبية التي تركتها في شهر الصيام ألا تتابعها بعد الصيام، أخي لا نريد أن نغتاب، نحن صائمون، بعد الصيام تغتاب؟ لا، يجب ألا تغتاب أحداً لا في الصيام و لا بعد الصيام، ولا نعمل لقاء لا يرضي الله مختلطاً، ولا نعمل نزهة لا ترضي الله، ولا نعمل صفقة لا ترضي الله، الله كبير، أقول: كبير ولا أشبع منها، لكن عندما تقول: الله كبير، تستطيع أن تحملها مليون معنى وأنت بأعلى درجة من القوة، تكبل يديك بأعلى درجة من القوة.
 هذا تشاوتشيسكو- والعياذ بالله- من الجبابرة بالأرض، تسمعون عنه؟ حكم رومانيا، فالنتيجة شيء لا يصدق من فجوره وانحرافه، يمكن أنتم لا تتذكرونه، حاكم رومانيا، اعتقلوه، وحاكموه، وحكم بالإعدام، أطلقوا عليه النار، مشى دمه عشرة أمتار، عندي الصور الآن، زوجته إمبرطورة، قالت لهم: أنا أمكم، قالوا لها: الأم لا تقتل أولادها، كان في ذلك الوقت زوجها قد عمل مجازر برومانيا كبيرة جداً، ثم قبضوا عليه وأعدموه، أما صور إعدامه فكان جباراً يفوق حدّ الخيال، وانتهى.
 الله كبير، أدخله بحسابك، إياك أن تتكبر، من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه، غلطة انتهت حياتك، كلمة أحياناً تنهي حياتك، مع الله عز وجل لا يوجد مزح أبداً، كلما عظمته تسعد، وتسلم، أو الأصح تسلم وتسعد، وكلما لم تدخله بحياتك تجد مطباً، تفقد كل شيء، غلطة خسرت وظيفتك، وغلطة ثانية تخسر مالك.
 أذكر شخصاً مقيماً بالكويت، ومن كبار الأغنياء، جاء إلى الشام، وأنا كنت حاضراً، جاء إلى الشام وكان قد وضع كل أمواله بسوق المناخ، شركة استثمارية كبيرة جداً بالكويت، أضخم شركة، سبحان الله! لكنه إنسان مستقيم، ويدفع أموالاً كلها صدقات، وزكاة درجة أولى، فأنا قاعد، جاء هاتف أن شركة المناخ فلست، عندما فلست هو فقد كل شيء، من كل شيء إلى صفر، سبحان الله! خففنا عنه، ذهب إلى الكويت وهو دافع زكاة ماله، وصل للكويت وهو عنده أسهم، ثروته كلها أسهم، يوجد شركة اسمها سوق المناخ أضخم شركة استثمارية، عندما فلست انتهى كل شيء، لم يعد معه شيء إطلاقاً، وصل للكويت استقبله أخوه قال له: الشركة فلست وقع على الأرض مغمى عليه، قال له: قم لم ينجُ أحد غيرك، كيف؟ كيف نجوت؟ قال له: رأيتك بالمنام قلت لي: بع الأسهم كلها من أسبوعين، قلت لنفسي: كيف أبيعها؟ هل هذا مجنون ليبيعها، رأيتك مرة ثانية بنفس الليلة: بع الأسهم، معقول أبيعها! مرة ثالثة، فبعتها بسعر معقول، عندما وصل للكويت وعرف أنه انتهى، قال له: لا، أنت نجوت، من دفع الزكاة، هو كان قد أدى زكاة ماله بالتمام والكمال، ولا يوجد عنده إمكان ليغير، الله ينجيك من أصعب أمر، من أصعب مأزق، تخرج تماماً، تسل منها كما تسل الشعرة من العجين:
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا ربي ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور