وضع داكن
25-04-2024
Logo
قناة قطر - الندوة : 01 - بعض قواعد الدعوة إلى الله – الدعوة مكانتها وخصائصها .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد الراشد :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، لا يسأم من كثرة السؤال والطلب، إذا سُئل أعطى وأجاب ، وإذا لم يُسأل غضب ، نحمده تبارك وتعالى على كل ما منح ووهب ، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب ، ونسأله الخلود في دار السلام ، حيث لا لغو فيها ولا صخب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وإليه المنقلب ، وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، نطق بأفصح الكلام ، وجاء بأعدل الأحكام ، إمام الغر المحجلين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين وبعد : أهلاً بكم مشاهدي الأكارم إلى حلقة جديدة من حلقات برنامجكم الأسبوعي : "رياض الجنة" والذي يسرنا أن نلتقي فيه مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي المعروف ، أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وحفظ لكم بلدكم .
الدكتور محمد الراشد :
اللهم آمين .
 مشاهدينا الكرام ، الدعوة إلى الله عز وجل من أفضل الأعمال وأقرب القربات ، بعث الله تعالى صفوة خلقه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام للقيام بها ، ووعد القائمين بها أجراً عظيماً ، وثواباً جزيلاً في الدنيا والآخرة ، والدعوة ليست حكراً على أحد من المسلمين ، بل هي واجبة على كل مسلم فيما علم ، قال صلى الله عليه وسلم :

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري عن ابن عمرو]

 وهي أفضل ما يقول به المسلم في دنياه ، وقال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 ونحن اليوم مع فضيلة الدكتور نتحدث بإذن الله عن بعض قواعد الدعوة إلى المولى عز وجل ، دعني أسألك فضيلة الدكتور في بداية هذا اللقاء نريد أن نتحدث عن أهمية الدعوة وعن مكانة الدعوة في هذه الأمة .

 

الدعوة إلى الله دعوة عامة تستمد من السماء قوتها وتوفيقها :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
الحقيقة الدقيقة نأخذها من كلام الله ، فالكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 ليس هناك من بني البشر إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله ، فهي قمة العمل الإسلامي ، لكن :

﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 جاءت حركته اليومية ، في بيته ، وفي عمله ، وفي كل شؤونه ، وفي غضبه ، وفي رضاه ، وفي لهوه ، وفي مرحه وفق منهج الله .

﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 لماذا ؟ الناس يهتمون من الطبيب بعلمه فقط ، ومن المهندس بعلمه ، ومن المحامي بعلمه ، لكن لا يقبلون من الداعية إلا علماً مطبقاً ، هذا اسمه المصداقية .
 أذكر مرة أن الإمام الشعرواي رحمه الله ، عرضوا عليه أن يكون رئيس الحزب الوطني في مصر ، رئيساً شرفياً فخرياً ، فاعتذر ، فلما سُئل ؟ قال : أنتم كم ؟ قال : نحن مليون ، قال : أنا لثمانين مليوناً .
 الدعوة إلى الله فوق الانتماءات ، والإقليميات ، والأشياء الأرضية ، دعوة عامة ، دعوة تستمد من السماء قوتها ، ومن السماء توفيقها ، فلذلك :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

الدكتور محمد الراشد :
 للعموم ؟

 

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :

الدكتور راتب :
 للعموم ، فالدعوة إلى الله بنص هذه الآية فرض عين على كل مسلم ، ولكن ما دمنا قد قلنا فرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، هذه كفرض عين ، لكن :

﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 لم يتوهم ولم يوهم أنه وحده الداعية ، أنا أقول كتعليق على هذا التوهم : معه مرض التوحد .

﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 بلسانه ، بسلوكه ، بموقفه .

﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 وجاءت حركته اليومية مطابقة لأفعاله ، الآن لم يدعِ أنه الداعية الوحيد .

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 للتبعيض .

﴿ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 ثلاثة شروط بآية واحدة .

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 أما كما تفضلت هل هي فرض عين على كل مسلم ؟ الآية تقول :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف :108]

 فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة نصاً وفهماً فالأكيد أنه ليس متبعاً لرسول الله والآية تقول :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران :31]

 الدعوة إلى الله فرض عين ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، مثلاً جلست في مسجد ، واستمعت إلى خطيب الجمعة ، شرح آية تأثرت بها تأثراً بالغاً ، انقل هذا الشرح لزوجتك ، لأولادك ، بسهرة مع الجيران ، بجلسة مع الشركاء في المحل التجاري ، أي في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم ، والذي لا يفعل هذا ليس متبعاً لرسول الله ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
الدكتور محمد الراشد :
 إذاً هنا تكون فرض عين على كل مسلم .

 

الدعوة تحتاج إلى تعمق في العلم وتبحر في الفهم :

الدكتور راتب :
 لكن مشروطة بشرطين ، في حدود ما تعلم ، أي سمعت خطبة جمعة ، سمعت درساً لشيخ ، قرأت مقالة في موضوع ، تأثرت بها ، هذا الذي قرأته أو استمعت إليه أو شاهدته وتأثرت به تأثراً بالغاً انقله إلى صديقك ، إلى جيرانك في سهرة مشتركة ، إلى زميلك في العمل بالوظيفة ، إلى الشريك في التجارة ، إلى من تلتقي به ، هذه دعوة عين على كل مسلم ، بهذه الدعوة تتنامى دوائر الحق ، فإذا أغفلنا هذه الدعوة تنامت دوائر الباطل ، وغُلِبت دائرة الحق ، هذه نقطة مهمة جداً ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم ، إذا جلس إنسان في درس علم معه دفتر صغير تأثر بشرح آية كتب الآية ، في اليوم تاثاني جلس معه صديقه ، هذه الدعوة فرض عين ، انقل له تفسير هذه الآية .
الدكتور محمد الراشد :
 يبرئ ذمته أمام الله .
الدكتور راتب :
 جلس مع زوجته انقل لها تفسير هذه الآية ، كان في جلسة ، سهرة مشتركة ، انقل لهم هذا التفسير ، هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كلم مسلم ، في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف .
الدكتور محمد الراشد :
 ومتى تكون على أهل الاختصاص ؟ أو كيف حكمها على أهل الاختصاص ؟
الدكتور راتب :
 الدعوة تحتاج إلى تعمق في العلم ، وتبحر في الفهم ، وتحتاج إلى الإعداد إلى كل شبهة يرد عليها ، كل معضلة في الحوار ، هذا الذي يتفرغ للدعوة إلى الله عنده قدرة أن يرد على كل شبهة ، ويزيح من حياة الناس كل شيء مألوف وخلاف الشرع .

الدعوة إلى الله صنعة الأنبياء :

 الحقيقة الآن ما أكثر الشبهات والشهوات ، لذلك أنا لا أرى عملاً أفضل عند الله إطلاقاً :

﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 أي ركز مساحة الدين في المجتمع .

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 إذاً هذه دعوة إلى الله كفرض عين ، أما كفرض كفاية نحن بحاجة إلى علماء متعمقون في الفهم ، متبحرون ، عندهم قدرات استثنائية على أن يردوا كل شبهة ، يجيب عن كل سؤال ، هذه فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، تحتاج إلى تبحر وتعمق وتفرغ .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا ذكرت الدعوة يلازمها العمل ، الناس يحبون دائماً الداعية أن يوافق عمله قوله ، نريد أن نتحدث عن القدوة ؟
الدكتور راتب :
 أي إنسان يقبل من الطبيب علمه فقط ، ولا يعنيه تصرفه وسلوكه ودينه ، نحتاج من المحامي إلى علمه وقدرته على رد هذه الدعوة ، ولا نهتم بسلوكه ، يصلي أو لا يصلي ليس لنا علاقة به ، ولا نحتاج من مهندس إلا علمه ، لكن لا نقبل من رجل الدين وحده إلا علماً مطبقاً ، هذا واقع ، لذلك عندما يكتشف الناس أنه هو في واد وعلمه في واد فقد مصداقيته ، ولئن يسقط الإنسان من مكان عالي فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله ، الدعوة إلى الله صنعة الأنبياء ، لذلك :

(( إنما بعثت معلماً))

.

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))

.

[أحمد ورواه البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 فكل من يعمل في الدعوة ينتبه ، عليه أضواء مسلطة دون أن يشعر ، الناس إذا بحثوا عن فجوة وعن زلة في الداعية ارتاحوا ، لماذا ؟ لأنهم مقصرون ، هم يبحثون عن زلات الداعية فقط ، أما هناك آلاف الحرف لا ينتبه لها الناس ، هذا يدعو إلى الله ، هل أنت مطبق لما تقول ؟ هل أنت مخلص فيما تقول ؟ مثلاً لو أن الداعية يتخلى عن رسالته ويقف مع القوي سقطت دعوته ، وانتهى عند الله وعند الناس .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا من القواعد : القدوة قبل الدعوة ، نريد أن نتحدث عن هذه القاعدة .

 

الدعوة الصامتة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة ، لو أن أباً ما تكلم كلمة لا تليق بمكانته أمام أولاده ، ولا بدل ملابسه أمام أولاده ، ولا تصرف تصرفاً لا يليق ، ولا تابع مشهداً في الشاشة لا يليق ، هو لم يتكلم ولا كلمة، لكن قدوته دعوة ، الأمانة دعوة ، الصدق دعوة ، الصادق يدعو إلى الله ، أنا أسميها اجتهاداً مني الدعوة الصامتة ، يوجد دعوة إلى الله صامتة ، لا تحتاج إلى بيان ، ولا إلى تكلم ، ولا إلى خطابة وأجدادنا البائع مستقيم ، البائع لا يكذب ، لا يغش ، هو يدعو إلى الله بهذه الطريقة .
الدكتور محمد الراشد :
 دعوة إلى الله بأخلاقه .
الدكتور راتب :
 بأخلاقه ، الدعوة الصامتة ، هذه أبلغ .
الدكتور محمد الراشد :
 الابن يتأثر بوالده وبوالدته .
الدكتور راتب :
 القدوة قبل الدعوة ، الأم زارت بيت الجيران ، أطالت الجلوس عندهم ، عادت إلى البيت الطعام لم يكن جاهزاً ، جاء الزوج فكان غاضباً ، أين كنتم ؟ تقول الأم لزوجها : لم نكن في مكان ، ومعها ابنتها الصغيرة ، هذه البنت الصغيرة شربت الكذب من أمها دون أن تشعر .
 القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، فأنت لو لم تتكلم بكلمة في الدين كنت صادقاً ، كنت عفيفاً ، كنت متمكناً من استقامتك ، من عملك الصالح ، لا تحتاج إلى من يدعو لك .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا ، بمعنى آخر هنا مسألة ، معنى هذا إذا سمعنا فتوى مثلاً من رجل غير قدوة، من داعية غير قدوة ، لا يسمع كلامه ؟
الدكتور راتب :
 هذا الرجل غير القدوة لو سُئل فأجاب بالحقيقة ، ولو لم يكن مطبقاً لها ، أما أن يبتدئ الحديث عن شيء لم يطبقه يختل توازنه مع الله .
الدكتور محمد الراشد :
 يريد أن يبين هذه المسألة إذا سُئل فأفتى .

آراء الجمهور :

الدكتور راتب :
 لو أنه عالم ، هناك داعية في نقطة مقصر فيها ، جاءه سؤال من متعلم عن هذا الموضوع ، يجيبه الجواب الكامل الذي هو مقصر في تطبيقه ، إلا أن يبتدئ الحديث عن شيء لا يطبقه ، أما تستحي من الله ؟ كأن الله يلقي في روعه أنت كذلك ؟ ألا تستحي مني يا عبدي؟ أنت كذلك ؟
الدكتور محمد الراشد :
 والله المستعان ، الشكر لكم شيخي الكريم ، أستأذنك وأستأذن السادة المشاهدين للخروج إلى فاصل أيها الأحبة ، ثم نعود فابقوا معنا .
 أهلاً ومرحباً بكم أيها الأحبة ، عدنا إليكم ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحديثنا حول قواعد في الدعوة إلى الله .
 شيخنا الكريم فريق العمل أعد لنا تقريراً يحاكي موضوع حلقتنا لهذا اليوم ، ونسمع رأي الجمهور ، نسأل ماذا قالوا عن الدعوة إلى الله ، وما يعرفون عن قواعد هذه الدعوة ، ثم نعلق عليه معكم فضيلة الشيخ إلى أن نبتدئ كونوا معنا أيها الأحبة .
الآراء :
 الرأي الأول : طبيعة الحال صفات الداعية المحبب لدي أن يكون في صورة مثالية، وألا يناقض نفسه .
 الرأي الثاني : لا بد أن يكون قمة في الأخلاق .
 الرأي الثالث : الأفضل أن يكون ممن يفتح دعوته بالترغيب ، وليس بالترهيب .
 الرأي الرابع : طبعاً الداعية الذي تتقبله أنت بنفسك لا بد أن يكون هو أيضاً داعية سمح وبأسلوب أيضاً راقي بدون الغلو ، بدون أيضاً ألا يبالغ ، لأن قول الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 الرأي الخامس : عدم التنفير ، ألا يكون فظاً ، ولا ينفضوا من حولك ، إلا بالكلمة الطيبة التي تهديهم إليها .
 الرأي السادس : لا أقبل النصيحة ممن يفعل نقيضها .
 الرأي السابع : لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم ، هذا أيضاً من سوء الأدب .
 الرأي الثامن : طبعاً لا أقبل النصيحة من شخص يعمل عكسها .
 الرأي التاسع : لا يمكن أن أتقبل النصيحة من شخص يعمل بصورة متناقضة ، لابد أن يكون بصورة مثالية .
 الرأي العاشر : أنا أقتنع بالاثنتين ، بالفكرة أقتنع فيها إذا استساغها عقلي ودرستها ، أيضاً أقتنع بالشخص شرط أن أعرف من هو هذا الشخص .
 الرأي الحادي عشر : أحياناً أقتنع بالفكرة ، وأحياناً أقتنع بالشخص ، الفكرة والشخص وجهان لعملة واحدة .
 الرأي الثاني عشر : لا طبعاً أقتنع بالشخص نفسه .
 الرأي الثالث عشر : ليس كل عنوان جذاب يغني عن المضمون .
 الرأي الرابع عشر : أهم شرط أن يكون الموضوع نفسه شاملاً لشيء من العنوان .
 الرأي الخامس عشر : العنوان الجذاب للوهلة الأولى يشوقك ، لكن عندما تغوص وتبحر وتبصر أغوار المضمون قد يتنافى مع العنوان .
 الرأي السادس عشر : العنوان الجذاب طبعاً يشد ، ولكن مثلاً عندما نتعرف على المضمون نفسه تختلف الفكرة نفسها .
 الرأي السابع عشر : أقتنع بمن يخاطب عقلي وعاطفتي لأن العاطفة والعقل جزءان هامان .
 الرأي الثامن عشر : نحن كشباب نقتنع بمن يخاطب العقل عندنا .
 الرأي التاسع عشر : أقتنع بمن يخاطب عقلي ، لأن العقل هو المسؤول عن كل شيء .
 الرأي العشرون : أقبل ما يقبله عقلي .
 الرأي الواحد و العشرون : الذي تتقرب إليه بإحسان سيسهم في دافعية هذا الإنسان إلى تقبل النصيحة .
 الرأي الثاني و العشرون : أتقبل النصيحة من الشخص الذي يحسن إليّ ، أكيد الدين النصيحة والإحسان إلى الناس من ضمن مقتضيات العمل الديني .
 الرأي الثالث و العشرون : ليس شرطاً أن يكون الإحسان في تقبل لعمل النصيحة .
الدكتور محمد الراشد :
 أهلاً ومرحباً بكم أيها الأحبة ، شيخنا كان السؤال صفات الداعية ، منهم من قال : أن يكون صادقاً ، أن يكون مطبقاً ما يقول ، طلبوا من الداعية عدم التنفير ، ألا يكون غليظاً في ألفاظه ، أيضاً هل تقتنع بالفكرة أم بالداعية ، اختلفت الإجابات ، فمنهم من قال : لا أقتنع بالداعية ، ومنهم من قال : أنظر إلى الفكرة ، ما تعليقكم على هذا ؟

 

قانون الالتفاف والانفضاض :

الدكتور راتب :
 أولاً الآية تقول :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك ، من خلال اتصالك بنا انعكست هذه الصفة ليناً في المعاملة ، رحمتهم ، سامحتهم ، تجاوزت عن خطيئاتهم .

﴿ فَبِمَا﴾

 باء السبب .

﴿ رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 استقرت بقلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم أحبوك ، والتفوا حولك ، وأنت أنت يا محمد ، لو لم تكن متصلاً .
الدكتور محمد الراشد :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

الدكتور راتب :
 وأنت أنت وهو سيد الخلق ، لو لم تكن متصلاً بنا لامتلأ القلب قسوة ، فانعكست القسوة غلظة وفظاظة ، إذاً ينفضون من حولك .
 هذه الآية يحتاجها المعلم ، الأب ، الأم ، الموظف ، من الخفير إلى الأمير .

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 لذلك هذه قاعدة أساسية ، قانون ، أنا أسميه قانون أيضاً ، قانون الالتفاف والانفضاض ، متى يلتف الناس حولك ؟
الدكتور محمد الراشد :
 عندما كنت رحيماً .

 

الأنبياء قدوة لنا :

الدكتور راتب :
 من رحمتهم .
الدكتور محمد الراشد :
 هيناً ، ليناً .
الدكتور راتب :

(( إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ))

[ رود في الأثر]

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

الدكتور محمد الراشد :
 حسناً شيخنا ما رأيك فيمن سألناهم عن الفكرة والداعية ، هل يقتنع بالشخص كي يسمع كلامه الذي يقوله ، أم لا بد على كل من جاءه حق أن يقبل به ؟
الدكتور راتب :
 والله أحياناً الكلام الطيب يحملك على أن تقتنع بالشخص ، والشخص المشهود له بالإخلاص والفهم ، تقتنع بكلامه ، هذه يسمونها علاقة تبادلية ، أنت حينما تتيقن من إخلاص هذا الداعية ، ومن علمه ، وشيء ما فهمته توكل فهمه إلى الله ، أما حينما ترى انحرافاً خطيراً ، أي الداعية يمثل هذا الدين ، الدعوة إلى الله صنعة الأنبياء ، والأنبياء قدوة ، القدوة قبل الدعوة .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا عندما ذكرنا أنها تكون على كل مسلم فيما يعرف ، معنى هذا الكلام برنامجنا عام ، الكبير يستطيع أن يكون داعية ، كبير السن ، المرأة ، الرجل .
الدكتور راتب :
 في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، وليس ما تطبق ، ما تعلم ، ومع من تعرف ، إخوتك ، شركاؤك في العمل .
الدكتور محمد الراشد :
 الأم في البيت تدعو أبناءها .

 

الدعاة جميعاً في دائرة واحدة وهم على مستوى معقول من فروع الدين كلها :

الدكتور راتب :
 الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما الدعوة كفرض كفاية تحتاج إلى تعمق وتبحر وتفرغ .
 شيء آخر : كأن الدعاة جميعاً فيما أتصور في دائرة واحدة ، بمعنى أنهم جميعاً على مستوى معقول من فروع الدين جميعاً ، لكن أحدهم تفوق في التفسير ، رسمنا على الدائرة مثلث هذا في التفسير ، وهذا في الحديث ، وهذا في الفقه ، وهذا في الدعوة إلى الله ، هذا بالموضوعات العلمية ، وغيرها . هذه المثلثات متكاملة فيما بينها ، فكل إنسان عنده شيء تفوق به .
الدكتور محمد الراشد :
 قد يبحر في التفسير ولا يجيد الدعوة ، والآخر قد يتفرغ إلى الدعوة .
الدكتور راتب :
 أما التعاون كلام دقيق ومؤلم أحياناً ، الطرف الآخر من المسلمين يتعاونون تعاوناً مذهلاً ، وبينهم فقط خمسة بالمئة قواسم مشتركة .
الدكتور محمد الراشد :
 ما المقصود شيخنا بالطرف الآخر عفواً ؟
الدكتور راتب :
 غير المسلمين ، أما المسلمون فبينهم خمسة وتسعون في المئة قواسم مشتركة ، ولا يتعاونون ، التعاون فضيلة ، التعاون أمر ، التعاون قوة ، التعاون إله عظيم يقول :

﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾

[ سورة المائدة : 2]

الدكتور محمد الراشد :
 برأيك شيخنا ما الداعي إلى ترك هذا التعاون ؟ ما سبب ترك هذا التعاون ؟
الدكتور راتب :
 والله كلمة قاسية : إن حصل مكسباً مادياً من هذه الدعوة يرفض التعاون ، إن حصل مكاسب مادية كبيرة يرفض التعاون ، أما إذا ابتغى بهذا وجه الله يتعاون .
الدكتور محمد الراشد :
 يا سلام! شيخ رجوعاً إلى القواعد التي ذكرناها ، القدوة قبل الدعوة ، ثم الإحسان قبل البيان ، أو البيان قبل الإحسان ، أيهما يقدم على الآخر ؟

 

الإحسان قبل البيان :

الدكتور راتب :
 الإحسان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ، ليفتح لك عقله لبيانك .
الدكتور محمد الراشد :
 يكون الإحسان قبل البيان .
الدكتور راتب :
 أذكر أن أخاً اهتدى إلى الله ، ثم تاب توبة نصوحة ، وسلك طريق الحق ، لكنه اختار زوجة لم تك كذلك ، فاستأذنني أن يطلقها ، قلت له : لا تطلقها ، لأن الله صبر عليك حتى تبت ، فكما صبر الله عليك اصبر عليها ، فأنا أرشدته إلى إحسان بالغ ، إكرام زائد ، مع أنها لم تلتزم ، أقسم لي بالله الزوج بعد ستة أشهر فاجأته بحجاب كامل ، بالإحسان .

(( يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

الدكتور محمد الراشد :
 أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم .
الدكتور راتب :
 الأنبياء محسنون ، هذا الكوكب يقع على رأسه زمرتان كبيرتان ، الأقوياء والأنبياء الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، الأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي ، فالبطولة أن تمتحن نفسك أيها المشاهد ، هل أنت من أتباع الأقوياء أم الأنبياء ؟
الدكتور محمد الراشد :
 جعلنا الله من أتباع الأنبياء ، شيخنا ألا ترى أن هذه القاعدة لا تختص بالداعية فقط ، قاعدة الإحسان ؟

 

الله عز وجل علمه يطولك وقدرته تطولك فلا يمكن أن تعصيه :

الدكتور راتب :
 لأن كل إنسان مسلم هو داعية ، شاء أم أبى ، بلسانه أم بعمله ، بائع مستقيم لا يغش ولا يكذب ، لو فرضنا اكتشف بائع زيت حشرة في التنكة ، لا يبيعها ، يبيعها للصابون ، من لا دين له يبيعها .
 لكن هنا نقطة دقيقة : أنت تركب سيارتك ، وتمشي في الطريق والشرطي واقف ، لماذا تقف على الضوء الأحمر ؟ لأنك مقتنع أن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك على سحب الإجازة لسنة ، لماذا تطيعه ؟ شرطي سير ، لأن واضع القانون علمه يطولك ، من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك بسحب الإجازة ، الآية تقول :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق : 12]

 اختار من كل أسمائه علمه وقدرته ، والله عز وجل علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، فلا يمكن أن تعصيه ولو وصلت لهذا المستوى .
الدكتور محمد الراشد :
 حسناً شيخنا ، المراقبة في الأولى حضرت وفي الثانية غابت ، راقبنا الشرطي ، راقبنا الحاكم ، لم نراقب المولى عز وجل .
الدكتور راتب :
 المراقبة الثانية مراقبة عقلية ، أنت مع مراقبة كهذه ، عندما تعلم مثلاً أن صاحب هذا المعمل عنده مراقبة ، يتغير الموضوع ، أضرب لك مثلاً قريباً ، مدير المؤسسة عنده بكل غرفة كاميرا لمتابعة وضع الموظفين ، فهنا شخص المدير غير موجود ، لكن عينه تضبط هذه المخالفة ، المؤمن يرى أن الله يحاسبه .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا الإحسان قبل البيان حدود هذا الإحسان يختلف من موقف إلى موقف ، من بيئة إلى بيئة ، هل يجب أن يختلف ؟

 

العبرة بالمضامين لا بالعناوين :

الدكتور راتب :

(( يا داوود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

 أنا عندي تجارب كثيرة جداً ، الإحسان تملك به قلب الإنسان ، إن ملكت قلبه انصاع لك ، لذلك العنف درسنا كتاباً في الجامعة لفرنز فانون ، ثمانمئة صفحة ، محوره الوحيد العنف لا يلد إلا العنف .
 فهناك بيت فيه مودة ، فيه كلام فقط ليس فيه ضرب ، ليس فيه سباب ، ليس فيه شتائم ، ليس فيه إغلاق أبواب بقوة ، بيت هادئ ، تجد الزوج هادئاً ، وزوجته هادئة ، ومع بناتها هادئة ، والبنت الكبرى مع الصغرى هادئة ، وأصغر بنت مع القطة هادئة ، هذا البيت فيه هدوء ، فيه ملائكة انعكس كله على البيت .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا من القواعد ، العناوين والمضامين ، ألا ترى شيخنا أن بعض العناوين بلا مضامين ؟ وهل هذا يؤثر ؟
الدكتور راتب :
 هذه أكبر مشكلة ، مهما زينت العنوان ، لو فرضنا محلاً تجارياً ، اللوحة فيها إضاءة متبدلة ، متلونة ، متغيرة ، لكن ليس فيه بضاعة ، ما قيمة هذه اللافتة المذهلة دون بضاعة ، إذا وجدت بضاعة جيدة جداً ولافتة درجة ثانية مقبولة ، فالعبرة بالمضمون ، بالمضامين لا بالعناوين .
الدكتور محمد الراشد :
 كيف نحقق هذا في الدعوة شيخ ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً الإنسان حينما يطبق ما يقول يهب الله له قدرة على التأثير فيما يقول ، هذه قاعدة ، أنت حينما تطبق ما تقول ، يتفضل الله عليك أيها الداعية بكتابة القبول لدعوتك عند الناس ، قبول الدعوة عند الناس ليس بسبب ذكاء الداعية ، ولا بمعلوماته ، ولا بمحفوظاته ، ولا بفصاحته ، ولا بأسلوبه ، إن رآك تطبق ما تقول كتب لك القبول عند الناس ، إن رآك الله في سرك ، في بيتك تطبق ما تقول كتب لك القبول عند الناس ، إن رآك على خلاف ذلك لا يكتب لك القبول .
الدكتور محمد الراشد :
 إذاً القبول من الله .

 

رسائل الله عز وجل هي أفعاله :

الدكتور راتب :
 من الله ، طبعاً من الله ، والكلمة المؤدبة جداً ، الله كتب القبول للدعوة فقط ، لا بذكائك ، ولا بثقافتك ، ولا بمعلوماتك ، ولا باطلاعك الواسع ، ولا بقوتك ، كتب القبول لك بهذه الدعوة لأن الله علم أنك تطبق ما تقوله في بيتك .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا القبول إذا كتب للشخص ينعكس على العناوين والمضامين التي أشار إليها ، شيخنا الذنوب ما نزل بلاء إلا بذنب ، هل تؤثر الذنوب على البيئة ؟ على الداعية ؟ على المجتمع ؟
الدكتور راتب :
 مستحيل وألف ألف مستحيل أن تنزل مصيبة بلا سبب ، لأن الله موجود ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، والبطولة حينما ترى شيئاً لا يعجبك أن تسأل ما السبب ؟
 أذكر مرة أن أخاً كريماً زكاة ماله مثلاً خمسة عشر ألف ليرة ، زوجته ضغطت عليه ضغطاً شديداً كي يطلي البيت بطلاء جيد ، بدل دفع الزكاة ، يبدو أنه استجاب لضغطها ، وألغى دفع الزكاة وطلى البيت ، بينما كان يركب مركبته حدث معه حادث ، أقسم لي بالله أن فاتورة إصلاح السيارة تساوي تماماً زكاة ماله ، هذه رسالة من الله .
 الله عز وجل له رسائل كثيرة جداً ، أحياناً يعطي برسالة ، ويأخذ برسالة ، هناك تكبر فهناك تدمير ، رسائل الله أفعاله ، الله عز وجل ذات كاملة ، له أقوال وله أفعال ، أقواله كتابه ، أما أفعاله أفعاله مع البشر .
 أنا أذكر مثلاً : بيت في أرقى أحياء دمشق توفي صاحبه ، جاء إنسان أبرز وثيقة بيع متقنة جداً ، متقنة غير صحيحة لكن متقنة جداً ، فاحتار القاضي ، إذا القاضي احتار في الأدلة يدعو المدعي لحلف اليمين ، فحلف اليمين أمام القاضي ، وضع يده على المصحف ، ورفع يده بعد أن انتهى ، وقد أمسك بيده الثانية طرف الطاولة ، لم ينزل يده ، فغضب القاضي ، قال له : أنزل يدك ، كان قد توفي ، توفي بعد أن حلف اليمين الكاذبة.
 وإنسان آخر استحق حكم الإعدام ، بعد أن وضع الحبل على رقبته قال : أنا هذا الذي سأشنق من أجله ما قتلته ، لكنني قتلت شخصاً آخر منذ ثلاثين عاماً ، يوجد إله ! كل شيء بيده ، إما أن يأتي العقاب مباشرة ، أو بعد حين .
الدكتور محمد الراشد :
 وينعكس شيخنا عليه .

الله له آيات كونية هي خلقه و تكوينية هي أفعاله و قرآنية هي كلامه :

الدكتور راتب :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾

[ سورة الروم : 42]

 الفاء للترتيب على التعقيب ، الآية الثانية :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ُ﴾

[ سورة الأنعام : 11]

 للترتيب على التراخي ، شيء دقيق جداً ، الله له آيات كونية هي خلقه ، آيات تكوينية هي أفعاله ، آيات قرآنية هي كلامه ، الآية تقول :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 6]

 الكونية التفكر ، والتكوينية نظر .

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾

[ سورة الروم : 42]

 والقرآنية تدبر ، الكونية تفكر ، والتكوينية نظر ، والقرآنية تدبر .

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ُ﴾

[ سورة الأنعام : 115]

 أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان ، منكم الصدق ، ومني العدل ، أنتم تتفاوتون عندي بصدقكم ، وأنا أعدل بينكم .
 هناك تفسير آخر : هذا القرآن من دفته إلى دفته لا يزيد عن خبر أو عن أمر ، الأمر عادل والخبر صادق .
الدكتور محمد الراشد :
 جعلنا الله من المتفكرين المتأملين ، شيخنا قديماً قال السلف : اعرف الحق تعرف أهله ، واعرف الباطل تعرف أهله ، هل هناك دعوة حق ودعوة باطل ؟

 

الحق هو الشيء الهادف والثابت أما الباطل فهو الشيء العابث والزائل :

الدكتور راتب :
 هذه لها صياغة أخرى ، نحن نعرف الرجال بالحق ، تعرف الحق أولاً فتعرف بالحق الرجال ، ولا نعرف الحق بالرجال ، أي أنا ليس لأن فلاناً قال : نحن بحياتنا يوجد معصوم واحد هو رسول الله .

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النجم : 3]

 ما سواه غير معصوم ، فأنا أعرف الرجال بالحق ، لا الحق بالرجال .
الدكتور محمد الراشد :
 والباطل شيحنا ؟
الدكتور راتب :
 الباطل للتوضيح لأخوتنا المشاهدين : الحق مثل جامعة أنشأت لتبقى ، الحق الشيء الهادف ، والدائم ، والثابت ، الحق الشيء الهادف والثابت ، أنشأنا جامعة كي نخرج قادة للأمة ، الباطل الشيء العابث والزائل ، مثلاً السيرك حوالي أسبوعين فقط ، فيه فيل ، وألعاب معينة ، وخفة ، وغير ذلك ، فالحق الشيء الثابت والهادف ، كإنشاء جامعة ، هذه تستمر إلى ما شاء الله ، لتخريج قادة للأمة ، أما السيرك فأسبوعان لإمتاع الناس بحركات بهلوانية .
الدكتور محمد الراشد :
 عوداً على الدعوة ، هل هناك دعوة إلى حق ودعوة إلى باطل ؟ الذي يدعو إلى باطل هل بالمصطلح يطلق عليه داعية أيضاً ؟
الدكتور راتب :
 لا ، هو الحقيقة يتعامل مع الحق بتزوير ، دائماً سيدي ، هنا نقطة من الضروري قولها : الطرف الآخر يخاف من الدين كثيراً ، فإذا أيقن أن هذا الدين لا يلغى عمل إلى تفجيره من الداخل ، يصطنع أناساً معهم بالتعبير المعاصر أجندة ، معهم خطة لضرب الدين ، باسم الدين ، الغرب ذكي جداً ، إذا أراد إلغاء الدين لا يلغيه بمنعه ، يلغيه بتفجيره من داخله ، عن طريق أشخاص تافهين جداً ، يتصيدون الشبهات .
الدكتور محمد الراشد :
 حتى وإن كانوا يحسبون على الدين ، طيب شخينا نضع تحت الخطة الدعوية الآن خطان بارزان الخطاب العقلي الذي يخاطب العاطفة ، والخطاب العاطفي الذي يتجاهل معطيات العصر ؟

 

الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك فعلينا تلبية هذه الحاجات لنتفوق :

الدكتور راتب :
 الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، فالدعوة ما لم تغذي العقل بالعلم والقلب بالحب ، والجسم بدخل مشروع ، بالطعام والشراب ، عقل يدرك الإنسان ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، فلابد أيها الداعية من أن تتجه دعوتك إلى تغذية العقول بالعلم ، وتغذية القلوب بالحب الذي يسمو بك عند الله ، وتغذية الجسم بطعام وشراب ، أُشتري بمال حلال ، فإذا لبينا حاجة العقل وحاجة القلب وحاجة الجسم تفوقنا ، وإذا اكتفينا بواحدة تطرفنا .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا يجب على الإنسان أن يحكم عقله وقلبه في مثل هذه المواقف .
الدكتور راتب :
 والتطرف نوعان ، تفلتي؛ إباحية ، وتشددي؛ التكفير ثم التفجير .
الدكتور محمد الراشد :
 وكلاهما منبوذ ، أين يقف الإنسان شيخنا إذا لم يك صاحب اختصاص ؟
الدكتور راتب :

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 43]

 السؤال مفتاح العلم ، آية قرآنية :

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 43]

الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا نريد توجيه رسالة للدعاة ، نحن الآن نتكلم عن قواعد في الدعوة إلى الله ، رسالة لمن لم يأخذ بهذه القواعد ، أو غض الطرف عن هذه القواعد ، نصيحة وتوجيه .
الدكتور راتب :
 والله يجب أن يراجع نفسه بإعطاء نصوص صحيحة ، وتطبيقات صحيحة ، ولفتات مباركة ، نصوص صحيحة الكتاب والسنة ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله وسنة رسوله ، لكن يوجد مليون قول للعلماء ، يوجد علماء مغرضون ، يوجد علماء لم يكتمل العلم عندهم ، الكتاب والسنة ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً .
 بقية العلماء يصنفون بمدى مطابقة الكتاب والسنة .
الدكتور محمد الراشد :
 أي يقاسون بالكتاب والسنة ، مدى الأخذ بالكتاب والسنة ؟

 

الأدلة نصية وعقلية وواقعية :

الدكتور راتب :
 لذلك أقول : عود نفسك ألا تقبل شيئاً في الدين إلا بالدليل ، وألا ترفض شيئاً إلا بالدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء .
 ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا .
الزم دينك إنه لحمك ودمك .
 خذ عن الذين استقاموا في عقيدتهم ، وفي سلوكهم ، وفي عطائهم ، وفي أخذهم ، ولا تأخذ عن الذي مالوا .
الدكتور محمد الراشد :
 عفواً دكتور ، ما المقصود بالبحث عن الدليل هنا ، عوام الناس كيف يعرفون الدليل؟
الدكتور راتب :
 إذا قال لك أحدهم : اعمل كذا ، أقول له : ما الدليل ؟ يقول : قال تعالى ، واضحة، ما الدليل ؟ قال : مثلاً حرم عليكم ، دليل نصي ، يوجد دليل نصي ودليل عقلي ودليل واقعي.
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا كما لا يخفى عليكم أن البعض الآن يؤول بعض الأدلة ، ما التوجيه لمثل هؤلاء ؟
الدكتور راتب :
 والله أنا لي يقين أن الحق من ثماره اليانعة الطمأنينة ، أحياناً تسأل سؤالاً لا ترتاح له إطلاقاً ، إذا لم ترتاح للإجابة ابحث عن عالم أكثر ورعاً من الأول ، أنت الله أعطاك فطرة متطابقة تطابقاً تاماً مع حاجات الإنسان ، ما دليلها ؟

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم : 30]

 إذاً قولاً واحداً فكل شيء أمر الله به ترتاح له ، وكل شيء نهى الله عنه تشمئز منه، مثلاً شخص دخل إلى البيت الساعة الواحدة ليلاً ، طلبت والدته دواء ، قال لها : كله مغلق سكتت ، هو يعلم بوجود صيدليات مناوبة ، أما لو ذهب وبحث عن هذا الدواء في هذه الصيدليات ولم يجده يعود ، في الحالتين الأم لم تأخذ الدواء ، في الثانية ينام مطمئناً ، في الأولى لا ينام مطمئناً .

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة : 14- 15]

الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا ، بما أننا نتكلم في قواعد الدعوة إلى الله ، وأنتم لكم باع طويل في الدعوة ، نريد أجمل المواقف التي مرت بكم في مسيرة دعوتكم إلى الله سبحانه وتعالى .

 

الله تعالى ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليقبل توبتنا :

الدكتور راتب :
 والله أنا طبعاً حينما ألف الناس أن يمدحوا ، وأنا في موقف ما مدحت إطلاقاً ، هذا موقف ومتميز جداً كان ، ودفعت ثمنه باهظاً .
الدكتور محمد الراشد :
 نصيحتك شيخنا إلى من يقوم بمثل هذا ؟
الدكتور راتب :
 التوبة ، عودوا إلى الصحيح ، عودوا إلى الصواب ، والله يقبل التوبة عن عباده ، ما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليقبل توبتنا .
الدكتور محمد الراشد :
 ونحن قد تكلمنا سابقاً عن الذنوب وكل إنسان معرض للوقوع في الخطأ ، ومعرض للوقوع في الذنب .
الدكتور راتب :
 لكن بالمناسبة ، أسهل توبة أول توبة .
الدكتور محمد الراشد :
 بمعنى ؟
الدكتور راتب :
 مثلاً شخص ارتكب خطأ وتاب ، الله قَبِل توبته ، لكن عندما وقع بخطأ مرة ثانية بعد التوبة أصبح عنده شعور أن الله لن يقبله ، أنا أقترح عليه أن يقدم صدقة ، يدعم توبته الثانية بالصدقة ، حتى يقبله الله .
الدكتور محمد الراشد :
 إذاً هذه شيخنا تتكرر ، أي يقول إن التوبة الثانية مثل الأولى ، والثالثة مثل الثانية.

الشيء الذي يتوهم صاحبه أنه لا يستطيعه هو الشيء الذي لا يريد أن يفعله :

الدكتور راتب :
 إذا تكررت دائماً معنى ذلك أنه ليس لديه إرادة إطلاقاً ، والذي لا إرادة عنده هو خارج نطاق هذا المنهج كله ، الذي لا إرادة عنده إطلاقاً ، الشيء الذي يتوهم الإنسان أنه لا يستطيعه قطعاً هو الشيء الذي لا يريد أن يفعله ، كلام دقيق جداً ، الشيء الذي يتوهم صاحبه أنه لا يستطيعه هو الشيء الذي لا يريد صاحبه أن يفعله ، لأنه :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

[ سورة البقرة : 286 ]

 هذه آية جامعة ، مانعة ، قاطعة .
الدكتور محمد الراشد :
 فلا يجد الإنسان العذر إلى نفسه إذا أراد مثلاً أن يذهب .
الدكتور راتب :
 والدليل :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة : 14- 15]

 الذي ذهب ليأتي بالدواء ولم يجده ينام مرتاحاً ، أما الأول ما نام مرتاحاً ، مع أن الوالدة سكتت .
الدكتور محمد الراشد :
 شيخنا ، بما أنك ذكرت الوالد والوالدة ونود أن تكون حلقتنا شيخنا أيضاً واقعية تلامس الواقع ، نريد أن نعود للأبناء ، هل الآباء في البيوت يعدون هم دعاة لأبنائهم ؟
الدكتور راتب :
 لا ليس شرطاً .

(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))

[الطبراني عن عمران بن حصين]

﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ﴾

[ سورة الإسراء : 28]

الدكتور محمد الراشد :
 أقصد شيخنا الوالدين من حيث القدوة ، هم يكونون قدوة لأبنائهم ؟
الدكتور راتب :
 هكذا الأصل ، إن لم يكونوا كذلك تبحث عن قدوة في غير أمك وأبيك .
الدكتور محمد الراشد :
 والخلاصة في هذا شيخنا نجده في القواعد التي ذكرناها كلها .
الدكتور راتب :
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء جاهلاً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، هذا ملخص الملخص .

 

خاتمة و توديع :

الدكتور محمد الراشد :
 والله المستعان ، شكراً لكم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وجعل ما قدمت شيخنا في ميزان حسناتك ، الدعوة إلى الله ليست ميدان تجربة ، يجرب فيها الناس ، بل لها قواعد عند أهلها ولها علوم لا بد أن يمر عليها كل من شرفه الله بحمل الأمانة بالدعوة إلى الله ، وهذا ليس عسيراً ولا صعباً على من أراد التعلم ، وبذل الجهد .
 وصدق الشافعي رحمه الله حينما قال :

تعلم فليس المرء يولد عالماً  وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده  صغير إذا التفت عليه الجحافل
***

 أيها الأحبة ؛ في ختام هذا اللقاء لا يسعنا إلا أن نتقدم لكم بالشكر الجزيل على طيب المتابعة ، نستودع الله دينكم ، وأمانتكم ، وخواتيم أعمالكم .
 والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

&nbs

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور